رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

المسألة الثامنة عشر

[الجماعة في نوافل شهر رمضان بدعة]

الإجماع في نوافل شهر رمضان بدعة ، والسنة هو التطوع بها فرادى.

والوجه أيضا في ذلك من إجماع الفرقة المحقة على تبديع من جمع بهذه الصلاة ، ولانه ليس في تركها حرج ولا اثم عند أحد من الأئمة ، وفي فعلها على الإجماع اثم وبدعة. فالأحوط العدول عنها.

المسألة التاسعة عشر

[صلاة الضحى بدعة]

وصلاة الضحى بدعة لا تجوز. والوجه في ذلك ما تقدم من طريقة الاحتياط والإجماع معا.

المسألة العشرون

[سجود الشكر غير واجب]

سجود الشكر والتعفير غير واجب ، له فضل كثير. أما القول بوجوب سجود الشكر فهو غير صحيح ، ولكنه من السنن المؤكدة والآداب المستحبة.

والطريقة إلى كونه بهذه الصفة إجماع الفرقة المحقة.

٢٢١

المسألة الحادية والعشرون

[أقل ما يجزئ صلاة الجمعة والعيدين]

وأقل ما يجزئ في الجمع والصلاة العيدين سبعة نفر ، ليسوا بمرضى ولا مسافرين ولا غازين. وأقل ما يجزئ في الجمعة خمسة نفر بالصفات المذكورة.

واعلم أن مذهبنا المشهور المعروف في أقلّ العدد الذي تنعقد صلاة الجمعة خمسة الامام أحدهم ، وهذا العدد بعينه في صلاة العيدين من غير زيادة عليه.

وقال أبو حنيفة والثوري : ان الجمعة تنعقد بأربعة ، وروى عن أبي يوسف والليث أنها تنعقد بثلاثة.

وقال الشافعي : لا تنعقد بأقل من أربعين نفسا ، وروى عن الحسن والحسين أنها تنعقد باثنين.

وقال مالك : إذا كانت قريبة سوق ومسجد ، فعليهم الجمعة من غير اعتبار عدد.

ودليلنا على صحة مذهبنا : هو إجماع الطائفة المحقة. ويمكن أيضا أن يستدل بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)(١) وهذا عموم ، انما أخرجنا منه من نقص عن العدد بالذي ذكرناه.

__________________

(١) سورة الجمعة : ٩.

٢٢٢

المسألة الثانية والعشرون

[من لا يصلح لإمامة الجمعة والعيدين]

ولا يصلح إمامة الجمعة والعيدين أبرص ولا مجذوم ولا مفلوج ولا محدود والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة ، وطريقة الاحتياط ، لأن إمامة من ليس له هذه الصفات جائزة ماضية باتفاق ، وليس كذلك الايتمام بمن له بعض هذه الصفات.

المسألة الثالثة والعشرون

[حكم صلاة الكسوف]

وصلاة الكسوف ركعتان تشتمل على عشر ركعات. ويجب على تاركها متعمدا الغسل ان احترق القرص كله.

والذي يجب أن يقال في ذلك : ان صلاة كسوف الشمس والقمر واجبة ، لا يجوز تركها. ويتوجه فرضها الى الذكور والإناث والحر والعبد والمقيم والمسافر ، والى كل من لم يكن له عذر يبيح بمثله الإخلال بالفرض. ويصلى في جماعة وعلى انفراد.

ولا ينبغي أن يقال : هي ركعتان فيها عشر ركعات ، فان هذا كالمناقضة ، بل يقال : هي عشر ركعات وأربع سجدات. وترتيبها مسطور في الكتب.

وتقضى إذا فاتت ، بشرط أن يكون القرص المنكسف قد احترق كله ، ولا قضاء مع احتراق بعضه. فأما الغسل فهو في من تعمد ترك هذه الصلاة ، فإنه يلزمه مع انقضاء الغسل.

