أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٧

ولا يؤمننا في الحشر من وجل

إلا ولاء أمير المؤمنين علي

شرعت طرفي الى حوض النبي به

ولم أعرّج على طرق ولا وشل

ومال ودي الى القربى التي ظهرت

أعراقها لا الى ودّ ولا هبل

آل النبي الألى آوي الى سبب

منهم وحبل بحبل الله متصل

وما قصدت وقد صيرتهم درجاً

الى نجاتي إلا اقرب السبل

بانت طريقهم المثلى لسالكها

فلست عنها بذي زيغ ولا ميل

ما كنت أبغي اعتصاماً بالنزول الى

خفض الوهاد عن الانجاد والقلل

بالله لو لم تحد عن نهج مسلكهم

عمى القلوب بقوم لا عمى المقل

ما كان يشكل عن ذي اللب فضلهم

في واضح الصبح مايغني عن الطفل

من كالامام الذي ، الزهراء ثاوية

في بيته وأخوه خاتم الرسل

الباذل النفس من دون النبي وقد

فر الجبانان من عجز ومن فشل

في يوم خيبر والاجناد شاهدة

بنص ذلك منذ الاعصر الأول

ومطعم السائل البادي بخاتمه

عند الركوع أو آن الفرض والنفل

والخاشع المتجري في تواضعه

كأنه لم يصل يوماً ولم يصل

وقابض الكف عما لا يحل له

كانها لم تطل يوماً ولم تطل

ومن يرد عن الدنيا بنان يد

كانها لم تنل يوماً ولم تنل

سائل به ( ليلة الاحزاب ) اذ دلفت

خيل العدى وهي ملء السهل والجبل

وجاء أعداء دين الله في رهج

تزلزل الارض من علو ومن سفل

وساء ظن الأولى صارت قلوبهم

الى الحناجر من خوف ومن وجل

وجاء عمرو بن ود في أوائلهم

من شدة التيه لا يلوي على بطل

حتى توغل صف المسلمين على

نهد اذا زالت الاجبال لم يزل

هل كان غير امير المؤمنين له

قرناً فرواه من مهل ومن وهَل

ويوم بدر وقد مار القليب دماً

يغص واراده في العلّ والنهل

وكم وليد سواه في حروبهم

قد ظل يسبق منه الشيب بالاجل

١٢١

وكل من لعبت أيدي الضلال به

هناك يأوي الى الاكتاف والطلل

ويوم احد غداة البأس حين ثوى

أهل اللواء بسيف الفارس البطل

ما كان في السهل من بعض النعام وفي

الاوعاد لما التقى الجمعان كالوعل

وفي ( حنين ) وللبيض الرقاق به

حنين بيض تنادت فيه بالثكل

من قال قد بطل اليوم الذي عقدوا

فينا من السحر إن الدهر ذو دول

وبعد مثوى رسول الله اذ نصبوا

له العداوة من أنثى ومن رجل

ما سدَّ رأي التي كانت صلاتهم

برأيها خوف ذاك العارض الجلل

وبالعراق أراق البغي من دم مَن

أحانها مثل صوب العارض الهطل

بني أمية اني لست ذاكركم

اذ لي بذكر سواكم اكبر الشغل

كفى الذي دخل الاسلام اذ فتكت

أيمانكم ببني الزهراء من خلل

منعتم من لذيذ الماء شاربهم

ظلما ، وكم فيكم من شارب ثمل

أبكيهم بدموع لو بها شربوا

في كربلاء كفتهم سورة الغلل

أنا ( ابن رزيك ) يزري ما أقول وان

طال الزمان بما قد قال كل ولي

ما ارتعت مذ كنت للأواء إن طرقت

رجلي ولا ارتحت للسراء والجذل

القلب ينجدني ، والعزم يصحبني

دون المصاحب في حِلٍّ ومرتحل

والصبر ينشدني ، والخطب محتفل

لا تلق دهرك الا غير محتفل

١٢٢

وقال هذه القصيدة عندما أمر في وزارته أن يستعمل في طراز خاص كسوة المشهدين الشريفين العلوي والحسيني من الستور الديبقي لأبواب الحرمين وعرضها هناك وقد أرصد من أمواله مبالغ طائلة لهذا الغرض وتحرى فيها أن تكون الستور في غاية الحياكة والابداع مع تطريز آيات قرآنية حولها ، فلما تّم عملها أرسلها مع نفر من خدمه وعبيده ، وجعل فيها قصيدة ذكر فيها عمله الذي تفرّد بشرفه وفخره وفاز دون ملوك الاسلام بجزيل ذخره وجميل ذكره :

