أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٧

وعليه اطمار رثة وطيلسان صوف فحضر المأتم وقد حضر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم فقام في آخرهم ، وأنشد قصيدته التي أولها :

ما للرياض تميل سكرا

هل سقيت بالمزن خمرا

الى أن وصل إلى قوله :

أفكر بلاء بالعرا

ق وكربلاءُ بمصر اخرى

فذرفت العيون وعج القصر بالبكا والعويل وانثالت عليه العطايا من كل جانب وعاد الى منزله بمال وافرٍ حصل له من الامراء والخدم وحظايا القصر وحمل إليه من قبل الوزير جملة من المال.

وقيل له : لو لا انه العزاء والمأتم ، لجاءتك الخلع.

قال : وكان على جلالته وفضله ومنزلته من العلم والنسب قبيح المنظر أسود الجلدة جهم الوجه سمج الخلقة ذا شفة غليظة وانف مبسوط ، كخلقة الزنوج ، قصيراً.

حدثني الشريف المذكور عن ابيه قال كنت أنا والرشيد بن الزبير والفقيه سليمان الديلمي ، نجتمع بالقاهرة في منزل واحد فغاب عنا الرشيد وطال انتظارنا له وكان ذلك في عنفوان شبابه وإبان صباه فجاءنا ، وقد مضى معظم النهار ، فقلنا له : ما أبطأ بك عنا؟ فتبسم وقال لا تسألوا عما جرى علىَّ اليوم فقلنا : لا بد من ذلك ، فتمنّع ، وألححنا عليه ، فقال : مررت اليوم بالموضع الفلاني ، واذا امرأة شابة صبيحة الوجه وضيئة المنظر حسانة الخلق ظريفة الشمائل فلما رأتني نظرت إلي نظر مطمع لي في نفسه فتوهمت أنني وقعت منها بموقع ونسيت نفسي وأشارت إلي بطرفها ، فتبعتها

١٦١

وهي تدخل في سكة وتخرج من اخرى حتى دخلت داراً وأشارت إليَّ فدخلت ، ورفعت النقاب عن وجه كالقمر في ليلة تمامه ثم صفقت بيديها منادية : يا ست الدار فنزلت إليها طفلة ، كأنها فلقة قمر وقالت : إن رجعت تبولين في الفراش تركت سيدنا القاضي يأكلك ، ثم التفتت وقالت : ـ لا أعدمني الله إحسانه بفضل سيدنا القاضي أدام الله عزه ـ فخرجت وانا خزيان خجلاً ، لا أهتدي إلى الطريق.

وحدثني قال : إجتمع ليلة عند الصالح بن رزيك هو وجماعة من الفضلاء فألقى عليهم مسألة في اللغة فلم يجب عنها بالصواب سواه ، فاعجب به الصالح فقال الرشيد : ما سئلت قط عن مسألة إلا وجدتني أتوقد فهماً فقال ابن قادوس ، وكان حاضراً.

إن قلت : من نار خلقـ

ـت وفقت كل الناس فهما

قلنا : صدقت ، فما الذي

أطفاك حتى صرت فحما

واما سبب مقتله : فلميله الى أسد الدين شير كوه عند دخوله الى البلاد ومكانبته له ، واتصل ذلك بشاور وزير العاضد ، فطلبه ، فاختفى بالاسكندرية واتفق التجاء الملك صلاح الدين يوسف بن ايوب الى الاسكندرية ومحاصرته بها فخرج ابن الزبير راكباً متقلداً سيفاً وقاتل بين يديه ولم يزل معه مدة مقامه بالاسكندرية إلى ان خرج منها فتزايد وجد شاور عليه واشتد طلبه له ، واتفق ان ظفر به على صفة لم تتحقق لنا ، فأمر باشهاره على جمل ، وعلى رأسه طرطور ووراءه جلواز ينال منه.

وأخبرني الشريف الإدريسي عن الفضل بن أبي الفضل انه رآه على تلك الحال الشنيعة وهو ينشد :

إن كان عندك يا زمان بقية

مما تهين به الكرام فهاتها

١٦٢

ثم جعل يهمهم شفتيه بالقرآن ، وأمر به بعد إشهاره بمصر والقاهرة ان يصلب شنقاً ، فلما وصل به الى الشناقة جعل يقول للمتولي : لك منه : عجَّل عجِّل فلا رغبة للكريم في الحياة بعد هذه الحال. ثم صلب.

