غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٥

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٥

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

التي في لقمان فقضى لي أن حججت فدخلت على أبي جعفر فخلوت به فقلت : جعلت فداك حديث جاء به عبد الواحد قال : نعم ، قلت : أي آية هي التي في لقمان أو التي في بني إسرائيل؟ فقال : التي في لقمان (١).

الرابع : محمّد بن العبّاس قال : حدّثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن شمر عن المفضّل عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) رسول الله وعليّ صلوات الله عليهما (٢).

الخامس : محمّد بن العبّاس عن ابن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيّوب عن أبان بن عثمان عن بشير الدهّان أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد الوالدين ، قال : قلت : والآخر؟ قال : هو عليّ بن أبي طالب (٣).

السادس : ابن شهرآشوب عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قال : الوالدن رسول الله وعليّ عليهما‌السلام (٤).

السابع : عن سلام الجعفي عن أبي جعفر وأبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ ، وروي مثل ذلك في حديث ابن جبلة وروى عن بعض الأئمّة عليهم‌السلام في قوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) انّه نزل فيهما (٥).

الثامن : السيّد المرتضى في الخصائص باسناد عن سهل بن كهيل عن أبيه في قول الله عزوجل : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) قال : أحد الوالدين عليّ بن أبي طالب (٦).

التاسع : وعن النبيّ عليه‌السلام : أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة (٧).

العاشر : وروي عنه عليه‌السلام : أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة أنا وعليّ مولى هذه الأمّة (٨).

الحادي عشر : وروي عنه عليه‌السلام : أنا وعليّ أبوا هذه الامّة فعلى عاق والديه لعنة الله (٩).

الثاني عشر : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا محمد بن محمّد قال : أخبرنا محمد بن عمر الجعابي قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال : حدّثنا أبو عوانة موسى بن يوسف القطّان الكوفي قال : حدّثنا محمد بن سليمان المقرئ الكندي عن عبد الصمد بن عليّ النوفلي عن

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٦ / ١٢ / ح ١٥.

(٢) بحار الأنوار : ٣٦ / ١٣ / ح ١٦.

(٣) المصدر السابق : ذيل الحديث السابق.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٠٠.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٠٠.

(٦) خصائص الأئمة للشريف الرضي : ٧٠ ، ومناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٠٥.

(٧) مائة منقبة : ٤٦.

(٨) نهج الإيمان لابن جبر : ٦٢٩ ط. مشهد.

(٩) العمدة لابن البطريق : ٣٤٥.

٣٠١

أبي إسحاق السبيعي عن أصبغ بن نباتة السعدي قال : لمّا ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام غدونا نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا ، فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا فخرج إلينا الحسن بن عليّ عليهما‌السلام فقال : يقول لكم أمير المؤمنين : انصرفوا إلى منازلكم ، فانصرف القوم غيري ، فاشتدّ البكاء من منزله فبكيت فخرج الحسن عليه‌السلام فقال : ألم أقل لكم انصرفوا؟ فقلت : لا والله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي ، ولا تحملني رجلي أن انصرف حتّى أرى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال : وبكيت فدخل ، فلم يلبث أن خرج فقال لي : ادخل فدخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام فإذا هو مستند ، معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف واصفرّ وجهه ما أدري أوجهه أصفر أم العمامة فأكببت عليه وقبّلته وبكيت فقال لي : لا تبك يا أصبغ فإنّها والله الجنّة فقلت له : جعلت فداك إنّي أعلم والله انّك تصير إلى الجنّة وانّما أبكي لفقداني إيّاك يا أمير المؤمنين ، جعلت فداك حدّثني بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّي أراك لا أسمع منك حديثا بعد يومي هذا أبدا ، قال : نعم يا أصبغ ، دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما فقال لي : يا علي انطلق حتّى تأتي مسجدي ثمّ تصعد منبري ثمّ تدعو الناس إليك فتحمد الله وتثني عليه وتصلّي عليّ صلاة كثيرة ثمّ تقول : أيّها الناس إنّي رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : إنّ لعنة الله ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه وادّعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره.

فأتيت مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله وصعدت منبره ، فلمّا رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي ، فحمدت الله وأثنيت عليه وصلّيت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة كثيرة ثمّ قلت : أيّها الناس انّي رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : ألا أنّ لعنة الله ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه ودعي إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره ، قال : فلم يتكلّم أحد من القوم إلّا عمر بن الخطّاب فإنّه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنّك جئت بكلام غير مفسّر فقلت : أبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرجعت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته الخبر فقال : ارجع إلى مسجدي حتّى تصعد منبري فاحمد الله واثن عليه وصلّ عليّ ، ثمّ قال : أيّها الناس ما كنّا لنجيئكم بشيء إلّا وعندنا تأويله وتفسيره ، ألا وإنّي أنا أبوكم ، ألا وإنّي أنا مولاكم ، ألا وإني أنا أجيركم (١).

الثالث عشر : الإمام أبو محمّد العسكري عليه‌السلام في تفسيره في قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل والديكم وأحقّهما بشكركم محمّد وعليّ ، وقال عليّ بن أبي

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١٢٢ / مجلس ٥ / ح ٤.

٣٠٢

طالب عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا وعليّ أبوا هذه الامّة ، ولحقّنا عليكم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم ، فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار ولنلحقهم من العبودية بخيار الأحرار ، وقالت فاطمة صلوات الله عليها : أبوا هذه الامّة محمّد وعليّ ، يقيمان أودهم وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما ، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما ، وقال الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : محمّد وعليّ أبوا هذه الأمّة ، فطوبى لمن كان بحقّهما عارفا ، ولهما في كلّ أحواله مطيعا يجعله من أفضل سكّان جنّاته ويسعده بكراماته ورضوانه ، وقال الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : من عرف حقّ أبويه الأفضل محمّد وعلي وأطاعهما حق الطاعة قيل له : تبحبح في أيّ الجنان شئت ، وقال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : إن كان الأبوان إنّما أعظم حقّهما على الأولاد لإحسانهما إليهم ، فإحسان محمّد وعليّ على هذه الأمّة أجلّ وأعظم منهما بأن يكونا أبويهم أحقّ.

وقال محمّد بن عليّ عليهما‌السلام : من أراد أن يعلم كيف قدره عند الله فلينظر كيف قدر أبويه الأفضل عنده محمّد وعليّ ، وقال جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : من رعى حقّ أبويه الأفضل محمد وعليّ لم يضره بما ضاع من حقّ أبوي نفسه وسائر عباد الله ، فإنّهما يرضيانهما بشفاعتهما (١) وقال موسى بن جعفرعليهما‌السلام : يعظم ثواب الصلاة على قدر تعظيم المصلّي أبويه الأفضل محمّد وعليّ ، وقال عليّ بن موسى عليهما‌السلام : أما يكره أحدكم أن ينفى عن أبيه وأمّه الذين ولدهما.

