رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

المسألة الخامسة

[من لا ربا بينهما]

وذكر أن لا رباء بين الوالد وولده ، ولا بين الزوج وزوجته ، ولا بين المسلم والذمي.

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان كثيرا من أصحابنا قد ذهبوا الى نفي الربا بين الوالد وولده ، وبين الزوج وزوجته ، والذمي والمسلم. وشرط قوم من فقهاء أصحابنا في هذا الموضع شرطا ، وهو أن يكون الفضل مع الوالد ، الا أن يكون له وارث أو عليه دين.

وكذلك قالوا : انه لا ربا بين العبد وسيده إذا كان لا شريك له فيه ، وان كان له شريك حرم الربا بينهما. وكذلك العبد المأذون له في التجارة ، حرم الربا بينه وبين سيده إذا كان العبد قد استدان ما لا عليه.

وعولوا في ذلك على ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله

١٨١

ليس بين الرجل وبين ولده ربا ، وليس بين السيد وبين عبده ربا (١). ورووا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ليس بين المسلم وبين الذمي ربا ، ولا بين المرأة وزوجها (٢). وأما العبد وسيده فلا شبهة في انتفاء الربا بينهما.

ويوافقنا على ذلك أبو حنيفة وأصحابه الثوري والليث والحسن بن صالح ابن حي والشافعي. ويخالف مالك الجماعة في هذه المسألة ، لأن مالك يذهب الى أن العبد يملك ما في يده مع الرق ، والجماعة التي ذكرناها تذهب الى أن الرق يمنع من الملك ، وهو الصحيح.

وإذا كان في يد العبد ملكا لمولاه لم يدخل الربا بينهما ، لان المالين في الحكم مال واحد والمالك واحد ، ولهذا يتعب (٣) حكم المأذون له في التجارة ، يتعلق على (٤) الغرماء بما في يده ، وكذلك يتغير في هذا الحكم حال العبد بين شريكين ، فالشبهة في انتفاء الربا بين العبد وسيده مرتفعة.

وانما الكلام في باقي المسائل التي ذكرناها ، فالأمر فيها مشكل.

والذي يقوى في نفسي أن الربا محرم بين الوالد وولده والزوج وزوجته والذمي والمسلم ، كتحريمه بين غريبين.

فأما الأخبار التي وردت وفي ظاهرها أنه لا رباء في هذه المواضع ، إذا جاز العمل بها جاز أن نحملها على تغليظ تحريم الربا في هذه المواضع ، كما قال الله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ)(٥) ولم يرد أن الرفث

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ / ٤٣٦ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ / ٤٣٧ ح ٥.

(٣) ظ : يتغير.

(٤) ظ : ويتعلق حق الغرماء بما في يده.

(٥) سورة البقرة : ١٩٧.

١٨٢

في غير الحج لا يكون رفثا ولا محرما ، وكذلك الفسوق. وانما أراد بذلك تغليظ تحريمه والنهي عنه.

ومن شأن أهل اللغة إذا أكدوا تحريم شيء ، أدخلوا فيه لفظ النفي ، لينبئ عن تحقيق التحريم وتأكيده وتغليظه ، كما أن في مقابلة ذلك إذا أرادوا أن يؤكدوا ويغلظوا الإيجاب ، استعملوا فيه لفظ الخبر والإثبات. كما قال الله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(١) وانما أكد بذلك وجوب أمانه ، وكان هذا القول آكد من أن يقول : فآمنوا من دخله ولا تخيفوه.

وكذلك قوله عليه‌السلام «العارية مردودة ، والزعيم غارم» (٢) وانّما المراد به أنّه يجب رد العارية ، وغرامة الزعيم الذي هو الضامن ، وأخرج الكلام مخرج الخبر للتأكيد والتغليظ ، فهذا في باب الإيجاب نظير ما ذكرنا في باب الحظر والتحريم.

فان قيل : فأي فائدة في تخصيص هذه المواضع نفي الربا فيها مع ارادة التحريم والتغليظ. والربا محرم بين كل أحد وفي كل موضع.

قلنا : في تخصيص بعض هذه المواضع بالذكر مما يدل على أن غيرها مما لم يذكر بخلافها. وهذا مذهب قد اختلف فيه أصحاب أصول الفقه ، والصحيح ما ذكرناه. ومع هذا فغير ممتنع أن يكون للتخصيص فائدة.

