غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٥

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٥

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

وعرفوني اختلجوا دوني فأقول : بعدا وسحقا ، وسمعته يقول : لتركبنّ أمّتي سنّة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة ، شبرا بشبر باعا بباع وذراعا بذراع حتّى لو دخلوا جحرا لدخلوا فيه معهم ، وإنّه كتب التوراة والقرآن

ملك واحد في رقّ واحد وجرت الأمثال والسّنن (١).

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ١٤٣ ـ ١٦٣ ، مع تفاوت بنقص وتغيير.

٣٢١

الباب الخامس والخمسون

في إخراج أمير المؤمنين عليه‌السلام لبيعة أبي بكر مكرها ملبّبا

وإرادة حرق بيته عليه‌السلام وبيت فاطمة عليها‌السلام عند امتناعه من البيعة

وإرادة قتله عليه‌السلام إن امتنع من البيعة وامتناع الجماعة الذين معه عليه‌السلام

من طريق العامّة وفيه واحد وثلاثون حديثا

الأوّل : قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من علماء العامّة المعتزلة قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة : فنظرت فإذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي وضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى وشربت على الشجى ، فصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم ، قال ابن أبي الحديد في الشرح : الكظم بفتح الظاء مخرج النفس والجمع أكظام وضننت بالكسر بخلت وأغضيت على كذا أغضضت عنه طرفي ، والشجا ما يعترض في الحلق ، ثمّ قال ابن أبي الحديد : اختلفت الروايات في قصّة السقيفة فالذي تقوله الشيعة وقد قال قوم من المحدّثين بعضه ورووا كثيرا منه : إنّ عليّا عليه‌السلام امتنع من البيعة حتّى أخرج كرها ، وإنّ الزبير بن العوّام امتنع من البيعة وقال : لا أبايع إلّا عليّا وكذلك أبو سفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس والعبّاس بن عبد المطلب وجميع بني هاشم وقالوا : إنّ الزبير شهر سيفه فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم قال في جملة ما قال : خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر ، ويقال : انّه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجرا فكسره ، فساقهم كلّهم بين يديه إلى أبي بكر فحملهم على بيعته ، ولم يتخلّف إلّا عليّ وحده فإنّه اعتصم ببيت فاطمة فتحاموا إخراجه قسرا ، وقامت فاطمة إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه ، فتفرّقوا وعلموا أنّه مفرد لا يضرّ شيئا فتركوه وقيل : إنّهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر ، وقال : وقد روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري كثيرا من هذا ، فأمّا حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة وقول من قال : إنّهم أخذوا عليّا عليه‌السلام يقاد بعمامته والناس حوله فأمر بعيد والشيعة تنفرد به على أنّ جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وسنذكر ذلك.

وقال أبو جعفر : إنّ الأنصار لمّا فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضها : لا نبايع إلّا عليّا

٣٢٢

وذكر نحو هذا عليّ بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه ، فأمّا قوله : لم يكن لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت فقال : ما زال عليه‌السلام يقوله ، ولقد قاله عقيب وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لو وجدت أربعين ذوي ، عزم ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفّين وذكره كثير من أرباب السّير ، وأمّا الذي يقوله جمهور المحدّثين وأعيانهم فإنّه عليه‌السلام امتنع من البيعة ستّة أشهر ولزم بيته فلم يبايع حتّى ماتت فاطمة عليها‌السلام ، فلمّا ماتت بايع طوعا. وفي صحيح مسلم والبخاري : كانت وجوه الناس إليه وفاطمة باقية بعد ، فلمّا ماتت انصرفت وجوه الناس عنه وخرج من بيته فبايع أبا بكر وكانت مدّة بقائها بعد أبيها عليه‌السلام ستّة أشهر (١).

الثاني : قال ابن أبي الحديد : روى أحمد بن عبد العزيز قال : لمّا بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى عليّ وهو في بيت فاطمة فيتشاورون ويتراجعون في أمرهم ، فخرج عمر حتّى دخل على فاطمة عليها‌السلام وقال : يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك وما من أحد أحبّ إلينا منك بعد أبيك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي ان اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم فلمّا خرج عمر جاءوها فقالت : تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقنّ عليكم البيت ، وايم الله ليمضين ما حلف له فانصرفوا عنّا راشدين ، فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر (٢).

الثالث : ابن أبي الحديد قال : وروى المبرد في الكامل صدر هذا الخبر عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلّمت وسألت ما به فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد الله باريا فقال : أما إني على ما ترى لوجع وجعلتم لي معاشر المهاجرين شغلا من وجعي ، وجعلت لكم عهدا منّي من بعدي ، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلّكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ورأيتم الدّنيا قد أقبلت ، والله لنتخذنّ ستور الحرير ونضائد الديباج وتالمون ضجائع الصوف الأذربي ، كان أحدكم على حسك السعدان والله لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في حدّ خيّر له من أن يسبح في غمرة الدّنيا ، وإنّكم غدا لأوّل ضال بالناس ، وساق حديثه إلى أن قال : وقال أبو بكر: أما إنّي لا أساء إلّا على ثلاث فعلتهن وددت أنّي لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وودت انّي فعلتهن وثلاث وددت أني لم أكن فعلتها فوددت ، أنّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة وتركته ولو اغلق على حرب ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا وكنت وزيرا ، ووددت أن إذا أتيت بالفجاء لم

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٠.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٥.

٣٢٣

أكن أحرقته وكنت قتلته بالحديد أو أطلقته ، وأمّا الثلاث التي تركتها ووددت أنّي فعلتها فوددت أني يوم أتيت بالأشعث كنت ضربت عنقه فإنّي تخيّل إليّ انّه لا يرى شرّا إلّا أعان عليه ، ووددت أنّي كنت وجهت خالدا إلى أهل الردّة أقمت بذي الصفة ، فإن ظفر المسلمون وإلّا كنت ردة لهم ، ووددت حيث وجّهت خالدا إلى الشام كنت وجّهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت كلتا يدي اليمين والشمال في سبيل الله ، وامّا الثلاث التي وددت انّي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهنّ فوددت إنّي سألته عن هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله ووددت أنّي سألته عن ميراث العمّة وبنت الاخت فإنّ في نفسي منها حاجة (١).

