أصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه

الشيخ جعفر السبحاني

أصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-155-6
الصفحات: ٣٩٤

٦

ظاهرة عدم النصّ بعد رحيل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)

قد تعرّفت على مكانة السنّة النبوية وأنّها تتمتع بالدرجة الثانية من بين مصادر التشريع ، فإذا كانت السنّة من الأهميّة بهذه المكانة العظيمة ، فيجب بذل الجهود المضنية لتدوينها وحفظها وشرحها ونقلها إلى الأجيال القادمة ، ولكن يا للأسف أُهملت السنّة النبويّة ، كتابة ودراسة ، ونقداً ، قرابة قرن ، اعتماداً على روايات معزوّة إلى النبيّ الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لا توافق القرآن الكريم ، وتحطّ من مكانة السنّة.

كيف يصحّ للنبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أن يمنع من تدوين المصدر الثاني للتشريع بالرغم من أنّه سبحانه أمر بكتابة ما هو أدون منه شأناً ، بل لا يقاس به ، كما هو الحال في كتابة الدين ، فقال : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا). (١)

نعم ربّما نجد في ثنايا التاريخ أنّ بعض الصحابة قام بتدوين شيء من الصحف ولكنّه لم يكن تدويناً لائقاً بشأن السنّة النبوية ، وكان الرأي العام على منع الكتابة والتدوين ، نعم بعد ما بلغ السيل الزبى ، وحتّى فهم الخليفة الأموي

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

٢١

عمر بن عبد العزيز خطورة الموقف وأنّ إهمال كتابة الحديث النبوي يؤدّي إلى اندراس السنّة ونسيانها ، كتب إلى أبي بكر بن حزم : «انظر ما كان من حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فاكتبه ، فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا تقبل إلّا حديث النبي ولتفشوا العلم ، ولتجلسوا حتّى يعلّم من لا يعلم ، فإنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّاً». (١)

ومع أنّ الخليفة الأموي أكّد وحثّ على الكتابة والتدوين ، ولكن كان للمنع السابق أثره السيّئ فلم تُشاهد أي حركة حديثية مرموقة بعد ذلك. نعم قام المسلمون في عصر الخليفة العباسي المنصور الدوانيقي بتدوين الحديث. قال الذهبي في حوادث سنة ١٤٣ للهجرة :

في سنة ١٤٣ شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير ، فصنّف ابن جريج بمكة ، ومالك الموطأ بالمدينة ، والأوزاعي بالشام ، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة ، وغيرهما بالبصرة ، ومعمر باليمن ، وسفيان الثوري بالكوفة ، وصنّف ابن إسحاق المغازي ، وصنّف أبو حنيفة الفقه والرأي ، ثمّ بعد يسير صنف هيثم والليث وابن لهيعة ، ثمّ ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب ، وكثر تدوين العلم وتبويبه ، ودوّنت كتب العربية واللغة وأيام الناس وقبل هذا العصر كان الأئمّة يتكلّمون من حفظهم ، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتّبة ، فسهل ولله الحمد تناولُ العلم ، وأخَذَ الحفظُ يتناقص ، فلله الأمر كلّه. (٢)

__________________

(١) (صحيح البخاري : ١ ، باب كيف يقبض العلم من أبواب كتاب العلم. وبما أنّه لم يكن من حديث الرسول جاء غير مرقّم ، وهو واقع بين رقمي ٩٩ و ١٠٠.)

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي : ١٣ / ٩ ، حوادث سنة ١٤٣ ه‍.

٢٢

٧

السبب الأوّل لظاهرة عدم النصّ

إنّ لمنع كتابة الحديث مضاعفات كثيرة لا يسع المقال ذكرها ، وقد أوردنا شيئاً منها في كتابنا «بحوث في الملل والنحل». (١)

والّذي يناسب ذكره في المقام هو أنّ الحظر عن تدوين الحديث ومدارسته دراسة لائقة بشأنه صار سبباً لذهاب قسم كبير من السنّة النبوية خصوصاً ما يتعلّق بالأحكام والآداب وحلّت مكانها أحاديث مختلقة اختلقها مستسلمة أهل الكتاب ، نظراء : كعب بن ماتع الحميري ، وقد وصفوه بأنّه من أوعية العلم ، حدّث عنه أبو هريرة ومعاوية وابن عباس وغير ذلك.

