رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

عليه غشيانها مع اختلاف ملتها.

ولا خلاف في أنه لا يقبل خبر الفاسق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا خبر الذمي ، فكيف يصح قياس قبول إخبار الشريعة على هذه المواضع مع ما بيناه.

وإذا جاز لمخالفنا أن يفرق بين قبول الاخبار عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في التحليل والتحريم ، وبين قبول خبر الوكيل الموكل في ابتياع أمة أو عقد على حرة ، وبين قبول قول المرأة في طهرها وحيضها ، وان كان الكل غير معلوم ، بل المرجع فيه الى طريقة الظن. جاز لنا أن نفرق بين أخبار التحليل والتحريم ، وبين سائر ما عدد.

وكيف قياس هذه المواضع المشروعات مع اختلاف عللها وأسبابها على بعض ، ونحن نعلم أن فيها ما لا يقبل فيه إلا شهادة الأربعة ، وفيها ما يجزي فيه شهادة الشاهدين ، وفيها ما يجزي فيه شهادة الواحد ، وفيها ما لا يعتبر فيه عدالة الشاهد ولا ايمانه ، وفيها ما لا بد من اعتبار العدالة والايمان. فمع هذا الاختلاف والتفاوت كيف يجوز قياس البعض على البعض.

وان أريد القسم الثاني ، وهو دخول أحد الأمرين في صاحبه ، فذلك أوضح فسادا وأشد تهافتا ، لان من المعلوم الذي لا يختل على عاقل أن العمل بأخبار الشريعة في تحليل أو تحريم الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عبادة مفردة لا مدخل لها في سائر ما عدد في الفصل من ابتياع الإماء ، والعقد على الحرائر والرجوع الى أقوال النساء في الطهر والحيض ، بل لا يدخل بعض هذه الأمور المذكورة في بعض.

وكل شيء ذكر منها قائم بنفسه لا يشتمل عليه وعلى غيره جملة واحدة ، وقد كان يجوز عندنا جميعا أن تخلف العبادة في جميع ما ذكرناه وعددناه ، ويتعبد في بعضه بما لا يتبعد به في جميعه.

٤١

ولو قلنا لمن يدعي هذا المحال الصرف ، أما كان يجوز عندك تقديرا وفرضا أن يتعبد الله تعالى في المواضع التي ذكرتها كلها بالعمل مع الظن ، ويحظر علينا في الاخبار الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نعمل الا على العلم واليقين.

فان قال : لا يجوز ذلك كابر ودافع ، وقيل له : من أين قلت؟ وما الدليل على ما ادعيت؟ فإنه لا يجد مخرجا. وان أجاب إلى التجويز قيل له : فقد بطل أن يكون ذلك تفصيل الجملة مع تجويزك اختلاف العبادة وتباينها.

وأما ما تضمنه الفصل من ذكر استفتاء العامي للعالم ، أو عمله على قوله وان لم يكن قاطعا على صحته. فأول ما فيه أن كثيرا ممن نفي الاجتهاد والقياس ولم يعمل بخبر الآحاد في الشريعة لا يوجب تقليد العامي ولا العمل بقوله الا بعد العلم بصحته ولا يلتفت الى هذا التكثير والتعظيم والتفخيم الذي عوّل عليه في هذا الفصل.

فكذلك هذه التهويلات تسمع من المثبتين للقياس في الشريعة ، حتى أنهم يدعون الإجماع المتقدم والمتأخر ، وعمل الصحابة والتابعين والعلماء في سائر الأمصار والأوقات.

أفترى أن العمل أظهر من العمل بالاجتهاد والقياس ، وليس كل شيء أكثر القائل به ، واتسعت البلاد التي يعمل به فيها ، وذهب إليه الرؤساء والعظماء ومن له القدرة والسلطان واليه الأمر والنهي والحل والعقد ، كان إجماعا يسقط الخلاف فيه.

وليس لأحد أن يطعن على هذه الطريقة بأن يقول : إذا كان العامي لا يقلد العالم ولا يرجع الى قوله ، فأي فائدة في الاستفتاء الذي قد علمنا الإرشاد اليه والفزع من كل أحد إلى استعماله.

قلنا : الفائدة في ذلك بينة ، لان قول العالم منبّه للعامي وموقظ له ، أو مقر (١) بالنظر والتفتيش والبحث ، وهل هذا الا كمن يقول : إذا كان التقليد في الأصول لا يسوغ ، فما الفائدة في المذاكرة والمباحثة والتنبيه والتحذير.

فان قيل : معلوم ضرورة أن العامي لا يستطيع أن يعرف الحق في الفروع

__________________

(١) ظ : مغر.

٤٢

كله ومن كلفه ما لا يطيق.

