رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

أَنَّى شِئْتُمْ)(١) ، وأن الشرع يقتضي التمتع بالزوجة مطلقا من غير استثناء لموضع دون آخر.

المسألة السابعة والخمسون :

[القرآن منزل غیرمخلوق]

القرآن منزل أو مخلوق؟

الجواب :

القرآن كلام الله تعالى أنزله وأحدثه تصديقا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو مفعول.

ولا يقال : انه مخلوق ، لان هذه اللفظة إذا أطلقت على الكلام أوهمت أنه مكذوب، ولهذا يقولون : هذا كلام مخلوق ، فقال الله تعالى (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ)(٢) يريد الكذب لا محالة.

المسألة الثامنة والخمسون :

[ای الاعمال افضل]

أي الأعمال أفضل؟

الجواب :

معنى قولنا في العمل أنه أفضل ، أنه أكثر ثوابا من غيره. وليس يعلم

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٣.

(٢) سورة ص : ٧.

٣٠١

أي الأعمال أكثر ثوابا من غيره على التحقيق ، الا علام الغيوب تعالى ، أو من اطلعه على ذلك.

وما يروى في ذلك من أخبار الآحاد لا يعول عليه.

المسألة التاسعة والخمسون :

[لزوم العمل مع الاعتقاد]

الاعتقاد أفضل بغير عمل ، أو العمل بغير اعتقاد؟

الجواب :

أما العمل بغير اعتقاد فلا ثواب عليه ولا فائدة فيه ، لان من صلى ولا يعتقد وجوب الصلاة والقربى بها الى الله تعالى ، فلا صلاة له ولا خير فيما فعله. والجمع بين الاعتقاد والعمل هو النافع المقصود.

وانفراد الاعتقاد عن عمل ، خير على كل حال ، وان خلا من عمل ، وليس كذلك العمل إذا خلا من الاعتقاد.

المسألة الستون :

[مسألة الرجعة]

الاعتقاد في الرجعة عند ظهور القائم عليه‌السلام وما في (١) الرجعة؟

الجواب :

معنى الرجعة أن الله تعالى يحيي قوما ممن توفي قبل ظهور القائم عليه

__________________

(١) في بعض النسخ : ما هي.

٣٠٢

السلام من مواليه وشيعته ، ليفوز بمباشرة نصرته وطاعته وقتال أعدائه ، ولا يفوتهم ثواب هذه المنزلة الجليلة التي لم يدركها ، حتى لا يستبدل عليهم بهذه المنزلة غيرهم ، والله تعالى قادر على احياء الموتى ، فلا معنى لتعجب المخالفين واستبعادهم.

المسألة الحادية والستون

[المسلم يرث الكافر]

المسلم يرث النصراني إذا كان من اولى الأرحام؟

الجواب :

عندنا أن المسلم يرث الكافر ، وانما الكافر لا يرث المسلم وليس في الخبر الذي يروونه من أهل الملتين ألا يتوارثون (١) حجة ، لأن التوارث تفاعل وإذا ورثناهم ولم يرثونا فما توارثنا.

المسألة الثانية والستون :

[العمة ترث مع العم]

هل العمة ترث مع العم؟

__________________

(١) ظ : يروونه من أن أهل الملتين لا يتوارثون.

٣٠٣

الجواب :

عند الشيعة الإمامية أن العمة ترث مع العم ، ولها نصف نصفه (١) ، لا خلاف بين الشيعة الإمامية في ذلك ، لأنها تشارك العم في قرابته ودرجته فما يقول المخالف من ذكر العصبة لا محصول له.

المسألة الثالثة والستون :

[ارث الخال والخالة مع الاعمام]

الخال والخالة لهما نصيب مع الأعمام من الميراث؟

الجواب :

يرث الخال والخالة مع الأعمام نصيب الام ، وهو الثلث. لان قرابتهما من جهة الأم، وللخالة نصف سهم الخال.

والأعمام يرثون نصيب الام (٢) ، وهو الثلث (٣) ، لان قرابتهم من جهة الأب.

المسألة الرابعة والستون

[ارث اولاد الاخت]

أولاد الأخت يرثون إذا كانوا أقرب الأهل؟

__________________

(١) ظ : نصيبه.

(٢) ظ : الأب.