٢٢٣

المسألة الرابعة والعشرون

[كيفية الصلاة على الموتى]

والصلاة على الموتى خمس تكبيرات ، والتسليم فيها غير واجب إلا للتقية أو لإعلام المأمومين الخروج من الصلاة.

والحجة في ذلك : مع الإجماع المتقدم ، أن من كبر خمسا فقد فعل الواجب بإجماع ، وليس كذلك من نقص هذا العدد.

المسألة الخامسة والعشرون

[استحباب توقف الناس حتى ترفع الجنازة]

ومن السنة وقوف الإجماع حتى ترفع الجنازة على أيدي الرجال.

وهذا أيضا فالحجة فيه اتفاق الطائفة ، فإنه الأحوط.

المسألة السادسة والعشرون

[وجوب الزكاة في الدراهم والدنانير]

وان الزكاة في التبر والفضة غير واجبة ، حتى يصيران درهما ودنانير. وأن السبائك من الفضة والذهب لا زكاة فيها ، الّا على من هرب بهما من الزكاة.

والحجة في هذا الذي حكيناه إجماع الطائفة المحقة.

٢٢٤

المسألة السابعة والعشرون

[أقل ما يجزئ من الزكاة]

أقل ما يجزئ من الزكاة درهم.

والطريقة في نصرة ذلك مع إجماع الفرقة المحقة طريقة الاحتياط ، لان من أخرج هذا المبلغ أجزأ عنه وسقط عن ذمته بالإجماع ، وليس الأمر على ذلك في من أخرج أقل منه.

المسألة الثامنة والعشرون

[اشتراط الولاية في مستحقي الزكاة]

ولا يجزئ إخراجها الا الى القرين العارفين (١) لولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإن أخرجت إلى غيرهم وجبت الإعادة.

والوجه في ذلك : بعد الإجماع المتكرر ذكره أن الجاهل لولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام وإمامته مرتد عند أهل الإمامة ، ولا خلاف بين المسلمين في أن الزكاة لا تخرج الى المرتدين ، ومن أخرجها إليهم وجبت عليه الإعادة ، وهذا فرع مبني على هذا الأصل.

__________________

(١) ظ : الفقير العارف.

٢٢٥

المسألة التاسعة والعشرون :

[مقدار زكاة الفطرة]

وان زكاة الفطرة صاع ، وهو تسعة أرطال بالعراقي.

والحجة في ذلك بعد الإجماع المقدم ذكره طريقة الاحتياط ، وبيانها : ان من أخرج تسعة أرطال فقد سقط عن ذمته خروجه الفطرة ، وليس كذلك من أخرج أقل منها.

المسألة الثلاثون :

[احكام الخمس]

والخمس ستة أسهم : ثلاثة منها للإمام القائم بخلافة الرسول ، وهي سهم الله تعالى وسهم رسوله وسهم الامام عليه‌السلام. والثلاثة الباقية ليتامى آل الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم دون الخلق أجمعين.

وتحقيق هذه المسألة : ان إخراج الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب ، وكل ما استفيد بالحرب ، وما استخرج أيضا من المعادن والغوص والكنوز ، وما فضل من الخمس(١).

وتمييز أهله هو أن يقسم على ستة أسهام : ثلاثة منها للإمام القائم مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى ، كان اضافة الله تعالى ذلك الى نفسه، وهي في المعنى للرسول صلى الله عليه

__________________

(١) كذا في النسخة.

٢٢٦

وآله ، وانما أضافها إلى نفسه تفخيما لشأن الرسول وتعظيما ، كإضافة طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اليه تعالى ، كما أضاف رضاه عليه‌السلام وأذاه اليه جلت عظمته.

والسهم الثاني المذكور المضاف الى الرسول بصريح الكلام ، وهذان السهمان معا للرسول في حياته والخليفة القائم مقامه بعده. فأما المضاف إلى ذي القربي ، فإنما عني به ولي الأمر من بعده ، لانه القريب اليه بالتخصيص.