قلنا : لا خلاف بيننا في أن العامي مكلف للعلم بالحق في أصول الدين ، وهي أدق وأغمض وأوسع وأكثر شبها ، وإذا جاز أن يطيق العامي معرفة الحق في أصول الدين وتميّزه من الباطل ، مع ما ذكرناه من غموضه وكثرة شبهه ، فأولى أن يطيق ذلك فيما هو أقل غورا وأوضح طرقا.

فان قيل : ليس يجب على العامي في أصول الدين الا العلم بالجمل التي يشرف بها الحق ، فأما التدقيق وكشف الغامض فليس مما يجب عليه.

قلنا : وما المانع من أن نقول ذلك في الفروع والشرائع؟ وأن معرفة الحق منها من الباطل ، يكون طريقا مختصرا لا يخرج الى التعميق والتدقيق ، يكتفي به العامي كما اكتفى بمثله في الأصول.

فإن قيل : فما قولكم في عامي لا يقدر على شيء من النظر والتمييز للحق من الباطل؟ أتوجبون عليه تقليد العالم أم لا توجبون ذلك؟

فالجواب عن هذا السؤال أن من لا يقدر على تمييز الحق من الباطل في فروع الدين لا يقدر على مثل ذلك في أصوله ، ومن هذه صفته فهو عامي في الأصول والفروع ، ولا يجب عليه شيء من النظر والبحث ، وكما لا يجبان عليه فلا يجب عليه التقليد في الفروع ، كما لا يجب عليه مثل ذلك في الأصول وهذا جار مجرى البهائم والأطفال الخارجين عن التكلي ، فلا حرام عليهم ولا حلال لهم.

ثم لو سلمنا أن العامي متعبد بتقليد العالم في الفتوى والعمل بقوله وان جوز الخطأ عليه ، كيف يكون في ذلك إثباتا لورود التعبد بالعمل في الشريعة على أخبار الآحاد ، وكيف يحمل أحد الأمرين على الأخر؟

ثم نقسم تلك القسمة التي تقدم ذكرها ، فنقول : ان كان مورد ذلك احتجاجا

٤٣

على جواز العمل بما لا يعلم صحته. فهو لعمري حجة مقنعة ودلالة صحيحة ، لان من أحال العمل على أخبار الآحاد من حيث لم تكن معلومة وأجاز العمل بقول المفتي يكون مناقضا. وليس هذا هو الذي يتكلم عليه ويقصد اليه.

وان قيس قبول إخبار الشريعة الواردة بطريق الآحاد بالتحليل والتحريم على قبول قول المفتي ، فقد تكلمنا على ذلك من قبل ، وبينا أن القياس في مثله مطرح غير معتمد. وقلنا : أما كان يجوز أن يتعبدنا الله تعالى بقبول قول المفتي؟ ويحظر علينا أن لا نقبل في الشريعة إلا ما نعلمه؟ فان جوز ذلك سقط حمل أحد الأمرين على صاحبه.

ليس (١) من باب القياس ، وانما هو تفصيل لجملة.

فقد مضى الكلام عليه مستقصى ، وتبينا فيما سلف ما يوضح أن مسألة تقليد العامي للعالم مفارقة مباينة لمسألة قبول خبر الراوي إذا كان واحدا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن الأمرين لا يجمعهما جملة واحدة على وجه ولا سبب ، وانه يجوز أن يتعبد (٢) به في الأخر.

وقوله : ان المفتي مخبر عن أمرين يجوز عليه الخطأ في كل واحد منهما أحدهما أخباره في المذهب الذي أفتى به أنه من شريعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والثاني أنه مذهبه واعتقاده.

فأول ما في هذا أنه ليس بواجب في كل مفت ذكره (٣) ، بل في المفتين من يعلم اعتقاده ومذهبه ضرورة ، ولا يجوز خلاف ذلك عليه. فعاد الأمر في من هذه حاله الى أن الخطأ الجائز عليه في الموضعين على ما ظنه لما كان به

__________________

(١) ظ : سقوط جملة : فإن قيل.

(٢) ظ : أن لا يتعبد.

(٣) أى فتواه.

٤٤

اعتبار على ما ذكرناه.

فأما قوله : فأي شريعة وأي عقول قررت وجوب العمل بخبر من نظن صدقه في خبر واحد ، ويجوز عليه الكذب فيه.

فهذا أولا تصريح منه بأنه ليس ما نحن فيه تفصيلا لجملة ما ادعاه ، وانما عوّل على نفي الشرع أو العقل الموجب لأحد الأمرين والحاظر للآخر ، وهذا خروج كما ترى عما وقع الشروع فيه من تبيين تفصيل الجملة.

والكلام عليه أن يقال : الذي يفصل بين الأمرين أن الشريعة قد قرّرت العمل بقول المفتي وان جوزنا عليه الخطأ في موضعين ، ولم تقرر العمل بقول الراوي إذا لم نعلم صدقه.