حدثني الشريف المذكور قال : حدثني الثقة حجاج بن المسيح الأسواني : أن ابن الزبير دفن في موضع صلبه ، فما مضت الايام والليالي حتى قتل شاور وسحب ، فاتفق أن حفر له ليدفن فوجد الرشيد بن الزبير في الحفرة مدفوناً فدفنا معاً في موضع واحد ، ثم نقل كل واحد منهما بعد ذلك الى تربة له بقرافة مصر القاهرة.

ومن شعر الرشيد ، قوله يجيب أخاه المهذب عن قصيدته التي أولها :

يا ربع اين ترى الأحبَّة يمَّموا

رحلوا فلا خلت المنازل منهم

ويروي : ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم

وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم

وضياء نور الشمس ما لا يكتم

وتبدَّلوا ارض العقيق عن الحمى

روَّت جفوني أي ارض يَّمموا

نزلوا العذيب ، وإنما في مهجتي

نزلوا وفي قلب المتيَّم خيَّموا

ما ضرّهم لو ودَّعوا من اودعوا

نار الغرام وسلَّموا من أسلموا

هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا

أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهموا

وهم مجال الفكر من قلبي وإن

بعد المزار فصفو عيشي معهم

أحبابنا ما كان اعظم هجركم

عندي ولكنَّ التفرُّق اعظم

غبتم ، فلا والله ما طرق الكرى

جفني ولكن سحَّ بعدكم الدم

وزعمتم إني صبور بعدكم

هيهات لا لُقَّيتم ما قلتم

وإذا سئلت بمن أهيم صبابةً

قلتُ الذين هم الذين هم هم

النازلين بمهجتي وبمقلتي

وسط السويدا والسواد الاكرم

١٦٣

لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى

أني حفظتُ العهد لما خُنتم

فأقمت حين ظغنتُم وعدلتُ لمـ

ـا جُرتُم ، وسهدت لما نمتم

يا محرقاً قلبي بنار صدودهم

رفقاً ففيه نار شوق تضرم

اسعرتم فيه لهيب صبابة

لا تنطفي إلا بقرب منكم

يا ساكني أرض العذيب سقيتم

دمعي إذا ضن الغمام المرزم

بعدت منازلكم وشطّ مزاركم

وعهودكم محفوظة مذ غبتم

لا لوم للأحباب فيما قد جنوا

حكمتهم في مهجتي فتحكموا

أحباب قلبي أعمروه بذكركم

فلطالما حفظ الوداد المسلم

واستخبروا ريح الصبا تخبركم

عن بعض ما يلقى الفؤاد المغرم

كم تظلمونا قادرين ومالنا

جرم ولاسبب لمن نتظلم

ورحلتم وبعدتم وظلمتم

ونأيتم وقطعتُم وهجرتم

هيهات لا أسلوكم أبداً وهل

يسلو عن البيت الحرام المحرم

وانا الذي واصلت حين قطعتم

وحفظت أسباب الهوى اذ خنتم

جار الزمان علي ، لما جرتم

ظلماً ومال الدهر لما ملتم

وغدوت بعد فارقكم وكأنني

هدف يمر بجانبيه الأسهم

ونزلت مقهور الفؤاد ببلدة

قل الصديق بها وقلَّ الدرهم

في معشر خلقوا شخوص بهائم

يصدا بها فكر اللبيب ويبهم

إن كورموا لم يكرموا أو عَلّموا

لم يعلموا أو خوطبوا لم يفهموا

لا تنفق الآداب عندهم ولا

الاحسان يعرف في كثير منهم

صمٌ عن المعروف حتى يسمعوا

هجر الكلام فيقدموا ويقدموا

فالله يغني عنهم ويزيد في

زهدي لهم ويفك أسري منهم

١٦٤

قال الأمين في أعيان الشيعة : ومن شعره قوله في أهل البيت عليهم‌السلام وهو مسك الختام.

خذوا بيدي يا آل بيت محمد

اذا زلت الإقدام في غدوة الغد

أبى القلب إلا حبكم وولاءكم

وما ذاك الا من طهارة مولدي

وقال ابن خلكان في الوفيات : كان من أهل الفضل والنباهة والرياسة ، صنف كتاب الجنان ورياض الاذهان وذكر فيه جماعة من مشاهير الفضلاء وله ديوان شعر ولأخيه القاضي المهذب ابي محمد الحسن ديوان شعر أيضاً ، وكانا مجيدين في نظمهما ونثرهما ، ومن شعر القاضي المهذب ، وهو لطيف غريب من جملة مفيدة بديعة :

