رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

خلاف السنة والمشروع في الطلاق ، وإذا كان الطلاق حكما شرعيا لم يشرع فيها لا حكم له.

المسألة الرابعة والخمسون :

[شرائط الظهار]

وأن الظهار لا يقع الا بشرط الطلاق من الاستبراء والشاهدين والنية واللفظ المخصوص ، وأن يكون غير مشروط.

وأجمعت الإمامية على أن شروط الظهار كشروط الطلاق ، فمتى اختل شرط من هذه لم يقع ظهار ، كما لا يقع الطلاق.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة.

المسألة الخامسة والخمسون :

[التخيير في الطلاق جائز]

ان التخيير باطل لا يقع به فرقة ، وكذلك التمليك. وهذا سهو من قائله ، لأن فقهاء الشيعة الإمامية يفتون بجواز التخيير ، وأن الفرقة تقع به ، مشحونة به أخبارهم ورواياتهم عن أئمتهم عليهم‌السلام متظافرة فيه.

وقد تبينوا في مصنفاتهم بقية هذا التخيير ، فقالوا : إذا أراد الرجل أن يخير امرأة اعتزلها شهرا ، وكان ذلك على طهر من غير جماع في مثل الحال التي لو أراد أن يطلقها فيها طلقها ، ثم خيرها فقال لها : قد خيرتك أو قد جعلت أمرك إليك ، ويجب أن يكون قولك بشهادة ، فإن اختارت نفسها من غير أن تتشاغل بحديث من قول أو فعل كان يمكنه أن لا تفعله ، صح اختيارها.

٢٤١

وأن اختارت بعد تشاغلها بفعل لم يكن اختيارها ماضيا ، فان اختارت في جواب قوله لها ذلك وكانت مدخولة وكان تخييره إياها عن غير عوض أخذه منها ، كانت كالمطلقة الواحدة التي هي أحق برجعتها في عدتها ، وان كانت غير مدخول بها فهي تطليقة بائنة ، وان كان تخييره إياها عن عوض أخذه منها ، فهي بائن ، وهي أملك بنفسها. وان جعل الاختيار الى وقت بعينه ، فاختارت قبله ، جاز اختيارها ، وان اختارت بعده لم يجز.

وروى ابن بابويه عن عمر بن أذينة عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : إذا خيرها وجعل (١) أمرها بيدها في غير قبل عدة من غير أن يشهد شاهدين فليس بشيء ، فإن خيرها وجعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عدتها فهي بالخيار ما لم يفترقا ، فان اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق برجعتها ، وان اختارت زوجها فليس بطلاق (٢).

ولم نذكر هذا الخبر احتجاجا بأخبار الآحاد التي لا حجة في مثلها. وانما أوردناه ليعلم أن المذهب في جواز التخيير بخلاف ما حكي ، والروايات في هذا الباب كثيرة ظاهرة ، ولو لا الإطالة لذكرناها.

وقد ذكر أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي (رحمه‌الله) : ان أصل التخيير هو أن الله تعالى أنف لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على (٣) مقالة قالتها بعض نسائه ، وهي قول بعضهن : أيرى محمد انه إذا (٤) طلقنا لا نجد أكفاءنا من قريش يتزوجنا (٥) ، فأمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعتزل نساءه

__________________

(١) في المصدر «أو جعل» وكذا قوله من بعد «وجعل».

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ ـ ٣٣٥ ح ٢.

(٣) في المصدر : في.

(٤) في المصدر : لو.

(٥) في المصدر : يتزوجونا.

٢٤٢

تسعة وعشرين ليلة فاعتزلهن ، ثم نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)(١) فاخترن الله ورسوله ، فلم يقع الطلاق ، ولو اخترن أنفسهن لبن ، انقضت الحكاية من ابن بابويه (٢).

ولست أدري ما السبب في إنكار من أنكر المتخير للمرأة ، وهل هو الا توكيل في الطلاق ، فالطلاق مما يجوز الوكالة ، فإن (٣) فرق بين أن يوكل غيرها في طلاقها ويجعل اليه إيقاع فرقتها ، وبين أن يوكل نفسها في ذلك.

المسألة السادسة والخمسون

[عدة الحامل أقرب الأجلين]

وان عدة الحامل المطلقة أقرب الأجلين. وعدة الحامل المتوفّى عنها زوجها أبعد الأجلين :

وهذه المسألة قد أشبعنا الكلام فيها في المسائل الاولى ، وأوردنا ما فيه كفاية لمن تأمله.

