أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٧

ابن الهباريَّة

أحسين والمبعوث جدك بالهدى

قسماً يكون الحق عنه مسائلي

لو كنتُ شاهد كربلا لبذلتُ في

تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيتُ حدَّ السيف من أعدائكم

عَللا وحدّ السمهرىّ البازل

لكنني أُخّرتُ عنك لشقوتي

فبلابلي بين الغري وبابل

هبني حرمتُ النصر من أعدائكم

فاقلّ من حزن ودمع سائل

٢١

الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي العباسي البغدادي الشاعر المشهور الملقب نظام الدين ، كان شاعراً مجيداً وله اتصال بنظام الملك ، له ديوان شعر كبير في اربع مجلدات ومن غرائب نظمه كتاب ( الصادح والباغم ) وهو على أسلوب ( كليلة ودمنة ) نظمه للامير سيف الدولة صدقة بن دبيس صاحب الحلة. نقل سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ان ابن الهبارية (١) الشاعر اجتاز بكربلا فجعل يبكي على الحسين وأهله وقال يديهأ : ـ أحسين والمبعوث جدك بالهدى الابيات.

ثم نام في مكانه فرأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقال له يا فلان جزاك الله عني خيراً ، ابشر فان الله تعالى قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين عليه‌السلام.

توفى بكرمان سنة ٥٠٤ وعن انساب السمعاني انه توفي سنة ٥٠٤ والصحيح ٥٠٩ وقال : له في رثاء الحسين ومدح آل الرسول اشعار كثيرة.

وذكره السيد في الاعيان فقال : ابو يعلى نظام الدين محمد بن محمد بن صالح ابن حمزة بن عيسى المعروف بابن الهبارية الهاشمي العباسي البغدادي قال : وقد طبع كتابه ( الصادح والباغم ) في الهند ومصر وبيروت (٢) وقال غيره : هو أحد شعراء بغداد المفُلقين ، لازم خدمة نظام الملك صاحب المدرسة النظامية وأحد وزراء الدولة السلجوقية واتصل بغيره من الرؤساء وشعره في غاية الرقة ولكنه يغلب عليه الهزل والهجاء إلا أنه اذا نظم في الجدّ والحكمة اتى بالعجب كما في كتابه ( الصادح والباغم ) وله كتاب ( الفطنة في نظم كليلة ودمنة ).

__________________

١ ـ الهبارية بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة نسبة الى هبار جده لأمه.

٢ ـ وهو في نحو ٢٠٠٠ بيتاً نظمها في عشر سنين. وطبع في باريس سنة ١٨٨٦ م وفي مصر سنة ١٢٩٢ وفي بيروت سنة ١٨٨٦ م.

٢٢

وترجم له العماد الاصفهاني في ( خريدة القصر ) فقال :

الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح ابن الهبّارية العباسي الشاعر وديوان شعره اربعة اجزاء.

وترجم له صاحب دائرة المعارف الاسلامية فقال : ولد في بغداد حوالي منتصف القرن الخامس الهجري ( العاشر الميلادي ) وتعلم في المدارس التي انشئت في ذلك العهد وخاصة في النظامية التي اسسها نظام الملك عام ٤٥٩ هـ (١٠٦٧) م ولم يكن يهتم بما كان يجري فيها من المناظرات الكلامية.

قال في خريدة القصر قسم العراق ، وأنشدت له بأصفهان من قصيدة :

أثار جارُ داركَ وهيَ في شرع العلى

ربعٌ حرامٌ آمنٌ جيرانُهُ

لا يزهدنّك منظري في مَخبَري

فالبحرُ مِلحُ مياههِ عقيانهُ

ليس القُدودُ ، ولا البرود ، فضيلة

ما المرء إلا قلبُه ولسانُهُ

وأنشدت له في الباقلاء الأخضر :

فصوصُ زمرُّدٍ في كيس دُرٍّ

حكَت أقماعها تقليم ظُفرِ

وقد خاط الربيع لها ثياباً

لها لونان من بِيض وخُضر

وأنشدت له في نظام الملك :

نظام العلى ، ما بالُ قلبك قد غدا

على عبدك المسكين دون الورى فظا؟

أنا أكثر الورّاد حقاً وحرمة

عليك ، فما بالي أقلَّهم حظّا؟

وأنشدت له ايضاً :

وإذا سخطتُ على القوافي صغتها

في غيره ، لأذلها وأهينها

وإذا رضيتُ نظمتها لجلاله

كيما أشرفها به وأزينها

وقوله من قصيدة :

