نظرة في كتاب البداية والنهاية

المؤلف:

العلامة الأميني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٦

فقال : ما أقول هو : أوَّل من صلّى إلى القبلة ، وأجاب دعوة رسول الله ، وإنَّ لعليّ منزلة من ربِّه وقرابة من رسوله ، وقد سبقت له سوابق لا يستطيع ردَّها أحدٌ.

فغضب الحجّاج غضباً شديداً وقام عن سريره فدخل بعض البيوت.

وقال رجل للحسن : ما لنا لا نراك تثني على عليٌ وتقرّظه؟

قال كيف؟ وسيف الحجّاج يقطر دماً ، إنَّه أوَّل من أسلم ، وحسبكم بذلك.

رسالة الاسكافي كما في شرح ابن ابي الحديد ٣ / ٢٥٨ (١).

٩٣ ـ الإمام محمّد بن عليِّ الباقر قال : أوَّل من آمن بالله عليُّ بن ابي طالب وهو ابن إحدى عشرة سنة.

شرح ابن ابي الحديد ٣ / ٢٦٠ (٢).

٩٤ ـ قتادة بن دعامة الأكمة البصري قال : عليٌّ أوَّل من أسلم بعد خديجة. أخرجه أحمد كما سمعت ، والقسطلاني عدّه ممّن قال به في المواهب ١ / ٤٥ وأقرّه الزرقاني في شرحه ١ / ٢٤٢.

__________________

(١) المصدر السابق ١٣ / ٢٣١.

(٢) المصدر السابق ١٣ / ٢٣٥.

٦١

٩٥ ـ محمّد بن مسلم المعروف بابن شهاب (١) : عدَّه القسطلاني في المواهب ١ / ٤٥ وأقرّه الزرقاني في شرحه ١ / ٢٤٢ من القائلين بأنَّ علياً أوَّل مَن أسلم.

٩٦ ـ ابو عبد الله محمّد بن المكندر المدني قال : عليٌّ أوَّل من أسلم.

تاريخ الطبري ٢ / ٢١٣ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ٢٢.

٩٧ ـ ابو حازم سلمة بن دينار المدني قال : عليٌّ أوَّل من أسلم.

تاريخ الطبري ٢ / ٢١٣ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ٢٢.

٩٨ ـ ابو عثمان ربيعة بن ابي عبد الرَّحمن المدني قال : عليٌّ أوَّل من أسلم.

تاريخ الطبري ٢ / ٢١٣ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ٢٢.

٩٩ ـ ابو النضر محمد بن السائب الكلبي قال : عليّ أوَّل من أسلم ، أسلم وهو ابن تسع سنين.

تاريخ الطبري ٢ / ٢١٣ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ٢٢.

١٠٠ ـ محمد بن اسحاق قال : كان أوَّل ذَكر آمن برسول الله (ص) وصلّى معه وصدَّقه بما جاءه من عند الله عليُّ بن ابي طالب ، وهو

__________________

(١) نسبة إلى جد جده. (المؤلف رحمه‌الله)

٦٢

يومئذ ابن عشر سنين (١) ، وكان ممّا أنعم الله به على عليِّ بن ابي طالب إنَّه كان في حجر رسول الله (ص) قبل الإسلام.

وقال : وذكر بعض أهل العلم انَّ رسول الله (ص) كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه عليُّ بن ابي طالب ، مستخفياً من عمِّه ابي طالب وجميع أعمامه وسائر قومه فيصلّيان الصَّلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا.

ثمَّ إنَّ ابا طالب عثر عليهما يوماً وهما يصلِّيان فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بن أخي ما هذا الدين؟ الحديث.

تاريخ الطبري ٢ / ٢١٣ ، سيرة ابن هشام ١ / ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، سيرة ابن سيد الناس ١ / ٩٣ ، الكامل لابن الاثير ٤ / ٢٢ ، شرح ابن ابي الحديد ٣ / ٢٦٠ ، السيرة الحلبية ١ / ٢٨٧ (٢).