قالوا : بلى والله.

قال : فليجتهد لأن لا ينفى عن أبيه وأمّه هما أبواه أفضل من أبوي نفسه ، وقال محمّد بن عليّعليهما‌السلام : قال رجل بحضرته : إنّي لأحبّ محمّدا وعليّا حتّى لو قطعت إربا إربا أو قرضت لم أزل عنه ، قال محمّد بن علي : لا جرم أنّ محمّدا وعليّا يعطيانك من أنفسهما ما تعطيهما أنت من نفسك ، إنّهما ليستدعيان لك في يوم فصل القضاء ما لا يفي به ما بذلته لهما بجزء من مائة ألف ألف جزء من ذلك ، وقال عليّ ابن محمّد عليهما‌السلام : من لم يكن والدا دينه محمّد وعليّ أكرم عليه من والدي نسبه فليس من الله في حلّ ولا حرام ولا قليل ولا كثير ، وقال الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : من آثر طاعة أبوي دينه محمّد وعليّ على طاعة أبوي نفسه قال الله عزوجل : لأوثرنّك كما آثرتني ولأشرفنّك بحضرة أبوي دينك كما شرّفت نفسك بإيثار حبّهما على حبّ أبوي نسبك (٢).

__________________

(١) في المصدر : بسعيهما.

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٠

٣٠٣

الباب الثالث والخمسون

في أنّ المهاجرين والأنصار لا يشكّون أنّ صاحب الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

هو أمير المؤمنين علي وأنّ أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية يعلمون ذلك

وإتيان أبي بكر وعمر ليبايعا عليّا عليه‌السلام بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

وقول أبي بكر : أقيلوني ... الحديث

من طرق العامّة وفيه خمسة عشر حديثا

الأوّل : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامّة من المعتزلة قال : روى الزبير بن بكّار قال محمّد بن إسحاق : إنّ أبا بكر لمّا بويع افتخرت بنو مرّة قال : وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون في أنّ عليّا عليه‌السلام هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الفضل بن العبّاس : يا معشر قريش وخصوصا بني تيم إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة ونحن أهلها دونكم ، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهية الناس لنا أعظم من كراهيتهم لغيرنا حسدا منهم لنا وحقدا علينا ، وإنّا لنعلم أنّ عند صاحبنا عهدا وهو ينتهي إليه ، وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم :

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبيّ ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

ما فيه ما فيهم لا تمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردّهم عنه فنعلمه ها

إنّ ذا غبننا من أعظم الغبن

قال الزبير : فبعث إليه عليّ عليه‌السلام فنهاه وأمره أن لا يعود ، وقال : سلامة الدّين أحبّ إلينا من غيرها (١).

الثاني : ابن أبي الحديد في الشرح قال : روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز في كتاب السقيفة قال: أخبرني أحمد بن إسحاق قال : حدّثنا أحمد بن سيّار قال : حدّثنا سعيد بن كثير عن عفير الأنصاري

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١.

٣٠٤

قال : ذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة عليها‌السلام منهم اسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبوا ـ يعني من كان في بيت فاطمة ـ وخرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر : عليكم الكلب فوثب عليه سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ثمّ انطلقوا به وبعليّ ومعهما بنو هاشم ، وعليّ عليه‌السلام يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله حتّى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له : بايع ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا ابايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الامارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ولا فبوءوا بالظلم لنا وأنتم تعلمون.

فقال عمر : انّك لست متروكا حتّى تبايع ، فقال له عليّ عليه‌السلام : احلب يا عمر حلبا لك شطره، أشدد له اليوم أمره ليردّه عليك غدا ، ألا والله ولا أقبل قولك ولا ابايعه ، فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك ، فقال له أبو عبيدة : يا أبا الحسن انّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قريش قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور ، ولا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالا له واضطلاعا به ، فسلّم له هذا الأمر وارض به ، فانّك إن تعش وبطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك فقال : يا معشر المهاجرين ، الله الله لا تخرجوا سلطان محمّد من بيته وداره إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، أمّا كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرعية ، والله إنّه لفينا فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بعدا ، فقال بشر بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ولكنّهم قد بايعوا ، وانصرف علي إلى منزله ولم يبايع ولزم بيته حتّى ماتت فاطمة ، فلمّا ماتت فاطمة خرج فبايع (١).

الثالث : ابن أبي الحديد قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز : وحدّثنا أحمد قال : حدّثني سعيد بن كثير قال : حدّثني ابن لهيعة انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما مات وأبو ذرّ غائب فقدم وقد ولي أبو بكر وقال : أصبتم قناعه وتركتم قرامه ، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيّكم ما اختلف عليكم اثنان ، قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبّه قال : حدّثنا أبو قبيصة محمّد بن حرب قال : لمّا توفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجرى في السقيفة ما جرى تمثّل عليّ عليه‌السلام :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٥.

٣٠٥

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا

ويطغون لما غال زيدا غوائله (١)

وقال : وروى الزبير بن بكّار في الموفّقيات لمّا بايع بشير بن سعد أبا بكر وازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه مرّ أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فوقف وأنشد :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكم وإليكم

وليس لها إلّا أبو حسن علي

أبا حسن فاشدد بها كفّ حازم

فإنّك بالأمر الذي يرتجى ملي

وأيّ امرئ يرمى قصيا ورأيها

منيع الحمى والبأس من غالب قصي (٢)

الرابع : ابن أبي الحديد قال الزبير : لمّا بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفّه زفّا إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا كان في آخر النهار افترقوا إلى منازلهم واجتمع قوم من الأنصار وقوم من المهاجرين، فتعاتبوا فيما بينهم وقال عبد الرحمن بن عوف : يا معشر الأنصار انّكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا عليّ ولا أبي عبيدة ، فقال زيد بن أرقم : إنّا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرّحمن ، وانّ منّا لسيّد الأنصار سعد بن عبادة ومن أمر الله رسوله عليه‌السلام أن يقرئه السلام ، وأن يأخذ عنه القرآن أبيّ بن كعب ومن يجيء يوم القيامة امام العلماء معاذ بن جبل ، ومن أمضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت ، وإنّا لنعلم انّ ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد عليّ بن أبي طالب قال الزبير : فلمّا كان من الغد قام أبو بكر وخطب الناس فقال : أيّها الناس إنّي ولّيتكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوّموني ، فإنّ لي شيطانا يعتريني ، فإيّاكم وإيّاي إذا غضبت لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم ، الصدق أمانة والكذب خيانة ، والضعيف منكم قويّ حتّى أردّ إليه حقّه ، والقويّ ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه ، انّه لا يدع قوم الجهاد إلّا ضربهم الله بالذلّ ، ولا تشيع في قوم الفاحشة إلّا عمّهم البلاء ، أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم ، فقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله (٣).

