غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٤

الباب الحادي والعشرون والمائة

في قوله تعالى (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (١).

من طريق العامة وفيه حديث واحد

الحبري عن ابن عباس في قوله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قال : بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

الباب الثاني والعشرون والمائة

في قوله تعالى (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)

من طريق الخاصة وفيه تسعة أحاديث

الأول : محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا وضع الرجل في قبره أتاه ملكان ، ملك عن يمينه وملك عن يساره ، وأقيم الشيطان بين عينيه ، عيناه من نحاس فيقال له : كيف تقول في الرجل الذي كان بين ظهرانيكم قال له : فيفزع فزعة فيقول إذا كان مؤمنا : أعن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله تسألاني؟ فيقولان له : نم نومته لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره تسعة أذرع ، ويرى مقعده من الجنة ، وهو قول الله عزوجل (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ، وإذا كان كافرا قالا له : من هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم فيقول : لا أدري فيخليان بينه وبين الشيطان. (٣)

وروى هذا الحديث الحسين بن سعيد في كتاب الزهد قال : حدّثنا النضر بن سويد عن عاصم ابن حميد عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا وضع الرجل في قبره ، وساق الحديث إلى آخره. (٤)

الثاني : ابن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد

__________________

(١) إبراهيم : ٢٧.

(٢) رواه الحبري في تفسيره مسندا : ٢٨٨ ح ٤٢ ، ورواه الحسكاني عنه في الشواهد ح ٤٣٤.

(٣) الكافي ٣ / ٢٣٨ ح ١٠.

(٤) كتاب الزهد : ٨٦ ح ٢٣١ باب ١٦.

٢٠١

عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ المؤمن إذا خرج من بيته شيّعته الملائكة إلى قبره يزدحمون عليه ، حتى إذا انتهى به إلى قبره قالت له الأرض: مرحبا بك وأهلا ، أما والله لقد كنت أحبّ أن يمشي عليّ مثلك لترينّ ما أصنع بك ، فتوسع له مدّ بصره ويدخل عليه في قبره ملكا القبر وهما قعيدا القبر منكر ونكير ، فيلقيان فيه الروح إلى حقويه ، فيقعدانه ويسألانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : الله ، فيقولان : ما دينك؟ فيقول : الإسلام فيقولان : ومن نبيك؟ فيقول محمد ، فيقولان : ومن إمامك؟ فيقول : فلان ، قال : فينادي مناد من السماء : صدق عبدي ، أفرشوا له في قبره من الجنة ، وافتحوا له في قبره بابا إلى الجنة ، وألبسوه من ثياب الجنة حتى يأتينا ، وما عندنا خير له ، ثم يقال له نم نومة العروس لا حلم فيها.

قال : وإن كان كافرا خرجت الملائكة تشيّعه إلى قبره يلعنونه حتى إذا انتهي به إلى قبره قالت له الأرض لا مرحبا بك ولا أهلا أما والله لقد كنت أبغض أن يمشي عليّ مثلك لا جرم لترينّ ما أصنع بك اليوم ، فتضيّق عليه حتى تلتقي جوانحه ، قال : ثم يدخل عليه ملكا القبر وهما قعيدا القبر منكر ونكير.

قال أبو بصير : جعلت فداك يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة ، فقال : لا.

قال : فيقعدانه فيلقيان فيه الروح إلى حقويه ، فيقولان له : من ربك؟ فيتلجلج ويقول : قد سمعت الناس يقولون : فيقولان له : لا دريت ، ويقولان له : ما دينك؟ فيتلجلج ، فيقولان له : لا دريت ويقولان له : من نبيك؟ فيقول : قد سمعت الناس يقولون : فيقولان له : لا دريت ، ويسألانه عن إمام زمانه ، قال : فينادي مناد من السماء : كذب عبدي ، افرشوا له في قبره من النار وألبسوه من ثياب النار وافتحوا له بابا إلى النار حتى يأتينا ، وما عندنا شر له ، فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات ليس منها ضربة إلّا يتطاير قبره نارا ، لو ضرب ضربة بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يسلط الله عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا ، والشيطان يغمّه غمّا ، قال : ويسمع عذابه من خلق الله إلّا الجن والإنس.

قال : وإنه ليسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم وهو قول الله عزوجل (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ). (١)

الثالث : ابن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر والحسن بن علي جميعا ، عن أبي جميلة مفضل بن

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ١٢.

٢٠٢

صالح ، عن جابر ، عن عبد الأعلى وعلي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إبراهيم ابن عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيام الدّنيا وأول يوم من أيام الآخرة ، مثل له ما له وولده وعمله ، فيلتفت إلى ما له فيقول له : والله إني كنت عليك حريصا شحيحا فمالي عندك؟ فيقول : خذ مني كفنك.

