شفاء السّقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله

علي بن عبدالكافي بن علي أبوالحسن الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي [ تقي الدين السبكي ]

شفاء السّقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله

المؤلف:

علي بن عبدالكافي بن علي أبوالحسن الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي [ تقي الدين السبكي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دائرة المعارف العثمانيّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

باتفاق المسلمين ، حتّى أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها لمّا أنكرت سماع أهل القليب ، وافقت على العلم وقالت : إنّما قال : «إنّهم الآن ليعلمون أنّ ما كنت أقول لهم حقّ».

بل غير المسلمين من الفلاسفة وغيرهم ممّن يقول ببقاء النفوس ، يقولون بالعلم بعد الموت ، ولم يخالف في بقاء النفوس إلّا من لا يعتدّ به.

وليس مرادنا أنّها واجبة البقاء ، كما قال به بعض أهل الزيغ والإلحاد ، ولا أنّها تبقى دائماً وإن كانت ممكنة ، فإنّه قد يفنيها الله تعالى عند فناء العالم ، ثمّ يعيدها ، إنّما المراد أنّها تبقى بعد موت البدن ، ثمّ بعد ذلك إن فنيت اعيدت مع البدن يوم القيامة ، وإن لم تفنَ اعيد البدن ورجعت.

وما دامت باقية تدرك المعقولات بلا إشكال.

وأمّا إدراكها للمحسوسات كالسمع وغيره ، ففي حال تعلّقها بالبدن اختلف المتكلّمون هل هي المدركة فقط ـ والحواسّ بمنزلة الطاقات ـ أو الحواسّ تدرك ، ثمّ تنقل إليها؟ كالحجّاب يسمعون ، ثمّ ينقلون إلى الملك؟

وعلى كلّ من القولين ، هي مدركة للمسموع ، ولم يقم دليل على أنّ اتصالها بالبدن شرط في هذا الإدراك ، بل الظاهر أنّه ليس بشرط ، كما أنّه ليس بشرط في العلم بالمعقولات ، ونحن يكفينا بيان إمكان ذلك عقلاً ، فإذا ورد به سمع اتُّبِع.

ولسنا في مقام إثباته بمجرّد العقل ، بل في مقام عدم استحالته ؛ وأنّه ليس الأمر على ما توهّمه السائل.

وما ذكره من مشروطيّة السمع بالحياة صحيح ، والحياة تتّصف الروح بها ، وبيان ذلك يحوج إلى الكلام في حقيقة النفس.

وقد أكثر الناس الكلام فيها والتصانيف ، وتباينت فيها أقوال الناس ، هل هي جسم ، أو عرض ، أو مجموعهما ، أو جوهر فرد متحيّز ، أو جوهر مجرّد غير

٣٦١

متحيّز؟ ولا يمكن قول سادس ، وإنّما الكلام في تعيين واحد من الخمسة.

ومن الناس من توقّف فيها ، وهو أسلم ، وحمل على ذلك قوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) وأنّه لم يأمره أن يبيّنها لهم.

ومنهم من قال : إنّها جسم ، وهؤلاء تنوّعوا أنواعاً ، أمثلها قول من قال : إنّها أجسام لطيفة مشتبكة بالأجسام الكثيفة ، أجرى الله العادة بالحياة مع بقائها ، وهو مذهب جمهور أهل السنّة ، وإلى ذلك يشير قول الأشعريّ ، والباقلّاني ، وإمام الحرمين ، وغيرهم ، ويوافقهم قول كثير من قدماء الفلاسفة.

ومنهم من قال : إنّها عرض خاصّ ، ولم يعيّنه ، قاله جماعة من المتكلّمين ، ونصره الهرّاسي من أصحابنا.

ومنهم من عيّنه ، وتنوّعوا في ذلك أنواعاً.

ومنهم من قال : إنّها جوهر فرد متحيّز ، نقل ذلك سيف الدين الآمديّ عن الغزاليّ ومعمر وغيرهما من الإسلاميّين القائلين : بأنّها بسيطة.

والقائلون بهذه الأقوال الثلاثة يقولون : إنّ قوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) جواب ؛ فإنّ أمر الربّ هو الشرع والكتاب الذي جاء به ، فمن دخل في الشرع وتفقّه في الكتاب والسنّة ، عرف الروح ، فكان معنى الكلام : ادخلوا في الدين تعرفوا ما سألتم عنه.