ووهب بن منبه اليماني وقد أكثر النقل عن كتب الإسرائيليات ، توفّي سنة ١١٤ ه‍. (٢)

وتميم بن أوس الداري ، راوية الأساطير ، كان نصرانياً ، قَدِمَ المدينة فأسلم في سنة ٩ ه‍ ؛ والحديث بعد ذو شجون.

__________________

(١) (بحوث في الملل والنحل : ٦٠ / ١ ٧٦.)

(٢) ميزان الاعتدال : ٣٥٢ / ٤.

٢٣

نعم خسر الفقه الإسلامي في هذا المجال أكثر من سائر الموضوعات ، فصارت نتيجة ذلك أنّه لم يدوّن من الحديث النبوي حول الشريعة والأحكام العملية إلّا قرابة ٥٠٠ حديث ، تمدّها روايات موقوفة لم تثبت نسبتها إلى النبي الأكرم قال السيّد محمد رشيد رضا : إنّ أحاديث الأحكام الأُصول خمسمائة حديث تمدّها أربعة آلاف فيما أذكر. (١)

فصار ذلك ذريعة لتوهّم قصور الشريعة عن تبيين أحكام قسم من الموضوعات الموجودة في عصر الرسول أو المستجدة بعده.

وحصيلة الكلام : أنّ منع تدوين الحديث ، هو أحد السببين لظاهرة فقدان النص في قسم كبير من الموضوعات الفردية أو الاجتماعية ، ولو لم يكن هناك حظر عن تدوينه لما التجأ الفقهاء إلى قواعد وضوابط قلّما يوجد لها رصيد في الكتاب والسنّة.

فمن جانب وقف الفقهاء الأوائل على أنّه سبحانه أكمل دينه وأتمّ نعمته ، ومن جانب آخر لم يجدوا حلولاً في الكتاب والسنّة لموضوعات مستجدة ، بل الموجودة في عصر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وهذا ما دفعهم إلى اختراع قواعد وضوابط سيوافيك بيانها ، وبذلك عالجوا ما لا نصّ فيه بقواعد ، جوهرها انطباعات شخصية من الكتاب والسنّة.

__________________

(١) الوحي المحمدي : ١٨٧ ١٨٨.

٢٤

٨

السبب الثاني لظاهرة عدم النصّ

قد وقفت على أنّ أحد الأسباب الرئيسية لمواجهة المسلمين مسائل شرعية لم يرد حكمها في الكتاب والسنّة ، هو منع تدوين السنّة ، وهناك سبب آخر لا يقلّ أهميةً عن الأوّل وهو إعراضهم عن أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) الذين هم حفَظَة سنن رسول الله وعيبة علمه ونَقَلة حديثه ، مع أنّ الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حثّ على الرجوع إليهم وجعلهم قرناء الكتاب وأعداله ، وقد شبّههم بسفينة نوح الّتي مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوى ، وبذلك عالج الرسول مشكلة عدم النصّ بالأمر بالرجوع إلى أئمّة أهل البيت ليغرف المسلمون من معينهم الصافي بعد الصدور عن الكتاب والسنة ، لكي لا يتوهّم الغافل : «أنّ الكتاب والسنّة غير مستوعبين لأحكام المواضيع ومتطلّبات العصر الحديث ، وأنّه لا محيص للمسلمين إلّا التطفّل على موائد الغربيين والأخذ بالقوانين الوضعية».

