أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٧

فخلعت عليه خلايع الوزارة ولقب بالملك الصالح ، فارس المسلمين نصير الدين فنشر الأمن وأحسن السيرة ( ثم ذكر حديث قتله ) وقال : كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب جيد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله عظيماً في سطوته ، وجمع أموالاً عظيمة ، وكان محافظاً على الصلوات فرايضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع صنف كتاباً سماه ( الاعتماد في الرد على أهل العناد ) جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمن إمامة علي بن ابي طالب « ع » وله شعر كثير يشتمل على مجلدين في كل فن فمنه في إعتقاده ومنه قوله :

( يا امة سلكت ضلالاً بيناً ) الأبيات :

وله قصيدة سمّاها [ الجوهريَّة في الرد على القدريَّة ]. ثمَّ قال :

ويروى : أنه لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قال : هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمر بقراءة مقتله واغتسل وصلى مائة وعشرين ركعة أحيى بها ليله وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته واضطرب لذلك وجلس في دهليز دار الوزارة فأحضر ابن الصيف ـ وكان معروفاً بلف عمايم الخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل ـ ليصلح عمامته ، فقال له رجل : إنَّ هذا الذي جرى يتطيَّر منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل. فقال : ألطيرة من الشيطان وليس الى التأخير سبيل. ثم ركب فكان من أمره ما كان. وقال في ج ٢ ص ٢٨٤ : قال إبن عبد الظاهر : في مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا أن طلايع ابن رزيَّك المنعوت بالصالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا : لا يكون ذلك إلا عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافه الفائز

١٠١

على يد طلايع في سنة تسع وأربعين وخمسمائه ، وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على بعض شرفه هذا الرأس الكريم المبارك وهي : أنَّ السلطان الملك الناصر رحمه‌الله لما أخذ هذا القصر وشي إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية وكان بيده زمام القصر وقيل له : إنه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن فأخذ وسئل فلم يجب بشيء وتجاهل فأمر صلاح الدين نوَّابه بتعذيبه فأخذه متولي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدَّ عليها قرمزية ، وقيل ، إن هذه أشدَّ العقوبات وان الانسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلَّا تنقب دماغه وتقتله ففعل ذلك به مراراً وهو لا يتأوَّه وتوجد الخنافس ميتة فعجب من ذلك وأحضره وقال له :

هذا سرَّ فيك ولا بد أن تعرفني به. فقال : والله ما سبب هذا إلا أني لما وصلت رأس الإمام الحسين حملتها. قال : وأي سر أعظم من هذا. وراجع في شأنه فعفا عنه.

١٠٢

تحقيق عَن موضع رَأس الحسَيْن

وهنا يجدر بنا أن نذكر تحقيقاً عن رأس الحسين عليه‌السلام فقد اختلفت الروايات فيه حتى ذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة سبعة أقوال في الرأس الشريف (١).

وقال الشبلنجي في نور الأبصار : اختلفوا في رأس الحسين رضي‌الله‌عنه بعد مسيره الى الشام الى اين سار وفي أي موضع استقر ، فذهبت طائفة الى أن يزيد أمر ان يطاف به في البلاد ، فطيف به حتى انتهي به إلى عسقلان فدفنه أميرها بها ، فلما غلب الفرنج على عسقلان افتداء منهم الصالح طلايع وزير الفاطميين بمال جزيل ومشى إلى لقائه من عدة مراحل ووضعه في كيس حرير أخضر على كرسي من الابنوس وفرش تحته المسك والطيب وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة قريباً من خان الخليلي (٢).

القول الثاني انه في النجف عند أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ذهب اليه بعض علماء الشيعة استناداً الى أخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الأئمة عليهم‌السلام.

__________________

١ ـ ج ٤ القسم الاول ص ٣٩٠ من الأعيان.

٢ ـ نور الابصار ص ١٩٢.