أما الوالد وولده والحرمة بينهما عظيمة متأكدة ، فما حظر بين غيرهما وقبح في الشريعة ، فهو المحرمة بينهما أقبح وأشد حظرا. وكذلك الزوج وزوجته ، فيكون لهذا المعنى وقع التخصيص للذكر.

وأما الذمي والمسلم فيمكن أن يكون وجه تخصيصها هو أن الشريعة قد

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) جامع الأصول ٩ / ١١٠.

١٨٣

أباحت ـ لفضل الإسلام وشرفه على سائر الملل ـ أن يرث المسلم الذمي والكافر وان لم يرث الذمي المسلم. وثبت حق الشفعة للمسلم على الذمي ، ولا يثبت حق الشفعة للمسلم على الذمي ، فخص نفي الربا بالذمي والمسلم على سبيل الحظر بظن ظاهر (١) ، فإنه يجوز للمسلم أن يأخذ من الذمي الفضل في مواضع (٢) الذي يكون فيه ربا ، وان لم يجز ذلك للذمي ، كما جاز في الميراث والشفعة.

فإن قيل : فما الذي يدعو الى الانصراف عن ظواهر الأخبار المروية في نفي الربا بين الجماعة المذكورة الى هذا التعسف من التأويل.

قلنا : ما عدلنا عن ظاهر إلى تأويل متعسف ، لان لفظة النفي في الشريعة إذا وردت في مثل هذه المواضع التي ذكرناها ، لم يكن ظاهرها للإباحة دون التحريم والتغليظ ، بل هي محتملة لكل واحد من الأمرين احتمالا واحدا ، ولا تعسف في أحدهما.

ولم يبق الا أن يقال : فإذا احتملت الأمرين فلم حملتموها على أحدهما بغير دليل.

وهاهنا دليل يقتضي ما فعلناه ، وهو أن الله تعالى حرم الربا في آيات محكمات من الكتاب لا اشكال فيها ، فقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٣) وقال (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا)(٤) وقال جل اسمه (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ)(٥).

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) ظ : الموضع.

(٣) سورة البقرة : ٢٧٨.

(٤) سورة آل عمران : ١٣٠.

(٥) سورة البقرة : ٢٧٥.

١٨٤

والاخبار الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن ولده من الأئمة عليهم‌السلام في تحريم الربا وحظره، والنهي عن أكله ، والوعيد الشديد على من خالف فيه أكثر من أن تحصى.

وقد علمنا أن لفظة «الربا» انما معناه الزيادة ، وقررت الشريعة في هذه اللفظة أنها زيادة في أجناس وأعيان مخصوصة. وخطاب الله تعالى وخطاب رسوله يجب حملهما على العرف الشرعي دون اللغوي ، فيجب على هذا أن يفهم من ظواهر الآيات والاخبار أن الربا الذي هو التفاضل في الأجناس المخصوصة محرم على جميع المخاطبين بالكتاب على العموم، فيدخل في ذلك الولد والزوج والذمي مع المسلم ، وكل من أخذ وأعطى فضلا.

فإذا أوردت أخبار بنفي الربا بين بعض من تناوله ذلك العموم ، حملنا النفي فيها على ما ذكرناه بما يطابق تلك الآيات ويوافقها ، ولا يوجب تخصيصها وترك ظواهرها (١).

__________________

(١) هذا ولكن رجع عن ذلك في الانتصار ص ٢١٣ قال : ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب ، لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفى الربا بين من ذكرناه وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة ، ويخص بمثله ظاهر القرآن ، والصحيح نفى الربا بين من ذكرناه.

١٨٥

المسألة السادسة

[عدة الحامل]

وذكر أن عدة الحامل المطلقة أقرب الأجلين ، وهو مشكل. لانه قد يصح أن تبقى حاملا بعد خروجها من عدة الطلاق شهورا ، وقال تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(١) وعدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين ، وهو في الاشكال مثل صاحبه لما بين الله تعالى من عدة من الحمل ، ويصح أن تضع بعد وفاة زوجها بساعة.

الجواب :

أن المسألة الاولى ـ وهي القول بعدة الحامل المطلقة أقرب الأجلين ـ ليس مما يفتي به أكثر أصحابنا ، وكتبهم نطق بخلافه.

ومن ذهب اليه عوّل على خبر رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : طلاق الحامل واحدة ، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه ، وقال تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ)(٢) فإذا طلقها الرجل ووضعت من

__________________

(١) سورة الطلاق : ٤.

(٢) سورة الطلاق : ٤.

١٨٦

يومها أو من غد ، فقد انقضى أجلها ، وجاز لها أن تتزوج ، ولكن لا يدخل بها (١) حتى تطهر.

