أصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه

الشيخ جعفر السبحاني

أصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-155-6
الصفحات: ٣٩٤

الأصل الثالث

أصالة الاحتياط

قد تقدّم في الفصل الأوّل مجرى الاحتياط وهو ما إذا قام دليل عقلي أو نقلي على ثبوت العقاب بمخالفة الواقع ، وله صور أربع :

أ. الشبهة التكليفية قبل الفحص.

ب. الشبهة البدوية ولكن كان للمحتمل أهمية بالغة ، كما في الدماء والأعراض والأموال.

ج. إذا دار الأمر بين وجوب فعل وترك فعل آخر.

د. إذا علم نوع التكليف وتردّد الواجب بين أمرين ، كتردد الفريضة بين الظهر والجمعة ، والخمر بين الإناءين. والثلاثة الأُول من قبيل الشك في التكليف مع وجوب الاحتياط فيها ، والرابع من قبيل الشكّ في المكلّف به.

ومن هنا علم أنّ مجرى أصالة الاحتياط أعمّ من الشكّ في المكلّف به ، والميزان قيام الدليل العقلي أو النقلي على وجود العقاب عند المخالفة والجميع داخل تحت هذا العنوان ، وبما انّ حكم الصور الثلاث الأُول واضحة ، نكرس البحث في الصورة الرابعة ، أي الشكّ في المكلّف به ، والكلام فيه في مقامين :

١. اشتباه الحرام بغير الواجب ، ويعبّر عنه بالشبهة التحريمية.

٢. اشتباه الواجب بغير الحرام ، ويعبّر عنه بالشبهة الوجوبية.

وإليك الكلام في كلا المقامين :

٦١

المقام الأوّل

أصالة الاحتياط

الشبهة التحريمية

الشبهة التحريمية على قسمين : لأنّ الحرام المشتبه بغيره إمّا مشتبه في أُمور محصورة أو غير محصورة ، فيقع الكلام في هذا المقام في موردين :

المورد الأوّل : حكم الشبهة المحصورة

إذا علم المكلّف بتكليف (الحرمة) على وجه لا يرضى المولى بمخالفته ، فلا محيص عن وجوب الموافقة القطعية ، فضلا عن حرمة المخالفة القطعية ، سواء أكان العلم إجمالياً أم تفصيلياً ، فالبحث عن إمكان جعل الترخيص لبعض الأطراف أو لجميعها مع العلم الوجداني بالتكليف الجدي تهافت ، لاستلزامه اجتماع الإرادتين المتضادتين ، وهذا كمثل قتل المؤمن إذا اشتبه بغيره ، وهذا النوع من العلم الإجمالي غير مراد في المقام.

وأمّا المناسب للمقام ، فهو ما إذا قامت الأمارة على حرمة شيء وشمل إطلاق الدليل مورد العلم الإجمالي ، كما إذا قال : اجتنب عن النجس ، وكان مقتضى إطلاقه شموله للنجس المعلوم إجمالاً أيضاً ، فيقع الكلام في أنّه هل يجوز

٦٢

المخالفة الاحتمالية أو لا؟

وعلى هذا يقع الكلام في أمرين :

الأول : إمكان الترخيص.

الثاني : في وقوعه في الشريعة المطهرة.

الأوّل : إمكان الترخيص

فالحقّ إمكانه لأنّك عرفت أنّ ما لا يقبل الترخيص هو العلم الوجداني بالتكليف وهو الذي لا يجتمع مع الترخيص لاستلزامه اجتماع الإرادتين المتناقضتين.

وأمّا لو كان سبب العلم بالتكليف هو إطلاق الدليل أعني : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١) الشامل للصور الثلاث.

أ. المعلوم تفصيلاً.

ب. المعلوم إجمالاً.

ج. المشكوك وجوداً مع وجوده واقعاً.

فكما يصحّ تقييد إطلاقه بإخراج المشكوك وجعل الترخيص فيه ، فهكذا يجوز تقييد إطلاقه بإخراج صورة المعلوم بالإجمال ، فتكون النتيجة اختصاص حرمة الخمر بصورة العلم به تفصيلاً ، فالشكّ في إمكان التقييد كأنّه شكّ في أمر بديهي ، إنّما الكلام في الأمر الثاني.

__________________

(١) المائدة : ٩٠.

٦٣

الثاني : في ورود الترخيص في لسان الشارع

وهذا هو الأمر المهم في هذا الباب ، والمتتبع للروايات وفتاوى العلماء يقف على عدم ورود الترخيص لبعض الأطراف ، فكيف بجميعها.