١٠١ ـ جنُيد بن عبد الرحمن قال : أتيت من حوران إلى دمشق لآخذ عطائي فصلَّيت الجمعة ثمَّ خرجت من باب الدرج فإذا عليه شيخٌ يقال له : ابو شيبة القاصّ يقصُّ على الناس ، فرغَّب فرغبنا ، وخوَّف فبكينا ، فلمّا انقضى حديثه قال : اختموا مجلسنا بلعن ابي

__________________

(١) في الكامل لابن الاثير ٢ / ٣٢ : احدى عشرة سنة. نقلاً عن ابن اسحاق. (المؤلف رحمه‌الله)

(٢) لاحظ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١٣ / ١٩٩.

٦٣

تراب ، فلعنوا ابا تراب عليه‌السلام ، فالتفت إليَّ من على يميني فقلت له : فمن ابو تراب؟

فقال : عليُّ بن ابي طالب ابن عمّ رسول الله ، وزوج ابنته ، وأوَّل الناس إسلاماً ، وابو الحسن والحسين.

فقلت : ما أصاب هذا القاصّ؟! فقمت إليه وكان ذا وفرة فأخذت وفرته بيدي وجعلت ألطم وجهه وأبطح برأسه الحائط ، فصاح فاجتمع أعوان المسجد فوضعوا ردائي في رقبتي وساقوني حتّى دخلوني على هشام بن عبد الملك وابو شيبة يقدمني ، فصاح يا أمير المؤمنين قاصّك وقاصّ آبائك وأجدادك أتى اليه اليوم أمرٌ عظيمٌ.

قال : من فعل لك؟

فقال : هذا.

فالتفت إليَّ هشام وعنده أشراف النّاس فقال : يا ابا يحيى متى قدمت؟

فقلت : أمس وأنا على المصير إلى أمير المؤمنين ، فادركتني صلاة الجمعة فصلَّيت وخرجت إلى باب الدرج ، فإذا هذا الشيخ قائمٌ يقصُ فجلست إليه فقرأ فسمعنا ، فرغَّب مَن رغَّب ، وخوّف مَن خوّف ، ودعا فأمَّنا ، وقال في آخر كلامه : اختموا مجلسنا بلعن

٦٤

ابي تراب ، فسألت مَن ابو تراب؟ فقيل : عليُّ بن ابي طالب ، أوَّل الناس إسلاماً ، وابن عمَّ رسول الله ، وابو الحسن والحسين ، وزوج بنت رسول الله ، فو الله يا أمير المؤمنين لو ذكر هذا قرابة لك بمثل هذا الذكر ولعنه بمثل هذا اللعن لأحللت به الذي أحللت ، فكيف لا أغضب لصهر رسول الله وزوج ابنته.

فقال هشام : بئس ما صنع.

تاريخ ابن عساكر ٣ / ٤٠٧.

هذه جملة من النصوص النبويَّة ، والكلم المأثورة عن أمير المؤمنين والصحابة والتابعين : في أنَّ عليّاً أول مَن أسلم ، وهي تربو على مائة كلمة ، أضف إليها ما مرَّ ج ٢ / ٢٧٦ من أنَّ أمير المؤمنين سبّاق هذه الامَّة (١).

__________________

(١) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس : ان الآية «السابقون السابقون اولئك المقربون» نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار ، وعلي بن ابي طالب ، وكل رجل منهم سابق امته وعلي أفضلهم ، كما في الدر المنثور للسيوطي ٦ / ١٥٤.

وفي لفظ ابن ابي حاتم : يوشع بن نون بدل حزقيل كما في الدر المنثور أيضاً.

وأخرج الديلمي عن عائشة ، والطبراني وابن الضحاك ، والثعلبي ، وابن مردويه وابن المغازلي عن ابن عباس : ان النبي (ص) قال : «السبق» وفي لفظ : «السّباق» ثلاثة ، فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، وصحاب ياسين إلى عيسى ، والسابق إلى محمد علي بن ابي طالب» ، وزاد الثعالبي في لفظه : فهم

٦٥

واشفع الجميع بما أسلفناه ج ٢ ص ٣٠٦ من أنَّه صلوات الله عليه صدِّيق هذه الامَّة ، وهو الصدِّيق الأكبر (١).

