أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٧

ولست أمرءاً يشكو اليك صبابة

ولا مقلة إنسانها الدهر يدمع

ولكنني أطوي الضلوع على الجوى

ولو أنها مما بها تتقطع

وقوله :

سننا الجاشرية للبرايا

وعلمناهم الرطل الكبيرا

وأكببنا نَعبُّ على البواطي

وعطلنا الإدارة والمديرا

وقوله :

رأى الصمصمام منصلتاً فطاشا

فلما أن فرى ودجيه عاشا

وآنس من جناب الطور ناراً

فلابسها وصار لها فراشا

وانشدني كمال الدين لنفسه بدمشق في ثالث ربيع الاول سنة إحدى وسبعين :

ولقد اتيتك والنجوم رواصد

والفجر وهمٌ في ضمير المشرق

وركبت للأهوال كل عظيمة

شوقاً إليك لعلنا أن نلتقي

قوله : والفجر وهم في ضمير المشرق في غاية الحسن مما سمح به الخاطر اتفاقاً ، وفاق الكمال إشرافاً وإشراقاً ، وتذكرت قول أبي يعلى بن الهبارية الشريف في معنى الصبح وابطائه :

كم ليلة بتُّ مطوياً على حرقٍ

أشكو الى النجم حتى كاد يشكوني

والصبح قد مطل الشرقُ العيونَ به

كأنه حاجة في كفّ مسكين

يقع لي أنه لو قال : كأنه حاجة تقضى لمسكين ، لكان أحسن فإنها تمطل بقضائها. وشبهه كمال الدين بالوهم في ضمير المشرق وكلاهما أحسن وأجاد.

٢٠١

وترجم له ابن خلكان في الوفيات ج ١ ص ٥٩٧ ترجمة وافية وقال في آخرها : وكانت ولادته سنة اثنتين وتسعين واربعمائة بالموصل ، وتوفي يوم الخميس سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بدمشق ودفن في الغد بجبل قاسيون ، وكان عمره حين توفي ثمانين سنة وأشهراً ، ورثاه ولده محي الدين محمد.

وأورد الصفدي في الوافي ج ٣ ص ٣٣١ له ترجمة وطائفة من الاشعار ، وترجمه ابن الجوزي في المنتظم ج ١٠ ص ٢٦٨ ترجمة مختصرة.

٢٠٢

قطب الدين الراوندي

لآل المصطفى شرف محيط

تضايق عن مراميه البسيطُ

إذا كثر في البرايا

فكلُّ منهمُ جاشٌ ربيط

إذا ما قام قائمهم بوعظ

فإنَّ كلامه درّ لقيطُ

أو امتلأت بعدلهم ديار

تقاعس دونه الدهر القسوط

هم العلماء إن جهل البرايا

هم الموفون إن خان الخليط

بنو أعمامهم جاروا عليهم

ومال الدهر إذ مال الغبيط

لهم في كل يوم مستجد

لدى أعدائهم دم عبيط

تناسوا ما مضى بغدير خمّ

فأدركهم لشقوتهم هبوط

ألا لعنت أميّة قد أضاعوا

( الحسين ) كأنه فرخ سميط

على آل الرَّسول صلاة ربّي

طوال الدهر ما طلع الشميطُ (١)

عن مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٤٨٩.

__________________

١ ـ الشميط : الصبح

٢٠٣

قطب الدين الراوندي المتوفي سنة ٥٧٣

ابو الحسين سعد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي. امام من ائمة المذهب وعين من عيون الطائفة وعبقري من رجالات العلم والادب ، له مصنفات جليلة في مختلف العلوم الاسلامية ، لا يلحق شأوه في مآثره الجمة ولا يشق له غبار. توفي ضحوة يوم الاربعاء الرابع عشر من شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة كما في إجازات البحار نقلا عن خط شيخنا الشهيد الأول قدس الله سره. وقبره في الصحن الجديد من الحضرة الفاطمية بقم المشرفة مزار معروف ترجمه شيخنا الاميني في ( الغدير ) وذكر مشائخه وعدد الراوين عنه وذكر له من المؤلفات :

١ ـ سلوة الحزين.

٢ ـ المغنى في شرح النهاية ، عشر مجلدات.

٣ ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.

٤ ـ رسالة في الناسخ والمنسوخ من القرآن.

٥ ـ جنا الجنتين في ذكر ولد العسكريين.