قال : فيلتفت إلى ولده فيقول : والله إني كنت لكم محبا وإني كنت عليكم محاميا ، فما ذا لي عندكم؟ فيقولون : نوديك إلى حفرتك نواريك فيها.

قال : فيلتفت إلى عمله فيقول : والله إني كنت فيك لزاهدا وإن كنت عليّ لثقيلا ، فمالي عندك؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتى أعرض أنا وأنت على ربك ، قال : فإن كان لله وليا أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظرا وأحسنهم رياشا فيقال له : أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ، ومقدمك خير مقدم فيقول له : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، ارتحل من الدنيا إلى الجنة ، وإنه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يعجله ، فإذا دخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما ويخدّان الأرض بأقدامهما وأصواتهما كالرعد العاصف ، أبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : الله ربي ، وديني الإسلام ، ونبيّي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقولان له : ثبّتك الله فيما يحب ويرضى ، وهو قول الله عزوجل (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ثم يفسحان له في قبره مدّ بصره ، ثم يفتحان له بابا إلى الجنة ، ثم يقولان له : نم قرير العين نوم الشاب الناعم ، فإن الله عزوجل يقول (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (١).

قال : وإن كان لربّه عدوا فإنه يأتيه أقبح من خلق الله زيا ورؤيا ، وأنتن ريحا فيقول له : أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم ، وإنه ليعرف غاسله وينشد حملته أن يحبسوه ، فإذا دخل القبر أتاه ممتحنا القبر ، فألقيا عنه أكفانه ، ثم يقولان له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري ، فيقولان : لا دريت ولا هديت ، فيضربان يافوخه بمرزبة معهما ضربة ، فما خلق اللهعزوجل من دابة إلّا وتذعر لها ما خلا الثقلين ، ثم يفتحان له بابا إلى النار ، ثم يقولان له ، نم بشرّ حال فيه من الضيق مثل ما في القنا من الزجّ حتى إن دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه ، ويسلط الله عليه حيّات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره ، وإنه ليتمنّى قيام الساعة فيما هو فيه من الشر.

__________________

(١) الفرقان : ٢٤.

٢٠٣

فقال جابر : فقال أبو جعفر : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني كنت أنظر في الإبل والغنم وأنا أرعاها وليس من نبيّ إلّا وقد رعى ، وكنت أنظر إليها قبل النبوة وهي متمكنة في المكينة ، ما حولها شيء يهيجها حتى تذعر فتطير : فأقول : ما هذا؟ وأعجب حتى حدّثني جبرئيل عليه‌السلام أنّ الكافر يضرب ضربة ما خلق الله شيئا إلّا سمعها ويذعر لها إلّا الثقلين ، فقلت : ذلك لضربة الكافر ، فنعوذ بالله من عذاب القبر. (١)

وروى هذا الحديث علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن مهزيار عن عمرو بن عثمان عن جابر عن إبراهيم بن أبي العلاء عن سويد بن غفلة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إلّا أنّ في رواية محمد بن يعقوب زيادة من آخر الحديث. (٢)

وروى أيضا هذا الحديث الشيخ في أماليه بإسناده عن جابر عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة ذكر أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ذكرا أنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدّنيا وأول يوم من الآخرة ، وساق الحديث إلى آخره. (٣)

الرابع : الشيخ في أماليه عن الحفارة قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا أخي دعبل قال : حدّثنا شعبة بن الحجاج عن علقمة بن يزيد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٤) قال : في القبر إذا سئل الموتى (٥).

الخامس : العياشي في تفسيره بإسناده عن صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا فيأتيه عند موته ، ويأتيه عن يمينه وعن يساره ليصدّه عمّا هو عليه ، فيأبى الله له ذلك ، وكذلك قال الله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ). (٦)

السادس : العياشي بإسناده عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام قالا : إذا وضع الرجل في قبره أتاه ملكان ، ملك عن يمينه وملك عن شماله ، وأقيم الشيطان ، بين يديه عيناه من نحاس فيقال له : ما تقول في هذا الرجل الذي خرج من بين ظهرانيكم يزعم أنه رسول الله؟ فيفزع لذلك فزعة فيقول إن كان مؤمنا : محمد رسول الله ، فيقال له عند ذلك : نم نومة لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره تسعة أذرع ، ويرى مقعده من الجنة ، وهو قول

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٣ ح ١.

(٢) تفسير القمي ١ / ٣٧٠.

(٣) أمالي الطوسي ٣٤٨ / ح ٧١٩.

(٤) ابراهيم : ٢٧.

(٥) أمالي الطوسي ٣٧٧ / ح ٨٠٧.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٥ ح ١٦.