فهل تجد عندئذ مساغاً لمكابرة ابن كثير تجاه هذه الحقيقة الراهنة وقوله : وقد ورد في أنَّه أوَّل من أسلم ... فإذا لا يصحُّ مثل هذه فما الَّذي يصحّ؟ وإن كان لا يصحّ شيء منها فما قيمة تلك الكتب المشحونة بها؟! كلّا ، إنَّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون.

وأنت ترى الرجل يزيف هذه الكلم والنصوص الكثيرة الصحيحة بحكم الحفّاظ الأثبات بكلمة واحدة قارصة ، ويعتمد في إثبات أيِّ أمر يروقه في تاريخه على المراسيل ، والمقاطيع ،

__________________

الصدّيقون وعلي أفضلهم. ورواه محب الدين الطبري في رياضه ١ / ١٥٧ ، الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢ ، والكنجي في كفاية الطالب : ٤٦ ثمّ قال : هذا سندٌ اعتمد عليه الدار قطني واحتج به. (المؤلف رحمه‌الله) انظر الغدير ٢ / ٣٠٦.

(١) روي من طريق الحافظ ابي نعيم ، وابن مردويه ، وابن عساكر وآخرين عن جابر بن عبد الله ، وابن عباس : في قوله تعالى : «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» اي كونوا مع علي بن ابي طالب.

رواه الحافظ السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٢٩٠.

وقال السبط الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص : ٢٥ : قال علماء السير : معناه كونوا مع علي وأهل بيته.

قال ابن عباس : عليُّ سيد الصادقين. (المؤلف رحمه‌الله)

انظر الغدير ٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

٦٦

والآحاد ، ونقل المجاهيل وأفناء الناس.

تذييل

قال المأمون في حديث احتجاجه على أربعين فقيهاً ومناظرته إيّاهم في أنّ أمير المؤمنين أولى الناس بالخلافة :

يا إسحاق أيُّ الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله؟

قلت : الإخلاص بالشهادة.

قال : أليس السبق إلى الإسلام؟

قلت : نعم.

قال : اقرأ ذلك في كتاب الله يقول : «(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) إنَّما عُني من سبق إلى الإسلام ، فهل علمت أحداً سبق عليّاً إلى الإسلام؟

قلت : يا أمير المؤمنين إنَّ عليّاً أسلم وهو حديث السنِّ لا يجوز عليه الحكم ، وابو بكر أسلم وهو مستكملٌ يجوز عليه الحكم.

قال : أخبرني أيّهما أسلم قبلُ؟ ثمَّ اناظرك من بعده في الحداثة والكمال.

قلت : عليٌّ قبل ابي بكر على هذه الشريطة.

فقال : نعم فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم؟ لا يخلو من أن

٦٧

يكون رسول الله (ص) دعاه إلى الإسلام ، أو يكون إلهاماً من الله.

قال : فأطرقت.

فقال لي : يا إسحاق لا تقل إلهاماً فتقدِّمه على رسول الله (ص) ، لأنَّ رسول الله لم يعرف الإسلام حتى أتاه جبريل عن الله تعالى.

قلت : أجل بل دعاه رسول الله إلى الإسلام.

قال : يا إسحاق ، فهل يخلو رسول الله (ص) حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله ، أو تكلّف ذلك من نفسه؟

قال : فأطرقت.

فقال : يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى تكلّف ، فإنَّ الله يقول : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ.)

قلت : أجل ، يا أمير المؤمنين ، بل دعاه بأمر الله.

قال : فهل من صفة الجبّار جلَّ ذكره أن يكلّف رسله دعاء مَن لا يجوز عليه حكمٌ؟

قلت : أعوذ بالله.

