أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٧

يحيى الخطيب التبريزي ، وألف كتباً حسنة وقرأت عليه ، وكان منتفعاً به لديانته وحسن سيرته اهـ.

وذكره ابن خلكان فقال : أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد ابن الجواليقي البغدادي الأديب اللغوي كان إماماً في فنون الأدب وهو من مفاخر بغداد ، قرأ الأدب على الخطيب ابي زكريا التبريزي يحيى بن علي ولازمه وتلمذ له حتى برع في فنه ، وهو متدين ثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط صنَّف التصانيف المفيدة وانتشرت منه مثل شرح أدب الكاتب والمعرّب ، ولم يعمل في جنسه اكثر منه ، وتتمة درة الغواص للحريري سماء التكملة فيما يلحن فيه العامة الى غير ذلك ، وكان يختار في مسائل النحو مذاهب غريبة ، وكان في اللغة أمثل منه في النحو ، وخطه مرغوب فيه يتنافس الناس في تحصيله والمغالاة فيه ، وسمع ابن الجواليقي من شيوخ زمانه واكثر ، وأخذ الناس عنه علماً جماً ، وينسب اليه من الشعر شيء قليل « اه ». وذكره وأباه أحمد السمعاني في الانساب فقال : الجواليقي ابو طاهر احمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي والد شيخاً ابي منصور كان شيخنا صالحا سديداً ًوابنه الامام ابو منصور موهوب بن ابي طاهر الجواليقي من اهل بغداد كان من مفاخر بغداد بل العراق وكان متديناً ًثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط قرأ الادب على ابي زكريا التبريزي والقاضي وابي الفرج البصري وتلمذ لهما وبرع في الفقه وصنف التصانيف وانتشر ذكره وشاع في الآفاق وقرأ عليه اكثر فضلاء بغداد وسمع ابا القاسم علي بن احمد ابن التستري وابا طاهر محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري وابا الفوارس طراد بن محمد الزينبي ومن بعدهم ، سمعت منه الكثير وقرأت عليه الكتب مثل غريب الحديث لابي عبد وامالي الصولي وغيرها من الأخبار المشهورة « اهـ ».

وذكره السيوطي في بغية الوعاة فقال : موهوب بن احمد بن محمد ابن

٤١

الحسن بن الخضر ابو منصور الجواليقي النحوي اللغوي كان اماماً في فنون الادب صحب الخطيب التبريزي وسمع الحديث من ابي القاسم ابن التستري ( البستري ) وابي طاهر بن ابي الصقر وروى عنه الكندي وابن الجوزي وكان ثقة ديناً غزير الفضل وافر العقل مليح الخطّ والضبط درس الادب في النظامية بعد التبريزي واختص بامامة المقتفي وكان في اللغة أمثل منه في النحو وكان متواضعاً طويل الصمت من أهل السنة لا يقول الشيء الا بعد التحقيق يكثر من قول لا ادري « اهـ ».

( اخباره )

قال ابن خلكان : جرت له مع الطبيب هبة الله بن صاعد المعروف بابن التلميذ واقعة عنده وهي انه لما حضر اليه للصلاة به ودخل عليه اول دخله فما زاده على ان قال السلام على اميرالمؤمنين ورحمة الله تعالى فقال له ابن التلميذ وكان حاضراً قائماً بين يدي المقتفي وله ادلال الخاصة والصحية : ما هكذا يسلم على اميرالمؤمنين يا شيخ فلم يلتفت ابن الجواليقي اليه وقال للمقتفي يا اميرالمؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية وروى له خبراً في صورة السلام ثم قال : يا اميرالمؤمنين لو حلف حالف ان كافراً لم يصل الى قلبه نوع من انواع العلم على الوجه المرضي لما حنث لأن الله تعالى ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلا بالايمان فقال له صدقت وأحسنت فيما فعلت وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة ادبه وحكى ولده ابو محمد اسماعيل وكان أنجب اولاده قال كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر والناس يقرؤن عليه فوقف عليه شاب وقال يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم افهم معناهما واريد ان تعرفني معناهما فقال قل فانشده :