١٠٣

وفي بعضها ان الصادق سلام الله عليه قال لولده اسماعيل : انه لما حمل الى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين ، وهذا القول مختص بالشيعة (١) وفي جملة من الأخبار أن الرأس الشريف مدفون في النجف عند أمير المؤمنين ، وعقد له في الوسائل باباً مستقلاً عنوانه ( باب استحباب زيارة رأس الحسين عند قبر أمير المؤمنين ) واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كل منهما (٢).

وفي الكافي عن ابان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبدالله عليه‌السلام فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ، ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين ، ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أميرالمؤمنين.

قلت جعلت فداك والموضعين الذين صليت فيهما ، فقال : موضع رأس الحسين ، وموضع منزل القائم ، قال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم : ولعل موضع القائم المائل هو مسجد الحنانة قرب النجف ، نقل هذا عن الشهيد رحمه‌الله. اقول ومن هذا نعرف ان هذا المكان من المساجد القديمة المشهورة وانه فيه مقام للامام الصادق عليه‌السلام.

قال المحدث الشيخ عباس القمي في سفينة البحار : ان في ظهر الكوفة عند قائم الغري مسجد يسمى بالحنانة فيه يستحب زيارة الحسين لأن رأسه وضع هناك ، قال المفيد والسيد ابن طاووس والشهيد رضوان الله عليهم في باب زيارة اميرالمؤمنين :

فاذا بلغت العلم (٣) وهي الحنانة فصل هناك ركعتين فقد روى محمد بن ابي عميرة عن المفضل بن عمر قال : جاز الصادق بالقائم المائل في طريق الغري

__________________

١ ـ أعيان الشيعة للسيد الأمين.

٢ ـ تحفة العالم في شرح خطبة المعالم للسيد جعفر بحر العلوم.

٣ ـ اسم للمكان بفتح اللام.

١٠٤

فصلى ركعتين ، فقيل له ما هذه الصلاة فقال : هذا موضع رأس جدي الحسين « وضعوه هنا لما توجهوا من كربلا ثم حملوه الى عبيد الله بن زياد ، فقل هناك : اللهم انك ترى مكاني وتسمع كلامي ولا يخفى عليك شيء من امري ـ الدعاء.

وجاء في موسوعة العتبات المقدسة للاستاذ جعفر الخليلي ـ قسم النجف ـ قال : وعن الكامل في التاريخ ج ٩ ص ٤١١ : القائم هو بناء من آجر وكلس قيل انه كان علماً تهتدي به السفن لما كان البحر يجىء الى النجف. انتهى. اقول وفي ايامنا هذه اجريت تعميرات واصلاحات واسعة في الحنانة وقامت القصور بجنبها بعد ما كانت بناية بسيطة منفردة في البرّ تتألف من جدران قديمة وأثر خاوي فامتدت اليها ايدي اهل الخير فاتسعت وازدانت وتأثثت وتنورت بالكهرباء وذلك من كثرة ما تحدثنا للناس في محافلنا ومنابرنا عن قدسية هذا المكان وحرمة هذا المسجد المعظم وما يجب من حقه على مجاوريه بالدرجة الاولى وقد كتب على بابه من نظم زميلنا الخطيب المرحوم السيد مهدي الاعرجي.

مسجد الحنانة السامي عُلا

كاد بالفضل يضاهي المسجدين

جهلوه الناس قدراً وهو في

قدره ضاهى السهى والفرقدين

رفع الله تعالى شأنه

فتعالى شأنه في النشأتين

كيف لا يرفعه الله علا

وبه قد وضعوا رأس الحسين

القول الثالث ان الرأس الشريف دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة الزهراء وان يزيد ارسله عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء.

__________________

١ ـ الفراديس بلغة الروم البساتين.

١٠٥

القول الرابع انه في الشام حكاه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات انه بدمشق ، حكى ابن ابي الدنيا قال : وجد رأس الحسين في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس (١) عند البرج الثالث مما يلي المشرق ، وكأنه هو المعروف الآن بمشهد رأس الحسين بجانب المسجد الأموي وهو مشهد مشيّد معظم.

