غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٤

الباب الثالث والستّون ومائة

في قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)

من طريق العامّة وفيه حديث واحد

أبو المؤيّد موفّق بن أحمد من أعيان علماء العامّة يرفعه إلى ابن عبّاس قال : سأل قوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فيمن نزلت هذه الآية؟ قال : إذا كان يوم القيامة ، عقد لواء من نور أبيض ونادى مناد ليقم سيّد المؤمنين ومعه الّذين آمنوا بعد بعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقوم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فيعطى اللواء من النور الأبيض بيده وتحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار لا يخالطهم غيرهم حتّى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا فيعطيه أجره ونوره ، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم : قد عرفتم صفتكم ومنازلكم في الجنّة إنّ ربّكم يقول : إنّ لكم عندي مغفرة وأجرا عظيما ـ يعني الجنّة ؛ فيقوم عليّ والقوم تحت لوائه معه يدخل بهم الجنّة ، ثمّ يرجع إلى منبره فلا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنّة وينزل أقواما على النّار فذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) يعني كفروا وكذّبوا بالولاية وبحقّ عليّ (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨ / ٤ ح ٦.

٢٦١

الباب الرابع والسّتون ومائة

في قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)

من طريق الخاصّة وفيه حديث واحد

الشيخ الطوسي في أماليه قال : أخبرنا الحفّار قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا دعبل قال : حدّثنا مجاشع بن عمرو عن ميسرة بن عبيد الله عن عبد الكريم الحزري عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : أنّه سئل عن قول الله عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) قال : سأل قوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : فيمن نزلت هذه الآية يا نبيّ الله؟ قال : إذا كان يوم القيامة ، عقد لواء من نور أبيض ونادى مناد ليقم سيّد المؤمنين ، فيقوم عليّ بن أبي طالب ، فيعطي الله اللواء من النور الأبيض بيده تحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار لا يخالطهم غيرهم حتّى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا فيعطي أجره ونوره فإذا أتى على آخرهم قيل لهم قد عرفتم موضعكم ومنازلكم من الجنّة إنّ ربّكم يقول لكم : عندي لكم مغفرة وأجر عظيم ـ يعني الجنّة ؛ فيقوم علي بن أبي طالب والقوم تحت لوائه معه حتّى يدخل الجنّة ، ثمّ يرجع إلى منبره ولا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنّة ويترك أقواما على النار ، فذلك قوله عزوجل (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وعملوا الصّالحات (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) يعني السابقين الأوّلين والمؤمنين وأهل الولاية له وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) هم الذين قاسم عليهم النار فاستحقّوا الجحيم (١).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٣٧٨ ح ٨١٠.

٢٦٢

الباب الخامس والسّتون ومائة في قوله :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ

وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)

من طريق العامّة وفيه ثلاثة أحاديث

الأوّل : ابن شهرآشوب عن علي بن الجعد عن الحسن عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) قال : صدّيق هذه الأمّة عليّ بن أبي طالب هو الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ، ثمّ قال : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال ابن عبّاس : وهم عليّ وحمزة وجعفر فهم صدّيقون وهم شهداء الرّسل على أممهم إنّهم قد بلغوا الرسالة ثمّ قال : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) على التصديق بالنبوّة (وَنُورُهُمْ) على الصراط (١).

الثاني : الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي في كتابه «المستخرج من تفاسير الاثنى عشر» في تفسير قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) يرفعه إلى ابن عبّاس قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) يعني صدّقوا بالله أنّه واحد عليّ ابن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطّلب ، وجعفر الطيّار (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صدّيق هذه الأمّة عليّ بن أبي طالب ، وهو الصّدّيق الأكبر والفاروق الأعظم (٢).

الثالث : الحديث المتقدّم في البابين المتقدّمين عن موفّق بن أحمد عن ابن عبّاس حديث اللواء والمنبر (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٤ / ٢١٥ ح ٢١ عن المناقب.

(٢) بحار الأنوار : ٣١ / ٤١٢ ح ١٠ ، عن الطرائف.

(٣) مناقب الخوارزمي : ١٢٩ ح ١٤٣ و : ١٥٩ ح ١٨٨.