٦ ـ شرح الذريعة للشريف المرتضى ٣ مجلدات.

٧ ـ الخرائج والجرائح.

٨ ـ الايات المشكلة.

٢٠٤

اقول ذكر له الشيخ رحمه‌الله ٤٩ مؤلفاً وعدد اولاده وما كانوا عليه من المكانة العلمية والمواهب العرفانية.

وقال الشيخ القمي في الكنى والالقاب : قطب الدين الراوندي ابو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن ، العالم المتبحر الفقيه المحدث المفسّر المحقق الثقة الجليل صاحب الخرائج والجرائح ، وقصص الانبياء ولب اللباب وشرح النهج وغيره ، كان من أعاظم محدثي الشيعة ، قال شيخنا في المستدرك : فضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بانواع المؤلفات المتعلقة به أظهر وأشهر من أن يذكر ، وكان له أيضاً طبع لطيف ، ولكن أغفل عن ذكر بعض أشعاره المترجمون له انتهى.

وهو أحد مشايخ ابن شهراشوب ، يروي عن جماعة كثيرة من المشائخ كأمين الاسلام والسيد المرتضى والرازي واخيه السيد مجتبى وعماد الدين الطبري وابن الشجري والآمدي ووالد المحقق الطوسي وغيرهم رضوان الله عليهم.

ولا يخفى انه غير سعيد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الفاضل المشتهر في العلوم الحكمية فانه كان من الاطباء المتميزين في صناعة الطب ، خدم المقتدى بأمر الله والمستظهر بالله بصناعة الطب ، وكان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي ، له كتاب المغنى في الطب ، صنفه للمقتدي وكتاب خلق الانسان ، توفي سنة ٤٩٥.

ومن شعره كما روى السيد الامين في الاعيان قال : وللقطب الراوندي قوله :

بنو الزهراء آباء اليتامى

إذا ما خوطبوا قالوا : سلاما

هم حجج الإله على البرايا

فمن ناواهم يلق الأثاما

فكان نهارهم أبداً صياما

وليلهم كما تدري قياما

٢٠٥

ألم يجعل رسول الله يوم الـ

ـغدير علياً الأعلى إماما؟

ألم يك حيدر قرماً هماماً

ألم يك حيدر خيراً مقاما؟

هم الراعون في الدنيا الذماما

هم الحفاظ في الاخرى الاناما

وله :

محمد وعلي ثم فاطمة

مع الشهيدين زين العابدين علي

والصادقان وقد فاضت علومهما

والكاظم الغيظ والراضى الرضاء علي

ثم التقى النقيّ الاصل طاهره

محمد ثم مولانا النقي علي

ثم الزكي ومن يرضى بنهضته

أن يظهر العدل بين السهل والجبل

إني بحبهم يا رب معتصم

فاغفر بحرمتهم يوم القيامة لي

قال السيد في الاعيان : وفي مجموعة الجبعي عن الكفعمي انه قال : ومن شعر المترجم له في أهل البيت :

إمامي علي كالهزبر لدى العشا

وكالبدر وهاجاً اذا الليل اغطشا

إمامي عليٌ خيرة الله لا الذي

تخيرتم والله يختار من يشا

أخو المصطفى زوج البتول هو الذي

الى كل حسن في البرية قد عشا

بمولده البيت العتيق لما روى

رواه وفي حجر النبوة قد نشا

موالوه قوامون بالقسط في الورى

معادوه أكالون للسحت والرشا

له أوصياء قائمون مقامه

أرى حبهم في حبة القلب والحشا

هم حجج الرحمن عترة احمد

ائمة حقٍ لا كمن جار وارتشى

مودتهم تهدي الى جنة العلى

ولكنما سبابهم يورث العشا

وإني بريء من فعيل فإنه

لا كفر من فوق البسيطه قد مشى

فلولاه ما تمت لفعل إمارة

ولا شاع في الدنيا الضلال ولا فشا

٢٠٦

ومن شعره :

قسيم النار ذو خير وخير

يخلصني الغداة من السعير

فكان محمد في الناس شمساً

وحيدر كان كالبدر المنير

هما فرعان من عليا قريش

مصاص الخلق بالنصّ الشهير

وقال له للنبي لأنت مني

كهرونٍ وأنتَ معي وزيري

ومن بعدي الخليفة في البرايا

وفي دار السرور على سريري

وأنت غياثهم والغوث فيهم

لدى الظلماء والصبح السفور

مصيري آل احمد يوم حشري

ويوم النصر قائمهم مصيري

٢٠٧

إبن الصيفي

ملكنا فكان العفو منا سجية

فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ

وحللتم قتل الاسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

قال ابن خلكان قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقاة أهل السنة :

رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له يا اميرالمؤمنين تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، ثمَّ يتم على ولدك الحسين في يوم الطف ما تم ، فقال : أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا ، فقلت لا فقال اسمعها منه ثم استيقظت فبادرت الى دار ( حيص بيص ) فخرج الي فذكرت لها لرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله بان كانت خرجت من فمي أو خطى الى أحد وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم انشدني الأبيات :

قال الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفي سنة ١٣٧٥ هـ مطشراً هذه الأبيات :

ملكنا فكان العفو منا سجيَّةٍ

بيوم به بطحاء مكة تفتح

فسالت بفيض العفو منا بطاحكم

ولما ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى وطالما

فككنا أسيراً منكم كاد يذبح

وفي يوم بدر مذ أسرنا رجالكم

غدونا عن الاسرى نعف ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

فأيّ قبيل فقيه أربى وأربح

ولا غرو اذ كنا صفحنا وجُرتُم

فكلّ إناءٍ بالذي فيه ينضح

٢٠٨

شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ويقال له ( حيص بيص (١) ) أيضاً ، كان فقيهاً شاعراً أديباً له رسائل فصيحة بليغة ، وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، وهو من ولد اكثم بن الصيفي.

كانت وفاته ٦ شعبان سنة ٥٧٤ ببغداد ودفن في مقابر قريش ، وكان لا يخاطب أحداً إلا بكلام معرب ولم يترك عقباً.

وقال ابن خلكان : كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الادب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً.

وقال اليافعي في مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث سنة اربع وسبعين وخمس مائة توفي حيص بيص أبوالفوارس سعد بن محمد التميمي الشاعر وله ديوان معروف ، وكان وافر الأدب متضلعاً في اللغة بصيراً بالفقه والمناظرة ، وقال الشيخ نصر الله بن علي قال ابن خلكان وكان من ثقات أهل السنة رأيت في المنام علي بن ابي طالب ( القصة ) وذكره الحافظ ابو سعيد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه وحدث بشيء من مسموعاته

__________________

١ ـ انما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد ، فقال : ما للناس في حيص بيص ، فبقي عليه هذا اللقب ، ومعنى هاتين الكلمتين : الشدة والاختلاط.

٢٠٩

وقرأ عليه ديوانه ومسائله. وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، ويقال انه كان فيه تعاظم وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زيَّ العرب ويتقلّد سيفاً فعمل فيه ابو القاسم بن الفضل.

كم تباري وكم تطوّل طرطورك ما فيك شعرة من تميم فكُل الضبَّ واقرظ الحنظل اليابس واشرب ما شئت بول الظليم ليس ذا وجه من يضيف ولا يقري ولا يدفع الاذى عن حريم فلما بلغت الابيات ابا الفوارس قال :

لا تضع من عظيم قدر وإن كنتَ مشاراً إليه بالتعظيم فالشريف الكريم ينقص قدراً بالتعدّي على الشريف الكريم ولع الخمر بالعقول رمى الخمر بتنجيسها وبالتحريم قال السيد الامين في الاعيان ج ٤٥ ص ٢٣٢ : وللسيد محمد بن السيد صادق الفحام النجفي تخميس لابيات الحيص بيص وهي :

نعم جدنا المختار ليس أُميةً

وجدتنا الزهراء ليستُ سميّةً

ونحن ولاة الأمر لسنا رعية

ملكنا فكان العفو منا سجيّة

ولما ملكتم سال بالدم أبطح

أما نحن يا اهل الضلالة والعمى

عفونا بيوم الفتح عنكم تكرّما

علام أبحتم بالطفوف لنا دما

وحللتم قتل الاسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نَمنُّ ونصفح

ونحن أُناس لم يك الغدر شأننا

ولا الاخذ بالثأر الذي كان ديننا

ولكنما نعفو ونكظم غيضنا

فحسبكُم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

٢١٠

وقوله في مدح أمير المؤمنين علي عليه‌السلام. (١)

صنو النبي رأيت قافيتي

أوصاف ما أوتيت لا تسع (٢)