والحبلى المطلقة تعتد بأقرب الأجلين أن تمضي (٢) لها ثلاثة أشهر قبل أن تضع ، فقد أنقضت عدتها منه ، ولكن لا تتزوج حتى تضع ، فان وضعت ما في بطنها قبل انقضاء ثلاثة أشهر فقد انقضى أجلها.

والحبلى المتوفّى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين ، ان وضعت قبل أن تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام لم تنقض عدتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإن مضت لها أربعة أشهر وعشرة أيام قبل أن تضع ، لم تنقض حتى تضع الحمل (٣).

فعلى هذا الخبر عول من ذهب في المطلقة الحامل الى أن عدتها أقرب الأجلين. ونحن نبين ما فيه. أما صدر الخبر فصريح في أن الحامل المطلقة تمضي عدتها وتنقضي أجلها بوضع الحمل ، حتى احتج لهذا الحكم بالقرآن ، وليس يجوز أن يلي هذا الحكم ما يضاده ويناقضه.

وانما اشتبه على من ذهب الى هذا المذهب من هذا الخبر قوله «والحبلى المطلقة تعتد بأقرب الأجلين ـ إلى قوله ـ فإذا وضعت ما في بطنها قبل انقضاء ثلاثة أشهر فقد انقضى أجلها» ولا يجب أن يشتبه هذا الموضع لمن يتأمله ، لانه لو كان بأقرب الأجلين معتبر ، لوجب في الحامل المطلقة إذا مضت عليها ثلاثة أشهر قبل أن تضع حملها أن تنقضي عدتها وتحل للأزواج. وقد صرح في هذا الخبر بأنها لا تتزوج حتى تضع ، فلو كانت العدة قد انقضت لما كان التزويج

__________________

(١) في الفقيه : بها زوجه حتى.

(٢) في الفقيه ، ان مضت.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٢٩ ح ١.

١٨٧

محظورا ، ولا انتظار أكمل معتبرا.

ألا ترى أنها إذا وضعت ما في بطنها قبل انقضاء ثلاثة أشهر ، فقد انقضت عدتها وحلت الأزواج. وهذا أيضا في صريح الخبر ولفظته ، فلو لا أن المعتبر بوضع الحمل في الحامل المطلقة دون مضي الأشهر ، لما كان لهذه التفرقة معنى ولما كانت ممنوعة من أن تتزوج بعد مضي الأشهر الثلاثة وقبل أن تضع ، كما ليست بممنوعة من التزويج بعد الوضع وقبل انقضاء الأشهر.

فعلم بهذه الجملة أن قوله في الخبر «والحبلى المطلقة تعتد بأقرب الأجلين» ليس على ظاهره ، لانه لو كان على ظاهره لكان قبل شيء ناقضا لما تقدمه من قوله «إذا وضعت من يومها هذا فقد انقضى أجلها» ثم كان لا معنى لمنعها من التزويج بعد انقضاء الأشهر ان كان معتبرا بأقرب الأجلين على ما بيناه.

ويجب أن يكون الكلام المتوسط ، لذكر حكم عدة المطلقة الحامل التي تبين في صدر الخبر ، ولذكر عدة الحبلى المتوفّى عنها زوجها على غير ظاهره حتى يسلم الخبر من التناقض.

ويمكن أن يريد بقوله «وإذا مضت ثلاثة أشهر قبل أن تضع فقد انقضت عدتها منه، ولكنها لا تتزوج حتى تضع» يريد أن عدتها تنقضي لو كانت مطلقة غير حامل ، لان المعتبر في طلاق غير الحامل الأقراء دون غيرها.

فان قيل : فأي معنى لقوله «تعتد بأقرب الأجلين» وأنتم تقولون تعتد بوضع الحمل؟ فلا اعتبار بسواه.

قلنا : يمكن أن يريد بأقرب الأجلين وضع الحمل ، وأنه سماه أقرب من غيره ، لان المعتدة بالأقراء لا يمكن على وجه من الوجوه أن تخرج من عدتها في يومها وغدها ، ولا بدّ من صبرها إلى المدة المستقرة. والمعتدة بوضع الحمل يمكن أن تخرج من العدة من يومها أو غدها ، فصار هذا الأجل أقرب

١٨٨

لا محالة من غيره للوجه الذي ذكرناه.