هل الوجد إلا زفرة وأنينُ

أم الشوق إلا صبوةٌ وحنينُ

وجيش دموع كلما شنّ غارة

أقام له بين الضلوع كمين

إذا ما التظى شوق معين بثاره

تحدّر ماء العين عين معين

وما خلت أن القلب يصبح للبكا

قليباً ولا أن العيون عيون

وأن عقود الدر من بعد ألفها

نحور الغواني في الحذود تكون

خليلي ما الدمع الذي تريانه

على السر إن حان الفراق أمين

بلام إذا خان الأنام جميعهم

وليس يلام الدمع حين يخون

وبي لوعة لا يستقر نزاعها

لها كلما جنَّ الظلام ، جنون

إذا عن لي تذكار سكان كربلا

فما لفؤادي في الضلوع سكون

فان أنام لم أحزن على إثر ذاهب

فاني على آل الرسول حزين

ألم ترهم خلوا حماهم كما خلا

بحقان من أسد العرين عرين

وساروا وقد غروا بأيمان معشر

وما علموا أن اليمين يمين

ورب أماني معشر وأمانهم

بغدرهم قد عاد وهو منون

١٢٣

وما أخلفتهم في الإله ظنونهم

اذا أخلفتهم في الرجال ظنون

فان يخل في الدنيا مكانهم أما

مكانهم يوم المعاد مكين

هوت ، وزوت منهم عشية قتلوا

أصول زكت أعراقها وغصون

وأظلم مبيّض النهار عليهم

وحقَّهم مثل النهار مبين

تصَّرف حكم البيض ، والسمر فيهم

فمنهم صريع بالظبى وطعين

ولو أن صمّ الصخر تقرب منهم

لا بصرتَ صمَّ الصخر كيف تلين

* * *

قبورهم قبلي وأموات نكبة

بطون سباع مرّة وسجون

جرت من بني حرب شئون عليهم

جرت بعدها منّا الغداة شئون

وريضت عليهم خيلهم وركابهم

فرّضت ظهور منهم وبطون

ألا كل رزء بعد يومٍ بكربلا

وبعد مصاب ابن النبي يهون

ثوى حوله من آله خير عصبة

يطالب فيهم للطغاة ديون

يذادون عن ماء الفرات وغيرهم

يبيت بصرف الخمر وهو بطين

اسادتنا لو كنت حاضر يومكم

لشابت بسيفي للطغاة قرون

أسادتنا ان لم يعنكم لدى الوغى

سناني فاني باللسان أعين

أسادتنا أهديت جهدي إليكم

لتطهر نفسي فالظنين ظنين

سطور بأبيات من الذكر طَرّزت

تُبرهنُ عن أوصافكم وتبين

أوقي بها مثواكُم حاد ربعه

حيا المزن عن لحظ العدى وأصون

وأرجو بها ستراً من النار عندما

يقيني غدا كيد الشكوك يقين

فجودوا عليها بالتقبِّل منكُم

فودَّي وإخلاصي بذاك ضمين

وجدكُم سنَّ الهدايا وإنني

لما سن قدماً في بنيه أدين (١)

__________________

١ ـ عن الديوان ص ١٥٩.

١٢٤

وفي الديوان المطبوع قصائد كثيرة تخص أهل البيت عليهم‌السلام وإليك مطلع كل قصيدة منها :