الخامس : ابن أبي الحديد قال الزبير : قال : حدّثنا محمّد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة قال : حدّثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال : لمّا بويع أبو بكر واستقرّ أمره ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته ولام بعضهم بعضا وذكروا عليّ بن أبي طالب

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٣.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٧.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٩.

٣٠٦

ونوهوا باسمه وإنّه لفي بيته لم يخرج إليهم ، وجزع من ذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام (١).

السادس : ابن أبي الحديد قال : قال الزبير : وحضر أبو سفيان بن حرب فقال : يا معشر قريش إنّه ليس للأنصار أن يتفضّلوا على الناس حتّى يقرّوا بفضلنا عليهم ، فإن تفضلوا فحسبنا حتّى انتهى بها ، وإلّا فحسبهم حيث انتهى بهم ، وايم الله لئن بطروا المعيشة وكفروا النعمة لنضربنهم على الإسلام كما ضربونا عليه ، فأمّا عليّ بن أبي طالب فأهل والله أن يسود على قريش وتطيعه الأنصار.

السابع : ابن أبي الحديد وقال : قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبّه عن رجاله عن الشعبي قال : قام الحسن بن عليّ عليهما‌السلام إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر فقال له : انزل عن منبر أبي ، فقال أبو بكر : صدقت والله انّه لمنبر أبيك لا منبر أبي ، فبعث عليّ عليه‌السلام إلى أبي بكر إنّه غلام حدث وإنّا لم نأمره فقال أبو بكر : صدقت إنّا لم نتهمك (٢).

الثامن : ابن أبي الحديد قال أبو بكر : وأخبرنا زيد قال : حدّثنا محمّد بن يحيى قال : حدّثنا غسّان ابن عبد الحميد قال : لما أكثروا في تخلّف عليّ عليه‌السلام عن البيعة واشتدّ أمر أبي بكر وعمر في ذلك خرجت أمّ مسطّح بن أثاثة فوقفت عند قبر النبيّ ونادته يا رسول الله :

قد كان بعدك أنباء وهينمة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

انّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم ولا تعب (٣)

التاسع : ابن أبي الحديد قال قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز : وسمعت أبا زيد بن عمر بن شبة يحدّث رجلا بحديث لم أحفظ اسناده قال : مرّ المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قبض فقال : ما يقعدكما؟ قالا : ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه ـ يعنيان عليّا عليه‌السلام ـ فقال : أتريدون أن تنتظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت ، وسّعوها في قريش تتّسع قال : فقاما إلى سقيفة بني ساعدة أو كلاما هذا معناه (٤).

انظر كيف رجع أبو بكر وعمر عن الحقّ ورجعا إلى المغيرة بن شعبة الذي شهد عليه المعتزلة بالكفر كما صرّح به ابن أبي الحديد ، وإنّه زان فاسق كما ذكره ابن أبي الحديد وذكر فيه الروايات الكثيرة في الشرح ، والعجب أيضا من ابن أبي الحديد ومن قال بمقالته كيف يعتقد إمامة من هذه صفته.

العاشر : ابن أبي الحديد في الشرح قال : قال نصر يعني بن مزاحم : وكتب محمّد بن أبي بكر :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٢.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٢.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٣.

(٤) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٣.

٣٠٧

الغاوي معاوية بن صخر سلام على أهل طاعة الله ممّن هو سلم لأهل ولايته ، أمّا بعد فإنّ الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عبث ولا ضعف في قوّته ولا حاجة به الى خلقهم ولكنّه خلقهم عبيدا ، وجعل منهم شقيّا وسعيدا وغويّا ورشيدا ، ثمّ اختارهم على علمه فاصطفى وانتجب منهم محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فاختصّه برسالته واختاره لوحيه وائتمنه على أمره وبعثه رسولا مصدّقا لما بين يديه من الكتب ودليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أوّل من أجاب وأناب وصدّق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب ، وصدّقه بالغيب المكتوم وآثره على كلّ حميم ، ووقاه كلّ هول وواساه بنفسه في كلّ خوف ، فحارب حربه وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الروع حتّى برز سابقا لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله.

وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو ، السابق المبرز في كلّ خير ، أوّل الناس إسلاما وأصدق الناس نيّة وأطيب الناس ذريّة وأفضل الناس زوجة وخير الناس ، ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل ، وتجتهدان على إطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال وتحالفان في ذلك القبائل ، على هذا مات أبوك وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقيّة الأحزاب ورءوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشاهد لعليّ مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن ففضّلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار ، فهم معه كتائب وعصائب ، يجالدون حوله بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتباعه ، والشقاق والعصيان في خلافه فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ وهو وارث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه وأبو ولده وأوّل الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا يخبره بسرّه ويشركه في أمره وأنت عدوّه؟ وابن عدوّه فتمتع ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكان أجلك قد انقضى وكيدك قد زها وسوف تستبين لمن تكون العاقبة العليا.

واعلم أنّك إنّما تكايد ربّك الذي قد أمنت كيده وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور ، وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء والسلام على من اتّبع الهدى.

فكتب إليه معاوية : من معاوية بن أبي سفيان : إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر ، سلام الله على أهل طاعة الله ، أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه وما اصطفى به نبيّه مع كلام ألفته ووضعته ، لرأيك فيه تضعيف ولايتك فيه تعنيف ، ذكرت حقّ ابن أبي طالب

٣٠٨

وقديم سابقته وقرابته من نبي الله ونصرته ومواساته إيّاه في كلّ هول وخوف ، واحتجاجك عليّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك ، فاحمد إلها صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك ، فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا ، فلمّا اختار الله لنبيّه ما عنده وأتمّ له ما وعده وأظهر دعوته وأفلج حجّته قبضه الله إليه ، فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه وخالفه ، على ذلك اتّفقا واتّسقا ثمّ دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما وتلكآ عليهما ، فهمّا به الهموم وأرادا به العظيم فبايعهما وسلم لهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما ، حتّى قبضا وانقضى أمرهما ثمّ أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفّان يهتدي بهداهما ويسير بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، وبطنتما وظهرتما وكشفتما له عداوتكما وغلّكما حتّى بلغتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بفترك يقصر عن ان تساوى أو توازى من يزن الجبال حلمه ولا يلين على قسر قناته ولا يدرك ذو مدى أناته ، أبوك مهّد له مهاده وبنى ملكه وشاده ، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله وإن يكن جورا فأبوك أسّه ونحن شركاؤه ، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ، رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك أو دع ، والسلام على من أناب ، ورجع عن غوايته وتاب (١).