٢٦٣

الباب السادس والسّتون ومائة

في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ)

من طريق الخاصّة وفيه اثنى عشر حديثا

الأوّل : الشيخ في التهذيب بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن مروان عن أبي حضرة عن من سمع عليّ بن الحسين عليه‌السلام يقول وذكر الشهداء قال : فقال بعضنا في المبطون وقال: بعضنا في الذي يأكله السبع وقال : بعضنا غير ذلك ممّا يذكر في الشهادة فقال إنسان : ما كنت أدري أنّ الشهيد إلّا من قتل في سبيل الله ، فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : إنّ الشهداء إذن لقليل ثمّ قرأ هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ثمّ قال : هذه لنا ولشيعتنا (١).

الثاني : أحمد بن محمّد بن خالد البرقي عن أبيه عن حمزة بن عبد الله الجعفري عن جميل بن درّاج عن عمرو بن مروان عن الحارث بن حضيرة عن زيد بن أرقم عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال: ما من شيعتنا إلّا صدّيق شهيد قال : قلت : جعلت فداك أنّى يكون ذلك وعامّتهم يموتون على فراشهم؟ فقال : أما تتلو كتاب الله في الحديد : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال : فقلت : كأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله عزوجل قط، قال : لو كان الشهداء ليس إلّا كما تقول ، لكان الشهداء قليلا (٢).

الثالث : أحمد بن محمّد هذا عن أبي يوسف يعقوب بن يزيد عن محمّد بن أبي عمير عن عمر ابن عاصم عن منهال القصّاب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ادع الله لي بالشهادة فقال : إنّ المؤمن لشهيد حيث مات أو ما سمعت قول الله في كتابه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٣).

الرابع : الطبرسي قال : روى العيّاشي عن منهال القصّاب ، قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام: ادع الله أن يرزقني الشهادة فقال : إنّ المؤمن شهيد وقرأ هذه الآية (٤).

الخامس : الحرث بن المغيرة قال : كنّا عند أبي جعفر عليه‌السلام قال : العارف منكم بهذا الأمر المنتظر له

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ١٦٧ ح ٣١٨.

(٢) المحاسن : ١ / ١٦٤ ح ١١٥.

(٣) المحاسن : ١ / ١٦٤ ح ١١٧.

(٤) مجمع البيان : ٩ / ٣٥٩.

٢٦٤

المحتسب فيه الخير كمن جاهد والله مع قائم آل محمّد بسيفه ثمّ قال : بل والله كمن جاهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال : الثالثة : بلى والله كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فسطاطه وفيكم آية من كتاب الله ، قلت : وأيّ آية جعلت فداك؟ قال : قول الله (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) قال : صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم (١).

السادس : شرف الدين النجفي قال : روى صاحب كتاب البشارات مرفوعا إلى الحسن بن أبي حمزة عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك قد كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت قال : فقال لي : يا أبا حمزة أو ما ترى الشهيد إلّا أن قتل؟ قلت : نعم جعلت فداك فقال لي : يا أبا حمزة من آمن بنا وصدّق حديثنا وانتظر أمرنا كان كمن قتل تحت راية القائم ، بل والله تحت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

السابع : أبو بصير قال : قال الصادق عليه‌السلام : يا أبا محمّد إنّ الميّت على هذا الأمر شهيد، قال : قلت : جعلت فداك وإن مات على فراشه؟ قال : وإن مات على فراشه فإنّه حيّ يرزق(٣).

الثامن : محمّد بن يعقوب بإسناده عن الحلبي يحيى عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله : جعلت فداك أرأيت الرادّ على هذا الأمر فهو كالرادّ عليكم؟ فقال : يا أبا محمّد من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرادّ على رسول الله وعلى الله تبارك وتعالى ، يا أبا محمّد إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد ، قال قلت : وإن مات على فراشه؟ قال : إي والله وإن مات على فراشه حيّ عند ربّه يرزق (٤).

التاسع : ابن يعقوب بإسناده عن عبد الله بن مسكان عن مالك الجهني قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفّوا أيديكم وألسنتكم وتدخلون الجنّة ، يا مالك إنّه ليس من قوم ائتمّوا بإمام في الدّنيا إلّا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلّا أنتم ومن كان على مثل حالكم ، يا مالك إنّ الميّت منكم والله على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله (٥).