إنما المال منتهى أمل ألخا

مِلِ ، والرُدُّ مطلب الأشراف

٢٣

لا أُحِبّ الفِجَّ الثقيلَ ولو جا

دَ ببذلِ المِئينَ والآلافِ

وأُحبُّ الفتى يهشُّ الى الضيُّـ

ـف بأخلاقه العِذاب اللّطاف

أريحياً طَلِقَ المحَيّا حييّاً

ماءُ أخلاقِهِ من الكبرِ صافِ

ولو اني لو أحظَ منه بغير الـ

ـشمّ شيئاً ، لكان فوق الكافي

ومن قوله :

ومُدلل دقت محاسنُ

وجهه عن أن تكيَّف

ترك التصنَّعَ للجمَا

ل ، فكان أظرف للتظرف

لو أن وجه البدر يُشـ

ـبهُ وجههُ ما كان يُكسف

الصُّدغ مسكٌ والثنا

يا لؤلؤ ، والريق قَرقف (١)

والوردُ من وَجَناته

بأنامِلِ الألحاظ يُقطَف

وله في نوح الحمامة

بي مثلُ ما بك يا حمامَ البانِ

أنا بالقدود وأنت بالإغصانِ

أعد السَّترم كيفَ شئت ، فإننا

فيما نجُنُّ من الهوى سياّنِ

لي ما رويت من النَّسيب ، وإنما

لك فيه حقَّ الشَّدو والألحانِ

قال : وحكي لي : ان ابا الغنائم ابن دارست حمل ابن الهبارية على هجو نظام الملك فأبى ، وقال : هو منعم في حقي فكيف أهجوه؟ فحمله على أن سأل ( نظام الملك ) شيئاً ، صعبت عليه أجابته الى ذلك ، فقال ابن الهبارية :

لا غَروَ إن مَلكَ ( إبنُ إسـ

ـحاق ، وساعدَهُ القَدَرَ

وصفت له الدُّنيا ، وخُصَّ

( أبو الغنائم ) بالكدَر

فالدّهر كالدّولاب ليـ

ـس يدورُ إلا بالبَقَر

فلما سمع ( نظام الملك ) هذه الأبيات ، قال : هذه إشارة الى أنني من

__________________

١ ـ القرقف : الخمر

٢٤

( طُوس ) فإنّه يقالُ لأهل ( طوس ) « البقر » واستدعاه ، وخلع عليه وأعطاه خمسمائة دينار فقال ابن الهبَّارية لـ ( تاج الملك ) : ألم أقل لك؟ كيف أهجوه ، وإنعامه بلغ هذا الحد الذي رأيته؟

وقال :

يا أيها الصاحبُ الأجلُّ

إن لم يكن وابلٌ فطل (١)

المالُ فانٍ ، والذَّكرُ باقٍ

والوَفر فرعٌ ، والعِرض أصلُ

فاجعلهُ دونَ العِيال ستراً

فالصَّونُ في أن يكون بَذلُ

لا تَحقَرن شاعراً تراهُ

فَعُقدَة الشًّعرِ لا تُحَلُّ

ومن معانيه الغريبة قوله في الرد على من يقول : ان السفر به يبلغ الوطر :

قالوا أقمتَ وما رزقتَ وإنما

بالسير يكتسب اللبيب ويُرزقُ

فاجبتهم ما كل سير نافعاً

الحظ ينفع لا الرحيل المقلق

كم سفرة نفعت وأخرى مثلها

ضرَّت ويكتسب الحريص ويخفق

كالبدر يكتسب الكمال بسيره

وبه اذا حرم السعادة يمحِق

وله :

ما صغتُ فيك المدح لكنني

من غرَّ أوصافك أستملي

تملي سجاياك على خاطري

فها أنا أكتبُ ما تُملي

وله في ابن جهير لما استوزر ثانية بسبب مصاهرة نظام الملك :

قل للوزير ، ولا تُفزعكَ هيبتهُ

وإن تعاظمَ واستولى لمنصبه :

لولا ابنة الشيخ ما استوزرتَ ثانية

فاشكر حراً ، صرت مولانا الوزير به

وقوله :

ما مُنح الانسان من دهره

موهبةً أسنى من العقل

__________________

١ ـ الوابل ، المطر الشديد الضخم القطر ، والطل ، المطر الخفيف يكون له اثر قليل ، وفي التنزيل قوله تعالى ( فان لم يصبها وابل فطل ).

