أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٧

ولم تنسه الأوتاد أوتار قينةٍ

إذا ما دعاه السيف لم يثنه المثنى

ولو جار بالدنيا وعاد بضعفها

لظن من استصغاره أنه ضنّاً

ولا عيب في إنعامه غير أنه

إذا من لم يتبع مواهبه مَنّا

ولا طعن في إقدامه غير أنه

لبوس إلى حاجاته الضرب والطعنا

لا شك أن هذه الأبيات لغيره.

ومن أبياته في الغزل :

رب بيض سللن باللحظ بيضاً

مرهفاتٍ جفونهنَّ الجفونُ

وخدود للدمع فيها خدودٍ

وعيون قد فاض منها عيون

وله :

تُرى أخلست فيه الفلا بعض ريّاها

ففات فتيتَ المسك نشر خُزاماها

ألمّت بنما والليل يزهي بلمة

دجوجيةٍ لم يكتمل بعد فوداها

فأشرق ضوء الصبح وهو جبينها

وفاحت أزاهير الربا وهي ريّاها

إذا ما اجتنب من وجهها العين روضةً

سفحتُ خلال الروض بالدمع أمواها

وإني لأستسقي السحاب لربعها

وإن لم تكن إلا ضلوعي مأواها

إذا استعرت نار الأسى بين أضلعي

نضحت على حرّ الحشا برد ذكراها

وما بي أن يصلى الفؤاد بحرَّها

ويضرم لولا أن في القلب مأواها

وله في غلام تركي :

ظبيٌ من الأتراكِ أجفانه

تسطو على الرامح والنابلِ

سيان منه إن رما أو رنا

ليس من السهمين من وائل

يفرَّ منه القرن خوفاً كما

يفرُّ ظبي القاع من حابل

١٤١

يا ويح أعدائك ما ها لهم

من غصن فوق نقاً هائل

لا تفرقوا صولة نُشّابه

فربَّ سهمٍ ليس بالقاتل

وحاذروا أسهم أجفانه

فسحر ذا النابل من بابل

وله في النرجس :

وقد الربيع على العيون بنرجسٍ

يحكي العيون فقد حباها نفسها

علقت على استحسانه أبصارنا

شغفاً إذ الأشياء تعشق جنسها

يُلهى ويؤنس من جفاه خليله

كم منَّةٍ في أُنسه لم أنسها

فارضَ الرياض بزورةٍ تلهو بها

وأحثُث على حدقِ الحدائق عكسها

وله :

زار وجنح الليل محلولكٌ

داج فحيَّاهُ محيَّاهُ

ملتثماً يبديه لألآؤه

والبدر لا يكتم مسراه

نمَّ عليه طيبُ أنفاسه

كما وشى بالمسك ريَّاهُ

وله :

قد طرَّزت وجناتُهُ بعذاره

فكساه روض الحسن من أزهارهِ

وتألقت أضداده فالماء في

خدَّيه لا يطفي تلهّب نارهِ

وحكيته فمدامعي تهمي على

نار الحشا وتزيد في استسعارهِ

ومنها :

واذا بدا فالقلب مشغول به

وإذا انثنى فالطرف في آثاره

فمتى أعانُ على هواه بنصرَةٍ

وجوانحي للحين من أنصاره

١٤٢

وله من قصيدة :