والثلاثة الأسهم الباقية ليتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وهم بنو هاشم خاصة دون غيرهم.

وإذا غنم المسلمون شيئا من دار الكفر بالسيف ، قسمه الامام على خمسة أسهم ، فجعل أربعة منها بين من قاتل ، وجعل السهم الخامس على ستة أسهم هي التي قدمنا بيانها ، منها له عليه‌السلام ثلاثة ، وثلاثة لثلاثة الإضافات من أهله ، من أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه وعملهم به.

فان قيل : هذا تخصيص لعموم الكتاب ، لان الله تعالى يقول (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى)(١) فأطلق وعم ، وأنتم جعلتم المراد بذي القربى واحدا. ثم قال (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وهذا عموم ، فكيف خصصتموه لبني هاشم خاصة.

فالجواب عن ذلك : أن العموم قد يخص بالدليل القاطع. وإذا كانت الفرقة المحقة قد أجمعت على الحكم الذي ذكرناه بإجماعهم الذي هو غير محتمل الظاهر ، لأن إطلاق قوله «للقربى» يقتضي بعمومه قرابة النبي وغيره ، فإذا خص به قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد عدل عن الظاهر.

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤١.

٢٢٧

وكذلك إطلاق لفظة (الْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) يقتضي بدخول من كان بهذه الصفة من مسلم وذمي وغني وفقير ، ولا خلاف في أن عموم ذلك غير مراد ، وأنه مخصوص على كل حال.

المسألة الحادية والثلاثون :

[حكم الأنفال]

الأنفال خالصة لرسول الله في حياته ، وللإمام القائم بعده مقامه عليه‌السلام.

وتحقيق هذه المسألة : أن الأنفال خالصة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، وهي للإمام القائم مقامه من بعده ، وانما أضاف هذه الأنفال الى الله تعالى وان كانت للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على الوجه الذي تقدم بيانه من التعظيم والتفخيم.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة.

المسألة الثانية والثلاثون

[صفوة الأموال من الأنفال]

وان صفوة الأموال من الأنفال خاصة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وللإمام.

وتحقيق هذه المسألة : ان كل شيء يصطفيه ويختاره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام القائم مقامه بعده لنفسه من الغنائم قبل القسمة من جارية حسناء ، أو فرس فأرة ، أو ثوب حسن بهي فهو له عليه‌السلام.

٢٢٨

والحجة فيه الإجماع المتقدم.

المسألة الثالثة والثلاثون

[فوت الوقوف بعرفات وأدراك المشعر]

ومن فاته الوقوف بعرفات وأدرك المشعر الحرام يوم النحر ، فقد أدرك الحج.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة عليه. وأيضا فقد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر ، كما وجب الوقوف بعرفات بقوله تعالى (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ)(١). فهذا أمر يقتضي ظاهره الوجوب.

وكل من أوجب من الأمة الوقوف بالمشعر الحرام جعل مدركه مدركا للحج ، وان فاته الوقوف بعرفات. لأن الأمة بين قائلين : قائل لا يوجب الوقوف بالمشعر ، والأخر يوجبه ، فمن أوجبه أقام إدراكه مقام إدراك عرفات. فالقول بوجوبه وأنه لا يدرك به الحج خروج عن الإجماع.

المسألة الرابعة والثلاثون

[الشفعة في العقار بين اثنين فقط]

ولا شفعة في العقار بين أكثر من اثنين ، سواء كان مشاعا أو مقسوما ، وهذه المسألة قد بيناها وشرحناها ، وذكرنا الصحيح منها في المسائل الاولى ، فلا معنى لإعادته.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٨.

٢٢٩

المسألة الخامسة والثلاثون

[من لا ربا بينهما]

لا ربا بين الوالد وولده ، ولا بين الزوج وزوجته.