نعم ربما استدلّ ببعض الروايات على جعل الترخيص نذكر منها ما يلي :

الأوّل : قوله «كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه» بناء على أنّ قوله «بعينه» تأكيد للضمير في قوله : «انّه» فيكون المعنى حتى تعلم أنّه بعينه حرام ، فيكون مفاده انّ محتمل الحرمة ما لم يتعين انّه بعينه حرام فهو حلال فيعم العلم الإجمالي والشبهة البدوية.

يلاحظ عليه : بأنّ الرواية جزء من رواية مسعدة بن صدقة ، والإمعان في الأمثلة الواردة فيها يورث اليقين بأنّ موردها هو الشبهة البدوية ولا صلة لها بأطراف العلم الإجمالي.

الثاني : ما رواه عبد الله بن سنان ، عن عبد الله بن سليمان ، قال : سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الجبن ، فقال لي : «لقد سألتني عن طعام يُعجبني» ثمّ أعطى الغلام درهماً ، فقال : «يا غلام ابتع لنا جبناً» ، ثمّ دعا بالغداء ، فتغدّينا معه ، فأتى بالجبن فأكل وأكلنا ، فلمّا فرغنا من الغذاء ، قلت : ما تقول في الجبن ... إلى أن قال : «سأخبرك عن الجبن وغيره ، كلّما كان فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه». (١)

وربّما يستدلّ به على جواز الترخيص في أطراف العلم الإجمالي لكن الرواية ناظرة إلى الشبهة غير المحصورة ، إذ كان في المدينة المنورة أمكنة كثيرة تُجعل الميتة في الجبن ، وكان هذا سببَ السؤال ، فأجاب الإمام (عليه‌السلام) بما سمعت.

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ١.

٦٤

ويشهد على ذلك ما رواه أبو الجارود ، قال : سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) في الجبن ، فقلت له : أخبرني مَنْ رأى أنّه يجعل فيه الميتة فقال : «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة ، حرّم في جميع الأرضين».

فخرجنا بالنتيجة (١) التالية : انّ الروايتين المرخِّصتين خارجتان عن محطّ البحث ، وانّ العلم الإجمالي بالتكليف منجّز مطلقاً سواء أكان علماً قطعياً ، أم حاصلاً من إطلاق الدليل ، فتحرم مخالفته القطعية كما تجب موافقته القطعية.

المورد الثاني : حكم الشبهة غير المحصورة

قد عرفت أنّ الشبهة التحريمية الموضوعية تنقسم إلى محصورة وغير محصورة ، وقد عرفت حكم الأُولى ، وإليك الكلام في الثانية ، فيقع الكلام تارة في معيار كون الشبهة غير محصورة وأُخرى في حكمها.

أمّا الأوّل : فقد عُرّفت الشبهة غير المحصورة بتعاريف أفضلها كثرة الوقائع المحتملة للتحريم إلى درجة لا يعتني العقلاء بالعلم الإجمالي الحاصل فيها ، ألا ترى أنّ المولى إذا نهى عبده عن المعاملة مع زيد ، فعامل مع واحد من أهل قرية كثيرة الأهل يعلم وجود زيد فيها لم يكن ملوماً وإن صادف الواقع ، وقد ذكر انّ المعلوم بالإجمال قد يؤثر مع قلّة الاحتمال ، ما لا يؤثّر مع الانتشار وكثرة الاحتمال ، كما إذا نهى المولى عن سبّ زيد وهو تارة مردّد بين اثنين وثلاثة ، وأُخرى بين أهل بلدة ونحوها. (٢)

وأمّا الثاني أي حكمها ، فإنّ عنواني المحصورة وغير المحصورة لم يردا في

__________________

(١) (الوسائل : ١٧ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٥.)

(٢) الفرائد : ٢٦١.

٦٥

النصوص لكنّ العنوان الأوّل مشير إلى تنجيز العلم الإجمالي لاعتناء العقلاء بالعلم فيها لقلة الأطراف ، والعنوان الثاني مشير إلى عدم تنجيزه لعدم اعتنائهم بالتكليف فيه لصيرورته موهوماً في كلّ طرف ، وهذا هو الدليل القاطع على عدم التنجيز.

هذا مضافاً إلى أنّ الاجتناب عن الأطراف في الثاني يوجب العسر ، والتبعيض في الارتكاب إلى حدّ العسر غير خال عن العسر أيضاً.