وكم طامح الآمال همَّ فقصرت

خطاه به إن العلا صعبةُ المرقى

وظن بأن البخل أبقى لوفره

ولو أنه يدري لكان الندى أبقى

ظهرتَ فكنتَ الشمس جلّى ضياؤها

حنادسَ شركٍ كان قد طبق الافقا

علوت كما تعلو ، وأشرقت مثلما

تضيء ونرجو أن ستبقى كما تبقى

وهنئت الأعياد منك بما جدٍ

تباهت به العليا وهامت به عشقا

مواسم قد جاءت تباعاً كأنما

تروم لفرط الشوق أن تحرز السبقا

وكان لها الأضحى إماماً أمامها

فأرهقه النوروز يمنعه الرفقا

وكم همَّ أن يعدو مراراً فرغته

فأبقى ولولا فرق بأسك ما أبقى

أبى الله في عصرٍ تكون عميده

وسائه أن يسبق الباطل الحقا

فجاءك هذا سابق جال بعده

مصلٍّ وكانا للذي تبتغي وفقا

وأعقبه عيد الغدير (١) فلم نخل

لقرب التداني أنَّ بينهما فرقا

اقول (١) ان شراح خريدة القصر يعلقون على هذا البيت ( بأن الغدير من أعياد القبط المهمة ، وكان الفاطميون يحتفلون به احتفالاً مشهوداً ) أصحيح انه من أعياد القبط ولم يك من أعياد المسلمين ، اليس هو اليوم الذي أكمل الله في الدين وأتم فيه النعمة ورضي بالاسلام ديناً ، أليس هو يوم الخلافة الكبرى التي نص بها على إمامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام ، يوم غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في أواخر السنة العاشرة من الهجرة النبوية.

ألم يكن يوم الغدير محل عناية من الله عزوجل إذ اوحاه تبارك وتعالى الى نبيه وانزل فيه قرآناً يرتله المسلمون اناء الليل وأطراف النهار ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).

١٤٣

هل خفي أمر ذلك اليوم وأمر ذلك التبليغ وقد جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس تحت سماء غدير خم عندما رجع من الحج ونزلت عليه الآلية السابقة فجمع الناس وأمرهم ان يأتوه باحداج دوابهم وان يضعوا بعضها فوق بعض وصعد حتى صار في ذروتها ، وأقام علياً الى جنبه ثم خطب خطبة طويلة وقال : أيها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين ، وإني أولى بهم من أنفسهم. ثم أخذ بيد علي فرفعها اليه حتى بان بياض إبطيه وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وآل من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.

حديث الغدير رواه الصحابة والتابعون وحتى رواه النواصب والخوارج وقد صنف ابن جرير الطبري كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، ونقل عن ابن المعالي الجويني انه كان يتعجب ويقول :

شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوب عليه : المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ، ويتلوه المجلد التاسع والعشرون.

وقد جمع اميرالمؤمنين علي عليه‌السلام الناس في الرحبة بالكوفة كما جاء في ـ تاريخ الخلفاء ، وتذكرة الخواص ـ وذلك أيام خلافته فقال : انشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع ، ولا يقوم إلا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ، فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً ، فشهدوا أن النبي (ص) أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون أني اولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم ، قال (ص) : من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه.

لقد كان الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام يتخذون اليوم الثامن عشر

١٤٤

من ذي الحجة عيداً في كل عام ، يجلسون فيه للتهنئة والسرور بكل بهجة وحبور ، ويتقربون فيه الى الله بالصوم والصلاة والابتهال والادعية ، ويبالغون فيه بالبر والاحسان ، شكراً لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين بالخلافة والعهد اليه بالامامة ، وكانوا يصلون فيه أرحامهم ويوسعون على عيالهم ويزورون إخوانهم ويحفظون جيرانهم ويأمرون أولياءهم بهذا كله.

وكان معزّ الدولة البويهي يأمر باظهار الزينة في بغداد وفتح الأسواق بالليل كما يفعل ليالي الأعياد ويتصافحون شكراً لله تعالى على إكمال الدين وإتمام النعمة ، هكذا كان يفعل البويهيون في العراق وإيران ، والحمدانيون في حلب وما والاها ، والفاطميون في مصر والمغرب والاقصى.

لقد كان عيد الغدير في تلك الدول والحكومات عيداً رسمياً ، تحتفل به الامة الاسلامية ويُجلّه الجميع. واذا كان الواجب يقضي علينا أن نحتفل بالأيام التي احتفل بها أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فان الامام الخامس من الأئمة وهو محمد باقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين الشهيد ابن علي بن ابي طالب عليهم‌السلام قد احتفل بهذا اليوم وقام الكميت الاسدي ينشده قصيدته الشهيرة التي يقول فيها :

نفى عن عينك الأرقُ الهجوعاً

وهمّ يمتري منها الدموعا

الى قوله :

