نظرة في كتاب البداية والنهاية

المؤلف:

العلامة الأميني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٦

١
٢

٣
٤

دليل الرسالة

مقدمة الاعداد................................................................... ٩

مقدمة المؤلف.................................................................. ١٥

المؤاخاة........................................................................ ١٦

حديث الطير.................................................................. ١٨

الساقي على الحوض............................................................ ٢١

في أوّل من أسلم............................................................... ٢٣

مائة كلمة في أنّ الإمام علي عليه السلام أوّل من أسلم.............................. ٢٤

النصوص النبويّة................................................................ ٢٤

كلمات الإمام علي عليه السلام.................................................. ٢٨

٥

كلمات الإمام السبط الحسن بن علي عليه السلام.................................. ٣٩

رأي الصحابة والتابعين في أوّل من أسلم........................................... ٤١

أحتجاج المأمون على أربعين فقيها في أحقية الإمام علي بالخلافة...................... ٦٧

اسلام ابي بكر................................................................. ٧٦

ما نزل في علي من الآي......................................................... ٨٢

حديث البراءة.................................................................. ٩٠

حديث لاتقع في علي........................................................... ٩٢

أكذوبة مفضوحة............................................................... ٩٦

نظرة في كلمة قارصة............................................................ ٩٩

رواة حديث «فاطمة بضعة منيّ»................................................ ١٠١

ابوذر الصادق................................................................ ١١١

حديث بلوغ البناء السلع....................................................... ١١٦

نظرة قيّمة في تاريخ الطبري..................................................... ١٢٣

الخاتمة (موعظة حسنة)........................................................ ١٢٧

مصادر التحقيق.............................................................. ١٢٩

٦

كتاب الغدير :

كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة ، ويمتدّ في الآفاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه ... إنّه العمل الموسوعي الكبير الّذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّى ميادين العلوم : من تفسير ، وحديث ، وتاريخ ، وأدب ، وعقيدة ، وكلام ، وفرق ، ومذاهب ...

جمع ذلك كلّه بمستوى التخصّص العلمي الرفيع وفي صياغة الأديب الذي خاطب جميع القرّاء ، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقّه.

ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الأحد عشر من ذخائر هامة ، لا غنى لطالب المعرفة عنها ، وتيسيراً لاغتنام فوائدها ، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، لطباعتها ونشرها مستقلّة ، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق.

٧
٨

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة الإعداد

إِن المنزلة الرفيعة التي يحتلها ابن كثير الدمشقي كمؤرخ إسلامي ، غير خفية على أحد من رواد العلم ، فلم يكن ابن كثير مجرد مؤرخ يسرد الأحداث حسب ترتيبها الزمني ، بل كان عالماً بالحديث ، متمرساً بالأسانيد ، عارفاً بصحيحها وسقيمها ، والملازمة الطويلة للحافظ المزي صاحب تهذيب الكمال تلمذة ومصاهرة أعطته بُعداً آخراً طغى على كل ما كتبه ابن كثير في مجال المعرفة. فتاريخهُ لم يكن تأريخاً محضاً وإنما كان مشوباً بالحديث والرجال والمناقشات السندية ، وتفسيره لم يكن تفسيراً محضاً وإنما كان محشواً بذكر الرواة جرحاً وتعديلاً.

والذي أريد قوله : إنّ ذكره للأحداث يخضع لموازين خاصة ،

٩

ولم يكن سرده للحادثة إلّا بعد الوثوق من ثبوتها ، ومع ذلك تجد هنالك أحداثاً مهمة في التأريخ الإسلامي تكاد تكون مجمع عليها بين أصحاب الآثار ، وعلى الخصوص إذا كانت الحادثة تحمل طابعاً مذهبياً ؛ بمعنى إثباتها يكون لصالح مذهب إسلاميٍّ ما ... هنا تجد المؤلف يخرج عن المنهج الذي ينبغي أن يلتزم به الكاتب من تحري الأمانة في نقل الأحداث التأريخية الثابتة ، وتلاحظه ينتصر لمذهبه على حساب التأريخ.

وأمثلة ذلك كثيرة في البداية والنهاية ، وما هذهِ الوريقات إلّا نماذج يسيرة من تلك المفارقات ، فمثلاً تشكيكه بل نفيه لحادثة مؤاخاة النبي (ص) بين المهاجرين والأنصار ، التي وقعت بعد الهجرة إلى المدينة لمجرد تضمنها مؤاخاة النبي للإمام علي عليه‌السلام ، وهي فضيلة ذكرها أصحاب السنن في عداد فضائل الإمام علي بن ابي طالب عليه‌السلام ، وهذا ما لا يرتضيه مذهب المؤلف.