على أنّ هناك روايات في أبواب مختلفة تدلّ على إمضاء الشارع بناء العقلاء ، وهذه الروايات مبثوثة في أبواب أربعة.

١. ما ورد حول الجبن. (١)

٢. ما ورد حول شراء الطعام والأنعام من العامل الظالم. (٢)

٣. ما ورد حول قبول جائزة الظالم. (٣)

٤. ما ورد حول التصرف في المال الحلال المختلط بالربا. (٤)

ولعلّ هذه الروايات مع بناء العقلاء والسيرة الجارية بين المتشرعة كافية في رفع اليد عن إطلاق الدليل لو قلنا بأنّ له إطلاقاً لصورة اختلاط الحرام بين كثير من الحلال.

__________________

(١) (انظر الوسائل : ٧ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة.)

(٢) (الوسائل : ١٢ ، الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١ ، ٣ ، ٥.)

(٣) (الوسائل : ١٢ ، الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ ؛ والباب ٥٣ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢ و ٣.)

(٤) الوسائل : ١٢ ، الباب ٥ من أبواب الربا ، الحديث ٢ و ٣.

٦٦

المقام الثاني

أصالة الاحتياط

الشبهة الوجوبية

قد عرفت أنّ الشكّ في المكلّف به ينقسم إلى شبهة تحريمية وإلى شبهة وجوبية ، وقد تمّ الكلام في الأُولى.

بقي الكلام في الشبهة الوجوبية من المكلّف به فهي تنقسم إلى قسمين ، تارة يكون الشكّ مردداً بين المتباينين كتردد الأمر بين وجوب الظهر أو الجمعة.

وأُخرى بين الأقل والأكثر كتردد الواجب بين الصلاة مع السورة أو بدونها. وبذلك يقع الكلام في موضعين.

ولما كان حكم المتباينين واضحاً وهو وجوب الاحتياط فيهما نقتصر في المقام من الشبهة الوجوبية على الأقل والأكثر.

ثمّ إنّ الأقل والأكثر ينقسمان إلى الاستقلاليين والارتباطيين ، والفرق بينهما بأنّ الأقل الاستقلالي يغاير الأكثر الاستقلالي على فرض وجوبه حكماً ووجوباً ، ملاكاً وغرضاً ، طاعة وامتثالاً ، كالفائتة المرددة بين الواحد والكثير ، والدّين المردّد بين الدرهم والدرهمين ، بخلاف الأقل الارتباطي فانّه على فرض وجوب الأكثر ، متحد معه حكماً ووجوباً ، ملاكاً وغرضاً ، طاعة وامتثالاً ، ولا استقلال له في

٦٧

شيء من الأُمور الثلاثة ، كالشكّ في وجوب الصلاة مع السورة وعدمها.

ثمّ إنّ المشكوك في الشبهة الوجوبية يكون تارة الجزء الخارجي كالسورة والقنوت وجلسة الاستراحة بعد السجدتين ، وأُخرى الشرط أي الخصوصية المعتبرة في العبادة ، المنتزعة من الأمر الخارجي كالطهارة الحاصلة عن الغسلات والمسحات بنيّة التقرب ، وثالثة الخصوصية المتحدة مع المأمور به ، كما إذا دار أمر الواجب بين مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة ، أو دار أمر الواجب بين واحد معين من الخصال أو المردد بين الأُمور الثلاثة ، وحكم الجميع واحد.

والأقوال في المقام لا تتجاوز عن ثلاثة :

أ. جريان البراءة العقلية والشرعية.

ب. القول بالاحتياط وعدم جريانهما.

ج. التفصيل بين العقلية والشرعية تجري الأُولى دون الثانية.

ولكن الحقّ جريانهما معاً ، وقد استدل على البراءة العقليّة بوجوه مختلفة نذكر منها وجهاً واحداً وهو أوضح الوجوه.

وهو انّ الأمر وإن تعلق بعنوان الصلاة لكنّها ليست شيئاً مغايراً للأجزاء ، بل هو عبارة أُخرى عن نفس الأجزاء لكن بصورة الجمع والوحدة في التعبير. وذلك لأنّ الأجزاء تارة تلاحظ بصورة الكثرة بملاحظة كلّ جزء مستقلاً مع جزء آخر ، وأُخرى تلاحظ بنعت الجمع وفي لباس الوحدة ، والعنوان المشير إلى ذات الأجزاء بهذا النعت هو عنوان الصلاة. وهي نفس الأجزاء في لحاظ الوحدة وعلى نحو الجمع في التعبير.