وان كان خطاؤه ان كان مخطئا في موضع واحد ، فيجب أن نتوقف عن العمل بقوله، لان الشرع لم يأت به ، ويكفينا في حظر قبول قوله انتفاء الشرع ولا نحتاج الى ورود شرع بحظره.

ثم يقال له : كيف قررت الشرائع العمل بقبول قول الاثنين فيما لا يجوز فيه الّا شهادة الأربعة؟ والخطأ ها هنا في موضع واحد ، وهناك في موضعين ، فأي شيء قلته في الفرق بين هذا الإلزام قيل في إلزامك.

فأما الكلام الذي ختم به الفصل الذي ابتداؤه : وهذه سبيل سائر الطوائف في تدريسها وتعليمها ، وأنه لا يوجد طائفة من طوائف الأمة تقتصر في تدريسها وتعليمها على ظواهر القرآن والمتواتر من الاخبار ، وتطرح الرواية الصادرة من الآحاد.

فقد مضى الكلام عليه في الفصل الثاني الذي سبق كلامنا عليه مستقصى مستوفى ، وبينا أن ذلك سوء ثناء على العلماء في تدينهم بمذاهبهم ، وكشفنا ذلك وأوضحناه بما لا طائل في إعادته.

٤٥

الفصل الخامس

[اعتماد المتكلمين على الخبر الواحد والجواب عنه]

من جملة المتكلمين من يذهب الى أن في أخبار الآحاد ما يضطر السامع له الى العلم بمخبره.

وقد حكى الجاحظ ذلك عن النظام أنه يقول : ان المخبر الواحد إذا تكاملت فيه الشروط وفي سامعه ، اضطره الى العلم بما تضمنه خبره ، وكان هو الفاعل للعلم في قلبه.

ومما تحتمله القسمة (١) ، ويصح أن يكون مذهبا ، وليس في العقول ما يحيله أن يكون في مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، وما يقتضيه حسن تدبيرهم. أن يفعل الله تعالى العلم فيهم عند خبر الواحد ، إذا كان مضطرا الى ما أخبر به ، أو لا يصرفه عن السكون إلى سماعة والإصغاء اليه ، وسلم من مقارنة راويه لما يعارضه وممن يجحده ويكذب به.

ومتى قال هذا لم يعترض قوله ، ويفسده ما يذكره من يقول ان الله تعالى يفعل العلم بخبر المخبر ، ونقطع على أنه لا يفعله عند خبر الأربعة ، ويجوز

__________________

(١) ظ : النسبة.

٤٦

فعله عند ما زاد عليها من الرجوع الى الشهادة في الزنا ، لأن أحد ما شرطه أن لا يكون الخبر واقعا موقع الشهادة ، وكان السامع له خاليا من الاعتقاد لصنف ما أخبر به ، أو لا يصرفه عن السكون إلى سماعة والإصغاء اليه ، وسلم من مقارنة رواية (١) لما يعارضه ومن يجحده ويكذب به.

[ومتى قال هذا لم يعترض قوله ويفسده ما يذكره ، من أن يقول : ان الله تعالى يفعل العلم بمخبر ، ونقطع على أنه لا يفعله عند خبر الأربعة ، ويجوز فعله عند ما زاد عليها من الرجوع الى الشهادة في الزنا ، لأن أحد ما شرطه أن لا يكون الخبر واقعا موقع الشهادة (٢)] وذلك مما يمتع أن تتعلق به المصلحة ، ولا يختار الله تعالى فعل العلم معه.

فأما الذي حكى عن النظام ، ان كان الذي يحيله ويفيده (٣) أن القادر من البشر لا يصح أن يفعل في غيره ، الا بسبب يتعدى حكمه الى ذلك الغير ، ولا سبب يتعدى حكمه الى غير محله الا الاعتماد ، لاختصاصه بالمدافعة لما يماس محله.

كان له الذب عن مذهب النظام أن يقول : لم زعمتم ذلك؟ وما أنكرتم أن يشارك الاعتماد في هذا الحكم وهو التعدي ، ويكون الخبر من جملة ما يتعدى حكمه لكونه مدركا ، فيتفق الخبر والاعتماد ، بل كل مدرك في تعدي الحكم الى غير محلها (٤) ، ويكون معنى تعدى الحكم في الاعتماد كونه مدافعا وفي الخبر كونه مسموعا ، وإذا تعدى الحكم لم يمتنع أن يكون سببا للتوليد في غير محله.

__________________

(١) ظ : راويه.

(٢) بين المعقوفتين كذا في النسخة وهو تكرار.

(٣) ظ : ويفسده.

(٤) ظ : محله.

٤٧

وان قلنا لو ولد الخبر لوجب أن يولد جنسه وكل جزء منه ومن فعل كل فاعل ولكل سامع.

كان له أن يقول : ما يولد العلم يفارق سائر الأسباب حسب ما نقوله في النظر وتوليد العلم ومفارقته لسائر الأسباب.