لدى الرحمن يشفع بالمثاني

فكان له أبو حسن شفيعا

ويوم الدوح دوح غدير خمٍّ

أبان له الولاية لو أطيعا

١٤٥

ولكن الرجال تدافعوها

فلم أر مثلها خطراً منيعاً (١)

واحتفل فيه الامام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام وأنشده السيد الحميري قصائده المعروفة ، ومنها :

يا بائع الدين بدنياه

ليس بهذا أمر الله

من أين ابغضت علي الرضا

وأحمد قد كان يرضاه

مَن الذي أحمد من بينهم

يوم غديرٍ خمّ وصاه

أقامه من بين أصحابه

وهم حواليه فسمّاه

هذا عليُ بن ابي طالب

مولى لمن قد كنتُ مولاه

فوالِ مَن والاه ياذا العلى

وعادِ مَن قد كان عاداه (٢)

واحتفل فيه الإمام علي بن موسى الرضا يوم كان ينشده دعبل بن علي الخزاعي قصيدته الشهيرة التي تناقلتها المئات من الكتب ومنها :

ولو قلدوا الموصى اليه أمورهم

لزُمَّت بمأمون من العثرات

اخي خاتم الرسل المصفّى من القذا

ومفترس الابطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده

وبدر ُوأُحد شامخ الهضبات

واحتفل بعيد الغدير في عهد الإمامين محمد الجواد ونجله علي الهادي عليهما‌السلام يوم أنشد الشاعر الفحل أبو تمام الطائي قصيدته التي يقول فيها :

ويوم الغدير استوضح الحق أهله

بفيحاء ما فيهم حجاب ولا سترُ

أقام رسول الله يدعوهم بها

ليقربهم عرفٌ وينأهمُ نكر

يمدّ بضبعيه ويُعلم أنه

وليٌ ومولاكم فهل لكم خبر

__________________

١ ـ الهاشميات.

٢ ـ تذكرة سبط ابن الجوزي.

١٤٦

ومنها :

فعلتم بأبناء النبي ورهطه

أفاعيل أدناها الخيانة والغدر

ومن قبله أخلفتموا لوصيّه

بداهية دهياء ليس لها قدر

أخوه إذا عدّ الفخار وصهره

فلا مثله أخٌ ولا مثله صهر

وشدِّ به أزر النبيّ محمد

كما شدَّ من موسى بهارونه أزر

وما زال كشافاً دياجير غمرة

يمزَّقها عن وجهه الفتح والنصر

واحتفل فيه بعهد الإمام العسكري سلام الله عليه يوم ينشد الشاعر ابن الرومي ـ شاعر الإمام العسكري ـ إحدى روائعه :

يا هندُ لم أعشق ومثلي لا يُرى

عشق النساء ديانة وتحرّجا

لكنَّ حُبّي للوصي محتّمٌ

في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا

فهو السراج المستنير ومن به

سبب النجاة من العذاب لمن نجا

وإذا تركتُ له المحبة لم أجد

يوم القيامة من ذنوبي مخرجا

قل لي أأترك مستقيم طريقة

جهلاً وأتَّبع الطريق الأعوجا

وأراه كالتبر المصفّى جوهراً

وأرى سواه لناقديه مهرَّجاً

ومحلّه من كل فضل بيّن

عالٍ محلّ الشمس او بدر الدجى

قال النبيُّ له مقالاً لم يكن

( يوم الغدير ) لسامعيه مجمّجا

من كنتُ مولاه فذا مولى له

مثلي ، وأصبح بالفخار متوَّجا

وكذاك إذ منع البتول جماعة

خطبوا وأكرمه بها إذ زوَّجا

١٤٧

وعوداً على شعر القاضي الجليس ، قال :

خذها إليك بماء الطبع قد شرقت

لو مازج البحر منها لفظه عذبا

جوّالةٌ بنواحي الأرض ممعنة

في السير لا تشتكي أيناً ولا نصبا

ألفاظها الدّر تحقيقاً ومن عجبٍ

تُملى على البحر درَّ البحر مجتلبا

وقوله في قصيدة أولها :