وليس لأحد أن ينسب هذا التأويل إلى التعسف ، لانه عند التأمل لا تعسف فيه ، قلنا أن نتعسف التأول عند الضرورة ، لتسلم الظواهر الصحيحة والخطاب الواضح. كما نفعل ذلك في متشابه القرآن الوارد بما في ظاهره جبر وتشبيه.

ووجدت أبا علي ابن الجنيد (رحمه‌الله) يذكر في كتابه المعروف ب «الفقه الأحمدي» شيئا ما وجدت لغيره ، قال : والمطلقة إذا مات زوجها قبل خروجها من عدتها اعتدت أبعد الأجلين من يوم مات ، اما بقية عدتها ، أو أربعة أشهر وعشرا ، أو وضعها ان كان بها حمل (١).

وأول ما في كلامه هذا أنه قال : «تعتد بأبعد الأجلين» وذكر أحوالا ثلاثة وكان ينبغي أن يقول : بأبعد الآجال التي بينها ورتبها. ثم ان كان قال هذا عن أثر ورواية جاز العمل به إذا لم يمكن تأويله ، وان كان قاله من تلقاء نفسه وعلى سبيل الاستدلال والاستحسان ، فلا معول على ذلك.

وأما المسألة الثانية ـ وهي أن عدة الحامل المتوفّى عنها زوجها أبعد الأجلين ـ وصورة هذه المسألة : ان هذه المرأة ان وضعت حملها قبل أن تقضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، لم يحكم بانقضاء عدتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام. وان انقضت عنها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها ، لم يحكم بانقضاء عدتها حتى تضع الحمل.

وهذه المسألة يفتي بها جميع الشيوخ (رحمهم‌الله) وهي مسطورة في كتبهم ، وموجودة في رواياتهم وأحاديثهم ، وحديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) ينطق بهذا الحكم الذي ذكرناه ويشهد له ، ولو لم يكن في هذا

__________________

(١) الفقه الأحمدي مخطوط.

(٢) المتقدم آنفا.

١٨٩

المذهب الا الاستظهار لانقضاء أيام العدة لكفى.

وليس هذا المذهب مما تفردت به الإمامية ، وخالفت جميع الفقهاء المتقدمين والمتأخرين ، لأن مخالفيها من الفقهاء قد ذكروا في كتبهم ومسائل خلافهم أن هذا المذهب كان يذهب إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وابن عباس رضي الله عنه.

فأما الاحتجاج بضعفه بظاهر قوله (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(١) فليس بشيء ، لأن العموم قد يختص بدليل ، ويترك ظاهره بما يقتضي بتركه الظاهر (٢). وإذا كنا قد بينا إجماع الطائفة على المذهب ، ووردت الآثار الحقة المعمولة بها فيه ، فينقض (٣) ذلك بترك الظاهر.

__________________

(١) سورة الطلاق : ٤.

(٢) استظهر الناسخ أن يكون : ظاهره الترك.

(٣) ظ : فيقتضي. واستظهر الناسخ أن يكون فينهض.

١٩٠

المسألة السابعة

[أقل مدة الحمل وأكثرها]

ذكر أن أقل ما يخرج به الحمل حيا مستهلا لستة أشهر. ثم قال : ومن ولد له ولد لأقل من ستة أشهر ، فليس بولد له ، قال : وهو بالخيار في الإقرار له أو نفيه ، فكيف يكون بالأخيار فيما ليس له؟ وكيف إذا اختار يجب؟ فيكون اختياره سبب الواجب.

وذكر أن أكثر الحمل سنة ، وذكر أن من الشيعة من يقول : سنتان ، ومنهم من يقول : ثلاث. ومنهم من يقول : أربع. ومنهم من يقول سبع. قال : وروى أصحاب الحديث منهم أدهم بن حيان ولدته أمه لثمان سنين وقد تقر (١).

ثم قال : ولا يكون أكثر من تسعة أشهر.

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان فائدة قولنا أقل الحمل كذا وكذا شهرا ، ان المرأة متى أتت بولد على

__________________

(١) أى بقي وعاش.

١٩١

فراش بعل في أقل من هذه المدة المحدودة لأقل الحمل ، فليس بولد لهذا البعل في حكم الشريعة ، لأن المدة التي أتى بها فيها ناقصة عن الحد المضروب لأقل الحمل.

ومثل هذه الفائدة هي كقولنا أكثر الحمل كذا وكذا ، فان الرجل إذا طلق زوجته ، ثم أتت بولد بعد الطلاق لأكثر من ذلك الحد المضروب لم يلحقه.

وأقل الحمل عندنا على ما أطبقت عليه طائفتنا هو ستة أشهر ، وما نعرف أيضا مخالفا من فقهاء العامة على ذلك.