الحادي عشر : روى عامر الشعبي وهو من النواصب المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، رواه عن عروة بن الزبير بن العوّام قال : لمّا قال المنافقون : إنّ أبا بكر تقدّم عليّا ، وهو يقول : أنا أولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال : صبرا على من ليس يؤول إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية ، أظهر الايمان ذلّة وأسرّ النفاق غلّة ، هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون أنّي أقول : إنّي أفضل من عليّ ، وكيف أقول ذلك وما لي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيّته؟ عبد الله [وحدّ الله] وأنا موحده ، وعبده قبل أن أعبده ، ووالى الرسول وأنا عدوّه ، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره ، وإنّ ابن أبي طالب فاز من الله بمحبّة ومن الرسول بقربة ومن الأيمان برتبة ، لو جهد الأوّلون والآخرون لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه ، بذل لله مهجته ولابن عمّه مودّته ، كاشف الكرب ودامغ الرّيب وقاطع السّبب إلّا سبب الرّشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبّة النفاق محنة لهذا العالم ، لحق قبل أن يلاحق ، وبرز قبل أن يسابق ، جمع العلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا ، لا يدخر منها مثقال ذرّة إلّا أنفقه في بابه فمن ذا يؤمّل أن ينال

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٨٨.

٣٠٩

درجته وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليّا وللنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصيّا وللخلافة راعيا وللإمامة قائما؟ أفيغتر بمقام قمته إذ أقامني وأطعته إذا أمرني ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ ، من أطاع عليّا رشد ومن عصى عليّا فسد ، ومن أحبّه سعد ومن أبغضه شقي ، والله لو لم يحب ابن أبي طالب إلّا لأجل انّه لم يواقع لله محرما ولا عبد من دونه صنما ، ولحاجة الناس إليه بعد نبيّهم لكان في ذلك ما يحب ، فكيف لأسباب أقلّها موجب وأهونها مرعب ، للرحم المماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليل والرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير والقليل ، ولخلال لا يبلغ عدّها ولا يدرك مجدها ود المتمنّون أن لو كانوا تراب [أقدام] ابن أبي طالب ، أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كلّ كرم وعالم كلّ علم والوسيلة إلى الله وإلى الرسول (١)؟.

الثاني عشر : ابن أبي الحديد في الشرح عن ابن عبّاس في حديث طويل يشكو عثمان عليّا عليه‌السلام وفي الحديث قال عثمان : يا ابن عبّاس الله يعلم انّك تعلم من علي ما شكوت منه قال : اللهمّ لا ، إلّا أن يقول كما يقول الناس ينقم كما ينقمون ، فمن أغراك به وأولعك بذكره دونهم فقال عثمان : انّما افتى من أعظم الدّاء الذي ينصب نفسه لرأس الأمر وهو عليّ بن أبي طالب ابن عمّك ، وهذا والله من نكده وشؤمه قال ابن عبّاس : مهلا استثن يا أمير المؤمنين قل : إن شاء الله قال : إن شاء الله ، ثم قال : إنّي أنشدك بابن عبّاس الإسلام والرحم ، فقد والله غلبت وابتليت بكم والله لوددت أنّ هذا الأمر صار إليكم دوني فحملتموه عنّي وكنت أحد أعوانكم عليه إذا والله لوجدتموني لكم خيرا ممّا وجدتكم لي ، ولقد علمت انّ الأمر لكم ولكن قومكم دفعوكم عنه واختزلوه دونكم ، فو الله ما أدري أدفعوه منكم أم دفعوكم عنه.

قال ابن عبّاس : مهلا يا أمير المؤمنين فانّما ننشدك الله والإسلام والرحم مثل ما نشدتنا أن يطمع فيك وفينا عدوّ أو يشمت بك وبنا حسود إنّ أمرك إليك ما كان فعلا فإذا صار فعلا فليس إليك ولا في يديك ، وإنّا والله لنخالفنّ إن خولفنا ولننازعنّ إن نوزعنا ، ما تمنيك أن يكون الأمر صار إلينا دونك إلا أن يقول قائل منّا ما يقوله الناس ويعيب كما عابوا ، فأمّا صرف قومنا عنّا الامر فعن حسد قد والله عرفته، وبغي قد والله علمته فالله بيننا وبين قومنا ، وأمّا قولك : إنّك لا تدري أدفعوه عنّا أم دفعونا عنه ، فلعمري إنّك لتعرف أنّه لو صار إلينا هذا الأمر ما ازددنا به فضلا ولا قدرا إلى قدرنا وإنّا لأهل الفضل وأهل القدر وما فضل فاضل إلّا بفضلنا ولا سبق سابق إلّا بسبقنا ، ولو لا هدانا ما اهتدى

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي : ١ / ١١٥.

٣١٠

أحد ولا أبصروا من عمى ولا قصدوا من جور ، فقال عثمان : حتّى متى يا ابن عبّاس يأتيني عنكم ما يأتيني ، هبوني كنت بعيدا أما كان لي من الحقّ عليكم أن أراقب وأنا أنظر؟ بلى وربّ الكعبة ولكن الفرقة سهّلت لكم القول فيّ ، وتقدّمت بكم إلى الإسراع إليّ والله المستعان.

قال ابن عبّاس : مهلا حتّى ألقى عليّا ثمّ أحمل إليك على قدر ما أرى فقال : افعل ، فقد فعلت وطال ما طلبت فلا أطلب ولا أجاب ولا أعتب قال ابن عبّاس : فخرجت فلقيت عليّا وإذا به من الغضب والتلظي أضعاف ما بعثمان ، فأردت تسكينه فامتنع فأتيت منزلي وأغلقت بابي واعتزلتهما ، فبلغ ذلك عثمان فأرسل إليّ فأتيته وقد هدأ غضبه فنظر إليّ ثمّ ضحك فقال : يا ابن عبّاس ما أبطأ بك عنّا إن تركك العود إلينا لدليل على ما رأيت عند صاحبك وعرفت من حاله ، فالله بيننا وبينه ، خذ بنا في غير ذلك ، قال ابن عبّاس : فكان عثمان إذا أتاه بعد ذلك عن عليّ شيء فأردت التكذيب عنه يقول : ولا يوم الجمعة حين أبطأت عنّا وتركت العود إلينا فلا أدري كيف أردّ عليه (١).