القول الخامس انه بالمشهد القاهري قال الشعراني في ( المنن ) ان رأس الحسين حقيقة في المشهد الحسيني قريباً من خان الخليلي وان طلايع بن رزيك نائب مصر نقله ومشى هو وعسكره حفاة من ناحية قطية الى مصر ، في قصة طويلة ، قال الشبلنجي : وفي كتاب الخطط للمقريزي ـ بعد كلام على مشهد الحسين ما نصه : وكان حمل الرأس الشريف الى القاهرة من عسقلان ووصوله اليها في يوم الاحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان واربعين وخمسمائة ، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الامير سيف المملكة تميم والقاضي المؤتمن بن مسكين وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكورة ، ويذكر ان هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف وله ريح كريح المسك فقدم به الاستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة وانزل به الى الكافوري ثم حمل في السرداب الى قصر الزمرد ثم دفن عند قبة الديلم.

السادس انه أعيد الى الجسد الشريف بكربلاء ، قال السيد ابن طاووس في اللهوف : وكان عمل الطائفة على هذا المعنى. وقال المجلسي : المشهور بين علمائنا ـ الامامية ـ انه أعيد الى الجسد ، وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد الى كربلاء مع الجسد وقال الطوسي ومنه زيارة الأربعين.

وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه فهو ساكن في القلوب والضمائر قاطن

__________________

١ ـ الفراديس بلغة الروم : البساتين.

١٠٦

في الاسرار والخواطر ، قال علي جلال الحسيني المصري : عن تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي قال : وأنشدنا بعض أشياخنا :

لا تطلبوا المولى الحسين

بارض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا

نحوي فمشهده بقلبي

وقال الآخر :

لا تطلبوا رأس الحسين فانه

لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدّلكم

في انه المقبور وسط فؤادي

١٠٧

وهذه طائفة من شعر المترجم له قال :

لولا ثغور كالاقاحي

ما جاز عندي شرب راح

لله كأس من عقيق

خمرها ، ريق الملاح

ريق له فعل المدام

ولذة الماء القراح

دعني له ياصاح أن أصبحـ

ـت منه اليوم صاحي

لا تكثرن عذلي فبعض

اللوم يذهب في الرياح

ما لاح بارق مبسم

وأطعت فيه قول لاح

آتيِه في ظلم الملاح

مجانباً طرق الصلاح

هيهات قد طلع الصبا

ح علي ـ من غرر الصباح

وعلمت أن اللغو ليس

علي فيه من جناح

وخرجت من ضيق الوقار

به الى سعة المزاح

ما لم تكن لحدود دين

الله فيه ذا إطراح

ورعيت حرمة معشر

طبعوا على دين السماح

آل النبي ومن دعا

لهم بـ « حي على الفلاح »

قوم لجدهم امتداحي

وبنور زندهم اقتداحي

وبحبهم أسموا الى الـ

ـعلياء موفور الجناح

وأنال آمالي البعيدة

في الغدوَّ وفي الرواح

وبذكرهم جهراً أصول

على العدى يوم الكفاح

وغداً بهم في الحشر

آمن روعه الهول المتاح

وإذا اعترى غيري ارتيا

ع منه زاد به ارتياحي

١٠٨

ثقة بأني سوف ألقى

الله فايزة قداحي

ويعدَّني منهم موالاتي

ونصري وامتداحي

وسواي يطرد عنهم

إن جاء من كل النواحي

متضاعف الحسرات مملوّ

الجوارح بالجراح

تعسا لجبارين أصلوا

بالوغى أهل الصلاح

حملوا رؤوسهم الكريمة

فوق أطراف الرماح

وحموا عليهم من جهالتهم

حمى الماء المباح

والخمر يكرع بينهم

فيها الدعيّ من السفاح

يا أمة غدرت ونور

الحق أبلج ذو اتضاح

وتعقبت سنن النبي

الطهر بالبدع القباح

وتأولت في محكم القرآن

بالكذب الصراح

لا تقربوا منا فجرب

الابل حتفٌ للصاح

وقال في أهل البيت عليهم‌السلام :