المسألة السابعة والخمسون

[الرجعة في الطلاق الثلاث في مجلس واحد]

وان وجب الرجعة لمن يطلق ثلاثا في وقت واحد ، كما يجب ان طلق

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ ـ ٣٣٤.

(٣) ظ : فلا.

٢٤٣

واحدة أو اثنتين ، انما قلنا بجواز الرجعة من تلفظ بالطلاق الثلاث في وقت واحد ، لأنه في حكم ما طلق إلا واحدة فله الرجعة.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه.

المسألة الثامنة والخمسون

[حكم المطلق ثلاثا في مجلس واحد]

إذا تلفظ بالطلاق الثلاث في وقت واحد وتكملت الشروط ، هل يقع واحدة أم لا يقع شيء؟

والصحيح من المذهب الذي عليه العمل والمعتمد أنه يقع واحدة ، لأنه قد تلفظ بالواحدة ، وانما زاد على ذلك بما جرى مجرى اللغو مما لا حكم له.

وكيف يجوز ألا يقع شيء من طلاقه وقد تلفظ بالطلاق الموضوع للفرقة وتكاملت الشروط المعتبرة في الطلاق؟ وكيف يخرجه من أن يكون لفظه بالطلاق مؤثرا وأنه ضم الى ذلك ما كان ينبغي الا بصيغة من لفظه ثانية وثالثة.

المسألة التاسعة والخمسون

[أقل الحمل وأكثره]

ان أقل ما يخرج الحمل حيا مستهلا لستة أشهر ، وأكثره تسعة أشهر.

وهذه المسألة مما قد استوفينا الكلام عليها في الجواب عن المسائل الاولى ، فلا معنى للإعادة.

٢٤٤

المسألة الستون

[أحكام العتق]

ان العتق لا يقع بشرط ولا يمين ، ولا يكون الا بقصد لوجه الله تعالى في ذلك.

والحجة : إجماع الفرقة المحقة عليه ، ولان العتق إذا وقع على هذا الوجه وقعت الحرية بالإجماع من الأمة. وإذا وقع العتق على خلاف الشروط التي ذكرناها فلا إجماع على حصول الحرية. ولا دليل قاطع أيضا يدل على ذلك ، فوجب أن يكون الملك مستمرا.

المسألة الحادية والستون

[ما لو ابتدأ الخصمين بمحضر الحاكم]

ان الخصمين إذا ابتدأ الدعوى بحضرة (١) الحاكم ولم يقع له العلم بالمبتدأ منهما ، ان الواجب عليه أن يسمع قول الذي على يمين صاحبه ، ويجري الأخر مجرى الصامت والمسبوق الى الدعوى ، ثم ينظر في دعوى الأخر.

والحجة في هذه المسألة : إجماع الفرقة الطائفة المحقة. ويجوز أيضا أن تكون العادة جارية في مجلس الحكم أن يكون مجلس المدعي على يمين المدعى عليه فإذا اشتبه الأمر في الدعوى والسبق إليها ، جاز الرجوع الى هذه العادة.

__________________

(١) محضر «خ ل».

٢٤٥

المسألة الثانية والستون

[شهادة الابن لأبيه وبالعكس]

وان شهادة الابن لأبيه جائزة إذا كان عدلا ، وشهادته عليه غير جائزة على جميع الأحوال.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة. وأيضا فإن الله تعالى يقول : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ)(١) وإذا كان الابن عدلا مرضيا دخل في عموم هذا القول.

فان قيل : فينبغي أن يدخل في عموم هذا القول أيضا شهادته عليه.

قلنا : الظاهر يقتضي ذلك ، لكن خرج بدليل قاطع فأخرجناه.

المسألة الثالثة والستون

[حكم حانث النذر]

من نذر الله تعالى شيئا من القرب ، فلم يفعله مختارا ، فعليه كفارة. فإن كان صياما في يوم بعينه فأفطره من غير سهو ولا اضطرار ، فعليه ما على مفطر يوم من شهر رمضان وان كان غير صيام ، فعليه ما يجب في كفارة اليمين ، وهذا صحيح.

والحجة فيه : إجماع الفرقة المحقة عليه.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٢.

٢٤٦

المسألة الرابعة والستون

[كيفية اليمين]

لا يمين الا بالله تعالى ، أو يعلقها باسم من أسمائه.

والحجة على صحة هذا المذهب : إجماع الفرقة عليه. وأيضا فإن من حلف بالله تعالى لا خلاف في انعقاد يمينه ، ومن حلف بغير الله تعالى ، فلا إجماع على انعقاد يمينه ، ولا دليل يوجب القطع على أنها منعقدة.