الرابع : ابن أبي الحديد قال : قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبّه قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة وغضب علي والزبير ، فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمة فناشدتهما الله ، فأخذوا سيفي عليّ والزبير وضربوا بهما الجدار حتّى كسروهما ثمّ أخرجهما عمر يسوقهما حتّى بايعا ، ثمّ قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال : إنّ بيعتي كانت فلتة وقى الله شرّها وخشيت الفتنة ، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط ولو قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولوددت انّي أقوى الناس عليه مكاني ، وجعل يعتذر إليهم ، فقبل المهاجرون عذره (٢).

الخامس : ابن أبي الحديد قال أبو بكر : وحدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال : حدّثنا أحمد بن معاوية قال : حدّثني النضر بن شميل قال : حدّثنا محمد بن عمرو عن سلمة بن عبد الرحمن قال : لمّا جلس أبو بكر على المنبر كان عليّ عليه‌السلام والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة ، فجاء عمر إليهم فقال : والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم. فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فدقّ به فبدر السيف ، فصاح أبو بكر وهو على المنبر اضرب به الحجر قال أبو عمر بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة وقالوا : هذه ضربة سيف الزبير ثمّ قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي الله بهم قال فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه (٣).

السادس : ابن أبي الحديد قال : أبو بكر وقد روى في رواية أخرى أنّ سعد بن أبي وقّاص كان

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٦.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٠.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٦.

٣٢٤

معهم في بيت فاطمة والمقداد بن الأسود أيضا وانّهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّا عليه‌السلام فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة عليها‌السلام تبكي وتصيح فنهنهت من الناس وقالوا : ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه وانّما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد، ثمّ بايعوا أبا بكر فاستمرّ الأمر واطمأنّ الناس (١).

السابع : ابن أبي الحديد قال أبو بكر : وحدّثنا أبو زيد عن عمر بن شبّة قال : أخبرنا أبو بكر الباهلي قال : حدّثنا إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال سأل أبو بكر فقال : أين الزبير؟ فقيل : عند عليّ وقد تقلّد سيفه فقال : قم يا عمر ، قم يا خالد بن الوليد فانطلقا حتى تأتياني بهما ، فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟ قال : نبايع عليّا ، فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه وقال : يا خالد دونكه فأمسكه ثمّ قال لعليّ عليه‌السلام : قم فبايع لأبي بكر فتلكأ فاحتبس فأخذ بيده وقال : قم ، فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ورأت فاطمة ما صنع عمر بهما فقامت على باب الحجرة وقالت : يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا اكلّم عمر حتّى ألقى الله قال : فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع بعمر وطلب إليها فرضيت عنه (٢).

الثامن : ابن أبي الحديد قال أبو بكر وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا عبد العزيز بن الخطّاب قال : حدّثنا علي بن هاشم مرفوعا إلى عاصم بن عمر وابن قتادة قال : لقى عليّ عليه‌السلام عمر فقال له علي : أنشدك الله هل استخلفك رسول الله؟ قال : لا ، فقال : كيف تصنع أنت وصاحبك؟ قال : أمّا صاحبي فقد مضى لسبيله وأمّا أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك فقال : جذع الله أنف من ينقذك منها ، لا ولكن جعلني علما فإذا قمت فمن خالفني ضلّ (٣).

التاسع : ابن أبي الحديد قال أبو بكر : وحدّثني أبو زيد قال : حدّثني محمد بن عبّاد قال : حدّثني أخي سعيد بن عبّاد عن الليث بن سعد عن رجاله عن أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه أنّه قال : ليتني لم أكشف بيت فاطمة ولو أعلن على الحرب (٤).

العاشر : ابن أبي الحديد قال أبو بكر وذكر ابن شهاب أنّ ثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث من الخزرج كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة قال : وروى سعد بن إبراهيم أنّ عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم وانّ محمّد بن سلمة كان معهم وانّه هو الذي كسر سيف

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٦.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٨.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٨.

(٤) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٥١.

٣٢٥

الزبير (١).

الحادي عشر : ابن أبي الحديد قال أبو بكر : وحدّثني أبو زيد عمر بن شبّه عن رجاله قال : جاء عمر إلى بيت فاطمة عليها‌السلام في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين فقال : والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ عليكم البيت ، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر فبدر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره ثمّ أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا حتّى بايعوا أبا بكر (٢).

الثاني عشر : ابن أبي الحديد قال أبو زيد : وروى النضر بن شميل قال : حمل سيف الزبير لمّا بدر من يده إلى أبي بكر وهو على المنبر يخطب فقال : اضربوا به الحجر قال أبو عمرو بن حماس : ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة والناس يقولون : هذا أثر ضربة سيف الزبير (٣).

الثالث عشر : ابن أبي الحديد قال أبو بكر : وأخبرني أبو بكر الباهلي عن إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال : قال أبو بكر : يا عمر أين خالد بن الوليد؟ فقال : ها هو ذا قال : انطلقا إليهما يعني عليّا والزبير فاتياني بهما ، فانطلقا فدخل عمرو ووقف خالد على الباب من خارج فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟ قال : أعددته لأبايع عليّا قال : وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن عمرو وجمهور الهاشميين ، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه فأخرجه وقال : يا خالد دونك هذا ، فأمسكه خالد وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءا لهما ، ثمّ دخل عمر فقال لعلي : قم فبايع فتلكأ واحتبس فأخذ بيده وقال : قم فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير حتّى أمسكه خالد وساقهما عمر سوقا عنيفا ، واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ، ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهنّ ، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت : يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا اكلّم عمر حتّى ألقى الله قال : فلمّا بايع عليّ والزبير وهدأت تلك الفورة مشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه (٤).

الرابع عشر : ابن أبي الحديد قال : فأمّا البخاري ومسلم في الصحيحين من كيفية المبايعة لأبي بكر فهو بهذا اللفظ الذي أورده عليك والاسناد إلى عائشة أنّ فاطمة عليها‌السلام والعبّاس أتيا أبا بكر

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥١.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٨.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٨.

(٤) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٨.