الأمر الذي جعله يقع في تهافت واضح بين إنكاره بعض الأحداث في البداية والنهاية وإثباتها في كتبه الاخرى كما حصل ذلك في ج ٧ / ٣٥٧ من البداية عند بحثه في شأن نزول قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ، وروايته حديث تصدّق الإمام علي عليه‌السلام بخاتمه حال الصلاة ، من طريق ابن مردويه عن الكلبي ، حيث قال : «وهذا

١٠

لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده ، ولم ينزل في عليّ شيء من القرآن بخصوصيته».

ثمّ تلاحظ المؤلف نفسه في كتابه «تفسير القرآن العظيم» ٢ / ٧٤ ، وعند بحثه الآية ذاتها ، وإيراده حديث تصدّق الإمام علي المتقدّم يقول : «وهذا إسنادٌ لا يُقدح به».

ولعل حضوره الطويل في مجلس بحث الشيخ ابن تيمية ترك أثره البالغ عليه ، وعلى الخصوص في مجال مناقشة آراء الآخرين ممن يخالفونه الرأي ، فقد نقل الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ٧ / ١٩ عن ابن تيمية : «انهُ كان يقول عن نجم الدين الكاتبي المعروف بدَبيران ـ بفتح الدال وكسر الباء ـ وهو الكاتبي صاحب التآليف البديعة في المنطق ، فاذا ذكره لا يقول إلّا دُبَيران ـ بضم الدال وفتح الباء ـ.

واذا ذكر العلامة ابن المطهر الحلي يقول ابن المنجس».

وهكذا كان دأبه عند مناقشة المذاهب الكلامية ، حتى اشتهر أمره فطلب إلى مصر أيام ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، وعقد له مجلس لبيان عقائده ، فانتهى الأمر الى حبسه في خزانة البنود ثمّ نقل إلى الاسكندرية (١).

ثمّ أفرج عنهُ أيام الملك الناصر عند مجيئه إلى الكرك ، وأقام

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٧ / ٢٢ (ط ٢ ، باعتناء حسان عباس ـ ١٩٨٢ م).

١١

بالقاهرة مدّة لم يلبث طويلاً حتى اخذ بالقول على السيدة نفيسة ، فاعرض عنهُ عوام الناس في مصر.

ثمّ اعتقل أيضاً ثمّ افرج عنهُ وحضر إلى دمشق أيام القاضي جلال الدين وتكلموا معهُ في مسألة الزيارة ، وكتب في ذلك إلى مصر ، فورد مرسوم السلطان باعتقاله في القلعة فلم يزل معتقلاً بها إلى أن مات سنة ٧٢٨ (١).

وقد نقل أصحاب التراجم ان لابن كثير صحبة وملازمة وعلاقة خاصة بالشيخ ابن تيمية ، فقد كان يفتي برأيه رغم انهُ شافعي المذهب ، حتى انهُ أوصى عند موته أن يدفن عند شيخه ابن تيمية في مقبرة الصوفية.

يضاف إلى ذلك البيئة الاموية الحاكمة في دمشق آنذاك ، والتي لها بالغ الأثر في صياغة شخصية ابن كثير.

ولهذا وذاك جعل العلّامة الأميني وعند تعرضه لبعض الكتب بالدراسة والنقد في موسوعته «الغدير» أن يضع «البداية والنهاية» في جملتها ، فجاءت الدراسة مثبتة ومصححة لما أنكره ابن كثير من الحوادث التي يصح وصفها «بالمتسالم عليه» مما حواه الكتاب ، لإلفات نظر القارئ ، والحكم على بقية مناقشات ابن كثير مما لم يرد ذكره في هذه الدراسة. فالدراسة إذن لإلفات النظر لا لاستقصاء

__________________

(١) المصدر السابق.

١٢

كل ما أورده ابن كثير في البداية والنهاية ، لأن ذلك يتطلب صرف الوقت الكثير.

فهذهِ دراسة نقدية وثائقية للبداية والنهاية ، كتبها الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني ، وقد أحال كثيراً على كتابه الغدير ، قمت بالحاق هذهِ الإحالات بالمتن ، وجعلتها كالهامش لهُ ، لأنّها في الغالب تمثل ذكراً للمصادر ـ كعادة الأميني في الغدير حيث كان يدعم قولهُ بسيل من المصادر ـ وأضفت إليها بعض المناقشات السندية ، باعتبار أن ابن كثير يُسلّم وجود الحادثة ، وقد يعترف بكثرة طرقها ، إلّا أنه يضعفها سنداً أو يتنظّر فيها دلالةً ، فجاء الهامش مدعماً للمتن بذكر منابع الأحداث ، والإشارة إلى صحتها وثبوتها بتصحيح أسنادها ، بالشكل الذي يظهر للقارئ أن مناقشات ابن كثير لا تنسجم والمقاييس التي أثبتها هو في كتبه الرجالية.

