رسائل الشريف المرتضى - ج ١

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

لغيره «لا تفعل كذا» ناهيا له ، وبين قوله «أنا كاره له». كما لا فرق بين قوله «افعل» آمرا له ، وبين قوله «أنا مريد منك أن تفعل».

وإذا كان جلت عظمته كارها لجميع المعاصي والقبائح من حيث كان ناهيا عنها أن يكون (١) استحال أن يكون مريدا لها ، لا (٢) لاستحالة أن يكون مريدا لها (٣) كارها للأمر الواحد على وجه واحد.

ويدل أيضا على ذلك : أنه لو كان مريدا للقبيح لوجب أن يكون على صفة نقص وذم ان كان مريدا له بلا ارادة ، وان كان مريدا له بإرادة أن يكون فاعلا لقبيح ، لأن إرادة القبيح قبيحة ، وفاعلها فاعل القبيح ومستحق للذم. وخلاف في ذلك في الشائي كما لا خلاف في قبح الظلم من أحدنا.

وانما يدعي مخالفونا حسن ارادة القبيح إذا كانت من فعله تعالى ، كما يدعون حسن حالة صفة الظلم من فعله تعالى. وذلك باطل بما لا شبهة فيه.

وقد أكد السمع دليل العقل ، فقال الله تعالى (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)(٤)(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ)(٥) وقوله تعالى (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً)(٦) وقال تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(٧) وإذا كان خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يريد منهم الكفر.

__________________

(١) الظاهر زيادة «أن يكون».

(٢) الظاهر زيادة «لا».

(٣) الظاهر زيادة «لها».

(٤) سورة غافر : ٣١.

(٥) سورة آل عمران : ١٠٨.

(٦) سورة الإسراء : ٣٨.

(٧) سورة الذاريات : ٥٦.

١٤١

وقال الله تعالى (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ)(١) ولو كان مريدا له لكان شائيا له وراضيا به.

وقد أجمع المسلمون على أنه تعالى لا يرضى أن يكفر به ويشتم أولياءه ويكذب أنبياءه ويفتري عليهم.

فأما تعلق المخالف بأنه لو حدث من العباد ما لا يريده تعالى ، لدل ذلك على صفة(٢) ، قياسا على رعية الملك إذا فعلوا ما يكرهه وما يريده فباطل.

الجواب عنه أنه غير مسلم لهم أن جميع ما يريده الملك من رعيته إذا وقع منهم خلاف ذل (٣) على ضعفه ، لانه لو أراد منهم ما يعود صلاحه ونفعه عليهم لا عليه ، لم يكن في ارتفاعه ووقوع خلافه ضعف.

ألا ترى أن رعية الملك المسلم يريد من جميعهم أن يكونوا على دينه ، لا لنفع يرجع اليه بل إليهم ، وقد يكون من جملتهم اليهود والنصارى والمخالف لدين الإسلام ، ولا يكون في تمسك هؤلاء بأديانهم واختلافهم الى ثبوت عاداتهم دلالة على ضعف ملكهم ونقصه.

وانما يضعف الملك بخلاف رعيته له إذا كان متكثرا بطاعتهم منتفعا بنصرتهم مقتصدا بقوتهم ، فمتى خالفن (٤) اقتضى الخلاف ضعفه ، لفوت منافعه وانتفاء نصرته ومعونته. والقديم تعالى عن أن ينتفع بطاعات العباد ، وانما هم المنتفعون بذلك ، فلا ضعف يلحقه من معاصيه ولا فوت نفع.

ويلزم المنتج بهذه الشبهة الضعيفة أن يضعف الله تعالى عن ذلك علوا

__________________

(١) سورة الزمر : ٧.

(٢) ظ : ضعفه.

(٣) ظ : خلافه دل.

(٤) ظ : خالفوا.

١٤٢

كبيرا ، لوقوع ما نهى عنه ولم يأمر به من عباده قياسا على الملك ورعيته ، فان من يضعف من ملوكنا بفعل رعيته لما يكرهه ولا يريده يضعف بأن يفعلوا ما نهاهم عنه.

ويجب أيضا ان يكون الله تعالى إذا كان أمر الكفار بالايمان والعصاة بالطاعات ، ان يكون آمرا لهم أن يضعفوه ويغلبوه ويقهروه. وهذا مما لا يقوله عاقل.

وقد استقصينا الكلام في هذا الباب في كتابنا المعروف ب «الملخص» في أصول الدين. وفي القدر الذي أوردناه كفاية.