٢٥

يؤنسُهُ إن مَلَّهُ صاحبُ

فهو على الوحدة في أهلِ

ما ضرَّهُ عندي ولا عابَهُ

إن غَلبَته دولةُ الجهلِ

أقول وذكر له العماد في الخريدة كثيراً من الشعر في الهزل والخمر والمجون ورتبّه على الحروف وقد اكتفينا بهذه الباقة من الوان شعره ، قال ابن خلكان : ومحاسن شعره كثيرة وله كتاب نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة ، وديوان شعره كبير يدخل في اربع مجلدات ، ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة ، وهو أراجيز وعدد بيوته الفا بيت ، نظمها في عشر سنين ، ولقد أجاد فيه كل الاجادة ، وسير الكتاب على يد ولده الى الامير ابي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الاسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الابيات.

هذا كتابٌ حسنُ

تحار فيه الفطنُ

أنفقتُ فيه مدّه

عشر سنين عدّه

منذ سمعتُ باسمكا

وضعته برسمكا

بيوته ألفانِ

جميعها معان

لو ظلّ كل شاعر

وناظم وناثر

كعمر نوح التالد

في نظم بيت واحد

من مثله لما قدر

ما كل مَن قال شعر

أنفذته مع ولدي

بل مهجتي وكبدي

وأنت عند ظني

أهل لكل مَن

وقد طوى اليكا

توكلاً عليكا

مشقة شديدة

وشقة بعيدة

ولو تركت جيت

سعياً وما ونيت

إن الفخار والعلا

إرثك من دون الملا

قال : فاجزل عطيته وأسنى جائزته.

٢٦

الحسين الطغرائي (١)

ومبسم ابن رسول الله قد عبثت

بنو زياد بثغر منه منكوتِ

__________________

١ ـ قال ابن خلكان ، والطغرائي بضم الطاء المهملة ، وسكون الغين المعجمة وفتح الراء بعدها ألف مقصورة ـ هذه النسبة الى من يكتب الطغرى ، وهي الطرّة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه ، وهي لفظة أعجمية.

٢٧

مؤيد الدين الحسين بن علي الاصفهاني المنشىء المعروف بالطغرائي.

قال الحر العاملي في أمل الأمل : فاضل عالم صحيح المذهب ، شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة ، وشعره في غاية الحسن ، ومن جملته لأمية العجم المشتملة على الآداب والحكم ، وهي أشهر من أن تذكر ، وله ديوان شعر جيد. ثم ذكر بعض اشعاره وذكره ابن خلكان وأثنى عليه وقال : انه كان غزير الفضل لطيف الطبع فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ، وقال السيد الامين في الاعيان : مؤيد الدين ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني الوزير المنشىء المعروف بالطغرائي من ذرية ابي الاسود الدؤلي. ولد سنة ٤٥٣ وقتل سنة ٥١٤ بأربل عن عمر تجاوز الستين وفي شعره ما يدل على أنه بلغ ٥٧ سنة لأنه قال وقد جاءه مولود.

هذا الصغير الذي وافى على كبر

أقرَّ عيني ولكن زاد في فكري

سبعٌ وخمسون لو مرَّت على حجرٍ

لبان تأثيرها في ذلك الحجر

وهو شاعر مجيد وله ديوان شعر مطبوع بمطبعة الجوائب يشتمل على روائع ومبتكرات في المعاني وهو يحتوي على مائتين وسبعة وخمسين قصيدة ومقطوعة تتكون من ألفين وثمانمائة وخمسة وسبعين بيتاً ، وفيها الشيء الكثير من الحكم والوصف والمديح والعتاب والشكوى والحماسة ، ومن ذلك مقطوعتان في ذكر ولائه لأهل البيت عليهم‌السلام ونقمته على ظالميهم بقوله :

حُبُّ اليهود لآل موسى ظاهر

وولاؤهم لبني أخيه بادي

٢٨

وإمامهم من نسل هارون الأولى

بهم اهتدوا ، ولكل قوم هادي

وأرى النصارى يكرمون محبة

لنبيهم نجراً من الأعواد

وإذا توالى آل أحمد مسلمٌ

قتلوه أو وسموه بالإلحاد

هذا هو الداء العياء بمثله

ضلّت حلوم حواضر وبوادي

لم يحفظوا حق النبيّ محمد

في آله ، والله بالمرصاد

وكأن هذه القطعة كانت لسان حاله ، فقد رمي بالإلحاد في آخر حياته وقتل بهذه التهمة ومضى شهيداً محتسباً.