قال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق إنّ عليّاً أسلم صبيّاً لا يجوز عليه الحكم قد تكلّف رسول الله (ص) من دعاء الصبيان ما لا يطيقون ، فهل يدعوهم الساعة ويرتدّون بعد ساعة ، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيءٌ ، ولا يجوز عليهم حكم الرَّسول عليه‌السلام؟

٦٨

أترى هذا جائزاً عندك أن تنسبه إلى رسول الله (ص)؟!

قلت : أعوذ بالله ... الحديث.

العقد الفريد ٣ / ٤٣.

وقال ابو جعفر الإسكافي المعتزلي المتوفّى ٢٤٠ في رسالته :

قد روى الناس كافّة افتخار عليّ عليه‌السلام بالسبق إلى الإسلام ، وأنَّ النبيَّ (ص) استنبئ يوم الاثنين وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء ، وأنّه كان يقول : صلّيت قبل النَّاس سبع سنين ، وانّه ما زال يقول : أنا أوَّل من أسلم ويفتخر بذلك ويفتخر له به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته ، والأمر في ذلك أشهر من كلِّ شهير ، وقد قدَّمنا منه طرفاً ، وما علمنا أحداً من النّاس فيما خلا استخفَّ بإسلام علي عليه‌السلام ، ولا تهاون به ، ولا زعم انَّه أسلم إسلام حدث غرير ، وطفل صغير.

ومن العجب أن يكون مثل العبّاس وحمزة ينتظران ابا طالب وفعله ليصدّوا عن رأيه ، ثمَّ يخالفه عليٌّ ابنه لغير رغبة ولا رهبة يؤثر القلّة على الكثرة ، والذلَّ على العزَّة من غير علم ولا معرفة بالعاقبة ، وكيف ينكر الجاحظ والعثمانيَّة انَّ رسول الله (ص) دعاه إلى الإسلام وكلّفه التصديق؟! (١).

__________________

(١) رسالة الاسكافي في النقض على عثمانية الجاحظ كما في شرح النهج ١٣ / ٢٤٤.

٦٩

ورُوي في الخبر الصحيح انَّه كلّفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الإسلام وانتشارها بمكّة : أن يصنع له طعاماً وأن يدعو له بني عبد المطلب ، فصنع له الطعام ودعاهم له فخرجوا ذلك اليوم ، ولم ينذرهم (ص) لكلمة قالها عمّه ابو لهب.

فكلّفه اليوم الثاني : أن يصنع مثل ذلك الطعام وأن يدعوهم ثانية ، فصنعه ودعاهم فأكلوا ، ثمَّ كلّفهم (ص) فدعاهم إلى الدين ، ودعاه معهم لأنَّه من بني عبد المطلب ، ثمَّ ضمن لمن يُوازره منهم وينصره على قوله أن يجعله أخاه في الدين ، ووصيَّه بعد موته ، وخليفته من بعده ، فأمسكوا كلّهم ، وأجابه هو وحده وقال : أنا أنصرك على ما جئت به واوازرك وابايعك.

فقال لهم لمّا رأى منهم الخذلان ومنه النصر ، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة ، وعاين منهم الإباء ومنه الإجابة : «هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي» فقاموا يسخرون ويضحكون ويقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمَّره عليك (١).

__________________

(١) مرّ هذا الحديث الصحيح بألفاظه وطرقه في ج ٢ ص ٢٧٨ ـ ٢٧٤ (المؤلف رحمه‌الله) وإليك طرق

الحديث كما أوردها المؤلف رحمه‌الله بتهذيب منّا :

أخرج الطبري في التأريخ ٢ / ٦٢ : عن ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن اسحاق ، عن عبد الغفار بن القاسم بن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، عن عبد الله بن

٧٠

فهل يكلّف عمل الطعام ودعاء القوم صغيرٌ غير مميِّز؟ وغرٌّ غير عاقل؟

وهل يؤتمن على سرِّ النبوّة طفلٌ ابن خمس سنين أو ابن سبع؟

وهل يُدعى في جملة الشيوخ والكهول إلّا عاقلٌ لبيبٌ؟

وهل يضع رسول الله (ص) يده في يده ويُعطيه صفقة يمينه

__________________

العباس ، عن علي بن ابي طالب قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) : (وانذر عشيرتك الاقربين) دعاني رسول الله ... إلى آخر الحديث كما أورده المؤلف هنا.