العاشر : ابن بابويه عن أبيه بإسناد يرفعه إلى أبي بصير ومحمّد بن مسلم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : حدّثني أبي عن جدّي عن آبائه : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب

__________________

(١) مجمع البيان : ٩ / ٣٥٩ ، بحار الأنوار : ٢٤ / ٣٨ ح ١٥.

(٢) بحار الأنوار : ٦١ / ١٤١ ح ٨٦ ، عن كنز الفوائد.

(٣) بحار الأنوار : ٦١ / ١٤١ ح ٨٦.

(٤) الكافي : ٨ / ١٤٦ ح ١٢٠.

(٥) الكافي : ٨ / ١٤٦ ح ١٢٢.

٢٦٥

ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه منها قوله عليه‌السلام : احذروا السّفلة فإنّ السّفلة من لا يخاف اللهعزوجل ؛ لأنّ فيهم قتلة الأنبياء وفيهم أعداؤنا إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منّا وإلينا ، وما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتّى يبتلى ببليّة تمحّص فيها ذنوبه امّا في ماله أو في ولده أو في نفسه حتّى يلقى الله وما له ذنب وإنّه ليبقى عليه شيء من ذنوبه فيشدّد به عليه عند موته ، والميّت من شيعتنا صدّيق شهيد ، صدّق بأمرنا وأحبّ فينا وأبغض فينا يريد بذلك وجه الله عزوجل مؤمن بالله ورسوله قال الله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (١).

الحادي عشر : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال لأصحابه : الزموا الأرض واصبروا على البلاء ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم وهوى ألسنتكم ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم فإنّ من مات منكم على فراشه وهو على معرفة ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته ، مات شهيدا ووقع أجره على الله واستوجب ثواب ما نوى من صالح أعماله وقامت النيّة مقام مقاتلته بسيفه (٢).

الثاني عشر : ابن بابويه في «بشارات الشيعة» عن أبيه قال : حدّثني سعد بن عبد الله عن معاوية ابن عمّار عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة ، يؤتى بأقوام على منابر من نور تتلألأ وجوههم كالقمر ليلة البدر يغبطهم الأوّلون والآخرون ، ثمّ سكت ، ثمّ أعاد الكلام ثلاثا ، فقال عمر بن الخطّاب : بأبي أنت وأمّي هم الشهداء؟ قال : هم الشهداء وليس هم الشهداء الذين تظنّون قال : هم الأنبياء؟ قال : هم الأوصياء ، قال : هم الأوصياء وليس هم الأوصياء الذين تظنّون ، قال : فمن أهل السماء أو من أهل الأرض؟ قال : هم من أهل الأرض ، قال : فاخبرني من هم؟ قال : فأومى بيده إلى عليّ عليه‌السلام فقال : هذا وشيعته ، ما يبغضه من قريش إلّا سفاحي ، ولا من الأنصار إلّا يهودي ، ولا من العرب إلّا دعي ، ولا من سائر الناس إلّا شقي ، يا عمر كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغض هذا (٣).

__________________

(١) الخصال : ٦٣٦.

(٢) بحار الأنوار : ٤٨ / ٦٣ ، عن شرح النهج.

(٣) بحار الأنوار : ٧ / ١٧٩ ، عن فضائل الشيعة.

٢٦٦

الباب السابع والستّون ومائة

في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ)

من طريق العامّة وفيه حديث واحد

ابن شهرآشوب عن تفسير السّدي عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) قال : أنزل الله آدم من الجنّة ومعه سيف ذو الفقار خلق من ورق آس الجنّة ، ثمّ قال : (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) فكان يحارب به آدم أعداءه من الجنّ والشياطين وكان عليه مكتوبا لا يزال أنبيائي يحاربون به نبيّ بعد نبيّ وصدّيق بعد صدّيق حتّى يرثه أمير المؤمنين فيحارب به مع النبيّ الامّي (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لمحمّد وعليّ (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) منيع بالنقمة من الكفّار لعليّ بن أبي طالب (١).

قال الطبرسي بعد ذلك : وقد روى كافّة أصحابنا أنّ المراد بهذه الآية ذو الفقار أنزل به من السماء على النبيّ عليه‌السلام وأعطاه عليّا عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٣٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٣٩.