على أنّه قد قيل : إنهم لم يسألوا عن الروح الإنسانيّ ، بل عن ملك من الملائكة ، والأقوال في ذلك مذكورة في التفسير.

وقيل : ليس سؤالاً عن حقيقتها ، بل عن حدوثها ، وأجابهم بما يدلّ على حدوثها ؛ وأنّها من فعل الله تعالى.

وكلّ من قال : بأنّها جسم ، يجوّز اتصافها بالحياة ، وأمّا القول : بأنّها عرض ، فبعيد.

٣٦٢

ومن الناس من قال : الروح جوهر مجرّد لا متحيّز ، ولا حالّ في متحيّز ، وهو مذهب حذّاق الفلاسفة ، والذي يظهر أنّ هذا مذهب الغزاليّ أيضاً ، وهكذا هو في «المضنون به على غير أهله الكبير» و «المضنون به على غير أهله الصغير» ولكنّ الآمديّ نقل عنه ما ذكرت.

و «المضنون الكبير» فيه أشياء من اعتقاد الفلاسفة خارجة عن اعتقاد المسلمين ، ولذلك إنّ بعض الفضلاء كان ينكر نسبته إلى الغزاليّ رحمه‌الله (١).

وهو في «الإحياء» في شرح عجائب القلب لم يفصح بذلك ، وإنّما قال : إنّها لطيفة ربّانية روحانيّة هي حقيقة الإنسان ، وهي المدرك العالم العارف من الإنسان ، وهي المخاطب المطالب ، ولهذه اللطيفة علاقة مع القلب الجسمانيّ ، وقد تحيّر أكثر العقول في إدراك وجه علاقته.

وقال : إنّ هذه اللطيفة الربّانية يطلق عليها «الروح» و «النفس» و «القلب» و «العقل» وهي غير الروح الجسمانيّ ، وغير النفس الشهوانيّة ، وغير القلب الصنوبريّ ، وغير العقل الذي هو العلوم ، فالمعاني خمسة ، والألفاظ أربعة ، كلّ لفظ

__________________

(١) وعلى ذكر هذا الكتاب ، نورد هذه الظريفة التي سجّلناها من قبل :

قال الوهابيّ السلفي مشهور حسن في كتابه (كتب حذر العلماء منها ١ : ٤٥) ما نصّه : الصنعاني (ت ١١٨٢) اصيبَ بالإسهال ، وطلب له العلاج ، فجيء له بكتابين : الأول (الإنسان الكامل) للجيلي ، والآخر (المظنون به على أهله «كذا!») للغزالي.

قال الصنعاني : طالعت الكتابين فوجدت فيهما كفراً صريحاً! فأمرت بإحراقهما بالنار ، وان يُطبخ على نارهما خبزٌ لي!

فأكل من ذلك الخبز بنيّة الشفاء (!) فما شكا بعد ذلك مرضاً.

نقول : لم يفهم جرو السلفية المغمور أنّه دلّ بهذا على كفر الصنعاني الذي طلب الشفاء من غير الله! وبإحراق الكتابين المشتملين على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأسماء الله والأنبياء!! وإن كان له في ذلك اسوة بسلفه!!

٣٦٣

لمعنيين ، هذا كلامه في «الإحياء» (١).

واتفق الأطباء على أنّ في بدن الإنسان ثلاثة أرواح :

روح طبيعيّ ؛ وهو جسم لطيف معدنه الكبد ، ثمّ ينبثّ في سائر البدن ، ويحمل القوى الطبيعيّة.

وروح حيوانيّ ؛ وهو جسم لطيف معدنه القلب ، ويثبت في سائر البدن ، ويحمل قوّة الحياة.

وروح نفسانيّ ؛ وهو جسم لطيف معدنه الدماغ ، وينبث في سائر البدن ، وفعله الحسّ والحركة.

وهذه الأرواح تشترك فيها الحيوانات ، ولم يتكلّموا في النفس الناطقة الخاصّة بالإنسان التي هي غرضنا هنا.