وترى المجرة والنجوم كأنما

تسقي الرياض بجدول ملآن

لو لم تكن نهراً لما عامت بها

أبداً نجوم الحوت والسرطان

وله ايضاً من جملة قصيدة :

ومالى إلى ماء سوى النيل غلة

ولو أنه ـ استغفر الله ـ زمزم

وله كل معنى حسن وأول شمر قاله ، سنة ست وعشرين وخمسمائة ، وذكره العماد الكاتب في كتاب السيل والذيل ، وهو اشعر من الرشيد ، والرشيد أعلم منه في سائر العلوم ، وتوفي بالقاهرة ، سنة احدى وستين وخمسمائة في رجب رحمه‌الله واما القاضي الرشيد فقد ذكره الحافظ أبو

١٦٥

الطاهر السلفي ، في بعض تعاليقه ، وقال : ولي النظر بثغر الاسكندرية في الدواوين السلطانية بغير اختياره ، في سنة تسع وخمسين وخمسمائة ، ثم قتل ظلماً وعدواناً في المحرم ، سنة ثلاث وستين وخمسمائة رحمه‌الله وذكره العماد أيضاً في كتاب السيل والذيل ، الذي ذيل به على الخريدة فقال : الخضم الزاخر والبحر العباب ، ذكرته في الخريدة وأخاه المهذب ، قتله شاور ظلماً لميله الى اسد الدين شير كوه في سنة ثلاث وستين وخمسمائة. كان اسود الجلدة ، وسيد البلدة ، أوحد عصره في علم الهندسة والرياضيات والعلوم الشرعيات والاداب الشعريات ، ومما انشدني له الامير عضد الدين ، ابو الفوارس مرهف بن اسامة بن منقذ ، وذكر انه سمعها منه :

جلت لديّ الرزايا بل جلت هممي

وهل يضرّ جلاء الصارم الذكر

غيري يغيرّه عن حسن شيمته

صرف الزمان وما يأتي من الغير

لو كانت النار للياقوت محرقة

لكان يشتبه الياقوت بالحجر

لا تغرين بأطماري وقيمتها

فأنما هي أصداف على درر

ولا تظن خفاء النجم من صفر

فالذنب في ذاك محمول على البصر

قلت : وهذا البيت مأخوذ من قول أبي العلاء المعري ، في قصيدته الطويلة المشهورة فإنه القائل فيها :

والنجم تستصغر الأبصار رؤيته

والذنب للطرف لا للنجم في الصغر

وأورد له العماد الكاتب في الخريدة أيضاً ، قوله في الكامل بن شاور :

إذا ما نبت بالحرّ دار يودّها

ولم يرتحل عنها فليس بذي حزم

وهبه بها صَبّاً ألم يدر أنه

سيزعجه منها الحمام على رغم

وقال العماد : أنشدني محمد بن عيسى اليمني ببغداد ، سنة إحدى وخمسين قال : أنشدني الرشيد باليمن لنفسه في رجل :

١٦٦

لئن خاب ظني في رجائك بعدما

ظننت بأني قد ظفرت بمنصف

فانك قد قلدتني كل منة

ملكت بها شكري لدى كل موقف

لأنك قد حذرتني كل صاحب

وأعلمتني أن ليس في الأرض من يفي

وكان الرشيد أسود اللون وفيه يقول أبو الفتح محمود بن قادوس ، الكاتب الشاعر يهجوه :

يا شبه لقمان بلا حكمة

وخاسراً في العلم لا راسخا

سلخت أشعار الورى كلها

فصرت تدعى الاسود السالخا

وكان الرشيد سافر الى اليمن رسولاً ، ومدح جماعة من ملوكها ، وممن مدحه منهم ، علي بن حاتم الهمذاني قال فيه :

لقد أجدبت أرض الصعيد وأقحطوا

فلست أنال القحط في أرض قحطان

وقد كفلت لي مأرب بمآربي

فلست على أسوان يوماً بأسوان

وإن جهلت حقي زعانف خندف

فقد عرفت فضلي غطارف همدان

فحسده الداعي في عدن على ذلك ، فكتب بالابيات الى صاحب مصر فكانت سبب الغضب عليه ، فأمسكه وأنفذه اليه مقيداً مجرداً ، وأخذ جميع موجوده ، فأقام باليمن مدة ، ثم رجع الى مصر ، فقتله شاور كما ذكرناه ، وكتب إليه الجليس بن الحباب.

