رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

كاسفناكم (١) بتغليبكم إذا كانوا كذلك. وما ذاك الّا لاختلاف الأسباب على ما بيّناه.

ولو وجب ذلك لوجب مثله على الأنبياء المستترين في حال استتارهم عن الأنام ، وقد كانوا إذ ذاك مطبقين على الضلال.

وبعد : فكيف أوجبتم ظهوره ورفعتم عذره عند ذاك على شرط التأييد له من الله تعالى، والمنع لأعدائه من الوصول ، أم على وجه التخلية بينه وبينهم.

فان كان على شرط التأييد ، فكيف أوجبتم تأييده عند ذلك ولم توجبوه عند استمرار الظلم وعدم حقية الحكم ، وارتفاع العلم به ، والنص عليه على وجه ينقطع به العذر ، ويرتفع الخلاف فيه بين الكل ، وتعطيل الحدود وحدود المعضلات والمشكلات.

وان كان على وجه التغرير منه بنفسه ، فكيف وجب تغريره بها في ذلك ، ولم يجب في هذا ، وكيف يجب عليه من ذلك ما لم يجب على الأنبياء في حال الإطباق على الضلال ، فهم على جملة التقية والاستتار قالوا أو لا مهرب من الذي أردناه الى ما قلناه ولا جوزناه.

فقولوا ما عندكم فيه واقربوه بالدليل الذي يتميز من الشبهة وبيانها في المعنى والصفة لنعمة منكم إن شاء الله تعالى.

الجواب :

أما الفرق بين تشريع استتار نبي بخوف من أمته ، وبين استتار امام الزمان ، بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد تبين شريعته وأداها وأوضحها ومهدها في النفوس ، فاستتاره غير قادح في طريق العلم بالحق.

__________________

(١) كذا في النسخة.

٣٢١

وليس كذلك استتار الامام عليه‌السلام ، لأن الأمر في الاحكام في حال غيبته مشكل غير متمهد ولا متقرر فغير صحيح والأمر بالعكس منه. لأن إمام الزمان عليه‌السلام لم يغب الا وشريعة الرسول عليه‌السلام قد أديت ومهدت وتقررت ، وأدى الرسول من ذلك ما وجب عليه ، وبين الأئمة بعده من لدن وفاته الى زمان الإمام الغائب (على جماعتهم الصلاة والسلام) من شريعته ما وجب بيانه ، وأوضحوا المشكل وكشفوا الغامض.

فاستوى الأمران في جواز الغيبة مع الخوف على النص ما روى كثير من المعتزلة يذهبون الى أن الله تعالى لو علم أن النبي عليه‌السلام الذي بعثه ليؤدي الشريعة ما لا يمكن علمه الا من جهة يخصه الله على نفسه ، ويقتلونه ان أدى إليهم ما حمله ، وعلم أنه ليس في المعذور ما يصرفهم عن قتله من لطف وما يجري مجراه مما لا ينافي التكليف.

فان الله تعالى يسقط عن أمته التكليف الذي ذلك الشرع لطف فيه ، ويجرون ذلك مجرى أن يعلم تعالى أن النبي المبعوث يكتم الرسالة لا يؤديها ، وليس الأمر على ما ظنوه.

وبين (١) الأمرين واضح لا يخفى على متأمل ، لان بعثه من لا يؤدي ويعلم من جهته أنه لا يتم الرسالة سد على الأمة طريق العلم بما هو مصلحة لها في الشرائع.

[و] ليس كذلك إذا أخافوه على نفسه فاستتر وهو مقيم بين أظهرهم ، لأنهم والحال هذه يتمكنون من معرفة ما هو لطف لهم من الشرائع ، بأن يزيلوا خوفه ويؤمنون ، فيظهر لهم ويؤدي إليهم.

ففوت المعرفة ها هنا من جهتهم ، وفي القسم الأول من جهة غيرهم على وجه لا يتمكنون من إزالته. فما النبوة في هذه المسألة إلا كالامامة ، ومن فرق

__________________

(١) ظ : وبون.

٣٢٢

بينهما فقد ضل عن الصواب ، وكيف يذهب عما ذكرناه ذاهب.

وقد علمنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حمل الرسالة ، ولم ينعم أمته النظر في معجزة ، واشتبه عليهم الأمر في صدقه : فكذبوه لا يقول أحد أن الله تعالى يسقط عن أمته التكليف فيما كان ما يؤديه لطفا فيه ويقتلون (١) في إسقاطه غير واجب ، بأن اشتباه الحق عليهم في صدقه لا يخرجهم من أن يكونوا متمكنين من العلم بما فيه مصلحتهم من جهته ، وانما أتوا من قبل تقصيرهم ، ولو شاءوا لأصابوا الحق وعرفوا من جهة المصلحة.