إذا عرف ذلك ، فالفلاسفة القائلون في النفس الناطقة : إنّها جوهر مجرّد ، فإنّهم يقولون : إنّه حيّ عالم متكلّم سميع بصير قادر مريد ، ولكنّه ممكن بإيجاد الله تعالى ، حادث بعد العدم مخلوق.

وقد يطلقون «المخلوق» على ما له كمّية يدخل بسببها تحت المساحة والتقدير ، ويقولون : عالم الخلق ما كان كذلك ، وعالم الأمر : الموجودات الخارجة عن الحسّ والخيال والجهة والمكان والتحيّز ، وهو ما لا يدخل تحت المساحة والتقدير ؛ لانتفاء الكمّية عنه.

والمنتصرون لهذا يجعلون قوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) جواباً بأنّها من عالم الأمر.

والمتكلّمون من المسلمين لا يثبتون هذا الوصف إلّا لله تعالى ، ويقولون : كلّ

__________________

(١) إحياء علوم الدين للغزالي (٣ / ٩) كتاب شرح عجائب القلب ، باب بيان معنى الروح والنفس والقلب والعقل.

٣٦٤

ممكن فهو إمّا متحيّز ، وإمّا حالّ في المتحيّز ، والفلاسفة يثبتونه ، وهو أشرف الممكنات عندهم ؛ لأنّه لا يحتاج إلّا إلى موجِده فقط.

ولكلّ من المتكلّمين والفلاسفة على نفيه وإثباته أدلّة ليست بالقويّة ، والآية الكريمة ليس فيها دليل لهم ، كما عرف في التفسير.

وظواهر الشريعة تقتضي أنّ الروح متحيّزة ، فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يحضر الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحاً قالوا : اخرجي أيّتها النفس المطمئنّة ، كنت في الجسد الطيّب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، وربّ راضٍ غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج ثمّ يعرج بها إلى السماء ، فتفتح لها ، فيقال : من هذا؟

فيقولون : فلان بن فلان.

فيقال : مرحباً بالنفس المطمئنّة ، كانت في الجسد الطيّب ، ادخلي حميدة ، وأبْشِري بروح وريحان ، وربّ راض غير غضبان.

فلا يزال يقال لها هذا حتّى تنتهي» يعني إلى علّيين (١).

ووردت أحاديث كثيرة بمعنى هذا ، والقرآن يشهد له ، قال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) الآية.

وقال تعالى : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) جاء أنّها الأنفس الخبيثة.

وقد يقال : إنّ الإشارة بذلك إلى الروح الحيوانيّ ، ولعلّ الروح الحيوانيّ الموجود في الإنسان يبقى بعد الموت ، وينتقل إلى علّيين أو سجّين ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) أخرجه سنن النسائي (٤ / ٨). ومنسد أحمد (٢ / ٣٦٤) و (٦ / ١٤٠). وسنن ابن ماجة (٢ / ١٤٢٤) ح ٤٢٦٢. وانظر مجمع الزوائد (٢ / ٣٢٨).

٣٦٥
٣٦٦

الباب العاشر :

في

الشفاعة

٣٦٧
٣٦٨

ووجه ذكرها شرح متن الحديث الأوّل ؛ وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي»

وختمنا بها الكتاب ؛ لتكون هي خاتمة أمرنا إن شاء الله تعالى.

والقول الجمليّ في الشفاعات الاخروية :

أنّها خمسة أنواع ، وكلّها ثابتة لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعضها لا يدنو أحد إليه سواه ، وفي بعضها يشاركه غيره ، ويكون هو المتقدّم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاختصّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعموم الشفاعة ، وببعض أنواعها ، وأمّا الباقي فيصحّ نسبته إليه ؛ لمشاركته وتقدّمه فيه.

فالشفاعات كلّها راجعة إلى شفاعته ، وهو صاحب الشفاعة بالإطلاق ، فقوله : «شفاعتي» يصحّ أن يكون إشارة إلى النوع المختصّ به ، وإلى العموم ، وإلى الجنس ؛ لنسبة ذلك كلّه إليه ، فهذه لطيفة يجب التنبّه لها.

وأمّا التفصيل :

فقال القاضي عياض (١) وغيره : الشفاعة خمسة أقسام :

__________________

(١) الشفاء للقاضي عياض (١ / ٤٣١) باب ٣ فصل (١٠) تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود.