وبنفس اللفظ اخرجه ابو جعفر الاسكافي المتكلم العربي في كتابه «نقض العثمانية» كما في شرح النهج ١٣ / ٢٤٤ وقال : وقد روي في الخبر الصحيح ... ثمّ أورد تمام الحديث ، وابن الاثير في الكامل ٢ / ٦٠ وبرهان الدين المغربي في انباء نجباء الابناء : ٤٦ ـ ٤٨ ، وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض ٣ / ٣٧ قال : ذكر في دلائل البيهقي وغيره بسند صحيح ، والحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه ٦ / ٣٩٢ ، وابن ابي الحديد في شرح نهج النهج ١٣ / ٢١٠ ، وذكره المؤرخ جرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي ١ / ٣١ ، والاستاذ محمد حسين هيكل في حياة محمد : ١٠٤ من الطبعة الاولى.

والرواية سنداً ودلالة مما اطمأن اليها الحفّاظ والرواة كما تقدم بعض آثارهم ، وهم اساتذة الحديث ، واحتجوا به في دلائل النبوة والخصائص النبوية ، فلا يلتفت إلى ما قيل في تضعيف عبد الغفار بن القاسم لتشيعه ، بعد ما اثنى عليه ، وبالغ في المدح والثناء ابن عقدة في لسان الميزان ٤ / ٤٣. (المؤلف رحمه‌الله)

وللحديث صور اخرى غير ما ذكره المؤلف هنا ، أوصلها (ره) في كتابه «الغدير» إلى سبع صور أوردها بالفاظها واسنادها مع ذكر مصادرها ثمّ ختمها بكلمة الاسكافي حول الحديث راداً على الجاحظ في ج ٢ / ٢٨٠ ـ ٢٨٩.

٧١

بالاخوَّة والوصيَّة والخلافة إلّا وهو أهلٌ لذلك ، بالغٌ حدَّ التكليف ، محتملٌ لولاية الله وعداوة أعدائه؟ (١).

وقال الحاكم النيسابوري صاحب «المستدرك» على الصحيحين في كتاب المعرفة : ٢٢ :

ولا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ انَّ عليَّ بن ابي طالب (رض) أوَّلهم إسلاماً وإنَّما اختلفوا في بلوغه.

وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٤٥٧ : اتَّفقوا على انَّ خديجة أوَّل من آمن بالله ورسوله وصدَّقه فيما جاء به ثمَّ عليٌّ بعدها.

وقال المقريزي في الامتاع : ١٦ ما ملخَّصه : وأمّا عليُّ بن ابي طالب : فلم يُشرك بالله قطُّ ، وذلك انَّ الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمّه سيّد المرسلين محمَّد (ص) ، فعند ما أتى رسول الله (ص) الوحيُ وأخبر خديجة وصدَّقت ، كانت هي ، وعليّ بن ابي طالب ، وزيد بن حارثة يُصلّون معه ...

إلى أن قال : فلم يحتج عليٌّ (رض) أن يُدعى ، ولا كان مشركاً

__________________

(١) مرّت جملة من بقية الكلام ٢ / ٢٨٧ (المؤلف رحمه‌الله) وقد نقلنا بعض الكلام في الاحالة السابقة. راجع كلمة الاسكافي المعتزلي حول الحديث في كتابه «النقض على العثمانية» وأورد شطراً منها ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٤٤.

٧٢

حتَّى يُوحِّد فيقال : أسلم ، بل كان عند ما أوحى الله إلى ورسوله (ص) عمره ثماني سنين.

وقيل : سبع.

وقيل : إحدى عشرة سنة.

وكان مع رسول الله (ص) في منزله بين أهله كأحد أولاده ، يتبعه في جميع أحواله ...