وهذا الاعتلال صحيح ، وهو قائم في المسألة التي ذكرناها ، لأن الأمة مع استتار النبي عليه‌السلام عنهم لخوفه على نفسه ، يتمكنون من معرفة ما يحتاجون اليه من جهته ، بأن يؤمنوه ويزيلوا مخافته. ولهذا يقول أهل الحق : ان اليهود والنصارى مخاطبون بشريعتنا مأمورون بكل شيء أمرنا به منها.

فإذا قيل لنا : كيف يصح من اليهودي والنصراني وهو على ما هو عليه من الكفر الصلاة أو الصيام؟.

كان جوابنا : انه يقدر على الايمان والمعرفة بصدق الرسول ، فيعلم مع ذلك صحة الشريعة ووجوبها عليه ، فيفعل ما أمر به.

ولأنا نقول : ان تكليف الشريعة سقط عنه مع الكفر ، للتمكن الذي أشرنا اليه ، وهو قائم في الموضع الذي اختلفنا فيه.

وعلى هذا الذي ذكرناه ها هنا يجب الاعتماد ، فهو المحقق المحصل.

وما مضى في آخر المسألة من الكلام في كيفية التأييد للإمام عليه‌السلام ومنع الاعداء منها، وهل يجب القطع على وجوب ظهوره على كل حال؟ إذا أطبق الخلق على ضلال ، الى آخر ما ختمت به المسألة. فقد مضى بيان الحق

__________________

(١) كذا في الأصل.

٣٢٣

فيه في كلامنا ، والفرق بين الصحيح فيه والباطل ، فلا وجه لإعادته.

المسألة السادسة

[علة عصمة الامام عليه‌السلام]

ثم قال لا زال التوفيق بأقواله وأفعاله مقرونا : والذي يدل على عصمة الامام أن علة الحاجة إليه هي جواز الخطأ وفعل القبيح من الأمة.

قال : فليس يخلو الامام من أن يكون يجوز عليه ما جاز على رعيته أولا يجوز ذلك عليه.

قال : وفي الأول وجوب إثبات إمام له ، لأن علة الحاجة إليه موجودة فيه والا كان ذلك نقصا للعلة ، وهذا يؤدي الى إثبات ما لا يتناهى من الأئمة ، أو الانتهاء الى امام معصوم ، وهو المطلوب.

وهذا كلام تشهد العقول الخالصة من أحكام الهوى بشرف معانيه وكثرة. فائدته مع الإيجاز فيه ، لكن الحاجة الى إسقاط ما يغني من الطعون غير موجودة عنها مندوحة.

فما جواب من قال : قد تقدم فيما مضى من الكلام وجوه تدل على الاستغناء عن الامام ، سواء كان معصوما أو غير معصوم ، الّا فيما وردت الشريعة بالحاجة إليه فيه.

وقال : نحن نعلم أن الدلالة قد قامت على أن المعرفة بالله سبحانه غير مستفادة من جهته ولا من جهة الرسول عليه‌السلام. وذاك لان العلم بصدقه لا يصح الّا بعد استكمال العلم والمعرفة بمرسلة.

وذلك لانه ليس للمعجز الظاهر على يده حظ في المعرفة بمن أيده به

٣٢٤

أكثر من إفادته أنه مبرز في القدرة على من عجز عنه وليس يفيد ذلك حكمته لأن سعة القدرة غير مؤدية الى حكمة القادر.

وكذلك لو صدقه قولا لم يكن تصديقه له دليلا على صدقه ، الّا بعد العلم بأن مصدقه حكيم لا يسفه ، وعالم لا يجهل ، وغني لا يحتاج ، لان من يجوّز ذلك عليه يجوز منه تصديق الكاذب وتكذيب الصادق ، جهلا بقبح ذلك أو حاجة الى فعله.

فسقط أن يكون قول الرسول أو الإمام عليهما‌السلام طريقا إلى معرفة الله سبحانه ، وبقي أن يكون مجيء الرسل بالشرائع والأئمة المستخلفين بعدهم داخل (١) في باب الألطاف.

وإذا كان الامام كذلك أمر الأمر بإقامته (٢) من مصالح الدنيا ، وأكثر ما فيه أن يكون كبعض الألطاف الشرعية ، وما هذه سبيله لا يؤخذ بقياس عقل ، بل هو كأصول الصلاة والزكاة وغيرهما.

وإذا كانت كذلك ، فجائز أن يستوي عند الله تعالى إيجابها وإسقاطها ، فلا يتعبدنا بها ، وأكثر ما في ارتفاعه مشقة في التكليف وتأخر بعض الحقوق ، الا أن يتولى الله تعالى الحكم بين عباده. وان كان قد يمكن أن يكون بالضد من ذلك ، فيكون ترك نصبه وإمامته تسهيلا وتيسيرا ونقصا من التكليف.

فقد بان وجه الاستغناء عنه في المعرفة بالله سبحانه وقعي انه انما ينقل شريعة غيره ، فلو أتى شيء (٣) من قبله لم يقبل منه ، وجرى مجرى الأمير والحاكم

__________________

(١) ظ : داخلا.

