رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

وصار خالقا لهذا الداعي من غير ارادة لصاحب (١) الخلق ويؤثر فيه. وكيف يجوز أن يؤثر في فعل الحادث؟ حتى يجعله على بعض الوجوه أمر متقدم بل قديم ، لان الله تعالى عالم فيما لم يزل بحسن الإحسان. وإذا كان هذا الداعي هو المؤثر في أن خلقنا انما هو الإحسان فقد أثر الأمر المتقدم في حال متجددة وهذا محال.

ثم يلزم على هذا أن لو خلقنا الله تعالى وأراد مضرتنا ، أن يكون خالقا لنا للانتفاع بالثواب ، لأن الداعي إذا كان هو المؤثر في وقوع الفعل على الوجه الذي وقع عليه ولا يحتاج إلى ارادة ، فلا فرق بين انتفائها ووجودها غير مطابقة للداعي.

ويلزم على هذا أن يكون لأحدنا إذا كان عالما بحسن الإحسان الى زيد ـ وهو داع قوي إلى نفعه والإحسان اليه ـ أن يكون متى أعطاه درهما ولم يقصد لهذه العطية إلى الإحسان ، أن يكون محسنا إليه ، لأن داعي الإحسان حاصل ، وهو المؤثر على ما ظنه مخالفونا.

ويلزم أيضا أن لو قصد بإعطائه الدرهم غير وجه الإحسان من باقي الوجوه وهي كثيرة، أن يكون محسنا بذلك ، لأن داعي الإحسان وهو المؤثر ثابت وهذا حد لا يبلغه محصل.

فان قيل : فهو لا يعطيه الدرهم على وجه غير الإحسان الإبداع له اليه وهو المؤثر في عطيته.

قلنا : إذا كان هناك داعيان مختلفان ، فلم صارت هذه العطية المؤثر فيها أحدهما دون الأخر ، وكل الدواعيين (٢) مؤثر على هذا القول ، كان في وقوع الفعل على وجه دون آخر.

__________________

(١) ظ : تصاحب الخلق وتؤثر فيه.

(٢) ظ : الداعيين.

٣٨١

المسألة الخامسة

[كيفية تعلق العقاب بالكفار في الآخرة]

واعترضوا قولنا أنه تعالى لو لم يرد بإيلام الكافرين في الآخرة ما يستحقونه من العقاب، ما انفصل ذلك من الظلم ، وذلك لا يجوز.

فان قالوا : لم زعمتم أن ذلك لا ينفصل من الظلم إلا بالإرادة ، وما أنكرتم أن ينفصل منه؟ إذ قوله لعلمه باستحقاقه له ، فدعاه ذلك الى فعله ، كما أن هذا الداعي هو الذي فعل الإرادة عندهم لعقابهم ، وإذا كان هو الداعي إلى الإرادة فهو الداعي إلى المراد ، إذ كان الداعي إلى أحدهما هو الداعي إلى الأخر.

قالوا : ثم يقال لكم : ما تريدون بقولكم قصد بايلامهم ما يستحقون؟

فان قلتم : عنينا بذلك ارادة الاستحقاق.

قيل : ليس الاستحقاق بفعل فيراد.

وان قلتم : عنينا بذلك أنه أراد إيلامهم لأجل الاستحقاق.

قيل لكم : زدتم بقولكم لأجل الاستحقاق ارادة أخرى ، وليس هذا من قولكم ، وقد بينا أن الاستحقاق لإيراد.

وان قلتم : عنينا أنه أراد إيلامهم لأجل الاستحقاق.

قيل لكم : فقد جعلتم المخصوص هو كون الاستحقاق داعيا إلى الإرادة ، لأنه لو أراد إيلامهم فقط لم ينفصل من الظلم ، وانما ينفصل من الظلم بوقوع الإرادة لأجل داعي الاستحقاق [و] في ذلك وقوع الكفاية بداعي الاستحقاق في التميز من الظلم.

قالوا : فأيتين ذلك أنه سبحانه لو أراد إيلامهم للاستحقاق لما ذكروه لم يفعل هذه الإرادة [إلا] لأنه عالم بحسنها وبحسن الإيلام لما حسنت الإرادة

٣٨٢

[له] فبان أنه لا بدّ من الرجوع الى هذا العلم ، فما تنكرون أن يقف حسن الإيلام عليه.

قالوا ذلك الجواب عن قولكم : ان الثواب لا يتميز من التفضل الا بأن يقصد به الاستحقاق ، أو يقصد به وجه التعظيم.

قالوا : على أن قولكم يقصد به وجه التعظيم لا يغني قصد إيجاد المنافع وقصد فعل التعظيم الذي هو القول وما يجري مجراه ، ولسنا نسلم أن للمنافع وجوها غير مقارنة للتعظيم.

الجواب :

اعلم انا قد بينا في الكلام المتقدم المسألة بلا فصل ما يبطل هذه الشبهة المذكورة في المسألة ، لأن الكلام في أنه تعالى خلق الخلق لينفعهم ، نظير الكلام في أنه تعالى أو لم الكفار لما يستحقونه من العقاب.