وان قلنا : ان ذلك يؤدي الى أن يفعل في الوقت الواحد بالسبب الواحد علوما لكل من سمع الخبر.

كان له أن يقول : الى ذلك أذهب ، وليس هناك ما يحيله ويفسده إذا تغاير من يفعل العلم له.

الكلام على ذلك : أما ما تضمنه ابتداء هذا الفصل ، فهو مذهب النظام في قوله «ان خبر الواحد يوجب العلم على بعض الوجوه». وهذا مذهب ضعيف سخيف ، قد بين في الكتب بطلانه وبعده عن الصواب.

ودل على فساده بأشياء :

منها : أنه لو كان خبر الواحد يوجب العلم ، لوجب ذلك في كل خبر مثله ، وكان أحق المخبرين بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يجب استغناؤه عن المعجزات ، وان لم يعلم صدقه من غير دليل يقترن اليه. وكان يجب في الحاكم إذا لم يعلم صدق المدعي ضرورة أن يعلمه كاذبا ، فلا يسمع ببينة.

وأيضا فلو كان الخبر مولدا للعلم ، لم يكن بعض حروفه بالتوليد أولى من بعض ، فكان يجب اما أن يكون العلم متولدا عن كل حرف من حروف الخبر ، وهذا يؤدي (١) الى أن يقع العلم عند أي حرف وجد من حروفه ، وقد علم بطلان ذلك.

__________________

(١) في الأصل : يروى.

٤٨

وهكذا ان قيل : ان العلم يقع بالحرف الأخير ، لأنا نعلم أن الحرف الأخير من الخبر لو انفرد لم يحصل عنده علم. وان كان العلم المتولد عن سائر حروف الخبر على سبيل الانضمام ، فهذا باطل. لأن الأسباب الكثيرة لا يجوز أن تولد سببا واحدا ، كما لا يجوز أن يقع المعذور الواحد يقدر كثيرة (١).

ومنها : أنه كان ينبغي أن لا يفتقر إلى المواضعة في العلم الواقع عند الخبر ، لان السبب يولد لأمر يرجع إليه ، فأي حاجة به الى تقدم المواضعة ، وقد علمنا أنه لو لا تقدمها لما أفاد الخبر ، ولا حصل عنده علم.

ومنها : أن الصوت لا جهة له ، فكيف يولد في غير محله ، وانما ولد الاعتماد في غير محله ، لانه مختص بجهة ، والا فسائر الأسباب لا تولد إلا في محلها.

فأما ما مضى في أثناء هذا الفصل عند ذكر أن الاعتماد يختص بجهة ، فجاز أن يولد في غير محله ، والصوت ليس كذلك ، من قوله ما أنكرتم أن يشارك الاعتماد غيره في هذا الحكم وهو التعدي ، ويكون الخبر من جملة ما يتعدى حكمه ، لكونه مدركا ، فيتفق الخبر والاعتماد ، بل كل مدرك في تعدي الحكم الى غير محلها (٢).

ويكون معنى تعدي الحكم في الاعتماد كونه مدافعا في الخبر ، وفي الخبر كونه مسموعا ، فطريق ما كان ينبغي أن يحيل مثله. فيورد في جملة الشبهات : لان الاعتماد انما ولد في غير محله بسبب معروف ، وهو الاختصاص بالجهة.

وهذه الصفة لا تحصل له ، لان بها تميز في (٣) سائر الأجناس ، فكيف يجوز

__________________

(١) ظ : أن يقع المقدور الواحد بقدر كثيرة.

(٢) ظ : محله.

(٣) ظ : من.

٤٩

أن يكون الصوت مشاركا له في هذا الحكم ، وهو مما لا جهة له كالاعتماد ، اللهم الا أن يدعى أن الصوت ذو جهة كالاعتماد ، فبطلان ذلك معلوم ضرورة.

ولو كان غير الاعتماد مشاركا له في الاختصاص بجهة لكان من جنسه ، لان المشاركة فيما متميز به الجنس مشاركة في الجنس.

وأعجب من هذا القول بأن كل مدرك يشارك الاعتماد في تعدي الحكم الى غير محله وهذا يوجب أن تكون الألوان والطعام والأراييح والجواهر بهذه الصفة.

ومن العجب القول بأن معنى تعدي الحكم في الاعتماد كونه مدافعا ، وفي الخبر كونه مسموعا ، وأين كونه مسموعا من كونه مدافعا ، وانما ولد في غيره لاختصاصه بالمدافعة في الجهة ، وهذا لا يوجد في مسموع ولا جري (١) ولا جنس غير الاعتماد. وبعد فلا صفة له بكونه مسموعا ، فضلا من أن يولد في الغير لأجلها.

[خبر الواحد لا يوجب سكونا واطمئنانا]

ومما يدل على أن خبر ، لواحد لا يوجب العلم الضروري على ما يحكى عن النظام انا عدالته (٢) لأحوالنا والرجوع الى أنفسنا لا نجد سكونا عند خبر الواحد على الشرائط التي شرطها النظام على حد سكوننا الى ما نشاهده وندركه ، ولا حد سكوننا الى ما نعلمه من أخبار البلدان والأمصار والوقائع الكبار.