٣٢٦

يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهما يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : انّا لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال وإنّي والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصنعه إلّا صنعته ، فهجرته فاطمة ولم تكلّمه في ذلك حتّى ماتت، فدفنها عليّ ليلا ولم يؤذن لها أبا بكر ، وكان لعليّ وجه بين الناس حياة فاطمة ، فلمّا توفيت انصرفت وجوه الناس عن عليّ فمكثت فاطمة ستّة أشهر ثمّ توفيت ، فقال رجل للزهري وهو راوي هذا الخبر عن عائشة : فلم يبايعه عليّ ستّة أشهر؟

قال : لا ولا أحد من بني هاشم حتّى بايعه عليّ ، فلمّا رأى ذلك ضرع إلى مصالحة أبي بكر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدّته فقال عمر : لا تأتهم وحدك فقال أبو بكر : والله لآتينّهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر حتّى دخل على عليّ وقد جمع بني هاشم عنده ، فقام عليّ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال : أمّا بعد فإنّه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضلك ولا نفاسة لخبر ساقه الله إليك ولكنّا كنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر حقّا فاستبددتم به علينا ، ثمّ ذكر قرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحقّه ، فلم يزل عليّ عليه‌السلام يذكر ذلك حتّى بكى أبو بكر ، فلمّا صمت علي تشهّد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال : أمّا بعد فو الله لقرابة رسول الله أحبّ إليّ أن أصلها من قرابتي ، إنّي والله ما آلوكم في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم إلّا الخير ولكنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا نورّث ما تركناه صدقة وانّما يأكل آل محمّد في هذا المال ، إنّي والله لا أذكر أمرا صنعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا صنعته إن شاء الله.

قال عليّ : موعدك العشية للبيعة فلمّا صلّى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثمّ عذر عليّا ببعض ما اعتذر به ، ثمّ قام علي فخطب فعظم من حقّ أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته ، ثمّ مضى إلى أبي بكر فبايعه فأقبل الناس إلى عليّ وقالوا : أصبت وأحسنت ، وكان عليّ قريبا إلى الناس حين قارب الأمر المعروف (١).

الخامس عشر : ابن أبي الحديد قال أبو بكر : وحدّثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن الحكم قال : حدّثنا عبد الله بن وهب عن الليث بن سعد قال : تخلّف علي عن بيعة أبي بكر فأخرج ملببا يمضي به ركضا وهو يقول : معاشر المسلمين علام تضرب عنق رجل من المسلمين لم يتخلّف لخلاف وإنّما تخلّف لحاجة ، فما مرّ بمجلس من المجالس إلّا يقال له : انطلق

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٦.

٣٢٧

فبايع (١).

السادس عشر : ابن أبي الحديد قال : قال أبو بكر : وحدّثنا يعقوب عن رجاله قال : لمّا بويع أبو بكر تخلّف عليّ فلم يبايع فقيل لأبي بكر : إنّه كره إمارتك فبعث إليه أكرهت إمارتي؟ قال : لا ، ولكنّ القرآن خشيت أن يزاد فيه ، أو قال : كان يزاد فيه فحلفت أن لا أرتدي برداء حتّى أجمعه اللهمّ إلّا إلى صلاة الجمعة فقال أبو بكر : لقد أحسنت قال : فكتبه عليّ عليه‌السلام كما أنزل بناسخه ومنسوخه (٢).

السابع عشر : ابن أبي الحديد قال : ومن كتاب له عليه‌السلام إلى معاوية جوابا وهو من محاسن الكتب : أمّا بعد فقد أتاني كتابك ، اصطفى الله تعالى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لدينه وتأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا ونعمته علينا في نبيّنا ، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر ، وداعي مسدّده إلى النضال ، وزعمت أنّ أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس ، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأوّلين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حنّ قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها إلّا تربّع أيّها الإنسان على ظلعك أو تعرف قصور ذرعك وتتأخّر حيث أخّرك القدر ، فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر ، وانّك لذهّاب في التيه ، روّاغ عن القصد.

ألا ترى غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدث أنّ قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكلّ فضل حقّ ، إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أو لا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل الله ولكلّ فضل حتّى إذا فعل بواحد ما فعل بواحدهم قيل الطيّار في الجنّة وذو الجناحين؟ ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين ، فدع عنك من مالت به الرميّة ، فإنّا صنائع ربّنا والناس بعد صنائع لنا لم ينفعنا قديم عزّنا ولا عادي طولنا على قومك إن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الاكفاء ولستم هناك وأنّى لا يكون ذلك كذلك ، ومنّا النبيّ ومنكم المكذّب ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ومنكم صبية النار ، ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب في كثير ممّا لنا وعليكم ، فإسلامنا ما قد سمع وجاهليتنا لا تدفع وكتاب الله مجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وقوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٥.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٠.

٣٢٨

فنحن مرّة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة ، ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلجوا عليهم ، فإن لم يكن الفلج لهم فالحقّ لنا دونكم وان يكن بغيره فالأنصار على دعواهم ، وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت وعلى كلّهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وقلت : إنّي كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع ، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكّا في دين الله ولا مرتابا بيقينه وهذه حجّتي إلى غيرك قصدها ولكني اطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها (١).

الثامن عشر : ابن أبي الحديد قال : قال المسعودي : وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول : إنّما أراد بذلك أن لا تنشر الكلمة ولا يختلف المسلمون وان يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطّاب ببني هاشم لمّا تأخّروا عن بيعة أبي بكر فانّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار (٢).

التاسع عشر : ابن أبي الحديد قال : روي عن جعفر بن محمّد وغيره أنّ عمر ضرب فاطمة بالسوط وضرب الزبير بالسيف ، وأنّ عمر قصد منزلها وفيه عليّ الزبير والمقداد وجماعة ممن تخلّف عن أبي بكر وهم مجتمعون هناك فقال لها : ما أحد بعد أبيك أحبّ إلينا منك وايم الله لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك لنحرقنّ عليهم ، فمنعت القوم من الاجتماع (٣).