وأما القطعة الثانية فهي :

توعدني في حبَّ آل محمد

وحب ابن فضل الله قوم فأكثروا

فقلت لهم لا تكثروا ودعوا دمي

يراق على حبي لهم وهو يهدر

فهذا نجاح حاضر لمعيشتي

وهذا نجاة ارتجي يوم أحشر

وأورد له ابن شهراشوب في المناقب قوله في أهل البيت :

نجوم العلى فيكم تطلعُ

وغائبها نحوكم يرجعُ

على يستقلُّ فلا يستقرُّ

به لهما دونكم مضجع

ومن مشهور شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم لأن ناظمها عجمي أصبهاني ، نظمها ببغداد سنة ٥٠٥ واولها :

أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ

وحلية الفضل زانتني لدى العطلِ

وذلك في مقابلة لامية العرب للشنفري العربي التي أولها :

أقيموا بني أمي صدور مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأميلُ

وقد شرح لامية العجم صلاح الدين بن أيبك الصفدي بشرح مطول يشتمل على جزئين ضخمين ، وقد أوردها ياقوت الحموي في معجم الأدباء بتمامها إعجاباً بها

٢٩

وكذلك ابن خلكان أوردها بتمامها ، وترجمها بعض المستشرفين الى اللاتينية (١) وشطًّرها وخمَّسها كثيرون ، وأعجبني من ذلك تخميس جرجي افندي نخلة سعد ، من أدباء لبنان ، نشرته مجلة العرفان اللبنانية وأوله :

تركتُ صحبي بين الكأس والغزلِ

يداعبون ذوات الأعين النُجُلِ

أما أنا ولسان الحق يشهد لي

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

وكل التخميس جاء مجارياً لمتانة القصيدة منسجماً معها ، واذا كنا لم نذكره هنا فلا تفوتنا القصيدة فهي حاوية لجملة من الحكم والنصائح وها هي :

أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرعٌ

والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

فيمَ الإقامة بالزوراء لا سكني

بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

ناء عن الأهل صِفرَ الكفِ منفرد

كالسيف عُرّي متناه من الخلل

فلا صديقٌ إليه مُشتكى حزني

ولا أنيس إليه منتهى جَذَلي

طالِ اغترابي حتى حنًّ راحلتي

ورحلها وقرى العسالة الذُبُل

وضجَّ من لغَبٍ نضوي وعجّ لما

يلقى ركابي ولَّج الركب في عذلي

أريد بسطة كفٍ أستعين بها

على قضاء حقوق للعلى قِبَلي

والدهر يعكس آمالي ويُقنعني

من الغنيمة بعد الكد بالقَفَل

حُبُّ السلامة يَثني همَّ صاحبه

عن المعالي ويُغري المرء بالكسل

فإن جنحتَ إليه فاتخذ نَفَقاً

في الارض أو سُلَّماً في الجوّ فاعتزل

ودعُ غِمار العلى للمقدمين على

ركوبها واقتنع منهنَّ بالبلل

يرضى الذليل بخفض العيش يخفضه

والعزّ بين رسيم الأينق الذُلُل

فادرأ بها في نحور البيد حافلةَ

معارضاتٍ مثاني اللجم بالجُدُل

__________________

١ ـ خريدة القصر.