وهذه المسألة أيضا قد بيناها وانتهينا فيها إلى أبعد الغايات في جواب المسائل الاولى.

المسألة السادسة والثلاثون

[حكم الزاني بذات البعل]

من زنى بذات بعل ، لم تحل له بعد موت بعلها أو طلاقه إياها.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة. ويحتمل أيضا استعمال طريقة الاحتياط فيه ، لان اجتناب نكاح هذه المرأة لا ذم فيه ولا لوم من أحد ، وفي نكاحها الخلاف المشهور ، فالاحتياط اجتنابه.

المسألة السابعة والثلاثون

[عقد النكاح على ما لا قيمة له صحيح]

ان النكاح إذا عقد على ما لا ثمن له من كلب وخنزير وخمر ، هل يصح النكاح ويجب المهر في الذمة؟ أم يكون العقد باطلا مفسوخا؟

والصحيح من المذهب الذي لا خلاف فيه بين أصحابنا ان كل نكاح عقد

٢٣٠

على ما لا قيمة له ، كان العقد يصح ووجب في ذمة المعقود له مهر المثل ، ولا يكون العقد باطلا من حيث بطل المهر المسمى المصرح به.

والحجة في ذلك إجماع الإمامية عليه. وأيضا فليس ذكر المهر جملة ، وقد ثبت أن من عقد ولم يسم مهرا مضى العقد وصح وثبت المهر في الذمة ، وكذلك فيما ذكرناه.

المسألة الثامنة والثلاثون

[التزويج في حال الإحرام]

ومن تزوج امرأة محرمة وهو محرم ، فرق بينهما ولم تحل له أبدا وأصحابنا يشترطون في ذلك أن من تزوج وهو محرم ويعلم تحريم ذلك عليه فرق بينهما ولم تحل له أبدا.

والحجة في ذلك : الإجماع المتكرر ذكره ، وطريقة الاحتياط أيضا.

المسألة التاسعة والثلاثون

[التزويج في العدة]

ومن تزوج امرأة في عدة ملك زوجها عليها فيها الرجعة ، فرق بينهما ولم تحل له أبدا ، وان كان دخل بها جاهلا.

والحجة في ذلك : الإجماع (١) الفرقة المحقة ، وطريقة الاحتياط أيضا.

__________________

(١) ظ : إجماع.

٢٣١

المسألة الأربعون

وكذلك من عقد على امرأة في عدة من غير دخول بها ، فرق بينهما ولم تحل له أبدا ، وأصحابنا يشترطون في ذلك وهو يعلم انها في عدة. والحجة في ذلك : الإجماع وطريقة الاحتياط.

المسألة الحادية والأربعون

[المطلقة تسعا تحرم أبدا]

ومن طلق امرأة تسع تطليقات للعدة ، حرمت عليه ولم تحل له أبدا.

والحجة في ذلك : طريقة الاحتياط والإجماع.

المسألة الثانية والأربعون

[حكم من فجر بعمته وخالته]

من فجر بعمته وخالته ، حرم عليه نكاح بنتهما ، ولم تحلا له أبدا.

والحجة في ذلك : الإجماع ، وطريقة الاحتياط.

المسألة الثالثة والأربعون

[حكم من تلوط بغلام]

ومن تلوط بغلام فأوقب ، لم يحل له نكاح ابنته ولا أخته ولا أمه.

والحجة في ذلك : الطريقتان المتقدمتان

٢٣٢

المسألة الرابعة والأربعون

[جواز نكاح النساء في أدبارهن]

جواز نكاح النساء في أدبارهن. وهذه المسألة عليها أطباق الشيعة الإمامية ولا خلاف بين فقهائهم وعلمائهم في الفتوى بإباحة ذلك ، وانما يقل التظافر بينهم في الفتوى بإباحة هذه المسألة على سبيل التقية وخوف من الشناعة.