دع البين تحدونا حثاث ركابه

فغيري مَن يشجوه صوت غرابه

سأركب ظهر العزم أو أرجع المنى

برجعة موفور الرجاءِ مثابه

فإما حياةٌ يسحب المرء فوقها

ذيول الغنى والغزّ بين صحابه

وإما ممات في العلا يترك الفتى

يقال ألا لله درُّ مصابه

ومنها :

وأروع يشكو الجود طول ثوائه

لديه ، ويشكوا المال طول اغترابه

تصدّ الملوك الصيد عن قصد أرضه

فيرجعها محروبة بحرابه

ويعطفها ميل الرقاب مهابةً

ولم تكتحل أجفانهُ بترابه

وأغزو بأبكار القصائدِ وفره

فأرجعُ قد فازت يدي بنهابه

وقوله :

أما وجيادك الجرد العوادي

لقد شقيت بعزمتك الأعادي

١٤٨

رأوا أن الصعيد لهم ملاذ

فلم يُحمَ الصعيد من الصّعاد

وراموا من يديك قرىً عتيداً

فأهديت الحتوف على الهوادي

وقوله وقد جمع ثمان تشبيهات في بيت واحد :

بدا وأرانا منظراً جامعاً لنا

تفرّق من حسن على الخلق مونقا

أقاحاً وراحاً تحت وردٍ ونرجسٍ

وليلاً وصبحاً فوق غصنٍ على نقا

وقوله يصف الخمر :

معتقةٌ قد طال في الدنّ حبسها

ولم يدُعها شرابها بنت عامها

وقد أشبهت نار الخليل لأنها

حكتها لنا في بردها وسلامها

وذكر ابن الزبير في كتابه أنه كتب اليه مع طيب أهداه :

بعثت عشاء الى سيدي

بما هو من خلقه مقتبس

هدية كل صحيح الإخاء

جرى منه ودّك مجرى النفس

فجد بالقبول وأيقن بأن

لفرط الحياء أتت في الغلس

وله يصف خليلاً :

جنائب : إن قيِدَت فأسدٌ ، وإن عدت

بأبطالها فهي الصبا والجنائب

أثارت باكناف المصلى عجاجةً

دجت وبدت للبيض منها كواكب

١٤٩

وله يهجو :

وكم في زبيدٍ من فقيه مصدّر

وفي صدره بحر من الجهل مزبد

إذا ذاب جسمي من حرور بلادكم

علقت على أشعاركم ابتردّ

وله يصف معركة :

تكاد من النقع المثار كماتها

تناكر أحيانا وإن قرب النحر

عجاج يظل الملتقى منه في دجىً

وإن لمعت أسيافه طلع الفجر

وخيل يلف النشر بالترب عدوها

وقتلى يعاف الأكل من هامها النسر

ومن شعره يرثى بعض أهله :

ما كان مثلك من تغتاله الغير

لو كان ينفع من ضرب الردى الحذر

ومنها :

قد أعلن الدهر ، لكن غالنا صمم

عنه ، وأنذرنا ، لو أغنت النذر

يغرّنا أمل الدنيا ويخدعنا

إن الغرور بأطماع المنى غرر

ومنها :

قد كان أنفس ما ضنت يداه به

لو كان يعلم ما يأتي وما يذر

أغالب القوم مجهوداً وأيسر ما

لقيته من أذاه العيُّ والحصر

وقال يرثي اباه ، وقد مات غريقا في البحر بريح عصفت.

وكنت أهدي مع الريح السلام له

ما هبت الريح في صبح وإمساء

١٥٠

إحدى ثقاتي عليه كنت أحسبُها

ولم أخل أنها من بعض أعدائي

ومن شعره في العتاب والاستبطاء والشكوى قوله :

كم من غريبة حكمة زارتك من

فكري فما أحسنت قط ثوابها

جاءتك ما طرقت وفود جمالها

الأسماع إلا فتّحت أبوابها

فتنتك إعجاباً فحين هممت أن

تحبو سويداء الفؤاد صوابها

وافتك من حسد وساوس حكمة

جعلت لعينك كالمشيب شبابها

فثنيت طرفك خاشياً لا زاهداً

ورددتها تشكو إليَّ مآبها

وأراك كالعنين همَّ بكاعبٍ

بكر وأعجزه النكاح فعابها

وله في الغزل :

أشجّع النفس على حربكم

تقاضياً والسلم يزويها

أسومها الصبر وألحاظكم

قد جعلتها من مراميها

وكيف بالصبر على أسهم

نصّلها بالجمر راميها

انتهى عن خريدة القصر للعماد الاصفهاني الجزء الاول ـ قسم شعراء مصر ص ١٨٩.