وقد بينا أن الداعي مجردة لا يؤثر في الإرادة [التي] ادعى إليها حتى يجعلها على وجه دون آخر ، وانما الإرادة قد بينا أن علمه عن النفع بالثواب لا يقتضي أن يكون خلقه لا لهذا الغرض ، دون ارادة لصاحب خلق الخلق.

فعلم أن علمه تعالى باستحقاق الكفار العقاب غير كاف في كون الإيلام لهم في الآخرة مفعولا بهم لهذا الوجه دون الذي ذكره في هذه المسألة ، يقتضي أن يكون الله تعالى المستحق للعقاب ظلما ، لأنه إذا كان المخرج للضرر لكونه ظلما هو علم فاعله بأن المفعول به مستحق لذلك وان لم يقصد اليه ، فلا يصح اذن أن يظلم مستحق الضرر ، وهذا يؤدي الى أن أحدنا لا يصح أن يظلم أحدا قد تقدم استحقاقه للمضار لهذه العلة التي ذكرناها.

وكان ينبغي أن يكون مستحقو الحدود في الدنيا والمضار بها ، ليصح أن

٣٨٣

يظلمهم ظالم ، لان العلم يستحيل ظلم مستحق لضرر ، وهذا جاهل بلغ اليد.

فكان يجب أيضا فيمن له دين على غيره ، أن لا يصح ممن عليه العطية شيئا من ماله على وجه الإحسان والتفضل ، لأنه إذا كان عليه بوجوب الدين الذي عليه داعيا الى فعله ، وهو كاف في كون العطية قضاء للدين ومؤثرا فيها من دون ارادة فلا بد من وجوب ما ذكرناه. وأن ذكرنا كل ما يلزم على هذا الموضع من الشناعات والمحالات اطالة ، وفي هذا القدر كفاية.

وقد بينا مرادنا بقولنا «أنه فعله للاستحقاق» و [ما] فسرناه أغنى عن تفسيره بما لا نذهب إليه ، لأن الضرر فعل يمكن وقوعه على وجوه من جملتها الاستحقاق ، فإنما يكون مفعولا للاستحقاق بإرادة متناول فعله على هذا الوجه.

ولهذا لا نقول : ان كل [ما] يفعله البهائم والأطفال ، ومن لا يصح منه الإرادة والقصد لا يكون إلا بصفة الظلم ، لانه ضرر يعرى من ارادة تصرفه الى بعض وجوه الحسن، اما الاستحقاق أو النفع أو دفع الضرر.

والقول في الثواب وأنه لا يتميز من الفضل الا بأن يقصد به وجه الاستحقاق كالقول فيما تقدم ، لان الثواب نفع والنفع قد يقع على وجوه ، اما غير مقصود به الى شيء ، فيكون عبثا.

وقد يكون متفضلا ، فكيف ينصرف إلى جهة الاستحقاق دون التفضل ألا يقصد الى ذلك ، وهب تمكنوا من أن يقولوا أنه يكون الاستحقاق به على هذا الوجه.

فان قيل : تعري النفع من التعظيم يقتضي كونه إحسانا.

قلنا قد يتعرى من التعظيم ويكون عبثا ، وقد يتعرى إيصال أحدنا النفع الى غيره من التعظيم ، فيحتمل أن يكون عبثا أو فرضنا ، وانما بالإرادة تقع على وجه دون آخر.

٣٨٤

ثم لو قارن المنافع التعظيم وقصد بها الى التفضيل أليس ما كان الا تفضلا وان قارنه التعظيم الذي قد جعلتم مقارنته له دلالة على أنه ثواب والتعظيم ، وان كان لا يحسن مقارنة الا للمستحق فقد تقدر فعل مع المستحق ، فإنه يقدر على أن يفعله كذلك وان كان منه قبيحا.

المسألة السادسة

[تأثير الإرادة في الأفعال المستندة إلى الدواعي]

قالوا : ولو تصورنا واقفا بين الجنة والنار مضطرا إلى إرادة دخول النار وهو عالم بما فيها من المضرة وبما في الجنة من المنفعة لما جاز أن يدخل النار بل يدخل الجنة. وهذا يدل على أنه لا تأثير للإرادة إذا لم تستند إلى الداعي ، فإذا ثبت ذلك لم يحل كون الباري تعالى مريدا أزلا ، أما مع الداعي أو يجب أن يمنع الداعي.

وهذا الأخير يقتضي أن يكتفي بالداعي في تخصيص الافعال بالأوقات ، وقد استندت الإرادة اليه ان كانت إرادته غير تابعة للداعي لم عليكم أن يوحدونا (١) ارادة غير تابعة للدواعي ، ومع ذلك يؤثر في تقديم الافعال وتأخيرها.