الثالث عشر : ابن أبي الحديد قال : روى الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عبّاس رحمه‌الله قال : شهدت عتاب عثمان لعليّ عليه‌السلام يوما فقال له في بعض ما قال له : نشدتك الله أن تفتح للفرقة بابا فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقا وابن الخطّاب كطاعتك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولست بدون واحد منهما وأنا أمسّ بك رحما وأقرب إليك صهرا ، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله لك فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت ، فإن كانا لم يركبا من الأمر جددا فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة؟ وإن كانا أحسنا فيما وليا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما؟ فقال عليّعليه‌السلام : أمّا الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها بابا وأسهّل إليها سبيلا ولكنّي أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه ، وأمّا عتيق وابن الخطّاب فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون ، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين؟ فأمّا أن لا يكون حقّي ، بل المسلمون فيه شرع فقد أصاب السّهم الثغرة ، وامّا أن يكون حقّي دونهم فقد تركته لهم ، طبت به نفسا ونفضت يدي منه استصلاحا ، وامّا التسوية بينك وبينهما فلست كأحدهما ، إنّهما ولّيا هذا الأمر فظلفا أهلهما وأنفسهما عنه ، وعمت فيه وقومك عوم السائح في اللجّة فارجع إلى الله أبا عمرو ، وانظر هل بقي من عمرك إلّا كظم الحمار؟ فحتى متى؟ وإلى متى؟ ألا تنهي سفهاء بني أميّة عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركا بينه

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٩.

٣١١

وبينك.

قال ابن عبّاس : فقال عثمان : لك العتبى وافعل واعزل من عمّالي كلّ من تكرهه ويكرهه المسلمون ثمّ افترقا فصدّه مروان بن الحكم عن ذلك وقال : يجترئ عليك الناس ، فلم يعزل أحدا منهم(١).

الرابع عشر : ابن أبي الحديد في الشرح قال عثمان : أنا أخبركم ـ مخاطبا لعلي وطلحة والزبير وكان معاوية حاضرا ـ عنّي وعمّا وليت ، إنّ صاحبيّ اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابا ، وانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلّة معاش فبسطت في شيء من ذلك لمّا أقوم به فيه ، فإن رأيتم خطأ فردّوه فأمري لأمركم تبع فقالوا : أصبت وأحسنت ، انّك أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا وأعطيت مروان خمسة عشر ألفا فاستعدهما منهما فاستعادها فخرجوا راضين (٢).

الخامس عشر : محمّد بن علي الحكيم الترمذي وهو من أكابر العامّة في كتابه في كلام له في فضائل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام قال : إذا تحقّقت هذا فقد تحقّقت انّ له الخلافة الحقيقيّة اليقينيّة الأصليّة المعنونة ، ولهذا جعل رضاه بعد مضيّ أيّام إجماعا على خلافة أبي بكر رضي الله عنه يقينيا وكان يأتيه في الحقيقة ، ولهذا قال أبو بكر الصدّيق : أقيلوني فإنّ عليّا أحقّ منّي بهذا الأمر ، قال وفي رواية : كان الصدّيق رضي الله عنه يقول ثلاث مرّات : أقيلوني أقيلوني فإنّي لست بخير منكم وعليّ فيكم ، وإنّما قال ذلك لعلمه بحال عليّ كرّم الله وجهه ومرتبته في الخلافة في الحقية الحقيقية الأصلية اليقينيّة تخلّفا وتحقّقا وتعقّلا وتعلّقا (٣).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ١٥.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٣٨.

(٣) تفسير القرطبي : ١ / ٢٧٢ ، الغدير : ٥ / ٣٦٨ بتفاوت.

٣١٢

الباب الرابع والخمسون

في قول عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لأبي بكر انّه ليعلم والذين حوله

إنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيري

من طريق الخاصّة وفيه حديث واحد

ذكر سليم بن قيس في كتابه وهو كتاب مشهور معتمد ، نقل منه المصنّفون في كتبهم ، وهو من التابعين رأى عليّا وسلمان وأبا ذرّ ، وفي مطلع كتابه ما هذه صورته : فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي رفعه إلى أبان بن أبي عيّاش وقرأه عليّ وذكر أبان انّه قرأ على عليّ بن الحسين عليهما‌السلام فقال : صدق سليم هذا حديثنا نعرفه.

قال : سمعت سلمان الفارسي يقول : كنت جالسا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قبض فيه فدخلت فاطمة ، فلمّا رأت ما برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الضعف خنقتها العبرة حتّى جرت دموعها على خدّيها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا بنيّة؟ قالت : يا رسول الله أخشى على نفسي وعلى ولدي الضيعة من بعدك ، فقال رسول الله وقد اغرورقت عيناه بالدموع : يا فاطمة أما علمت أنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وأنّه حتم الفناء على جميع خلقه ، وإنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى أهل الأرض فاختارني منها فجعلني رسولا ونبيّا ، ثمّ اطّلع إلى الأرض ثانية فاختار منها بعلك فأمرني أن أزوّجك إيّاه ، وأن أتّخذه أخا ووزيرا ووصيّا ، وأن أجعله خليفتي في أمّتي ، فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أوّل من يلحق بي من أهلي ، ثمّ اطّلع اطلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر من ولدك وولد أخي بعلك منك ، فأنت سيّدة نساء أهل الجنّة وابناك الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأنا وأخي وأوصيائي إلى يوم القيامة كلّهم هادون مهديّون.

أوّل الأوصياء بعد أخي الحسن ثمّ الحسين ثمّ ولد الحسين في منزل واحد في الجنّة. وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثمّ منزل إبراهيم وآل إبراهيم ، أما تعلمين يا بنيّة انّ من كرامة الله إيّاك أن زوّجك خير أمّتي وخير أهل بيتي؟ أقدمهم إسلاما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأكرمهم نفسا وأصدقهم لسانا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفّا وأزهدهم في الدنيا وأشدّهم اجتهادا ، فاستبشرت فاطمة عليها‌السلام بما قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [وفرحت ، ثم قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :] يا بنيّة انّ لعليّ أخي

٣١٣

ثمانية أضراس ثواقب وهي : إيمانه بالله ورسوله قبل كلّ أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمّتي ، وعلمه بكتاب الله وسنّتي ، وليس أحد من أمّتي يعلم جميع علمي أعلم منه بذلك ، وإنّ الله عزوجل علّمني علما لا يعلمه غيري وغيره ، ولم يعلّمه ملائكته ورسله وإنّما أعلمه أنا وأمرني أن اعلّمه عليّا ، ففعلت ذلك ، وليس أحد من أمّتي يعلم بجميع علمي وفهمي وحكمي كلّها سواه ، وإنّك يا بنيّة زوجته وإنّ ابنيه سبطاك الحسن والحسين ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وإنّ الله جلّ ثناؤه آتاه الحكمة وفصل الخطاب ، يا بنيّة إنّا أهل بيت أعطانا الله عزوجل سبع خصال لم يعطها أحدا من الأوّلين ولا أحدا من الآخرين غيرنا ، أبوك سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم ، ووصيّي خير الوصيّين ، ووزيري بعدي خير الوزراء وشهيدنا خير الشهداء أعني عمّي حمزة.