٣٦٩

اولاها : مختصّة بنبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي الإراحة من طول الوقوف ، وتعجيل الحساب.

لا يدنو إليها غيره ، وهي الشفاعة العظمى ، ولم ينكرها أحد.

الثانية : الشفاعة في إدخال قوم الجنّة بغير حساب.

وهذه أيضاً وردت لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تبيّن في الأحاديث التي نذكرها إن شاء الله تعالى.

قال ابن دقيق العيد : ولا أعلم الاختصاص فيها ، أو عدم الاختصاص؟

قلت : ولفظ الحديث الذي يأتي : «فأقول : يا ربّ ، امّتي امّتي ، فيقال : يا محمّد ، أدخل الجنّة من امّتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنّة ، وهم شركاء الناس في ما سوى ذلك من الأبواب» (١).

وحديث دخول قوم الجنّة بغير حساب ، رواه البخاريّ ومسلم من طرق عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعضها : «يدخل من امّتي الجنّة سبعون ألفاً بغير حساب».

فقال رجل : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم.

فقال : «اللهمّ أجعله منهم» والرجل عكاشة (٢).

وفي حديث آخر : قالوا : ومن هم ، يا رسول الله؟

قال : «هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيّرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربّهم يتوكّلون» (٣).

وفي حديث آخر : «عرضت عليَّ الاممُ ، فرأيت النبيّ ومعه الرهط ، والنبيّ

__________________

(١) أخرجه البخاري (٧ / ١٦ و ٢٦ و ١٨٣ و ١٩٨) ومسلم (١ / ١٣٦ ـ ١٣٨).

(٢) صحيح مسلم (١ / ١٣٦) كتاب الإيمان ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب.

(٣) صحيح مسلم (نفس الموضع).

٣٧٠

معه الرجل والرجلان ، والنبيّ ليس معه أحد ، ورفع لي سواد عظيم ، وتمنّيت أنّهم امّتي ، فقيل لي : هذا موسى عليه‌السلام وقومه ، ولكن انظر إلى الافق ، فنظرت فإذا هو سواد عظيم ، فقيل لي : انظر إلى الافق الآخر ، فنظرت فإذا سواد عظيم.

فقيل لي : هذه امّتك ، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب» (١).

وفي حديث آخر : «وهؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب» (٢).

وفي حديث آخر : «يدخل من امّتي زمرة هم سبعون ألفاً ، تُضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر» (٣).

وهذه الأحاديث كلّها في الصحيح.

وفي حديث آخر في الصحيح : «لا يدخل أوّلهم حتّى يدخل آخرهم» (٤).

وهو إشارة إلى سعة باب الجنّة ، وسيأتي التصريح به.

وقوله : «أوّلهم» و «آخرهم» :

إمّا أن يراد به الدنيا ؛ وأنّ المتقدّم في الزمان والمتأخّر يدخلون دفعة واحدة.

وإمّا أن تكون كناية عن سرعة تعاقبهم ؛ فإنّهم يدخلون متماسكين ، وإلّا فيستحيل أن يكون لهم أوّل وآخر في الدخول ، ولا يدخل أوّلهم قبل

__________________

(١) صحيح البخاري (٨ / ٤٩٥) كتاب الرقاق ، باب (٨٢١) يدخل الجنّة سبعون ألفاً بغير حساب ح ١٤٠٦.

(٢) صحيح البخاري (٧ / ١٩٩).

(٣) صحيح البخاري (٧ / ١٩٩ و ٢٠١) ، صحيح البخاري (٨ / ٤٩٥) ح ١٤٠٧ ، ومسلم (١ / ١٢٢ و ١٣٦).

(٤) صحيح مسلم (١ / ١٣٨) كتاب الايمان ، باب الدليل على دخول طوائف ....

٣٧١

آخرهم حقيقة.

إذا عرفت ذلك ، فلا شكّ أنّ زمرة تدخل الجنّة بغير حساب ، وهم بالصفة المذكورة في الحديث ، وقد دخل فيهم عكاشة رضى الله عنه بدعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والظاهر أنّ كلّ من حصلت له الصفة المذكورة في الحديث استحقّ هذا الجزاء ، لكنّ دخولهم الجنّة متوقّف على شفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا شفع أذن الله له بإدخالهم من الباب الأيمن ، كما هو ظاهر الحديث ، فإنّه جعل «كونهم لا حساب عليهم» وصفاً ثابتاً لهم.