١ ـ من الأحباب قرَّبني ولائي

ومن اعداي برأني برائي

٢ ـ لذاذة سمعي في قراع الكتائب

ألذُّ وأشهى من عتاب الحبايب

٣ ـ ايها المغرور لو فكرِّت

لم يخف الصواب

٤ ـ يا للرجال لمدنف مجهود

لم يؤت من هجر وطول صدود

٥ ـ اسفي على ايام دهري قد مضى

منع الجفون بذي الغضا ان يغمضا

٦ ـ ما حاد عن حب البطين الا نزع

متجنِّباً لولائه إلا دعى

٧ ـ يا نفس دنياك هذه خُدعُ

والعيش ان دام فهو منقطع

٨ ـ يا صاحبي بجر عاء الغوير قفا

نجُد لمن بان بالدمع الذي وكفا

٩ ـ اذا كنت في الحب لا اقبل

فقل للعذول لمن تعذل

١٠ ـ يا نفس كم تخدعين بالأمل

وكم تحبيِّن فسحة الاجل

١١ ـ ما كان اول تائه بجماله

بدر منال البدر دون مناله

١٢ ـ لا تبك للجيرة السارين في الظعن

ولا تعرّج على الاطلال والدمن

١٣ ـ هل منصف باللطف يسليني

عن روضتي ورد ونسرين

١٤ ـ القلب موقوف على الخفقان

والدمع لا ينفك من هملان

١٢٥

ابن العودي النيلي

متى يشتفى من لاعج الشوق مغرمُ

وقد لجّ بالهجران مَن ليس يرحمُ

اذا همَّ أن يسلو أبى عن سلوه

فؤاد بنيران الأسى يتضرم

ويثنيه عن سلوانه لخريدة

عهود التصابي والهوى المتقدم

رمته بلحظ لا يكاد سليمه

من الخبل والوجد المبرِّح يسلم

اذا ما تلظت في الحشا منه لوعة

طفتها دموع من أماقيه سُجّم

مقيم على أسر الهوى وفؤاده

تغور به ايدي الهموم وتتهم

يجّن الهوى عن عاذليه تجلدا

فيبدي جواه ما يجن ويكتم

يعلل نفسا بالأماني سقيمة

وحسبك من داء يصحّ ويسقم

رعى الله ذياك الزمان وأعصراً

لهونا بها والرأس أسود أسحم

وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت

عيون العدى عن وصلنا وهي نوم

فكم من ثديّ قد ضمت غصونها

اليَّ وأفواه لها كنت ألثم

أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب

وخصر غدا من ثقله يتظلم

وامتاح راحا من شنيبٍ كأنه

من الدرِّ والياقوت في السلك ينظم

فلما علاني الشيب وابيض مفرقي

وبان الصبا واعوّج مني المقدم

وأضحى مشيبي للغذار ملثماً

به ولرأسي بالبياض يُعمّم

وأمسيت من وصل الغواني مخيّبا

كأني من شيبي لديهنّ مجرم

بكيتُ على ما فات مني ندامة

كأني خنساء به أو متمم

١٢٦

وأصفيت مدحي للنبي وصنوه

وللنفر البيض الذين هم هم

هم التين والزيتون آل محمد

هم شجر الطوبى لمن يتفهم

هم جنّة المأوى هم الحوض في غد

هم اللوح والسقف الرفيع المعظم

هم آل عمران هم الحج والنسا

هم سبأ والذاريات ومريم

هم آل ياسين وطاها وهل أتى

هم النحل والانفال لو كنت تعلم

هم الآية الكبرى هم الركن والصفا

هم الحج والبيت العتيق وزمزم

هم في غد سفن النجاة لمن وعى

هم العروة الوثقى التي ليس تفصم

هم الجنب جنب الله واليد في الورى

هم العين لو قد كنت تدري وتفهم

هم السر فينا والمعاني هم الأولى

تيمم في منهاجهم حيث يمموا

هم الغاية القصوى هم منتهى المنى

سل النص في القرآن ينبئك عنهم

هم في غد للقادمين سقاتهم

اذا وردوا والحوض بالماء مفعم

هم شفعاء الناس في يوم عرضهم

الى الله فيما أسرفوا وتجرّموا

هم منقذونا من لظى النار في غد

اذا ما غدت في وقدها تتضرم

ولولاهم لم يخلق الله خلقه

ولا هبطا للنسل حوا وآدم

هم باهلوا نجران من داخل العبا

فعاد المناوي عنهم وهو مفحم

وأقبل جبريل يقول مفاخراً

لميكال من مثلي وقد صرت منهم

فمن مثلهم في العالمين وقد غدا

لهم سيد الأملاك جبريل يخدم

ومن ذا يساميهم بفخر فضيلة

من الناس والقرآن يؤخذ عنهم

ابوهم امير المؤمنين وجدهم

أبو القاسم الهادي النبي المكرم

فهذا اذا عد المناسب في الورى

هو الصهر والطهر النبي له حم

هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى

وقاموا بحكم الله من حيث يحكم

وخالهم المشهور والأم فاطم