عسى لي إلى وصل الحبيب وصولُ

ففي مهجتي مثل النصول نصولُ

إذا ما خليُّ قصر النوم ليله

فليلي برعيٍ للنجوم طويل

غرام له عندي غريم ملازم

فليس له بعد الحلول رحيل

تحمَّلتُ من عبء الصبابة ضعف ما

تحمَّل قيس في الهوى وجميل

فلو قيل لي عن نقله تسترح لما

رضيت سوى إني اليه أميل

يقلّ لعيني فيه كثر دموعها

فلو بدمٍ أبكي لقيل قليل

عجبت لقلبي كيف تشعل ناره

على أن دمعي فاض منه سيول

فهل لي مقيل من عثار صبابتي

وهل من هجير الهجر ويك مقيل

فيا قلب دع عنك التصابي فإن من

تحبّ بما تهوى عليك بخيل

ولذ بالكرام السالكين من الهدى

مسالك فيها للنجاة سبيل

غنوا عن دليل في الهدى لهم وهل

يقام على ضوء النهار ، دليل

١٠٩

تمسكتُ بالحق الصريح فليس لي

مجال عن الحق الصريح عدول

وفزتُ بسبحي في بحار ولائهم

اذا ما لغيري في الضلال وحول

فقد نلتُ آمالي بميلي اليهم

وحقق بي بين البرية سؤل

أناس علا فوق الملائك قدرهم

فأضحى له عند الإله مثول

ركبتُ بهم سفن النجاة فلي على

يقين على شاطي المفاز حصول

شموس هدى يهدي الى الحق ضوئها

فليس لها حتى النشور أفول

وربّ عذول لي عدوٌ مباينٌ

يرى انه لي ناصح وخليل

له لي عذلٌ خفَّ لا شك عنده

ولكن أتاني منه وهو ثقيل

ومالي على آل الرسول كأنما

سوى جدهم للعالمين رسول

يقول : اجتنب تقديم آل محمد

وقلبي لو حاولت ليس يحول

تعاليت عنه اذ أسَّف ولم أزل

تجرر لي فوق السماء ذيول

يروم نزولي عن ذرى المجد والعلى

ومالي عن المجد الاثيل نزول

ولو حدت عنهم ما عسى لمؤنبي

عليهم اذا رام الجواب أقول :