إذا علمت ذلك فنقول : إنّ الحجة قامت على وجوب العنوان نحو قوله : «أقم الصلاة» وقيام الحجّة عليه نفس قيامها على الأجزاء ، وقد عرفت أنّ

٦٨

نسبة الصلاة إليها نسبة المجمل إلى المفصّل لكن الاحتجاج بالعنوان على وجوب الأجزاء إنّما يصحّ فيما إذا علم انحلاله إلى جزء وجزء حتى يكون داعياً إليه ، وأمّا إذا جُهلت جزئية الشيء فلا يكون الأمر به ، حجّة عليها وداعياً إليها ضرورة انّ قوام الاحتجاج بالعلم ، والعلم بتعلّق الأمر المركب ، إنّما يكون حجّة على الأجزاء التي علم تركب المركب منها دون ما لا يكون.

وإن شئت نزّل المقام على ما إذا تعلّق الأمر بالأجزاء بلا توسط عنوان ، فكما أنّه لا يحتج إلّا على الأجزاء المعلومة دون المشكوكة ، فهكذا المقام فانّ الأمر وإن تعلق بالعنوان مباشرة دونها ، لكنّك عرفت أنّ نسبة العنوان إليها نسبة المجمل إلى المفصل ، فالأجزاء في مرآة الإجمال ، عنوان ؛ وفي مرآة التفصيل ، أجزاء.

وعلى ضوء ذلك : انّ العبد إذا بذل جهده للعثور على الأجزاء التي ينحلّ العنوان إليها ، فلم يقف إلّا على التسعة منها دون الجزء العاشر المحتمل ، يستقل العقل بأنّه ممتثل حسب قيام الحجة ويعدّ العقاب على ترك الجزء المشكوك عقاباً بلا بيان.

وبعبارة موجزة : انّ العقل يستقل بقبح مؤاخذة مَنْ أمر بمركب لم يُعلَم من أجزائه إلّا عدّة أجزاء ، ويشكّ في وجود جزء آخر ، ثمّ بذل جهده في طلب الدليل على جزئية ذلك الأمر ، فلم يعثر فأتى بما علم وترك المشكوك ، خصوصاً مع اعتراف المولى بعدم نصب قرينة عليه ، فكما تقبح المؤاخذة فيما إذا لم ينصب قرينة فهكذا تقبح فيما إذا نصب ولكن لم تصل إلى المكلّف بعد الفحص وهذا تقرير للبراءة العقلية.

وبهذا يعلم جريان البراءة الشرعية حيث إنّ تعلّق الوجوب الشرعي بالنسبة إلى الجزء أو الشرط أو القيد مجهول فيشمله حديث الرفع وغيره من أدلّة البراءة

٦٩

الشرعية.

ومن هنا يعلم أنّ المرجع في الأقل والأكثر هو البراءة من غير فرق بين أن يكون منشأ الشك فقدان النص كما علمت أو إجمال النص ، كما إذا دلّ الدليل على غسل ظاهر البدن ويشك في أنّ الجزء الفلاني داخل فيه أو لا ، أو تعارض النصين ، كما إذا دلّ دليل على جزئية السورة ، وأُخرى على عدم جزئيتها ، فالمرجع حسب القاعدة الأُولى هو البراءة ، غير أنّ الأدلة الشرعية دلّت على التخيير بين الدليلين عند عدم المرجح.

أو كان منشأ الشك خلط الأُمور الخارجية ، كما إذا أمر بتكريم مجموع العلماء على نحو العام المجموعي بأن يكون هناك وجوب واحد وإطاعة واحدة فشكّ في كون زيد عالماً أو لا. فالمرجع هو البراءة ، لأنّ الشكّ في كون زيد عالماً يرجع إلى الشكّ في كون الموضوع ذا أجزاء كثيرة أو قليلة فيكون حكمه ، حكم الأقل والأكثر الارتباطيين.

خاتمة : في شرائط العمل بالاحتياط والبراءة

والمراد من الشرائط ما هو شرط لجريانهما دون جواز العمل بهما ، والفرق بينهما واضح ، لأنّ الشرائط على قسمين :

الأوّل : ما يكون وجوده محقِّقاً لموضوع الأصل بحيث لولاه لما كان هناك محلّ للأصل.