المسألة الخامسة والستون

[حكم اليمين]

من حلف بالله تعالى على فعل أو ترك وكان خلاف ما حلف عليه أولى في الدين أو الدنيا ما لم يكن معصية بفعل الاولى ، لم يكن عليه كفارة.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة ، وأيضا فإن اليمين المنعقدة هي التي توجب الاستمرار على موجبها ، ومتى لم يكن لها الحكم لم تكن منعقدة وقد علمنا أن من حلف على أن يفعل معصية ، أو أن يفعل ما خلافه أولى في الدين من العدول عن نافلة ، أو فعل مندوب في الدين اليه ، فغير واجب عليه الاستمرار على هذه اليمين. وإذا لم تكن منعقدة فلا كفارة فيها ، لأن الكفارة تابعة لانعقاد اليمين.

٢٤٧

المسألة السادسة والستون

[حرمة الطحال وما ليس له فلس]

ان الطحال من الشاة وغيرها حرام.

المسألة السابعة والستون

وان الجري والمارماهي وكل ما لا فلس له من السمك حرام.

المسألة الثامنة والستون

[ما يحرم من الطير]

وأن ما لا قانصة له من الطير حرام.

المسألة التاسعة والستون

وأن ما كان صفيفه أكثر من دفيفه من الطير حرام.

المسألة السبعون

[حرمة الفقاع]

وان الفقاع حرام كالخمر.

فان هذه الخمس مسائل الحجة فيها إجماع الطائفة.

٢٤٨

فإن قيل : كيف يكون الفقاع حراما وهو غير مسكر؟

قلنا : ليس التحريم مقصورا على الإسكار ، ألا ترى أن الدم ولحم الخنزير لا يسكران، وكذلك الجرعة من الخمر والتحريم مع ذلك ثابت.

المسألة الحادية والسبعون

[حد السارق]

وان قطع السارق من أصول الأصابع الأربع ، ويترك الإبهام من الراحة.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه ، ولان هذا القدر الذي قلنا بقطعه حقيق أنه مراد بالاية (١) ، وما عداه والانتهاء الى الكسع (٢) أو المرافق مما قالته الخوارج غير متناول الآية له ، ولا دليل يوجب القطع بتناوله ، فوجب أن يكون فيما ذهبنا إليه.

المسألة الثانية والسبعون

انه ان عاد السارق ، قطع من أصل الساق ، ويبقى له قدر يعتمد عليه في الصلاة.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة.

__________________

(١) وهي قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) سورة المائدة : ٣٨.

(٢) ظ : الرسغ : بضم الراء جمع أرساغ وأرسغ ، وهو المفصل ما بين الساعد والكف.

٢٤٩

المسألة الثالثة والسبعون

[احكام حد الزاني]

ان البكر إذا زنى جلد ، فان عاد جلد ثلاث دفعات ، فان عاد رابعة قتل.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة.

المسألة الرابعة والسبعون

وان العبد في الزنا يحد ، ثم يقتل في الثانية من فعلاته (١).

والحجة في ذلك : إجماع المتقدم.

المسألة الخامسة والسبعون

وان شارب الخمر يقتل في الثالثة.

والحجة في ذلك : الإجماع.

المسألة السادسة والسبعون

[حكم من ضرب امرأة فاطرحت]

ان من ضرب امرأة فألقت نطفة فعليه عشرون دينارا ، فإن ألقت علقة فعليه

__________________

(١) خ : قلاته ، والظاهر : في الثامنة من فعلاته ، قال في الانتصار [٢٥٦] : والعبد يقتل في الثامنة.

٢٥٠

أربعون دينارا ، فإن ألقت مضغة فعليه ستون مثقالا ، فإن ألقت عظما مكتسيا لحما فعليه ثمانون دينارا ، فإن ألقت جنينا لم تلجه الروح فعليه مائة مثقال.

فالحجة في هذا الترتيب والتفصيل : إجماع الشيعة الإمامية عليه.

المسألة السابعة والسبعون

[أفزاع المجامع وعزله]

فان من أفزع رجلا فعزل عن عرسه ، فعليه عشر دية الجنين.

وصورة هذه المسألة : أن يهجم رجل على غيره وهو مواقع ، فيفزعه ويعجله عن إنزال الماء في الفرج ، فيعزل بحكم الضرورة ، فيجب عليه ما ذكرناه.