قالت : يا رسول الله سيّد الشهداء الذين قتلوا معك قال : سيّد الأوّلين والآخرين ما خلا النبيّين والوصيّين ، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين المضرّجين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي ومنّا ، والذي نفسي بيده مهدي هذه الامّة يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما قالت : يا رسول الله فأي هؤلاء الذين سمّيت أفضل؟ فقال : عليّ أخي أفضل أمّتي ، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمّتي بعد عليّ [وبعدك] وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا ، وأشار بيده إلى الحسين عليه‌السلام ، منهم المهدي ، إنّا أهل بيت اختار الله عزوجل لنا الآخرة على الدنيا ، ثمّ نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فاطمة عليها‌السلام وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال : يا سلمان اشهد والله إنّي حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم ، أما إنّهم معي في الجنّة ثمّ أقبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ عليه‌السلام وقال : يا أخي انّك ستلقى بعدي من قريش شدّة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، وإن لم تجد أعوانا فاصبر وكفّ يدك ولا تلق بها إلى التهلكة ، فإنّك بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة أنّه قال لموسى : إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (١).

قال سلمان : فلمّا أن قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصنع الناس ما صنعوا جاء لهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح وخاصموا الأنصار بحجّة عليّ فخصموهم فقالوا : يا معاشر الأنصار قريش أحقّ بالأمر منكم لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قريش والمهاجرون خير منكم لأنّ الله سبحانه بدأ بهم في كتابه وفضّلهم ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمّة من قريش ، قال سلمان : فأتيت عليّا عليه‌السلام وهو يغسل رسول الله وقد كان أوصى عليّا عليه‌السلام أن لا يلي غسله إلّا هو فقال : يا رسول الله ومن يعينني عليك؟ فقال

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ١٣٢ ـ ١٣٥ مع تفاوت بالنقص القليل.

٣١٤

جبرئيل عليه‌السلام وكان عليّ عليه‌السلام لا يريد عضوا إلّا انقلب له ، فلمّا غسّله وكفّنه أدخلني وأدخل أبا ذرّ والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهما‌السلام ، فتقدّم عليّ عليه‌السلام وصفّنا خلفه وصلّى عليه ، وعائشة في الحجرة لا تعلم ثمّ أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار ، فكانوا يدخلون فيدعون ثمّ يخرجون حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلّا صلّى عليه قال سلمان : فأتيت عليّا عليه‌السلام وهو يغسل رسول الله فأخبرته بما صنع الناس فقلت : إنّ أبا بكر الساعة قد رقى منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يرضوا أن يبايعوه بيد واحدة وإنّهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله فقال عليّ عليه‌السلام : يا سلمان وهل تدري أوّل من بايعه على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقلت : لا إلّا أنّي رأيت في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار ، فكان أوّل من بايعه المغيرة بن شعبة ثمّ بشر بن سعد ثمّ أبو عبيدة ابن الجرّاح ثمّ عمر بن الخطّاب ثمّ سالم مولى حذيفة ومعاذ بن جبل.

قال : لست أسألك عن هؤلاء ولكن هل تدري أوّل من بايعه حين صعد المنبر؟ قال : لا ، ولكنّي رأيت شيخا كبيرا متوكّيا على عصا ، بين عينيه سجّادة ، شديد التشمير ، صعد المنبر أوّل من صعد وهو يبكي وهو يقول : الحمد لله الذي لم يمتني حتّى رأيتك في هذا المكان ، ابسط يدك ، فبسط يده فبايعه ثمّ نزل فخرج من المسجد فقال عليّ عليه‌السلام : وهل تدري يا سلمان من هو؟

قلت : لا ، وقد ساءتني مقالته كأنّه شامت بموت رسول الله عليه‌السلام ، قال علي عليه‌السلام : فإنّ ذلك إبليس لعنة الله عليه ، إنّ ابليس وأصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاي بغدير خمّ لمّا أمره الله تعالى وأخبرهم إنّي أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ، فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا : إنّ هذه الأمّة مرحومة معصومة لا لك ولا لنا عليهم سبيل ، قد أعلموا مقرّهم وإمامهم بعد نبيّهم فانطلق إبليس آيسا حزينا.

قال : فأخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك وقال : تبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة حتّى بعد تخاصمهم بحقّنا وحجّتنا ، ثمّ يأتون المسجد فيكون أوّل من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مغمر يقول له كذا وكذا ، ثمّ يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرّون سجّدا ، فيحث ويكسع ثمّ يقول : كلّا زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل ، فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته وأمرهم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك قول الله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال سلمان : فلمّا كان الليل حمل فاطمة على حمار وأخذ بيد الحسن والحسين عليهما‌السلام فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلّا أتاه في منزله وذكّره حقّه ودعاه إلى نصرته ، فما استجاب له إلّا أربعة وأربعون رجلا ، فأمرهم أن

٣١٥

يصبحوا محلّقين رءوسهم ومعهم سلاحهم على أن يبايعوه على الموت ، وأصبحوا لم يوافقه منهم إلّا أربعة.

[فقلت لسلمان : من الأربعة؟]

قال : أنا وأبو ذرّ والمقداد والزبير بن العوّام ثمّ غادرهم ليلا يناشدهم فقالوا : نصحبك بكرة فما أتاه منهم أحد غيرنا ، فلمّا رأى عليّ غدرهم وقلّة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلّفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه ، وكان في المصحف القرطاس والاسيار والرقاع ، فلمّا جمعه كلّه كتبه [بيده] على تنزيله والناسخ منه والمنسوخ ، وبعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع فبعث إليه عليّ عليه‌السلام إنّي مشغول ولقد آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلّا للصلاة حتّى أؤلف القرآن فأجمعه ، فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثمّ خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنادى بأعلى صوته : يا أيّها الناس إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشغولا بغسله ثمّ بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل الله تعالى على رسوله آية منه إلّا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلّا وقد أقرأني إيّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلّمني تأويلها ثمّ قال لهم علي لئلّا تقولوا يوم القيامة إنّي لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكّركم حقّي ، فأدعوكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته.