(٣) ظ : الثلثان.

٣٠٤

الجواب :

أولاد الأخت يرثون إذا لم يكن معهم في الميراث من هو أحق منهم ومن هو أعلى درجة.

ويجري أولاد الأخت إذا انفردوا بالميراث مجرى أولاد الأخ إذا انفردوا به.

المسألة الخامسة والستون

[جواز الوطي قبل غسل الحيض]

الحائض إذا مضت سبعة أيام وطهر الموضع من أذى ، هل يجوز للرجل وطئها قبل غسل رأسها وبدنها أم لا؟

الجواب :

إذا انقطع دم الحائض ونقي الموضع من الصفرة والكدرة ، جاز لزوجها أن يطأها وان لم تغسل.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون انقطاعه لأكثر الحيض أو لأقله ، بخلاف ما يقول أبو حنيفة ، لأنه يوافقنا في جواز الوطي عند انقطاع الدم وان لم يقع الغسل ، الا أنه يفرق بين انقطاعه لأكثر الحيض أو لأقله ، فيجوز الوطي إذا كان الانقطاع في أكثر الحيض ، ولا يجوز إذا كان لأقله.

٣٠٥

المسألة السادسة والستون

[حكم الخمس]

الخمس مفروض لآل الرسول وعليهم (١) في الغنيمة في بلاد الشرك ، أم في جميع المكاسب والتجارة والعقار والزرع ، أو لم يجب ذلك منهم (٢) في هذا العصر؟

الجواب :

الخمس واجب في كل الغنائم المستفادة بالغزو من أموال أهل الشرك. وهو أيضا واجب فيما يستفاد من المعادن والكنوز ويستخرج من البحار. ويجب أيضا في كل ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المئونة والكفاية من طول سنة على الاقتصاد.

وسهم الله تعالى الذي أضافه الى نفسه ، وسهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذان السهمان بعد الرسول للإمام القائم مقامه ، مضافا الى سهم الإمام الذي يستحقه بالقربى وباقي السهام ليتامى آل محمد عليهم‌السلام ولمساكينهم وأبناء سبيلهم.

فكأنه يقسم على ستة أسهم : ثلاثة منها للإمام عليه‌السلام ، وثلاثة منها لآل الرسول عليه وعليهم‌السلام. وهذا الحق انما جعل لهم عوضا عن الصدقة ، فإذا منعوه في بعض الأزمان حلت لهم الصدقة مع المنع من هذا الحق والله الموفق للصواب.

تمت المسائل وأجوبتها والله ولي الحمد والتوفيق.

__________________

(١) ظ : عليهم‌السلام.

(٢) ظ : لهم.

٣٠٦

(٧)

جوابات المسائل الطّرابلسيّات الثّانية

٣٠٧
٣٠٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[علة الحاجة الى الامام في كل زمان]

أما جواب المسألة الاولى من الأدلة التي لا يدخلها احتمال ولا مجاز ، وجوب جنس الإمامة من الرئاسة في كل زمان.

فقال : الذي يدل على ذلك انما يعلم ضرورة باختيار العادات أن الناس متى خلوا من رئيس مهذب نافذ الأمر باسط اليد يقود الجاني ويؤدب المذنب ، لشاع بينهم التظالم والتقاسم والأفعال القبيحة.

وأنه متى دعاهم من هذه صفته كانوا الى الارتداع والانزجار ولزوم المحجة المثلي أقرب .. ومن كلفهم وأراد منهم فعل الواجب وكره فعل القبيح لا بدّ أن يلطف بهم بما هو مقرب من مراده مبعد من سطوحه (١) ، فيجب أن لا يخلهم من إمام في كل زمان.

فما جواب من قال : كل علة لكم في هذا ونحوه يقتضي إعزازه وكف أيدي الظلمة وإرشاده الضلال وتعليم الجهال ، ويكون حجة الله ثابتة ، وله في

__________________

(١) ظ : سطوته.

٣٠٩

تلك الحادثة حكم مع غيبته خلاف الحكم مع ظهوره ، فألا أجزتم أن يتأخر الحكم فيها الى يوم القيامة ، ليتولى الله تعالى حكمها.