الثاني : ما يكون وجوده شرطاً للعمل بالأصل على وجه يكون الأصل جارياً ، ولكن لا يعمل به إلّا مع هذا الشرط ، وإليك الكلام في كلا الشرطين على وجه الإيجاز.

٧٠

أصل الاحتياط وشروط جريانه

لا شكّ في حسن الاحتياط لكونه طريقاً لتحصيل الحقّ والعمل به والعقل حاكم بحسنه ، ولا يشترط فيه سوى أمرين :

١. عدم استلزامه لاختلال النظام.

٢. عدم مخالفته لاحتياط آخر.

وأمّا موارده فتنحصر في المواضع التالية :

١. الاحتياط المطلق فيما إذا لم يكن هنا علم إجمالي ولا حجّة شرعية ، كالشبهة البدويّة.

٢. الاحتياط فيما إذا كان هناك علم وجداني إجمالي.

٣. الاحتياط إذا كانت هناك حجّة شرعية لها إطلاق بالنسبة إلى المعلوم بالتفصيل والمعلوم بالإجمال.

أصل البراءة وشرط جريانه

لا يشترط في جريان البراءة في الشبهات الحكمية إلّا الفحص عن الدليل الاجتهادي ، لأنّ البيان الرافع لقبح العقاب هو البيان الواصل هذا من جانب.

ومن جانب آخر ليس المراد من الواصل هو إيصاله إلى كلّ واحد بدقّ باب بيته وإعطائه البيان ، بل المراد وجود البيان في مظانّه على وجه لو أراد لوقف عليه ، وعلى هذا فوجود البيان عند الرواة أو حملة العلم أو في الجوامع الحديثية كاف في رفع القبح ومع احتماله فيها لا يستقل العقل بالقبح ما لم يتفحّص.

وأمّا الشبهات الموضوعية ، فالظاهر تسالم الأُصوليين على عدم وجوب الفحص ، ولكنّه على إطلاقه غير صحيح ، وإنّما لا يحتاج إلى الفحص إذا كان

٧١

تحصيل العلم منوطاً بمقدّمات بعيدة.

وأمّا إذا كان العلم بالواقع ممكناً بأدنى نظر ، كالنظر إلى الأُفق فيمن شكّ في دخول الفجر فيجب عليه الفحص ، ومثله إذا شكّ في بلوغ الأموال الزكوية حدّ النصاب ، أو الشكّ في زيادة الربح على المئونة ، أو الشكّ في حصول الاستطاعة المالية للحج ، أو الشكّ في مقدار الدين مع العلم بضبطه في السجلّات ، إلى غير ذلك من الشبهات الموضوعية التي يحصل العلم بها بأدنى تأمّل.

٧٢

الأصل الرابع

الاستصحاب (١)

الاستصحاب أحد الأُصول الأربعة العامة الذي له دور كبير في استنباط الوظيفة العملية ، ولم يزل يُتمسك به بين الفقهاء من عصر أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) إلى يومنا هذا ، ويتميز عن سائر الأُصول الثلاثة بوجود الحالة السابقة وملاحظتها.

أمّا وجود الحالة السابقة فهو أساس الاستصحاب ، وأمّا اشتراط كونها ملحوظة ، فلأجل انّه ربّما لا تكون الحالة السابقة معتبرة عند الشارع بأن تكون حجة في استنباط الوظيفة العملية كما سيوافيك موارده.

وقبل الخوض في المقصود نقدّم أُموراً :

الأوّل : الاستصحاب في اللغة أخذ الشيء مصاحَباً أو طلب صحبته ، وفي الاصطلاح «إبقاء ما كان على ما كان» والمعروف بين المتأخرين أنّ الاستصحاب أصل كسائر الأُصول وإن كانت مرتبته متقدّمة على سائر الأُصول العملية لكن الظاهر من قدماء الأُصوليين أنّه أمارة ظنية ، فكأنّ اليقين السابق بالحدوث أمارة ظنية لبقاء الشيء في ظرف الشك ، إذ ليس المراد من الشك هو الشكّ المنطقي أعني به تساوي الطرفين حتى ينافي الظن بالبقاء ، بل المراد احتمال

__________________

(١) وهذا الأصل معتبر عند الفريقين فيما لا نصّ فيه.

٧٣

الخلاف الجامع مع الظن بالبقاء.

وأمّا المتأخرون فلم يعتبروه أمارة ظنية بل تلقّوه أصلاً عملياً وحجّة في ظرف الشك ، واستدلّوا عليه بروايات ستوافيك.