٣٠

إن العلى حدثتني وهي صادقة

فيما تُحدّث أن العزّ في النُقل

لو أن في شرف المأوى بلوغَ مُنى

لم تبرح الشمس يوماً دارةَ الحمَل

أهبتُ بالحظ لو ناديت مستمعاً

والحظُّ عنيَّ بالجهّال في شُغل

لعله إن بدا فضلي ونقصهُم

لعينه نام عنهم أو تنبه لي

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لو لا فسحةُ الأمل

لم أرتض العيش والأيام مقبلة

فكيف أرضى وقد ولّت على عَجَل

غالى بنفسي عرفاني بقيمتها

فصُنتها عن رخيص القدر مبتذل

وعادة النصل أن يزهو بجوهره

وليس يعمل إلا في يَدَي بطل

ما كنت أؤثر أن يمتدَّ بي زمني

حتى أرى دولة الأوغاد والسَفل

تقدمتني أناسٌ كان شوطهم

وراء خطوي إذا أمشي على مَهَل

هذا جزاءُ أمرىءٍ أقرانه درجوا

من قبله فتمنّى فُسحةَ الأجل

وإن عَلانيَ مَن دوني فلا عجبٌ

لي أسوةٌ بانحطاط الشمس عن زُجل

فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضجرٍ

في حادثِ الدهر ما يُغني عن الحيل

أعدى عدوّك أدنى مَن وثقتَ به

فحاذر الناس واصحبهم على دَخَل

وإنما رجلُ الدنيا وواحدُها

من لا يُعوّلُ في الدنيا على رجل

غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخُلف بين القول والعمل

وحُسنُ ظنك بالأيام معجزةٌ

فظُنّ شراً وكن منها على وَجَل

وشانَ صدقِك عند الناس كذُبهم

وهل يطابق معوّجٌ بمعتدل

إن كان ينجع شيء في ثباتهم

على العهود فسبقُ السيف للعذل

يا وارداً سُؤر عيش كله كدرٌ

أنفقتَ عمرك في أيامك الأول

فيمَ اعتراضك لجَّ البحر تركبه

وأنت يكفيك منه مصّة الوشل

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا

تحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ترجو البقاء بدارٍ لا ثَباتَ لها

فهل سمعتَ بظلٍّ غير منتقل

ويا خبيراً على الأسرار مطلعاً

أنصت ففي الصمت منجاةٌ من الزلل

قد رشحوّك لأمرِ إن فطِنتَ له

فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهُمَل

٣١

كان وزيراً للسلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل.

وفي معجم الادباء : كان آية في الكتابة والشعر خبيراً بصناعة الكيمياء له فيها تصانيف أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى وخدم السلطان ملكشاه بن ألب ارسلان وكان منشىء السلطان محمد مده ملكه متولي ديوان الطغراء وصاحب ديوان الانشاء تشرفت به الدولة السلجوقية وتشوفت اليه المملكة الايوبية وتنقَّل في المناصب والمراتب وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة ولم يكن في الدولتين السلجوقية والايوبية من يماثله في الانشاء سوى أمين الملك ابي نصر العتبي وله في العربية والعلوم قدم راسخ وله في البلاغة المعجزة في النظم والنثر قال الامام محمد بن الهيثم الاصفهاني : كشف الاستاذ أبو اسماعيل بذكائه سر الكيمياء وفك رموزها واستخرج كنوزها وله فيها تصانيف وذكرها وقوله كان خبيراً بصناعة الكيميا لم يظهر المراد من أهو العلم بصناعتها فقط أم أنه كان يعلم كيفية صنعها وصحت معه فحول المعادن الى ذهب وفضة ربما ظهر من قوله : أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى الاول ولا صحت معه لاشتهر ذلك وكان ذا ثروة عظيمة وقال ابن خلكان في تاريخه : الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الاصبهاني الطغرئي غزير الفضل لطيف الطبع فاق بصنعة النظم والنثر ، توفي سنة ٥١٥ وفي انساب السمعاني.

في المنشي ، هذه النسبة الى انشاء الكتب الديوانية والرسائل والمشهور بهذه النسبة الاستاذ ابو اسماعيل الحسين بن علي بن عبد الصمد المنشي الاصبهاني صدر العراق وشهرة الآفاق وذكر معه رجلا آخر. وفي مرآة الجنان في حوادث سنة ٥١٤ فيها توفي الوزير مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني كاتب ديوان الانشاء للسلطان محمد بن ملكشاه كان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لأمية العجم ، وفي أمل الآمل : مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي فاضل عالم صحيح المذهب

٣٢

شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة وشعره ، في غاية الحسن ومن جملته لامية العجم المشتملة على الآداب والحكم وهي أشهر من أن تذكر وله ديوان شعر جيد اهـ وفي الرياض : الشيخ العميد الوزير مؤيد الدين فخر الكتاب ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي الامامي الشهيد المقتول ظلماً الشاعر الفاضل الجليل المشهور صاحب لامية العجم التي شرحها الصفدي بشرح كبير معروف وكان مشهوراً بمعرفة علم الكيمياء ويعتقد صحة ذلك وله فيه تأليف اهـ ولاشتهاره بعلم الكيمياء قيل عن لاميته المعروفة بلامية العجم انها رمز الى علم الكيمياء وهو خيال فاسد كما قيل عن كتاب كليلة ودمنة مثل ذلك. وفي تاريخ السلجوقية لعماد الدين محمد بن محمد الاصفهاني بعد ما ذكر مرض السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ما لفظه : وأما الاستاذ ابواسماعيل الطغرائي فانهم لما لم يروا في فضله مطعنا ولا على علمه من القدح مكمناً أشاعوا بينهم انه ساحر وانه في السحر عن ساعد الحذق وحاسر وأن مرض السلطان ربما كان بسحره وأنه ان لم يصرف عن تصرفه فلا أمن من أمره فبطلوه وعطلوه واعتزلوه وعزلوه اهـ.