وصل الحبيب جنان الخلد اسكنها

وهجره النار يصليني به النارا

٤٢

فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة

ان لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

فقال له والدي يا بني هذا شيء من علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الادب فانصرف الشاب من غير حصول فائدة واستحيا والدي من أن يسأل ما ليس عنده منه علم وقام وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر فنظر في ذلك وحصل معرفته ثم جلس. ومعنى البيت المسؤول عنه : ان الشمس اذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف ، واذا كانت في آخر الجوزاء كان الليل في غاية القصر لانه آخر فصل الربيع : ولبعض شعراء عصره وهو الحيص بيص كما في مختصر الحزيدة للحافظ :

كل الذنوب ببلدتي مغفورة

إلا اللذين تعاظما ان يغفرا

كون الجواليقي فيها ملقيا

أدبا وكون المغربي معبرا

فاسير لكنته تمل فصاحة

وغفول فطنته تعبّر عن كرى

وقال ابن الانباري في النزهة : كان يختار في بعض مسائل النحو مذاهب غريبة وكان يذهب الى ان الاسم بعد لولا يرتفع بها على ما يذهب اليه الكوفيون وكان يذهب الى أن الألف واللام في نعم الرجل ، للعهد على خلاف ما ذهب اليه الجماعة من انها للجنس لا للعهد ، وحضرت حلقته يوماً وهو يقرأ عليه كتاب الجمهرة لابن دريد وقد حكى عن بعض النحويين انه قال اصل ليس ( لا ايس ) فقلت هذا الكلام كأنه من كلام الصوفية فكأن الشيخ أنكر علي ذلك ولم يقل في تلك الحال شيئاً فلما كان بعد ذلك بإيام وقد حضرنا على العادة قال اين ذلك الذي انكر ان يكون اصل ليس لا ايس ، اليس ( لا ) تكون بمعنى ليس فقلت للشيخ ولم اذا كان لا بمعنى ليس يكون اصل ليس لا آيس فلم يذكر شيئاً وكان الشيخ رحمه‌الله في اللغة أمثل منه في النحو وقال ابن الانباري في ترجمة الحريري القاسم بن علي :

٤٣

يحكى انه لما قدم بغداد شيخنا ابو منصور موهوب بن احمد الجواليقي والحريري يقرأ عليه كتاب المقامات فلما بلغ في المقامة ٢١ الى قوله :

وليحشرن اذل من فقع الفلا

ويحاسبن على النقيصة والشغا

قال الشيخ ابو منصور ما الشغا قال الزيادة ، فقال له الشيخ ابو منصور إنما الشغا اختلاف منابت الأسنان ولا معنى له ها هنا وقال ابن الانصاري أيضاً حكى شيخنا أبو منصور عن الشيخ ابي زكريا يحيى بن علي التبريزي عن ابي الجوائز الحسين بن علي الكاتب الواسطي قال رأيت سنة ٤١٤ وأنا جالس في مسجد قبا من نواحي المدينة امرأة عربية حسنة الشارة رائقة الاشارة ساحبة من أذيالها رامية القلوب بسهام جمالها فصلت هناك ركعتين احسنتهما ثم رفعت يديها ودعت بدعاء جمعت فيه بين الفصاحة والخشوع وسمحت عيناها بدمع غير مستدعى ولا ممنوع وأنشأت تقول وهي متمثلة :

يا منزل القطر بعدما قنطوا

ويا وليَّ النعماء والمنن

يكون ما شئت ان يكون وما

قدرت أن لا يكون لم يكن

وسألتني عن البئر التي حفرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وكان أمير المؤمنين بتناول ترابها منه بيده فأريتها اياها وذكرت لها شيئاً من فضلها ثم قلت لها لمن هذا الشعر الذي انشدتيه منذ الساعة فقالت بصوت شج ولسان منكسر انشدناه حضري لاحق لبدوي سابق وصلت له منا علايق ثم رحلته الخطوب وقد رقت عليه القلوب وان الزمان ليشح بما يشح ويسلس ثم يشرس ولو لا ان المعدوم لا يحسن لقلت ما اسعد من لم يُخلق فتركت مفاوضتها وقد صبت الى الحديث نفسها خوفاً ان يغلبني النظر في ذلك المكان وان يظهر من صبوتي ما لا يخفى على من كان في صحبتي ومضت والنوازع تتبعها وهواجس النفس تشيعها ( اهـ ).