وعمهم الطيار في الخلد ينعم

وأين كزوج الطهر فاطمة ابي الشهيـ

ـيدين أبناء الرسول وهم هم

الى الله أبرأ من رجال تبايعوا

على قتلهم أهل التقى كيف اقدموا

حموهم لذيذ الماء والماء مفعم

وأسقوهم كأس الردى وهو علقم

١٢٧

وعاثوا بآل المصطفى بعد موته

بما قتل المختار بالأمس منهم

وثاروا عليه ثورة جاهلية

على أنه ما كان في القوم مسلم

وألقوهم في الغاضرية حسَّراً

كأنهم قف على الأرض جُثَّم

تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم

بأجنحة طير الفلا وهي حُوَّم

بأسيافهم أردوهم وبدينهم

أريق بأطراف القنا منهم الدم

وما أقدمت يوم الطفوف أمية

على السبط إلا بالذين تقدَّموا

وأنِّى لهم ان يبرءوا من دمائهم

وقد أسرجوها للخصام وألجموا

وقد علموا ان الولاء لحيدر

ولكنه ما زال يؤذى ويُظلَمُ

فنازعه في الأمر من ليس مثله

وآخر وهو اللوذعيُّ المقدَّم

وأفضوا الى الشورى بها بين ستة

وكان ابن عوف فيهم المتوسم

متى قيس ليث الغاب يوماً بغيره

وأين من الشمس المنيرة أنجم

ولكن امور قدِّرت من مقدَّر

ولله صنع في الارادة محكم

وكم فئة في آل أحمد أهلكت

كما أهلكت من قبل عاد وجرهم

فما عذرهم للمصطفى في معادهم

إذا قال لِم خنتم بآلي وجُرتم

وما عذرهم إن قال ماذا صنعتُّم

بآلي من بعدي وماذا فعلتم

نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم

وخالفتموه بئس ما قد صنعتم

وخلَّفتُ فيكم عترتي لهداكُم

فلم قمتُم في ظلمهم وقعدتم

قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم

عليهم وإحساني اليكم أضعتم

وما زلتم بالقتل تطغون فيهم

إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم

كأنهم كانوا من الروم فالتقت

سراياكم راياتهم فظفرتم

ولكن أخذتم من بني بثأركم

فحسبكُم جرماً على ما اجترأتم

منعتم تراثي إبنتي وسليلتي

فلم أنتم آباءكم قد ورثتم

وقلتم نبيّ لا تراث لولده

أللأجنبيّ الإرث فيما زعمتم

وهذا سليمان لداود وارث

ويحيى أباه ، كيف أنتم منعتم

وقلتم حرام متعة الحج والنسا

اعن ربكم أم انتم قد شرعتم

١٢٨

ألم يأت « ما استمتعتم من حليلة

فآتوا لها من أجرها ما فرضتم

فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى

بتحليله أم انتُم قد نسختم

وكل نبي جاء قبلي وصيه

مطاع وانتم للوصي عصيتم

ففعلكم في الدين أضحى منافيا

لفعلى وأمري غير ما قد أمرتم

وقلتم مضى عنا بغير وصية

ألم أوص لو طاوعتم وعقلتم

وقد قلت من لم يوصِ من قبل موته

يمر جاهلاً بل أنتم قد جهلتم

نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلكم

على الله فاستكبرتم وظلمتم

وقد قلت في تقديمه وولائه

عليكم بما شاهدتم وسمعتم

عليٌ غدا مني محلاً وقربة

كهرون من موسى فلم عنه حلتم

شقيتم به شقوى ثمود بصالح

وكل امرىء يبقى له ما يقدّم

وملتم الى الدنيا فتأهت عقولكم

الا كل مغرور بدنياه يندم

لحا الله قوماً جلّبوا وتعاونوا

على حيدر ماذا أساؤا وآجرموا

وقد نصها يوم الغدير محمد

وقال لهم يا أيها الناس فاعلموا

عليٌ وصيي فاتبعوه فانه

إمامكم بعدي اذا غبت عنكم

فقالوا رضيناه إماما وحاكما

علينا ومولى وهو فينا المحكم

رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده

ولكنهم عن رشدهم في غدٍ عملوا

ونازعه فيها رجال ولم يكن

لهم قدم فيها ولا متقدم

يقيم حدود الله في غير حقها

وبفتي اذا استفتي بما ليس يعلم

ويبطل هذا رأي هذا بقوله

وينقض هذا ما له ذاك يبرم

وقالوا اختلاف الناس في الدين رحمة

فلم يك من هذا يحل ويحرم

أقد كان هذا الدين قبل اختلافهم

على النقص من دون الكمال فتمموا

أما قال أني : اليوم أكملت دينكم

وتممت بالنعماء مني عليكم

وقال اطيعوا الله ثم رسوله

تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم

وما مات حتى أكمل الله دينه

ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم

يقرَّب مفضول ويبعد فاضل

ويسكت منطيق وينطق أبكم

١٢٩

وهل عظمت في الدهر قط مصيبة

على الناس الا وهي في الدين أعظم

ولو انه كان المولَّى عليهم

اذا لهداهم وهو بالامر أقوم

هو العالم الحبر الذي ليس مثله

هو البطل القرم الهزبر الغشمشم

وما زال في بدر واحد وخيبر

يفلّ جيوش المشركين ويحطم

يكرّ ويعلوهم بقائم سيفه

الى أن اطاعوا مكرهين وأسلموا

وقالوا دماء المسلمين أراقها

وقد كان في القتلى بريء ومجرم

فقلت لهم مهلا عدمتم صوابكم

وصي النبي المصطفى كيف يظلم

أما قال أقضاكم علي ـ محمد

كذا قد رواه الناقل المتقدم

فان جار ظلما في القضاء بزعمكم

علي فمن زكاه لا شك أظلم

فمن كعلي عند كل ملمة

اذا ما التقى الجمعان والنقع مقتم

ومن ذا يجاريه بمجد ولم يزل

يقول سلوني ما يحل ويحرم

سلوني ففي جنبي علم ورثته

عن المصطفى ما فاه مني به الفم

سلوني عن طرق السماوات انني

بها من سلوك الطرق في الأرض أعلم

ولو كشف الله الغطا لم أزد به

يقينا على ما كنت أدري وأفهم

وكائن له من آية وفضيلة

ومن مكرمات ما تغم وتكتم

فمن ختمت اعماله عند موته

بخير فأعمالي بحبيه تختم

فيا رب بالأشباح آل محمد

نجوم الهدى للناس والشرق مظلم

وبالقائم المهدي من آل احمد

وآبائه الهادين والحق معصم

تفضل على العودي منك برحمة

فأنت اذا استرحمت تعفو وترحم

تجاوز بحسن العفو عن سيئاته

اذا ما تلظت في المعاد جهنم

ومن عليه من لدنك برأفة

فانك أنت المنعم المتكرم

فان كان لي ذنب عظيم جنيته

فعفوك والغفران لي منه أعظم

١٣٠

ابن العودي النيلي المتولد سنة ٤٧٨ والمتوفي عام ٥٥٨ قال السيد في الجزء ١٧ ص ٣٢٥ من الاعيان عثرنا على هذه القصيدة بتمامها في بعض المجاميع القديمة من خبايا الزوايا منسوبة الى العودي وقد رسم العودي ، وفوق العين ضمة ولسنا نعلم الى أي شيء هذه النسبة. وفي الرياض أورد اجازة الشهيد الاول للشيخ علي بن الحسن بن محمد الخازن بالحائر الحسيني عن خط الامير محمد امين الشريف عن خط المولى محمود بن محمد بن علي الجيلاني عن خط الشيخ بهاء الدين محمد بن علي الشهير بابن بهاء الدين العودي عن خط ناصر بن ابراهيم البويهي عن خط الشهيد ، انتهى. فلعله صاحب القصيدة فاوردناها هنا مع ما مرَّ منها في الجزء ١٣ لئلا تكون متقطعة في الكتاب. ويقرأها القارىء على نسق واحد ومع ذلك فقد تركنا جملة منها (١).

اقول وقد كرر السيد نشر القصيدة سهواً في جزء ٥٣ ص ٢٤ من الاعيان وقال : ابن العودي النيلي لم نعرف اسمه.

اما الشيخ الاميني رحمه‌الله فقد عده من شعراء القرن السادس وان ميلاده سنة ٤٧٨ ووفاته في حدود ٥٥٨.

وقال : ابو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي التغلبي النيلي نسبة الى بلدة النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحوالشرق الجنوبي.

__________________

١ ـ اقول سبق ان روى السيد في الجزء ١٣ ص ٢٠٥ أكثرها ، جمعها من كتاب المناقب لابن شهراشوب.

١٣١

وجاء في مجلة ( الغرى ) النجفية عدد ٢٢ ، ٢٣ من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد قال : كان ابو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت اخبار سيرهم فهو كوكب من كواكب الادب. واورد نماذج من شعره والوانا من أدبه.

قال الاميني : ولم اقف على سنة وفاة ابن العودي الا ان سنة ولادته ، اعني سنة ٤٧٨ ورواية عماد الدين الاصفهاني له سنة ٥٥٤ بالهمامية قرب واسط لا تتركان للظن ان يغالى في بقائه طويلا بعد سنة٤٥٤ المذكورة بل لااراه قد جاوز سنة ٥٥٨ فانها تجعل عمره ثمانين سنة وذلك من نوادر الاعمار في هذه الديار انتهى.