الجواب :

ان الواقف بين الجنة والنار إذا كان مضطرا إلى إرادة دخول النار ، مع علمه بما فيها من المضرة وما في الجنة من المنفعة لا يدخل النار ، على ما مضى

__________________

(١) كذا في الأصل.

٣٨٥

في المسألة ، لأن الإرادة انما تؤثر في الأفعال إذا استندت إلى الدواعي ، ولا تؤثر إذا كانت ضرورية.

إلا أنا لا نقول في هذا الذي ذكرنا حاله : انه دخل الجنة لأجل علمه بما فيها من النفع الذي هو الداعي ، لأن فعله الذي هو الدخول لا يصح أن يقال انه فعل لكذا إلا بإرادة يصاحبه. وهذا ممنوع عن الإرادة.

وقد بينا أن الداعي غير كاف في وقوع الافعال على الوجوه التي تقع عليها ، فلم يبق الا أن يقال : إذا جاز أن يفعل من ذكرتم حاله الدخول بالداعي من غير ارادة ، فألا جاز في القديم مثل ذلك.

والجواب : ان الممنوع من الإرادة إنما اكتفى بالداعي في وقوع الفعل لانه غير متمكن من الإرادة ، والا فالداعي إلى دخول الجنة هو بنفسه داع إلى إرادة دخول الجنة ، وإذا امتنع من فعل ارادة الدخول مانع كان الداعي كافيا في وقوع الفعل.

إلا أنا لا نقول : وان وقع الدخول أنه فعل الداعي الذي هو النفع المعلوم حصوله في الجنة ، لأن هذا القول يقتضي أن الدخول فعل لهذا الوجه ، وانما يكون كذلك بالإرادة بالداعي على ما بيناه ، ومن كان ممنوعا من الإرادة لا يقال انه فعل لكذا ، وقد تقدم شرح هذه النكتة وبيانها.

المسألة السابعة

[الدليل على كونه تعالى مريدا]

ومما يدل على ذلك أن كونه تعالى مريدا لا يخلو من ان يكون [يتبع] الداعي ولا يتبع الداعي ، فإذا استحال كلا الأمرين استحال كونه على صفة

٣٨٦

المريد منا.

وانما قلنا انه لا يجوز أن [لا] يتبع الداعي بتة ، لأنه لو لم يتبعه لكان مريدا لنفسه أو المعنى قد تم أولا متعلل بوجه من الوجوه. وكل ذلك بطل بما قد ذكرتم في مواضعه.

ولو يتبع الداعي لكان اما أن يكون حصل مريدا لداع أو لا لداع ، والثاني باطل ، لانه عبث ، ولان ما يتبع الدواعي لا يجوز أن يقع من العالم به إلا لداع كسائر الافعال.

ولو حصل لداع لم يخل من أن يكون الداعي راجعا الى الفعل ، أو الى المفعول به ، أو الى الفاعل ، ولا يجوز أن يرجع الى الفعل ، بأن يكون مؤثرة فيه ، لأنها لو أثرت فيه لأثرت في وجوده ، أو في وقوعه على وجه دون وجه.

ولو أثرت في وجوده لكانت أما أن تؤثر فيه ، بأن يحصل للفعل بها ، أو بأن تدعو اليه وتبعث عليه ، فالأول يكفي فيه كون القادر قادرا ، والثاني يكفي فيه الداعي.

ألا ترى أنا لو تصورنا حصول الداعي مع القدرة من غير ارادة يصح وقوع الفعل ، ولذلك وقعت الإرادة من غير ارادة ، ولا يجوز أن يؤثر في وقوع الفعل على وجه دون وجه ، لأن إرادة الحدوث لا تؤثر في ذلك.

لأنا قد بينا أنه ليس يقع الفعل على وجه يؤثر بالإرادة وغيرها ، وأن المرجع بالأمر والخبر إلى الصيغة مع الدواعي ، وبيان ذلك في مواضعه يغني عن إيراده الآن.

وليس يفعل في الإرادة غرض يرجع الى المفعول له ، الا أن يقال : ان الحي يسر إذا أراد الله فعل المنافع لينتفع بها ، وهذا الغرض يكفي فيه أن يعلم أن نفعه داعيه الى الفعل ، وان لم يكن هناك ارادة.

٣٨٧

على أن أصحابنا يقولون : ان الله تعالى أراد انتفاع الخلق بالمنافع فيمكن أن يقال : ان الغرض بذلك سروره.

وانما يقولون : انه أراد إحداث المنافع للانتفاع ويعنون كداعي الانتفاع. وهذا رجوع إلى الداعي ، لأنه سبحانه لو أراد واحداث المنافع لا ينتفع بها لم تحصل المسرة ان حصلت بذلك ، فإنما تحصل بالداعي لا بالإرادة. على أن هذا الغرض ليس بحاصل في خلق المنافع للبهائم.

وأما الأغراض الراجعة إلى الفاعل ، فهي أن ليس بالإرادة ، ويتعرض (١) بها من تعجيل الفعل إلى الإنسان يجد (٢) ذلك من نفسه وهو يستحيل في الله. ولهذا لا يريد الإنسان في حال الفعل ، لانه لا يجوز الاعتياض مما هو موجود ، وأيضا فإن الإرادة كالطلب للفعل ، ولا يجوز طلب الموجود.