٢٦٧

الباب الثامن والسّتون ومائة

في قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ

لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ)

من طريق الخاصّة وفيه ثلاثة أحاديث

الأوّل : محمّد بن يعقوب عن محمّد بن الحسن وغيره عن سهل عن محمّد بن عيسى ومحمّد ابن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعا عن محمّد بن سنان عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أوصى موسى إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى انّ الله عزوجل له الخيرة يختار ما يشاء ممّن يشاء ، وبشّر موسى ويوشع بالمسيح عليه‌السلام فلمّا أن بعث الله عزوجل المسيح عليه‌السلام قال المسيح لهم : إنّه سوف يأتي من بعدي نبيّ اسمه أحمد من ولد إسماعيل عليه‌السلام يجيء بتصديقي وتصديقكم عذري وعذركم وجرت من بعدي في الحواريين في المستحفظين وإنّما سمّاهم الله عزوجل المستحفظين ؛ لأنّهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كلّ شيء الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم ، يقول الله عزوجل : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) الكتاب الاسم الأكبر ، وانّما عرف ممّا يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم عليهم‌السلام فأخبر الله عزوجل : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى).

وأين صحف إبراهيم إنّما صحف إبراهيم الاسم الأكبر وصحف موسى الاسم الأكبر فلم تزل الوصيّة في عالم بعد عالم حتّى دفعوها إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا بعث الله محمّدا ، أسلم له العقب من المستحفظين وكذّبه بنو إسرائيل ، ودعا إلى الله عزوجل وجاهد في سبيله ، ثمّ أنزل الله جلّ ذكره عليه أن اعلن فضل وصيّك فقال : ربّ إنّ العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبيّا ولا يعرفون نبوّة الأنبياء ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي ، فقال الله جلّ ذكره : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) فذكر من فضل وصيّه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول الله ذلك وما يقولون ، فقال الله جلّ ذكره : يا محمّد (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ

٢٦٨

بِما يَقُولُونَ) فإنّهم لا يكذّبونك ، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ، لكنّهم يجحدون بغير حجّة لهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه ، حتّى نزلت هذه السورة فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه فقال الله عزّ ذكره: (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) يقول فإذا فرغت فانصب علمك واعلن وصيّك فاعلمهم فضله علانية.

فقال عليه‌السلام : «من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرّات» ، ثمّ قال : «لأبعثنّ رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ليس بفرّار يعرض بمن رجع ويجبن أصحابه ويجبنونه» وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ سيّد المؤمنين» ، وقال : «عليّ عمود الدين» ، وقال : «هذا الذي يضرب الناس بالسيف على الحقّ بعدي» ، وقال : «الحقّ مع عليّ أينما مال» ، وقال : «إنّي تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلّوا كتاب الله عزوجل وأهل بيتي عترتي يا أيّها الناس اسمعوا لقد بلغت انّكم ستردون عليّ الحوض فأسألكم عمّا فعلتم في الثقلين الثقلان كتاب الله جلّ ذكره وأهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» ، فوقعت الحجّة بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالكتاب الذي يقرأه الناس ، فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبيّن لهم بالقرآن (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وقال عزّ ذكره: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) ثمّ قال جلّ ذكره: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) وكان عليّ عليه‌السلام فكان حقّه الوصيّة التي جعلت له ، والاسم الأكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوّة.

وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ثمّ قال : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) يقول : أسألكم عن المودّة التي نزلت عليكم فضلها ـ مودّة القربى ـ بأيّ ذنب قتلتموهم ، وقال جلّ ذكره : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال الكتاب الذكر ، وأهله آل محمّد عليهم‌السلام وأمر الله عزوجل بسؤالهم ولم يأمر بسؤال الجهّال ، وسمّى الله عزوجل القرآن ذكرا فقال تبارك وتعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وقال عزوجل : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) وقال عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال عزوجل : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) فردّ أمر الناس إلى أولي الأمر منهم الذين أمر بطاعتهم وبالرّدّ إليهم ؛ فلمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع نزل عليه جبرئيل وقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فنادى الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم

٢٦٩

شوكهنّ ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أيّها الناس من وليّكم وأولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا : الله ورسوله ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرّات» فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا ما أنزل الله جلّ ذكره هذا على محمّد قط وما يريد الّا أن يرفع بضبع ابن عمّه ؛ فلمّا قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا :

يا رسول الله إنّ الله جلّ ذكره قد أحسن إلينا وشرّفنا بك وبنزولك بين أظهرنا فقد فرح الله صدّيقنا وكبت عدوّنا وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدوّ فنحبّ أن تأخذ ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم فلم يردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم شيئا وكان ينتظر ما يأتيه من ربّه فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ولم يقبل أموالهم فقال المنافقون : ما أنزل هذا على محمّد وما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمّه ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس من كنت مولاه فعليّ مولاه واليوم قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى ، ثمّ نزل عليه آية الخمس ، فقالوا يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا ، ثمّ أتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال : يا محمّد إنّك قد قضيت نبوّتك واستكملت أيّامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند عليّ ، فإنّي لم أترك الأرض إلّا ولي فيها علم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ويكون حجّه لمن يولد بين قبض النبيّ إلى خروج النبيّ الآخر قال : فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب تفتح كلّ كلمة وكلّ باب ألف كلمة وألف باب (١).

الثاني : سعد بن عبد الله قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن هشام بن سالم عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كنّا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال : لا تقولوا هذا رمضان ولا جاء رمضان ولا ذهب رمضان فإنّ رمضان اسم من أسماء الله لا يجيء ولا يذهب وإنّما يجيء ويذهب الزائل ، ولكن قولوا شهر رمضان فالشهر المضاف إلى الاسم والاسم اسم الله ، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله الله سقطا (٢) في هذا المكان في الأصل لا يفعل الخروج في شهر رمضان لزيارة الأئمّة صلوات الله عليهم وعيد ، ألا ومن خرج في شهر رمضان من بيته في سبيل الله ونحن سبيل الله الذي من دخل فيه يطاف بالحصن والحصن هو الإمام فيكبّر عند رؤيته ، كانت له في القيامة صخرة في ميزانه أثقل من السموات السبع والأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وما تحتهنّ قلت : يا أبا جعفر وما الميزان؟ فقال : إنّك قد ازددت قوّة ونظرا. يا

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ح ٣.

(٢) في المصدر مثلا.

٢٧٠

سعد : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصخرة ونحن الميزان وذلك قول الله عزوجل في الإمام : (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ومن كبّر بين يدي الإمام وقال : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، كتب الله له رضوانه الأكبر ومن كتب لرضوانه الأكبر يجمع بينه وبين إبراهيم ومحمّد عليهما‌السلام والمرسلين في دار الجلال ، قلت : وما دار الجلال؟ قال : نحن الدار وذلك قول الله عزوجل : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) فنحن العاقبة يا سعد ، وأمّا مودّتنا للمتّقين فيقول الله عزوجل : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) فنحن جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا (١).

الثالث : عليّ بن إبراهيم في تفسيره المنسوب إلى الصادق عليه‌السلام قال : قال : الميزان الإمام(٢).

وقال الطبرسي في «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث وقال : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) فإنزاله ذلك خلقه إيّاه.

وقال أبو علي الطبرسي قال : قد روى كافّة أصحابنا أنّ المراد بهذه الآية ذو الفقار أنزل به من السماء على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطاه عليّا عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣١٢ ح ١٢.

(٢) تفسير القمي : ٢ / ٣٦٤ ، ضمن تفسير الآية ٢٥ من سورة الحديد.

(٣) الاحتجاج : ١ / ٣٧٢.

٢٧١

الباب التاسع والسّتون ومائة

في قوله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ)

من طريق العامّة وفيه أربعة أحاديث

الأوّل : الحافظ منصور بن شهردار بن شيرويه بإسناده إلى ابن عبّاس قال : لمّا قتل عليّعليه‌السلام عمروا ودخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيفه يقطر دما فلمّا رآه النبي كبّر وكبّر المسلمون وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم أعط عليّا فضيلة لم تعطها أحدا قبله ولم تعطيها أحدا بعده قال : فهبط جبرائيل عليه‌السلام ومعه من الجنّة اترجة فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل يقرأ عليك السلام ويقول لك حيّ بهذه عليّ بن أبي طالب قال : فدفعها إلى عليّ عليه‌السلام فانفلقت في يده فلقتين فإذا فيها حريرة خضراء مكتوب فيها سطران بخضرة : تحفة من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب (١).