١٣٢

القاضي الجليس

دعاه لوشك البينس داعٍ فاسمعا

وأودع جسمي سقمه حين ودَّعا

ولم يبق في قلبي لصبري موضعاً

وقد سار طوع النأي والبعد موضعا

أجنُ إذا ما الليل جنَّ كآبة

وأبدي إذا ما الصبح أزمع أدمعا

وما انقدتُ طوعاً للهوى قبل هذه

وقد كنت ألوي عنه ليناً وأخدعا

إلى أن يقول :

تصاممت عن داعي الصبابة والصبى

ولبيّت داعي آل احمد إذ دعا

عشوت بأفكاري الى ضوء علمهم

فصادفت منه منهج الحق مهيعاً

علقت بهم فليلح في ذاك من لحى

تولَّيتهم فلينع ذلك مَن نعا

تسرَّعت في مدحي لهم متبرَّعاً

وأقلعت عن تركي له متورًّعاً

هم الصّائمون القائمون لربِّهم

هم الخايفوه خشيةً وتخشعاً

هم القاطعوا الليل البهيم تهجّداً

هم العامروه سُجّداً فيه ركعاً

هم الطيبوا الأخيار والخير في الورى

يروقون مرئى أو يشوقون مسمعا

بهم تقبل الأعمال من كلّ عاملٍ

بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا

بأسمائهم يُسقى الأنام ويهطل الغمـ

ـام وكم كربٍ بهم قد تقشّعا

هم القائلون الفاعلون تبرُّعاً

هم العالمون العاملون تورُّعاً

ابوهم وصيُّ المصطفى حاز علمه

وأودعه من قبل ما كان اودعا

١٣٣

أقام عمود الشرع بعد اعوجاجه

وساند ركن الدين أن يتصدعا

وواساه بالنفس النفيسة دونهم

ولم يخشَ أن يلقى عداه فيجزعا

وسمّاه مولاهم وقد قام معلناً

ليتلَوُهُ في كلّ فضل ويشفعا

فمن كشف الغمَّاء عن وجه أحمد

وقد كربت أقرانه ان يقطّعاً؟!

ومن هزَّ باب الحصن في يوم خيبر

فزلزل ارض المشركين وزعزعا؟!

وفي يوم بدر من أحنَّ قليبها

جسوماً بها تدمي وهاماً مقطعاً؟!

وكم حاسد أغراه بالحقد فضله

وذلك فضل مثله ليس يُدّعا

لوى غدره يوم « الغدير » بحقَّه

واعقبه يوم « البعير » واتبعا

وحاربه القرآن عنه فما ارعوى

وعاتبه الإسلام فيه فما وعى

إذا رام ان يخفي مناقبه جلت

وإن رام ان يطفي سناه تشعشعا

متى همَّ ان يطوي شذى المسك كاتم

أبى عرفه المعروف إلا تضوعا

ومنها :

أيا امّةً لم ترعَ للدين حرمةً

ولم تبق في قوس الضلالة منزعا

بأي كتاب ام بأيَّة حجّة

نقضتم به ما سنّة الله اجمعا؟!

غضبتم ولي الحق مهجة نفسه

وكان لكم غصب الإمامة مقنعا

وألجمتم آل النبي سيوفكم

تفرّي من السادات سوفاً واذرعا

وحلّلتم في كربلاء دماءهم

فأضحت بها هيم الأسنّة شرعاً

وحرَّمتم ماء الفرات عليهم

فأصبح محظوراً لديهم ممنّعاً

١٣٤

وقال :

ان خانها الدمع الغزير

فمن الدماء لها نصير

دعها تسحُّ ولا تشحَّ

فرزؤها رزءٌ كبير

ما غصب فاطمة تراث

( محمد ) خطبٌ يسير

كلا ولا ظلم الوصيِّ و

حقه الحق الشهير

نطق النبي بفضله وهو

المبشر والنذير

جحدوه عقد ولاية قد

غرَّ جاحده الغرور

غدروا به حسداً له وبـ

ـنصّه شهد « الغدير »

حظروا عليه ما حباه

بفخره وهم حضور

يا أمة رعت السها

وإمامها القمر المنير

إن ضلّ بالعجل اليـ

ـهود فقد أضلكم البعير

لهفي لقتلى الطفِّ إذ

خذل المصاحب والعشير

وافاهم في كربلا

يوم عبوس قمطرير

دلفت لهم عصب الـ

ـضلال كانما دعي النفير

عجباً لهم لم يلقهم

من دونهم قَدر مبير

أيما فوق الأرض فيض

دم الحسين ولا تمور؟!