كما انّي تحرّيت في كلّ ذلك الالتزام بنصّ الغدير كما اختطته أنامل المؤلف الشريفة متناً وإحالة ، حتى افادات المؤلف رحمه‌الله التي كان قد أثبتها في هامش الغدير جاءت كما هي دون تغيير ، مختوم ذلك كلّه بعبارة «المؤلّف رحمه‌الله» اعتقاداً منّا بامامته في هذا المضمار ، وأمانةً للنقل عن التحريف والضياع.

وبالنظر الى أنّ بعض المصادر التي نقل عنها المؤلف رحمه‌الله كان

١٣

مخطوطاً ولما يطبع بعدُ ، أو بعضها مفقوداً أصلاً فنقل عنها بالواسطة ، وبعضها مخرّج على طبعة قديمة غير متداولة ، قمت باخراج كلّ ذلك معتمداً الطبعات الحديثة مع ذكر مواصفات تلك الطبعات في ثبت المصادر والمراجع ، فمواصفات الطبع مختص بما ذكر في الهامش دون المتن الذي حافظنا على وجوده كما هو.

أمّا بالنسبة الى المخطوط أو المفقود فذكرنا الواسطة التي اعتمد عليها المؤلف رحمه‌الله في النقل.

وقد أعدت النظر في تقويم نص الكتاب من جديد ، متبعاً بذلك الطرق الحديثة في تقويم النصوص وتقطيعه ، مع الاحتفاظ بالمنهجية العامة التي اختطها المؤلف لكتابه.

ولم نقتصر في هذه الرسالة على ردّ الشيخ الأميني للبداية والنهاية الذي أدرجه ضمن مجموعة ردوده على بعض الكتب والتي تضمّنها المجلد الثالث من الغدير ، وإنّما ألحقنا بها بعض مناقشات المؤلّف رحمه‌الله للبداية والنهاية المبثوثة في زوايا فصول كتابه الغدير ممّا هو متّحد موضوعاً مع محور الرسالة.

وأملي كبير أن يقع هذا الجهد موقع الرضا من الباحث والدارس والقارئ.

أحمد الكناني

٢٦ / رمضان / ١٤١٦ هـ

١٤

البداية والنهاية :

لا تنس ما لهذا الكتاب من التولّع في الفرية والتهالك دون القذائف والشتائم والطعن من غير مبرّر ، وانّ رمية كلّ هاتيك الطامات الشيعة لا غيرهم ؛ وبذلك أخرج كتابه من بساطة التاريخ إلى هملجة التحامل ، والنعرات القومية ، والنزول على حكم العاطفة ، إلى غيرها ممّا يوجب تعكير الصفو ، وإقلاق السلام وتفريق الكلمة ، زد على ذلك محادّته لأهل البيت عليهم‌السلام ونصبه العداء لهم ، حتّى إذا وقف على فضيلة صحيحة لأحدهم ، أو جرى ذكر

١٥

أوحديّ منهم ، قذف الأولى بالطعن والتكذيب وعدم الصحّة ، وشنّ على الثاني غارة شأواء. كلّ ذلك بعد نزعته الأموية الممقوتة.

وإليك نماذج ممّا ذكر :

[المؤاخاة]

١ ـ قال : ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي : إنَّ رسول الله (ص) آخى بينه «يعني عليّاً» وبين نفسه ، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة لا يصحُّ شيءٌ منها لضعف أسانيدها ، وركَّة بعض متونها قاله في ج ٧ ص ٢٢٣.

وقال في ص ٣٣٥ بعد روايته من طريق الحاكم : قلت : وفي صحَّة هذا الحديث نظر.

ج ـ ان القارئ إذا ما راجع ما مرَّ في ص ١١٢ ـ ١٢٥ و ١٧٤ وقف هناك على طرق الحديث الكثيرة الصحيحة ، وثقة رجالها ، وإطباق الأئمَّة والحفّاظ وأرباب السير على إخراجه وتصحيحه (١) ، يعرف قيمة كلمة الرَّجل ومحلّه من الصِّدق ، ويعلم

__________________

(١) والحديث بطرقه وإخراجه وتصحيحه كما نقله المؤلف رحمه‌الله في كتابه الغدير

١٦

أن لا وجه للنظر فيه إلّا بواعث ابن كثير ، واندفاعه إلى مناوأة

__________________

٣ / ١١٣ ، باختصار منّا : كالتالي :

آخى رسول الله (ص) بين أصحابه ، فآخى بين ابي بكر وعمر ، وفلان وفلان ، ... فجاءه عليٌ (رض) فقال : آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد.