٤٤

تشيعه :

عن صاحب رياض العلماء انه قال فيه : ابن الجواليقي من الامامية واليه اسند الشهيد الثاني رحمه‌الله في اجازته للحسين بن عبد الصمد والد البهائي واليه ينسب بعض نسخ دعاء السماء ، وقد يطلق على بعض العامة وهو ـ اي ابن الجواليقي الامامي ـ الشيخ موهوب بن احمد بن محمد بن الخضر الجواليقي انتهى.

ولعل المراد بالجواليقي هو هذا فيستأنس به لكونه من شرط كتابنا وأما ما قاله صاحب الرياض من أن الشهيد الثاني اسند إليه في اجازته للشيخ حسين بن عبدالصمد : فهو اشارة الى قوله في الاجازة المذكورة : واروي كتاب الجمهرة مع باقي مصنفات محمد بن دريد ورواياته واجازاته بالاسناد المقدم الى السيد فخار الموسوي عن ابي الفتح محمد بن الميداني عن ابن الجواليقي عن الخطيب ابي زكريا التبريزي عن ابي محمد الحسن بن علي الجوهري عن ابي بكر بن الجراح عن ابن دريد المصنف الى أن قال وعن السيد فخار جميع مصنفات الهروي صاحب كتاب الغريين عن ابي الفرج بن الجوزي عن ابن الجواليقي عن ابي زكريا الخطيب التبريزي عن الوزير ابي القاسم المغربي عن الهروي المصنف. وعن ابن الجواليقي عن ابي الصقر الواسطي عن الجسثي عن التنيسي عن الانطاكي عن ابي تمام حبيب بن اوس الطائي صاحب الحماسة لها ولجميع تصانيفه ورواياته بالاسناد الى السيد فخار عن ابي الفتح الميداني عن ابن الجواليقي جميع كتبه ( اهـ ) وينبغي أن يكون مستند صاحب الرياض في كونه إمامياً غير اسناد الشهيد الثاني في اجازته له كرواية بعض نسخ دعاء السمات أو غير ذلك فإن اسانيدة الى كتب اللغة والادب قد اشتملت على غير الامامية وروايته في تلك الاجازة عن الخطيب التبريزي تعين ان مراد صاحب الرياض به هو المترجم لا غيره من العامة ممن يطلق عليه ابن الجواليقي فان الخطيب التبريزي شيخه وقد مر عن السيوطي انه من أهل

٤٥

السنة ولعله لم يطلع على حاله ، وصاحب الرياض لا يشك في سعة اطلاعه والله اعلم.

( مشايخه )

قد علم مما مر انه أخذ عن جماعة كثيرين دراسة ورواية (١) الخطيب التبريزي يحيي بن علي (٢) القاضي ابو الفرج البصري (٣) علي بن احمد بن التستري (٤) محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري (٥) طراد بن محمد الزينبى (٦) ابو الصقر الواسطي.

( تلاميذه )

(١) ابن الانباري عبدالرحمن بن محمد. (٢) السمعاني عبد الكريم بن محمد صاحب الانساب. (٣) الكندي. (٤) ابو الفرج ابن الجوزي. (٥) ولده اسماعيل. (٦) ابو الفتح محمد بن الميداني.

( مؤلفاته )

(١) شرح ادب الكاتب (٢) ما تلحن فيه العامة (٣) المقرب وهو ما عرب من كلام المعجم ومر عن ابن خلكان انه لم يعمل في جنسه اكثر منه (٤) تتمة درة الغواص سماه التكملة فيما يلحن فيه العامة وذلك ان درة الغواص في أوهام الخواص فهو قد جعل لها تتمة في اوهام العوام فيكون ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص واحداً وقد عد السيوطي في مؤلفاته ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص فجعلها اثنين فيكون درة الغواص في اوهام الخواص وما تلحن فيه العامة في اوهام العوام (٥) كتاب في علم العروض. انتهى.