يظن بأني جاهل عن حقوقهم

وما أنا للصبح المنير جهول

هم سر وحي الله والدوحة التي

نمت فزكى فرع لها وأصول

وما يستوي فيهم محب ومبغض

وما يتساوى ناصر وخذول

نصرتهم اذ كنت سيفا لدينهم

حساماً صقيلاً ليس فيه فلول

أأتبع المفضول مجتنباً لمن

له الفضل مالي في السفاه عدول

بعينهم جلّى دجى الشك مثل ما

نمى في تضاعيف الخضاب نصول

فغيري الذي دب الضلال بقلبه

كما دبَّ في الغصن الرطيب ذبول

فهم بهجة الدنيا التي افتخرت بهم

وهم غرةٌ في دهرهم وحجول

اذا شئت ان تحصي مناقب فضلهم

يروعك ما يعيى به ويهول

فمنهم أميرالمؤمنين الذي له

فضائل تحصى القطر وهي تعول

هو النور نور الله والنور مشرق

علينا ونور الله ليس يزول

سما بين أملاك السموات ذكره

نبيهٌ فما أن يعتريه خمول

١١٠

طوال رماح الخط عنه قصيرة

وأمضى سيوف الهند عنه كليل

هو الحبر كشّاف الشكوك بعلمه

وشرّاب أبطال الحروب أكول

هو السابق الهادي على رغم أنف من

خلاف الذي قد قلت فيه يقول

ولما التقى الجمعان كان لسيفه

بضرب رقاب القاسطين صليل

وسالك أجواز المناقب كلها

له سفرة في ضمنها وقفول

أبوه بلا شك أباد جدودهم

فثارت عليهم من أبيه ذحول

فلا يطمع الاعداء في فانني

لي الله بالنصر المبين كفيل

أقول : لهم ميلي الى آل احمد

وما انا ميال الوداد ملول

لأنَّ لهم في كل فضل وسؤدد

فصولا عليها العالمون فضول

علام قتلتم بضعة من نبيكم

وتدرون ان الرزء فيه جليل

ضحكتم واظهرتم سروراً وبهجة

بيوم من نجل البتول قتيل

قتيل شجى الاملاك ما فعلوا به

واظهر اسحان (١) الجياد صهيل

ومن حقهم أن تخسف الارض الذي

أتوه ولكن ما الحكيم عجول

على أهل بيت المصطفى من الاههم

صلاة لها غيث يسح هطول

فخذها لهم من ( نجل رزيك ) مدحة

تسير كما سارت صباً وقبول

وقال يرثي الإمام عليه‌السلام :

يا راكباً قطع القرينا

بالعيس إذ تشكو البرينا

متوجهاً لمحلة بالشا

مِ يلتمس القطينا

بلَّغ رسالةَ مؤمنٍ

تُسعد بها دنيا ودينا

في كربلاء ثوى ابن بنت

رسول رب العالمينا

قف بالضريح ونادِهِ

يا غاية المتوسلينا

يا عروة الدين المتين

وبحر علم العارفينا

__________________

١ ـ الفرس المسحن ، الجيد

١١١

يا قبلةً للأولياء

وكعبة للطائفينا

مولاي جسمك ضر جته

دماً سيوف القاسطيناً

لهفي عليك وحسرتي

تبقى على مر السنينا

يا من مكان جلاله

عند الآله يرى مكينا

يا من أقر بفضله أهل

العداوة مذ عنينا

من أهل بيت لم يزالوا

في البرية محسنينا

وبودهم ننجو على

متن الصراط اذا وطينا

أو ما بجدك سيد

الثقلين قاطبة هدينا

من بعد موردنا شريعة

ورده ما ان ظمينا

هل غيره قد كان يدعى

الصادق البر الامينا

وهو السعادة ، إن بعدنا

عن منازلها شقينا

ما ان توسلنا به في

الجدب نلقاه سقينا

وإذاً ذكرناه على

ألمٍ ألَمَّ بنا شفينا

أو كان غير أبيك يدعى

الانزع الهادي البطينا

ما الروضة الغناء أضحت

مثل علم أبيك فينا

أنا فيك قد كحل السهاد

فلم تنم مني الجفونا

ولقد أكاد أذوب من

أسفٍ يؤوَّبني فنونا

وأردد الترجيع في

فكري وأردفه أنينا

ويكاد مني الصخر من

حزني عليكم أن يلينا

إن الذي يرضيه قتلك

حائزاً طرفاً سخينا

يقتادني لك زفرة

يُمسى بها قلبي رهينا

يا أهل بيت ( المصطفى )