العشرون : ابن أبي الحديد قال بعد نقله هذه الأخبار : واعلم أنّ الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جدّا ومن تأمّلها وأنصف علم انّه لم يكن هناك نصّ صريح مقطوع به لا تختلجه الشكوك ولا تتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية فإنّهم يقولون : إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام نصّا صريحا جليّا ليس بنصّ يوم الغدير ولا خبر المنزلة ولا ما شابهها من الأخبار الواردة من طرق العامّة وغيرها ، بل نصّ عليه بالخلافة وبإمرة المؤمنين ، وأمر المسلمين أن يسلّموا عليه بذلك فسلّموا عليه بها وصرّح لهم في كثير من المقامات بأنّه خليفته عليهم من بعده وأمرهم بالسمع والطاعة له ولا ريب ، انّ المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم قطعا أنّه لم يكن هذا النصّ ولكن سبق إلى النفوس والعقول أنّه قد كان هناك تعريض وتلويح وكناية وقول غير فصيح وحكم غير مبتوت ، ولعلّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصده عن التصريح بذلك أمر يعلمه ومصلحة

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٥ / ١٨١ ـ ١٨٣.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ١٤٧.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ٢٧١.

٣٢٩

يراعيها أو وقوف مع إذن الله تعالى له في ذلك ، فأمّا امتناع عليّ عليه‌السلام من البيعة حتّى اخرج على الوجه الذي اخرج فقد ذكره المحدّثون ورواة السير ، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين وقد ذكر من هذا النحو ما لا يحصى كثرة ، وأمّا الامور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من ارساله قنفذ إلى بيت فاطمة وانّه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدّملج وبقي أثره إلى أن ماتت ، وأنّ عمر أضغطها بين الباب والجدار فصاحت : يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميّتا ، وجعل في عنق عليّ حبل يقاد به وهو يعتل وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور وابناه حسن وحسين معهما يبكيان ، وانّ عليّا لمّا أحضر سألوه البيعة فامتنع فتهدّد بالقتل فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله فقالوا : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا ، وأنّه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق.

ولتنظر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها وأنّهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة ، فكلّه لا أصل له عند أصحابنا ولا يثبته أحد منهم ولا رواه أحد ولا نعرفه وانّما هو شيء تنفرد الشيعة بنقله (١).

أقول : العجب كلّ العجب من ابن أبي الحديد في إنكاره النصّ الصريح الذي لا يحتمل التأويل من النصّ الذي رواه وغيره من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمير المؤمنين عليه‌السلام بأنّه عليه‌السلام الإمام والخليفة والوصيّ والوزير ، بل إن أنصف المنصف ولم يخادع الله تعالى ولم يخادع نفسه ولم يقلّد الرجال بل يتّبع البرهان المنير والحقّ المستبين والصراط المستقيم ليقي نفسه من نار الجحيم على أنّ ابن أبي الحديد قال في موضع آخر من الشرح : الظاهر عندي صحّة ما رواه المرتضى في الشافي والشيعة ، لا كلّ ما يزعمونه بل كان بعض ذلك ، وحقّ لأبي بكر أن يندم ويتأسّف على ذلك يعني على كشف بيت فاطمة عليها‌السلام (٢).

وأنا أذكر بعض ما ذكره السيّد المرتضى في الشافي الذي صحّحه ابن أبي الحديد وحقّ لابن أبي الحديد أن يصحّح ما نقله السيّد المرتضى في الشافي لأنّه رضى الله عنه لم يذكر من الروايات والأخبار في ذلك إلّا ما هو حجّة على المخالفين مسلّم عندهم ، ولهذا رواه من طريق العامّة كالبلاذري وغيره ، وأنا أذكر ما ذكره السيّد المرتضى في الشافي داخلا في روايات العامّة.

الحادي والعشرون : قال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الشافي : روى إبراهيم بن سعيد الثقفي قال : حدّثنا أحمد بن عمرو البجلي قال : حدّثنا أحمد بن حبيب العاملي عن أبي عبد الله جعفر بن

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٩.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١٧ / ١٦٨.

٣٣٠

محمّد الصادق عليه‌السلام قال : والله ما بايع عليّ عليه‌السلام حتّى رأى الدخان قد دخل عليه بيته (١).

الثاني والعشرون : المرتضى أيضا قال : قد روى البلاذري عن مسلمة عن محارب عن سليمان التميمي عن أبي عون أنّ أبا بكر أرسل إلى عليّ فلم يبايع فجاء عمر ومعه قيس ، فلقيته فاطمة عليها‌السلام على الباب فقالت : يا ابن الخطّاب لا أتراك محرقا عليّ بابي؟ قال : نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك، وجاء عليّ عليه‌السلام فبايع.

قال السيّد المرتضى عقيب هذا الحديث : وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة وانّما الطريف أن ترويه شيوخ محدّثي العامة لكنّهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة وربّما تنبّهوا على ما يروونه عليهم فكفّوا عنه ، وأي اختيار لمن يحرق عليه بابه حتّى يبايع؟ إلى هنا كلام السيّد (٢).

الثالث والعشرون : السيّد أيضا قال روى إبراهيم عن يحيى بن الحسن عن عاصم بن عامر عن نوح بن درّاج عن داود بن يزيد الأزدي عن أبيه عن عديّ بن حاتم قال : ما رحمت أحدا رحمتي عليّا حين أوتي به ملبيا فقيل له : بايع قال : فإن لم أفعل؟ قالا : إذا تقتل. قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، ثمّ بايع كذا ، وضمّ يده اليمنى (٣).

الرابع والعشرون : السيّد قال : روى أبو الحسن أحمد بن جابر البلاذري وحاله في الثقة عند العامّة والبعد عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروفة قال : حدّثني بكر بن الهيثم قال : حدّثنا عبد الرزّاق عن معمر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلى عليّ عليه‌السلام حين قعد عن بيعته وقال : ايتني به بأعنف العنف ، فلمّا أتاه جرى بينهما كلام فقال عليّ عليه‌السلام : احلب حلبا لك شطره ، والله ما حرضك على إمارته اليوم إلّا ليؤمّرك غدا وما تنفّس على أبي بكر هذا الأمر ولكنّا أنكرنا ترككم مشاورتنا وقلنا : إنّ لنا حقّا لا تجهلونه ، ثمّ أتاه فبايع.