١٤٣

المسألة الثالثة

[القول في الاستطاعة]

وسأل (أدام الله حراسته) فقال : ما القول في الاستطاعة؟ وهل تكون قبل الفعل أو معه؟

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان الاستطاعة هي القدرة على الفعل ، والقدرة التي يفعل بها الفعل لا يكون الا قبله، ولا يكون معه في حال وجوده.

والذي يدل على ذلك : أن القدرة انما يحتاج إليها ليحدث بها الفعل ، ويخرج بها من العدم الى الوجود ، فمتى وجبت والفعل موجود ، فقد وجب (١) في حال استغنائه عنها ، لانه لو (٢) لم يستغن بوجوده عن مؤثر في وجوده ، وانما يستغنى في حال البقاء من مؤثرات الوجود ، لحصول الوجود لا بشيء سواه.

__________________

(١) ظ : وجبت.

(٢) الظاهر زيادة «لو».

١٤٤

وليس يمكن ان تنزل القدرة في مصاحبتها للفعل الذي تؤثر فيه منزلة العلة المصاحبة للمعلول ، لأن القدرة ليست علة في المقدور ولا موجبة له ، بل تأثيرها اختيار وإيثار من غير إيجاب. لما قد بين في مواضع كثيرة من الكتب.

ولو لا أنها مفارقة للعلة بغير شبهة لاحتاج المقدور في حال بقائه إليها ، كحاجته في حال حدوثه ، لأن العلّة يحتاج المعلول إليها في كل حالة من حدوث أو بقاء. ولا خلاف في أن القدرة يستغني عنها المقدور في حال بقائه.

وقد قال الشيوخ مؤكدين لهذا المعنى : فمن كان في يده شيء فألقاه لا يخلو استطاعة إلقائه من أن تكون ثابتة ، والشيء في يده أو خارج عنها. فان كانت ثابتة والشيء في يده ، فقد دل على تقديمها ، وهو الصحيح. وان كانت ثابتة والشيء خارج عن يده ملقى عنها ، فقد قدر على أن يلقى ما ليس في يده ، وهذا محال. وليس بين كون الشيء في يده وكونه خارجا عنها واسطة ومنزلة ثالثة.

ومما يدل أيضا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، أنها لو كانت مع الفعل كان الكافر غير قادر على الايمان لمكان (١) الايمان موجودا منه على هذا المذهب الفاسد ، ولو لم يكن قادرا على الايمان لما حسن أن يؤمر به ، ويعاقب على تركه ، كما لا يعاقب العاجز عن الايمان بتركه ولا يؤمر به. ولا فرق بين العاجز والكافر على مذاهبهم لأنهما جميعا غير قادرين على الايمان ولا متمكنين منه.

قد قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً

__________________

(١) ظ : ولما كان.

١٤٥

وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(١) فشرط توجه الأمر بالاستطاعة له ، فلو لا أنها متقدمة للفعل وأنه يكون مستطيعا للحج وان لم يفعله لوجب أن يكون الأمر بالحج انما توجه الى من فعله ووجد منه. وهذا محال.

وقد بينا الكلام وأحكامها في مواضع كثيرة من كتبنا ، وفي هذه الجملة مقنعة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

١٤٦

المسألة الرابعة

[مسألة الوعد والوعيد والشفاعة]

وسأل (أحسن الله توفيقه) في الوعيد ، وهل يكون العبد المسلم خالدا مخلدا في النار بكبيرة واحدة أو تلحقه الشفاعة إذا مات من غير توبة؟

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان العبد المسلم المؤمن لا يجوز أن يكون مخلدا في النار بعقاب معاصيه لأن الإيمان يستحق به الثواب الدائم والنعيم المتصل ، والكبيرة التي واقعها المؤمن انما يستحق به (١) العقاب المنقطع ، ولا تأثير لعقابها المستحق في ثواب الايمان المستحق.

وإذا لم يقع تحابط بين المستحقين فيهما (٢) على حالهما لم يؤثر أحدهما في صاحبه ، فلو خلد المؤمن بعقاب معصيته في النار لوجب أن يكون ممنوعا حقه من الثواب ومبخوسا نصيبه من النعيم.

__________________

(١) ظ : بها.

(٢) ظ : فهما.

١٤٧

وأما الشفاعة فهو (١) مرجوة له في إسقاط عقابه ، وغير مقطوع عليها فيه ، فان وقعت فيه الشفاعة أسقطت عقابه ، فلم يدخل النار وخلص له الثواب. وان لم تقع الشفاعة فيه عوقب في النار بقدر استحقاقه ، وأخرج الى الجنة فأثيب فيه ثوابا دائما ، كما استحقه بإيمانه.