(٢) لعل : كان أمر إمامته من.

(٣) كذا في النسخة والظاهر : وبقي أنه انما ينقل شريعة غيره فلو أتى بشيء إلخ

٣٢٥

وغيرهما ممن يكون تابعا لما حد له. فكما لا يجب عصمة هؤلاء ، فكذلك لا يجب عصمته.

فأما الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو حجة فيما لا يعلم الا من جهته ، فلا بد من أن يكون معصوما.

وقال : فان قالوا : لو لم يكن معصوما لجاز أن يبغي للدين الغوائل ، ويبذر الأموال ، ويستدعي إلى الضلال.

قيل لهم : من فعل شيئا من ذلك لم يكن اماما ووجب صرفه والاستبدال به.

فان قالوا : يمكن (١) منعه إذا امتنع وعنّ.

قلنا لهم. انما هو واحد ، فكيف تقاد جميع الأمة.

فإن قالوا : أتممالاه (٢) الظلمة ومعونة الفسقة.

قلنا : فعصمة الامام لم يرفع ما خضتم ، وانما يجب أن يكون أهل البأس والنجدة والأموال والقوة معصومين ، والا خرجوا مع غير الامام على المسلمين ، ولا ينفع عصمة الامام وحده شيئا.

فإن قالوا : ليس هذا أردنا ، ولكن لو لم يكن معصوما جاز أن يعيش المسلمين فما لم يظهر (٣) ، بأن يصلي بهم جنبا أو يحامي حسدا ، أو يسرق شيئا خفيا وغير ذلك.

قيل لهم : هذا يجوز في الأمير والحاكم ومعلم الصبيان والقصاب والوكيل ، ومن تزوجه ومتزوج اليه ، لئلا يسرق الأمير بعض الفيء ، والحاكم أموال الوقوف والأيتام ، ويضرب المعلم الصبي لأن أباه أخر عنه أجره ، ولئلا يذبح

__________________

(١) لعل : لا يمكن.

(٢) كذا في النسخة ولعل. يساعده.

(٣) ظ : يغش المسلمين فيما لم يظهر.

٣٢٦

الشاة القصاب بعد حتفها ، ولئلا يطأ الرجل امرأته وهي حائض ، أو يستدعيها الى بدعة ، أو يواطئ الخنا واللصوص فيفتح لهم الذريب ليلا.

فان قالوا : فوق أيدي هؤلاء الإمام لا يد فوق يده.

قيل لهم : انما تكلمنا فيما يخفى ولا يظهر ولا يبلغ الامام.

وبعد فإن الإمام انما يكون له يد بالدين ما استقام ، فإذا فسق فكل يد فوق يده ان أردتم اليد التي تكون بالدين وان أردتم التي تكون بمعونة الظلمة ، فقد عاد الأمر إلى أنه يجب أن يكون أهل البأس والنجدة والأموال معصومين ، وصارت المفسدة انما هي باقدارهم وتمكنهم ، لأنهم ان لم يخرجوا مع هذا خرجوا مع غيره ، فالقياس اذن يقتضي ألا يمكن الله أحدا ولا يبسط له في القدرة ، لئلا يفعل ذلك.

وقال : فان قالوا : الاقتدار والتمكين تكليف.

قلنا : والعقد لهذا تكليف مجدد ، وليس يجب على الله منعه من المعصية ، ولا أن يكلف الا من علم أنه لا يعصي ، كما لا يجب ذلك في سائر التكليفات ، ولو لا أن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة على غيره لم يجب ذلك فيه.

الجواب :

أما دليلنا على وجوب عصمة الأئمة فقد حكى عنا في هذه المسألة على الوجه الصحيح الذي رتبناه عليه ب «ثم» ، وعقبه بكلام ليس باعتراض عليه في نفسه ، لكنه اعتراض في وجوب الإمامة وجهة الحاجة الى الامام وهذا غير متعلق بدليل العصمة ، لأن الكلام في وجوب الإمامة غير الكلام في صفات الإمامة.

ثم ما طعن به على وجوبه غير صحيح ، لأن المعرفة بالله تعالى وأنها لا يستفيد من جهة نبي ولا امام علم يوجب بحق الامام ، فمتى (١) يرجع الى حصول

__________________

(١) في هامش النسخة : نسي.

٣٢٧

المعارف من جهته.

بل أوجبناها لما قد تقدم بيانه من تعيين الرئاسة لطفا في ارتفاع القبائح العقلية وفعل الواجبات العقلية. ومعلوم ضرورة أن الظلم والضيم إذ هما معللان مع وجود الرئيس القوي اليد النافذ الأمر ، ويقعان ويكثران مع فقده أو ضعف يده ، وهذه إشارة الى ما لا يمكن جحده ولا دفعه.