ونحن نعلم أن هذه الاحكام لا تتلاقى (١) ولا تحتمل الانتظار ، لانه يموت الظالم والمظلوم ، ويبطل الحق المطلوب ، وينقرض الناس ولم يزل أخلاقهم (٢) ولا أنصفوا ممن ظلمهم، فقد أداكم اعتلالكم إلى إيجاب ظهوره باعزازه وانشذ منه وكف أيدي الظلمة عنه ، أو تجويز الاستغناء عنه ما بيناه.

الجواب :

اعلم أن كل مسألة تتعلق بالغيبة من هذه المسائل ، فجوابها موجود في كتابنا «المقنع في الغيبة» وفي الكتاب «الشافي» الذي هو نقض كتاب الإمامة من الكتاب المعروف ب «المغني» ، ومن تأمل ذلك وجده اما في صريحهما أو فحواهما.

فأما الزامنا على علتنا في الحاجة اليه ، وجواب إعزازه ، وكف أيدي الظلمة عنه ليظهر ويقع الانتفاع به والإعزاز وكف أيدي الظلمة على ضربين : أحدهما لا ينافي التكليف ويكون التكليف معه باقيا ، والضرب الأخر ينافي التكليف.

وأما ما لا ينافي التكليف أن ما يكون بإقامة الحجج والبراهين والأمر والنهي والوعظ والزجر ، والألطاف القوية لدواعي الطائفة المصارفة عن المعصية ، وقد فعل الله تعالى ذلك أجمع على وجه لا مريب عليه.

وأما الضرب الثاني وهو المنافي للتكليف كالقهر والقسر والإكراه والإلجاء ،

__________________

(١) ظ : لا تتلافى.

(٢) ظ : أخلافهم.

٣١٠

فالثواب الذي انقرض (١) بالتكليف هو التعريض له ، يسقط مع ذلك ، فكيف يفعل لأجل التكليف ما يسقط الفرض به وينقصه.

والذي مضى في خلال السؤال من الحكاية عنا المقبول فان في الحوادث ما الحكم فيه عن غيبة الإمام عليه‌السلام يخالف الحكم مع ظهوره. باطل لا نذهب اليه ولا قال منا به قائل ، وحكم الله في الحوادث الشرعية مع غيبة الامام وظهوره واحد غير مختلف.

فان قيل : ألا جاز أن يكون الحق في بعض المسائل أو الحوادث عند الامام عليه‌السلام والناس في حال الغيبة في ذلك الأمر على باطل ، ولو زالت التقية عنه لبين الحق وأوضحه.

قلنا : قد أجبنا عن هذا السؤال في كتابنا في «الغيبة» و «الشافي» و «الذخيرة» وكل كلام أمليناه فيما يتعلق بالغيبة ، بأن الحق في بعض الأمور لو خفي علينا وكانت معرفته عند الإمام الغائب ، لوجب أن يظهر ويوضح ذلك الحق ، ولا تسعة التقية والحال هذه.

وقلنا : ان ذلك لو لم يجب لكنا مكلفين بما لا طريق لنا الى علمه ، وذلك لاحق بتكليف ما لا يطاق في القبح.

وجرينا في الجواب بذلك على طريقة أصحابنا ، فإنهم عولوا في الجواب عن هذا (٢) السؤال على هذه الطريقة.

والذي يقوى الان في نفسي ويتضح عندي أنه غير ممتنع أن يكون عند امام الزمان ـ غائبا كان أو حاضرا ـ من الحق في بعض الأحكام الشرعية ما ليس عندنا ، لا سيما مع قولنا بأنه يجوز أن يكتم الأمة كلها شيئا من الدين ، حتى

__________________

(١) ظ : الغرض.

(٢) في الأصل : هذه.

٣١١

لا يروونه من الحجة في رواية.

ولا يكون تكليفنا بمعرفة ذلك الحق تكليفا بما لا يطاق ، لأنا نطيق معرفة ذلك الحق الذي استند بمعرفة الإمام من حيث قدرنا إذا كان غائبا لحوقه على ازالة خوفه ، فإنه كان حينئذ يظهر ويبين ذلك الحق. وإذا كنا متمكنين من ذلك فهو متمكن (١) من معرفة الحق.