أصبحتُم النور المبينا

والله ليس يحبكم مثـ

ـلي يميناً لن تمينا

كم ليلة سمع العدى

مني بمدحكم رنينا

فنأوا كما ينأى الغريم

غداة يبتقصي ديونا

١١٢

ولقد جعلتُ عليَّ من

نفسي بحبكم ضمينا

إن الإله أعزَّني

بكم وأقسم لن أهونا

وإذا طما بحر

المخاوف كان ودكُّم سفينا

وأرى يقيني فيكُم

مستنقذي حقاً يقينا

أسخنتُ من أعدائكم

ومن استمال لهم عيونا

وكسبت من ثقتي بكم

يا سادتي عزاً مصونا

وتواترت نعم الاله

عليَّ أبكاراً وعونا

لما وردت بهديكم

بين الورى الورد المعينا

ويسرُّ قلبي أن وجد

ت على عدوكم معينا

ما كنت في بغض لمن

يشنأكم يوماً ظنينا

وعلى وليكم بمالي

لم أكن ألفى ضنينا

ولقد غذيت ولائكم

مذ كنت مستترا جنينا

ولقد نظمت لكم

بحور مدامعي عقداً ثمينا

واذا نصرتكُم فان الله

خيرُ الناصرينا

ما حدثُ عن حبي لكم

حاشا وكلا لن أخونا

يغمى عليَّ اذا ذكرت

مصابكم حينا فحينا

ما علَّم النوح الحمام

سواي والقلب الحنينا

ما كنت أرضى أن أكون

لمن يضاددكم معينا

قد ملت من فرط الوداد

الى العبيد المخلصينا

أأكون في الحزب الشـ

ـمال واترك الحزب اليمينا

التائبين العابدين

الصائمين القائمينا

العالينا الحافظين

الراكعين الساجديناً

ولقد عرفت حقوقكم

وعرفت قوماً غاصبينا

وجعلت دأبي ثلبهم

حتى أرى ميتاً دفينا

يا من اذا نام الورى

باتوا قياماً ساهرينا

١١٣

ان الذي أعيى ـ طلا

ئع ـ فيكم أعيى القرونا

الموت يلقى الاخرين

كما يلقَّى الاولينا

ولقد صبرت لعلني

ألقى جزاء الصابرينا

وشكرت ربي في الولاء

فلي ثواب الشاكرينا

١١٤

وقال في رثائه عليه‌السلام وقد جارى بها قصيدة دعبل الخزاعي

الأيم دع لومي على صبواتي

فما فات يمحوه الذي هو آتِ

وما جزعي من سيئات تقدمت

ذهاباً اذا اتبعتها حسناتي

ألا انني أقلعت عن كل شبهة

وجانبت غرقى أبحر الشبهات

شغلت عن الدنيا يحبي لمعشر

بهم يصفح الرحمن عن هفواتي

اليك فلا اخشى الضلال لكونهم

هداتي وهم في الحشر سفن نجاتي

أئمة حق لا ازال بذكرهم

أواصل ذكر الله في صلواتي

تجليت بين العالمين بحبهم

وناجيتهم بالود في خلواتي

وبالسبب الأقوى اعتلقت مؤملا

به الفوز في الدنيا وبعد وفاتي

تواليت مختصاً بحمل براءة

ويممت قوماً غيره ببراتي

أرى حبه في السلم ديني ومذهبي

وفي غزواتي مرهفي وقناتي

ولم يك أحشاء الطغاة لبغضهم

على الغل والاضغان منطويات

فمالوا على اولاده ونسائه

وصحب كرام سادة وسرات

غريب يبكي من نساء حواسر

طواهر من كل الاذى خفرات

كبيرة ذنب ليس ينفع عندها

دوام صلاة او خروج زكاة

لعمري ما يلقون في الحشر جدهم

بغير وجوه كلّح خجلات

اذا قال : لم ضيعتموا حتى عترتي

وكيف انتهكتم جرأة حرماتي

اسأتم صنيعاً بعد موتي فغاصب

لذريتي حقاً وآخر عات

ومَن خصمه يوم القيامة أحمد

لقد حلَّ في واد من النقمات

فوا حزني لو انني في زمانهم

وواحرَّ أحشائي وواحسراتي

١١٥

لأطعن فيهم بالأسنة كلما

مضت حملة جاءت بمؤتنفات

أقضّي زماني زفرة بعد زفرة