وفي فوات الوفيات ان القاضي الجليس كان كبير الانف ، وكان الخطيب ابو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصياد مولعاً بأنفه وهجائه وذكر أنفه في اكثر من ألف مقطوع ، فانتصر له ابو الفتح بن قادوس الشاعر فقال :

يا من يعيب أنوفنا الـ

ـشم التي ليست تعاب

الأنف خلقة ربنا

وقرونك الشم اكتساب

١٥١

وجاء في المجموع الرائق مخطوط للسيد احمد العطار رحمه‌الله قال :

أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الاغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس المتوفي سنة ٥٦١ هجرية :

قال في مدح الملك الصالح ورثاء أهل البيت عليهم‌السلام.

لولا مجانبة الملول الشاني

ما تمَّ شاني في الغرام بشاني

ولما دعاني للهوى فأجبته

طرفي وقلت لعاذليَّ دعاني

أغرى الملام بي الغرام وانما

الجاني عليّ هو الذي الحاني

وجفى الكرى الاجفان فهي لدى الدجى

ترعى السها مذ بان غصن البان

وزعمت أن الحسن ليس بموقف

يغتال فيه شجاعة الشجعان

هذي الحداق السود جردت الظباة

البيض والاجفان كالاجفان

إن قلت من القاك في لجج الهوى

فخضابك القاني الذي القاني

هذا الفؤاد أسير حبك يرتجي

فرجاً فهل عان بهذا العاني

إني على ما قد عناني في الهوى

لأغصّ عن شأو المزاح عناني

وتعودنى لمصاب آل محمد

فكر تعرج بي على الاشجان

أأكفّ حربي عن بني حرب وقد

أودى بقبح صنيعها الحسنان

طلبت امية ثار بدر فاغتدى

يسقي دعاف سمامها السبطان

جسد بأعلى الطف ظل درية

لسهام كل حنيّة مرنان

ها انّ قاتلهم وتارك نصرهم

في سوء فعلهما معاً سيان

أُسَرٌ همُ سرُ النفاق ودوحة

مخصوصةٌ باللعن في القرآن

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم

وتتابعوا في طاعة الشيطان

وهفوا الى داعي الضلال وانما

عكفوا على وثن من الأوثان

١٥٢

لو كان كاشف كرب آل محمد

في الطف عاجلهم بحتف آن

الصالح الملك الذي لجلاله

خرّت ملوك الأرض للاذقان

إلا تكن في كربلاء نصرتهم

بيد فكم لك نصرة بلسان

هذا وكم أعملت في يوم الوغى

رأياً صليباً في ذوي الصلبان

عّودت بيض الهند ألا تنثني

مركوزة بمكامن الأضغان

وجمعت اشلاء الحسين وقد غدت

بدداً فاضحت في أعز مكان

وعرفت للعضو الشريف محله

وجليل موضعه من الرحمن

أكرمت مثواه لديك وقبل في

آل الطريد غدا بدار هوان

نقلته أيدي الظالمين تطيفه

أعوانها في نازح البلدان (١)

وقضيتُ حقَّ المصطفى في حمله

وحظيت من ذي العرش بالرضوان

ونصبته للمؤمنين تزوره

مهج اليه شديدة الهيجان

أسكنته في خير مأوىً خطه

أبناؤه في سالف الأزمان

حَرَمٌ يلوذ به الجناة فتنثنى

محبَّوةً بالعفو والغفران

قد كان مغترباً زماناً قبل ذا

فالآن عدت به الى الأوطان

ولو استطعت جعلت قلبك لحده

في موضع التوحيد والايمان

* * *

فاق الملوك بهمةٍ لورامها

كيوان لا ستعلت على كيوان

ومناقب تحصى الحصا وعديدها

موفٍ على التعداد والحسبان

ومجالس تزهى بها أيامه

معمورة بالعرف والعرفان

__________________

١ ـ يشير الى رأس الحسين عليه‌السلام حينما نقله الملك الصالح بن رزيك.