ويحتمل أن ذلك الجزاء إنّما يستحقّونه بشرط الشفاعة وإن اشتملوا على الصفات المذكورة ، لكن لم يدلّ دليل على هذا.

وأعني بالحديث المذكور قوله تعالى : «أدخل الجنّة من لا حساب عليه».

وأمّا أنّ شخصاً لا يتّصف بالصفة المذكورة في الحديث ، ويكون ممّن يستحقّ الحساب ، فهل يشفع فيه حتّى يدخل الجنّة بغير حساب ، أو لا؟

لفظ الحديث لا يدلّ على ذلك بنفي ولا إثبات.

وظاهر قوله : «سبعون ألفاً» أنّهم لا يزيدون على ذلك ، وأنّهم كلّهم بالصفة المذكورة.

وهل من الامم السابقة من غير الأنبياء مَنْ يدخل الجنّة بغير حساب؟

لم يرد فيه شيء بنفي ولا إثبات.

وقال أبو طالب عقيل بن عطيّة رحمه‌الله : الظاهر أنّ فيهم من هو كذلك.

قلت : وعلى كلّ من التقادير المفروضة ، فالخصوصيّة ثابتة لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إدخال أوّل زمرة من امّته الجنّة بشفاعته ؛ فإنّ شفاعته المذكورة تكون في أوّل مقام الشفاعة قبل أن تجعل الشفاعة لغيره ، ويترتب عليها الإذن في إدخال الزمرة المذكورة ، وهي أوّل من يدخل الجنّة كما سيأتي.

٣٧٢

وهذا المعنى لا يشاركه أحد فيه ؛ سواء كان في الامم المتقدّمة من يدخل بغير حساب ، ويحتاج إلى شفاعة نبيّه ، أو لا.

وحينئذٍ تكون العبارة المحرّرة عن هذه الشفاعة : أنّها شفاعة في استفتاح الجنّة ، وإدخال أوّل زمرة تدخلها.

وهي في الرتبة الثانية من الشفاعة العظمى التي لفصل القضاء والإراحة من طول الوقوف في ذلك المكان.

وعبارة القاضي عياض ومن تابعه ، تقتضي إثبات شفاعته في إسقاط الحساب ، وهو من الامور الجائزة عقلاً ، فإن ورد به سمع اتُّبِعَ.

والقاضي عياض وغيره لمّا ذكروا ذلك ، أشاروا إلى الحديث المذكور ، وقد بيّنا ما يقتضيه ، وسنذكر في بعض أحاديث الشفاعة سؤال المؤمنين لآدم عليه‌السلام في استفتاح الجنّة ، ونتكلّم على كون السؤال مرّتين أو مرّة.

وعلى كلّ تقدير ، فالشفاعة في استفتاح الجنّة ، متأخّرة الرتبة عن الشفاعة في فصل القضاء ، فيصلح عدّه شفاعة ثانية ، وكلاهما خاصّ بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير شكّ.

ومن تأمّل الأحاديث التي سنذكرها عرف : أنّ أوّل فصل القضاء تميّز الامم ، والأمر بأن تتبع كلّ امّة ما كانت تعبد ، إلى أن لا يبقى إلّا المؤمنون ، فيدخلون الجنّة زمراً ، وجميع ذلك ـ والله أعلم ـ يعطاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل مرّة إذا رفع رأسه من السجود وشفع ، وقيل له : «أدخل الجنّة من لا حساب عليه من امّتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب» (١).

وقوله : «وهم» يعود على الامّة ، فإمّا أن يحمل على من لا يدخل النار ، أو على الجميع ، ويكون ذلك بشرى للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدخولهم جميعهم الجنّة وإن تأخّر

__________________

(١) أخرجه صحيح البخاري (٥ / ٢٢٧) وصحيح مسلم (١ / ١٢٩) ومسند أحمد (٢ / ٤٣٦).

٣٧٣

بعضهم ، ثمّ السجدات الباقية لإخراج المذنبين من النار.