قال السيّد عقيب هذا الخبر يتضمّن ما جرت عليه الحال وما تقول الشيعة بعينه قد أنطق به روايتهم (٤).

الخامس والعشرون : السيّد قال : وروى البلاذري عن المدائني عن أبي حرب عن معمّر عن الزّهري عن عروة عن عائشة قالت : لم يبايع علي أبا بكر حتّى ماتت فاطمة عليها‌السلام بعد ستّة أشهر فلمّا ماتت ضرع إلى صلح أبي بكر ، فأرسل إليه أن يأتيه فقال له عمر : لا تأمنه وحدك ، قال : وما ذا يصنعون بي؟ فأتاه أبو بكر فقال له عليه‌السلام : والله ما نقمنا عليك ما ساق الله إليك من خير وفضل ولكنّما

__________________

(١) الشافي في الإمامة : ٣ / ٢٤١.

(٢) الشافي : ٣ / ٢٤١.

(٣) الشافي : ٣ / ٢٤٤ وسليم بن قيس : ١٥٣.

(٤) الشافي : ٣ / ٢٤٠.

٣٣١

كنّا نظنّ أنّ لنا في هذا الأمر نصيبا استبدّ به علينا ، فقال أبو بكر : والله لقرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحبّ إليّ من قرابتي ، فلم يزل عليّ عليه‌السلام يذكر حقّه وقرابته حتّى بكى أبو بكر فقال : ميعادك العشيّة ، فلمّا صلّى أبو بكر الظهر خطب وذكر عليّا وبيعته فقال عليّ عليه‌السلام : انّه لم يحبسني عن بيعة أبي بكر أن لا أكون عارفا بحقّه ، ولكن نرى أنّ لنا في الأمر نصيبا استبدّ به علينا ثمّ بايع أبا بكر فقال المسلمون : أصبت وأحسنت.

قال السيّد عقيب الحديث : ومن تأمّل هذا الخبر وما جرى مجراه علم كيف وقعت البيعة وما الدّاعي إليها ، ولو كانت والحال سليمة والنيّات صافية والتهمة مرتفعة لما منع أبا بكر أن يصير إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وحده (١).

السادس والعشرون : السيّد قال : روى إبراهيم الثقفي عن محمّد بن أبي عمر عن أبيه عن صالح ابن أبي سود عن عقبة بن سنان عن الزهري قال : ما بايع عليّ إلّا بعد ستّة أشهر وما اجترئ عليه إلّا بعد موت فاطمة عليها‌السلام (٢).

السابع والعشرون : السيّد قال : روى إبراهيم بن أبي شيبة عن خالد بن مخلّد البجلي عن داود بن يزيد الأزدي عن أبيه عن عديّ بن حاتم قال : إنّي لجالس عند أبي بكر إذ جيء بعليّ عليه‌السلام وقال له : بايع ، فقال له عليّ عليه‌السلام : فإن أنا لم ابايع؟ قال : اضرب الذي فيه عيناك ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ اشهد ، ثمّ مدّ يده فبايعه وقد روى هذا المعنى من طرق كثيرة مختلفة وبألفاظ متقاربة المعنى وإن اختلف لفظها وأنّه عليه‌السلام كان يقول في ذلك اليوم لما اكره على البيعة وحذّر من التقاعد عنها : يا ابن أمّ انّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ، ويردّد ويكرّر(٣).

الثامن والعشرون : السيّد قال : وروى الثقفي قال : حدّثني محمّد بن عليّ عن عاصم بن عامر البجلي عن نوح بن درّاج عن محمد بن إسحاق عن سفيان بن فروة عن أبيه قال : جاء بريدة حتّى ذكر له اسلم قال : لا ابايع حتّى يبايع عليّ عليه‌السلام فقال علي : يا بريدة ادخل فيما دخل الناس فيه فإنّ اجتماعهم أحبّ إليّ من اختلافهم اليوم (٤).

التاسع والعشرون : السيّد قال : روى إبراهيم قال : حدّثني محمد بن أبي عمر قال : حدّثنا محمد ابن إسحاق عن موسى بن عبد الله بن الحسن قال : أنت اسلم أن تبايع فقالوا : ما كنّا نبايع حتّى يبايع

__________________

(١) الشافي : ٣ / ٢٤٢.

(٢) الشافي : ٣ / ٢٤٢.

(٣) الشافي : ٣ / ٢٤٤.

(٤) الشافي : ٣ / ٢٤٣.

٣٣٢

بريدة لقوله عليه‌السلام لبريدة : عليّ وليّكم من بعدي فقال عليّ عليه‌السلام : يا هؤلاء انّ هؤلاء خيّروني أن يظلموني حقّي أو ابايعهم ، وارتدّ الناس حتّى بلغت الردّة أحدا ، فاخترت أن أظلم حقّي وان فعلوا ما فعلوا (١).

الثلاثون : السيّد المرتضى عقيب ذكره هذه الأحاديث : وذكر أكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلا عن ذكر جميعه ، وفيما أشرنا إليه كفاية ودلالة على أنّ البيعة لم تكن عن رضا واختيار ، فإن قيل : كلّما رويتموه في هذا المعنى أخبار آحاد لا توجب علما قلنا : كلّ خبر ممّا ذكرناه وإن كان واردا من طريق الآحاد فإنّ معناه الذي تضمّنه متواتر به والمعنى على ذلك دون اللفظ ، ومن استقرأ الأخبار وجد معنى إكراهه عليه‌السلام على البيعة وأنّه دخل فيها مستدفعا للشرّ وخوفا من تفرّق كلمة المسلمين ، وقد وردت فيه أخبار كثيرة من طرق مختلفة تخرج من حدّ الآحاد إلى التواتر.

قال : وكيف يشكل على منصف أنّ بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام لم تكن عن رضا والأخبار متظاهرة من كلّ من روى السير بما يقتضي ذلك حتّى أنّ من تأمّل ما روي في هذا الباب لم يبق عليه شكّ في أنّه عليه‌السلام الجئ إلى البيعة وصار إليها بعد المدافعة والمحاجزة لامور اقتضت ذلك ليس من جملتها الرّضا. إلى هنا كلام السيّد المرتضى في الشافي (٢). وهو كتاب حسن مستوف في الإمامة.