والحجة فيه : إجماع الإمامية.

المسألة الثامنة والسبعون

[أحكام القصاص والديات]

وان الاثنين إذا قتلا واحدا أو أكثر من اثنين ، أن أولياء الدم مخيرون بين ثلاث : اما أن يقتلوا القاتلين ويردوا فضل دياتهم ، أو يختاروا واحدا فيقتلون بقتيلهم ويوفى من بقي من القتلة إلى أولياء المقاد منه الفاضل من الدية بحساب رءوسهم ، أو يقبل (١) الدية فتكون بينهم سهاما متساوية.

والحجة على هذا التفصيل : إجماع الفرقة المحقة عليه بهذا الشرع والبيان.

__________________

(١) ظ : أو يقبلوا.

٢٥١

المسألة التاسعة والسبعون

وان ثلاثة قتلوا واحدا ، فتولى أحدهم القتل وأمسك الأخر وكان الأخر عينا ، فان الحكم قتل القاتل وحبس الماسك حتى يموت وسمل عين الناظر.

والحجة على هذا : حكم الفقهاء من الفرقة.

المسألة الثمانون

من قطع رأس ميت ، فعليه مائة دينار يغرمه لبيت المال.

والحجة فيما ذكرناه : الإجماع المتكرر ذكره.

فان تعجب المخالفون من إيجاب غرامة في قطع عضو ميت لا حس ولا حياة فيه.

فالجواب عن تعجبهم : ان هذه الغرامة لم تجب لما يرجع الى الميت في نفسه من الجناية عليه ، لان الموت قد أزال عنه حكم الجنايات في نفسه ، وانما مثل بميت وكانت جناية في الدين من حيث أقدم على ما نهى الله عنه وأجزي على إباحة ما حظره. فمن ها هنا وجبت عليه الغرامة لا لما ظنه ، ويجري ذلك مجرى الكفارات التي في حقوق الله تعالى خاصة.

المسألة الحادية والثمانون

ان الرجل إذا قتل امرأة ، كان أولياؤها مخيرون بين القود ورد فضل الدية على أهل القاتل ، وهي (١) نصف دية الرجل ، وهذا صحيح.

__________________

(١) ظ : وهو.

٢٥٢

والحجة فيه : الإجماع المتقدم ، ولان نفس المرأة ناقصة القيمة عن نفس الرجل.

المسألة الثانية والثمانون

وإذا قتل الرجل امرأة واختار الأولياء قتله بها ، فقد قتلوا نفسا تزيد قيمتها على قيمة نفس المقتولة ، فلا بد من رد الفضل على أولياء المقتول ، لان ذلك هو العدل.

المسألة الثالثة والثمانون

من وجد مقتولا ، فحضر رجلان فقال أحدهما : أنا قتلته عمدا ، وقال الأخر : أنا قتلته خطأ. ان أولياء المقتول مخيرون بين الأخذ للمقر بالعمد أو المقر بالخطإ ، وليس لهم قتلهما جميعا ، ولا إلزامهما الدية جميعا.

والحجة على ذلك : ما تقدم من إجماع الفرقة المحقة.

المسألة الرابعة والثمانون

من وجد مقتولا فاعترف رجل بقتله عمدا ، ثم حضر آخر فدفعه عن إقراره وأقر هو بقتله ، فصدقه الأول في إقراره على نفسه ولم تقم بينة على أحدهما ، أنه يدرأ عنهما القتل والدية ويؤدي المقتول من بيت المال.

والحجة على ذلك : هو ما تقدم ذكره من إجماع الفرقة.

٢٥٣

المسألة الخامسة والثمانون

[ديات أهل الكتاب]

وان ديات أهل الكتاب ثمانمائة درهم للحر البالغ الذكر ، والأنثى أربعمائة درهم. ودية المجوس ثمانمائة درهم ، وكذلك دية ولد الزنا.

والحجة على ذلك كله : الإجماع المتقدم.

المسألة السادسة والثمانون

[أحكام الإرث]

لا يرث مع الوالدين أو أحدهما أحد من خلق الله تعالى الا الولد والزوج والزوجة.

والحجة على ذلك : الإجماع المتكرر. ولانه لا خلاف بين الأمة في اعتبار القربى في من يرث بالنسب ، ومعلوم أن الأبوين أقرب الى ولدهما من الاخوة ، لأن الاخوة انما يتقربون الى الميت بالوالد ، ومعلوم أن من تقرب بنفسه أولى ممن تقرب بغيره. فبطل قول مخالفينا في توريث الاخوة مع الام.