وقال الصفدي في شرح لامية العجم : أخبرني العلامة شمس الدين محمد ابن ابراهيم بن مساعد الانصاري بالقاهرة المحروسة ان الطغرائي لما عزم أخو مخدومه على قتله أمر أن يشد إلى شجرة وأن يوقف تجاه جماعة ليرموه بالسهام ، ففعل ذلك به وأوقف إنساناً خلف الشجرة من غير أن يشعر به الطغرائي وأمره أن يسمع ما يقول : وقال لأرباب السهام : لا ترموه بالسهام إلا إذا أشرت إليكم. فوقفوا والسهام في أيديهم مفوقة لرميه. فأنشد الطغرائي في تلك الحال هذه الابيات :

ولقد أقول لمن يسدّد سهمهُ

نحوي وأطراف المنيَّة شُرَّعُ

والموت في لحظات أحور طرفه

دوني وقلبي دونه يتقطَّع

٣٣

بالله فتّش في فؤادي هل يرى

فيه لغير هوى الأحبَّة موضع

أهون به لو لم يكن في طيّه

عهد الحبيب وسرّه المستودع

فلما سمع ذلك رقَّ له وأمر بإطلاقه ذلك الوقت ، ثم أن الوزير عمل على قتله فيما بعد وقتل اهـ.

فمن شعره ما أورده الحر العاملي في أمل الأمل قوله :

إذا ما لم تكن ملكاً مطاعاً

فكن عبداً لخالقه مطيعا

وإن لم تملك الدنيا جميعاً

كان تهواه فاتركها جميعا

هما نهجان من نسكٍ وفتك

يحلّان الفتى الشرف الرفيعا

وقوله :

يا قلب مالك والهوى من بعد ما

طاب السلوَّ وأقصر العشاق

أو ما بدا لك في الافاقة والأولى

نازعتهم كأس الندام أفاقوا

مرض النسيم وصحَّ والداء الذي

أشكوه لا يرجى له إفراق

وهدا خفوق النجم والقلب الذي

ضمَّت عليه جوانحي خفَّاق

وفي خريدة القصر للعماد الكاتب انه كتب اليه أبو شجاع ابن أبي الوفاء وكان من معاصريه بأصفهان وهو تائب من شرب الخمر يستهديه شراباً :

يا من سما بجلاله

فخراً على كل الأنامِ

وغدت مكارم كفه

تغني العفاة عن الغمام

إن كنت قد نزهت نفـ

ـسك عن مساورة المدام

فأسير جودك نحو ما

نزَّهت نفسك عنه ظام

فامنن عليه بالشرا

ب وعش سعيداً ألف عام

فالعمر يركض كالسحا

ب وكل عيش كالمنام

واجلّ ما أدَّخر الفتى

شكر يبوح على الدوام

٣٤

فأجابه الاستاذ الطغرائي بقوله :

من تاب من شرب المدام

ومن مقارفة الحرام

وسمت به النفس العزوب

عن التورط في الاثام

فاستحي ان تلقاه منـ

ـتجعاً لأهداء المدام

وابني أحق بما سالـ

ـت لديه من بلل الأوام

فاستسقه فلديه ما

يغنيك عن سقي الغمام

واسرق من الأيام حظـ

ـك من حلال أو حرام

فالدهر ليس ينام عنـ

ـك وأنت عنه في منام

ومن شعره قوله :