كتاب الصراط المستقيم رواه من طريق العامّة قال : طلب أبو بكر وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا امتنع هو وجماعة من البيعة ، ذكره الواقدي في روايته والطبري في تاريخه ونحوه ذكر ابن عبد ربّه وهو من أعيانهم ، وكذا مصنّف كتاب أنفاس الجواهر إلى كلام صاحب كتاب الصراط المستقيم(٣).

الحادي والثلاثون : الصراط المستقيم ، انّ عمر وأصحابه أخذوا عليّا أسيرا إلى البيعة ، وهذا لا ينكره عالم من الشيعة قال : وقد أورد ابن قتيبة وهو أكبر شيوخ القدريّة في المجلّد الأوّل من كتاب السياسة قوله حين قال : إن لم تبايع نضرب عنقك ، فأتى قبر النبيّ باكيا قائلا : يا ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (٤).

__________________

(١) الشافي : ٣ / ٢٤٣.

(٢) الشافي : ٢٤٥.

(٣) الصراط المستقيم : ٢ / ٣٠١.

(٤) الصراط المستقيم : ٢ / ١٠.

٣٣٣

الباب السادس والخمسون

في إخراج أمير المؤمنين عليه‌السلام لبيعة أبي بكر مكرها ملبّبا

وإرادة حرق بيت فاطمة عند امتناعه من البيعة وإرادة قتله عليه‌السلام

من طريق الخاصّة وفيه ستّة أحاديث

الأوّل : الشيخ المفيد في أماليه قال أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي قال : حدّثنا سعيد بن عفير قال : حدّثني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال عن مروان بن عثمان قال : لمّا بايع الناس أبا بكر دخل عليّ عليه‌السلام والزبير والمقداد بيت فاطمة عليها‌السلام وأبوا أن يخرجوا ، فقال عمر بن الخطّاب : اضرموا عليهم البيت نارا فخرج الزبير ومعه سيف فقال أبو بكر : عليكم بالكلب ، فقصدوا نحوه فزلّت قدماه وسقط إلى الأرض ووقع السيف من يده فقال : أبو بكر اضربوا به الحجر ، فضرب سيفه بالحجر حتّى انكسر ، وخرج عليّ بن أبي طالب نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس بن شماس فقال : ما شأنك يا أبا الحسن؟ فقال : أرادوا أن يحرقوا عليّ بيتي ، وأبو بكر على المنبر يبايع له لا يدفع عن ذلك ولا ينكر ، فقال له ثابت : والله لا تفارق كفّي يدك أبدا حتّى اقتل دونك فانطلقا جميعا حتّى أتيا إلى المدينة وإذا فاطمة عليها‌السلام واقفة على بابها وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول : لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم ، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمروا ، وصنعتم بنا ما صنعتم ولم تروا لنا حقّا (١).

الثاني : سليم بن قيس الهلالي في كتابه قال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه ـ يعني عليّاعليه‌السلام ـ فيبايع فانّه لم يبق أحد إلّا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة ، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا ، والآخر أفظّهما [وأغلظهما] وأجفاهما فقال له أبو بكر : من نرسل؟ فقال : نرسل إليه قنفذا ، رجلا فظّا غليظا جافيا ، من الطلقاء ، أحد بني عديّ بن كعب فأرسل إليه وأرسل معه أعوانا فاستأذن ، فانطلق على عليّ فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر والناس في المسجد والناس حولهما فقالوا : لم يؤذن لنا.

فقال عمر : فاذهبوا فإن أذن لكم وإلّا فادخلوا عليه من غير إذن فانطلقوا فاستأذنوا فقالت

__________________

(١) أمالي الشيخ المفيد : ٤٩.

٣٣٤

فاطمة عليها‌السلام : أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي فرجعوا ، وثبت قنفذ الملعون فقالوا : إنّ فاطمة قالت كذا وكذا ، فتحرّجنا أن ندخل عليها بيتها من غير إذن ، فغضب عمر فقال : ما لنا وللنساء ثمّ أمر أناسا حوله يحملون حطبا ، فحملوا الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول بيت عليّ وفيه فاطمة وعلي وابناهما صلوات الله عليهم ، ثمّ نادى عمر حتّى أسمع عليّا وفاطمة ، والله لتخرجنّ ولتبايعن خليفة رسول الله وإلّا أضرمت عليك بيتك نارا ، ثمّ رجع قنفذ إلى أبي بكر وهو متخوّف أن يخرج عليّ بسيفه لما يعرف من بأسه وشدّته فقال أبو بكر لقنفذ : ارجع فإن خرج وإلّا فاهجم عليه بيته فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا ، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وثار عليّ عليه‌السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وهم كثيرون فتناول بعضهم سيفه وكاثروه فألقوا في عنقه حبلا ، وحالت بينهم وبينه فاطمة عند باب البيت ، فضربها قنفذ لعنه الله تعالى بسوط كان معه ، فماتت صلوات الله عليها وإنّ في عضدها كمثل الدمالج من ضربته لعنة الله عليه ولعن من بعث به ، ثمّ انطلق به يعتل عتلا حتّى انتهى به إلى أبي بكر بالسيف ، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشر بن سعد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح.

قال : قلت لسلمان ، أدخلوا على فاطمة بغير إذن؟ قال : أي والله وما عليها خمار ، فنادت وا أبتاه لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر ، وعيناك لم تنفقآ في قبرك ، تنادي بأعلى صوتها ، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون وما بينهم إلّا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة ، وعمر يقول : لسنا من النساء ورأيهنّ في شيء فانتهوا به إلى أبي بكر وهو يقول : أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنّكم لن تصلوا إلى هذا أبدا ، والله لم ألم نفسي في جهادكم ، لو كنت استمكنت من الأربعين لفرّقت جماعتكم ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثمّ خذلوني ، وقد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة عليها‌السلام بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها أرسل إليه عمر : إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها ، فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر لها ضلعا من جنبها وألقت جنينها من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلوات الله عليها من ذلك شهيدة ، فلمّا انتهى بعليّ إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له : بايع فقال له علي عليه‌السلام : إن أنا لم أبايع فما أنتم صانعون؟