٤٦

وفي روضات الجنات ترجم له وذكر له من الشعر قوله ـ كما رواه الدميري في حياة الحيوان :

ورد الورى سلسال جودك فارتووا

ووقفت حول الورد وقفة حائم

حيران أطلب غفلة من وارد

والورد لا يزداد غير تزاحم

وترجم لولده اسماعيل بن موهوب.

وفي التاج المكلل للسيد صديق حسن خان : موهوب بن احمد شيخ اهل اللغة في عصره ، سمع الحديث الكثير وقرأ الادب ودرس. قال ابن الجوزي : كان غزير العقل طويل الصمت لا يقول الشيء الا بعد التحقيق والفكر الطويل وكان كثيراً ما يقول : لا ادري.

٤٧

ابو الغمر الإسناوي

قال أبو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي المتوفى سنة ٥٤٧ هـ في غلام لبس في يوم عاشوراء ثوب صوف

أيا شادنا قد لاح في زي ناسك

فباح بمكنون الهوى كل ماسك

رويدك قد أعجزت ما يعجز الضبا

واضرمت نيران الجوى المتدارك

أنحن فتكنا بابن بنت محمد

فتثأر منا بالحفون الفواتك (١)

__________________

١ ـ عن خريدة القصر للعماد الاصبهاني.

٤٨

قال العماد الاصفهاني في ( خريدة القصر ) ج ٢ ص ١٥٨ ـ قسم شعراء مصر أبو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي.

كان أشعر أهل زمانه وأفضل أقرانه. ذكره لي بعض الكتبيين من مصر وأثنى عليه ، وقال : توفي سنة سبع وأربعون ؛ وانشدني من شعره قوله :

ألحاظكم تجرحنا في الحشا

ولحظنا يجرحكم في الخدود

جرح بجرح فاجلعوا ذا بذا

فما الذي أوجب جرح الصدود

وله :

يا أهل قوص غزالكم

قد صاد قلبي واقتنص

نض الحديث فشفني

يا ويح قلبي وقت نص

وأورده ابن الزبير في كتاب الجنان ، وذكر من شعره قوله :

طرقتني تلوم لما رأت في

طلب الرزق للتذلل زهدي

هبك أني أرضى لنفسي بالكد

ية يا هذه فممن أكدي

وقوله في الخمر :

عذراء تفترُّ عن دّرٍ على ذهب

إذا صببت بها ماء على لهب

وافى اليها سنان الماء يطعنها

فاستلأمت زرداً من فضة الحبب

وقوله :

أيا ليلة زار فيها الحبيب

ولم يك ذا موعد ينتظر

٤٩

وخاض الي سواد الدجى

فيا ليت كان سواد البصر

وطابت ولكن ذممنا بها

على طيب ريّاه نشر الشجر

وبتنا من الوصل في حُلّةٍ

مطرّزة بالتقى والخفر

وعقلي بها نهب سكر المدام

وسكر الرضاب وسكر الحورَ

وقد أخجل البدر بدر الجبين

وتاه على الليل ليل الشعر

وأعدى نحولي جسم الهواء

واعداه منه نسيم عطر

فمنّي معتبر العاشقين

ومن حسن معناه إحدى العبر

ومن سقمي وسنا وجهه

اريه السها ويريني القمر

وقوله :

ايها اللائم في الحـ

ـبِّ لحاك الله حسبي

لست أعصى ابداً في

طاعةِ العذّال قلبي

وقوله في العذرا :

وغزال خلعت قلبي عليه

فهو بادٍ لأعين النظَّار

قد ارانا بنفسج الثغر بدرا

طالعاً من منابتٍ الجلنار

وقدت نار خده فسواد الشعر

فيه دخان تلك النار

وله :

يفترُّ ذاك الثغر عن ريقه

در حبابٍ فوق جريال

ونون مسكِ الصدغ قد أعجمت

بنقطةٍ من عنبر الخالِ

٥٠

الشروطي البغدادي

سعى طرفي بلا سببٍ لقتلى

كما لدم الحسين سعى زيادُ

يريد ابنه عبيد الله بن زياد

٥١

محمود بن محمد بن مسلم الشرُوطيّ البغدادي.