الثاني : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامة من المعتزلة قال : وجدنا في السير والأخبار من إشفاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحذره على أمير المؤمنين عليه‌السلام ودعائه له بالحفظ والسلامة قال صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الخندق وقد برز عليّ إلى عمرو ورفع يديه إلى السماء بمحضر من أصحابه : اللهمّ إنّك أخذت منّي حمزة يوم أحد وعبيدة يوم بدر فاحفظ اليوم على عليّا ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ؛ ولذلك ظنّ به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلى نفسه مرارا يحجمون ويقدم عليّ ، فسأل الإذن له في البراز حتّى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه عمرو ، فقال: وأنا عليّ ، فأدناه وقبّله وعمّمه بعمامة وخرج معه خطوات كالمودّع له القلق لحاله المنتظر لما يكون منه ، ثمّ لم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله رافعا يديه إلى السماء مستقبلا لها بوجهه والمسلمون صموت حوله كانّما على رءوسهم الطير ، حتّى ثارت الغبرة وسمع التكبير من تحتها فعلموا أنّ عليّا قتل عمروا فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكبّر المسلمون بتكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين ؛ وكذلك قال حذيفة ابن اليمان : لو قبلت فضيلة عليّ بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لو سعتهم. قال ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعليّ بن أبي طالب (٢).

الثالث : أبو نعيم الأصفهاني في كتابه الموسوم بنزول القرآن في عليّ عن مرّة عن عنبسة أنّه كان

__________________

(١) مناقب الخوارزمي : ١٧١ ح ٢٠٤.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٨٤.

٢٧٢

يقرأ هذه الآية (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

الرابع : عن أبي نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن بالاسناد عن سفيان الثوري عن رجل عن مرّة عن عبد الله قال : وقال جماعة من المفسّرين في قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) إنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام يوم الأحزاب (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٦ ذيل ح ١٢.

(٢) بحار الأنوار : ٣٧ / ٨٨ ح ١٢.

٢٧٣

الباب السبعون ومائة

في قوله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ)

من طريق الخاصة وفيه ثلاثة أحاديث

الأوّل : محمّد بن العبّاس قال عليّ بن العبّاس عن أبي سعيد عن عبّاد بن يعقوب عن فضل بن القاسم البرّاد عن سفيان الثوري عن زبيد النّامي عن مرّة عن عبد الله بن مسعود أنّه كان يقرأ (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعليّ وكان الله قويّا عزيزا (١).

الثاني : محمّد بن العبّاس قال : حدّثنا محمّد بن يونس بن المبارك عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يحيى بن معلّى الأسلمي عن محمّد بن عمّار عن زريق عن أبي إسحاق عن أبي زياد ابن مطرب قال : كان عبد الله بن مسعود يقرأ (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعليّ (٢).

وسبب نزول الآية : أنّ المؤمنين كفوا القتال بعليّ عليه‌السلام وإنّ المشركين تحوّلوا واجتمعوا في غزاة الخندق وهو أنّ عمرو بن عبد ودّ كان فارس قريش المشهود وكان يعدّ بألف فارس وكان قد شهد بدرا ولم يشهد أحدا ، فلمّا كان يوم الخندق خرج معلّما ليرى الناس مقامه ، فلمّا رأى الخندق قال : مكيدة لم يعرفها من قبل ، وحمل فرسه عليه فقطعه ووقف بإزاء المسلمين ونادى هل من مبارز فلم يجبه أحد ، فقام عليّ عليه‌السلام وقال : أنا يا رسول الله صلّى الله عليك وآلك فقال : إنّه عمرو اجلس ، فنادى ثانية فلم يجبه أحد ، فقام عليّ عليه‌السلام وقال : أنا يا رسول الله ، فقال : إنّه عمرو ، فقال : وإن كان عمروا فاستأذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في برازه فأذن له ، قال حذيفة رضى الله عنه : فألبسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله درعه الفضول وأعطاه ذا الفقار وعمّمه عمامته السحاب على رأسه تسعة أدوار وقال له : تقدّم فلمّا وليّ قال النبيّ : برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ، فلمّا رآه عمرو قال له: من أنت؟ قال : أنا عليّ ، قال : ابن عبد مناف؟