فجعلت مدحي الصمت عن شرف

كل المدائح دونه يقع

ماذا أقول وكل مقستم

بين الأفاضل فيك مجتمع

ومن شعره قوله في الافتخار :

خذوا من ذمامي عدة للعواقب

فيا قرب ما بيني وبين المطالب

لواني زمامي بالمرام ، وربَّما

نقاضيته بالمرهفات لقواضب

على حين ما ددت الصبا عن صبابة

ذياد المطايا عن عذاب المشارب

ورضت بأخلاق المشيب شبيبةً

معاصية لا تستكين لجاذب

عقائل عزم لا تباح لضارع

وأسرار حزم لاتذاع للاعب

ولله مقذوف بكلّ تَنُوفةٍ

رأى العز أحلى من وصال الكواعب

أغرَّ الأعادى انني بتّ مُقتراً

وربَّ خلوٍّ كان عوناً لوائب

رويدكم إني من المجد موسرٌ

وإن صفرت عما أفدتم حقائبي

هل لنال إلا خادم شهوة الفتى

وهل شهوة إلا لجلب المعاطب

فلا تطلبن منه سوى سَدَّ خلة

فإن زاد شيئاً فليكم للمواهب

سرهت (٣) بادماني سرى كل حادث

ولا كحل إلا من غبار المواكب

فلا تصطلوها ، انها دار مية

مواقدها هام الملوك الأغالبٍ

__________________

١ ـ رواها العماد الاصفهاني في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر ) مطبعة المجمع العلمي العراقي.

٢ ـ الصنو : الأخ الشقيق.

٣ ـ مرهت عينه. خلت من الكحل.

٢١١

سأضرمها حمراء ينزو شرارها

على جنبات القاع نزو الجنادب (١)

بكل تميمي كأنّ قميصه

يلاثُ بغصن البانة المتعاقب (٢)

ومنها :

إذا كذب البرق اللموع لشائم

فبرق ظباها صادق غير كاذب

فوارس باتوا مجمعين فأصبحوا

وآثار عقد الرأي عقد السبائب (٣)

إذا شرعوا الأرماح للطعن خلتهم

بدوراً تجارى في طلاب كواكب

أسود إذا شب الخميس ضرامه

أسالوا نفوس الأسد فوق الثعالب (٤)

ومنها :

وركب كأنَّ العيس ايان ثوَّروا

تساوق أعناق الصبا والجنائب (٥)

خفاف على أكوارها ، فكأنهم

من الوبر المأنوس عند الغوارب (٦)

[ هذه مبالغة في خفة الرجال على الرحال ] كأنهم بعض أوبار الاباعر

إذا أضمرتهم ليلة أظهرتهم

صبيحتها بين المنى والمآرب

ومنها :

وبي ظمأ لم أرضَ ناقع حرَّه

سواك فهل في الكأس فضل لشارب؟

__________________

١ ـ الجنادب. جمع جندب ، حيوان صغير يشبه الجراد كثير القفز والوثوب.

٢ ـ يلاث. يدار ويعصب.

٣ ـ السبائب : جمع سبيبة ، وهي الخصلة من الشعر.

٤ ـ الخميس : الجيش الجراو ، والضرام : لهب النار ، والثعالب : جمع ثعلب ، وهو طرف الرمح الداخل في جبة السنان

٥ ـ الجنائب. جمع جنوب ، وهي ريح تخالف الشمال.

٦ ـ الغوارب ، جمع غار ، وهو من البعير بين السنام والعنق.

٢١٢

وقوله في الافتخار :

يا رواة الشعر ، لا ترووه لي

فبغير الشعر شيدت رُتَبي

[ ودعوه لضعاف عُيُّهم

مانعٌ عنهم ( زُهَير ) المكسب (١)

وردوا الفضل ، وما بلوا به

مسمعاً والشّرب غير المشرب

ومنها :

لست بالقاعد عن مكرُمةٍ

وأبو رغوان (٢) ذو المجد أبي

عفّروا للسلم من أوجهكم

إنها خيلُ حكيم العرب

قبل يومٍ هامه في صعد

حيث ما أبدانه في صبب

يعسل الذئب الى معركة

شائم الأرزاق عند الثعلب (٣)

وقوله :

اذا شوركت في أمر بدونٍ

فلا يغشاك عارُ او نفور

تشارك في الحياة بغير خلف

أرسطاليس والكلب العقور

وقوله :

وجوه لا يحمرها عتابٌ

جدير أن تصفر بالصغار

فما دان اللئام لغير بأس

ولا لان الحديد لغير نار

__________________

١ ـ وزهير ، يريد به زهير بن ابي سلمى احد اصحاب المعلقات من شعراء الجاهلية.