إنّ ما ادّعوه من أنّ السنّة النبوية لا تتجاوز عن خمسمائة حديث ناشئ عن قصر النظر على ما رواه أصحاب الصحاح والسنن ، فلم يتجاوز مسندها عن خمسمائة حديث تمدّها أربعة آلاف (موقوفة) ، وأمّا إذا ضمّ إليها ما روي عن أئمّة

٢٥

أهل البيت (عليهم‌السلام) في عامّة المجالات فربّما يبلغ عدد ما روي عنهم في حقل الأحكام والأخلاق ما يربو على خمسين ألف حديث ، وعندئذ يصبح ما لا نصّ فيه شيئاً قليلاً يمكن استخراج أحكامه من النصوص الموجودة ، لأنّ التشريع لا يمكن أن يتعرّض لكلّ مورد جزئي أو واقعة خاصة والّتي تندرج تحت ضوابط كلّية.

وها هو كتاب «جامع أحاديث الشيعة» الّذي ألّفته اللجنة العلمية (١) تحت رعاية المرجع الديني الأعلى السيد آقا حسين البروجردي (قدس‌سره) ، ونشر في ثلاثين جزءاً ، قد بلغ عدد أحاديثه قرابة خمسين ألف حديث ، فلو قمنا بحذف المكررات لكان فيما بقي غنى وكفاية.

__________________

(١) ونحن نقدّر جهود الشيخ الجليل الموفّق المؤيد الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري دام ظلّه ، حيث قام بجمع ما تركته اللجنة في ذلك المجال ، وتنقيحه وتهذيبه ، حتّى أتى بما هو فوق ما يترقب.

٢٦

٩

حجّية أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام)

ربّما يكون القارئ غير عارف بما ورد عن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في مجال حجّية قول العترة الطاهرة وأنّه كيف قرن أقوالهم بالكتاب ، فنذكر شيئاً من ذلك :

١. حديث الثقلين

١. قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «يا أيّها النّاس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي». (١)

٢. وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما». (٢)

٣. وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». (٣)

__________________

(١) سنن الترمذي : ٦٦٢ / ٥ ، حديث ٣٧٨٦ ، باب مناقب أهل بيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).)

(٢) سنن الترمذي : ٦٦٣ / ٥ ، الحديث ٣٧٨٨ ، باب مناقب أهل بيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ؛ الدرّ المنثور : ٧ / ٦ ؛ ذخائر العقبى : ١٦.)

(٣) مسند أحمد : ١٨٢ / ٥ ١٨٩.

٢٧

٤. وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وأهل بيتي ؛ وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». (١)

٥. وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «انّي أُوشك أن أدعى فأُجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما». (٢)

إلى غير ذلك من النصوص الّتي كان آخرها في حجّة الوداع عند ما نزل غدير خمّ أمر بدوحات فقممن ، فقال : «كأنّي دُعيتُ فأجبتُ ، إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكثر من الآخر : كتاب الله تعالى ، وعترتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». (٣)

وهذه الصحاح الحاكمة بوجوب التمسّك بالثقلين متواترة تنتهي أسانيدها إلى بضع وعشرين صحابياً ، وقد صدع بها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في مواقف له شتّى ، تارة يوم غدير خمّ ، وأُخرى على منبره في المدينة ، إلى غير ذلك ، وقد خصّص سيدنا الجليل المتتبع مير حامد حسين أجزاءً من كتابه الجليل «عبقات الأنوار» ببيان أسانيد هذا الحديث.

ونكتفي في اشتهاره بما ذكره ابن حجر حيث قال بعد ما أورد حديث الثقلين :

ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً ، ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشُّبه ، وفي بعض تلك الطرق أنّه

__________________

(١) (مستدرك الحاكم : ١٤٨ / ٣.)

(٢) (مسند أحمد : ١٧ / ٣ و ٢٦.)

(٣) الصواعق المحرقة : ١٣٦.

٢٨

قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ، وأُخرى أنّه قال بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وأُخرى أنّه قال ذلك بغدير خمّ ، وفي أُخرى أنّه قال لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مرّ ؛ ولا تنافي ، إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.

وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر : آخر ما تكلّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اخلفوني في أهل بيتي عليهم‌السلام». (١)

٢. حديث السفينة

إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) شبّه أهل بيته بسفينة نوح وجعل التمسّك بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم وسيلة النجاة ، كما أنّ السفينة كذلك عند ظهور الطوفان. وإليك بعض نصوصه :

١. «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق». (٢)

٢. «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق». (٣)

٣. حديث الأمان

وقد عرّفهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في بعض أحاديثه أنّهم أمان لأهل الأرض من الاختلاف قال : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان من

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٥٠ ، طبع مكتبة القاهرة (الباب ١١ ، الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم.)

(٢) مستدرك الحاكم : ١٥١ / ٣.

(٣) الأربعون للنبهاني : ٢١٦.

٢٩

الاختلاف في الدين ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب يعني في أحكام الله عزوجل اختلفوا فصاروا حزب إبليس». (١)

هذا قليل من كثير ، وغيض من فيض ممّا ورد في حقّهم من أئمّة أهل البيت ، وكفى بهذا المقدار دليلاً على لزوم الرجوع إليهم في الأُصول والفروع ، وهناك كلمة قيّمة لسيّد المحقّقين السيد شرف الدين العاملي يقول :

وأنت تعلم أنّ المراد بتشبيههم (عليهم‌السلام) بسفينة نوح : أنّ من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأُصوله عن أئمّتهم الميامين نجا من عذاب النار ، ومن تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطوفان إلى جبل يعصمه من أمر الله ، غير أنّ ذاك غرق في الماء وهذا في الحميم ، والعياذ بالله. (٢)

وها نحن نذكر نماذج من جوامع كلمهم الّتي أخذوها من عين صافية ، وقد عرفت أنّهم حفظَة أحاديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وعيبة علمه ونَقَلةُ سننه ، ونعم ما قال القائل :

فوال أُناساً فعلهم وكلامهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

١. قال الصادق (عليه‌السلام) : «إنّما علينا أن نلقي عليكم الأُصول وعليكم التفريع».

٢. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «كلّما غلب الله عليه من أمره فإنّه أعذر لعبده».

وفي رواية أُخرى : «كلّما غلب الله عليه فإنّه أحرى بالعذر».

٣. قال الصادق (عليه‌السلام) : «ليس شيء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطر

__________________

(١) (مستدرك الحاكم : ١٤٩ / ٣.)

(٢) المراجعات : ٧٩ ، المراجعة ٨ ، طبع المجمع العلمي لأهل البيت (عليهم‌السلام) قم ، ١٤٢٢ ه‍.

٣٠

إليه».

٤. وقال الصادق : «الله أكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقون».

٥. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، لا يكون غيره ولا يجري غيره».

٦. وقال الصادق : «إنّ حكم الله عزوجل في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواء».

٧. قال الصادق : «إنّ الله احتجّ على الناس بما آتاهم وعرّفهم».

٨. عن الصادق (عليه‌السلام) : «الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر».

٩. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء ، إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه».

١٠. قال الرضا (عليه‌السلام) : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادّة».

١١. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فامضه ولا إعادة عليك».

١٢. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة».

١٣. وقال أبو جعفر الباقر (عليه‌السلام) : «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة ، إنّك لم تصلّها ، أو في وقت فوتها إنّك لم تصلّها صلّيتها ، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل ، فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن ، فإن استيقنت ، فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت».

١٤. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «ألا لك السهو كلّه في كلمتين : متى شككت فخذ بالأكثر».

٣١

١٥. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «أدنى ما يقصر فيه المسافر بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً».

١٦. سئل أبو الحسن الرضا عن الخمس؟ قال : «فيما أفاد الناس من قليل أو كثير».

١٧. قال الصادق (عليه‌السلام) : «إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت».

١٨. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه».

١٩. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «صم للرؤية وأفطر للرؤية وإيّاك والشك والظن ، وإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأوّل ثلاثين».

٢٠. سئل الصادق (عليه‌السلام) عمّا تجب فيه الزكاة؟ قال : «في تسعة أشياء : في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم ، وعفا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) سوى ذلك ...».