ألا ترى أنا نقول : ان الله تعالى قد كلف الخلق طاعة الامام والانقياد له والانتفاع به، وذلك كله منتف في حال الغيبة ، فالتكليف له مع ذلك ثابت ، لان التمكن منه فينا قائم من حيث تمكننا من إزالة تقية الامام ومخافته ، فأي فرقة بين الأمرين.

فإن قيل : فإذا كنتم تجيزون أن يكون الحق عنده في بعض المسائل وخاف عنا ، ولم توجبوا ما أوجبه أصحابكم ، من أن ذلك لو جرى لوجب ظهور الامام على كل حال ، ولم يبح التقية أو سقوط التكليف في ذلك الأمر المعين ، فما الأمان لكم من أن يكون الحق في أمور كثيرة خافيا عنكم ومستندا بمعرفة الامام ، ويكون التكليف علينا فيه ثابتا للمعنى الذي ذكرتموه ، وهو التمكن من ازالة خوف مبين هذا الحق لنا.

قلنا : يمنع من تجويز ذلك إجماع طائفتنا وفيه الحجة ، بل إجماع الأمة على أن كل شيء كلفناه من أحكام الشريعة على دليل واليه طريق نقدر ـ ونحن على ما نحن عليه ـ على اصابته ، ونتمكن مع غيبة الامام وظهوره من معرفته. ولو لا هذا الإجماع لكان ما قلتموه مجوزا.

وهذا الإجماع الذي أشرنا إليه لا شبهة فيه ، لأن أصحابنا الإمامية لما منعوا من كونه حق في حادثة كلفنا معرفة حكمها خفي عنا وهو عند امام الزمان

__________________

(١) ظ : تمكن.

٣١٢

عليه‌السلام. وعللوا ذلك بان هذا التقدير مزيل لتكليف العلم بحكم تلك الحادثة ، قد اعترفوا بأن ذلك لم يكن ، وانما عللوه بعلة غير مرضية ، فالاتفاق منهم حاصل على الجملة التي ذكرناها ، من أن أحكام الحوادث والعلم بالحق منها ممكن مع غيبة الإمام ، كما هو ممكن مع ظهوره.

فأما الزامنا تأخر حكم بعض الحوادث باستمرار تقية الامام المتولي لها الى يوم القيامة ، فلا شبهة في جواز ذلك وطول زمانه كقصره في أن الحجة فيه على الظالم المانع للإمام من الظهور ، لاستيفاء ذلك الحق وازالة تلك المظلمة والإثم محيط ، ولا حجة على الله تعالى ولا على الامام المنصوب.

فأما موت الظالم قبل الانتصاف منه وهلاك من الحد في جنبه قبل إقامته عليه فجائز، وإذا جرى ذلك بما عرض من منع الظالمين من ظهور من يقوم بهذه الحقوق المؤاخذون بإثم ذلك. والله تعالى ينتصف للمظلوم في الآخرة ويستوفي العقاب الذي ذلك الحد من جملته في القيامة كما يشاء.

ولا بدّ لمخالفينا في هذه المسألة من مثل جوابنا إذا قيل لهم ما تقولون في هذه الحقوق والحدود التي لا يستوفيها الإمام إذا قصر أهل الحل والعقد لإمام يقوم بها ، أو أقاموا اماما ولم يمكن من التصرف وحيل بينه وبينه ، أو ليس هذا يوجب عليكم فوت هذه الحقوق ، وتعطل هذه الحدود الى يوم القيامة. فلا بد لهم من مثل جوابنا.

إعزاز (١) الامام وكف الأيدي عنه ، فقد قلنا فيه ما وجب بعكس هذا السؤال على المخالف ، فنقول لهم : كل علة لكم في وجوب الإمامة من طريق السمع ، فإنه لا بدّ منها ولا غنى عنها يوجب عليكم إعزاز الإمام ، حتى لا يضام ولا يمنع من التصرف والتدبير وكف الأيدي الظالمة عنه ، وما رأيناه تعالى

__________________

(١) ظ : وأما إعزاز.

٣١٣

فعل ذلك عند منع الأئمة من التصرف فلا بد لهم من مثلا جوابنا.

المسألة الثانية

[ما الحجة على من جهل الامام واشتبه النص عليه]

وما جوابه أيضا ان قال ناصرا لما تقدم منه في تجويز الاستغناء عن الامام ، ما حجة الله تعالى على من جهل الامام واشتبه عليه موضع النص.