ولعلّ السبعين ألفاً يدخلون بغير عرض ؛ فإنّ ظاهر الحديث يقتضي أنّه لا حساب عليهم أصلاً ، ومن يحاسب حساباً يسيراً خارج عنهم ، والحساب اليسير هو العرض ، كما جاء تفسيره في الحديث الصحيح ، وكلا القسمين لا يعذّب ، ومن نوقش الحساب عذّب.

الشفاعة الثالثة : الشفاعة لقوم استوجبوا النار ، فيشفع فيهم نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن يشاء الله

هكذا ذكره القاضي عياض ، وأشار بذلك إلى ما سنذكره في حديث أبي سعيد من قوله : «ثمّ يضرب الجسر على جهنّم ، وتحلّ الشفاعة ، فيقولون : اللهمّ سلّم سلّم».

وظاهر هذا أنّها شفاعة تحلّ بعد وضع الصراط بعد الشفاعتين الاوليين ، وأنّها في إجازة الصراط ، ويلزم من ذلك النجاة من النار.

ولم يرد تصريح بذلك ، ولا بكونها مختصّة ، أو غير مختصّة ، لكن سيأتي في الأحاديث : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون في ذلك اليوم إمام النبيّين ، وصاحبَ شفاعتهم ، فكلّ ما يقع من شفاعتهم ينسب إليه بذلك ، فلا يخرج شيء عن شفاعته ؛ لا من أنواع الشفاعة ، ولا من الأشخاص المشفوع فيهم من ملّته ، ومن غير ملّته ؛ لأنّه إذا كان صاحب شفاعة الأنبياء ، والكلّ تحت لوائه ، فكلّ من شفعوا فيه فبسببه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدّموا للشفاعة فيه ، وإجابة شفاعتهم إجابة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فكلّ من تقع شفاعة النبيّين فيه ، داخل تحت شفاعة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شفع فيه المؤمنون كذلك بطريق الأولى ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيع الشفعاء.

الشفاعة الرابعة : فيمن دخل النار من المذنبين

وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإخراجهم من النار بشفاعة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٧٤

وسائر الأنبياء ، والملائكة ، وإخوانهم من المؤمنين «ثمّ يخرج الله تعالى كلّ من قال : لا إله إلّا الله» كما جاء في الحديث (١) ، ولا يبقى فيها إلّا الكافرون.

وهذه الشفاعة ، والشفاعة الاولى العظمى : تواترت الأحاديث بهما ، واختصاص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعظمى كما سبق.

وأمّا هذه فقد جاء فيها شفاعة الملائكة ، والأنبياء ، والمؤمنين ، وأنّ الله تعالى بعد ذلك يخرج برحمته من قال : لا إله إلّا الله.

وفيه أقوال سنذكرها ، أحسنها أنّه من قال من غير هذه الامّة «لا إله إلّا الله» ولم يشمله شفاعة أنبيائهم وغيرهم من الشافعين.

أمّا هذه الامّة فكلّها يخرج بشفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن وقع في بعضهم شفاعة لإخوانهم من المؤمنين ، فهي في طيّ شفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أشرنا إليه فيما سبق.

وإذا ثبت ذلك ، فاختصاصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا النوع بإخراج عموم امّته حتّى لا يبقى منهم أحد ، وهذا هو الموافق لعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شفاعتي لأهل الكبائر من امّتي» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة ، فتعجّل كلّ نبيّ دعوته ، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لُامّتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من امّتي لا يشرك بالله شيئاً» رواه مسلم من طرق ، وروى البخاريّ طرفاً منه (٣).

__________________

(١) أخرج الترمذي في السنن (٤ / ١١١) وانظر : المغني لابن قدامة (٢ / ٣٠١) متفق على هذه الأحاديث.

(٢) أخرجه أحمد في المسند (٣ / ٢١٣) وسنن أبي داود (٢ / ٤٢١) وسنن ابن ماجة (٢ / ١٤٤١) ح (٤٣١٠) ، والترمذي (٤ / ٤٥) ح (٢٥٥٢) وبعده ومستدرك الحاكم (١ / ٦٩ و ٣٨٢) والسنن الكبرى للبيهقي (٨ / ١٧).

(٣) صحيح مسلم (١ / ١٣١) ، صحيح البخاري قوله (ولكل نبيّ دعوة) في (٧ / ١٤٤). ومسند أحمد (٢ / ٢٧٥ و ٤٢٦).