ثروة المكرمات بعدك فقر

ومحلّ العلا ببعدك قفر

بل تجلى إذا حللت الدياجي

وتمر الأيام حيث تمر

أذنب الدهر في مسيرك ذنبا

ليس منه سوى إيابك عذر

١٦٧

والغساني : بفتح الغين المعجمة ، والسين المهملة ، وبعد الالف نون ، هذه النسبة الى غسان ، وهي قبيلة كبيرة من الأزد ، شربوا من ماء غسان ، وهو باليمن فسمُّوا به ، والأسواني : بضم الهمزة ، وسكون السين المهملة ، وفتح الواو ، وبعد الالف نون ، هذه النسبة الى أسوان ، وهي بصعيد مصر. قال السمعاني : هي بفتح الهمزة والصحيح الضم ، هكذا قال لي الشيخ الحافظ ، ذكي الدين ابو محمد عبدالعظيم المنذري حافظ مصر.

١٦٨

سعيد بن مكي النيّلي

لا تنكري إن ألفتُ الهم والأرقا

وبتٌ من بعدهم حلف الأسى قلقا

قد كنت آمل روحي أن تفارقني

ولا أرى شملنا الملتام مفترقا

ليت الركائب لازمّت لبينهم

وليت ناعق يوم البين لا نعقا

كم هدّ ركني وكم أوهى قوى جلدي

وكم دم بمواضي جوره هرقا

لا تطلبوا أبداً مني البقاء فهل

يرجى مع البين من أهل الغرام بقا

يحقّ لي إن بكت عيني دماً لهم

وإن غدوت بنار الحزن محترقا

يا منزلاً لعبت أيدي الشتات به

وكان يشرق للوفاد مؤتلقا

مالي على ربعك البالي غدوت به

وظلت أسأل عن أهليه ما نطقا

أبكي عليه ولو أن البكاء على

سوى بني احمد المختار ما خلقا

تحكّمت فيهم الأعداء ـ ويلهموا

ومن نجيع الدما اسقوهم العلقا

تالله كم قصموا ظهراً لحيدرة

وكم بروا للرسول المصطفى عنقا

والله ما قابلوا بالطف يومهم

إلا بما يوم بدر فيهم سبقا

الى أن يقول في آخرها :

فهاكموها من النيليِّ رائقة

تحكي الحيا رقة لفظاً ومتسّقا

إذا تلى نائح يوم محاسنها

أزرت على كل من بالشعر قد نطقا

من شاعر في محاق الشعر خاطره

الى طريق العلى والمجد قد سبقا (١)

__________________

١ ـ عن كتاب معدن البكاء في مصيبة خامس آل العبا مخطوط المرحوم محمد صالح البرغاني قال هي للنيلي ولما كان المترجم قد اكثر من النظم في أهل البيت ترجح عندي أن تكون له.

١٦٩

(١) قال الدكتور مصطفى جواد : هو سعيد بن احمد بن مكي النيلي كان أديباً وشاعراً ونحوياً فاضلاً ومؤدباً بارعاً من ادباء الشيعة المشهورين ، أقام بعد النيل ببغداد لقيام سوق الأدب فيها في أواسط القرن السادس وهو من أهله.

ووصفه العماد الاصفهاني بأنه كان مغالياً في التشيع حالياً بالتورع غالياً في المذهب عالياً في الأدب معلِّماً في المكتب مقدماً في التعصب ثم أسنَّ حتى جاوز حدّ الهرم وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم وأناف على التسعين وآخر عهدي به في درب صالح ببغداد سنة اثنتين وستين [ وخمسمائة ]. قال : ثم سمعت انه لحق بالأولين ».

وذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء مع أنه لم يذكر له مؤلفاً ولا رسالة والذي بعثه على ذكره كونه أديباً نحوياً وقال فيه « له شعر جيد أكثرة في مدح أهل البيت وله غزل رقيق مات سنة ٥٦٥ هـ ، وقد ناهز المائة ». وكل من ذكره بعد عماد الدين الاصفهاني إنما هو عيال عليه وطالب إليه. ودرب صالح الذي رآه فيه سنة ٥٦٢ هـ آخر رؤية هو من دروب الجانب الشرقي ببغداد ولا نعلم موضعه من بغداد الحالية مع كثرة تفتيشنا عنه إلا أنه كان مباءة للسروات والكبراء على ما يستفاد من بعض الاخبار ـ وقد روى عن ابن مكي النيلي بعض شعره ابن اخته عمر الواسطي الصفار. هذا جميع ما وقع الينا حتى اليوم من أخباره وسيرته وهو بالاضافة الى المائة

__________________

١ ـ مجلة الغرى النجفية السنة الئامنة ص ٣٩.