وقال : فان قلتم : حجة العقل والنقل ولا بدّ لكم من الاعتراف بذلك.

قيل لكم : ان ذلك كاف بنفسه غير محتاج الى امام عليه‌السلام.

قال : فلا بد من نعم. فيقال لهم : فلم ما كان ذلك في كل ما له من حق كائنا ما كان؟

فان قالوا : النقل مختلف والحجج متعارضة.

قيل لهم : أنتم تعلمون أنكم تقدرون على إجابة هذا السائل المسترشد عن النص والامام ، بحجة فيه لا مخالف فيها ، وبنقل متفق عليه لا تنازع فيه تجاهلتم وسألتم في ذلك فلا تجدون اليه سبيلا.

وان قالوا : ولكن لا يتساوى الحق والباطل.

قيل لهم : فقولوا ذلك في كل مختلف فيه واستغنوا عن امام.

الجواب :

اعلم أن هذا الاعتراض دال على أن المعترض به لم يحصل عنا علة الحاجة العقلية الى الامام ، وانما يحوج الناس في كل زمان وعلى كل وجه الى رئيس ، ليكون لهم لطفا لهم في العدول عن القبائح العقلية والقيام بالواجبات العقلية ، وأنهم مع تدبيره وتصرفه يكونون أقرب الى ما ذكرناه ، ولم يحوجهم اليه ليعلموا من

٣١٤

جهة الحق فيما عليه دليل منصوب ، اما عقلي أو سمعي.

فمن اشتبه عليه حق يتعلق بالإمامة ، فالحجة عليه ما نصبه الله تعالى على ذلك الحق، من دليل يوصل الى العلم به ، اما عقلي أو شرعي.

وهكذا نقول في كل حق كائنا ما كان أن عليه دليلا واليه طريقا.

وليس الحجج في ذلك متكافئة ، كما مضى في الكلام ، كما أنه ليس في أدلة العقول على التوحيد والعدل والنبوة الحجج متقابلة متكافئة. والحق في كل ذلك مدرك لكل من طلبه من وجهه وسلك اليه من طريقه.

وقد بينا في كتابنا «الشافي» في أن هذا القول لا يوجب الاستغناء عن الإمام في الأحكام الشرعية المنقولة ، يجوز أن يعرض ناقلوها أو أكثرهم عن نقلها ، اما اعتمادا أو شبهة ، فيكون الحجة حينئذ في بيان الامام لذلك الحكم ، ويجري الإمامة والحال هذه مجرى النبوة في .. من الإمامة ما لا يمكن استفادته الا من جهته.

المسألة الثالثة

[كيفية العلم إلى الأحكام الشرعية غير المعلومة]

وما جوابه ان قال ويقال لهم : ما الحكم في صاحب حق يعلم من نفسه أنه ليس ينوي للإمام سوءا وأنه مطيع له متى قام وظهر وحقه مشكل ، يعرفه هو ويجهله من عليه الحق ، وقول الأمة مختلف فيه ، ومن عليه الحق أيضا حسن الرأي في الإمام عازم على طاعته، وليس يصح له أن عليه حقا ، ولو صح له لأداه ، وهو لا يحتمل التأخير ، لأن تأخير (١) بقية الغرماء يطالبونه بتوزيع ماله

__________________

(١) ظ : لأن بقية.

٣١٥

عليهم ولا مال له غيره أصح حق هذا أم بطل؟

وقال فان قالوا : يمكنه أن يصل الى الامام ويسأله فيرجع الى قوله أشيع هذا عنهم ، وعلم بطلان ذلك من قولهم ، يتعذر (١) قدرتهم عليه في المدة الطويلة من الزمان فضلا عن حال يضيق فيها الخناق ويلج الغرماء.

وان قالوا : يمكنه أن يعرف الحق إله أم عليه؟

قيل لهم : إذا كان هذا ممكنا بحجة سمعية وان اختلف فيه ، فلم لا جاز مثله في سائر الشرائع؟

وان قالوا : يتأخر حكم هذه المسألة عن دار التكليف ويلزم صاحب الحق الكف عنه، ولا شيء على من منعه ، ويكون العوض على الله سبحانه.