٢١. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «المسلمون عند شروطهم ، إلّا شرط خالف كتاب الله فلا يجوز» وفي رواية أُخرى : «إلّا شرط حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً».

٢٢. وقال الإمام موسى بن جعفر (عليه‌السلام) : «كلّ مجهول فيه القرعة» ، فقال الراوي : إنّ القرعة تُخطئ وتُصيب. فقال : «كلّما حكم الله به فليس بمخطئ» ، قال : وقال الصادق (عليه‌السلام) : «ما تقارع قوم ففوّضوا أمرهم إلى الله إلّا خرج سهم المحقّ».

٢٣. قال الصادق (عليه‌السلام) : «لا يكون الربا إلّا فيما يكال أو يوزن ، ومن أكله جاهلاً بتحريمه لم يكن عليه شيء».

٢٤. سئل الصادق (عليه‌السلام) : عن القصار يفسد؟ فقال : «كلّ أجير يؤتى الأُجرة

٣٢

على أن يصلح فيفسده فهو ضامن».

٢٥. وقال علي (عليه‌السلام) : «إنّ الدين قبل الوصية ، ثمّ الوصية على أثر الدين ، ثمّ الميراث».

٢٦. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع».

٢٧. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «لا يمين في معصية الله ولا في قطيعة رحم».

٢٨. قال الصادق (عليه‌السلام) : «الشفعة جائزة في كلّ شيء».

٢٩. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «من أحيا أرضاً فهي له».

٣٠. سئل الصادق (عليه‌السلام) : عن السواد (العراق) وما منزلته؟ قال : «هو لجميع المسلمين ممّن هو اليوم ، وممن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد».

٣١. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «المسلم يُحجب الكافر ويرثه والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه».

٣٢. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه ، ومن أسلم وقد قسّم فلا ميراث».

٣٣. قال الصادق (عليه‌السلام) : «لا ميراث للقاتل». سئل الصادق (عليه‌السلام) : المال لمن هو؟ للأقرب؟ أو للعصبة؟ قال : «المال للأقرب ، والعصبة في فيه التراب».

٣٤. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «لا تشهد على شهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك».

٣٥. وقال (عليه‌السلام) : «ادرءوا الحدود بالشبهات ، ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حدّ».

٣٦. عن الصادق (عليه‌السلام) : قال : «ما كان في الإنسان منه اثنان ففيه نصف الدية».

٣٣

٣٧. عن الصادق (عليه‌السلام) عن النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنّه قال : «رفع عن أُمّتي تسعة أشياء : السهو ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والطيرة ، والحسد ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة».

٣٨. عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «أصحاب الكبائر إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة».

٣٩. عن عليّ (عليه‌السلام) قال : «إنّ القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يُفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ».

٤٠. وقال الصادق (عليه‌السلام) : «تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل ، ولا تجوز شهادة أهل الذمّة على المسلم».

هذه نماذج من جوامع كلمهم التقطناها من كتاب «الفصول المهمة في أُصول الأئمّة» تأليف شيخ المحدّثين محمد بن الحسن الحرّ العاملي (١٠٣٣ ١١٠٤ ه‍) ، ومن أراد التبسط فليرجع إلى ذلك الكتاب.

إنّ السياسة الزمنية حالت بين الأُمّة وأئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) فجعلت المنح والرواتب لمن هو دونهم في العلم والفضل لأغراض سياسية ، بل صار الرجوع إلى العترة في بعض الأحايين عملاً إجرامياً يؤاخذ المراجع في بعض الموارد.

فدع عنك نهباً صيح في حَجَراته

ولكن حديثاً ما حديث الرواحل

هذا بعض ما صار سبباً لمواجهة الصحابة والتابعين والفقهاء لموضوعات لم يوجد عندهم النصّ فيها ، فعالجوها بقواعد خاصّة مع أنّ الشيعة الإمامية أغناهم

٣٤

الرجوع إلى أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) عن العمل بتلك القواعد ، إذ وجدوا لها حلولاً في روايات العترة الطاهرة موصولة إلى النبي الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

نعم عالجوا ما لا نصّ فيه عندهم ، بالأُصول العملية الأربعة الّتي كلّها مستفادة من الكتاب والسنّة. لكن مواردها ليست متوفرة.