وأنت تجد أوّليّة أمير المؤمنين في الإسلام في شعر كثير من السلف ، مثل قول مسلم بن الوليد الأنصاري :

أذكرت سيف رسول الله سنّته

وسيف اول من صلّى ومن صاما

قال ابو الفلاح الحنبلي في شذراته ١ / ٣٠٨ : يعني علياً (رض) إذ كان هو الضرّاب به [بسيف النبيِ]

هذا ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدأ إسلامه عليه‌السلام ، وأمّا نحن فلا نقول : إنَّه أوَّل من أسلم بالمعنى الذي يُحاوله ابن كثير وقومه ؛ لأنَّ البدأة به تستدعي سبقاً من الكفر ، ومتى كفر أمير المؤمنين حتّى يسلم؟ ومتى أشرك بالله حتى يؤمن؟ وقد انعقدت نطفته على الحنيفية البيضاء ، واحتضنه حجر الرسالة ، وغذّته يد النبوَّة ، وهذَّبه الخلق النبويُّ العظيم ، فلم يزل مقتصّاً أثر الرَّسول

٧٣

قبل أن يصدع بالدين الحنيف وبعده ، فلم يكن له هوى غير هواه ، ولا نزعة غير نزعته ، وكيف يمكن الخصم أن يقذفه بكفر قبل الدَّعوة؟! وهو يقول (وإن لم نر صحَّة ما يقول) : إنّه كان يمنع امَّه من السّجود للصنم وهو حملٌ (١) أيكون إمام الامَّة هكذا في عالم الأجنَّة ثمَّ يُدنِّسه درن الكفر في عالم التكليف؟ فلقد كان صلوات الله عليه مؤمناً جنيناً ورضيعاً وفطيماً ويافعاً وغلاماً وكهلاً وخليفةً.

ولو لا ابو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصاً وقاما

بل نحن نقول : إنَّ المراد من إسلامه وايمانه وأوَّليَّته فيهما وسبقه إلي النبيِّ في الإسلام هو المعنى المراد من قوله تعالى عن إبراهيم الخليل عليه‌السلام : «(وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

وفيما قال سبحانه عنه : «(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)

وفيما قال سبحانه عن موسى عليه‌السلام : «(وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)

وفيما قال تعالى عن نبيِّه الأعظم : «(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)

__________________

(١) ذكر حديثه في السيرة الحلبية ١ / ٢٨٥ ، وسيرة زيني دحلان ١ / ١٦٨ ، نور الأبصار : ٧٦ ، نزهة المجالس ٢ / ٢١٠ (المؤلف رحمه‌الله)

٧٤

وفيما قال : «(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ.)

وفي قوله : «(وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ.)

وفي وسع الباحث أن يتَّخذ دروساً راقية حول ما نرتئيه من خطبةٍ لأمير المؤمنين عليه‌السلام وقد ذكرها الشريف الرضي في نهج البلاغة ١ / ٣٩٢ الّا وهي :

أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب ، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر ، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسّني جسدَه ، ويُشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثمَّ يُلقمنيه ، وما وَجَدَ لي كذبةً في قول ، ولا خَطلةً في فعل ، ولقد قرن الله به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لدن أن كان فطيماً أعظمَ مَلَك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسنَ أخلاق العالَم ، ليله ونهاره ، ولقد كنتُ أتَّبعه اتّباع الفصيل أثر امِّه ، يرفع لي في كلِّ يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالاقتداء به.

ولقد كان يجاور في كلِّ سنة بحِراء فأراهُ ولا يَراه غيري ، ولم يجمع بيتٌ واحدٌ يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرِّسالة ، وأشمُّ ريحَ النبوَّة ، ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنَّة؟ قال : «هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك

٧٥

تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلّا أنَّكَ لستَ بنبيٍّ ، ولكنَّك وزيرٌ ، وإنَّك لعلى خيرٍ» (١).