١٥٣

هو سابقٌ لهمُ فهل من لاحق

هو أوّلٌ فيهم فهل من ثان

فأبت مدى علياك شأو بلاغتي

سبقاً وقصّر عنك طول لساني

مع أنني قد صغتُ فيك مدائحاً

ما صاغها حسَّانُ في غَسّانِ

وخرج أمر الملك الصالح بأن يعمل كل من يقرظ الشعر بحضرته على وزن القصيدة النونية ورويها التي تقدَّم ذكرها فيما ورد منسوباً الى ما قاله وهي :

لو لا قوامك يا قضيب البان

لم يحسن القضبان في الكثبان

فقال شاعرنا :

أغرى الغري الطرف بالهملان

وأطاف يومُ الطف بي أحزاني

يا دمع ما وفيت حقَّ مصابهم

إن أنت لم تمزج بأحمر قان

تبكي المحبين الصبابة والهوى

وسوى الصبابة والهوى أبكاني

هيهات فيما قد عاني شاغلُ

عن أن أجرَّ الحبّ فضل عناني

لم يبق دمع العين فيها مطمحاً

لعيون عين الرمل والغزلان

لمصاب أبناء النبي وآله

ولرزئهم فلتذرف العينان

إيهاً قريش لقد ركبتم جهرةً

في آل طه غارب الطغيان

بشعارهم وفخارهم خضعت لكم

مُضَرٌ ودان لكم بنو قحطان

بهم أطاع عصيّها وقصيّها

وانقاد جامحها بلا أرسان

إن اسكتت عن أن يفوه بحقهم

أممٌ لخوف مهندٍ وسنان

فغداً تجادل خصمهم وتجيبه

في الحشر عنهم السُنُ النيران

أما الوصي فحقه عالي السنا

وضح الصباح لمن له عينان

فاسأل به الفرقان تعلم فضله

إن كنت تفهم معجز الفرقان

١٥٤

مَن كرَّ في أصحاب بدر مبادراً

وثنى بخيبر عابدي الأوثان

وأقرّ دين الله في أوطانه

وأقرّ منهم ناظر الايمان

هل كان في أحد وقد دلف الردى

أحدٌ سواه مجدّل الشجعان

واسئل بخيبر عنه تخبر إنه

إذ ذاك كان مزلزل الأركان

وقال :