جامل عدوك ما استطعت فانه

بالرفق يطمع في صلاح الفاسد

واحذر حسودك ما استطعت فانه

إن نمت عنه فليس عنك براقد

ان الحسود وان أراد تودداً

منه أضر من العدوّ الحاقد

ولربما رضي العدو اذا رأى

منك الجميل فصار غير معاند

ورضا الحسود زوال نعمتك التي

أوتيتها من طارفٍ أو تالد

فاصبر على غيظ الحسود فناره

ترمي حشاه بالعذاب الخالد

أو ما رأيت النار تأكل نفسها

حتى تعود الى الرماد الهامد

تضفو على المحسود نعمة ربه

ويذوب من كمد فؤاد الحاسد

وقوله في مدح العلم

من قاس بالعلم الثراء فانه

في حكمه أعمى البصيرة كاذب

العلم تخدمه بنفسك دائماً

والمال يخدم عنك فيه نائب

والمال يسلب أو مبيد لحادث

والعلم لا يخشى عليه سالب

والعلم نقش في فؤادك راسخ

والمال ظل عن فِنائك ذاهب

هذا على الانفاق يغزر فيضه

أبداً وذلك حين تنفق ناضب

٣٥

ومن شعره قوله :

أما العلوم فقد ظفرت ببغيتي

منها فما احتاج ان أتعلما

وعرفت أسرار الحقيقه كلها

علماً أنار لي البهيم المظلما

وورثت هرمس سر حكمته الذي

ما زال ظناً في الغيوب مرجّما

وملكت مفتاح الكنوز بحكمة

كشفت لي السرَّ الخفيَّ المبهما

لولا التقية كنت أظهر معجزاً

من حكمتي تشفي القلوب من العمى

أهوى التكرّم والتظاهر بالذي

علّمته والعقل ينهى عنهما

وأريد لا ألقى غبياً مؤسراً

في العالمين ولا لبيباً معدما

والناس إما جاهل أو ظالم

فمتى أطيق تكرّما وتكلّما

وقوله يصف طلوع الشمس وغروب البدر :

وكأنما الشمس المنيرة أذ بدت

والبدر يجنح للغروب وما غرب

متحاربان لذا مجن صاغه

من فضة ولذا مجن من ذهب

وقوله :

أيكيّة صدحت شجواً على فنن

فاشعلت ما خبا من نار أشجاني

فاحت وما فقدت إلفا ولا فجعت

فذكرتني أوطاري وأوطاني

طليقة من أسار الهمّ ناعمة

أضحت تجدد وجد الموثق العاني

تشبهت بي في وجد وفي طرب

هيهات ما نحن في الحالين سيآن

ما في حشاها ولا في جفنها أثر

من نار قلبي ولا من ماء أجفاني

يا ربّة البانة الغناء تحضنها

خضراء تلتف أغصانا باغصان

ان كان نوحك إسعاداً لمغتربٍ

ناء عن الاهل ممني بهجران

فقارضيني اذا ما اعتادني طرب

وجداً بوجد وسلواناً بسلوان

ما أنت مني ولا يعنيك ما أخذت

مني الليالي ولا تدرين ما شاني

٣٦

وقوله :

اقول لنضوي وهي من شجني خلو

حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو

تعالى اقاسمك الهموم لتعلمي

بأنك مما تشتكي كبدي خلو

تريدين مرعى الريف والبدو ابتغي

وما يستوي الريف العراقي والبدو

هوى ليس يسلي القرب عنه ولا النوى

وشجو قديم ليس يشبهه شجو

فاسرٌ ولا فكٌ ووجدٌ ولا أسى

وسقم ولا برء وسكرٌ ولا صحو

عناء معنّ وهو عندي راحة

وسمٌ ذعافٌ طعمه في فمي حلو

وقوله :

انظر ترى الجنة في وجهه

لا ريب في ذاك ولا شك

أما ترى في الرحيق الذي

ختامه من خاله مسك

وقال يعزى معين الملك عن نكبته :

تَصبّر معين الملك إن عنَّ حادثٌ

فعاقبة الصبر الجميل جميلُ

ولا تيأسن من صُنع ربك إنني

ضمين بأن الله سوف يديل

فإن الليالي إذ يزول نعيمها

تُبشرُ أن النائبات تزول

ألم تر أن الليل بعد ظلامه

عليه لإسفار الصباح دليل

وأن الهلال النضو يقمر بعدما

بدا وهو شخت الجانبين ضئيل (١)

فلا تحسبنَّ الدوح يُقلع كلما

يمرُّ به نفح الصبا فيميل

ولا تحسبنَّ السيف يقصف كلما

تعاوده بعد المضاء كُلول

فقد يعطف الدهر الأبيُّ عنانه

فيشفى عليل أو يُبلُّ غليل

ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما

تساقط ريش واستطار نسيل (٢)

ويستأنف الغصن السليب نضارةً

فيورق ما لم يعتوره ذبول

__________________

١ ـ النضو : المهزول ، والشخت الضامر عن غير هزال.