قالوا : نقتلك ذلّا وصغارا فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله فقال أبو بكر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فلا نعرفك بهذا فقال : أتجحد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بيني وبينه؟ قال : نعم

٣٣٥

فأعاد عليه ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ أقبل عليّ عليه‌السلام وقال : يا معاشر المسلمين والمهاجرين والأنصار أنشدكم الله ، أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ كذا وكذا ، وفي غزوة تبوك كذا وكذا فلم يدع شيئا قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علانية للعامّة إلّا ذكّرهم به إيّاها ، قالوا : اللهم نعم ، فلمّا أن تخوّف أبو بكر أن تنصره الناس وان يمنعوه منه بادرهم فقال له : كلّما قلت حقّا قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول بعد هذا : انّا أهل بيت اصطفانا الله تعالى واختار لنا الآخرة على الدنيا ، فإنّ الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة ، وقال عليّ عليه‌السلام : هل أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهد هذا معك؟ فقال عمر : صدق خليفة رسول الله قد سمعت منه كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل : قد سمعنا ذلك من رسول الله فقال لهم عليّعليه‌السلام : قد وفيت بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمّدا أو مات لتذرون هذا الأمر عنّا أهل البيت فقال أبو بكر : فما علمك بذلك؟ ما اطلعناك عليها فقال عليّ عليه‌السلام : يا زبير وأنت يا سلمان ، يا أبا ذرّ وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالإسلام ، أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون أنّ فلانا وفلانا ـ عدّ هؤلاء الأربعة (١) ـ قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو متّ أن يتظاهروا عليك وأن يردوا عنك هذا الأمر يا عليّ؟ قلت : بأبي أنت يا رسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك؟

فقال : إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم وإن لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك وقال : اما والله لو انّ أولئك الأربعين الرجال الذين بايعوني وفوا إليّ لجاهدتكم في الله ، وقال عمر : أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة ، ثمّ نادى عليّ عليه‌السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه : يا ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ثمّ تناول يد أبي بكر فبايع ، فقيل للزّبير : بايع فأبى فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة واناس معهم ، فانتزعوا سيفه فضربوا به الأرض فقال الزبير : يا ابن صهاك ، أما والله لو أنّ سيفي في يدي لحدت عنّي ، ثم بايع. وقال سلمان ثم أخذوني فوجئوا في عنقي حتّى تركوه كالسلعة ، ثمّ أخذوا يدي فبايعت مكرها ، ثمّ بايع أبو ذر والمقداد مكرهين ، وما أحد من الأمة بايع مكرها غير عليّ واربعتنا ، ولم يكن منّا أشدّ قولا أحد من الزبير فانّه لمّا بايع قال : يا ابن صهّاك أما والله لو لا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك ، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول ، فغضب عمر وقال : أتذكر صهّاك؟ فقال : وما يمنعني وقد كانت صهّاك زانية؟ أتنكر ذلك؟ أوليس كانت أمة لجدّي عبد

__________________

(١) في المصدر : الخمسة.

٣٣٦

المطّلب فزنى بها جدّك نفيل فولدت أباك الخطّاب فوهبها عبد المطّلب لجدّك بعد ما ولدته وانّه لعبد جدّي ولد زنا؟ فأصلح أبو بكر بينهما (١).

الثالث : قال أبان عن سليم : فلقيت عليّا فسألته عمّا صنع عمر فقال : تدري لم كف عن قنفذ الملعون ولم يعرض له؟ قلت : لا ، قال عليه‌السلام : لأنّه ضرب فاطمة عليها‌السلام وانّ أثر السوط في عضدها مثل الدملج (٢).

قال أبان عن سليم فدخلت مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فانتهيت إلى حلقة ليس فيها إلّا هاشميّ غير سلمان وأبي ذرّ والمقداد وأبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن أبي سعد ، واغرورقت عيناه ثمّ قال : أشدّ ضربة ضربها فاطمة فماتت وهي في عضدها كأنّها الدملج (٣).

الرابع : العيّاشي في تفسيره عن أحدهما عليهما‌السلام قال : إنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقبض حتّى أعلم الناس أمر عليّ فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه وقال : انّه بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وكان صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [في المواطن كلها ، وكان معه في المسجد يدخله على كل حال ، وكان أول الناس ايمانا ، فلمّا قبض نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان الذي كان لما قد قضى من الاختلاف ، وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله] بعد ، فلمّا رأى ذلك علي ورأى الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن النّاس ففزع إلى كتاب الله وأخذ يجمعه في مصحف ، وأرسل أبو بكر إليه أن تعال فبايع فقال علي عليه‌السلام : لا أخرج حتّى أجمع القرآن فأرسل إليه مرّة أخرى فقال : لا أخرج حتّى أفرغ فأرسل إليه الثالثة عمر رجلا يقال له قنفذ فقامت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحول بينه وبين عليّ عليه‌السلام فضربها ، فانطلق قنفذ وليس معه عليّ ، فخشي أن يجمع على الناس فأمر بحطب فجعل حوالي بيته ، ثمّ انطلق عمر بنار وأراد أن يحرق على عليّ عليه‌السلام بيته وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم فلمّا رأى ذلك خرج فبايع كارها غير طائع (٤).

الخامس : المفيد في كتاب الاختصاص قال : قال أبو محمّد عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جدّه قال : ما أتى عليّ عليه‌السلام يوم قط أعظم من يومين أتياه ، فأمّا أوّل يوم فاليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا اليوم الثاني فو الله إنّي لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه إذ قال له عمر : يا هذا لا تصنع شيئا ما لم يبايعك عليّ ، فابعث إليه حتّى يأتيك فيبايعك قال : فبعث قنفذا فقال : أجب خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال عليّ صلوات الله عليه : لأسرع ما كذبتم

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ١٤٩ وما بعده ، مع تفاوت واضح.

(٢) كتاب سليم بن قيس : ٢٢٣.

(٣) كتاب سليم بن قيس : ٢٢٤ ، وثمّة نقص يسير فليلاحظ.

(٤) تفسير العياشي : ٢ / ٣٠٧.