أترى الجبال درت ولم

تقذفهم منها صخور؟!

أم كيف إذ منعوه ورد

الماء لم تغر البحور؟!

حرم الزلال عليه لما

حللت لهم الخمور

١٣٥

أبو المعالي بعد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس ، قال الشيخ الاميني في ( الغدير ) هو من مقدمي شعراء مصر وكتابهم ومن ندماء الملك الصالح طلايع بن رزيك ترجمه ابن شاكر في ( فوات الوفيات ) ج ١ ص ٢٧٨ فقال : تولى ديوان الانشاء للفائز مع الموفق ابن الخلال ومن شعره :

ومن عجبي ان الصوارم والقنا

تحيض بأيدي القوم وهي ذكور

وأعجب من ذا انها في اكفهم

تأجج ناراً والأكفُ بحور

كان القاضي الجليس كبير الانف. قال الشيخ وهو ممن اغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة وقال : ذكر سيدنا العلامة السيد احمد العطار البغدادي في الجزء الاول من كتابه ( الرائق ) جملة من شعر شاعرنا الجليس منها قصيدة يرثي بها آل البيت ويمدح الملك الصالح بن رزّيك ويذكر مواقفه المشكورة في خدمة آل الله أولها :

لولا مجانبة الملوك الشاني

ما تمِّ شاني في الغرام بشاني

وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز ٦٦ بيتاً مطلعها :

ارأيت جرأة طيف هذا الزائر

ما هاب عادية الغيور الزاير

وقصيدة ٦٢ بيتاً في إمامة امير المؤمنين عليه‌السلام ويرثي السبط الحسين عليه‌السلام ، أولها :

الأهل لدمعي في الغمام رسولُ

وهل لي الى برد الغليل سبيل

١٣٦

وفي خريدة القصر :

القاضي الجليس : أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين

ابن الحبّاب الأغلي : السعدي التميمي

جليس صاحب مصر ، فضله مشهور ، وشعره مأثور ، وقد كان أوحد عصره في مصره نظما ونثراً ، وترسلا وشعراً ، ومات بها في سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وقد أناف على السبعين. ومن شعره :

لا تعجبي من صدّه ونفاره

لولا المشيبُ لكنتُ من زوّاره

لم تترك الستون إذ نزلت به

من عهد صبوته سوى تذكاره

وله :

حيَّى بتفاحةٍ مخضّبة

من شفني حبُّه وتيّمني

فقلت ما إن رأيت مشبهها

فاحمرَّ من خجلة فكذَّبني

ومن شعره :

وسما يكفُّ الحافظُ المنصور

عنا المحل كفّا

آواهم كرماً وصا

ن حريمهم فعنا وعفَّا

وأنشدني له الشريف ادريس الادريسي قصيدة سيَّرها إلى الصالح بن رزيك قبل وزارنه يحرضه على ادراك ثأر الظافر وكان عباس وزيرهم قتله وقتل أخويه يوسف وجبريل يقول فيها :

فأين بنو رزّيك عنها ونصرهم

وما لهم من منعة وذياد

فلو عاينت عيناك بالقصر يومهم

ومصرعهم لم تكتحل برقاد

١٣٧

تدارك من الايمان قبل دثوره

حشاشة نفس آذنت بنفاد

فمزق جموع المارقين فإنها

بقايا زروع آذنت بحصاد

وله فيه من أخرى في هذه الحادثة :

ولما ترامي البربريُّ بجهله

إلى فتكة ما رامها قط رائم

ركبت إليه متن عزمتك التي

بأمثالها تلقى الخطوب العظائم

وقُدَت له الجرد الخفاف كأنما

قوائمها عند الطرد قوادم

تجافت عن الماء القراح فريها

دماء العدا فهي الصوادي الصوادم

وقمت بحق الطالبيين طالبا

وغيرك يغضى دونه ويسالم

أعدت اليهم ملكهم بعدما لوى

به غاصب حق الامانة ظالم

فما غالب إلا بنصرك غالب

وما هاشمِ إلا بسيفك هاشم

فأدرك بثأر الدين منه ولم تزل

عن الحق بالبيض الرقاق تخاصم

وانشدني الأمير العضد مرهف للجليس يخاطب الرشيد بن الزبير في معنى نكبة خاله الموفق :

تسمع مقالي يا ابن الرشيد

فأنت حقيق بأن تسمعه

بلينا بذي نشب سائل

قليل الجدا في أوان الدعه

إذا ناله الخير لم نرجه

وإن صفعوه صفعنا معه

وأنشدني بعض فضلاء مصر لأبن الحبّاب :

سيوفك لا يفلُّ لها غرار (١)

فنوم المارقين بها غرار (٢)

__________________

١ ـ الغرار : حد السيف

٢ ـ الغرار ، النوم القليل.