وعلى هذه المسألة كلام كثير ، قد اعترض دليل الخبر والأمر والنهي ، وقد أضربت عليه من ذكره لأجل انتشار الكلام ، ولحضر بعض ما رووه (٣) وأورد بعضه لفظا ومعنى ، وعالي الرأي له في تأمله والانعام بما عنده إن شاء الله تعالى ، وذكر ما عنده فيه من أهم الأمور ، لان سوقه ها هنا ـ أعني بلاد مصر والشام ـ نافعة جدا ، والقائلون به قد كثروا أيضا.

والله بعونه يورد على وليه من جهته ما يكون للشبهة حاسما ، وله من يسلطها عليه عاصما ، ووليه الان يستأنف الاسؤلة عن مهمات ينتجها فكره لفظا ومعنى ، ولم نجد لغيره في معناها قولا فمن ذلك.

__________________

(١) خ ل : يتعوض.

(٢) في النسخة : يحد.

(٣) خ ل : ردوه.

٣٨٨

الجواب :

اعلم أن كونه تعالى مريدا تابع للداعي لا محالة ، لأن ما دعاه تعالى إلى أفعال يدعوه الى فعل الإرادة لها. لأنا قد بينا أن داعي الفعل والإرادة واحد لان ما دعا زيدا إلى الأكل يدعوه الى فعل ارادة الأكل.

وهذه الإرادة مؤثرة في الفعل ، لانه بها ومن أجلها يقع على وجه دون آخر.

ألا ترى أن هذا الفعل انما يكون مفعولا لأجل الداعي ومتوجها غيره (١) بالإرادة ، لأنا قد بينا أنه لا يكفي في كون الفعل مفعولا للداعي ، أن يعلم الفاعل للداعي وان لم يقصد بالفعل ذلك الوجه.

وهذه الإرادة المؤثرة لا تجوز أن تكون هي إرادة الحدوث المجرد ، بل ارادة حدوثه على ذلك الوجه المخصوص ولا يلزم على هذا أن تحتاج الإرادة إلى ارادة ، لأن الإرادة لا تقع على وجوه مختلفة ، فتحتاج الى ما يؤثر في وقوعها على بعض تلك الوجوه.

وليس كذلك الفعل ، لانه قد يقع على وجوه مختلفة فإذا حصل في بعضها فلا بد من مؤثر في وقوعه على ذلك الوجه. وقد ذكرنا هذا المعنى ووضح وضوحا يزيل كل شبهة.

فأما ذكر الخبر والأمر ودعوى رجوع كونهما كذلك إلى الصيغة والداعي فمن البين الفساد ، فلا يجوز أن يكون لها حظ في هذه الصفات : لأنها توجد مع فقدها. ألا ترى أن صيغة الخبر والأمر تقع من الهاذي والمجنون وتقع صيغة الأمر من المتعدد والمبيح والمتحدي.

__________________

(١) ظ : دون غيره.

٣٨٩

وأما الداعي فلا يجوز أن يكون هو المؤثر لكون الكلام خبرا أو أمرا أو خطابا لمن هو خطاب له. وما به علمنا أن الداعي هو المخصص لها ببعض الجهات ، بمثله يعلم أن الداعي لاحظ له في كون الخطاب على بعض الصفات التي وقع عليها مع احتماله كان لغيرها.

ونحن نعيد طرفا من ذلك فنقول : لو كان الداعي هو المؤثر في كون الخطاب على ما يقع عليه من الوجوه المختلفة ، لوجب أن يكون من دعاه الداعي الى أن يأمر بأمر يتساوى في الغرض فيه والداعي إليه شخصان اسم كل واحد زيد ، الا أن أحدهما زيد بن عبد الله ، والأخر زيد بن محمد ، فقال : يا زيد افعل كذا لا يكون هذا القول متوجها الى واحد منهما، لانه ليس بأن يتوجه الى زيد بن عبد الله بأولى من أن يوجه الى زيد بن محمد.

والداعي الذي قيل أنه المؤثر يتعلق بهما على حد سواء ، فكيف يكون هذا القول أمرا لأحدهما دون الأخر ، والداعي يتميز ويخصص. فعلمنا أن الإرادة هي المؤثرة والمخصصة، لأنها تتعلق بكونه أمرا لشخص دون غيره.

والقول في الخبر وكل الخطاب يجري على ما ذكرناه ، إذا تساوت الدواعي ووقع الخبر أو الخطاب مختصا بشخص دون غيره.

وبعد : فإن الأمر بما يكون عندنا أمرا بشيء بعينه لإرادة الأمر ذلك المأمور به ، وليس يجري مجرى الخبر في أنه يكفي فيه ارادة كونه خبرا ولا يختص بشخص دون آخر ، من أن المؤثر فيه ارادة تخصصه بذلك الشخص ، وقد دللنا على ذلك في «الملخص» و «الذخيرة» وكثير من كتبنا.