قال : أنا عليّ بن أبي طالب ، فقال : غيرك يا بن أخي من أعمامك أسنّ منك فإنّي أكره أن أهرق دمك فقال عليّ عليه‌السلام : ولكنّي والله لا أكره أن أهرق دمك ، قال : فغضب عمرو ونزل عن فرسه وعقرها وسل سيفه كأنّه شعلة نار ثمّ أقبل نحو عليّ عليه‌السلام فاستقبله عليّ عليه‌السلام بدرقته فقدّها وثبت فيها السيف

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٥ ح ١٠ ، عن كنز الفوائد.

(٢) بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٥ ح ١١.

٢٧٤

وأصاب رأسه فشجّه ثمّ إنّ عليّا عليه‌السلام ضربه على حبل عاتقه فسقط إلى الأرض وثارت بينهما عجاجة فسمعنا تكبير عليّ عليه‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قتله والذي نفسي بيده ، قال : وحزّ رأسه وأتى به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجهه يتهلهل ، قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ابشر يا عليّ فلو وزن اليوم عملك بعمل أمّة محمّد لرجّح عملك بعملهم وذلك لأنّه لم يبق بيت من المشركين إلّا ودخله وهن ولا بيت من المسلمين إلّا ودخل عليهم عزّ ولمّا قتل عمرو وخذل الأحزاب أرسل الله عليهم ريحا وجنودا من الملائكة فولّوا مدبرين من غير قتال وسببه قتل عمرو فمن ذلك قال سبحانه : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعليّ.

الثالث : ابن شهرآشوب ، قال الصادق عليه‌السلام وابن مسعود في قوله : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعليّ بن أبي طالب وقتله عمرو بن عبد ودّ (١).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٥٩.

٢٧٥

الباب الحادي والسبعون ومائة

في قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)

وقوله تعالى : (إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)

من طريق العامّة وفيه خمسة أحاديث

الأوّل : من صحيح البخاري من الجزء الخامس في آخر كراسة منه قال : حدّثنا حجّاج بن منهال ، قال : حدّثنا معمّر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يقول : حدّثنا أبو مخلد عن قيس بن عبّاد عن عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام قال : أنا أوّل من يجثو بين يدي الرّحمن للخصومة يوم القيامة ، قال قيس : وفيهم أنزلت هذان خصمان اختصموا في ربّهم قال : هم الذين تبارزوا يوم بدر عليّ وحمزة وعبيدة وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة (١).

الثاني : من تفسير الثعلبي قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) قال الثعلبي: اختلف المفسّرون في هذين الخصمين من هما ، فروى قيس بن عبّاد أنّ أبا ذرّ الغفاري رضى الله عنه كان يقسم بالله تعالى أنّ هذه الآية نزلت في ستّة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وحمزة بن عبد المطّلب وعبيدة بن الحرث وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة قال : قال عليّ عليه‌السلام : إنّي لأوّل من يجثو للخصومة يوم القيامة بين يدي الله جلّ وعلا. وإلى هذا القول ذهب ابن بشّار وعطاء ابن بشّار (٢).

الثالث : «كشف الغمّة» عن مسلم والبخاري في حديث في قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) نزلت في عليّ وحمزة وعبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة (٣).

الرابع : ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» قال عليّ عليه‌السلام : أنا حجيج المارقين وخصيم المرتابين يوم القيامة ، قال ابن أبي الحديد في الشرح : وروي عنه أنّه قال : أنا أوّل من يجثو إلى الخصومة بين يديّ الله تعالى. وقد روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك مرفوعا في قوله تعالى : (هذانِ

__________________

(١) صحيح البخاري : ٥ / ٦ و ٧.

(٢) الدر المنثور : ٣ ح ٣٤٨.

(٣) كشف الغمة : ١ / ٣١٣.

٢٧٦

خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عنها فقال : عليّ وحمزة وعبيدة وعتبة وشيبة والوليد ، وكانت حادثتهم أوّل حادثة وقعت فيها مبارزة أهل الإيمان لأهل الشرك ، فكان المقتول الأوّل بالمبارزة الوليد بن عتبة قتله عليّ بن أبي طالب ضربه على رأسه فبدرت عيناه على وجنتيه فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أصحابه ما قال ، وكان عليّ عليه‌السلام يكثر من قوله : أنا حجيج المارقين ، ويشير إلى هذا المعنى ، ثمّ أشار إلى ذلك بقوله على كتاب الله تعرض الأمثال يريد قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) (١).