٢ ـ النسيل : ما يسقط من الريش.

٣٧

وللنجم من يعد الذبول استقامة

وللحظّ من بعد الذهاب قفول

وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها

عليك وأحداث الزمان شكول

ولا غرو أن أخنت عليك فإنمّا

يُصادمَ بالخطب الجليل جليل

وأي قناةٍ لم تُرنّح كعوبها

وأي حسام لم تصبه فلول

أسأت إلى الأيام حتى وترتها

فعندك أضغان لها وتبول (١)

وما أنت إلا السيف يسكن غمده

ليشقى به يوم النزال قتيل

أما لك بالصدّيق يوسف أُسوة

فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل

وما غضّ منك الحبس والذكر سائرٌ

طليق له في الخافقين ذميل (٢)

فلا تذعنن للخطب آدك (٣) ثقله

فمثلك للأمر العظيم حمول

ولا تجزعن للكبل مسك وقعه

فإن خلاخيل الرّجال كبول

وإن امرءً تعدو الحوادث عرضه

ويأسى لما يأخذنه لبخيل

ومن شعر الطغرائي في الفخر ما ذكره الزيات في تاريخ الادب العربي

أبى الله أن اسمو بغير فضائلي

إذا ما سما بالمال كلُّ مسوَّد

وإن كرمت قبلي أوائل أسرتي

فإني بحمد الله مبدأ سؤددي

وما المال إلا عارة مستردة

فهلا بفضلي كاثروني ومحتدى

إذا لم يكن لي في الولاية بسطة

يطول بها باعي وتسطو بها يدي

ولا كان لي حكم مطاع أجيزه

فأرغم اعدائي وأكبت حسّدي

فاعذر إن قصَّرت في حق مُجتدٍ

وآمن أن يعتادني كيد معتد

أَأُكفى ولا أكفي؟ وتلك غضاضة

أرى دونها وقع الحسام المهند

من الحزم ألا يضجرالمرءُ بالذي

يعانيه من مكروهةٍ فكأن قدِ

إذا جلدي في الأمر خان ولم يُعن

مريرة عزمي ناب عنه تجلدي

ومن يستعن بالصبر نال مراده

ولو بعد حين إنه خير مسعد

__________________

١ ـ التبول جمع التبل : هو الثأر.

٢ ـ الذميل : السير اللين.

٣ ـ آدك : اثقلك وأجهدك.

٣٨

ابو منصور الجواليقي

ابو منصور الجواليقي

قال ابن شهراشوب في المناقب : قال الجواليقي في ذم يزيد حين ضرب ثنايا الحسين عليه‌السلام بالقضيب الخيزران.

واختال بالكبر على ربه

يقرع بالعود ثناياه

بحيث قد كان نبيٌ الهدى

يلثم في قبلته فاه

٣٩

جاء في أعيان الشيعة ج ٤٩ ص ٥٢ :

أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي البغدادي.

ولد سنة ٤٦٦ وتوفي يوم الأحد منتصف المحرم سنة ٥٣٩ ببغداد ودفن بباب حرب وصلى عليه قاضي القضاة الزينبي بجامع القصر.

و ( الجواليقي ) نسبه الى عمل الجوالق أو بيعها. والجواليق جمع جوالق وهو وعاء معروف. وهو معرب جوال بالجيم الفارسية ، لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة عربية البتة. قال ابن خلكان : وهي نسبة شاذة لأن الجموع لا ينسب اليها بل إلى آحادها ، إلا في كلمات شاذة محفوظة كأنصاري في النسبة الى الأنصار. والجواليق في جمع جوالق شاذ أيضاً لأن الياء لم تكن في المفرد والمسموع فيه جوالق بضم الجيم وجمعه جوالق بفتحها وهو باب مطرد كرجل حلاحل بضم الحاء أي وقور جمعه حلاحل بفتح الحاء ، وشجر عدامل أي قديم ، جمعه عدامل ، ورجل عراعر أي سيد ، جمعه عراعر ، ورجل علاكد أي شديد ، جمعة علاكد ، وله نظائر كثيرة اهـ.

( أقوال العلماء فيه )

ذكره ابن الانباري في نزهة الألباء في طبقات الأدباء فقال :

وأما أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي اللغوي فإنه كان من كبار أهل اللغة ، وكان ثقة صدوقاً ، وأخذ عن الشيخ ابي زكريا

٤٠