وقد كان ينبغي لمن أراد أن يطعن في جهة وجوب الإمامة أن يتشاغل بما اعتمدنا عليه ، لا بذكر المعرفة بالله تعالى وحكمه وعدله ، فان ذلك مما لم نعول عليه قط في وجوب الإمامة.

فإذا كنا قد بينا جهة حاجة الى الرئاسة عقلية لازمة لكل من كلف على كل حال ، فقد سقط قول من يدعي أنها يجري مجرى الألطاف الشرعية والمصالح الدنيوية.

فأما ما جرى في آخر هذا الكلام من قياس الامام على الأمير أو الحاكم ، وانه كما لا يجب عصمتهما لا يجب عصمته فهذا لعمري هو كلام على دليلنا في وجوب العصمة وان كان من بعد.

والفرق بين الامام وخلفائه من أمير وغيره في وجوب العصمة اما فإنما (١) أوجبنا عصمة الامام من حيث لو لم يكن معصوما يوجب عصمته الى امام ، كما احتاج اليه من هذه صفته ، وفي علمنا بأنه لا امام له ولا يد فوق يده ، دلالة على أنه معصوم وعار من الصفة المفتقرة الى امام ، وهي ارتفاع العصمة وجواز المعاصي.

ولما جاز في الأمير ومن عداه أن يكون غير معصوم ، كان له إمام يأخذ على يده ، وهو امام للكل ، فبان الفرق بين الامام والأمير.

__________________

(١) كذا في النسخة.

٣٢٨

فأما ما تلي هذا الكلام به من التفرقة بين الرسول والامام ، بأن الرسول حجة فيما لم يعلم الا من جهته ، فلذلك وجبت عصمته.

فأول ما فيه أن انفراد الرسول بعلمه يقتضي عصمة ليست موجودة في الإمام لا يدل على نفي العصمة عن الإمام ، لأنه غير ممتنع فرضا وتقديرا ان يكون في عصمة الامام علة أخرى غير هذه العلة.

وانما يبقى الكلام في اقتضاء هذه العلة الموجودة مع الإمام عصمة ، وقد بينا ذلك.

ولو ساغت هذه الطريقة الباطلة لساغ المبطل أن يقول : قد ثبت أن الظلم قبيح لكونه ظلما ، فيجب أن لا يكون الكذب قبيحا ، لانه ليس بظلم ، فكيف يشتركان في القبح مع اختلافهما فيما اقتضاه فما يلزم في ذلك من الفساد لا يحصى.

وبعد : فالعلة التي عللوه (١) بها عصمة الرسول موجودة في الإمام ، لأنا قد بينا أن الامام قد يكون حجة فيما لا يعلم الا من جهته ، إذا كتم الحق وانقطع النقل الذي هو حجة ، فلم يبق إلا العصمة.

فأما ما استوقف بعد هذا من أن الامام لو لم يكن معصوما ليبغي للدين أهله الغوائل، وغش في كذا ، وأخطأ في كذا ، مما لا نقوله ولا نعول عليه في وجوب عصمة الامام. ويلزم المعول على ذلك عصمة الأمراء والحكام ، وكذلك خليفة الإمام أو النائب عنه (٢). ومن استدل بهذه الطريقة التزموه وركبوه وأخطأ (٣).

وقد بينا الفرق بين الأمرين ، وأن عصمة خلفاء الامام غير لازمة على العلة

__________________

(١) ظ : عللوا.

(٢) في الأصل : أو نائب عنه.

(٣) ظ : واخطاؤه.

٣٢٩

الصحيحة التي اخترناها واعتمدناها. وما بنا حاجة في الاعتلال في عصمته بعلة فاسدة يلزم عليها كل أمر فاسد. وهذا كله مبين مشروح في كتابنا «الشافي».

فإن قالوا : لا نسلم لكم انكم (١) لا يد فوق يد الامام على الإطلاق ، لأن الإمام إذا عصى فللامة أن يستبدل به.

قلنا : لا خلاف بين الأمة في أن الامام قبل أن يفعل ما يوجب فسخ إمامته لا امام له ولا طاعة عليه ، فلو كان غير معصوم في هذه الحالة لا يحتاج (٢) الى امام فيها ، لأن العلة المحوجة اليه قائمة فيه في هذه الحال. وقد علمنا أنه لا امام له في هذه الإمامة (٣) ولا طاعة لأحد عليه ، فيجب أن يكون معصوما.

ألا ترى أن رعية الإمام في جميع أحوالهم يحتاجون الى امام قبل وقوع المعصية منهم وبعدها ، وفي زمان الصلاح والاستقامة وضدهما. لأن علة الحاجة موجودة فيهم على كل حال.

والامام على مذاهب خصومنا يجري في ارتفاع العصمة عنه مع حسن ظاهره واعتلال طريقته بمجرى صالح الأمة وعدولها ، ومن هو منهم على ظاهر السلامة وخير الاستقامة.