الخامس : من تفسير الثعلبي قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) قال : روى خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا نقول ربّنا واحد ونبيّنا واحد وديننا واحد فما هذه الخصومة ، فلمّا كان يوم صفّين وشد بعضنا على بعض بالسيوف ، قلنا نعم هو هذا (٢).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٧٠.

(٢) الدر المنثور : ٥ ح ٣٢٨.

٢٧٧

الباب الثاني والسبعون ومائة

في قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)

من طريق الخاصّة وفيه خمسة أحاديث

الأوّل : محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أحمد بن محمّد البرقي عن أبيه محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فالّذين كفروا بولاية عليّ قطعت لهم ثياب من نار (١).

الثاني : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو محمّد عمّار بن الحسن الأطرش رضى الله عنه قال : حدّثني علي بن محمّد بن عصمة قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الطبري بمكّة قال : حدّثنا أبو الحسن بن أبي شجاع البجلي عن جعفر بن محمّد الحنفي عن يحيى بن هاشم عن محمّد بن جابر عن صدقة بن سعيد عن النضر بن مالك قال : قلت للحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام : يا أبا عبد الله حدّثني عن قول الله عزوجل (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) قال : نحن وبنو أميّة اختصمنا في الله عزوجل قلنا صدق الله وقالوا كذب الله ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة (٢).

الثالث : محمّد بن العبّاس عن إبراهيم بن عبد الله بن مسلم عن حجّاج بن المنهال بإسناده عن قيس بن عبادة عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يديّ الرحمن ، قال قيس : وفيهم نزلت (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) وهم الذين تبارزوا يوم بدر عليّ وحمزة وعبيدة وشيبة وعتبة والوليد (٣).

الرابع : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا محمّد بن محمّد قال : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمّد قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل بن ماهان قال : حدّثني أبي قال : حدّثني مسلم قال: حدّثنا عروة ابن خالد قال : حدّثني سليمان التميمي عن أبي مخلّد عن قيس بن سعد بن عبادة قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : أنا أوّل من يجثو بين يدي الله عزوجل للخصومة (٤).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٤٢٢ ح ٥٠.

(٢) الخصال : ٤٣ ح ٣٥.

(٣) بحار الأنوار : ٣٢ / ١٢٨ ح ٣٥.

(٤) أمالي الطوسي : ٨٥ ح ١٢٨.

٢٧٨

الخامس : عليّ بن إبراهيم في تفسيره في معنى الآية قال : قال ـ يعني الصادق عليه‌السلام : نحن وبنو أميّة ، قلنا : صدق الله ورسوله وقال بنو أميّة : كذب الله ورسوله (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعني بني أميّة (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) ـ إلى قوله ـ (حَدِيدٍ) قال : يغشاه النار فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرّته وتتقلّص شفّته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) قال : الأعمدة التي يضربون بها (١).

__________________

(١) تفسير القمي : ٢ / ٨٠ ، ضمن تفسير الآية ١٩ من سورة الحج.

٢٧٩

الباب الثالث والسبعون ومائة

في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)

من طريق العامّة وفيه حديث واحد

ابن شهرآشوب عن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد وابن عبّاس : أنّ المتّقين في ظلال وعيون من اتّقى الذنوب عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين في ظلال من الشجر والخيام من اللؤلؤ طول كلّ خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ ، ثمّ ساق الحديث إلى قوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) المطيعين لله أهل بيت محمّد في الجنّة (١).

الباب الرابع والسبعون ومائة

في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)

من طريق الخاصّة وفيه حديث واحد

عليّ بن إبراهيم في تفسيره قوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) قال : ظلال من نور أنور من الشمس (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) قال : إذا قيل لهم تولّوا الإمام لم يتولّوه(٢).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٦٤.

(٢) تفسير القمي : ٢ / ٤٢٥ ، ضمن تفسير الآية ٤١ من سورة المرسلات.

٢٨٠