فقلبي لا يخلو من الزفرات

وصدري فيه حرقة بعد حرقة

فليس بمنفك عن الحرقات

فإن أقل النصّاب يوما عثارهم

فان إقالاتي من العثرات

لأنهم هدَّوا اعتداء بفعلهم

وظلما منار الصوم والصلوات

لقد شبت لا عن كبرةٍ غير أنني

لكثرة همي ـ شبت قبل لداتي

واني لعبد المصطفى سيف دينه

ـ طلايع ـ موسوم بهدي هداتي

وليُّهم ـ إن خاف في الحشر غيره

لظى ـ فهو منها آمن الجَنَبات

أيا نفس من بعد الحسين وقتله

على الطف هل أرضى بطول حياتي

واني لأخزي ظالميه بلعنة

عليهم لدى الآصال والغدوات

وقلت : وقد عانيت أهواء دينهم

مفرقة معدومة البركات

اذا لم يكن فيكنَّ ظل ولا جنا

فباعد كن الله من شجرات

عرضت رياضاً حاكها صوب خاطري

لكي يرتع الاسماع في نغماتي

اذا أنشدت في كل ناد بدت لها

قلوب ذوي الآداب في نشواتي

فلا تعجبوا من سرعتي في بديهتي

على وثباتي في الوغى وثباتي

فان موالاتي لآل محمد

وحبَّي مرقات الى القربات

واني لأرجو أن يكون ثوابها

وقوفي يوم الجمع في عرفات

أعارض من قول الخزاعي دعبل

وإن كنت قد قصرت في مدحاتي

( مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات )

١١٦

وقال يرثي الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء عام اثنين وخمسين وخمسمائة :

ما للمنازل لا تبينُ

حتى ولا أضحت تبين

جف الثرى اذ خف من

عرصاتها ذاك القطين

وأنا الحزين عليهم

أفربعهم أيضاً حزين ..؟

أم هذه الاشجان فينا

كالحديث لها شجون

ولأن بكت تلك الربى

فمن العيون لها عيون

نعم المعين على تتابع

دمعها الماء المعين

لو لم تحن أسى لما اشـ

ـتقت من الحزن الحزون

وبكت حمائم لا تكاد هنا

ك تحملها الغصون

ورق مفجّة لها بالنو

ح بعدهم لحون

وتكاد أصلاد الصخور

لفرط رقّتها تلين

وترى الرياح لها اذا

مرت بأيكتها أنين

ما الشأن الا أن بعد

فراقهم حدثت شئون

كانت أمور فيهم

ما خلتها أبداً تكون

فكأنهم آل النبي وقد

أبادهم اللعين

في يوم عاشوراء لما

خانهم دهرٌ خؤون

وغدت مناهم حين

عزّوا أن تصيبهم المنون

لم يقبلوا عهداً لجيش

للنفاق به كمين

ورأوا جميعاً أن اعطاء

اليمين لهم يمين

وتيقنوا ، أن الحياة

الظن ، والموت اليقين

١١٧

لهفي على قتلى أبيح بهم

حمى الدين المصون

ما فيهم إلا صريعٌ

بالصوارم أو طعين

غدر الخؤون بهم هناك

ولم يف الثقة الامين

وخلت ديارهم ، كما يخلو

من الاسد العرين

فعفا الصفا من بعدهم

وبكاد لفقدهم الحزون

والركن صدّعه لعظم

مصابهم داءٌ دفين

والقبر منذ الفتك فيهم

ما لساكنه سكون

يا عاذلي رفقا فانك

فيهم عندي ظنين

كم ذا تهوّن من جليل

مصابهم ما لا يهون

فارفض عداهم ان غدوت

بدين جدهم تدين

ان البراء من الا عادي

للولاء لهم قرين

يا بقعة ( بالطف ) حشو

ترابها دنيا ودين

* * *

أضحت كأصداف يصادف

ضمنها الدرّ الثمين

مني السلام عليك ما

غطّت على الشمس الدجون

ولي الحنين اليك مهما

اختصّ بالابل الحنين

١١٨

وقال يذكر مناقب أهل البيت عليهم‌السلام :