والحجة في إباحة هذا الوطء : إجماع الفرقة المحقة عليه ، وقد بينا إجماعهم حجة. ويدل أيضا عليه قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) ومعنى (أَنَّى شِئْتُمْ) كيف شئتم ، وفي أي موضع أردتم.

فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون معنى قوله (أَنَّى شِئْتُمْ) أيّ وقت شئتم.

قلنا : هذه اللفظة تستعمل في الأماكن والمواضع وكل (٢) ما تستعمل في الأوقات ، ألا ترى انهم يقولون : ألق زيدا أين كان وأنى كان ، يريدون بذلك عموم الأماكن ، ولو سلمنا أنها تستعمل في الأوقات ، لحملنا الآية على عموم الأماكن والأوقات ، فكأنه قال : فاتوا حرثكم أيّ موضع شئتم وأيّ وقت شئتم.

فأما من يطعن على هذه بأن يقول : قد جعل الله تعالى النساء حرثا ، والحرث لا يكون الا حيث النسل ، فيجب أن يكون قوله (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) مختصا بموضع النسل. فليس بشيء ، لأن النساء وان كنا (٣) لنا حرثا فقد أبيح

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٣.

(٢) ظ : والمواضع كما تستعمل.

(٣) ظ : كن.

٢٣٣

لنا وطئهن بلا خلاف بهذه الآية وبغيرها في غير موضع الحرث فيما دون الفرج وبحيث لا نسأل ، فليس يقتضي جعله تعالى لهن حرثا حظ (١) الاستمتاع في غير موضع الحرث.

ألا ترى أنه لو قال صريحا : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم في القبل والدبر وفيما دون الفرج وفي كل موضع يقع به حظ الاستمتاع ، لكان الكلام صحيحا.

وقد استدل قوم في هذه المسألة بقوله تعالى (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ)(٢) وقال : لا يجوز أن يدعوهم الى التعرض بالأزواج عن الذكران ، الا وقد أباح منهن من الوطء المخصوص مثل ما يلتمس من الذكران.

وكذلك قالوا في قوله تعالى (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)(٣) وأنه لو لم يكن في بناته المعنى الملتمس من الذكران ما جعلهن عوضا عنه.

وهذا ليس بشيء يعتمد ، لانه يجوز ان يتعرض من إتيان الذكران بذلك من حيث كان له عنه عوض بنكاح النساء في الفروج المعهود (٤) ، كان فيه من الاستمتاع واللذة مثل ما في غيره. وكذلك القول في الآية الأخرى.

ألا ترى أنه كان يحسن التصريح بما ذكرناه فيقول : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم من أزواجكم من الوطء في القبل ، لانه عوض عنه ومغن عن استعماله على كل حال.

__________________

(١) ظ : حظر الاستمتاع.

(٢) سورة الشعراء ١٦٥.

(٣) سورة هود : ٧٨.

(٤) ظ : المعهودة.

٢٣٤

المسألة الخامسة والأربعون

[عقد المرأة نفسها من دون اذن وليها]

جواز عقد المرأة تملك أمرها على نفسها بغير ولي.

وهذه المسألة يوافق فيها أبو حنيفة ويقول ان المرأة إذا عقلت وكملت زالت عن الولاية في بعضها. ولها ان تتزوج نفسها ، وليس لأحد الاعتراض عليها ، إلا إذا وضعت نفسها في غير كفؤ.

وقال أبو يوسف ومحمد : يفتقر النكاح إلى الولي ، ولكنه ليس بشرط فيه فإذا زوجت نفسها فعلى الولي إجازة ذلك.

وقال مالك : المرأة المقبحة الذميمة لا يفتقر نكاحها إلى الولي ، ومن كانت بخلاف هذه الصفة تفتقر إلى الولي.

وقال داود : ان كانت بكرا افتقر نكاحها إلى الولي ، وان كانت ثيبا لم تفتقر.

والدليل على صحة مذهبنا : إجماع الفرقة المحقة.