الثاني : الاستصحاب مسألة أُصولية لا قاعدة فقهية ، وذلك لأنّ المعيار في تمييز المسائل الأُصولية عن القواعد الفقهية هو محمولاتها.

توضيحه : انّ المحمول في القواعد الفقهية لا يخلو إمّا أن يكون حكماً فرعيّاً تكليفيّاً كالوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة ، أو حكماً فرعيّاً وضعيّاً كالضمان والصحّة والبطلان. مثلاً قوله : «كل شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» قاعدة فقهية بحكم أنّ المحمول هو الحليّة ، التي هي من الأحكام الفرعية التكليفية ، كما أنّ قوله : «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» قاعدة فقهية ، لأنّ المحمول فيها هو الضمان وهو حكم وضعي ، ومثله قوله : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود». (١) فإنّ المحمول هو البطلان في الخمسة والصحّة في غيرها. هذا هو ميزان القاعدة الفقهية.

وأمّا القاعدة الأُصولية فتختلف محمولاً عن القاعدة الفقهية ، فالمحمول فيها ليس حكماً شرعياً تكليفياً أو وضعياً ، بل يدور حول الحجّية وعدمها ، فنقول : الظواهر حجّة ، الشهرة العملية حجّة ، خبر الواحد حجّة ، أصل البراءة والاحتياط والاستصحاب ، كلٌّ حجّة في ظرف الشك.

وإن شئت قلت : الغاية من إثبات الصغرى هي احتجاج المولى به على العبد. وروح المسألة عبارة عن كون الأمر حجّة في الوجوب أو لا.

الثالث : قد تضافرت الأخبار عن أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) مضمون «أنّ اليقين

__________________

(١) الوسائل : ٤ ، الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ٤.

٧٤

لا يُنقض بالشك» ، وظاهره اجتماعهما في زمان واحد وعدم نقض أحدهما الآخر ، وهو في بادئ النظر أمر غريب ، لأنّهما لا يجتمعان حتى لا ينقض أحدُهما الآخر ، لأنّ اليقين هو الجزم بشيء ، والشكّ هو التردّد وانفصام الجزم ، فكيف يجتمعان؟!

والجواب : أنّ اليقين والشكّ لا يجتمعان إذا كان المتعلّق واحداً ذاتاً وزماناً ، كما إذا فرضنا انّه تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة ثمّ شكّ في نفس ذلك اليوم في عدالته ، ففي مثله لا يمكن اجتماع اليقين والشكّ ، فعند ما يكون متيقناً لا يمكن أن يكون شاكاً وبالعكس.

وأمّا إذا كان متعلقاهما متحدين جوهراً ، ومتغايرين زماناً ، فاليقين والشكّ يجتمعان قطعاً ، مثلاً لو تيقن بعدالة زيد يوم الجمعة لكن صدر منه يوم السبت فعلٌ شكَ معه في بقاء عدالته في ذلك اليوم ، ففي هذا الظرف يجتمع اليقين والشكّ فهو في آن واحد متيقن بعدالة زيد يوم الجمعة لا يشك فيه أبداً ، وهو في الوقت نفسه شاك في عدالته يوم السبت ، وبذلك صحّ اجتماع اليقين والشكّ في زمان واحد لتغاير المتعلّقين زماناً ، وإلى ذلك يؤول قولهم في باب الاستصحاب «اليقين يتعلّق بالحدوث والشكّ بالبقاء» فمقتضى الاستصحاب إبقاء عدالة زيد يوم الجمعة إلى يوم السبت وترتيب أثر العدالة في كلا الزمانين.

وبذلك علم أنّ الاستصحاب يتقوّم بأمرين :

أ. فعليّة اليقين في ظرف الشكّ ، ووجودهما في آن واحد في وجدان المستصحِب.

ب. وحدة متعلّقهما جوهراً وذاتاً ، وتعدده زماناً بسبق زمان المتيقن على المشكوك.

٧٥

الرابع : الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين

إنّ في مصطلح الأُصوليين قاعدة موسومة بقاعدة اليقين والشك الساري لسريان الشكّ إلى نفس اليقين كما إذا تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة ثم طرأ عليه الشكّ يوم السبت في عدالة زيد في نفس يوم الجمعة (لا السبت) وقد تبيّن بذلك أركان قاعدة اليقين :

أ. عدم فعلية اليقين في ظرف الشك.