فان قيل : كل ما ذكرتموه يجري مجرى الدعوى فيه ، وفيه خلاف.

قلنا : الأمر كذلك ، وانما كان غرضنا أن نبين كيفية المذهب في هذه المسألة ، وكيف يبنى القول فيها على المذاهب الصحيحة.

والأدلة والبراهين على صحة هذه المذاهب وفساد ما عداها موجودة مستقصاة في كلامنا على أهل الوعيد ، ونصرة القول بالارجاء في جواب مسائل أهل الموصل ، غير أنا لا نخلي هذا الموضع من إشارة خفية لطيفة إلى الحجة ووجه الدلالة ، فنقول :

أما الدلالة على [أن] الايمان يستحق به الثواب الدائم ، فهو الإجماع والسمع ، لان العقل عندنا لا يدل على دوام ثواب ولا عقاب ، وان دل على استحقاقهما في الجملة.

وقد أجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على أن الايمان يستحق به الثواب الدائم، وأن لم يحبط ثوابه بما يفعله من المعاصي المستحق عليها العقاب العظيم يرد القيامة مستحقا من ثواب الايمان ما كان يستحقه عقيب فعله.

وإذا ثبت هذه الجملة نظرنا في المعصية التي يأتي بها هذا المؤمن ويفعلها ، وهو محرم غير مستحل بالاقدام عليها ، فقلنا لا بدّ أن يكون مستحقا عليها العقاب بدليل العقل والإجماع أيضا ، ومثبت أنه لا يجوز أن يؤثر الثواب المستحق

__________________

(١) ظ : فهي.

١٤٨

في العقاب المستحق فيبطله ، ولا العقاب المستحق على (١) الثواب المستحق فيبطله ، لفساد التحابط عندنا بين الاعمال وعند (٢) المستحق عليها. وربما قد بيناه في مواضع كثيرة خاصة في الكتاب الذي أشرنا اليه.

ومن قوي ما يدل على نفي التحابط بين الثواب والعقاب : أن الشيء إنما ينفي غيره ويبطله ويحبطه ، إذا ضاده أو نافاه ، أما فيما يحتاج ذلك الشيء في وجوده اليه لا تضاد ولا تنافي بين الثواب والعقاب المستحقين ، لان الثواب قد يكون من جنس العقاب ، ولو خالفه لما انتهى الى التنافي والتضاد.

ولو كان هناك تضاد أو تنافي ، لكان على الوجود كنافي سائر المتضادات ، والمستحق من الثواب والعقاب لا يكون الا معدوما ، والتنافي لا يصح بين المعدومات ، فكيف يعقل قولهم ان المستحق من العقاب المعدوم أبطل المستحق من الثواب المعدوم.

وإذا بطل الإحباط فلا بد من أن يكون من ضم الى الايمان المعاصي الموسومة بالكبائر من أن يرد القيامة ، وهو مستحق لثواب ايمانه وعقاب معصيته ، فان لم يغفر عقابه اما ابتداء أو بشفاعة ، عوقب بقدر استحقاقه ، ثم نقل الى الجنة فيخلد فيها بقدر استحقاقه.

وليس لقائل أن يقول : ألا جوزتم أن يستحق بكبار الذنوب العقاب الدائم؟

فإن قلتم : كيف يستحق العقاب الدائم من يستحق الثواب الدائم ، وفي أحد المستحقين قطع عن المستحق الأخر؟

قيل لكم : ألا جوزتم أن يثاب أحيانا في الجنة ويعاقب أحيانا في النار ، ويوفر عليه في أوقات عقابه ما فاته منه في أوقات ثوابه ان شاء معاقبته ، فان هذا

__________________

(١) ظ : في.

(٢) الظاهر زيادة «و».

١٤٩

ليس بواجب كالأول ، ثم لا يزال على هذا أبدا سرمدا معاقبا مثابا. فكيف زعمتم أن الدائمين من الثواب والعقاب لا يجتمع استحقاقهما؟

والجواب عن ذلك : ان العقل غير مانع من أن يجري الأمر على ما ذكر في السؤال ، غير أن السمع والإجماع منعا منه ، ولا خلاف بين الأمة على اختلاف مذهبها أن من أدخل الجنة وأثبت فيها لا يخرج الى النار. وإذا كان الإجماع يمنع من هذا التقدير الذي تضمنها السؤال ، فلم يبق بعده الا ما ذكرناه من القطع على أن عقاب المعاصي التي ليست بكفر منقطع.