فنقول على هذا : كيف يكون قول القائل : افعل كذا أمرا بذلك الفعل.

فإذا قيل للداعي الى أن أمرته.

قلنا : فإن دعاني الى أن آمر بفعل مخصوص من قيام أو صلاة لنفع يعود

٣٩٠

علي أو على المأمور ، والداعي هو المؤثر عندكم ، فيجب أن يكون أمرا بذلك الفعل وان لم أرده ، بل وان كان كرهته غاية الكراهة ، لأن الإرادة على هذا المذهب الذي نحن متكلمون على فساده لم يكن أمرا لها ومن أجلها ، وانما كان أمرا للداعي ، وهو ثابت ، فيجب أن أكون على هذا أمرا بما أكرهه ولا أريده ، ومعلوم فساد ذلك.

وقد كنا قلنا : ان الدواعي قد تكون متقدمة سابقة ، وأحكام الافعال والأقوال متجددة ، فكيف يؤثر أحوالا متجددة معان متقدمة؟ وقد تكون الدواعي ضرورية ، فكيف يؤثر الضروري الذي ليس من فعلي. وما يفيد به هذا المذهب كثير ، والكفاية واقعة بما اقتصرنا عليه.

المسألة الثامنة

[بيان قوله عليه‌السلام : سلوني قبل أن تفقدوني]

ما جواب من قال : لو سلم لكم أن القول الذي أفصح به أمير المؤمنين عليه‌السلام على رءوس الاشهاد ، وهو «سلوني قبل أن تفقدوني» يدل بظاهره وفحواه على أنه عليه‌السلام مشتمل على جميع علوم الدين ، وأنه غير مخل بشيء منها.

وفرض ذلك من طريق النظر دون ما يذهب اليه خصومكم ، من أن مراده عليه‌السلام كان الاخبار عن تقدم قدمه فيه ووفور حظه منه ، لكان ظاهر هذا المقال يدل على أنه لا يوجد بعد فقد عينه عليه‌السلام من الزمان من ينوب منابه ، ويسد مسده في الإجابة عن جميع السؤال.

إذ لو كان عالما بوجود من يجري مجراه عليه‌السلام إذ ذاك لما حذر من

٣٩١

ترك سؤاله هذا التحذير والأخص على سكت التغرير بتركه والتفريط ولا جعل فقده علة بعدم من ينوب منابه ، ودليل عليه.

وفي ذلك دليل على أن الذي فرضت لكم صحته وسلم لكم تسليم تفريط إذ لو كان حقا لما يناقص (١) ، لأنكم توجبون واحدا هذه صفته في كل زمان.

وإذا دل ظاهر قوله الذي حكيناه الان على خلو الزمان بعده ممن يجري مجراه ، سواء كان مشتملا على جميع علوم الدين ، أو موفور الحظ منها ، انتقض أصلكم وبان فساده. ودل القول على أن مراده عليه‌السلام كان الاخبار مما ذهبنا اليه من وفور حظه من العلم لا الإحاطة به. ثم سار (٢) نفسه :

فان قال فان قلتم : انا ننصرف عما يقتضيه ظاهر هذا اللفظ بالأدلة المعقولة القاطعة على وجود معصوم في كل زمان إلى أنه عليه‌السلام أراد نفي تمكن من ينوب منابه ، لا نفيه وعدم المصلحة له في الإجابة لأمر يرجع الى العباد ولا عدمه ، وذلك مطابق ما نذهب اليه ولا ينافيه.

قيل لكم : أول ما في هذا مع ما فيه من النزاع الشديد ، أن العصمة عندكم من الامام لا توجب استكمال المعصوم العلوم في أول أحوالها ، وذلك لأنكم توجبونها للمعصوم(٣) كونه اماما قبل كونه كذلك ولا تغنونه بها عن الحاجة الى امام زمانه ، فكتبكم بذلك مملوءة.

ثم ان تأويلكم هذا إذا نحوتم التطبيق بينه وبين مذهبكم ، يدل على أنه عليه‌السلام هو لو سئل في الحال التي نطق فيها بهذا الكلام على رءوس الاشهاد

__________________

(١) ظ : يناقض.

(٢) ظ : سأل.

(٣) في الهامش : للمعلوم.

٣٩٢

عن الذي تذهبون اليه من ضلال المتقدمين عليه وكفرهم في باطن الحال ، لم يتمكن من الإجابة عنه وإظهار الأدلة عليه.

وقد رويتم عنه عليه‌السلام رواية حملتموها على وجه التقية منه ، والاخبار على طريق الإشارة منه ، وأنه عليه‌السلام كان غير متمكن من الحكم بجميع ما يراه من الاحكام ، وهي قوله عليه‌السلام لقضاته «أقضوا بما كنتم تقضون ، حتى يكون الناس جماعة أو أموات كما مات أصحابي» وأنه أشار الى الذين مضوا على طاعته دون غيرهم من الخلفاء.