٣٣٧

على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدا غيري ، فرجع قنفذ وأخبر أبا بكر بمقالة عليّعليه‌السلام فقال أبو بكر : انطلق إليه وقل له : يدعوك أبو بكر ويقول : تعال حتّى تبايع ، وانّما أنت رجل من المسلمين ، فقال عليّ عليه‌السلام : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا أخرج بعده من بيتي حتّى أوّلف الكتاب فإنّه في جرائد النخل وأكتاف الإبل ، فأتاه قنفذ وأخبره بمقالة عليّ عليه‌السلام فقال عمر : قم إلى الرجل فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى حذيفة وقمت معهم ، وظنّت فاطمة عليها‌السلام أن لا يدخل عليها بيتها إلّا بإذنها فأجافت الباب وأغلقته ، فلمّا انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره ، وكان من سعف ، فدخلوا على عليّ وأخرجوه ملبّبا فخرجت فاطمة فقالت : يا أبا بكر وعمر تريدان أن ترملاني من زوجي ، والله لئن لم تكفّا لأنشرنّ شعري ولأشقنّ جيبي ولآتينّ قبر أبي ولأصيحنّ إلى ربّي ، قال : فخرجت وأخذت بيد الحسن والحسين متوجّهة إلى القبر فقال عليّ عليه‌السلام لسلمان : ادرك ابنة محمّد فإنّي أرى جنبي المدينة يكتنفان ، فو الله لئن فعلت لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها قال : فلحقها سلمان فقال : يا ابنة محمّد إنّ الله تبارك وتعالى إنّما بعث أباك رحمة فانصرفي فقالت : يا سلمان ما عليّ صبر فدعني حتّى آتي قبر أبي فأصيح إلى ربّي.

قال سلمان : فإنّ عليّا بعثني إليك وأمرك بالرجوع فقالت : أسمع له وأطيع ، فرجعت وأخرجوا عليّا ملبّبا قال : وأقبل الزّبير مخترطا سيفه وهو يقول : يا معشر بني عبد المطّلب أيفعل هذا بعلي وأنتم أحياء؟ وشدّ على عمر ليضربه بالسيف فرماه خالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه وسقط السيف من يده ، فأخذه عمر وضربه على صخرة فانكسر ، ومرّ عليّ على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، وأتى بعليّ عليه‌السلام إلى السقيفة إلى مجلس أبي بكر فقال له عمر : بايع قال : فإن لم أفعل؟ قال : اذن والله يضرب عنقك ، قال عليّ عليه‌السلام : إذا والله أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول ، فقال عمر : أمّا عبد الله المقتول فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فلا ، حتّى قالها ثلاثا وأقبل العبّاس وقال : يا أبا بكر ارفقوا بابن أخي ولك عليّ أن يبايعك ، فأخذ العبّاس بيد عليّ فمسحها على يد أبي بكر وخلوا عليّا مغضبا فرفع رأسه إلى السماء ثمّ قال : اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ الامّي قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم وهو قولك في كتابك فإن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ، اللهم انّهم لن يتمّوا ، حتّى قالها ثلاثا ثمّ انصرف (١).

__________________

(١) الاختصاص : ١٨٦.

٣٣٨

السادس : الطبرسي في كتاب الاحتجاج روى عن الصادق عليه‌السلام انّه قال : لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام من منزله وخرجت فاطمة عليها‌السلام خلفه فما بقيت امرأة هاشميّة إلّا وجاءت معها حتّى قربت من القبر فقالت : خلّوا عن ابن عمّي فو الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا إن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعن قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسي ، ولأصرخنّ إلى الله تبارك وتعالى ، فما صالح بأكرم على الله من أبي ، ولا الناقة بأكرم منّي ، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي ، قال سلمان رضى الله عنه : كنت قريبا منها فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقلقت من أسفلها حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ فدنوت منها وقلت : يا سيّدتي ومولاتي إنّ الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت ورجعت الحيطان حتّى سقطت الغبرة من أسفلها حتّى دخلت في خياشيمنا (١).

__________________

(١) الاحتجاج : ١ / ١١٣.

٣٣٩

الباب السابع والخمسون

في قول أبي بكر وعمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها

ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، وقول عليّ عليه‌السلام : بيعتي لم تكن فلتة

من طريق العامّة وفيه ثمانية أحاديث

الأوّل : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من فضلاء المعتزلة قال : روى أبو بكر أحمد ابن عبد العزيز قال : حدّثني أبو زيد عمر بن شبة قال : حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدّثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة ، وغضب عليّ والزبير فدخلا بيت فاطمة عليها‌السلام معهما السلاح ، فجاء عمر في عصابة فيهم اسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن قريش وهما من بني عبد الأشهل ، فاقتحما الدار فصاحت فاطمة وناشدتهما الله فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتّى كسروهما ، ثمّ أخرجهما عمر يسوقهما حتّى بايعا ، ثمّ قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال : إنّ بيعتي كانت فلتة وقى الله شرّها وخشيت الفتنة ، وأيم الله ما حصرت عليها يوما قط ، ولا سألتها الله في سرّ ولا علانية قط ، ولقد قلّدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولقد وددت أنّ أقوى الناس عليه مكاني ، فقال المهاجرون وقال علي والزبير : ما غضبنا إلّا في المشورة ، وإنّا لنرى أنّ أبا بكر أحقّ الناس بها ، إنّه لصاحب الغار وثاني اثنين وإنّا لنعرف له سنّه ، ولقد أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة وهو حيّ (١).

الثاني : ابن أبي الحديد في الشرح قال : روى أبو جعفر الطبري في التاريخ عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : قال لي عبد الرحمن بن عوف وقد حججنا مع عمر : شهدت اليوم أمير المؤمنين بمنى وقال له رجل : إنّي سمعت فلانا يقول : لو مات عمر لبايعت فلانا فقال عمر : إنّي لقائم العشيّة في الناس احذّرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم ، قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين إنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، وهم الذين يقربون من مجلسك ويغلبون عليه ، وأخاف أن تقول مقالة لا يعونها ولا يحفظونها فيطيروا بك ولكن أمهل حتّى تقدم المدينة وتخلص بأصحاب رسول الله فتقول فيسمعوا مقالتك فقال : والله لأقؤمنّ بها أوّل مقام أقومه

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٧.

٣٤٠