وأيضا فإن الله تعالى أجرى الامام مجرى الأب في نص القرآن وصريحه ، وجعل لهما غاية في الميراث وأهبطهما إلى غاية أخرى ، ولم يفترق بينهما في الحكم فكما ليس لأحد من الاخوة والأخوات مع الوالد نصيب ، وكذلك لا نصيب لهم مع الوالدة.

٢٥٤

المسألة السابعة والثمانون

من مات وخلف والدين وبنتا ، فلابنته النصف وللأبوين السدسان ، وما يبقى يرد على البنت والوالدين بقدر سهامهم.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه ، وأيضا فإن الله تعالى لما قسم المواريث وبيّن مقاديرها جعلها تابعة للقربى ، ففرض للأقرب أكثر ما فرضه للأبعد ، كفرضه للأخ من الأب والام المال كله ، وللأخت الواحدة للأب واللام النصف ، وفرض للاخوة من الام الثلث ، وللواحدة السدس.

فإذا بقي من الميراث بعد السهام المنصوص عليها بشيء (١) ، وجب أن يقسم على ذوي القربات بحسب قرابتهم وبقدر سهامهم. ويشبه ذلك من خلف مالا وورثة فأقسموا (٢) المال بينهم على قدر سهامهم ، ثم وجد بعد ذلك الميت ما (٣) لم تقع القسمة عليه ، فلا خلاف في أنه يقسم هذا اليتامى (٤) كما قسم الأول ويقدر سهامهم.

وأيضا فمن أبى الرد وأنكره وادعى أن الفاضل على السهام ، يرد الى بيت المال ويقيم بيت المال مقام العصبة ، يعترف بأن الميت إذا مات وكان له عصبة أشتات ، كان أحقهم بالمال أقربهم إلى الميت ، فقد اعتبر كما ترى فيما يفضل عن السهام القربى ، ونحن نعلم أن ذوي الأرحام والأنساب أحق بالميت وأقرب إليه من بيت المال ، فيجب أن يكون أحق بفاضل السهام.

__________________

(١) ظ : شيء.

(٢) ظ : فاقتسموا.

(٣) ظ : للميت مال لم تقع.

(٤) ظ : الثاني.

٢٥٥

المسألة الثامنة والثمانون

من مات وخلف بنتين وأحد أبويه وابن ابن ، فان للبنتين الثلثين ، وللأب أو الأم السدس ، وما بقي يرد على البنتين والأب والام خاصة ، وليس لابن الابن شيء.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة. ولان البنات والوالدين أقرب الى الميت من ابن ابنه ، ويعتبر فيمن يرث بالقرابة الكيفية للقرابة وقربها وكما ليس لابن الابن شيء مع الابن ، كذلك لا شيء له مع البنات أو البنات لان البنات أولاد كالذكور.

المسألة التاسعة والثمانون

لا يحجب الام عن الثلث الى السدس الاخوة من الأم خاصة ، وانما يحجبها الاخوة من الأب والام أو من الأب.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة.

فإن قالوا : فقد أطلق الله تعالى فقال (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)(١) ولم يفرق بين أحوال الاخوة في كونهم من أب أو أم.

قلنا : هذا عموم تخصيصه الدليل الذي ذكرناه. ولا خلاف بيننا في أن هذا العموم مخصوص ، لأن إطلاقه يقتضي دخول الكفار والمماليك ، وأنتم لا تحتجبون الام عن الثلث الى السدس بالاخوة الكفار أو المماليك.

__________________

(١) سورة النساء : ١١.

٢٥٦

المسألة التسعون

وأنه لا يرث مع الولد ذكرا كان أو أنثى أحد من خلق الله تعالى الا الأبوان والزوج والزوجة.

وهذا أيضا في الإجماع الذي ذكرناه وهو الحجة فيه. وأيضا فقد ثبت بالإجماع أنه ليس للاخوة والأخوات مع الولد الذكر نصيب ، وما منع مع وجود الذكر من نصيب له هو مانع من وجود الأنثى ، لأنهما جميعا ولدان في الميراث وينزلان منزلة واحدة.

المسألة الحادية والتسعون

[أحكام الحبوة]

وان الولد الأكبر يفضل على من دونه من الأولاد الذكور الوارث ، بالسيف والمصحف والخاتم ، ان كان ذلك في التركة أو شيئا منه ، ولا يفضل بغيره ان لم يكن.