٢ ـ رغوان ، لقب مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، لقب به لفصاحته وجهارة صوته.

٣ ـ عسل الذئب. اضطرم في عدوه فخفق برأسه ، شائم الأرزاق ، ناظرها وفعل شام خاص بالبرق ، يقال ، شام البرق اذا نظر الى سحابته اين تمطر.

٢١٣

وقوله :

يلين في القول ويحنو على

سامعه وهو له يقصم

كشوكة العقرب في شكلها

لها حنو وهي لا ترحم

وقوله :

لا تلطفن بذي لؤم فتطغيه

واغلظ له يأت مطواعا ومذعا

إن الحديد نلين النار شدته

ولو صببت عليه الماء ما لانا

ومن قوله :

هنا رجب الشهور وما يليه

بقاؤك انت يا رجب الرجال

له البركات لكن كل حول

وانت مبارك في كل حال

وله من قصيدة في مدح الوزير محمود بن أبي توبة المروزي ، قلده السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي الوزارة سنة ٥٢١.

كُفّي مقالك عن لومي وتفنيدي

صبابتي بالعلى لا الخرد الغيد

أطلت حتى حسبت المجد منقصةً

كلا ولو أنه حتف المماجيد

لما رأيت غراماً جل عن عذلٍ

حسبته بهوى الحسانة الرود

لا والرواقص في الأنساع يبعثها

رجر الحداة بإنشادٍ وتغريدِ (١)

إذا ونين من الإرقال ، واضطرمت

من اللُّغوب خلطن البيد بالبيد (٢)

أزمَّةَ العيس من همّ وتسهيد

يحملن شعثاً على الأكوار تحسبهم

ما حن قلبي الى الحسناء من علقٍ

لكنني بالمعالي جدُّ معمود (٣)

__________________

١ ـ العواسل ، الرماح التي تهتز لينا ، وولغها ، مجاز في دخولها في الاجسام.

٢ ـ مذال : مبتذل بالانفاق. واللغاديد : جمع لغدود : لحمة في الحلق او كالزوائد من اللحم في باطن الاذن.

٣ ـ المعمود ، هو الذي هده العشق.

٢١٤

صبابتي دون عقد زانه عنقٌ

الى لواءٍ أمام الجيش معقود

أميس تيهاً على الأحياء كلّهمُ

علماً بأن نظيري غيرُ موجود

كيف الاجادةُ في نظمٍ وقافيةٍ

عن خاطر بصروف الدهر مكدود؟

كم قد قَريتُ هنيّ العزم نازلةً

والخطب يجلب في ساحات رعديد

تبصَّروَّها مراحاً في أعنتَّها

بجفن ما بين مقتولٍ مطرود (١)

تكرُّ في ليلةٍ ليلاء من رَهَجٍ

على نجيع لخيل الله مورود (٢)

تنزو بحُمس هفت أضغانهم بهم

فحطَّموا في التراقي كلَّ أُملود (٣)

كان فرط توالي الطعن بينهم

ولغ العواسل أو معروف محمود (٤)

الواهب الحتف والعيش الخصيب معاً

فالموت بالبأس ، والإحياء بالجود

ومنها :

إن أمسك الغيث لم يحبس مكارمه

طول المطال ولا خلف المواعيد

مال مذال وعرضٌ دون بذلته

خوض الأسنة في ماء اللغاديد (٥)

أرق من خلق الصهباء شيمته

فإن يهج فهو كاس خلق جلمود

وقوله :

إلى م أمني النفس كل عظيمة

ودهري عنها دافع لي وذائد

__________________

١ ـ الرواقصى ، الابل المسرعة في سيرها. والانساع ، حبال من ادم عريض تشدّ به الرحال ، واحدها نسع بكسر النون.

٢ ـ الارقال ، الاسراع ، والاضطمار ، الضمور ، وهو الهزال. وللغوب ، التعب والاعياء الشديد.

٣ ـ وجف البعير والفرس بجف ، عدواً وسار العنق.

٤ ـ الهج ، ما اثير من الغبار. والنجيع ، دم الجوف خاصة.