قيل لهم : فجوزوا أصل ذلك أيضا فيما أشكل أمره ، ويكون كل ما لم يتضح الحجج السمعية فيه بمنزلة ما لم يرد فيه سمع.

الجواب :

جواب هذه المسألة مستفاد من جوابنا في المسألتين المتقدمتين عليها. وقد بينا أنه لا حكم لله تعالى في الحوادث الشرعية الا وعليه دليل ، اما على جملة أو تفصيل.

وفرض هذه المسألة على الأصل الذي بيناه باطل ، لانه فرض فيها أن من عليه الحق لا طريق الى العلم بأن الحق عليه ، وقد بينا أن الأمر بخلاف ذلك.

فان قيل لنا : هذه مكابرة ، لأنا نعلم أن الحوادث غير متناهية ، فأحكامها اذن غير متناهية ، ونصوص القرآن محصورة متناهية ، وما تروونه عن أئمتكم عليهم‌السلام الغالب عليه بل أكثره وجمهوره الورود من طريق الآحاد التي

__________________

(١) ظ : بتعذر.

٣١٦

لا يوجب علما ، وعندكم خاصة أن العمل تابع للعلم دون الظن.

وفيكم من يتجاوز هذه الغاية فيقول : ان اخبار الآحاد مستحيل في العقول أن يتعبد الله تعالى بالعمل بها. ولو كانت أيضا هذه الاخبار أو بعضها متواترا ، لكانت أيضا محصورة متناهية ، فكيف يستفاد منها العلم بأحكام الحوادث (١) لا تتناهى.

قلنا : نصوص القرآن وان كانت متناهية ، فقد تدل ما يتناهى في نفسه على حكم حوادث لا تتناهى.

ألا ترى أن النص إذا ورد بأنه لا يرث مع الوالدين والولد أحد من الوارث (٢) الا الزوج والزوجة. فقد دل هذا النص وهو محصور على ما لا ينحصر من الاحكام ، لانه يدل على نفي ميراث كل نسيب أو قريب بعدا من (٣) ذكرناه وهم لا يتناهون.

ولما قال الله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)(٤) استفدنا من هذا اللفظ وجوب ميراث دون الأباعد ، والأباعد لا يتناهون ، فقد استفدنا من متناه ما لا يتناهى.

وعلى هذا معنى الخبر الذي يروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب ، فتح لي كل باب منها ألف باب (٥).

فعلى هذه الجملة لا تخلو الحادثة الشرعية التي تحدث من أن يكون حكمها مستفادا من نصوص القرآن ، اما على جملة أو تفصيل ، أو من خبر متواتر يوجب

__________________

(١) ظ : حوادث.

(٢) ظ : الوارث.

(٣) ظ : ممن.

(٤) سورة الأنفال : ٧٥.

(٥) رواه القندوزى في ينابيع المودة ص ٧٧ ط اسلامبول.

٣١٧

العلم ، وقلما يوجد ذلك في الأحكام الشرعية. أو من إجماع الطائفة المحقة التي هي الإمامية، فقد بينا في مواضع أن إجماعها حجة.

فان فرضنا أنه لا يوجد حكم هذه الحادثة في كل شيء ذكرناه ، كنا فيها على حكم الأصل في العقل ، وذلك حكم الله تعالى فيها إذا كانت الحال هذه.

وقد بينا في جواب مسائل الحلبيات هذا الباب ، وشرحناه وأوضحناه ، وانتهينا فيه الى أبعد غاياته ، وبينا كيف السبيل الى العلم بأحكامه ، ما لم يجر له ذكر في كتبها مما لم يتفق فيه ولا اختلفت ولا خطر ببالها ، بما هو موجود في كتب المخالفين ، أو بما ليس بموجود في كتبهم ، فهو أيضا كثير.

وهذه الجملة التي عقدناها تنبيه على ما يحتاج إليه في هذا الباب وتزيل الشبهة المفترضة.

المسألة الرابعة

[كيفية العمل بالأحكام المختلف فيها]

ما جوابه ان قال ويقال لهم : أنتم شيعة الامام وخواصه ولا حذر عليه منكم ، فكيف تعملون الان إذا حدثت حادثة يختلف فيها الأمة وأشكل الأمر عليكم ، أتصلون الى الامام ويستلزمه مع تحقق معرفته وعصمته (١).