فأما الحكاية عن الذي قال هو بالخيار في الإقرار به أو نفيه مع الاعتراف بأن أقل الحمل ستة أشهر ، فمناقضة ظاهرة ، لانه إذا كان الحد المضروب في الشريعة ستة أشهر فما نقص عن هذا الحد لا يلحق معه الولد ، ولا يجوز إضافته الى من ولد على فراشه ، فأي خيار له في الإقرار عما توجب الشريعة نفيه عنه ، وأن لا يكون لاحقا به.

وأما أكثر الحمل فالمشهور عند أصحابنا أنه تسعة أشهر. وقد ذهب قوم إلى سنة من غير أصل معتمد ، والمشهور ما ذكرناه.

وأما ما حكى عن الشيعة خلافا ، وزعم أن بعضها يقولون سنتان ، وبعضهم يقول ثلاثا ، وآخرون أربع ، فهو وهم وغلط على الشيعة ، لان الشيعة لا تقول ذلك.

وانما يختلف فيه مخالفوهم من الفقهاء ، فمذهب الشافعي وأصحابه أن أكثر الحمل أربع سنين. وزعم الزهري والليث وربيعة أن أكثره سبع سنين.

وقال أبو حنيفة والثوري أن أكثره سنتان. وعن مالك ثلاث روايات : إحداهن مثل قول الشافعي ، والثانية خمس سنين ، والثالثة سبع سنين. فهذا الخلاف على ما ترى هو بين مخالفينا.

١٩٢

والحجة المعتمدة في هذه كله : هو إجماع الفرقة المحقة ، ولا شبهة في أن المعتاد في أكثر الحمل هو تسعة أشهر ، وما يدعى من زيادة على ذلك هو إذا كان صدقا. شاذ نادر غير مستمر ولا مستدام ، وأحكام الشريعة تتبع المعتاد من الأمور لا الخارق للعادة والخارج عنها.

وأيضا فلا خلاف أن الأشهر التسعة مدة الحمل ، وانما الخلاف فيما زاد عليها ، فصار ما ذهبنا إليه في مدته مجمعا عليه ، وما زاد على ذلك لا إجماع ولا دليل توجب اطراحه.

١٩٣

المسألة الثامنة

[حكم المطلقة في مرض بعلها]

ذكر أن المطلقة في المرض ترث زوجها المطلق لها ما لم تتزوج ، أو يبرأ هو من مرضه ما بينها (١) وبين سنة.

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان هذا المذهب أيضا عليه اتفاق أصحابنا. وقد وردت في الأصول روايات كثيرة به. روى عبد الله بن مسكان ، عن الفضل بن عبد الملك البقباق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته وهو مريض. قال : ترثه ما بين سنة ان مات من مرضه ذلك ، وتعتد من يوم طلقها عدة المطلقة ، ثم تتزوج إذا انقضت عدتها ، وترثه ما بينها وبين سنة ان مات في مرضه ذلك ، فان مات بعد ما تمضي سنة لم يكن لها ميراث (٢).

__________________

(١) ظ : ما بين طلاقها.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ / ٣٨٧ ح ١١ رواه الشيخ والصدوق.

١٩٤

وعن الحسن بن محبوب ، عن ربيع الأصم ، عن أبي عبيد الحذاء ومالك بن عطيته كلاهما عن محمد بن علي عليهما‌السلام قال : إذا طلقت الرجل امرأته تطليقة في مرضه حتى انقضت عدتها ، ثم مات في ذلك المرض بعد انقضاء العدة ، فإنها ترثه (١).

وعن ابن أبي عمير عن أبان أن أبا عبد الله عليه‌السلام قال في رجل طلق تطليقتين في صحة ، ثم طلق التطليقة الثالثة وهو مريض : انها ترثه ما دام في مرضه ، وان كان الى سنة(٢).

ويشبه أن يكون الوجه في توريثها له ما لم تتزوج أو تنقضي السنة ، أن المطلقة (٣) في المرض في الأغلب والأكثر يريد الإضرار بزوجته وحرمانها ميراثه. ولهذا أكثر في روايات كثيرة التطبيق في المرض بأنه يوهم الإضرار ، فألزم الميراث سنة تغليظا وزجرا عن قصد الإضرار والحرمان للميراث.