ثم قال : وان قلتم : انه عليه‌السلام أراد به ان ينصب بعدي من يجري مجراه مصيبي (١) ، فيتعين عليه الإجابة عن جميع السؤال لتعينها علي كان ذلك بطل (٢) أيضا ، لأن الحسن عليه‌السلام قد نصب بعده ، وبويع كما بويع له ، فقد كان يجب أن يكون تعليقه عدم الفائدة على مقتضى قولكم هذا ينفي تمكن الحسن عليه‌السلام لا يقصد عينه عليه‌السلام.

وبعد : فعليكم في هذا المقال سؤال من وجه آخر يقدح في العصمة التي توجبونها له عليه‌السلام ، وهو أنا : نعلم بحكم العقول السليمة من الهوى والسهو الداخل على صاحبها أنه لا يسوغ لمن يعلم أنه غير متمكن من الإجابة عن جميع ما يسأل عنه أن يعطي ذلك من نفسه بهذا المقال على رءوس الإشهاد إلا بسهو يعترضه أو هوي يلحقه ، يهون عليه التغرير بنفسه.

فكل هذا يدل على بطلان ما تذهبون اليه من وجود واحد معصوم كامل في العلوم في كل زمان ، ويسفر عن أنكم لا تتمسكون في ذلك الا بشبه لمظنون أنها مستمرة في العقول ، وهي باطلة بما ذكره الان يطول ، ونضع الاعتماد الان

__________________

(١) ظ : في منصبي.

(٢) ظ : باطلا.

٣٩٣

في إبطالها على ما اقتضاه هذا الصريح الصحيح من المعقول المنقول.

الجواب :

اعلم أن قول أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جنبي علما جما لو وجدت له حملة (١). يدل على اشتماله على علوم الدين دقيقها وجليلها ، وعلى كل ما يجوز أن يسأل عنه سائل ، ويسترشد اليه جاهل.

لان معنى هذا الخبر لو كان هو الدلالة على قوة حظه من العلم ، ووفور نصيبه منه ، لكان متعرضا هذا القول المطلق لأن يسأل عما لا يعلمه وينخجل. وهذا تقرير (٢) وركوب خطر ، يجل عليه‌السلام عنه ، وهو من (٣) هذا الذي تقدم من ذوي اللبابة. على أن يقول وهو متقدم القدم في المعلومات وليس بمحيطة بها «سلوني قبل أن تفقدوني» يدل على التحذير من فوت النفع بأجوبته مع فقده عليه‌السلام.

وأن مفهوم الكلام يقتضي أنه عليه‌السلام لا ساد مساده (٤) ولا قائم في العلم مقامه لانه لو كان يليه من هو في العلم مساو له ، لكان لا معنى للتحذير.

وتأويل هذا الخبر الذي يرفع الشبهة فيه أن الامام في كل زمان انما يجب بحكم إمامته أن يكون عالما بجميع علوم الدين ، حتى لا يشذ منه شاذ. وليس يجب بحكم الإمامة أن يكون عالما بالغائبات والكائنات من ماضيات ومستقبلات وإذا خص الله تعالى الإمام بشيء من هذه العلوم ، فعلى سبيل الكرامة والتفضيل والتعظيم.

__________________

(١) نهج البلاغة ص ٢٨٠.

(٢) ظ : تغرير.

(٣) ظ : ومن هذا.

(٤) ظ : مسده.

٣٩٤

وقد بينا في مسألة منفردة أمليناها قديما واستقصيناها ، أنه غير واجب في الامام أن يكون عالما بالسرائر والضمائر وكل المعلومات ، على ما ذهب اليه بعض أصحابنا.

وأوضحنا أن هذا المذهب الحبيب (١) يقتضي كون الامام عالما لنفسه حتى يصح أن يعلم ما لا يتناهى من المعلومات ، لان العالم بعلم ـ والعلم لا يتعلق على التفصيل الا بمعلوم واحد ـ لا يجوز أن يعلم الّا معلومات متناهية العدد.

وإذا صحت هذه الجملة ، لم يمتنع أن يكون أمير المؤمنين عليه‌السلام أكمل علوما من كل امام بعده ، وان كان من ناب منابه منهم عليهم‌السلام كاملا لجميع علوم الدين والشريعة التي تقتضيها شروط الإمامة ، وانما زادت علومه عليه‌السلام على علومهم في أمور خارجة عن ذلك ، كالغائبات والماضيات وأسرار السماوات ، فخوّف عليه‌السلام من فوت هذه المزية في العلوم بفقده.

وهذا الذي ذكرناه يغني عما تمحل ذكره في المسألة ، ثم بين فساده.

المسألة التاسعة

[الوجه في الحاجة الى الامام]

إذا كانت العلة موجبة للحكم ، وهي التي يجب الحكم بوجودها ويرتفع بارتفاعها ، وكانت العلة التي لها احتاج المكلفون الى الامام المعصوم بجواز (٢) السهو عليهم وإمكان وقوع الخطأ منهم. ثم أحوجنا المعصوم عليه‌السلام من ذلك

__________________

(١) ظ : العجيب.