ولأجل أنّ أصحابنا الإمامية قد بسطوا القول فيها فنقتصر بذكر شيء قليل منها إيقافاً للقارئ غير العارف ، بمقاصدهم من هذه الأُصول.

٣٥
٣٦

الباب الأوّل

في الأُصول العملية الأربعة

١. أصالة البراءة

٢. أصالة التخيير

٣. أصالة الاحتياط

٤. الاستصحاب

٣٧
٣٨

الأُصول العملية الأربعة

و

تحديد مجاريها

إنّ المكلّف الملتفت إلى الحكم الشرعي تحصل له إحدى حالات ثلاث :

١. القطع ، ٢. الظن ، ٣. الشك.

فإن حصل له القطع فقد فرغنا عن حكمه في بابه ، وانّه حجّة عقلية لا مناص من العمل على وفقه ، وإن حصل له الظن فالأصل فيه عدم الحجّية إلّا إذا دلّ الدليل القطعي على صحّة العمل به.

وإن حصل له الشكّ يجب عليه العمل وفق القواعد التي قررها العقل والنقل للشاك. (١)

__________________

(١) انّ تقسيم حال المكلّف الملتفت إلى الحكم الشرعيّ إلى حالات ثلاث ، تقسيم طبيعيّ ، ولا يختص التقسيم الثلاثي بمورد التكليف بل كلّ موضوع وقع في أُفق الالتفات ، فهو بين إحدى حالات ثلاث فمن قال بأنّ للمكلّف الملتفت إلى الحكم الشرعي إحدى حالات ثلاث فقد انطلق من هذا المنطَلق ، واستلهم عن تلك القاعدة العامّة. فما أورده المحقّق الخراساني على التقسيم الثلاثي ، من «إرجاعه إلى الثنائي من أنّ الظن بالحكم إن كان حجّة فهو ملحق بالقطع بالحكم (الظاهري) وإلّا كان في حكم الشكّ ، فليس هنا إلّا القطع بالحكم أو الشكّ فيه» غفلة عن ملاك التقسيم الثلاثي وإن كان للثنائي منه أيضاً ملاك.

٣٩

ثمّ إنّ المستنبط إنّما ينتهي إلى تلك القواعد التي تسمى ب «الأُصول العملية» إذا لم يكن هناك دليل قطعي ، كالخبر المتواتر ، أو دليل علمي كالظنون المعتبرة التي دلّ على حجّيتها الدليل القطعي وتسمّى بالأمارات والأدلّة الاجتهادية ، كما تسمّى الأُصول العملية ، بالأدلة الفقاهية ، وإلّا فلا تصل النوبة إلى الأُصول مع وجود الدليل.

وبذلك تقف على ترتيب الأدلّة في مقام الاستنباط ، فالمفيد لليقين هو الدليل المقدّم على كلّ دليل ، ويعقبه الدليل الاجتهادي ثمّ الأصل العملي.

إنّ الأُصول العملية على قسمين :

القسم الأوّل : ما يختصّ بباب دون باب ، نظير :

أ : أصالة الطهارة المختصة بباب الطهارة والنجاسة.

ب : أصالة الحلّية المختصة بباب الشك في خصوص الحلال والحرام.

ج : أصالة الصحة المختصة بعمل صدر عن المكلّف وشُكّ في صحّته وفساده ، سواء أكان الشكّ في عمل نفس المكلّف فيسمّى بقاعدة التجاوز والفراغ ، أو في فعل الغير فيسمّى بأصالة الصحّة.

القسم الثاني : ما يجري في عامة الأبواب الفقهية كافة وهي حسب الاستقراء أربعة :

الأوّل : البراءة.

الثاني : التخيير.

الثالث : الاشتغال.

الرابع : الاستصحاب.

فهذه أُصول عامّة جارية في جميع أبواب الفقه ، إنّما الكلام في تعيين مجاريها

٤٠