فان طعن في ذلك بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله : أي امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل (١).

فالجواب عنه ان هذا خبر واحد ، والصحيح ان أخبار الآحاد لا توجب علما ، وهو أيضا مطعون في نقله ، مضعف عند أصحاب الحديث ، وقد قدح فيه نقاد الحديث بما هو معروف مشهور.

ولو سلم من كل القدح لجاز أن نحمله على الأمة خاصة ، لأنه قد روى

__________________

(١) جامع الأصول ١٢ ـ ١٣٨ أخرجه الترمذي.

٢٣٥

هذا الحديث بلفظ آخر وهو : أيّ امرأة أنكحت نفسها بغير اذن مولاها فنكاحها باطل(١). فدل ذلك على أن الخبر ورد في الأمة، ومولى الأمة يسمى «وليا» كما يسمى «مولى».

المسألة السادسة والأربعون

[جواز النكاح بغير شهود]

هل يجوز النكاح بغير شهود؟ وعندنا أن الشهادة ليست بشرط في النكاح وان كانت أفضل وأجمل فيه ، وبذلك قال داود.

وقال مالك (٢) وشرط النكاح أن لا يتواصوا بأعلم يصح وان حضر الشهود وان لم يتواصوا بالكتمان صح وان لم يحضر الشهود.

والدليل على صحة قولنا : إجماع الفرقة المحقة عليه. وأيضا ان الله تعالى ذكر النكاح في مواضع كثيرة من الكتاب ولم يشترط الشهادات ، فدل على أنها ليست بشرط فيه.

فان احتج محتج بما يروى من قوله عليه‌السلام : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل (٣). فهذا خبر لا يوجب العلم ، ولا يقتضي القطع ، ولا يجب العمل به ، على أنه محتمل لانه قال «لا نكاح» من غير تصريح بنفي الصحة والاجزاء ، أو نفي التفضل إذا لم يكن في لفظه بهذا المعنى جاز أن يحمل على نفي الفضل ، فكأنه

__________________

(١) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ٦ ـ ٥٤٩ والظاهر اتحاده مع السابق.

(٢) وقال في الانتصار [١١٨] : وقال مالك : إذا لم يتواصوا بالكتمان صح النكاح وان لم يحضروا الشهود.

(٣) جامع الأصول ١٢ ـ ١٣٩ أخرجه الترمذي وأبو داود.

٢٣٦

قال : لا نكاح فاضلا إلا بولي وشهود ، كما قال عليه‌السلام : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد (١). ولا صدقة وذو رحم محتاج.

المسألة السابعة والأربعون :

[حكم نكاح المتعة]

نكاح المتعة ، ولا يختلف الشيعة الإمامية في إباحة هذا العقد المسمى في الشريعة ب «نكاح المتعة» ، وانما تميز من غيره بأنه نكاح مؤجل عليه غير مؤبد ، والتمييز بانتفاء الشهادة عنه ، لأن الشهادة قد ينتفى من النكاح المؤبد فيصح وان لم يكن متعة ، ولو أشهد بالنكاح المؤجل لكان متعة وان حضره الشهود.

والدليل على صحة مذهبنا : إجماع الفرقة المحقة وفي إجماعها الحجة ، وأيضا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)(٢). وأباح نكاح المتعة بصريح لفظها الموضوع لها في الشريعة ، لأن لفظ الاستمتاع والمتعة إذا أطلق في الشريعة لم يرد الا هذا العقد المخصوص المؤجل ، ولا يحمل على المتلذذ ، ألا ترى انهم يقولون : فلان يرى إباحة نكاح المتعة ، وفلان يحظر نكاح المتعة ، لا يريدون بذلك العقد اللذة ، وانما يريدون بذلك العقد المؤجل.

وأيضا فلا خلاف ان نكاح المتعة كان في أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعمولا به ، ولا يقم دليل شرعي على حظره والنهي عنه ، فيجب أن يكون مباحا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٤٧٨ ح ١.