فكيف احتاج هؤلاء اليه مع استقامة ظاهره؟ وكيف انتظر في انبساطه اليه عليه؟ ووجوب طاعته لغيره أن يقع منه القبائح ، ولم ينتظر في رعيته مثل ذلك. وهذه نكتة عجيبة لا انفصال للمخالف عنها.

__________________

(١) ظ : أنه.

(٢) ظ : لا احتاح.

(٣) ظ : الحالة.

٣٣٠

المسألة السابعة

[عدم حاجة المعصوم الى أمير]

هذه المسألة متضمنة لإنكار حاجة المعصوم الى أمير ، كأمير المؤمنين عليه‌السلام في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والحسن والحسين في حياة أبيهما (صلوات الله على جماعتهم) ، إذ كنا نعلل الحاجة إليه بجواز الخطأ على المحتاج.

وقد أجبنا عن هذه الشبهة وأوضحناها في جواب المسألة التاسعة من المسائل الواردة في سنتنا هذه ، وقلنا هناك فيها ما يستغني عن إعادته ها هنا ، فاننا استوفيناه وحققنا ، ونقرب الان مثلا يزيل العجب عن هذا الموضع.

قد علمنا ان من لا يحسن الكتابة مثلا يفتقر الى من يعلمه إياها ، فلو سألنا عمن احتاج في تعلم الكتابة الى رجل بعينه لم احتاج اليه؟ وما علة حاجته اليه [ما كان جوابه الا أن علة حاجته اليه (١)] فقد علمه بالكتابة.

ثم فرضنا أن رجلا غيره حد (٢) العلم بالكتابة احتاج الى هذا الكاتب في تعليمه أحكام الفقه التي هو يحسنها ، مضافا الى الكتابة.

وقيل لنا : علة الحاجة الى هذا (٣) الكتابة قد ارتفعت عن فلان ، فكيف احتاج مع فقد العلم اليه؟

لما كان الجواب الأمثل ما أجبنا به في العصمة ، وكنا نقول : علة الحاجة

__________________

(١) كذا في النسخة والظاهر زيادتها.

(٢) ظ : فقد.

(٣) ظ : هذه.

٣٣١

إليه في الكتابة مفقودة ، والحاجة إليه فيها مرتفعة ، وغير ممتنع مع ارتفاع علة هذه الحاجة أن يثبت علة حاجة أخرى إليه ، فيكون محتاجا لعلة أخرى ، ولا ينقص ذلك كون العلة الأولى علة.

وقد بينا أيضا أن وجود الحكم بوجود العلة وارتفاعه بارتفاعها انما يجب إذا وجب في العلة الحقيقية ، دون ما هو مشبه بالعلل ومستعار له هذا الاسم ، والنظر في كلامنا بحيث أشرنا إليه يغني عن استيناف جواب ها هنا.

المسألة الثامنة

[علة جحد القوم النص على أمير المؤمنين عليه‌السلام]

فيما أورده عند السؤال له من أبعاد (١) الخصوم عصيان القوم الذين جحدوا النص فيه، مع طاعتهم المتقدمة فيما هو أشق على الأنفس منه. وذاك أنه (حرس الله مدته) قال : وأما التعجب من طاعتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قتل الأبناء والإباء.

فهو تعجب في غير موضعه ، لأن لقائل أن يقول : إنهم أطاعوه من قبل في قتل النفوس وبذل الأموال لما علموا وجوب طاعته عليهم ، ولم يدخل عليهم شبهة فيه ولم يطعه بعضهم فإنه لا يمكن ادعاء ذلك على جميعهم في طريق النص ، لدخول الشبهة عليهم فيه وان اختار (٢) النص كلها الجلي منها والخفي يمكن دخول الشبهة على من يمعن النظر في المراد بها ويخفى عليه الحق حتى يعتقد بالشبهة أنها لا تدل على النص ولا يستفاد منها.

__________________

(١) ظ : استبعاد.

(٢) ظ : أخبار.

٣٣٢

ومن دخلت عليه الشبهة فاعتقد أنه لم ينص على امام بعده ، فهو لا يطيع من يدعي إمامته بالنص ، لانه يعتقد أن في طاعته معصية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وخروج عن طاعته.

وهذا لا ينافي بذله نفسه وقتله أباه وابنه في طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لانه إنما يبذل ذلك ويتحمل المشاق فيه لما اعتقد أنه طاعة له عليه فأما إذا اعتقد أنه معصية له فهو بحكم إيجابه على نفسه طاعة الرسول يمتنع منه ولا يدخل فيه.

فما جواب من قال : ان مفهوم هذا الكلام يدل على أن الجحد من هذه الفرقة التي جحدت النص لم يقع إلا بالشبهة دون العناد.

وهذا يدل على ان أعذارهم لم تكن انقطعت بعرفان مراد الناقص (١) وغرضه ، وهذا لا يكون الا التقصير من المخاطب لهم في إفهامهم.