١٧٠

السنة التي ناهزها شيء قليل جداً يجعل سيرته رمزاً من رموز التراجم في تاريخ الأدباء العراقيين في هذا القرن ، ومن شعره قصيدة يذكر فيها أهل البيت (ع) ويفترعها بالغزل على عادتهم في المدح ويقول.

قمر أقام قيامتي بقوله

لم لا يجود لمهجتي بذمامه؟

ملكته كبدي فأتلف مهجتي

بجمال بهجته وحسن كلامه

وبمبسم عذب كأن رضابه

شهد مذاب في عبير مدامه

وبناظر غنج وطرف أحور

يصمي القلوب اذا رنا بسهامه

وكأن خط غداره في حسنه

شمس تجلت وهي تحت لثامه

فالصبح يسفر من ضياء جبينه

والليل يقبل من أثيث ظلامه

والظبي ليس لحاظه كلحاظه

والغصن ليس قوامه كقوامه

قمر كأن الحسن يعشق بعضه

بعضاً فساعده على قسَّامه

فالحسن عن تلقائه وورائه

ويمينه وشماله وأمامه

ويكاد من ترف لدقَّة خصره

ينقدُّ بالأرداف عند قيامه

قال الصفدي ( قلت شعر متوسط ) وهو مصيب في قوله إلا أنه يعلم أن هذه مقدمة صناعية للموضوع فلا ينبغي له الحكم بها في قضية الشعر ومنها في مدح أهل البيت (ع).

دع يا سعيد هواك واستمسك بمن

تسعد بهم وتزاح من آثامه

بمحمد وبحيدر وبفاطم

وبولدهم عقد الولا بتمامه

قوم يسر وليهم في بعثه

ويعض ظالمهم على ابهامه

وترى ولي وليهم وكتابه

بيمينه والنور من قدامه

يسقيه من حوض النبي محمد

كأساً بها يشفي غليل أوامه

بيدي أمير المؤمنين وحسب من

يسقى به كأساً بكف إمامه

ذاك الذي لولاه ما اتضحت لنا

سبل الهدى في غوره وشآمه

١٧١

عبد الآله وغيره من جهله

ما زال منعكفاً على أصنامه

ما آصف يوماً وشمعون الصفا

مع يوشع في العلم مثل غلامه

قال عماد الدين الاصفهاني ( من ههنا دخل في المغالاة وخرج عن المضافاة فقبضنا اليد عن كتابة الباقي ورددنا القدح على الساقي وما أحسن التوالي وأقبح التغالي ).

وقال العماد ايضاً انشدني له ابن اخته عمر الواسطي الصفار ببغداد قال انشدني خالي سعيد بن مكى من كلمة له ، وقال محب الدين ابو عبدالله محمد بن الوليد بن الحسن الواسطي الصفار من تاريخه ( نزيل بغداد روى عن خاله شيئاً من شعره كتب الى ابو عبدالله محمد بن محمد بن حامد الاصفهاني الكاتب ونقلته من خطه قال انشدني عمر الواسطي الصفار ببغداد انشدنا خالي سعيد ابن النيلي لنفسه من كلمة له.

ما بال مغاني بشخصك اطلال

قد طال وقوفي بها وبثي قد طال

الربع دثور متناه قفار

والربع محيل بعد الاوانس بطال

عنقه دبور وشمال وجنوب

مع ملث مرخي العزالي محلال

يا صاح قفاً باللوى فسائل رسماً

قد خال لعل الرسوم تُنبي عن حال

ما شف فؤادي الا لغيب غراب

بالبين ينادي قد طار يضرب بالغال

مذ طار شجا بالفراق قلباً حزيناً

بالبين واقصى بالبعد صاحبة الخال

تمشي تتهادى وقد ثناها دل

من فرط حياها تخفي رنين الخلخال

وهذه ابيات الغاية منها اظهار البراعة النظمية حسب فاني لا أجد بحرها رهواً ولا أحسب نظمها إلا زهواً ، وله في مدح النبي والأئمة ـ ع ـ

ومحمد يوم القيامة شافع

للمؤمنين وكل عبد مقنت

وعلي والحسنان ابنا فاطم

للمؤمنين الفائزين الشيعة

١٧٢

وعلي زين العابدين وباقر

علم التقى وجعفر هو منيتي

والكاظم الميمون موسى والرضا

علم الهدى عند النوائب عدتي

ومحمد الهادي الى سبل الهدى

وعلى المهدي جعلت ذخيرتي

والعسكريين الذين بحبهم

أرجو إذا أبصرت وجه الحجة

وقال في مدع الأمام علي (ع) :