ب. وحدة متعلقهما جوهراً وزماناً ، حيث تعلّق الشكّ بنفس ما تعلّق به اليقين وهو عدالة يوم الجمعة.

والمعروف بين الأصحاب أنّ الاستصحاب حجّة دون قاعدة اليقين. وانّ روايات الباب منطبقة على الأوّل دون الثانية كما ستوافيك.

الخامس : انّ هنا قاعدة ثالثة وهي قاعدة المقتضي والمانع التي تغاير القاعدتين الماضيتين وتختلف عنهما باختلاف متعلّق اليقين والشك جوهراً وذاتاً فضلاً عن الاختلاف في الزمان.

مثلاً إذا تيقن بصبِّ الماء على اليد للوضوء ، وشك في تحقّق الغَسْل للشك في المانع. أو تيقن برمي السهم وشكّ في القتل للشك في وجود المانع ، فمتعلّق اليقين غير متعلّق الشكّ بالذات ، حيث تعلّق اليقين بصبّ الماء والرمي ، وتعلّق الشكّ بوجود الحاجب والمانع.

نعم يتولد من هذا اليقين والشكّ ، شك آخر ، وهو الشكّ في حصول المقتضى أعني : الغَسْل والقَطْع ، والقائل بحجّية تلك القاعدة يتمسك بأصالة عدم المانع والحاجب ويثبت بذلك الغَسل أو القطع. بحجّة انّ المقتضي موجود ،

٧٦

والمانع مرفوع بالأصل فيكون «المقتضى» محقّقاً. وربما حاول تطبيق روايات الباب على تلك القاعدة. (١)

والمشهور أعرضوا عن تلك القاعدة بحجّة عدم الدليل عليها.

السادس : تقسيمات الاستصحاب

إنّ للاستصحاب تقسيمات ، تارة باعتبار المستصحَب ، وأُخرى باعتبار الشكّ المأخوذ فيه ، وإليك البيان :

١. تقسيمه باعتبار المستصحَب

ينقسم الاستصحاب باعتبار المستصحَب إلى الأقسام التالية :

ألف. أن يكون المستصحَب أمراً وجوديّاً أو عدميّاً ، كاستصحاب الكرّية إذا كان الماء مسبوقاً بها ، أو عدم الكرّية إذا كان مسبوقاً به.

ب. أن يكون المستصحَب حكماً شرعيّاً تكليفيّاً سواء أكان كليّاً كاستصحاب حليّة المتعة ، أم جزئياً كاستصحاب وجوب الإنفاق على الزوجة المعيّنة إذا شكّ في كونها ناشزة.

ج. أن يكون المستصحَب حكماً شرعيّاً وضعياً لا تكليفياً كاستصحاب الزوجية ، والجزئية ، والمانعية والشرطية ، والسببية عند طروء الشك في بقائها.

د. أن يكون المستصحب موضوعاً لحكم شرعي ، سواء كان موضوعاً لحكم شرعي تكليفي ، أو موضوعاً لحكم وضعي ، وهذا كاستصحاب حياة زيد ، فتترتب عليه حرمة قسمة أمواله ، وبقاء علقة الزوجية بينه وبين زوجته.

__________________

(١) لاحظ تعليقة المحقّق الخراساني على الفرائد : ١٩٥ عند البحث عن مفاد «لا تنقض».

٧٧

٢. تقسيمه باعتبار الشك

ينقسم الاستصحاب باعتبار الشكّ المأخوذ فيه إلى الأقسام التالية :

أ. أن يتعلّق الشكّ باستعداد المستصحَب للبقاء في الحالة الثانية ، كالشكّ في بقاء نجاسة الماء ، المتغيّرِ أحدُ أوصافه الثلاثة ، بالنجس ، إذا زال تغيره بنفسه ، حيث إنّه يتعلّق الشكّ بمقدار استعداد النجاسة للبقاء ، بعد زوال تغيّره بنفسه ، ومثله الشكّ في بقاء الليل أو النهار ، حيث إنّه يتعلّق بمقدار استعدادهما للبقاء من حيث الطول والقِصَر ، وهذا ما يسمّى بالشكّ في المقتضي.

ب. وأُخرى يتعلّق بطروء الرافع مع إحراز قابلية بقاء المستصحب ودوامه لولاه ، وهو على أقسام :

١. أن يتعلّق الشكّ بوجود الرافع ، مع إحراز قابلية بقائه ودوامه لو لا الرافع ، كما إذا شكّ في وجود الحدث بعد الوضوء.