فقال عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه ، ثمّ دخل عليّ عليه‌السلام بيته فقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى عليّ عليه‌السلام فلسنا في شيء حتّى يبايع ولو قد بايع أمنّاه ، فأرسل أبو بكر : أجب خليفة رسول الله فأتاه الرسول فقال له ذلك فقال له عليّ عليه‌السلام : ما أسرع ما كذبتم على رسول الله ، إنّه ليعلم والذين حوله أنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيري فذهب الرسول فأخبره بما قال له فقال : اذهب فقل له : أجب أمير المؤمنين أبا بكر ، فأتاه فأخبره بذلك فقال له عليّ عليه‌السلام : سبحان الله ، والله ما طال العهد فينسى ، فو الله إنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلّا لي ، وقد أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو سابع سبعة فسلّموا عليه بإمرة المؤمنين فاستفهمه هو وصاحبه ومن بين السبعة وقالا : أحقّ من الله ورسوله؟

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم حقّا حقّا من الله ومن رسوله إنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجّلين ، يقعده الله عزوجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار فانطلق الرسول فأخبره بما قال ، فسكتوا عنه يومهم ذلك ، فلمّا كان الليل حمل علي عليه‌السلام فاطمة عليهما‌السلام وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أتاه في منزله فناشدهم الله حقّه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب له منهم أحد غير الأربعة ، فإنّا

٣١٦

حلقنا رءوسنا وبذلنا له نصرتنا وكان الزبير أشدّ نصرة ، فلمّا رأى عليّ عليه‌السلام خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم له لزم بيته وقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع فإنّه لم يبق أحد إلّا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة؟ وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا ، والآخر أفطنهما [وأغلظهما] وأجفاهما فقال له أبو بكر : من ترسل إليه؟

قال : نرسل إليه قنفذا ، رجلا فظّا غليظا جافيا من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب ، فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا فانطلق فاستأذن عليّا عليه‌السلام فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا ، لم يؤذن لنا فقال عمر : اذهبوا فإن أذن لكم وإلّا فادخلوا عليه من غير إذن ، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليهما‌السلام : أحرج عليكم أن تدخلوا عليّ بيتي فرجعوا فثبت قنفذ الملعون.

فقال : إنّ فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل عليها بيتها من غير إذن فغضب عمر فقال: ما لنا وللنساء ، ثمّ أمر اناسا حوله يحملون حطبا فحملوا الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول بيت عليّ عليه‌السلام وفيه عليّ وفاطمة وابناهما صلوات الله عليهم ، ثمّ نادى عمر حتّى أسمع عليّا وفاطمة : والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله وإلّا أضرمت عليك بيتك نارا ، ثمّ رجع قنفذ إلى أبي بكر وهو متخوّف أن يخرج علي إليه بسيفه لما يعرف من بأسه وشدّته فقال أبو بكر لقنفذ : ارجع فإن خرج وإلّا فاهجم عليه بيته ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا ، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وسار عليّ عليه‌السلام إلى سيفه فسبقه إليه وهم كثيرون ، فتناول بعضهم سيفه وكاثروه فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة عند باب البيت ، فضربها قنفذ لعنه الله بسوط كان معه ، فماتت صلوات الله عليها وانّ في عضدها مثل الدماليج من ضربته لعنة الله عليه ولعن من بعث به ، ثمّ انطلق به يعتل عتلا حتّى انتهى إلى أبي بكر بالسيف وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسد بن حصين وبشر بن سعد وسائر الناس حولهم عليهم السلاح.

قال : قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة بغير إذن؟ قال : أي والله ما عليها خمار فنادت وا أبتاه وا رسول الله يا أبتاه ، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تنفقآ في قبرك ، تنادي بأعلى صوتها ، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون ، وما فيهم إلّا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة ، وعمر يقول : إنّا لسنا من النساء ورأيهن في شيء ، فانتهوا به إلى أبي بكر وهو يقول: أما

٣١٧

والله لو وقع سيفي في يدي لعلمت أنّكم لن تصلوا إلى هذا أبدا ، والله لم ألم نفسي في جهادكم ، لو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثمّ خذلوني ، وقد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة عليها‌السلام بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها أرسل إليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها ، فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر لها ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلوات الله عليها من ذلك شهيدة ، فلمّا انتهى بعلي إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له : بايع.

فقال له عليّ عليه‌السلام : إن أنا لم أبايع فما أنتم صانعون؟

قالوا : نقتلك ذلّا وصغارا ، فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو بكر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا نعرفك بهذا ، فقال : أتجحد انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بيني وبينه؟

قال : نعم ، فأعاد عليه ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ أقبل عليّ عليه‌السلام فقال : يا معاشر المسلمين والمهاجرين والأنصار أنشدكم الله ، أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ كذا وكذا ، وفي غزوة تبوك كذا وكذا فلم يدع شيئا قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علانية للعامّة إلّا ذكّرهم إيّاه.

قالوا : اللهمّ نعم ، فلمّا أن تخوّف أبو بكر أن تنصره الناس وأن يمنعوه منه بادرهم فقال له : كلّما قلت : حقّ قد سمعناه بأذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول بعد هذا : إنّا أهل بيت اصطفانا الله تعالى واختار لنا الآخرة على الدّنيا ، فإنّ الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة ، فقال عليّ عليه‌السلام : هل أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهد هذا معك؟

فقال عمر : صدق خليفة رسول الله قد سمعته منه كما قال ، قال : وقال أبو عبيدة وسالم مولى حذيفة ومعاذ بن جبل قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لهم عليّ عليه‌السلام : لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها في الكعبة ، إن قتل الله محمّدا أو مات لتزونّ هذا الأمر عنّا أهل البيت.

فقال أبو بكر : فما علمك بذلك؟ أطلعناك عليها فقال عليّ عليه‌السلام : يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذرّ وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالإسلام ، أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك : وأنتم لتسمعون أنّ فلانا وفلانا ـ عدّ هؤلاء الأربعة (١) ـ قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا ، إن قتلت أو متّ أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا الأمر يا علي قلت : بأبي أنت يا رسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك؟ فقال لي : إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم وإن لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك فقال : أما والله لو أنّ أولئك الأربعين الرجل الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم

__________________

(١) في المصدر : الخمسة.