وقد جاءت رواية تشهد بذلك ، روى زرعة عن سماعة قال : سألته عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته وهو مريض ، فقال : ترثه ما دامت في عدتها ، فان طلقها في حال الإضرار فهي ترثه إلى سنة ، فان زاد على السنة يوما واحدا لم ترثه (٤). وهذا يشعر بما أشرنا إليه.

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ١٢١ ح ٢.

(٢) فروع الكافي ٦ / ١٢٣ ح ١٠.

(٣) ظ : المطلق

(٤) فروع الكافي ٦ / ١٢٢ ح ٩ ، وسائل الشيعة ٥ / ٣٨٥ ح ٤.

١٩٥

المسألة التاسعة

[حكم عتق عبد المكاتب وتوريثه]

وذكر ان المكاتب يموت نسيبه (١) وله مال يرث منه بحساب ما عتق منه من أدائه مكاتبته ، والخصوم يروون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : المكاتب رق ما بقي عليه درهم (٢).

الجواب :

وبالله التوفيق.

أما هذه المسألة فجميع الفقهاء المخالفين لنا يقولون فيها أن المكاتب إذا أدى بعض المال لم يعتق شيء منه البتة.

وحكي عن ابن مسعود أنه قال إذا أدى قدر قيمته عتق وكان ما بقي من مال الكتابة دينا في ذمته.

ويروي مخالفونا من الفقهاء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام روايتين : إحداهما انه إذا أدى نصف مال الكتابة عتق وكان الباقي دينا. والرواية الثانية

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) جامع الأصول ٩ / ٥٩.

١٩٦

أنه كلما أدى جزء عتق بقدر ذلك الجزء منه (١).

وحكي عن شريح أنه قال : إذا أدى ثلث مال الكتابة عتق ، وان نقص لم يعتق.

والذي يطبق عليه أصحابنا أنه تعتق منه بقدر ما أدى من مال الكتابة ، وان شرط في أصل الكتابة أنه ان عجز عن شيء من مال الكتابة ، عادت رقبته الى الرق ، فإنه متى شرط هذا الشرط كان العمل عليه ولم يعتق منه شيء.

فيقول أصحابنا : انه ان مات هذا المؤدي بعض مال الكتابة بسبب ورث منه بحساب الحرية به. وكذلك لو زنى المكاتب يجلد بحساب الحرية من رقبته ، ولو قتل لأخذ منه بحساب الحرية الدية ولزم مولاه الباقي.

والحجة في الحقيقة على ذلك : في من إجماعها الحجة من طائفتنا ، والروايات التي تشهد بهذا المذهب في أصولنا كثيرة.

وقد روى مخالفونا في كتبهم عن شيوخهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : المكاتب يؤدي ما فيه من الحرية بحساب الحر ، وما فيه من الرق بحساب العبد (٢). والمراد بذلك أنه إذا قتل يجب عليه من الدية بقسط ما فيه من الحرية ، ومن القيمة بقسط ما فيه من الرق. وهذا يقتضي أن بعضه يعتق ويكون الباقي رقيقا.

وأما روايتهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان المكاتب رق ما بقي عليه درهم (٣). فالمراد به أنه مع هذه الباقية في أسر الرق ، ولم يزل جميع الرق عنه فقد ذهب قوم إلى أنه إذا أدى من مال كتابته بقدر قيمته عتق ، فيكون هذا

__________________

(١) جامع الأصول ٩ / ٦٠ ما يشبه ذلك.

(٢) جامع الأصول ٩ / ٦٠.

(٣) جامع الأصول ٩ / ٥٩ ، وفيه : المكاتب عبد ما بقي عليه من المكاتبة درهم.

١٩٧

القول رادا على من قال ذلك.

وأما روايتهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أيما رجل كاتب عبدا على مائة دينار ، فأدها إلا عشرة دنانير فهو مكاتب. وأيما رجل كاتب عبدا على مائة أوقية ، فأداها إلا عشرة أواق فهو مكاتب (١). فلا تصريح فيه على ما ينافي مذهبنا ، ولا حجة لهم في ظاهره.

ومعنى قوله «فهو مكاتب» أن حكم الكتابة باق ولم يزل ، لان العبد إذا أدى بعض ما عليه فهو مسترق بقدر ما أبقى عليه من مال مكاتبته ، ويطلق فيه أنه مكاتب ، وهذا بين لمن تأمله.

تمت المسائل بحمد الله وتوفيقه تعالى وعونه ومنه.

__________________

(١) جامع الأصول ٩ / ٥٩ مع تقدم وتأخر في الحديث.

١٩٨

(٥)

جوابات المسائل الموصليّات الثّالثة

١٩٩
٢٠٠