كان شاباً رائق الشعر ، بديع النظم والنثر ، قال العماد الاصفهاني في خريدة القصر وجريدة العصر : كان ينشدني من شعره كثيراً ، ولم أثبته ، وآخر عهدي به سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة ، وتوفي بعد ذلك ، وانا بواسط ، وله ديوان ، وكان معظم مدحه في نقيب النقباء ابن الاتقى الزينبي قال من قصيدة في مدحه ، أولها :

في حدّ رأيك ما يغني عن القضب

وفي سخائك ما يربي على السحب

وفي اعتزامك ما لو شئت تنفذه

أباد بالخوف أهل الدهر والرعب

دانت لهيبتك الأيام خاضعةً

وفلَّ عزمك حدّ الموكب اللجب

وقال عنك لسان الدهر ما نطقت

به على كل عودٍ ألسن الخُطَب

يا ( طلحة بن علي ) ما لرائدنا

الى الغنى غير ما توليه من سبب

جابت بنا البيد عيسٌ طالما غنيت

براحتيك عن الأمواه والعشب

حتى وصلنا الى ملكٍ ، مواهبة

مقسومة بالندى في العجم والعرب

محجّبٌ برواق من مهابته

يلقى الوفود بمالٍ غير محتجب

ومنها :

فجدّه في صعودٍ لم يزل أبداً

وماله بالندى المنهل في صبب

ردّت مكارمه الانواء جامدة

وقال نائله للعسجدِ : انسكب

يا منفذ الرأي في أجساد حُسدّه

ولو غدا الدهر منها موضع اليلب

ومن يغار الضحى من نور طلعته

وإن يقل وجهه للبدر « غِب » يغب

٥٢

أبن لنا عنك ، قد حارت خواطرنا

في كنه وصفك بين العُجب والعَجب

ذا الزهد في ملك نلقاه او مَلَك

وذا عفاف نقيبٍ او عَفافُ نبي

وذا الذكاء الذي لم يؤته بشر

في واحد المجد أم في السبعة الشهب

وذا الندى الجم من كفيك منسكب

أم من سحابٍ بوبل الغيث منسكب

وذا الكمال لبدر التمّ ، ام لكما

ل الدولة الماجد ابن السادة النجب

وهذه خلع بالفخر مشرقة

ام ضوء نورٍ بنورٍ منك ملتهب

حاكت عليك يد التوفيق حُلّتها

وطرّزتها يد الآراء والأرب

يستنّ بالذهب الابريز رونقها

وربما بك تستغني عن الذهب

كأنها لقب يسمو علاك به

وفي جلالك ما يسمو على اللقب

حتى لو انك لا تنمى الى نسب

لدلّنا بشرك البادي على النسب

فافخر ، فمن ( هاشم ) حُزت الفخار ومن

نجار ( زينب ) يا ابن المجد والحسب

جلال قدر أبٍ تسمو ومنقبة

للأمِّ فافخر بأمٍّ للعلى وأب

هذي المناقب قد وافتك باسمة

تهزُّ عندك عطفيها من الطرب

وقد سعى نحوها قوم فما ظفروا

مما رجوه بغير الجهد والتعب

ومنها :

[ إن ساجلوك وجاؤوا بانتسابهم

ففي السماء مقر الرأس والذنب ]

أو شابهوا عاطفات منك طيبة

فالعود والعود معدودان في الخشب

وكله خشب في الأرض منبته

لكن شتان بين النبع والغرب

أو كان أصلك يا ابن المجد أصلهم

فالنخل ـ لاشك ـ أصل الليف والرطب

لبيك من منعم قال الزمان له

أنت المعد لصرف الدهر والنوب

ومنها :