وانما قلنا أن الشفاعة مرجوة في إسقاط عقاب المعاصي الواقعة من المؤمنين لأن الإجماع حاصل على أن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعة في أمته مقبولة مسموعة.

وحقيقة الشفاعة وفائدتها : طلب إسقاط العقاب عن مستحقه ، وانما يستعمل في طلب إيصال المنافع مجازا وتوسعا ، ولا خلاف في أن طلب إسقاط الضرر والعقاب يكون شفاعة على الحقيقة.

والذي يبين ذلك : أنه لو كان شفاعة على التحقيق ، لكنا شافعين في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنا متعبدون بأن نطلب له عليه‌السلام من الله عزوجل الزيادة من كراماته والتعلية لمنازله ، والتوفير من كل خير بحظوظه ، ولا إشكال في أنا غير شافعين فيه عليه‌السلام لا لفظا ولا معنى.

وليس لهم أن يقولوا : انا لم نمنع القول بأنا شافعوه (١) له ، لنقصان رتبتنا عن رتبته ، والشافع يجزي أن يكون أعلى رتبة من المشفوع فيه ، وذلك لان اعتبار الرتبة منهم (٢) غلط فاحش ، لان الرتبة انما تعتبر بين المخاطب والمخاطب ،

__________________

(١) ظ : شافعون.

(٢) في هامش النسخة : ان الاعتبار منهم للرتبة.

١٥٠

ولا يعتبرها أحد بين المخاطب والمخاطب فيه.

ألا ترى أن الأمر لا بدّ أن يكون أعلى رتبة من المأمور ، والناهي لا بدّ أن يكون أعلى منزله من المنهي ، (١) ولا بمن يتعلق الأمر به من المأمور فيه في كونه منخفض المرتبة أو عالي المكان ، بل الاعتبار في الرتبة بين المتخاطبين.

والشفاعة يعتبر فيها المرتبة ، لكن بين الشافع والمشفوع اليه ، لا يسمى (٢) شافعا إلا إذا كان أحد أدون رتبة من المشفوع وحكم المشفوع فيه في أنه لا اعتبار رتبة حكم المأمور فيه في كلمة (٣).

ومما يدل على شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انما هي في إسقاط العقاب دون إيصال المنافع ، الخبر المتضافر المجمع على قبوله وان كان الخلاف في تأويله من قوله عليه‌السلام «أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي (٤)» فهل تخصيص أهل الكبائر بالشفاعة إلا لأجل استحقاقهم للعقاب.

ولو كانت الشفاعة في المنافع لم يكن لهذا القول معنى ، لأن أهل الكبائر كغيرهم في الانتفاع بدون النفع (٥) ، هذا واضح لمن تأمله.

__________________

(١) الظاهر أن المراد لا اعتبار بالمأمور به في كونه ـ إلخ.

(٢) ظ : ولا.

(٣) ظ : كله.

(٤) بحار الأنوار ٨ ـ ٣٤ ح ٤.

(٥) ظ : في الانتفاع بالنفع.

١٥١

المسألة الخامسة

[القرآن محدث غير مخلوق]

وسأل (أحسن الله توفيقه) عن القرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان القرآن محدث لا محالة ، وأمارات الحدث في الكلام أبين وأظهر منها في الأجسام وكثير من الاعراض ، لأن الكلام يعلم تجدده بالإدراك ، ونقيضه بفقد الإدراك ، والمتجدد لا يكون الا محدثا ، والنقيض لا يكون قديما ، وما ليس بقديم وهو موجود محدث ، فكيف لا يكون القرآن محدثا؟ وله أول وآخر رابعا جزاء جزاء ... (١) أمارات الحدث ، وهو موصوف بأنه منزل ومحكم ، ولا يليق بهذه الأوصاف القديم ، وقد وصفه الله تعالى بأنه عربي ، وأضافه الى العربية ، ومعلوم أن العرب .. (٢) أول فيما أضيف إليها لا بد أن يكون محدثا إذا دل.

__________________

(١) بياض في النسخة ، ولأجله لم يتبين المقصود منه.

(٢) بياض في النسخة ، ولأجله لم يتبين المقصود منه.

١٥٢

وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه محدث مصرحا غير ملوح ، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف.