٣٧٥

وقولِه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتاني آتٍ من عند ربّي عزوجل ، فخيّرني بين أن يدخل الجنّة نصف امّتي ، أو بين الشفاعة ، فاخترت الشفاعة ، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً» رواه الترمذيّ (١).

وقولِه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خيّرت بين الشفاعة ، وبين أن يدخل نصف امّتي الجنّة ، فاخترت الشفاعة ، لأنّها أعمّ وأكثر ، ترونها للمؤمنين المتقين؟! لا ، ولكنّها للمذنبين الخطّائين المتلوّثين» رواه ابن ماجة (٢).

فهذه العمومات كلّها متظافرة على عموم شفاعته لكلّ الامّة ، وكذلك قوله بين يدي الله تعالى يوم القيامة : «امّتي ، امّتي» وهي دعوة يتحقّق استجابتها.

وقد قال العلماء في قوله : «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة» : إنّه على يقين من إجابتها ، وباقي دعواته يرجوها ، فقد ظهر بهذا اختصاصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعموم هذه الشفاعة لكلّ امّته.

الشفاعة الخامسة : في زيادة الدرجات في الجنّة لأهلها

ذكرها القاضي عياض وغيره ، ولا ينكرها المعتزلة أيضاً ، ولم أجد في الأحاديث تصريحاً بها.

لكن عبد الجليل القصريّ في كتاب «شعب الإيمان» له ، ذكر في تفسير الوسيلة التي اختصّ بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّها التوسّل ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون في الجنّة بمنزلة الوزير من الملك ـ بغير تمثيل ـ لا يصل إلى أحد شيء إلّا بواسطته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا كان كذلك فهذه أيضاً خاصّة به.

هذا تفصيل الشفاعات الخمس ، ومن تأمّلها وعرف عموم شفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها ، واختصاصه بما اختصّ منها ، وأمعن النظر في ذلك ، عرف عليَّ قدر رتبة هذا

__________________

(١) سنن الترمذي (٤ / ٤٧) ح (٢٥٥٨).

(٢) سنن ابن ماجة (٢ / ١٤٤١) ح (٤٣١١).

٣٧٦

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلّما أمعن في ذلك ازداد اعتقاداً ، وهو كما قال القائل :

يزيدك وجهه حسناً

إذا ما زدته نظراً

وقد رأيت أن لا اخلي هذا الكتاب من أحاديث الشفاعة على سبيل الاختصار.

فمن ذلك ما رواه البخاريّ ومسلم رحمهما‌الله تعالى في «صحيحيهما» من حديث أبي هريرة رضى الله عنه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أنا سيّد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، فيسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس ، فيبلغ الناس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون.

فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون ما أنتم فيه ، ألا ترون ما قد بلغكم ، ألا تنظرون إلى من يشفعكم إلى ربّكم؟

فيقول بعض الناس لبعض : ائتوا آدم.

فيأتون آدم فيقولون : يا آدم ، أنت أبونا ، أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ، ألا ترى ما قد بلغنا!!

فيقول آدم : إنّ ربّي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنّه نهاني عن الشجرة ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح.

فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح ، أنت أوّل الرسل إلى أهل الأرض ، وسمّاك الله : عبداً شكوراً ، اشفع لنا إلى ربّك ، ألا ترى ما قد بلغنا!!

فيقول لهم : إنّ ربّي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب

٣٧٧

بعده مثله ، وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى إبراهيم.

فيأتون إبراهيم فيقولون : أنت نبيّ الله ، وخليله من أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربّك ، ألا ترى ما نحن فيه ، ألا ترى ما قد بلغنا!!

فيقول لهم إبراهيم : إنّ ربّي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى موسى.

فيأتون موسى فيقولون : يا موسى ، أنت رسول الله ، فضّلك الله برسالاته ، وبتكليمه على الناس ، اشفع لنا إلى ربّك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما قد بلغنا!!

فيقول لهم موسى : إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنّي قتلت نفساً لم أؤمَر بقتلها ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى عيسى.

فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى ، أنت رسول الله ، وكلّمت الناس في المهد ، وكلمة منه ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، فاشفع لنا إلى ربّك ، ألا ترى ما نحن فيه ، ألا ترى ما قد بلغنا!!