وإذا كنا قد استدللنا على انه عليه‌السلام لم يرد بخبر تبوك (٢) والغدير الا للنص ونحن لم نخص سماعها (٣) ، ولا رأينا الإشارات التي قربهما (٤) بها موضحة لمراده مولدة لبيانه ، فأحرى ألا يخفى ذلك على من سمعه ورآه.

فأما النص الجلي أيضا فيبعد إخفاء مراده أيضا فيه على مستمعيه بعدا زيد على بعده فيما تقدم ذكره.

ولئن لم يكن الأمر هكذا ليكونن التقصير في الافهام راجعا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نزهة الله عن ذلك ، لان ما يشتبه مراد المتكلم به فيه

__________________

(١) ظ : الناص.

(٢) وهو الخبر المتواتر بين الفريقين من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي.

(٣) ظ : سماعهما.

(٤) ظ : قرنهما.

٣٣٣

على سامعيه اشتباه تبلغ بهم الى حد يجوزون.

مع أنه متى اعتقد مكلف أن القول الدال عندنا على الإمامة ، واللاحق بالأدلة التي لا يدخلها احتمال ولا مجاز دال على ذلك ، كان عاصيا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مع تخصيصه بمشاهدة الآثار المؤكدة لبيانه ، دون من صفته هذه ، الى أن يخرج عن حد المكلفين ، ويسقط عنه الملامة في شيء من أمور الدين أقرب ، بل ذلك أولى وهو فيه واجب ، وليس القوم عندنا هكذا.

فلا يبقى الا أنهم قد فهموا ثم عصوا بعد البيان عنادا وتركا.

هذا ما قد عرفناه من فائدة لفظ «النص» في لسان العرب ، وأنه الإظهار والإبانة ، ولذلك شواهد منها قولهم «قد نص قلوصه» إذا أبانها بالسير وأبرزها من جملة الإبل ، ونص فلان مذهبه : إذا أبانه وأظهره.

وقول امرئ القيس :

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش

إذا هي نصته ولا بمعطل

فثبت أنه القول المنبئ عن المقول فيه على سبيل الإظهار والإبانة.

وقد اشتهرت مذاهب الطائفة أن رؤساء جاحدي النص لم يزالوا منذ سمعوه جاحدين له ، لانطوائهم في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على النفاق حتى أخبر الله عزوجل عنهم بأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.

وأي حاجة بنا الى التسليم للخصم أنهم أطاعوه من قبل فيما عدده من الإنفاق بدنيا، وعصوا في النص بالشبهة ، وهو لا يناسبها ما قد استمر في مذهبنا ومع التمكن من جهل الأفعال التي يموهون بحسن ظاهرها على ما يطابق ذلك لان الله تعالى قد أخبر أنه لا يقبل إنفاقهم ، إذ كانوا يفعلونه كارهين ، وأخبر أنهم لا يأتون الصلاة الّا وهو كسالى.

٣٣٤

والعقول دالة على أن اتباعه في الخروج عن وطنه وأوطانهم قد يمكن أن يكون لمعنى دنيوي ، وأنهم قد علموا أو رأوا أمارات تدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سيظهر على العرب وتولى دولته على الدول ، فاتبعوه في حال الضراء ، ليحظوا بالتقدم في الذكر والصب (١) والحظ منه في حال السراء ، ويتوصلون بذلك الى مرادهم ، مع أمنهم به عند ظهوره على أنفسهم.

وهذا كله مستقر في رؤساء جاحدي النص والسابقين إلى السقيفة والمتعاقدين فيها وقبلها على إزالة الحق من أهله ، ومن سواهم فيمكن أيضا أن يكونوا جحدوا النص أيضا عنادا ، بل ذلك الواجب في كل صحابي سمع أو رأى ، ومال بعد ذلك الى الدنيا ولحقته حمية الجاهلية الاولى ، والأفعال التي عدّ أنهم فعلوها.

وجوز بها ما استبعده الخصم ، مثل ارتدادهم (٢) من ارتد عن الدين ، ومنع الزكاة ، وقتل عثمان ، وقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقتل الحسين عليه‌السلام ، وخلع الحسن عليه‌السلام من قبله ، غير متوجه شيء منها إلى رؤساء جاحدي النص ، لبراءتهم في الظاهر منها.

وان كان الدليل عندنا قائما على أن القوم غير مخلصين من تبعات ذلك ، لكونهم فاتحين لطريقة موضحين لسبيله.

فقد بان أن دخول الشبهة في النص على مثلهم وعلى مثل طلحة والزبير أيضا غير جائزة ، لأن طلحة والزبير لم يكونا من الشأن عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على حد يخفى عليهما معه مراده.

فالشبهة اذن بمن سوى هؤلاء أولى ، وأولى الناس بها من لم يطرق سمعه

__________________

(١) ظ : الصيت.

(٢) ظ : ارتداد.

٣٣٥

النص ، ولا سمع المعارضة فيه.