وتحقيق هذه المسألة : أن أصحابنا يروون اختصاص الذكر الأكبر بما يخلف الميت من السيف والمصحف والخاتم ، وقد روت بذلك أخبار معروفة ويقوى عندي أن لا نترك عموم الكتاب بأخبار الآحاد ، والله تعالى يقول (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)(١).

__________________

(١) سورة النساء : ١١.

٢٥٧

وظاهر هذا الكلام يقتضي بطلان هذا التخصيص. والأولى عندي أن يكون هذا التخصيص معناه أن يفرد بهذه الأشياء الولد الأكبر وتحسب عليه من نصيبه ، لأنه أحق بها من النساء والأصاغر ، وليس في الاخبار المروية أنه يختص بها ولا تحسب عليه.

فان قالوا : المشهور من قولهم أنهم يفضلونه بذلك ، وهذا لفظ أخبارهم ، وإذا حسب قيمة ذلك فلا تفضيل.

قلنا : التفضيل ثابت على كل حال ، لأنه إذا خص بتسليم ذلك اليه وأفرد به ومنع غيره منه فقد فضل به وان حسب عليه.

المسألة الثانية والتسعون

[ولد الصلب يحجب من دونه]

وان ولد الصلب يحجب من دونه سفلا ، ذكرا كان أو أنثى.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة ، ولانه لا خلاف في أن ولد الصلب يحجب من دونه ، لانه ولد ، كذلك الأنثى.

المسألة الثالثة والتسعون

[الزوج يرث من الزوجة]

وأن المرأة إذا توفيت وخلفت زوجا ، لم تخلف وارثا سواه من عصبة ولا ذي رحم ، ان المال كله له نصفا بحقه والباقي بالرد.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه. وأيضا فإن الزوج عند

٢٥٨

عدم وارث هذه المرأة وعصبتها قد جرى مجرى العصبة لها ، وسبيله سبيل ولد الملاعنة لما انتفى منه أبوه الذي هو عصبته ومن جهة عاقلته ، فبقي لا عصبة له ولا عاقلة ، فجعلت عصبة أمه عصبة يعقلون عنه. وكذلك هذه المرأة التي لا عصبة لها ولا ذو رحم غير زوجها وضعت موضع ولدها الذي يعصب أبوه عصبتها.

المسألة الرابعة والتسعون

[المرأة لا ترث من الرباع]

ان المرأة لا ترث من الرباع شيئا ، ولكن تعطى حقها بالقيمة من البناء والآلات.

والذي أقوله في هذه المسألة ويقوى عندي أن المرأة لا تعطى من الرباع شيئا ، وان أعطيت عوضا من قيمته من غيرها ، لأنها معرضة للأزواج ويسكن في رباع الميت من غيره من تسخط عشيرة زوجها ، فإذا أعطيت حقها من قيمة الرباع وصلت الى الحق ، وزال ثقل إسكان الغرباء مساكن المتوفّى.

وجرى ذلك مجرى ما قلناه في تفضيل الولد الأكبر بالخاتم والسيف.

وانما قلنا ذلك لان الله تعالى قد جعل لها الربع من التركة ثم الثمن ، ولم يستثن شيئا ، فلا يجوز تخصيص ذلك الّا بدليل قاطع. والخبر المروي : بأنها لا تورث من الرباع (١). يجوز أن يكون محمولا على ما ذكرناه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ ـ ٥١٨ ح ٢ رواه الكليني في فروع الكافي ٧ ـ ١٢٨ ح ٥.

٢٥٩

المسألة الخامسة والتسعون

[إرث الاخوة والأخوات]

وأنه لا إرث للاخوة والأخوات من الأب خاصة إذا كان اخوة وأخوات لأب وأم. وأحدهم في ذلك يجري مع أحدهم مجرى جماعتهم.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه. وأيضا ما منع من توريث الأخ للأب ، والام يمنع من توريث الأخت من الأب مع الأخت للأب والام.

المسألة السادسة والتسعون

[توريث الرجال والنساء بالنسب]

وان توريث الرجال والنساء بالنسب ، وباطل قول من ورث الرجال دون النساء.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه. وأيضا ظاهر الكتاب ، قال الله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)(١) فجعل كما ترى المواريث بين الرجال والنساء ، ولم يخص الرجال منها بشيء دون النساء.

وقد كانت الجاهلية تورث الرجال دون النساء ، فمن ذهب الى ذلك فقد أخذ بسنة الجاهلية.

وقد عول القوم على خبر ضعيف مطعون على راويه ، فهو خبر واحد ،

__________________

(١) سورة النساء : ٧.

٢٦٠