فان يكن آدم من قبل الورى

بنى وفي جنّة عدن داره

فان مولاي علياً ذا العلى

من قبله ساطعة أنواره

تاب على آدم من ذنوبه

بخمسة وهو بهم أجاره

وان يكن نوح بنى سفينة

تنجيه من سيل طمى تيّاره

فان مولاي علياً ذا العلى

سفينة ينجو بها أنصاره

وان يكون ذو النون ناجى حوته

في اليمِّ لما كظه حصاره

ففي جلنرى للأنام عبرة

يعرفها من دلَّه اختياره

ردت له الشمس بأرض بابل

والليل قد تجللت أستاره

وان يكن موسى رعى مجتهداً

عشراً الى أن شفّه انتظاره

وسار بعد ضرّه بأهله

حتى علت بالواديين ناره

فان مولاي علياً ذا العلى

زوّجه واختار مَن يختاره

وان يكن عيسى له فضيلة

تدهش من أدهشه انبهاره

من حملته أمه ما سجدت

للات بل شغلها استغفاره

وقال يذكر فتحه لحصن خيبر :

فهزّها فاهتز من حولهم

حصناً بنوه حجراً جلمدا

ثم دحا الباب على نبذة

تمسح خمسين ذراعاً عددا

وعَبَّر الجيش على راحته

حيدره الطاهر لما وردا

١٧٣

وقال في ذكر خارقة له :

ألم تبصروا الثعبان مستشفعاً به

الى الله والمعصوم يلحسه لحسا

فعاد كطاووس يطير كأنه

تعثّر في الأملاك فاستوجب الحبسا

أما ردَّ كفَّ العبد بعد انقطاعها

أما ردَّ عيناً بعدما طمست طمسا

ألم تعلموا أن النبي محمداً

بجيدرة أوصى ولم يسكن الرما

وقال لهم والقوم في خُمّ حضّر

ويتلوا الذي فيه وقد همسوا همسوا

وقال يمدحه (ع) :

خصه الله بالعلوم فأضحى

وهو ينبىء بسر كل ضمير

حافظ العلم عن أخيه عن الله

خبير عن اللطيف الخبير

والضعف ظاهر على شعره لأنه اشتغل بالتأديب ، ونظم المناقب وهي شعر قصصي ديني خال من الروعة وان كان مبعثه الحب واللوعة ثم أن التأديب كان يتعب ذلك الأديب ويكد ذهنه ويشتت باله والشعر فن من الفنون التي تحتاج الى المواظبة والمعاناة والتفرغ وفراغ البال في غالب الأحوال ، وكان سعيد بن مكي بعيداً عن ذلك فلا جرم أن شعره جاء تارات جامداً وتارات بارداً ،. انتهى.

وفي الجزء السادس من الاعيان ص ٤٠٧ : ابو سعيد النيلي (١) منسوب الى النيل ، بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة ، كان الحجاج حفر لها نهراً اسماه النيل باسم نيل مصر. وفي مجالس المؤمنين : ابو سعيد النيلي رحمه‌الله من فضلاء شعراء الامامية ، وهذه الابيات من بعض قصائده المشهورة : قمر أقام قيامتي بقوامه الى آخر ما مر.

__________________

١ ـ الصحيح سعيد بن مكي النيلي.

١٧٤

وقال يوسف اسطي معرّضاً :

اذا اجتمع الناس في واحد

وخالفهم في الرضا واحد

فقد دل اجاعهم كلهم

على أنه عقله فاسد

فاجابه ابو سعيد بقوله :

ألا قل لمن قال في غيّه

وربي على قوله شاهد

اذا اجتمع الناس في واحد

وخالفهم في الرضا واحد

كذبت وقولك غيرالصحيح

وزغلك ينقده الناقد

فقد أجمعت قوم موسى جميعاً

على العجل يا رجس يا مارد

وداموا عكوفاً على عجلهم

وهارون منفرد فارد

فكان الكثيرهم المخطئون

وكان المصيب هو الواحد

وفي كتاب ( احقاق الحق ) ج ٣ ص ٧٥.

ابو سعيد سعد بن احمد المكي النيلي من مشاهير الادباء والشعراء واكثر منظوماته في مديح اهل البيت عليهم‌السلام توفي سنة ٥٦٢ وقيل ٥٩٢. والنيلي نسبة الى النيل بالحلة. راجع الريحانة ج ٤ ص ٢٦٤.

وفي اعيان الشيعة ج ١ ص ١٩٧.