فيقول لهم عيسى : إنّ ربّي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ـ ولم يذكر له ذنباً ـ نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد.

فيأتون فيقولون : يا محمّد ، أنت رسول الله خاتم الأنبياء ، وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ، اشفع لنا إلى ربّك ، ألا ترى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما قد بلغنا!!

فأنطلقُ ، فآتي تحت العرش ، فأقع ساجداً لربّي ، ثمّ يفتح الله عليّ ، ويلهمني

٣٧٨

من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي.

ثمّ يقال : يا محمّد ، ارفع رأسك ، سل تعطه ، اشفع تشفّع.

فأرفع رأسي فأقول : يا ربّ ، امّتي امّتي.

فيقال : يا محمّد ، أدخل من امّتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنّة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب.

والذي نفس محمّد بيده ، إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة لكما بين مكّة وهَجَر ، أو كما بين مكّة وبصرى» هذا لفظ مسلم (١).

وذكره البخاريّ في مواضع مقطّعاً ، وذكره بطوله في سورة بني إسرائيل ، وذكر فيه من قول آدم ومن دونه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام : «نفسي ، نفسي ، نفسي» ذكرها ثلاثاً ، وقال : «امّتي يا ربّ ، امّتي يا ربّ ، امّتي يا ربّ» (٢).

وروى البخاريّ ومسلم أيضاً عن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض ، فيأتون آدم ، فيقولون له : اشفع لذرّيتك!

فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بإبراهيم ؛ فإنّه خليل الله.

فيأتون إبراهيم ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بموسى ؛ فإنّه كليم الله تعالى.

فيؤتى موسى ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بعيسى ؛ فإنّه روح الله وكلمته.

فيأتون عيسى ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بمحمّد.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيأتوني ، فأقول : أنا لها ، فأنطلق فأستأذن على ربّي فيؤذن لي ، فأقوم بين يديه ، فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن ؛ يلهمنيها الله ، ثمّ أخرّ له ساجداً.

__________________

(١) صحيح مسلم (١ / ١٢٧) كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنّة منزلة فيها.

(٢) صحيح البخاري (٦ / ٤٣٦) كتاب تفسير القرآن ، باب (٣٨٨) ح (١١٣٧).

٣٧٩

فيقال لي : يا محمّد ، ارفع رأسك ، وقل ، يُسمع لك ، وسل تُعطه ، واشفع تُشفّع.

فأقول : امّتي امّتي.

فيقال لي : انطلق فمن كان في قلبه مثال حبّة من بِرٍّ أو شعيرة من إيمان ، فأخرجه منها.

فأنطلقُ فأفعل ، ثمّ أرجع إلى ربّي ، فأحمده بتلك المحامد ، ثمّ أخرّ له ساجداً.

فيقال لي : يا محمّد ، ارفع رأسك ، وقل ، يُسمع لك ، وسل ، تُعطه ، واشفع تُشفّع.

فأقول : يا ربّ ، امّتي امّتي.

فيقال لي : انطلق فمن كان في قلبه مثال حبّة من خردل من إيمان فأخرجه منها.

فأنطلقُ فأفعل ، ثمّ أعود إلى ربّي فأحمده بتلك المحامد ، ثمّ أخرّ له ساجداً.

فيقال لي : يا محمّد ، ارفع رأسك ، وقل ، يُسمع لك ، وسل تُعطه ، واشفع تُشفّع.

فأقول : يا ربّ ، امّتي امّتي.

فيقال لي : انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثال حبّة من خردل من إيمان ، فأخرجه من النار.

فأنطلقُ فأفعل ، ثمّ أرجع إلى ربّي في الرابعة ، فأحمده بتلك المحامد ، ثمّ أخرّ له ساجداً.

فيقال لي : يا محمّد ، ارفع رأسك ، وقل ، يُسمع لك ، وسل تُعطه ، واشفع تُشفّع.

فأقول : يا ربّ ، ائذن لي فيمن قال : لا إله إلّا الله.

قال : «ليس ذلك لك» أو قال : «ليس ذلك إليك ، ولكن وعزّتي وكبريائي ،

٣٨٠