من جفن غضَّ الدمع أو وآله

ما الدمع كفوء بجوى الواله

لا لوم للصب وقد أزمعوا

أن يظهر المكتوم من حاله

شجاه حاديهم باعجاله

وطائر البان بإعواله

آه على ريق فم جاد لي

بالدر من حصباء سلساله

وليت صوب الدمع لما جرى

خفف عنه بعض أثقاله

وحبذا منه حباب طفا

أسكرني من قبل جرياله

صيّر جسمي في الهوى بالياً

مبلبل الصدغ ببلباله

مستوطن قلبي بلا مزعج

ولا أرى أخطر في باله

وود لو أغفى ليحظى به

فلم يسامحه باغفاله

ما ضر من يظلم أحبابه

لو نقل الظلم لعذّاله

لو لا الهوى ما كان ريم النقا

مع ضعفه يسطو بريباله

ولم يكن ما أكد المصطفى

يسعى المراؤون لابطاله

أجل ولا احتالوا لكي ينقضوا

ديناً قضى الله بأكماله

أحين أوصى لأخيه بما

أوصى تراضيتم بادغاله

أولى لكم قد كان أولى لكم

إسعاده في كل أحواله

واستفرضوها فلتة خلسة

بماكر للدين ختّاله

أهوى لها من لم يكن موقناً

بموقف الحشر وأهواله

وقاطعوا الرحمن واستنجدوا

بعُصبِ الشرك وضُّلاله

فان يكن غروا بامهاله

فما تغرّون باهماله

١٥٥

أعياهم كيد نبي الهدى

فانتهزوا الفرصة في آله

اودى الحسين بن الوصي الرضا

بفاتك بالدين مغتاله

دم النبي الطهر من سبطه

سال على أسياف أقتاله

أفتى أعاديه باحلاله

ولم يلاقوه بإجلاله

يرتع عانى الطير في جسمه

وتلعب الريح باوصاله

يا يوم عاشوراء أنت الذي

صيرت دمعي طوع إسباله

فاعجب لذاك الجو لم يتخسف

ولم تصدّع صم أجباله

ومن كلاب الكفر إذ مكنت

من اسد الدين وأشباله

فقتلوا بالسيف أولاده

وأوقعوا الأسر باطفاله

أنى ارتقت همة كف الردى

لأفضل الخلق ومفضاله

لقائل للحق فعاله

وعالم بالدين عماله

إن شئت ان تصلى لظى عاده

أو شئت قربى جده وآله

وكل عبد عابد مؤمن

ولا كم سيّد أعماله

فليت ان الصالح المرتجى

يبلغ فيكم كنه آماله

اذاً فدا كم من جميع الأذى

بنفسه الطهر وأمواله

سيَّر فيكم مدحاً أصبحت

أنجع من جيش بابطاله

كم شائم سحب ندى كفه

قد اذهب الا محال من حاله

ملك عدا كل ملوك الورى

يفوقهم أصغر آماله

لا زال والنصر له خادم

مؤيداً في كل افعاله

١٥٦

القاضي الرشيد

القاضي الرشيد أحمد بن علي الغساني

ما للغصون تميل سكرا

هل سُقيت بالمزن خمرا

ومنها في المدح :

جارى الملوكَ إلى العلى

لكنهم ناموا وأسرى

سائل بها عصب النفا

ق غداة كان الأمر إمرا (١)

أيامً أضحى النكر معرو

فاً وأمسى العرف نكرا

الى ان وصل الى قوله :

أفكربلاءٌ بالعرا

ق وكربلاء بمصر أخرى؟! (٢)

__________________

١ ـ إمرا ، شديداً او عصيباً ، وفي القرآن الكريم « لقد جئت شيئاً إمرا ».

٢ ـ خريدة القصر ٢٠١ شعراء مصر ، ومعجم الأدباء للحموي.

١٥٧

قال صاحب الخريدة ـ قسم شعراء مصر ـ كان ذا علم غزير وفضل كثير ، لم يعمل بشعره ولم يرحل من ضرّه ، وأنشدني ابن اخته القاضي محمد بن القاضي محمد بن ابراهيم المعروف بابن الداعي من أسوان ، وقد وفدت إلى دمشق سنة إحدى وسبعين قال : أنشدني خالي الرشيد بن الزبير لنفسه من قصيدة :

تواصى على ظلمي الأنام بأسرهم

وأظلمُ من لاقيتُ أهلي وجيراني

لكل امرىءٍ شيطان جنّ يكيده

بسوء ولي دون الورى الف شيطان

قال السيد الامين في الاعيان : ذكره صاحب ( نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر ) ، وقال : كان من الإسماعيلية ، وله من المؤلفات :

١ ـ الرسالة الحصيبية.

٢ ـ جنان الجنان ورياض الاذهان في شعراء مصر ومن طرأ عليهم ، في اربع مجلدات ذيل به على اليتيمة.

٣ ـ منية الألمعي وبلغة المدعى في علوم كثيرة.

٤ ـ المقامات.

٥ ـ الهدايا والطرف.

٦ ـ شفاء الغلَّة في سمت القبلة.

٧ ـ ديوان شعره ، نحو مائة ورقة.

١٥٨

وقال ياقوت في معجم الادباء : أحمد بن علي بن الزبير الغساني الاسواني المصري ، يلقب بالرشيد ، وكنيته ابو الحسين ، مات سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، على ما نذكره ، وكان كاتباً شاعراً فقيها نحوياً لغوياً ، ناشئاً ، عروضياً ، مؤرخاً منطقياً ، مهندساً عارفاً بالطب والموسيقى والنجوم ، متفنناً.