فان قالوا : نعم كان من الحديث الأول ، وعرف حال من ادعى هذا ، وزال اللبس في أمره.

وان قالوا : نعمل على قول من يروي لنا عن الأئمة المتقدمين.

قيل لكم : فان لم تكن تلك الحادثة فيما فيه نص عنهم.

__________________

(١) لعل أسقط : وعصمته يجيب.

٣١٨

فان قالوا : لا يكون ذلك ، لان لهم في كل حادثة نصا كان من عرق قدر فروعهم وكتب فقههم عالما ببطلان هذه الدعوى ، لان كتب أصحاب أبي حنيفة معلوم حالها ورأسا(١) يحدث مسائل غير مسطورة لهم ، حتى يحتاج الى القياس على ما عرفوا.

وان قالوا : نقيس على ما روي لنا عنهم ، تركوا أصلهم وقولهم في إبطال القياس.

وقيل لهم : فنحن نقيس على ما روي لنا عن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فنستغني فان اختلفتا (٢) عن امام.

وقيل لهم : مع ذلك أليس النقلة إليكم ليسوا معصومين ، فإذا جاز أن يعملوا بخبر من ليس بمعصوم وسعوا (٣) بنقلهم ، فألا جاز أن يعلم صحة ما روي لنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنقل من يثق به ، فيستغني عن امام.

وكذلك ان قالوا من أهل (٤) الامام بالحادثة ونستعلم ما عنده. قيل لهم : أليس انما نراسل عمن ليس بمعصوم ، فإذا جاز أن تقوم الحجة لقول من ليس بمعصوم ، فلم لا جاز ذلك في سائر أمر الدين ولا فصل.

الجواب :

قد مضى جواب هذه المسألة مستقصى في جواب المسألة التي قبلها ، وقد بيّنا كيف يجب أن يعمل الشيعة في أحكام الحوادث فيما اتفقت الطائفة

__________________

(١) ظ : وربما.

(٢) ظ : ان اختلفنا.

(٣) ظ : وثقوا.

(٤) لعل المراد : نراسل.

٣١٩

عليه أو اختلفت ، وكان عليه نص أو لم يكن ، فأغني ما ذكرناه عما حكى عنا مما لا نقوله ولا نذهب اليه من استعمال القياس أو مراسلة المعصوم.

وإذا كنا قد بيّنا كيف الطريق إلى معرفة الحق في الحوادث ، فما عداه باطل لا نقوله ولا نذهب إليه.

المسألة الخامسة

[علة استتار الامام وكيفية التوصل إلى أحكامه]

وما جوابه ان قال قائل ان الله تعالى أباح كثيرا من أنبيائه عليهم‌السلام الاستتار من أعدائه حسب ما علمه من المصلحة في ذلك ، ولم يقتض حكمته اظهارهم ، إذ ذاك بالقهر والإعزاز ، ولا التخلية بينهم وبين أعدائهم الضلال. فكان سبب ما فات من الانتفاع بهم من قبل الظالمين لا من قبل الله سبحانه.

قيل لكم : ولا سواء غيبة من غير شريعة تقررت يجب سعيدها وإمضاؤها وازالة الشبهة عنها ، والإبانة عن عقابها ، وكون هذه الغيبة بعد ظهور شائع ذائع قد ارتفع الريب ، وانقطع العذر به ، للمعلوم به ضرورة وحسا ، وغيبة بعد شريعة تقررت يجب فيها ما تقدم ذكره من غير ظهور تشاكل ذلك الظهور في حكمه ، لينقطع العذر به.

فكيف يجوز أن يبيح الله تعالى للإمام الغيبة والاستتار ، كما أباح بمن قبله وتمسك عن تأييدهم ، والصفات مختلفة ، والأسباب متضادة ، وتدل أبناكم رفعتم عذر الامام ، وضيعتموه في الاستتار ، لو أطبقت شيعته والنقلة عن آبائه على الضلال وأوجبتم عليه إذ ذاك الظهور ليصدق بالحق على كل حال ، وذلك قولكم عند الزامكم استغناء خصومكم بالنقلة ، وان كانوا غير معصومين

٣٢٠