سعد بن احمد بن مكي النيلي المؤدب المعروف بابن مكي.

قال العماد الكاتب : كان غالياً في التشيع وعده ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت المتقين (٥٩٥) (٥٦٥) معجم الادباء.

أقول وممن اشتهر بهذا اللقب :

١ ـ في أعيان الشيعة ج ١ ص ١٩٨.

علي بن محمد بن السكون الحلي النيلي. كان شاعراً توفي سنة ٦٠٦.

٢ ـ وفي ص ٢٠٠ من الأعيان جزء أول قال :

الشيخ علي بن عبد الحميد النيلي وفاته حدود ٨٠٠.

١٧٥

الشَّاعر صَرَّدُر

ابو منصور علي بن الحسن بن الفضل المعروف بـ ( صردر ).

تسائل عن ثمامات بجزوى

ووادي الرمل يعلم من عنينا

وقد كشف الغطاء فما نبالي

أصرحنا بحبك أم كنينا

ألا لله طيف منك يسري

يجوب مهامها بيناً فبينا

مطيته طوال الليل جفني

فكيف شكا اليك وجا ، وأينا

فأمسينا كأنا ما افترقنا

وأصبحنا كأنا ما التقينا

لقد خدع الخيال فؤاد صب

رآه على هوى الاحباب هينا

كما فعلت بنو كوفان لما

الى كوفانهم طلبوا الحسينا

فبينا عاهدوه على التوافي

اذا هم نابذوه عدى وبينا

واسمعهم مواعظه فقالوا

سمعنا يا حسين وقد عصينا

فالفوا قوله حقاً وصدقاً

وألفى قولهم كذبا ومينا

هم منعوه من ماء مباح

وسقَّوه فضول السم حينا

يقلّ الرمح بدراً من محيّا

له والارض من جسد حنينا « كذا »

وتسبى المحصنات الى يزيد

كأن له على المختار دينا (١)

__________________

١ ـ عن الاعيان ج ٤١ ص ١١١.

١٧٦

ابو منصور علي بن الحسن بن الفضل المعروف بـ صرَّدُر. توفي في طريق خراسان ، تردى في حفرة سنة ٥٦٥ ، له ديوان شعر طبع بمطبعة دارالكتب المصرية بالقاهرة سنة ١٢٥٣ هـ وكتب عليه : نظر الرئيس ابي منصور علي ابن الحسن بن علي بن الفضل الشهير بـ صردر. وقال ابن خلكان في وفيات الاعيان : هو الكاتب المعروف والشاعر المشهور ، أحد نجباء عصره جمع بين جوده السبك وحسن المعنى ، وعلى شعره طلاوة رائعة وبهجة فائقة.

وإنما قيل له صردر لأن أباه كان يلقب بصربعر لشحه فلما نبغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل له صردر ، وقد هجاه بعض شعراء وقته وهو الشريف ابو جعفر مسعود المعروف بالبياضي الشاعر فقال :

لئن لقب الناس قدماً أباك

وسموه من شحه صربعرا

فانك تنثر ما صره

عقوقاً له وتسميه شعراً

قال ابن خلكان : ولعمري ما انصفه هذا الهاجي فان شعره نادر وإنما العدو لا يبالي ما يقول. وكانت وفاة صردر في سنة خمس وستين واربعمائة وكان سبب موته انه تردى في حفرة حفرت للاسد في قرية بطريق خرسان. وكانت ولادته قبل الاربعمائة.

ومن لطيف قوله في الشيب كما جاء في الوفيات لابن خلكان :

لم أبك إن رحل الشباب وإنما

أبكي لأن يتقارب الميعاد

شعر الفتى أوراقه فاذا ذوى

جفت على آثاره الاعواد

١٧٧

وله في جارية سوداء وهو معنى حسن :

علقتها سوداء مصقولة

سواد قلبي صفة فيها

ما انكسف البدر على تمّهِ

ونوره إلا ليحكيها

لأجلها الأزمان أوقاتها

مؤرّخات بلياليها

وقال يمدح أبا القاسم بن رضوان :

انا منكم اذا انتهينا الى العر

ق التففنا التفاف بانٍ برندٍ

نسبٌ ليس بيننا فيه فرقٌ

غير عيشي حضارةٍ وتبدّ (١)

لكم الرمح والسنان وعندي

ما تحبّون من بيانٍ ومجدِ

خلّصوني من ظبيكم أو أنادي

بالذي ينقذ الأسارى ويفدى

في يديه غمامتان لظلٍّ

ولقطر من غير برقٍ ورعد

فرق ما بينه وبين سواه

فرق ما بين لُجِّ بحرٍ وثمد (٢)

كم عدو أماته بوعيدٍ

وولي أحياه منه بوعد

لست تدري أمن زخارف روض

صاغه الله أم لآلىء عقد

مطلع في دحى الخطوب إذا

أظلمن من رأيه كواكب سعد

زادك الله ما تشاء مزيداً

سيله غير واقف عند حدَّ

في ربيع نظير جنات عدن

وديارٍ جميعها دار خُلدِ (٣)

__________________

١ ـ التبدي : الاقامة بالبادية وهو ضد الحضارة.