وكيف لا ترتضي الآمال رأي فتى

مذ كان في المهد أعطي الحكم وهو صبي

٥٣

وأجدر الناس بالعلياء من شهدت

له العلى وعلى حبّ الامام

يا من علت درجات الفضل بي وبه

شعري وجودك رأس المجد والأدب

لما غدوت من الأجواد منتخباً

أتاك شعري بمدح فيك منتخب

فلا مددت يداً إلا إلى ظفر

ولا وطئت ثرى إلا على أرب

وله من قصيدة في مدحه :

جربت أبناء هذا الدهر كلهم

ولم أجد صاحباً يصفو به الرَّنق

إن حدَّثوا عن جميل من خلائقهم

مانوا ، ( وان حدَّثوا ) عن مينهم صدقوا (١)

هم العدو فكن منهم على حذر

لا يخدعنك لهم خَلق ولا خُلق

تغيّر الدهر ، والاخوان كلهم

مالوا علي فلا أدري بمن أثق

وله من قصيدة :

أعن ( العقيق ) سألت برقاً أو مضا

أأقام حاد بالركائب أو مضى

إن جاوز العلمين من ( سقط اللوى )

بالعيس لا أفضى إلى ذاك الفضا

وله :

حيَّ جيراناً لنا رحلوا

فعلوا بالقلب ما فعلوا

رحلوا عنا ، فكم أسروا

بالنوى صبّا وكم قتلوا

مَن لصب ذاب من كمدٍ

طرفه بالدمع منهمل

فهو من شدو النوى طرب

وهو من خمر الهوى ثمل

واقف بالدار يسألها

سفهاً لو ينطق الطلل

لو تجيب الدار مخبرة

أين حلَّ القوم وارتحلوا

لتشاكينا على مضض

نحن والاوطان والإبل

__________________

١ ـ مان يمين ميناً كذب.

٥٤

يا صَبا نجد أثرتِ لنا

حُرقاً في القلب تشتعل

غرّد الجادي ببينهم

فله ـ يوم النوى ـ زجل

يا شموساً في القباب ضحىً

حجبتها دوننا الكلل

عُجن بالصبِّ المشوق فقد

شفّه ـ يوم النوى ـ المللُ

وله من قصيدة :

أسيرُ هوى المحّبة ليس يُفدى

ومقتولُ التجنّي لايقاد

ومَن قد أمرضته وأتلفته الـ

ـعيون فلا يفاد ولا يعاد

فقدت الصبر حين وجدت وجدي

وجاد الدمع إذ بخلت ( سعاد )

فكنت أخاف بعدي يوم قربي

فكيف أكون إن قرب البعاد

ديارهُم كساكِ الزهر ثوباً

وجاد على معاهدك العهاد

ألا هل لي إلى ( نجد ) سبيل

وأيامي بـ ( رامة ) هل تعاد

أقول ـ وقد تطاول عمر ليلي ـ :

أما لليل ـ ويحكمُ ـ نفاد

كأن الليل دهرٌ ليس يُقضى

وضوء الصبح موعده المعاد

أعيدوا لي الرّقاد عسى خيالٌ

يزور الصبَّ إن عاد الرقاد

وبيعوني بوصلٍ من حبيبي

وفي سوق الهوان علي نادوا

فلو أن الذي بي من غرامٍ

يلاقي الصخر لا نفطر الجماد

وثقت الى التصبر ثم بانوا

فخان الصبر وانعكس المراد

وكان القلب يسكن في فؤادي

فضاع القلب واختلس الفؤاد

وقالوا : قد ضللت بحبّ ( سعدى )

ألا ، هذا الضلال هو الرشاد

وهل يسلو ودادهم محبٌ

له في كل جارحةٍ وداد

وآنف من صلاحي في بعادي

ويعجبني مع القرب الفساد

وبين الرمل والأثلات ظبيٌ

يصيد العاشقين ولا يصاد

٥٥

أحمُّ المقلتين غضيض جفن

تكلُّ لطرفه البيض الحداد

أراك بمقلتي وبعين قلبي

لأنك من جمعيها السواد

لمن وأنا الملوم ألوم فيما

على نفسي جنيت أنا المفاد

سعى طرفي بلا سبب لقتلي

كما لدم ( الحسين ) سعى ( زياد )