٢. أن يتعلّق الشكّ برافعية الأمر الموجود للجهل بحكمه ، كالمذي الخارج من الإنسان ، فيشك في أنّه رافع للطهارة مثل البول أو لا؟ فيرجع الشكّ إلى رافعية الأمر الموجود للجهل بحكمه.

٣. أن يتعلّق الشكّ برافعية الأمر الموجود للجهل بوصفه وحاله ، كالبلل المردّد بين البول والوذي مع العلم بحكمهما.

هذه هي التقسيمات الرئيسيّة ، وهناك تقسيمات أُخرى تركنا ذكرها للاختصار.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه استدلّ على حجّية الاستصحاب بوجوه مختلفة أصحّها هو الأخبار المتضافرة في المقام ، منها :

٧٨

١. صحيحة زرارة

روى الكليني ، عن زرارة ، عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع ، وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها أُخرى ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك». (١)

وجه الاستدلال : الظاهر انّ قوله : «ولا ينقض اليقين بالشك» علّة للأمر بإضافة ركعة أُخرى ، فكأنّه يقول : يأتي بركعة أُخرى ولا شيء عليه ، لأنّه كان على يقين بعدم الإتيان بها فليمض على يقينه.

نعم ظاهر قوله : «فأضاف» أنّه يأتي بالركعة الاحتياطيّة متصلة ، مع أنّ الفتوى على الانفصال ، فتُرفع اليد عن هذا الظاهر بقرينة إجماع الطائفة على الانفصال.

٢. موثّقة إسحاق بن عمّار

روى الصدوق باسناده ، عن إسحاق بن عمار ، قال : قال لي أبو الحسن الأوّل : «إذا شككت فابن على اليقين» ، قال : قلت : هذا أصل؟ قال : «نعم». (٢)

وجه الاستدلال : أنّ ظاهر الكلام فعليّة اليقين والشكّ ، فهو في آن واحد ذو يقين وشك ، فينطبق على الاستصحاب.

وأمّا قاعدة اليقين ، فالشكّ فيها فعلي دون اليقين بل هو زائل كما مرّ في توضيح القاعدة.

__________________

(١) (الوسائل : ٥ ، الباب ١٠ من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث ٣ ، رواه عن علي بن إبراهيم الثقة عن أبيه ، الذي هو فوق الثقة ، عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة وكلّهم ثقات.)

(٢) الوسائل : ٥ ، الباب ٨ من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث ٢. وسند الصدوق إلى إسحاق بن عمار صحيح في المشيخة.

٧٩

أضف إلى ذلك أنّ الرواية ظاهرة في الاستصحاب بقرينة وحدة لسانها مع سائر الروايات.

٣. مكاتبة القاساني

كتب علي بن محمد القاساني إلى أبي محمد (عليه‌السلام) ، قال : كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، هل يصام أم لا؟ فكتب : «اليقين لا يدخل فيه الشك ، صم للرؤية وأفطر للرؤية». (١)

وجه الاستدلال : أنّ المراد من اليقين ، إمّا هو اليقين بأنّ الزمان الماضي كان من شعبان فشكّ في خروجه بحلول اليوم التالي ، أو اليقين بعدم دخول رمضان وقد شكّ في دخوله. وعلى كلا التقديرين لا يكون اليقين السابق منقوضاً بالشك. وهذا هو المراد من قوله : «اليقين لا يدخل فيه الشك».

٤. صحيحة عبد الله بن سنان

روى الشيخ بسند صحيح عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) وأنا حاضر : إنّي أُعير الذمِّي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمرَ ، ويأكل لحم الخنزير ، فيردّها عليّ أفأغسِلُه قبل أن أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : «صلّ فيه ولا تَغْسله من أجل ذلك ، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجّسه». (٢)

__________________

(١) (الوسائل : الجزء ٧ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٣.)

(٢) الوسائل : ٢ ، الباب ٧٤ من أبواب النجاسات ، الحديث ١. رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبد الله القمي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى المتوفّى نحو ٢٨٠ ه‍ ، عن الحسن بن محبوب المتوفّى عام ٢٢٤ ه‍ ، عن عبد الله بن سنان ، وسند الشيخ إلى سعد بن عبد الله صحيح في التهذيبين ، لاحظ آخر الكتاب الذي ذكر فيه أسانيده إلى أصحاب الكتب التي أخذ الأحاديث منها.

٨٠