فان السكون الذي نجده عند خروج الرجل باكيا مخرق الثياب متسليا ، يخبر بموت بعض أهله لا ينفك من تجويز أن لا يكون الأمر بخلاف ما ذكره ، وأن له في ذلك غرضا وان بعد. وانما لأجل استبعاد الأغراض في مثل هذا الخبر

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) ظ : عند التوجه.

٥٠

ما يخيل لنا أنا ساكنون عالمون.

والسكون الى المشاهدات والى أخبار البلدان بخلاف هذا ، لانه لا يصحبه ولا يقترن إليه شيء من التجويز لخلافه.

فعلمنا أن ما يحصل عند خبر الواحد ، هو ظن قوي فيوهم علما. وأن الذي يحصل عند الدركات وغيرها مما ذكرناه هو العلم الحقيقي. ولهذا ربما انكشف كل شيء ، رأيناه وسمعناه في الموضع الذي يذهب النظام إلى أنه علم من خلافه.

فظهر أن الأمر بخلاف ما أشيع وأعلن ، وأن تلك الإشاعة كان لها سبب من اجتلاب منفعة ، أو دفع مضرة. وهذا لا نجده بحيث يحصل العلم واليقين على وجه ولا سبب.

فأما ما مضى في خلال هذا الفصل ، من أنه غير ممتنع أن يعلم الله تعالى من مصلحة العباد أن يفعل العلم عند خبر الواحد إذا كان مضطرا الى ما أخبر به ولم يخرج خبره مخرج الشهادة ، وكان من الشرط كذا وكذا. فلعمري ان هذا غير ممتنع ولا محال ، وانما أحرز (١) القائل بهذه الاشتراطات عن مواضع معروفة ألزمت من ذهب الى هذا المذهب.

لكنا قد علمنا أن ذلك وان كان جائزا في العقل ، فإنه لم يكن بما تقدم من الأدلة ، وهو أننا نجد نفوسنا عند الخبر الذي هذه صفته وقد تكاملت الشرائط كلها له ، لا تنفك من تجويز ـ وان كان مستبعدا ـ لا يكون (٢) الأمر بخلاف ما تضمنه الخبر ، فلو كان العلم حاصلا لارتفع هذا التجويز ، ولم نر له عينا ولا أثرا ، كما قلنا في المشاهدات وغيره.

__________________

(١) ظ : احترز.

(٢) ظ : ألا يكون.

٥١

فأما ما تضمنه آخر هذا الفصل من الجواب عن قول القائل : لو ولد الخبر العلم يوجب أن يولد جنسه وكل حرف منه ، بأن قيل : انما يولد العلم يفارق سائر الأسباب حسب ما نقوله في النظر والتوليد للعلم.

فالكلام على ذلك أن الأسباب لا تختلف في أن توليدها يرجع الى الاجزاء والأجناس، وانما فارق سبب العلم سائر الأسباب في الشروط ، والشروط قد تختلف وقد تنفق بحسب قيام الدليل ، وليس يجوز أن يختلف الأسباب في رجوع التوليد الى أجناسها والى كل جزء منها.

والذي ختم به هذا الفصل من ارتكاب توليد السبب الواحد مسببات كثيرة. لما وقفت ذلك على حد ، لأنه إذا تعدى الواحد فلا تقتضي للحصر ، وهذا يؤدي الى توليده ما لا نهاية له. ألا ترى أن القدرة لما تعلقت في المحال والأوقات ، ومن الأجناس بأكثر من جزء واحد ، لم ينحصر متعلقها من هذه الوجوه ، واستقصاء جميع ما يتعلق بهذا الكلام يطول ، وفيما أوردناه كفاية.

٥٢

الفصل السادس

[حصول العلم وتولده من خبر الواحد والجواب عنه]

وله أن يقول : قد علمنا أنه لا يجوز أن يتساوى نفسان في كمال العقل ، ونفي السهو والاعتراض عما يسمعانه ، ثم يكون (١) سماعهما للمخبر عن أحد جاء من بغداد على حد واحد ، فيحصل العلم لأحدهما ولا يحصل للآخر.

كما لا يجوز أن يشتركا في صحة الحاسة وارتفاع الموانع وحصول المدرك ويتساوى حالهما في جميع ذلك ، فيدرك أحدهما ما يختص به ولا يدركه الأخر.

وإذا لم يثبت تساوى الأمرين في العقول ، وكان المقدم على دفع أحدهما كالمقدم على دفع الأخر ، واستقل كون الحق مدركا بما ذكرناه من غير توقف لأمر زائد من موجب أو متخير.