وله :

عتابٌ منك مقبول

على العينين محمولُ

ترفّق أيها الجاني

فعقلي فيك معقول

ويكفيني من الهجرا

ن تعريض وتهويل

ألا يا عاذل المشتا

ق ، إني عنك مشغول

وفي العشاق معذور

وفي العشاق معذول

أسلوان ولي قلب

له في الحب تأويل

بمن في خدّه ورد

وفي عينيه تكحيل

وجيش الوجد منصور

وجيش الصبر مخذول

وله :

جفنُ عيني شفّه الارقُ

وفؤادي حشوة الحُرَقُ

من لمشتاق حليف ضنىً

دمعه في الكرب منطلق

أنا في ضدّين نار هوىً

ودموع سحبها دفق

لي حريق في الفؤاد ولي

مقلة انسانها غَرِق

وحبيب غاب عن نظري

فدموعي فيه تستبق

غاب عن عيني فأرقني

فجفوني ليس تنطبق

قلت إذ لام العواذل وا

صطلحوا في اللوم واتفقوأ

من نأت عنّي منازلة

ليس لي خلقٌ به أثق

٥٦

يحيى الحصكفي

أفوت مغانيهم فأقوى الجلَدُ

ربعانِ بعد الساكنين فدفدُ (١)

صاح الغراب فكما تحمَّلوا

مشى بها كأنه مقيَّد

تقاسموا يوم الوداع كبدي

فليس لي منذ تولوا كبد

ليت المطايا للنوى ما ضلعت

ولا حدا من الحداة أحد

على الجفون رحلوا وفي الحشى

تقيّلوا وماء عيني وردوا

وأدمعي مسفوحة وكبدي

مقروحة وغُلّتي ما تبرد

وصبوتي دائمة ومقلتي

دامية ونومها مشرد

تيمني منهم غزال أغيد

يا حبذا ذاك الغزال الأغيد

حسامه مجرَّد وصرحه

ممرّدٌ وخدّه مورّد

كأنما نكهته وريقه

مسك وخمر والثنايا بَرَد

يقعده عن القيام ردفه

وفي الحشى منه المقيم المقعد

أيقنت لما أن حدا الحادي بهم

ولم أمت أن فؤادي جامد

كنتُ على القرب كئيباً مغرماً

صباً فما ظنك بي إذ بعدوا

هم الحياة أعرقوا أم أشأموا

أم أيمنوا أم أتهموا أم أنجدوا

ليهنهم طيب الكرى فانه

من حظّهم وحظ عيني السهد

__________________

١ ـ ذكرها ابن الجوزي في المنتظم ج ٣ ص ١٨٣ ، والعماد الاصفهاني في خريدة القصر.