٥ ـ تنزو ، تثب. والحمس ، الشجعا ـ والاضغان ، الاحقاد الشديدة. والتراقي جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. والاملود ، هنا وصف للرمح المهتز.

٢١٥

وأستوكف المعروف أيدي معشرٍ

تموت الأماني عندهم والمحامد

ذا أنا بالغر القوافي مدحتهم

لغذرٍ ، هجتني بالمديح القصائد!

وله في الحكمة :

لا تلبس الدهر على غرة

فما لموت الحي من بد

ولا يخادعك طويل البقا

فتحسب الطول من الخلد

ينفد ما كان له آخر

ما أقرب المهد من اللحد!

وله من قصيدة :

بني دارمٍ إن لم تُغيروا فبدّلوا

عمائمكم يوم الكريهة بالخُمر (١)

فإن القُرى والمدنَ حيزت لأعبُدٍ

وما سلمت أفحوصةٌ لفتى حرَّ (٢)

ربطتم بأطناب البيوت جياد كُم

وخيل العدى في كلِّ ملحمةٍ تجري

اذا ما شببتم نار حربٍ وقودها

صدور المواضي البيض والأسل السُمرِ

ضمنت لكم أن ترجمعوها حميدةً

تواجفُ غبِّ الرَّوع بالنَّعَمِ الحمرِ (٣)

أنا المرء لا أوفي المنى عن ضراعة

ولا أستفيد الأمن إلا من الدُعر

ولا أطرقُ الحيَّ اللئام بمدحة ولو

عرقتني شِدَّةُ الأزم الغُبر (٤)

تغانيت عن مال البخيل لأنّني

رأيت الغنى بالُّذلِّ ضرباً من الفقر

__________________

١ ـ الخمر ، جمع خمار ـ بكسر الخاء ـ وهو ما تغطي به المرأة رأسها.

٢ ـ الافحوص ، مجثم القطاة.

٣ ـ تواجف تتواجف ، أي تعدو وتسير العنق ، وغب كل شيء عاقبته.

٤ ـ الطروق. المجيء ليلاً ، وعرق العظم ، اذا أخذ عنه معظم اللحم وهبره وبقي عليه لحوم رقيقة والازم الغبر ، سنوات القحط الشداد.

٢١٦

وله في المدح :

مُسمهّرُ الباس من مضر

يقشعرُّ الموت من حذره (١)

تطرَبُ الألباب مصغية

لحديث المجد من سيره

كلما أوسعت مبتلياً

خبره أربى على خُبره

تُهزم الأحداث كالحة

بارتجال الرأي لا فكره

واذا ما أجدبت سنةٌ

كان سقيا الحي من مطره

هو بحرٌ من فضائله

ومديحي فيه من درره

شرفُ الدين الذي وضحت

ظُلم الأحداث من غرره (٢)

وله من قصيدة نظمها بمرو :

اقول لقلب هاجه لاعج الهوى (٣)

بصحراء مرو واستشاطت بلابله

وضاقت خراسان على معرق الهوى

كما أحرزت صيد الفلاة حبائله

أعنِّي على فعل التصبر ، إنني

رأيت جميل الصبر يحمد فاعله

فلما أبى إلا غراماً وصبوة

أطعت هواكم ، واستمرت شواغله

وأجريت دمعاً لو أصاب بسحه

ربا المحل يوماً أنبت العشب هاطله

هبوني أمرت القلب كتمان حبكم

فكيف بجسم باح بالوجد ناحله؟

وكنت أمرت العزم أن يخذل الهوى

وكيف اعتزام المرء والقلب خاذله؟

فكيف التسلي بعد عشر وأربع؟

أبي لي وفاء لا تذب جحافله

وقوله :

أداري المرء ذا خلق نكير

وأعرض صافحاً عن ذنب خلي

__________________

١ ـ اسمهر الرجل في القتال فهو مسمهر ، اشتد.

٢ ـ الغرر. جمع الغرة ، وهي من كل شيء اوله واكرمه.

٣ ـ هوى لاعج ، أي محرق والبلابل ، الهموم والوساوس.