وكأن القائل أن وجود العلم موقوف على فاعل متخير ، مع ما ذكرناه ان شاء فعله وان شاء لم يفعله. كالقائل أن حصول الحي مدركا موقوف على معنى ان وجد كان مدركا ، وان لم يوجد لم يكن مدركا ، وجود ذلك موقوف فاعل متخير (٢).

__________________

(١) ظ : ثم لا يكون.

(٢) كذا في النسخة.

٥٣

فأما من سوى بين الأمرين ، كأبي علي الجبائي وغيره وأوقف حصول الحق مدركا على معنى ، فإنه لا يجدي فرقا بينه وبين من قال في الجسم الثقيل إذا لم يكن تحته ما يقله (١) ولا فوقه ما يمسكه كونه (٢) متحركا سفلا ووجود الحركة فيه ، ونظائر هذا الإلزام مما يؤدي الى الجهالات كثيرة.

وإذا ثبت غناء العلم عن أمر زائد ، فالموجب له ما تجدد بحسبه ، وكان تابعا لتجدده وهو الخبر. وإذا لم يجز في العلم الذي هو فعل واحد أن يحدث عن أكثر من فاعل واحد ، وجب القطع على أن (٣) من فعل مخبر واحد.

ولان العلم لو لم يتولد عن خبر الواحد واحتاج الى أخبار زائدة عليه ، لكان كل خبر يفرض قبل حصول العلم ، فلا بد من أحد أمرين ، أما الانتهاء الى خبر عصد (٤) عقيبه العلم وينتفى الشك وهو المطلوب ، أو اتصال الشك وتعذر العلم وقد علمنا وجوب حصوله حسب.

الكلام على ذلك : أنه لا يجوز أن يتساوى جنسان (٥) في صحة الخاصة (٦) وارتفاع الموانع ، وحصول المدرك ، وتكامل جميع الشرائط ، فلا يتساويان في كونهما مدركين على ما ذكرت.

غير أنه يجوز أن يتساوى جنسان في نفي السهو والاعراض عما يدركانه من سماع الخبر عن أحد جاء من بغداد ، فيعلم أحدهما ولا يعلم الأخر.

فإن قلت : قد أخللتم بشرط ، وهو المتساوي في كمال العقل.

__________________

(١) ظ : ما يقره.

(٢) ظ : كان.

(٣) ظ : أنه.

(٤) ظ : حصل.

(٥) في هامش النسخة ظ : نفسان.

(٦) ظ : الحاسة.

٥٤

قلنا لك : هذه مغالطة ، لأنا إذا اشترطنا كمال العقل فقد دخل في جملة العلم بالمدركات ومخبر (١) ، فكيف يجوز أن يشرط تساويهما في العلم بمخبر الاخبار ، ثم يجوز انفراد أحدهما بذلك ، وليس يمكن أن يدعى أنا شرطنا في ذلك كون الحي مدركا.

ولهذا فصل أصحابنا بين كون الحي مدركا وكونه عالما ، فقالوا : قد يكون عالما غير مدرك ومدركا غير عالم ، كالبهيمة والمجنون والطفل.

فإذا قيل لهم : متى كان كامل العقل وأدرك شيئا غير ملتبس ، فلا بد من أن يكون عالما بما فعل ، فقد وجب ها هنا عالما مقترنا بكونه مدركا.

قالوا : اشتراط كمال العقل اشتراط لكونه ممن يجب أن يعلم ما أدركه ، والشيء لا يكون شرطا في نفسه. على أنا لو تجاوزنا عن هذا الموضع ، لكان بين الإدراك والعلم ـ وان تساويا ها هنا في الوجوب والحصول ـ فرق واضح.

وهو أن العلم قد ثبت أنه معنى من المعاني ، بدلالة كون الحي في أكثر المواضع عالما ، مع جواز أن لا يكون عالما ، والشروط كلها واحدة.

وإذا ثبت أن العلم معنى من المعاني ، وأن كون العالم عالما يجب عنه ، ثبت ذلك في كل موضع ، وفارق كون العالم عالما لكونه مدركا ، لانه لم يثبت في موضع من المواضع أن الإدراك معنى. ولا أن الحي يجب حصوله على هذه الحال لعلة من العلل. لان كل موضع يشار اليه ، فالحال فيه متساوية في وجوب كونه مدركا عند تكامل الشرائط ، واستحالة كونه كذلك عند اختلالهما (٢) ، فانفصل الأمران أحدهما من صاحبه.

__________________

(١) ظ : ومخبر الاخبار.

(٢) ظ : اختلالها.

٥٥

فأما ما انتهى الفصل اليه من قوله : وإذا ثبت غناء العلم عن أمر زائد ، فالموجب له ما تجدد بحسبه فقد بينا أن كون العالم عالما غير مستغن عن أمر زائد يوجب كونه على هذه الصفة ، فلا معنى للبناء على ذلك.