ولم أر الجواب مشتملا على تقسيم الجاحدين للنص وسعي تسليم الأفعال التي نزه الخصم بها بحسن ظاهرها عن أن يكون صدرت عن الرؤساء ، وهم متدينون بها متحققون فيها الإخلاص لله سبحانه ، بل على تسليم طاعتهم فيها ، لارتفاع الشبهة عنهم في طاعة الرسول وعصيانهم في النص ، لدخول الشبهة عليهم فيه ، ويرث استزادة البيان منه ، ومعرفة رأيه فيما اعتمدت عليه ، وما أولاه بذلك مثابا إن شاء الله تعالى.

الجواب :

اعلم أن جحد النص على أمير المؤمنين «ع» عندنا كفر ، والصحيح ـ وهو مذهب أصحاب الموافاة منا ـ أن من علمنا موته على كفره ، قطعنا على أنه لم يؤمن بالله طرفة عين ، ولا أطاعه في شيء من الافعال ، ولم يعرف الله تعالى ولا عرف رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وأن الذي يظهره من المعارف أو الطاعات من علمنا موته على الكفر انما هو نفاق وإظهار لما في الباطن بخلافه.

وفي أصحابنا من لا يذهب الى الموافاة ، ويجوّز في المؤمن أن يكفر ويموت على كفره ، كما جاز في الكافر أن يؤمن ويموت على ايمانه.

والمذهب الصحيح هو الأول ، وقد دللنا على صحته في كلامنا المفرد على الوعيد ، وفي كتاب «الذخيرة».

وعلى هذه الجملة ما أطاع على الحقيقة من جحد النص ، ومات على جحوده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في شيء من الأشياء ، وانما كان إظهار الطاعة نفاقا.

وليس يمكن أن نقول : ان كل من عمل بخلاف النص بعد النبي صلى الله عليه

٣٣٦

وآله كان في أيامه عليه‌السلام منافقا غير عارف به ، لأن في من عمل بخلاف النص من عاد إلى الحق وتاب من القول بخلاف النص.

وفيهم من مات على جحده ، فمن مات على جحوده هو الذي نقطع على أنه لم يكن قط له طاعة ولا ايمان. ومن لم يمت على ذلك لا يمكن أن نقول بذلك فيه.

وقولنا الذي حكى عنها (١) المتضمن أن جاحدي النص انما أطاعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قتل النفوس ، لما علموا أن ذلك واجب ، ولما اشتبه عليهم مراده بالنص لم يطيعوه فيه. يجب أن يكون محمولا على أن من جحد النص ابتداء ، ثم اعتقده انتهاء وقبض على اعتقاده ، هو الذي أطاع في قتل النفوس ، للعلم بأنه طاعة ، ولم يطلع (٢) في النص للجهل بحاله ودخول الشبهة عليه ، ومن جحد النص واستمر على جحوده الى أن مات.

كان معنى قولنا إنه أطاع في قتل النفس وتحمل المشاق ، أنه أظهر الطاعة كما أظهر التصديق بالنبوة والعلم بصحتها ، وان لم يكن كذلك معتقدا ولم يظهر الطاعة في النص ، كما أظهرها في غيره بجهله به ودخول الشبهة عليه ، وهذا هو التحقيق لهذه الثلاثة.

والذي جرى في أثناء المسألة من أنهم لو كانوا لم يعرفوا النص لشبهة دخلت عليهم ، لكانوا معذورين غير ملومين ، لكان التقصير عائدا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يفهمهم مراده ، وتأكيد ذلك بما أكد به بعد شديد من سنن الصواب ، واعتراض لا يعترض بمثله من توسط هذه الصناعة.

لان من قصر فيما نصب الله تعالى عليه من الأدلة إذا نظر فيما أفضى به

__________________

(١) ظ : عنا.

(٢) ظ : ولم يطع.

٣٣٧

نظره الى العلم دخلت عليه الشبهات ، حتى اعتقد الباطل وعدل عن الحق ، يكون ملوما غير معذور. وكيف لا يكون كذلك؟ وله طريق الى العلم ، عدل بتقصيره عنه فاللوم [عليه] لا على ناصب الدليل.

وهذا القول الفاسد يقتضي أن كل كافر بالله تعالى وجاهل بصفاته وعدله وحكمته ، وشاك في نبوة أنبيائه وكتبه ، معذور غير ملوم ، ويكون اللوم عائدا على من نصب هذه الأدلة المشبهة التي يجوز أن تقع الشبهة في مدلولها.

وهذه الطريقة الفاسدة تقتضي أن تكون المعارف كلها ضرورية ، والا فالشبهة متطرقة ، واللوم عمن ذهب عن الحق جانبا موضوعا.

وإذا نصب الله تعالى على امامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من الأدلة ما يجري مجرى ما نصبه على معرفته ومعرفة صدق رسله وصحة كتبه ، فقد أنصف وأحسن.