٣١٨

في الله ، فقال عمر : أما والله لا ينالها أحد من أعقابكم إلى يوم القيامة ثمّ نادى عليّ عليه‌السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه : يا ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، ثمّ تناول يد أبي بكر فبايع وقيل للزبير : بايع فأبى فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأناس معهم فانتزعوا سيفه فضربوا به الأرض فقال الزبير : يا ابن صهاك أما والله لو أنّ سيفي في يدي لحدت عني ثم بايع.

قال سلمان ثم أخذوني فوجئوا في عنقي حتّى تركوه كالسلعة ثمّ أخذوا يدي فبايعت مكرها ، ثمّ بايع أبو ذر والمقداد مكرهين ، وما من أحد من الأمّة بايع مكرها غير عليّ وأربعتنا ولم يكن منّا أشدّ قولا أحد من الزبير فإنّه لمّا بايع قال : يا ابن صهاك امّا والله لو لا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم عليّ ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك ، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول ، فغضب عمر وقال : أتذكر صهّاك.

فقال : وما يمنعني وقد كانت صهاك زانية؟ أو تنكر ذلك؟ أو ليس كانت أمة لجدّي عبد المطلّب فزنى بها جدّك نفيل فولدت أباك الخطّاب فوهبها عبد المطّلب لجدّك بعد ما ولدته وانّه لعبد لجدّي ولد زنا؟ فأصلح أبو بكر بينهما وكفّ كلّ واحد منهما عن صاحبه ، قال سليم : فقلت لسلمان: فبايعت أبا بكر ولم تقل شيئا؟ قال : بلى ، قد قلت بعد ما بايعت : تبّا لكم سائر الدهر ، لو تدرون ما صنعتم بأنفسكم ، أصبتم وأخطأتم ، أصبتم سنّة من قبلكم من الفرقة والاختلاف وأخطأتم سنّة نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أخرجتموها من معدنها وأهلها ، فقال عمر : أمّا إذ قد بايعت يا سلمان فقل ما شئت وافعل ما بدا لك ، وليقل صاحبك ما بدا له.

قال سلمان : قلت : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمّته إلى يوم القيامة ، ومثل عذابهم جميعا فقال له : قل ما شئت ، أليس قد بايعت ولم يقرّ الله عينك بأن يلبسها صاحبك؟ فقال : أشهد أنّي قرأت في بعض كتب الله أنّك باسمك وصفتك باب من أبواب جهنّم فقال : قل ما شئت أليس قد عداها الله عن أهل البيت الذين اتخذتموهم أربابا فقلت : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك ، وسألته عن هذه الآية (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) فأخبرني بأنّك أنت هو فقال لي عمر : اسكت ، اسكت الله نامتك أيّها العبد ابن اللخناء فقال لي علي : اسكت يا سلمان ، فو الله لو لم يأمرني عليّ بالسكوت لخبرته بكلّ شيء نزل فيه وكلّ شيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي صاحبه ، فلمّا رآني عمر وقد سكتّ قال لي : إنّك لمطيع مسلّم ، فلمّا بايع أبو ذرّ والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر : ألا كففت كما كفّ صاحباك ، والله ما أنت بأشدّ حبّا لأهل هذا البيت منهما ، ولا أشدّ تعظيما لحقّهم منهما وقد كفّا كما ترى وقد بايعا

٣١٩

فقال أبو ذرّ : تعيّرنا يا عمر بحبّ آل محمّد وتعظيمهم ، لعن الله وقد فعل من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقّهم وحمل الناس على رقابهم وردّ هذه الأمّة القهقرى على أدبارهم.

فقال عمر : آمين لعن الله من ظلمهم حقّهم لا ، والله ما لهم فيها من حقّ وما هم فيها وعرض الناس إلّا سواء قال أبو ذرّ : لم خاصمت الأنصار بحقّهم؟ وقال عليّ لعمر : يا ابن صهاك فليس لنا فيها حقّ ولا هي لك ولا ابن آكلة الذّبان فقال عمر : كفّ يا أبا الحسن إذ قد بايعت ، فانّ العامّة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي؟

فقال عليّ عليه‌السلام : لكنّ الله ورسوله لم يرضيا إلّا بي فابشر أنت وصاحبك ومن تبعكما ووازركما بسخط الله وعذابه وخزيه ، ويلك يا ابن الخطّاب لو ترى ما ذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك ، فقال أبو بكر : يا عمر أمّا إذ بايع وأمنّا شرّه وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء فقال عليّ عليه‌السلام : لست قائلا غير شيء واحد ، أذكّركم بالله أيها الأربعة لسلمان والزبير وأبي ذرّ والمقداد أسمعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ تابوتا من نار فيه اثنا عشر ؛ ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين في قعر جهنّم في جبّ في تابوت مقفل ، على ذلك الجبّ صخرة فإذا أراد الله أن يسعر جهنّم كشفت تلك الصخرة عن ذلك الجبّ ، فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حرّه ، قال عليّ عليه‌السلام : فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم وأنتم شهود فقال رسول الله عليه‌السلام : أمّا الأوّلون فابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، ورجلان من بني إسرائيل بدّلا كتابهم وغيّرا سنّتهم ، أمّا أحدهما فهوّد اليهود والآخر فنصّر النصارى ، وعاقر الناقة ، وقاتل يحيى بن زكريا والدّجال في الآخرين وهؤلاء الأربعة أصحاب الكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي ، ويتظاهرون عليك بعدي ، هذا وهذا حتى عدّهم وسمّاهم قال : فقلنا صدقت نشهد أنّه قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عثمان : يا أبا الحسن أما عندك فيّ حديث؟ فقال علي عليه‌السلام : بلى لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلعنك ثمّ لم يستغفر لك بعد ما لعنك ، فغضب عثمان ثمّ قال : ما لي وما لك لا تدعني على حال كنت على عهد النبيّ ولا بعده؟

فقال له عليّ عليه‌السلام : فأرغم الله أنفك ، ثمّ قال له عثمان : والله لقد سمعت رسول الله يقول : إنّ الزبير يقتل مرتدّا ، قال سلمان : فقال عليّ عليه‌السلام : انّ الناس كلّهم ارتدّوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير أربعة، إنّ الناس صاروا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة هارون ومن تبعه ، ومنزلة العجل ومن تبعه فعلي في شبه هارون ، وعتيق في شبه العجل ، وعمر في شبه السامري ، وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ليجيئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة حتّى ليمرّوا على الصراط فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم

٣٢٠