(٢) ظ : جواز.

٣٩٥

الى الامام لغير هذه العلة ، أفليس قد أخرجناها عن كونها علة لإيجابنا المعلول مع ارتفاعها؟

فما الجواب عن ذلك؟ وعن قول من قال لا فرق بين لزوم المناقضة بذلك لمن قال به؟ وبين لزومها لمن قال ان العلة في كون المتحرك متحركا حلول الحركة فيه ، ثم أوجب تحرك بعض المحال لغير حلول الحركة فيه.

الجواب :

ان الصحيح المجرد أن نقول : الوجه في الحاجة الى الامام يكون لفظا (١) لارتفاع الخطأ ، أو تعليله هو فقد العصمة وجواز الخطأ ، لمن (٢) احتاج مع وفوره وعصمته الى امام فلم يحتج اليه ليكون لفظا (٣) في ارتفاع خطبه (٤).

وانما احتاج اليه لمعان أخر خارجة عن هذا الباب كتعليمه وتفهيمه ، لأن الحاجة إلى الامام مختلفة ، فلا يمتنع أن يكون لها علل مختلفة ، وبهذا التقدير قد زالت المناقضة وسقطت الشبهة.

ثم نعود الى ما في المسألة من كلام جرى على غير وجهه. أما العلة في الحقيقة فهي كل ذات أوجب لغيرها حالا يجب الحركة ، وهي ذات لكون المتحرك متحركا وهي حال له ، فإيجاب العلم الذي يوجد في قلوبنا وهو ذات كوننا عالمين ، وهي حال لنا.

وإذا قلنا فيما ليس بذات أنه علة ، أو لا يوجب حالا وانما يقتضي حكما ،

__________________

(١) ظ : لطفا.

(٢) ظ : ومن.

(٣) ظ : لطفا.

(٤) ظ : خطأه.

٣٩٦

فعلى طريق التنبيه واسم للعلة (١) في العلل الشرعية ، انما كان مستعارا لما ذكرناه وكون الرعية غير معصومين ، أو جواز الخطأ عليهم ، ليس بجواز (٢) أن يكون علة على الحقيقة ، وانما هو وجه احتيج الى الامام من أجله ، فأجريناه استعارة مجرى العلة فيه ، فكيف يلزم فيه أن الحكم يوجد بوجوده ويرتفع بارتفاعه ، وهذا انما يصح ويجب للعلل الحقيقية.

ألا ترى أنا كلنا نقول : ان كون الظلم ظلما علة في قبحه ، وليس يجب أن يرتفع القبح عند ارتفاع كون الفعل ظلما ، لان الكذب قبيح وان لم يكن ظلما وكذلك تكليف ما لا يطاق.

وكذلك رد الوديعة كونه رادا لها علة في وجوبه ، وليس يجب إذا ارتفعت هذه العلة أن يرتفع الوجوب ، لانه قد شارك رد الوديعة [كونه رد الوديعة (٣)] في الوجوب ما ليس له هذه الصفة ، كقضاء الدين وشكر النعمة.

فقد بان أنا لو عللنا الحاجة الى الامام بارتفاع العصمة ، ولم نورد عزيز الذي ذكرناه لم يلزمنا أن ينفي (٤) الحاجة عمن ليس بمعصوم ، لان العلل قد يخلف بعضها بعضا على ما ذكرناه.

وقد زاد أهل التوحيد والعدل على هذه الجملة التي ذكرناها ، فقالوا : ليس يمتنع أن يجب الحكم على الحقيقة في موضع ويجب في مكان آخر مع ارتفاعها. ومثلوا ذلك بأن العلم الموجود في قلوبنا يوجب كوننا [عالمين] بالمعلومات. وقد وقع حسب للقديم تعالى مثل هذه الأحوال بأعيانها ولا علم

__________________

(١) ظ : العلة.

(٢) ظ : بجائز.

(٣) كذا في النسخة والظاهر زيادتها.

(٤) ظ : ننفي.

٣٩٧

له. الا أنهم قالوا : القديم تعالى وان وجب كونه عالما بما نعلمه (١) وان لم يحتج الى وجود علم يكون فيه عالما ، فهو عالم لنفسه لا لعلة توجب كونه عالما.

قالوا : وليس يمتنع أن يجب مثل الحكم الواجب من علّة لا لعلّة ، وانّما الممتنع أن يجب الحكم عن العلة الحقيقية ، ثم يجب عن علة أخرى مخالفة لها.

قالوا : ولذلك لما وجب كون أحدنا عالما عند وجود العلم ، لم يجز أن يشاركه في كونه عالما من يجب له هذه الصفة عن علة أخرى هي غير العلم. وقد بسطنا هذا الكلام في مواضع من كتبنا واستوفيناه ، وفي هذا القدر منه كفاية.