فقال رسول الله (ص) : أنت أخي في الدنيا والآخرة.

للحديث طرق كثيرة ينتهي سندها إلى الإمام علي بن ابي طالب ، وعمر بن الخطاب ، وأنس ابن مالك ، وزيد بن ابي أوفى ، وعبد الله بن ابي أوفى ، وابن عبّاس ، ومحدوج بن زيد ، وجابر ابن عبد الله ، وابي ذر الغفاري ، وعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن عمر ، وابي امامة ، وزيد بن أرقم ، وسعيد بن المسيب.

راجع جامع الترمذي ٢ / ٢١٣ ، مصابيح البغوي ٢ / ١٩٩ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٤ ، الاستيعاب ٢ / ٤٦٠ ، وعدّة من الآثار الثابتة تيسير الوصول ٣ / ٢٧١ ، مشكاة المصابيح ٥ / ٥٦٩ ، الرياض النضرة ٢ / ١٦٧ ، ٢١٢ ، فرائد السمطين ، ب ٢٠ ، الفصول المهمة : ٢٢ و ٢٩ ، تذكرة السبط : ١٣ ، ١٥ وحكى عن الترمذي انّه صحّحهُ ، كفاية الكنجي : ٨٢ وقال : هذا حديث حسن عال صحيح ، السيرة النبوية لابن سيد الناس ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠٣ وصرّح بأنّ هذهِ هي المؤاخاة قبل الهجرة ، أسنى المطالب للجزري : ٩ ، مطالب السئول : ١٨ ، الصواعق ، ٧٣ ، ٧٥ ، تاريخ الخلفاء : ١١٤ ، الاصابة ٢ / ٥٠٧ ، المواقف ٣ / ٢٧٦ ، شرح المواهب ١ / ٣٧٣ ، طبقات الشعراني ٢ / ٥٥ ، تاريخ القرماني بهامش الكامل ١ / ٢١٦ ، السيرة الحلبية ١ / ٢٢ ، ١٠١ ، وفي هامشها السيرة النبوية لزيني دحلان ١ / ٣٢٥ ، كفاية الشنقيطي : ٣٤ ، الامام عليّ بن ابي طالب للُاستاذ محمد رضا : ٢١ ، الامام عليّ بن ابي طالب للُاستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود : ٧٣. (المؤلف رحمه‌الله)

وقد ورد لفظ الاخاء بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام علي عليه‌السلام في أكثر من خبر وأثر ، أوردها المؤلف رحمه‌الله في ذيل المطالب السابق ، راجع الغدير ٣ / ١١٦ ـ ١٢٥.

١٧

أهل البيت الناشئ عن نزعته الأمويَّة ، والمتربّي في عاصمة الأمويِّين المتأثِّر بنزعاتهم الأهوائيَّة ، لا ينقطع عن الوقيعة في مناقب سيِّد هذه الامَّة بعد نبيِّها المتسالم عليها ، فدعه وتركاضه مع الهوى.

[حديث الطير]

٢ ـ ذكر حديث الطير المتواتر الصحيح ، الذي خضع لتواتره وصحّته أئمَّة الحديث ، ثمَّ تخلّص منه بقوله ص ٣٥٣ : وبالجملة ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظرٌ وإن كثرت طرقه ، والله أعلم.

ج ـ هذا قلبٌ طبع الله عليه ، وإلّا فما وجه ذلك النظر بعد تمام شرائط الصحَّة فيه؟! وليس من البدع أن يكون أيُّ أحدٍ من الناس أحبَّ الخلق إلى رسول الله (ص) وليس لأحد حقّ النَّقد ولا الاعتراض عليه ، فكيف بمثل أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي لا تُنكر سابقته وفضائله ، وهو نفسه وابن عمِّه وأخوه من دون الناس ، وزُلفته إليه ، وقربه منه ، ومكانته ، واختصاصه به ، وتهالكه دون دينه الحنيف ، كلّها من الواضح الذي لا يُجلّله أيُّ ستار ، وسنوقفك على الحديث وطرقه المتكثّرة الصحيحة (١) ، ونعرِّفك هناك أنَ

__________________

(١) وفي حدود مراجعتي لغدير الشيخ المؤلف لم أظفر بهذه الاحالة ، ولعلّه

١٨

__________________

ذكرها في القسم غير المطبوع من الغدير.