١٣٨

يُجرّدها إذا أُحرجتَ سخطٌ

على قومٍ ويغمدها اغتفار

طريدك لا يفوتك منه ثأر

وخصمك لا يقال له عثار

وفيما نلته من كل باغ

لمن ناواك ـ لو عقل ـ اعتبار

فمرُ يا صالح الأملاك فينا

بما تختاره فلك الخيار

فقد شفعت إلى ما تبتغيه

لك الأقدار والفلك المدار

ولو نوت النجوم له خلافاً

هوت في الجو [ يذروها ] انتثار

ومنها :

عدلت وقد قسمت وكم ملوك

أرادوا العدل في قَسمٍ فجاروا

ففي يد جاحد الإحسان غلُّ

وفي يد حامد النعمى سوار

لقد طمحت بطرخان (١) أمانٍ

له ولمثله فيها بوار

وحاول خطةً فيها شماس

على أمثاله وبها نفار

هل الحسب الفتيُّ بمستقلٍ

إذا ما عزَّه الحسب النضار

أتتك بحائن قدماه سعياً

كما يَسعى إلى الأسد الحمار

وشان قرينه لما أتاه

كما قد شان أسرته قُدار (٢)

وأنشدني بمصر ولده القاضي الأشرف أبو البركات عبد القوي لوالده الجليس من قطعة كتبها إلى ابن رزيك في مرضه يشكو طبيباً يقال له ابن السديد على سبيل المداعبة :

وأصل بليتي مَن قد غزاني

من السقم الملح بعسكرين

طبيب طبه كغراب بين

يفرق بين عافيتي وبيني

وأتى الحمى وقد شاخت وباخت

فردَّ لسها الشباب بنسختين

__________________

١ ـ هو طرخان بن سليط والي الاسكندرية ثار على طلايع فجرد له جيشاً فقضى عليه.

٢ ـ قدار بن سالف عاقر نافة صالح.

١٣٩

ودبّرها بتدبير لطيف

حكاه عن سنان أو حنين (١)

وكانت نوبةً في كل يومٍ

فصيرَّها بحذق نوبتين

وأنشدني أيضاً لوالده في مدح طبيب :

يا وراثاً عن أب وجدٍ

فضيلة الطبّ والسداد

وكاملاً رد كل نفسٍ

همَّت عن الجسم بالبعاد

اقسم ان لو طببت دهراً

لعاد كوناً بلا فساد

ورأيت من كلامه في ديوان الصالح بن رزيك : هو الوزير الكافي والوزير الكافل ، والملك الذي تلقى بذكره الكتائب وتهزم باسمه الجحافل ، ومن جدد رسوم المملكة ، وقد كان يخفيها دثورها ، وعاد به اليها ضياؤها ونورها :

وقد خفيت من قبله معجزاتها

فأظهرها حتى أقر كفورها

أعدتَ إلى جسم الوزارة روحه

وما كان يرجى بعثها ونشورها

أقامت زماناً عند غيرك طامثاً

وهذا أوان قرؤها وطهورها

من العدل ان يحيا بها مستحقها

ويخلعها مردودة مستعيرها

إذا خطب الحسناء من ليس أهلها

أشار عليه بالطلاق مشيرها (٢)

فقد نشرت أيامه مطوى الهم ، وأنشرت رفات الجود والكرم ، ونفقت بدولته سوق الأداب بعدما كسدت ، وهبت ريح الفضل بعد ما ركدت إذا لها الملوك بالقيان والمعازف ، كان لهوه بالعلوم والمعارف وإن عمروا أوقاتهم بالخمر والقمر ، كانت أوقاته معمورة بالنهي والأمر :

مليك إذا ألهى الملوك عن اللها

خمار ، وخمر ، هاجر الدل والدنا

__________________

١ ـ حنين : ابن اسحاق ، معروف.

٢ ـ من قصيدة للشاعر صردر.

١٤٠