وقوله «إذا كان العلم واحدا وجب أن يكون متولدا عن خبر وإفضاؤه بذلك الى الخبر الذي يحصل عنده» باطل ، لأنا نعلم أن كل خبر يشار اليه من أخبار الناقلين للبلدان والأمصار لو انفرد عما تقدم وتأخر عنه ، لما حصل عنده علم ولا زال به شك. فلو كان موجبا للعلم إيجاب العلل لا وجب ذلك ، متقدما كان أو متأخرا ، مقترنا بغيره أو منفردا.

وهذا أحد ما استدل به الشيوخ على أن الاخبار لا توجب العلم ، قالوا : لان الخبر الواحد ، أو الاخبار الكثيرة لو أوجبت العلم وهو جزء واحد ، لوجب أن يكون المتسبب الواحد حاصلا عن أسباب كثيرة ، وهذا يجري في الفساد مجرى حصول المقدور الواحد عن قدر كثيرة.

فإذا قيل لهم : يجب عن سبب واحد وعن حرف واحد من حرف الخبر.

قالوا : لو كان كذلك لوجب متى انفرد هذا الحرف من باقي الحرف أن يجب عنه العلم ، وقد علمنا خلاف ذلك.

وهب أنه أمكن القول بإيجاب الخبر للعلم من حيث تجدد عند إدراكه وان كنا قد بينا بطلانه ، كيف يمكن أن يقال : فما حصل لنا العلم به من الجواهر المدركة ، وقد علمنا وجوب حصول ذلك عند تكامل الشروط ، كوجوب حصول العلم بمخبر الاخبار.

وليس هاهنا ما يمكن أن يسند إيجاب العلم اليه ، الا الجوهر فان الإدراك ليس بمعنى ، ولا شبهة في أن الجوهر ليس بعلة في إيجاب حال من الأحوال.

٥٦

الفصل السابع

[اعتماد العقلاء على الخبر الواحد والجواب عنه]

ان قيل : قد علمنا اقدام العقلاء على التصرف عند أخبار الآحاد بحسبها فيما يتعلق بالدين والدنيا ، كما يقدمون على التصرف عند الإدراك وخبر العدد الكثير ، ولا يوجد منهم من يقر (١) تصرفه على ما يشاهده ويتواتر الخبر به ولا يتجاوزه ، بل يتبعون أخبار الآحاد من الافعال والاحكام ، مثل ما يتبعون المشاهدة وأخبار العدد الكثير ، وقد تقدم السؤال فيما يتعلق بالدين وأمثلته.

فأما ما يتعلق بالدنيا فأكثر من أن يحصى ، لتعلقها بضروب المنافع ودفع المضار المشتملة على الأكل والشرب والنكاح والخلط ، والتصرف في الأموال والنفوس والدول والممالك ، لا يفرق الملوك والرؤساء وجميع العقلاء والعلماء بين ما يرويه القواد وما تضمنه الكتب وتأتي به الرسل ، وبين ما يشاهده ولم يتواتر (٢) عليها الخبر به من تجهيز الجيوش ، والتولية والغزاء للأمراء والعمال والغزاة والحكام وإظهار المسار ، وإمساك المصائب ، وتجديد البيعة ، وأخذ العهود ، ودفع الأموال ، ونقل الحرم والذخائر من بلد الى بلد.

__________________

(١) ظ : من يقصر.

(٢) ظ : وبتراتر.

٥٧

ثم لا يوجد من الفضلاء من أنفذ أحد ثقاته الى وكيل في ناحية يستدعي منه حمل غلة ، أو يأمره بابتياع ضيعة ، فيوقف (١) الوكيل عن سماع قول من أنفذه ، وكف عن إنفاذ ما رسمه ، حتى يشافهه بذلك ، أو تواتر عليه من يكون خبره طريقا للعلم على ما يذهب اليه من قال بالتواتر ، فعذرة صاحبه وحمده على أن لم يغرر بماله ، هذا ما يرجع الى الوكيل.

فان قرر بإنفاذ الغلة وابتياع الضيعة وعاد الذي أنفذه بذلك ، فتوقف عن تسليم الغلة وتصحيح ثمن الضيعة ، وقال : لا أقدم على شيء من ذلك الا أن أشاهده ، أو يتواتر عليّ الخبر به ، عد ناقصا.

لانه متى فعل ذلك فاعل وسلكه سالك ، خرج عن عادات العقلاء ، ودخل فيما ينسب لأجله إلى قلة المعرفة ، أو حدوث مرض ، وهكذا من أشعره سلطانه أو بعض إخوانه لحاجة إلى الاجتماع معه لأمر يهمه ، ثم أنفذ إليه بأحد من يعلم اختصاصه به وسكونه إليه ، فأخبره بخلوه وباستدعائه ، فتوقف عن إجابته ، وطلب ما يقطع عذره من مشاهدة أو تواتر. ونظائر ذلك كثيرة لا يأتي عليها تعداد.