وللحديث طرق كثيرة متكثرة ينتهي سندها إلى جابر بن عبد الله الأنصاري ، والإمام علي بن ابي طالب ، وابن عبّاس ، وأنس بن مالك.

وطرق رواية أنس بالغة حد التواتر منها : رواية سعيد بن المسيب ومسلم الملائي عن أنس ، والحسن البصري عن أنس ، وقتادة ، وعثمان الطويل ، وميمون ابن ابي خلف ، وعبد العزيز بن زياد ، والزبير بن عدي ، وابي الهندي ، والحكم بن محمد بن سليم ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، وعبد الملك بن عمير ، وإسماعيل الكوفي ، وعطاء ، وابي حذيفة العقيلي ، وأبان.

وبعض هذه الطرق ذكرها ابن كثير نفسه في البداية والنهاية ، واضاف قائلاً : ورأيت فيه مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لابن جرير الطبري المفسر صاحب التأريخ ٧ / ٣٥٢.

وقد ذكر ابو عبد الله الذهبي طرق اخرى غير ما ذكر ، وعدها حتى أوصلها إلى بضعاً وتسعين طريقاً.

بقي أن نقول أن الحديث المروي بهذه الطرق الكثيرة يوجب أن يكون الحديث له أصل كما اعترف بذلك الذهبي في ترجمة الحاكم من كتابه تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٤٢ حيث قال :

«وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً ، قد أفردتها بمصنف ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل».

وإليك شهادات اخر تثبت صحة الحديث ، ويبطل بذلك تنظّر ابن كثير.

قال ابن عدي الجرجاني في كتابه الكامل ٢ / ٥٧٠ : «حدثنا عبدان ، حدثنا قطن بن نسير ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن المثنى ، عن عبد الله بن أنس بن مالك ، قال : قال أنس بن مالك اهدي الى رسول الله (ص) حجلاً مشوياً ، فذكر حديث الطير.

قال : «وهذا الحديث يرويه جعفر ، عن عبد الله بن المثنى».

١٩

__________________

وقال الذهبي في تأريخ الإسلام ٣ / ٦٣٣ :

«وله طرق كثيرة عن أنس متكلّم فيها ، وبعضها على شرط السنن ، ومن أجودها حديث قَطَن ابن نُسَيْر (شيخ مسلم) : حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن المثنى ، عن عبد الله بن أنس بن مالك ، عن أنس قال : أُهدي إلى رسول الله (ص) حَجَل مشوي فقال : «اللهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي ..» وذكر بقية الحديث.

ومن الطرق التي ذكرها ابن كثير وضعفها طريق سكين بن عبد العزيز بن ميمون ابي خلف عن أنس بن مالك ... ثمّ قال : «قال الدارقطني : من حديث ميمون ابي خلف تفرد به سكين بن عبد العزيز» ٧ / ٣٥١.

أقول : وسكين بن عبد العزيز بن خميس العطار ، ذكره شيخ الإسلام الرازي في كتابه الجرح والتعديل ٤ / ٢٠٧ ، وقال : وكان ثقة ، ونقل الوثاقة عن ابن معين ووكيع.

ومن الطرق التي ضعفها أيضاً ما رواه الحاكم في المستدرك عن ابي علي الحافظ ، عن محمد ابن أحمد الصفار وحميد بن يونس الزيات ، كلاهما عن محمد بن أحمد بن عياض ، عن ابي حسان أحمد بن عياض بن ابي طيبة ، عن يحيى بن حسان ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى ابن سعيد ، عن أنس ، وذكر الحديث ، وقال : وهذا إسناد غريب ٧ / ٣٥١.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ : ورواه الطبراني في الأوسط والكبير ... وفي أحد أسانيد الأوسط أحمد بن عياض بن ابي طيبة ولم أعرفهُ ، وبقية رجاله رجال صحيح.

أقول : المشكلة إذن في أحمد بن عياض بن ابي طيبة وإلّا فالاسناد صحيح.

قال ابن حجر في لسان الميزان ٥ / ٥٧ في ترجمة ولده محمد بن أحمد بن عياض «روى عن أبيه ابي غسان أحمد بن عياض بن ابي طيب المعري ، عن يحيى بن حسان ، فذكر حديث الطير. قلت : الكل ثقاة إلّا هذا وإنما أتهمه به ثمّ

٢٠