[اسلام ابي بكر]

وأمّا الكلام في إسلام ابي بكر فلا يسعنا أن أحوم حول هذا الموضوع ، وبين يديَّ صحيحة محمَّد بن سعد بن ابي وقاص التي أخرجها الطبري في تاريخه ٢ / ٢١٥ بإسناد صحيح رجاله ثقات :

قال ابن سعد : قلت لأبي : أكان ابو بكر أوَّلكم إسلاماً؟! فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكن كان أفضلنا إسلاماً.

وما عساني أن أقول وابو جعفر الاسكافي المعتزلي البعيد عن عالم التشيّع يقول : أمّا ما احتجَّ به الجاحظ بإمامة ابي بكر بكونه أوَّل الناس ، فلو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لاحتجَّ به ابو بكر يوم السقيفة ، وما رأيناه صنع ذلك ، لأنَّه أخذ بيد عمر ويد ابي عبيدة بن الجرّاح وقال للناس : قد رضيت لكم أحد هذين الرَّجلين فبايعوا منهما مَن شئتم.

ولو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لما قال عمر : كانت بيعة ابي بكر فلتةً وقى الله شرَّها.

__________________

(١) خطبة ١٩٢ المعروفة بالقاصعة ، فضل الوحي ، تحقيق صبحي الصالح.

٧٦

ولو كان احتجاجاً صحيحاً لادَّعى واحدٌ من النّاس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الإسلام ، وما عرفنا أحداً ادّعى له ذلك.

على أنّ جمهور المحدِّثين لم يذكروا أنَّ ابا بكر أسلم إلّا بعد عدَّة من الرجال منهم : علي بن ابي طالب ، وجعفر أخوه ، وزيد بن الحارثة ، وابو ذرّ الغفاري ، وعمرو بن عنبسة السلمي ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وخباب بن الأرت.

وإذا تأمَّلنا الرِّوايات الصحيحة والأسانيد القويَّة الوثيقة وجدناها كلّها ناطقةً بأنَّ عليّاً عليه‌السلام أوَّل من أسلم (١).

فأمّا الرِّواية عن ابن عبّاس : أنّ ابا بكر أوَّلهم إسلاماً ، فقد روي عن ابن عبّاس خلاف ذلك بأكثر ممّا رووا وأشهر ، فمن ذلك ما روى يحيى بن حمّاد (ثمَّ ذكر أحاديث صحيحة ممّا مرَّ عن ابن عبّاس) فقال : فهذا قول ابن عباس في سبق علي عليه‌السلام إلى الإسلام ، وهو أثبت من حديث الشعبي وأشهر ، على أنَّه قد روي عن الشعبي خلاف ذلك من حديث ابي بكر الهذلي (٢).

ثمَّ ذكر حديثه وأحاديث اخرى ممّا ذكر نقلاً عن الكتب

__________________

(١) النقض على العثمانية لابي جعفر الاسكافي المعتزلي كما في شرح النهج لابن ابي الحديد ١٣ / ٢٢٤.

(٢) المصدر السابق.

٧٧

الصحاح والأسانيد الموثوق بها (١) ، هذا.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ.)

لفت نظر :

لعل الباحث يرى خلافاً بين كلمات أمير المؤمنين المذكورة ص ٢٢١ ـ ٢٢٤ في سني عبادته وصلاته مع رسول الله بين ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع سنين (٢) فنقول :

أمّا ثلاث سنين : فلعلَّ المراد منه ما بين أوَّل البعثة إلى إظهار الدَّعوة من المدَّة ، وهي ثلاث سنين (٣) فقد أقام (ص) بمكَّة ثلاث سنين من أوَّل نبوَّته مستخفياً ثمَّ أعلن في الرابعة.

وأمّا خمس سنين : فلعلَّ المراد منها سنتا (٤) فترة الوحي من يوم

__________________

(١) مرت بقية الكلام ٢ / ٢٨٧ ، وللإسكافي في المقام كلمات اضافية نحيل الحيطة بها في رسالته في الرد على الجاحظ. (المؤلف رحمه‌الله)

انظر المصدر السابق : ٢٣١.