٢١٧

وأجعل خوص أفكاري حلياً

فأغبطه ، وكم طوقٍ كغُلَّ

وأغدو ـ من غنى نفسي ـ غنياً

عن الدنيا ، ولي حال المقلّ

ولا أرضى اللئيم لكشف ضُرٍ

ولو أسلمت للموت المذلِّ

وكم ضحكٍ كتمت به دموعاً

ليسلم عنده سري وعقلي

وقوله :

علمي بسابقة المقسوم الزمني

صبري وصمتي ، فلم أحرص ولم أسل

لو نيل بالقول مطلوب ، لما حرم الـ

ـكليم موسى ، وكان الحظ للجبل

وحكمة العقل إن عزّت وان شرفت

جهالة عند حكم الرزق والأجل

وقوله :

إن شارك الادوانُ أهلَ العلى

والمجد في تسمية باللِّسان

فما على أهل العلى سُبّةٌ

إن بخور العود بعضُ الدُّخان

صاحب أخا الشرَّ لتسطو به

يوماً على بعض شرار الزَّمان

والرّمحُ لا يُرهَبُ أنبوبه

إلا إذا رُكِّب فيه السَّنان

إصبر على الشدّة نحو العلى

فكلُّ قاصٍ عند ذي الصّبر دان

ما لقي الضّامِرُ من جوعه

حوى له السَّبقَ بيوم الرِّهان

أُشجُع وجُدِّ تحظ بفخريهما

فكلُّ ما قد قدِّر الله كان

لو نفع البخل وذُلُّ الفتى

ما افتقر الكزُّ ومات الجبان

__________________

١ ـ الكز ، اليابس المنقبض وقرأها بعضهم الكنز.

٢١٨

ابن العودي

بفنا الغريِّ وفي عراص العلقمي

تمحى الذنوب عن المسيء المجرمِ

قبران : قبرٌ للوصيّ وآخر

فيه الحسين فعج عليه وسلّم

هذا قتيل بالطفوف على ظماً

وأبوه في كوفان ضرِّج بالدم

وإذا دعا داعي الحجيج بمكة

فإليهما قصد التقيّ المسلم

فاقصدهما وقل السلام عليكما

وعلى الأئمة والنبيّ الأكرم

أنتم بنو طه وقافٍ والضحى

وبنو تبارك والكتاب المحكم

وبنو الأباطح والمحصّب والصفا

والركن والبيت العتيق وزمزم

بكم النجاة من الجحيم وأنتم

خير البرية من سلالة آدم

أنتم مصابيح الدجى لمن اهتدى

والعروة الوثقى التي لم تفصم

وإليكم قصد الوليّ وأنتم

أنصاره في كل خطب مؤلم

بكم يفوز غداً إذا ما أضرمت

في الحشر للعاصين نار جهنم

من مثلكم في العالمين وعندكم

علم الكتاب وعلم ما لم يعلم

جبريل خادمكم وخادم جدكم

ولغيركم فيما مضى لم يخدم

أبني رسول الله إن أباكم

من دوحة فيها النبوة ينتمي

آخاه من دون البرية أحمد

واختصه بالأمر لو لم يظلم

نص الولاية والخلافة بعده

يوم الغدير له برغم اللوم

ودعا له الهادي وقال ملبياً

يا رب قد بلغت فاشهد واعلم

٢١٩

حتى اذا مرّ الزمان وأصبحوا

مثل الذباب يلوب حول المطعم

طلبوا ثؤرهم ببدر فاقتضوا

بالطف ثارهم بحدِّ المخذم

غصبوا علياً حقه وتحكموا

ظلما بدين الله أيَّ تحكم

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم

ثم استحلوا منه كل محرم

واتوا على آل النبي باكبد

حرّى وحقد بعد لم يتصرّم

بئس الجزاء جزوه في أولاده

تالله ما هذي فعائل مسلم

* * *

يا لائمي في حب آل محمد

أقصر هبلت عن الملأمة أو لم

كيف النجاة لمن علي خصمه

يوم القيامة بين أهل الموسم

وهو الدليل الى الحقايق عارضت

فيها الشكوك من الضلال المظلم

واختاره المختار دون صحابه

صنواً وزوجّه الآله بفاطم

سل عنه في بدر وسل في خيبر

والخيل تعثر بالقنا المتحطم

يا من يجادل في علي عاندا

هذي المناقب فاستمع وتقدم

هم آل ياسين الذين بحبهم

نرجو النجاة من السعير المضرم

لولاهم ما كان يعرف عاندا

لله بالدين الحنيف القيم

لهم الشفاعة في غدٍ واليهم

في الحشر كشف ظلامة المتظلم

مولاكم العودي يرجو في غد

بكم الثواب من الآله المنعم

٢٢٠