وقال السلفي : أنشدني القاضي ابو الحسن ، أحمد بن علي بن ابراهيم الغساني الاسواني لنفسه بالثغر :

سمحنا لدنيانا بما بخلت به

علينا ولم نحفل بجلِّ امروها

فيا ليتنا لما حرمنا سرورها

وقينا أذى آفاتها وشرورها

قال : وكان ابن الزبير هذا ، من أفراد الدهر فضلاً في فنون كثيرة من العلوم ، وهو من بيت كبير بالصعيد من الممولين ، وولي النظر بثغر الاسكندرية والدواوين السلطانية ، بغير اختياره ، وله تآليف ونظم ونثر التحق فيها بالأوائل المجيدين ، قتل ظلماً وعدواناً في محرم سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، وله تصانيف معروفة لغير اهل مصر ، منها : كتاب منية الألمعي وبلغة المدعي ، يشتمل على علوم كثيرة كتاب المقامات. كتاب جنان الجنان وروضة الأذهان ، في أربع مجلدات ، يشتمل على شعر شعراء مصر ، ومن طرأ عليهم. كتاب الهدايا والطرف. كتاب شفاء الغلة في سمت القبلة كتاب رسائله نحو خمسين ورقة. كتاب ديوان شعره ، نحو مائة ورقة.

ومولده بأسوان ، وهي بلدة من صعيد مصر ، وهاجر منها الى مصر فأقام بها واتصل بملوكها ومدح وزراءها ، وتقدم عندهم وأنفذ الى اليمن في رسالةٍ ، ثم قلد قضاءها وأحكامها ، ولقب بقاضي قضاة اليمن ، وداعي دعاة الزمن ، ولما استقرت بها داره ، سمت نفسه إلى رتبة الخلافة فسعى

١٥٩

فيها ، وأجابه قوم ، وسلّم عليه بها ، وضربت له السكة ، وكان نقش السكة على الوجه الواحد : « قل هو الله أحد ، الله الصمد » وعلى الوجه الآخر ( الامام الامجد أبو الحسين احمد ) ثم قبض عليه وأنفذ مكبّلا الى قوصٍ فحكى من حضر دخوله إليها : انه رأى رجلاً ينادي بين يديه هذا عدو السلطان احمد بن الزبير وهو مغطى الوجه حتى وصل الى دار الامارة والأمير بها يومئذ طرخان سليط وكان بينهما ذحول (١) قديمة فقال : أحبسوه في المطبخ الذي كان يتولاه قديماً وكان ابن الزبير قد تولى المطبخ وفي ذلك يقول الشريف الأخفش من أبياتٍ يخاطب الصالح بن رُزيك :

يُولّى على الشيء اشكاله

فيصبح هذا لهذا أخا

أُقام على المطبخ ابن الزبير

فولى على المطبخ المطبخا

فقال بعض الحاضرين لطرخان : ينبغي ان تحسن الى الرجل فإن أخاه ـ يعني ـ المهذب حسن بن الزبير قريب من قلب الصالح ولا أستبعد ان يستعطفه عليه فتقع في خجلٍ.

قال : فلم يمض على ذلك غير ليلة أو ليلتين ، حتى ورد ساعٍ من الصالح ابن رزيك ، إلى طرخان بكتاب يأمره فيه باطلاقه والإحسان إليه فأحضره طرخان من سجنه مكرماً.

قال الحاكي : فلقد رأيته وهو يزاحمه في رتبته ومجلسه وكان السبب في تقدمه في الدولة المصرية في أول أمره ما حدثني به الشريف ابو عبدالله محمد ابن ابي محمد العزيز الادريسي الحسني الصعيدي قال : حدثني زهر الدولة ، حدثنا : ان احمد بن الزبير دخل الى مصر بعد مقتل الظاهر وجلوس الفائز ،

__________________

١ ـ الذحول ، جمع الذحل ، الثأر والعداوة والحقد.

١٦٠