فأما الوصف للقرآن بأنه مخلوق ، فالواجب الامتناع منه والعدل عن إطلاقه ، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أو مختلق أنه مكذوب مضاف الى غير فاعله ، ولهذا قال الله عزوجل (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ)(١)(وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٢).

ولا فرق بين قول العربي لغيره كذبت ، وبين قوله خلقت كلامك واختلقته ، ولهذا يقولون قصيدة مخلوقة إذا أضيفت الى غير قائلها وفاعلها. وهذا تعارف ظاهر في هذه اللفظة يمنع من إطلاق لفظة «الخلق» على القرآن.

وقد ورد عن أئمتنا عليهم‌السلام في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق، وأنهم عليهم‌السلام قالوا : لا خالق ولا مخلوق (٣).

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال في قصة التحكيم : انني ما حكمت مخلوقا ، وانما حكمت كتاب الله عزوجل (٤).

ويشبه أن يكون الوجه في منع أئمتنا عليهم‌السلام من وصف القرآن بأنه مخلوق ما ذكرناه وان لم يصرحوا عليهم‌السلام به.

__________________

(١) سورة ص : ٧.

(٢) سورة العنكبوت : ١٧.

(٣) التوحيد للصدوق ص ٢٢٣.

(٤) التوحيد للصدوق ص ٢٢٥.

١٥٣

المسألة السادسة

[حكم المخالف في الفروع والأصول]

وسأل (أدام الله تأييده) عن الخلاف في فروع الدين هل يجري مجرى الخلاف في أصول الدين؟ وهل المخالف في الأمرين على حكم واحد الضلال والاحكام؟

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان فروع الدين عندنا كأصوله في أن لكل واحد منهما أدلة قاطعة واضحة لائحة ، وأن التوصل الى العلم بكل واحد من الأمرين يعني الأصول والفروع ممكن صحيح ، وأن الظن لا مجال له في شيء من ذلك ، والا لاجتهاد المفضي إلى الظن دون العلم.

فلا شبهة في أن من خالف في فروع (١) كلف أصابته وإدراك الحق ، ونصبت له الأدلة الدالة عليه والموصلة إليه ، يكون عاصيا مستحقا للعقاب.

فأما الكلام في أحكامه ، وهل له أحكام الكفر أو غيرهم (٢)؟ فطريقه السمع ، ولا مجال لأدلة العقل فيه ، والشيعة والإمامية مطبقة الا من شذ عنها على أن مخالفها في الفروع كمخالفها في الأصول. وهذا نظر وتفصيل يضيق الوقت عنه.

__________________

(١) ظ : فرع.

(٢) ظ : غيرها.

١٥٤

المسألة السابعة

[حكم مرتكب الكبائر من المعاصي]

وسأل (أحسن الله توفيقه) عن شارب الخمر والزاني ومن جرى مجراهما من أهل المعاصي الكبائر ، هل يكونوا كفارا بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لم يستحلوه أما فعلوه؟

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان مرتكبي هذه المعاصي المذكورة على ضربين : مستحل ، ومحرم فالمستحل لا يكون الا كافرا ، وانما قلنا انه كافر ، لإجماع الأمة على تكفيره ، لانه لا يستحل الخمر والزنا مع العلم الضروري بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حرمهما ، وكان من دينه «ص» حظرهما ، الا من هو شاك في نبوته وغير مصدق به ، والشك في النبوة كفر ، فما لا بدّ من مصاحبة الشك في النبوة له كفر أيضا.

فإما المحرم لهذه المعاصي مع الاقدام عليها فليس بكافر ، ولو كان كافرا لوجب أن يكون مرتدا ، لان كفره بعد ايمان تقدم منه ، ولو كان مرتدا لكان ماله مباحا ، وعقد نكاحه منفسخا ، ولم تجز موارثته ، ولا مناكحته ، ولا دفنه في مقابر المسلمين ، لان الكفر يمنع من هذه الأحكام بأسرها.

١٥٥

وهذه المذاهب انما قال به الخوارج ، وخالفوا فيه جميع المسلمين ، والإجماع متقدم لقولهم ، فلا شبهة في أن أحدا قبل حدوث الخوارج ما قال في الفاسق المسلم أنه كافر ولا له أحكام الكفار.

والكلام في هذا الباب قد بيناه وأشبعناه في جواب أهل الموصل.