(٢) سورة النساء : ٢٤.

٢٣٧

المسألة الثامنة والأربعون :

[جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها]

نكاح المرأة على عمتها وخالتها جائزان إذا رضيت العمة والخالة بذلك.

والحجة على صحة هذا المذهب : إجماع الفرقة المحقة عليه ، وعموم آيات النكاح في القرآن ، كقوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(١) ولم يستثن عمة ولا خالة. فإن احتج بقوله عليه‌السلام «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها» (٢) فهو خبر واحد ضعيف، ونحمله على حظر ذلك إذا لم يقع الرضا منهما.

المسألة التاسعة والأربعون :

[وقوع الطلاق بشاهدين عدلين]

ان الطلاق لا يقع الا بشاهدين عدلين.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة. ولان الله تعالى قال (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ)(٣) فجعل الشهادة شرطا في الفرقة التي هي الطلاق لا محالة.

فإن قيل : انما شرط الشهادة في الرجعة في قوله (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).

__________________

(١) سورة النساء : ٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٤ ـ ٣٠٤ ح ١.

(٣) سورة الطلاق : ٢.

٢٣٨

قلنا : هذا غلط ، لأن الأمر والشهادة ملاصق لذكر الفرقة ، وإليها أقرب من ذكر الرجعة ، ورد الكلام إلى الأقرب أولى من رده الى الأبعد ، على أنه ليس بمتناف أن يرجع الى الرجعة والفرقة معا ، فيتم مرادنا.

على أن الأمر بالشهادة يقتضي ظاهره الوجوب وأن يكون شرطا ، ولم يقل أحد من الأمة أن الشهادة في الرجعة واجبة وأنها شرط فيه.

وقد اختلفوا في كونها شرطا في الطلاق ، فنفاه قوم ، وأثبت (١) قوم ، فيجب أن يكون الأمر بالشهادة الذي ظاهره يقتضي الوجوب مصروفا الى الطلاق دون الرجعة التي قد اجتمعت الأمة على أنه ليس بشرط فيها.

المسألة الخمسون :

[وقوع الطلاق بالألفاظ المخصوصة]

ان الطلاق لا يقع بغير لفظ مخصوص.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة على أن الطلاق لا يقع الا بهذا اللفظ الصريح دون غيره ، وإجماعها هو الحجة. ولان الطلاق حكم شرعي ، ويجب أن نرجع فيه الى ما يشرع لنا من لفظه دون ما لم يشرع ، ولا خلاف في أن المشروع في الفرقة بين الزوجين لفظ الطلاق المصرح دون الكنايات التي معناه.

__________________

(١) ظ : أثبته.

٢٣٩

المسألة الحادية والخمسون :

[الطلاق بشرط لا يقع]

ان الطلاق لا يقع بشرط على كل حال.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه. ولان المشروع في الطلاق أن يكون بغير شرط ، ولا خلاف أن الطلاق المشروط غير مشروع ، وما ليس بمشروع لا حكم له في الشريعة.

المسألة الثانية والخمسون :

[الطلاق ليس بيمين]

ان الطلاق لا يقع بيمين ولا هو يمين.

والحجة على ذلك : إجماع الفرقة المحقة عليه ، لان الطلاق أيضا لم يشرع لنا على جهة اليمين ، وما ليس بمشروع فلا حكم له في الشريعة.

المسألة الثالثة والخمسون

[الطلاق الثلاث غير صحيح]

وان الطلاق الثلاث لا يقع الا بعد رجعتين من المطلق من الثلاث والاثنين والواحدة ، ومن لم يراجع فلا طلاق له.

والحجة في ذلك : إجماع الفرقة المحقة. وأيضا فإن المسنون في الطلاق على الطلاق بأن يكون بعد رجعة ، وإدخال الطلاق على الطلاق من غير رجعة

٢٤٠