وإذا كنا لا ننسب المخالفين في المعارف كلها الى العناد ودفع ما علموه ضرورة ونقول: ان الشبهة آمنهم (١) في جهلهم بالحق ونلومهم غاية اللوم ولا نعدهم ، فغير منكر أن يكون دافعوا النص بهذه المثابة.

ويريد من تأكيد الله تعالى للنص والطريق الى معرفته أكثر مما فعله الله تعالى في طريق معرفته وعدله وحكمته وصدق رسله وسائر المعارف.

وقد كنا رتبنا في كتابنا «الشافي» وغيره ما يجب اعتماده في قسمة أحوال النص وأحوال سامعيه ومعتقد الحق أو الباطل فيه. وقلنا : ان النص على ضربين : موسوم بالجلي ، وموصوف بالخفي.

وأما الجلي : فهو الذي يستفاد من ظاهر لفظه النص بالإمامة ، كقوله عليه

__________________

(١) ظ : منهم.

٣٣٨

السلام «هذا خليفتي من بعدي» (١) و «سلموا على علي عليه‌السلام بإمرة المؤمنين» (٢). وليس معنى الجلي أن المراد منه معلوم ضرورة ، بل ما فسرناه.

وهذا الذي سميناه «الجلي» يمكن دخول الشبهة في المراد منه وان بعدت ، فيعتقد معتقد أنّه أراد بخليفتي من بعدي بعد عثمان ، ولم يرد بعد الوفاة بلا فصل.

وهذا التأويل هو الذي طعن به أبو علي الجبائي عليه مع تسليم الخبر. وقال قوم : انه أراد خليفتي في أهلي لا في جميع أمتي.

ويمكن أن يقال في خبر التسليم بأمارة المؤمنين ، أنه أراد حصول هذه المنزلة له بعد عثمان ، كما يهينا (٣) الوصي في حال الوصية بهذه المرتبة ، وان كانت تقتضي التصرف في أحوال مستقبلة ، ويسمى في الحال وصيا وان لم يكن له التصرف في هذه الحال.

وأما النص الخفي : فهو الذي ليس في صريحة لفظه النص بالإمامة ، وانما ذلك في فحواه ومعناه ، كخبر الغدير ، وخبر تبوك (٤) ، والذين سمعوا هذين النصين من الرسول على ضربين : عالم بمراده عليه‌السلام ، وجاهل به.

فالعالمون بمراده يمكن أن يكونوا كلهم عالمين بذلك استدلالا وبالتأمل. ويجوز أن يكون بعضهم على (٥) من شاهد الحال وقصد الرسول عليه‌السلام الى خطابه بيانه ومراده ضرورة.

__________________

(١) رواه جماعة من أعلام القوم ، راجع إحقاق الحق ١٥ ـ ١٩٧.

(٢) رواه جماعة من أعلام القوم ، راجع إحقاق الحق ١٥ ـ ٢٢٢.

(٣) ظ : يهنأ.

(٤) وهو خبر المنزلة المتواتر بين الفريقين.

(٥) ظ : علم.

٣٣٩

ثم ان هؤلاء العالمين على ضربين : فمنهم من عمل بما علم واتبع ما فهم ، وهم المؤمنون المتحققون. ومنهم من أظهر أنه غير عالم ولم يعمل بما علم ، وهم الضالون المبطلون.

وليس معنى قولنا «علم» أنه عليه‌السلام واجب الطاعة مستحق للإمامة ، لأن ذلك لا يجوز أن يعلم قط من هو جاهل بالله تعالى وبالنبوة على ما تقدم ذكره. وانما قولنا «علم» أنه استدل أو اضطر الى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قصد بذلك القول إلى إيجاب إمامته والنص عليه ، وليس العلم بذلك علما بأنه إمام.

ألا ترى أن كل مخالف لنا في الملة يعلم ضرورة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قصد إلى إيجاب صلوات وعبادات ، وليس ذلك علما منه بوجوب هذه العبادات ، بل بان مدعيا ادعى إيجابها.

فأما الجاهلون : فعلى قسم واحد ، وهم الذين انفاذوا أين (١) ما لم يكن لشبهة الى الباطل ، وعدلوا عن الحق ضلالا عن طريقه ، وهم بذلك مستحقون لغاية الوزر واللوم.

ولسنا ندري ما الذي حمل من لج من بعض أصحابنا في القطع على أن جاحدي النص كلهم كانوا معاندين لم يعدلوا عن الحق بشبهة من غير فكر من غير هذا القاطع فيما يثمره هذا القول من الفساد.

ونظن أن الذي حمل على ذلك أحد أمرين : اما أن يكونوا اعتقدوا أن من ضل عن الحق لشبهة دخلت عليه معذور غير ملوم ولا مستحق للعقاب ، وأن المستحق للذم والعقاب هو الذي عدل عنه مع العلم.

وهذه غفلة شديدة ممن ظن ذلك ، والا لوجب أن يكون من ذهب عن الحق

__________________

(١) ظ : انقادوا أين.

٣٤٠