دعني قبيل اللهو غير قبيلي

وسبيل أهل اللوم غير سبيلي

لم أشتغل عن جمع أشتات العلى

بمليح وجهٍ أو بكأس شمول

لا تعذلني إنني لا أقتفي

سبل الضلال لقول كل عذول

قولي : لمن قد سامني الرجعي الى

ما لا يجوز أتيت غير جميل

ان الخليل ، اذا تجنّب مذهبي

قلت : ابتعد ما أنت لي بخليل

أتحمَّل الاثقال إلا انني

لمبايني في الدين غير حمول

آليت لا ألقى عُداة أئمتي

إلا بعضب الشفرتين صقيل

وأئمتي قوم ، إذا ظُلموا فهم

لا يظلمون الناس وزن فتيل

كان الزمان لحسنه بوجوههم

يختال بالأوضاح والتحجيل

ومسجَّل لهم الفخار على الذي

ناداهم إذ صحّ لي تسجيلي

وهم الأئمة ما عدمت فضيلة

فيهم فما ميلي الى المفضول

فأنا إذا مثلت غيرهُم بهم

في فضلهم أخطأت في تمثيلي

آل النبي بهم عرفنا مشكل

القرآن ، والتوراة ، والانجيل

هم أوضحوا الآيات حتى بينوا

الغايات في التحريم والتحليل

عند التباهل ما علمنا سادسا

تحت الكسا معهم سوى جبريل

إن الكثير من المدائح فيهم

قل ، ومدح الله غير قليل

قال النبي : صلوا بهم حبلي فلم

يكُ منهم أحد لهم بوصول

ماذا يكون جواب قوم أخلدوا

إذ مات للتغيير والتبديل

إن قال : في الحشر ابنتي لِمَ فيكُم

لم تخل من حزن ، وطول عويل

هي بضعة مني ففي إضرارها

ضُرَّي كما تبجيلها تبجيلي

والله يحكم لا مردَّ لحكمه

ومقيل أهل الظلم شر مقيل

اخترت لو كنت الفداء لسادتي

في النائبات وأسرتي وقبيلي

اني ـ ابن رزيك ـ الذي بولائهم

أسخنت عين معاند وجهول

إن طال وجدي فيهم فأنا الذي

نومي بطول الليل غير طويل

١١٩

وقال يمدح العترة الطاهرة ويعدد مناقب الامام اميرالمؤمنين عليه‌السلام :

خلصت من خدعات الاعين النجل

ونبت من تبعات اللهو والغزل

وقام عندي لوم الخائنين اذا

خانوا الوداد مقام اللوم والعذل

فما بكيت لناس استريح به

من العناء ولم أضحك الى أمل

ولو سوى هذه الدنيا غدا وطني

لقلت أني لم أربع على طلل

اذا تناكر أفعال الرجال بها

فحومة الحرب والمحراب تشهد لي

أنفت في خلواتي أن يرى لفمي

من غيرتي لهباً إلا على القتل

وعفت ما في قدود السمر إن خطرت

من اعتدال لما في السمر من خطل

وزرقة النصل في طرف القناة أبت

ان يستبين بما بالطرف من كحل

حتى كأن أسيلات الخدود وقد

أعرضت عنها أحالتني على الاسل

وان جوهر سيفي لو قرنت به

جواهر الحلي صار الحلي كالعطل

ترفعت همتي حتى وطيت على

كواكب الجو بالمهرية الذلل

فما المجرّة في افق السماء سوى

محجة دستها بالخيل والابل

ولا الأهلة مع مر الشهور سوى

آثار خيلي من حاف ومنتعل

ما ثار إلا وراء ( الثور ) عثيرها

قدما ولا حملت إلا على ( الحمل )

وأخلف الشهب في ليل العجاج اذا

غابت بشهب على الارماح لم تفل

فليس تبقي غداة الحرب ان فتكت

أعمال فتك لمريخ ولا زحل

وبعد هذا فإن الموت مدركنا

وليس يسبق في ريث ولا عجل

لا الحول ينفع فيه حين يحضرنا

داعي المنايا ولا يرتدُّ بالحيل

وليس يصحبنا مما نسر به

في هذه الدار إلا صالح العمل

١٢٠