١٥٦

المسألة الثامنة

[اعتبار الرؤية في الشهور]

وسأل (أحسن الله توفيقه) عن شعبان وشهر رمضان هل تلحقها الزيادة والنقصان؟ فيكون أحدهما تارة ثلاثين وتارة تسعة وعشرين ، وعمن قال : ان الزيادة والنقصان تلحقهما وسائر الشهور ، هل يصير كافرا بذلك أم لا؟

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان الصحيح من المذهب اعتبار الرؤية في الشهور كلها دون العدد ، وأن شهر رمضان كغيره من الشهور في أنه يجوز أن يكون تاما وناقصا.

ولم يقل بخلاف ذلك من أصحابنا إلا شذاذ خالفوا الأصول وقلدوا قوما من الغلاة ، تمسكوا بأخبار رويت عن أئمتنا عليهم‌السلام غير صحيحة ولا معتمدة ولا ثابتة ، ولأكثرها ان صح وجه يمكن تخرجه عليه.

والذي يبين عما ذكرناه ويوضحه : أنه لا خلاف بين المسلمين في أن رؤية الأهلة معتبرة ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يطلب الأهلة ، وأن المسلمين

١٥٧

في ابتداء الإسلام إلى وقتنا هذا يطلبون رؤية الهلال ويعتمدونها ، ولو كان العدد معتبرا معتمدا ، لكان هذا من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفعل المؤمنين عبثا لا طائل فيه ولا حكم يتعلق به.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من عدة طرق ما هو شائع ذائع صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما (١).

فجعل الرؤية المقدمة ، وجعل العدد مرجوعا بعد تعذر الرؤية. وهذا تصريح بخلاف من يذهب على العدد ولا يعتبر الرؤية.

وقال الله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(٢) وليس يكون ميقاتا الا بأن تكون الرؤية معتبرة ، ولو كان مذهب أهل العدد صحيحا ليسقط (٣) حكم المواقيت بالأهلة.

وروى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : إذا رأيت الهلال فصم ، فإذا رأيته فأفطره(٤).

وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إذا رأيتم الهلال فصوموا فإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالظن ولا بالظن (٥).

وروى الفضيل بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : ليس على أهل القبلة إلا الرؤية ، وليس على المسلمين إلا الرؤية (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٨٥.

(٢) سورة البقرة : ١٨٩.

(٣) ظ : لسقط.

(٤) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٨٢ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٨٢ ح ٢ وفيه : ليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية.

(٦) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٨٤ ح ١٢.

١٥٨

وكتب أصحابنا وأصولهم مشحونة بالأخبار الدالة على اعتبار الرؤية دون غيرها.

فأما تعلق المخالف في هذا الباب بما يروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام من أنه : ما تمّ شعبان قط ولا نقص رمضان قط (١). وهذا شاذ ضعيف لا يلتفت الى مثله.

ويمكن ان صح أن يكون له وجه يطابق الحق ، وهو أن يكون المراد بنفي النقصان عن شهر رمضان نقصان الفضيلة والكمال وثواب الأعمال الصالحة فيه. ومعلوم أنه أفضل الشهور وأشرفها ، وأن الاعمال فيه أكثر ثوابا وأجمل موقعا.

ونفي التمام عن شعبان أيضا يكون محمولا على هذا المعنى ، لأنه بالإضافة إلى شهر رمضان أنقص وأخفض بالتفسير الذي قدمناه.

فأما ما تضمنه السؤال من تكفير من قال ان شهر رمضان وشعبان تلحقهما الزيادة والنقصان كسائر الشهور ، أن الصحيح هو المذهب الذي ذكرناه دون ما عداه.

والكلام في تكفير من قال الى (٢) الفروع بخلاف الحق قد تقدم بيانه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٩٥.

(٢) ظ : في.

١٥٩

المسألة التاسعة

[حكم شرب الفقاع]

وسأل (أدام الله تسديده) عن شرب الفقاع هل هو حرام؟ وعن مستحل شربه كيف صورته؟

الجواب :

وبالله التوفيق.

ان المعتمد في تحريم شرب الفقاع على إجماع الشيعة الإمامية ، إذ هم لا يختلفون في تحريمه ، وإيجاب الحد على شاربه.

وهذا معلوم من دينهم ضرورة ، كما أنه معلوم من دينهم تحريم سائر المسكرات من الأشربة. وإجماع أهل الحق حجة في الدين ، والاخبار الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام من قبل متظاهرة فاشية شائعة لو لا خوف التطويل لذكرناها.

وليس ينبغي أن يعجب من تحريم شربه وهو غير مسكر ، لان التحريم غير واقف على الإسكار ، وانما هو بحسب ما يعلمه الله تعالى من الصلاح والفساد

١٦٠