(٢) تقدمت مصادر الحديث تحت الرقم ١١ ـ ١٩ ، وراجع أيضاً الرياض النضرة ٣ / ١١١ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١١٢ ، وشرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٣٤ ، الاستيعاب ٣ / ٣٠ ، السيرة الحلبية ١ / ٢٦٨ ، خصائص النسائي : ٢٥.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٢١٦ ، ٢١٨ ، سيرة ابن هشام ١ / ٢٧٤ ، طبقات ابن سعد : ٢٠٠ ، الامتاع ١٥ ، ٢١. (المؤلف رحمه‌الله)

(٤) عدها المقريزي احد الاقوال في ايام فترة الوحي في الامتاع : ١٤. (المؤلف رحمه‌الله)

٧٨

نزول : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) إلى نزول : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وثلاث سنين من أوَّل بعثته بعد الفترة إلى نزول قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) وقوله : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) سني الدعوة الخفيَّة التي لم يكن فيها معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا خديجة وعليّ ، وأحسب انَّ هذا مراد من قال : انَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مُستخفياً أمره خمس سنين.

كما في الامتاع : ٤٤.

وأمّا (سَبْعَ سِنِينَ :) فإنَّها مضافاً الى كثرة طرقها وصحَّة أسانيدها ، معتضدةٌ بالنبويَّة المذكورة ص ٢٢٠ وبحديث ابي رافع المذكور ص ٢٢٧. وهي سني الدَّعوة النبويَّة من أوّل بعثته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فرض الصَّلاة المكتوبة.

وذلك أنَّ الصَّلاة فُرضت بلا خلاف ليلة الإسراء ، وكان الإسراء كما قال محمَّد بن شهاب الزهري قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقد أقام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة عشر سنين ، فكان أمير المؤمنين خلال هذه المدَّة السنين السبع يعبد الله ويُصلّي معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانا يخرجان ردحاً من الزَّمن إلى الشعب وإلى حراء للعبادة ، ومكثا على هذا ما شاء الله أن يمكثا (١) حتّى نزل قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٢١٣ ، سيرة ابن هشام ١ / ٢٦٥ ، راجع ص ٢٣٥ من

٧٩

وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ، وقوله : «(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه الشريف.

فتظاهر عليه‌السلام بإجابة الدَّعوة في منتدى الهاشميِّين المعقود لها ولم يلبِّها غيره ، ومن يوم ذلك اتَّخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاً ووصيّاً وخليفةً ووزيراً (١) ثمَّ لم يُلبّ الدعوة إلى مدّة إلّا آحادهم بالنسبة إلى عامَّة قريش والناس المرتطمين في تمرُّدهم في حيِّز العدم.

على أنَّ ايمان من آمن وقتئذ لم يكن معرفةً تامَّةً بحدود العبادات حتّى تدرَّجوا في المعرفة والتهذيب ، وإنَّما كان خضوعاً للإسلام ، وتلفّظاً بالشَّهادتين ، ورفضاً لعبادة الأوثان ، لكن أمير المؤمنين خلال هذه المدَّة كان مقتصّاً أثر الرَّسول من أوَّل يومه فيشاهده كيف يتعبَّد ، ويتعلّم منه حدود الفرائض ويقيمها على ما هي عليه ، فمن الحقِّ الصحيح إذن توحيده في باب العبادة الكاملة ، والقول بأنَّه عبد الله وصلّى قبل الناس بسبع سنين.

ويحتمل أن يراد السنين السبع الواردة في حديث ابن عبَّاس قال : إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام بمكّة خمس عشرة سنة سبع سنين

__________________

هذا الجزء. (المؤلف رحمه‌الله) سيرة ابن سيد الناس ١ / ٩٣ ، الكامل لابن الاثير ٤ / ٢٢ ، شرح ابن ابي الحديد ٣ / ٢٦٠ ، السيرة الحلبية ١ / ٢٨٧. (المؤلف رحمه‌الله)

(١) راجع الجزء الثاني من كتابنا ٢٧٨ ـ ٢٨٤ (المؤلف رحمه‌الله)

تقدمت مصادر الحديث ص ٤٩.

٨٠