٥٧

هم تولوا بالفؤاد والكرى

فأين صبري بعدهم والجلد

لولا الضنا جحدت وجدي بهم

لكن نحولي بالغرام يشهد

لله ما أجور أحكام الهوى

ليس لمن يُظلم فيه مسعد

ليس على المتلف غرمٌ عندهم

ولا على القاتل عمداً قَود

هل انصفوا اذ حكموا أم اسعفوا

من تيموا أم عطفوا فاقتصدوا

بل اسرفوا وظلموا وأتلفوا

مَن هيموا وأخلفوا ما وعدوا

* * *

وسائل عن حبّ أهل البيت هل

أقرُّ إعلاناً به أم أجحد

هيهات ممزوج بلحمي ودمي

حبّهم وهو الهدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده

ثم علي وابنه محمد

وجعفر الصادق وابن جعفر

موسى ويتلوه علي السيد

أعني الرضا ثم ابنه محمد

ثم علي وابنه المسدد

والحسن التالي ويتلو تلوه

محمد بن الحسن المفتقد

فانهم ائمتي وسادتي

وان لحاني معشر وفندّوا

ائمة اكرم بهم ائمة

اسماؤهم مسرودة تُطرّدُ

هم حجج الله على عباده

بهم اليه منهج ومقصد

هم النهار صوَّم لربهم

وفي الدياجي ركّعٌ وسُجّد

قوم أتى في هل أتى مدحهم

وهل يشك فيه إلا ملحد

قوم لهم فضلٌ ومجد باذخ

يعرفه المشرك والموحّد

قوم لهم في كل أرض مشهد

لا بل لهم في كل قلب مشهد

قوم منى والمشعران لهم

والمروتان لهم والمسجد

قوم لهم مكة والابطح والـ

ـخيف وجمعٌ والبقيع الغرقد

ما صدق الناس ولا تصدقوا

ونسكوا وأفطروا وعيّدوا

ولا غزوا وأوجبوا حجاً ولا

صلوا ولا صاموا ولا تعبّدوا

٥٨

لو لا رسول الله وهو جدّهم

يا حبذا الوالد ثم الولد

ومصرع الطف فلا اذكره

ففي الحشى منه لهيب يقد

يرى الفرات ابن الرسول ظامياً

يلقى الردى وابن الدعي يرد

حسبك يا هذا وحسب مَن بغى

عليهمُ يوم المعاد الصمد

يا أهل بيت المصطفى وعدّتي

ومن على حبّهمُ اعتمد

انتم الى الله غدا وسيلتي

وكيف أخشى وبكم اعتضد

وليكم في الخلد حيٌ خالد

والضدُّ في نار لظى مخلد

ولست أهواكم لبغض غيركم

اني اذاً أشقى بكم لا أسعد

فلا يظن رافضي أنني

وافقته أو خارجي مفسد

محمد والخلفاء بعده

أفضل خلق الله فيما أجد

هم أسسوا قواعد الدين لنا

وهم بنوا أركانه وشيدوا

ومن يخن أحمد في أصحابه

فخصمه يوم المعاد احمد

هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا

هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا

والشافعي مذهبي مذهبه

لأنه في قوله مؤيّد

وله :

انظر الى البدر الذي قد اقبلا

وأراك فوق الصبح ليلاً مسبلا

ما بلبل الاصداغ في وجناته

إلا ليترك من رآه مبلبلا

يا أيها الريان من ماء الصبا

بي في الهوى عطش الحسين بكربلا

٥٩

ابوالفضل أو ابو الوفاء معين الدين يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الخطيب الحصكفي الكاتب الاديب.

ولد في حدود سنة ٤٦٠ بطنزه (١) وتوفي سنة ٥٥٣ وقبل سنة ٥٥١ بميافارقين بعد ان نشأ بحصن كيفا.

والحصكفي بحاء مهملة مفتوحة وصاد مهملة وكاف مفتوحة وفاء وياء نسبة الى حصن كيفا. قال ابن خلكان هي قلعة حصينة شاهقة بين جزيرة ابن عمرو وميافارقين من مدائن ديار بكر وفي انساب السمعاني : ابو الفضل يحيى ابن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي الخطيب بميافارقين أحد أفاضل الدنيا ، وكان اماماً بارعاً اشتهر ذكره في الافاق بالنظم والنثر والخطب. وكان يتشيع كما يقول ابن الاثير في الكامل.

اقول ورأيت في كتاب ( ينابيع المودة ) للشيخ سليمان الحنفي القندوزي بعض هذه الابيات وينسبها لبعض الشافعية وأظنه يقصد الشاعر نفسه.

وعن ابن كثير الشامي في تاريخه ان الخطيب الحصكفي هذا كان إمام زمانه في كثير من العلوم كالفقه والادب والنظم والنثر ولكن كان غالياً في التشيع.

قال ابن الخلكان : هو صاحب الديوان الشعر والخطب والرسائل ، قدم بغداد واشتغل بالادب على الخطيب ابي زكريا التبريزي المقدم ذكره وأتقنه حتى مهر فيه وقرأ الفقه على مذهب الشافعي واجاد فيه ثم رحل عن بغداد راجعاً الى بلاده ونزل ( ميافارقين ) واستوطنها وتولى بها الخطابة وكان اليه

__________________

١ ـ هي بلدة من الجزيرة من ديار بكر

٦٠