المسألة العاشرة

[وجه طيب الولد وخبثه]

إذا كانت الطائفة (حرسها الله) مجمعة على أن مناكح الناصبة حرام إذا (٢) لم يخرجوا من أموالهم ما وجب عليهم فيها من حقوق الامام ، ولا حللهم بما يتعلق بالنكاح من ذلك ، كما حلل عليه‌السلام أولياءه.

وكانت أيضا مجمعة على ذكر فساد المولد علامة على عدم اختيار صاحبه الايمان ، وان كان مستطيعا له ، وكان أنها في ولد الزنا معروفا بإجماعها عليه.

__________________

(١) ظ : بما يعلمه لم يحتج الى وجود علم يكون به عالما.

(٢) ظ : إذ.

٣٩٨

وعلى ما كان ابن عباس (رضي الله عنه) يقوله ويعلن به وهو «ما أحب عليا الا رجل طاهر الولادة ، ولا أبغضه رجل الا وشارك أباه الشيطان في أمه ، وهو ولد الزنا الى يوم القيامة» (١).

وعلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل : بوروا أولادكم بحب علي (٢) وقد ذكره ابن دريد في الجمهرة ، فمن وجدتموه له محبا فهو لرشده ، ومن وجدتموه له مبغضا فهو لزنية.

أفليس قد صار فساد المولد العلامة على فساد المذهب ، وفساد المذهب علامة على فساد المولد ، فكيف يصح مع هذا أن يخرج من مخالف للحق وناكب عنه من يعتقده ويدين به ويقبض عليه؟

فكيف يمكن نفي ذلك ، مع إجماعها أيضا على أن المؤمن قد يلد كافرا ، وأن الكافر قد يلد مؤمنا ، حتى تأولت قول الله تعالى (تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ)(٣) على ذلك. والعيان يقتضيه ، والعلم بمحمد بن أبي بكر ومن جرى مجراه يؤكده ، والامتناع من تركنا قول من علمنا إياه ناصبا ، وعن إخراج حق الامام ناكبا ، إذا اعتقد الحق وأظهره ، ومؤاخاتنا له وحبنا إياه يؤكد ذلك.

وقد كان يجب الا بعد (٤) بمن جاءنا موافقا لنا ، إذا كنا عالمين بخلاف الله ، وأنه كان مسافحا لامتناعه من إخراج حقوق الامام عليه‌السلام اليه ، مع أنه لم يحلله منها. فلينعم بما عنده في ذلك واضحا جليا إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) رواه جماعة من أعلام القوم عن ابن عباس ، راجع إحقاق الحق ٧ ـ ٢٢٥.

(٢) نهاية ابن الأثير ١ ـ ١٦١.

(٣) سورة آل عمران : ٢٧.

(٤) ظ : ألا نعتد.

٣٩٩

الجواب :

اعلم أن طيب الولد وخبثه لا تعلق له بالحق من المذاهب أو الباطل منها ، وكل قادر عاقل مكلف فيمكن من اصابة الحق والعدول عنه ، غير أن العامي في أصحابنا معشر الإمامية أن ولد الزناء لا يكون مؤمنا ولا نجيبا ، وان عولوا في ذلك على أخبار آحاد ، فلكأنهم متفقون عليه.

فحملنا ذلك على أن قلنا : غير ممتنع أن يعلم الله في كل ولد زنية أن لا يكون محقا ، وأنه لا يختار اعتقاد الحق ، وان كان قادرا عليه متمكنا منه فصار كونه مولودا من زنية علامة لنا على اعتقاده الباطل ومجانبة الحق.

وقد كنا أملينا في بعض المسائل من كلامنا الجواب عن سؤال المخالف لنا في هذا الموضع ، إذ قال لنا : فتجويزي عيانا من يولد من زنية نجيبا معتقدا للحق ، فإنها (١) بشروط الايمان. وذكرنا في ذلك وجهين.

أحدهما : أنه ليس في كل من أظهر الايمان واعتقاد الحق ، يكون مبطنا وعليه منطويا. فغير ممتنع عن أن يظهر الايمان واعتقاد الحق والقيام بالعبادات أن يكون منافقا ، فيجوز على هذا أن نحكم بنفاق كل من علمناه مولودا من زنية إذا كان مظهر الحق.

والوجه الأخر : أنه قد يجوز فيمن يظهر أنه مولود عن زنية وعن غير عقد صحيح ، أن يكون في الباطن الذي لا نعلمه ولم يظهر لنا ما ولد الا عن عقد صحيح. وإذا جوّزنا ذلك ، جوزنا على من هو على الظاهر من زنية أن يكون في الباطن ولد عن عقد صحيح.

فأما الناصب ومخالف الشيعة فأنكحتهم صحيحة ، وان كانوا كفارا ضلالا وليس يجب إذا لم يخرجوا ما وجب عليهم من حقوق الامام ، أن يكون عقود

__________________

(١) خ ل : فإنما.

٤٠٠