٢ ـ لج البحر معظمه ، والثمد : الماء القليل.

٣ ـ عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج ٤ ص ٩٧.

١٧٨

وقال يمدح ابن فضلان ويهنئه بخلاصه من السجن :

إن الشدائد مذ عُنين به

قارعن جلموداً من الصخر

حمل النوائب فوق عاتقه

حتى رجعن إليه بالعذر

لا تنكروا حبساً ألَّم به

إن الحسان تصان بالخدر

أو ليس يوسف بعد محنته

نقلوه من سجن الى قصر

أنا من يغالي في محبته

وولائه في السر والجهر

ما ذاق طعم النوم ناظره

حتى البشير أتاه بالبشر

وقال يرثي أبا منصور بن يوسف ويعزي عنه صهره أبا القاسم بن رضوان :

لا قبلنا في ذي المصاب عزاء

أحسن الدهر بعده أو الساء

حسرات يا نفس تفتك بالصـ

ـبر وحزن يقلقل الأحشاء

كيف يسلو من فارق المجد والسؤ

دد والحزم والندى والعلاء

والسجايا التي إذا افتخر الدُّ

رُّ ادعاها ملاسة وصفاء

خرست ألسن النعاة ووَّدت

كل أذن لو غودرت صماء

جهلوا أنهم نعوا مهجة المجد

المصفَّى والعزة القعساء

لو أرادت عرس المكارم بعلا

عدمت بعد فقده الأكفاء

ما درى حاملوه أنهم عنهم

أزالوا الأظلال والأفياء

يودعون الثرى كما حكم الله

بكره غمامة غراء

ولو أن الخيار أضحى اليهم

ما أحلو الغمام إلا السماء

يا لها من مصيبة عمت العا

لم طراً وخصّت العظماء

١٧٩

أنت من معشر أبى طيب الـ

ذكر عليهم أن يشمت الأعداء

فهم كالأنام يبلون أجسا

ماً ولكن يخلّدوّن ثناء

وإذا كانت الحياة هي الدا

ء المعنّى فقد عدمنا الشفاء

إنما هذه الأماني في النفـ

س سرابٌ ما ينقع الأظماء

جلداً أيها الأجل أبو القا

سم والعود (١) يحمل الأعباء

خلق فيك أن تنجّي من الكر

ب نفوساً وتكشف الغماء

ما كرهت الأقدار قط ولو جا

ءت ببؤسي ولا ذممت القضاء

ولك العزمة التي دونها الـ

ـسيف نفاذاً وجرأة ومضاء (٢)

وقال يرثي ابا نصر بن جميلة صاحب الديوان :

هذه الأرض أمنا وأبونا

حملتنا بالكره ظهراً وبطنا

لو رجعنا إلى اليقين علمنا

أننا في الدني نشيد سجنا

إنما العيش منزل فيه بابا

ن دخلنا من ذا ومن ذا خرجنا

وضروب الأطيار لو طرن ما طر

ن فلا بد أن يراجعن وكنا

يحسب الهِمُّ عمره كل حول

فاذا استكثر الحساب تمنى (٣)

خدعات من الزمان إذا أبـ

ـكين عيناً منهنَّ أضحكن سنّا

لو درت هذه الحمائم ما ند

ري لما رجّعت على الغصن لحنا

موردٌ غصَّ بالزحام فلولا

سبق من جاء قبلنا لوردنا

وأرى الدهر مفرداً وهو في حا

لٍ يشنُّ الغارات هنَّا وهنا

ما عليهن لو أنه كان أبقى

من أبي نصرٍ المهذّب ركنا

والداً للصغير براً وللتر

ب أخاً مشفقاً وللأكبر ابنا

__________________

١ ـ العود في الأصل المسن من الابل ويريد به هنا الشيخ الكامل.

٢ ـ عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج ٤ ص ١٧٢.

٣ ـ الهم : الشيخ الفاني.

١٨٠