فان كان جميع التصرف التابع لأخبار الآحاد تابعا لظن أو حسبان ، لا لعلم ويقين لتمام الحيلة في بعضها ، وان خاف الكذب في بعض آخر منها ، فما الفرق بين من قال ذلك ، وبين من قال مثله في التصرف التابع للإدراك ، ولخبر العدد الكثير لتمام الحيلة وانكشاف الكذب في بعضها.

أما تمام الحيلة في المدركات من الوكلاء والمودعين والخزان والموثقين في الملابس والأواني والآلات والجواهر والمآكل والمشارب والحيوان وسائر

__________________

(١) ظ : فتوقف.

٥٨

ما يتموله الناس ، اما لهلاكها ، أو فسادها ، أو الطمع في فضل قيمتها ، فأكثر من أن تحصى.

ثم لا يشعر من تمت فعليه (١) الحيلة في البذل المدة الطويلة مع التصرف فيها والمشاهدة لها ، وربما استمر ذلك ولم يعلم به ، ولعله الغالب حتى ينبهه منبه ، أو يشي اليه واش ، فربما صدقه وربما كذبه واستمر استعماله لما عزم له ، أو أبذل عليه.

وقد يتم الغلط على النقاد وغيرهم ممن يفاني الأمور المفتقرة إلى الإدراك ، ولا يعذر (٢) ذلك الى جميع المدركات بالفساد واللبس ، حتى لا يوثق بشيء منه ولا يحكم بحصول العلم عنها.

وهذه سبيل الخبر الوارد عن الخلق العظيم والعدد الكثير ، لا يعلم خلقا (٣) أعظم ولا عددا أكثر ولا معاداة آكد ، تكامل واجتمع في خبر كاجتماعه في اليهود والنصارى ، والملك الذي وقع منه القتل والصلب وأتباعه ورعاياه ، كلهم يخبر عما يصح أن يكون الخبر طريقا الى العلم ، وهو إيقاع القتل والصلب بعيسى بن مريم عليهما‌السلام ، لانه مما يشاهد ويضطر اليه. ولم يجب لمكان ذلك وعلمنا بكذبهم ، أن يعود على كل خبر خبر الخلق العظيم والعدد الكثير بالتوقف ، حتى لا نثق بشيء منها ، ولا نحكم على الكل بحكم البعض ، فكذلك أخبار الآحاد.

اللهم الا أن يكون هناك ما يختص به المشاهدة واخبار العدد الكثير ، ويكون معلوما لا يمكن ادعاء مثله في أخبار الآحاد فيما (٤) هو.

الكلام على ذلك : أما ما تضمنه هذا الفصل من ذكر العمل على أخبار

__________________

(١) كذا في النسخة ولعل : عليه.

(٢) ظ : يعدو.

(٣) ظ : خلق ، وكذا عدد.

(٤) ظ : فما هو؟

٥٩

الآحاد في العقليات والشرعيات ، فقد بينا عند الكلام في الفصل الرابع من هذه المسائل ، عند ذكره للعمل على خبر الوكيل في العقد والابتياع ، وعلى خبر الزوجة في الطهر والحيض وما أشبه ذلك.

أن هذا الجنس من الكلام انما يصلح أن يعتمد على من أحال العمل على أخبار الآحاد ، وعلى ما لا يوجب العلم من الاخبار ، فأما من جوز ذلك فيقطع عليه من الموضع الذي دل الدليل عليه فيه ومنع منه ، بحيث لم يدل الدليل عليه ، فلا يكون هذا الكلام حجابا له وقدحا في مذهبه.

وبينا أيضا أنه لا يمكن أن يحمل وجوب العمل على أخبار الآحاد في الشريعة ، بحيث وقع الاختلاف على هذه المواضع بالقياس ، ويجمع بين الأمرين بعلة تحرز وتعين.

وبينا أيضا أنه لا يمكن دخول موضع الخلاف في تلك الجملة ، على أنه تفصيل لها. ولا معنى لإعادة ما مضى.

وأجود ما يمكن أن يقال في هذا الموضع وأقوى شبهة : انه إذا وجب في العقل العمل على خبر من أنذرنا بسبع في طريق ، أو لصوص ، أو ما جرى مجرى ذلك من المضار الدنيوية ، ووجب التحرز من هذه المضار وتجنبها بقول من لا يؤمن كذبه ، حتى يكون مذموما من اطرح العمل بها مع خوف المضرة ، والا (١) لا وجب أيضا العمل على قول من خبرنا عن الرسول ، لأنا لا نأمن في إهمال العمل به المضرة.

والا وجب (٢) على سبيل التحرز من المضار العمل على هذه الاخبار على الوجه الذي هو أوكد مما تقدم ذكره. لان مضار الدنيا منقطعة ومضار الآخرة

__________________

(١) الظاهر زيادة «والا».

(٢) ظ : ولا وجب.

٦٠