٢٠٤

الله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وإن كان كافرا قالوا : من هذا الرجل الذي كان بين ظهرانيكم؟ يقول : إنه رسول الله. فيقول : ما أدري فيخلّى بينه وبين الشيطان. (١)

السابع : العياشي بإسناده عن أبي بصير عنه عليه‌السلام : إن الميت إذا أخرج من بيته شيعته الملائكة إلى قبره ، يترحمون عليه حتى إذا انتهى إلى قبره قالت الأرض له : مرحبا بك وأهلا وسهلا ، والله لقد كنت أحبّ أن يمشي عليّ مثلك ، لا جرم لترى ما أصنع بك ، فيوسع له مدّ بصره ، ويدخل عليه في قبره قعيدا القبر منكر ونكير ، فيلقى فيه الروح إلى حقويه ، فيقعدانه فيسألانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : الله ، فيقولان : وما دينك؟ فيقول : الإسلام ، فيقولان: ومن نبيك؟ فيقول : محمد ، فيقولان : ومن إمامك؟ فيقول : علي ، فينادي مناد من السماء : صدق عبدي ، أفرشوا له في القبر من الجنة ، وألبسوه من ثياب الجنة ، وافتحوا له في قبره بابا إلى الجنة حتى يأتينا ، وما عندنا خير له ، فيقولان له : نم نومة العروس ، نم نومة لا حلم فيها.

وإن كان كافرا أخرجت له ملائكة يشيّعونه إلى قبره يلعنونه حتى إذا انتهى إلى الأرض قالت الأرض : لا مرحبا بك ولا أهلا ، أما والله لقد كنت أبغض أن يمشي عليّ مثلك ، لا جرم لترينّ ما أصنع بك اليوم ، فتضايق عليه حتى تلتقي جوانحه ، ويدخل عليه ملكا القبر وهما قعيدا القبر منكر ونكير.

قال : قلت له : جعلت فداك يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة فقال : لا ، قال : فيقعدانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : سمعت الناس يقولون ، ويتلجلج لسانه فيقولان : لا دريت ، فما دينك؟ فيقول : سمعت الناس يقولون ، ويتلجلج لسانه فيقولان ، لا دريت فمن نبيك؟ فيقول : سمعت الناس ، ويتلجلج لسانه فيقولان : لا دريت ، فينادي مناد من السماء : كذب عبدي ، افرشوا له في قبره من النار وألبسوه من ثياب النار ، وافتحوا له بابا إلى النار حتى يأتينا ، فما له عندنا شرّ له.

قال : ثم يضربانه بمرزبة معهما ثلاث ضربات ليس منها ضربة إلّا تطاير قبره نارا ، ولو ضربت تلك الضربة على جبال تهامة لكانت رميما.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، ويسلط الله عليه الحيات والعقارب فتنهشه نهشا ، والشياطين تغمّه غمّا ، يسمع عذابه من خلق الله إلّا الجن والإنس ، وإنه ليسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم ، وهو قول الله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢) قال عند موته (وَفِي الْآخِرَةِ) قال : في

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٥ ح ١٧.

(٢) ابراهيم : ٢٧.

٢٠٥

قبره (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ). (١)

الثامن : العياشي بإسناده عن سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدّنيا وأول يوم من الآخرة مثل له ما له وولده وعمله ، فيلتفت إلى ما له فيقول : والله إني كنت عليك لحريصا شحيحا ، فما عندك؟ فيقول : خذ مني كفنك ، فيلتفت إلى ولده فيقول إني والله كنت لكم محبا ، وإني كنت عليكم لمحاميا ، فما ذا عندكم؟ فيقولون : نوديك إلى حفرتك ونواريك فيها ، فيلتفت إلى عمله فيقول : والله إني كنت فيك لزاهدا ، وإن كنت عليّ لثقيلا فما عندك؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حين أعرض أنا وأنت على ربك ، فإن كان لله وليا أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم رياشا ، فيقول : أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ، قدمت خير مقدم ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح، ارتحل من الدّنيا إلى الجنة ، وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يعجّله ، فإذا أدخل قبره أتاه اثنان هما فتّانا القبر يجرّان أشعارهما ، ويبحثان الأرض بأنيابهما ، أصواتهما كالرعد العاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف ، ثم يقولان : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : الله ربي ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، فيقولان : ثبّتك الله فيما تحب وترضى ، وهو قول الله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٢) ثم يفسحان له في قبره مدّ بصره ، ثم يفتحان له بابا إلى الجنة ، ثم يقولان له : نم قرير العين نوم الشاب الناعم ، فإنّه يقول الله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).

وأما إن كان لربه عدوا فإنه يأتيه أقبح من خلق الله رياشا وأنتنهم ريحا فيقول : أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم ، وإنه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يحبسه ، فإذا أدخل في قبره أتاه ممتحنا القبر ، فألقيا أكفانه ثم قالا له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : ما أدري ، فيقولان : لا دريت ولا هديت ، فيضربان يافوخه بمزربة ضربة ما خلق الله من دابة إلا تذعر لها ما خلا الثقلين ، ثم يفتح له بابا إلى النار ، ثم يقولان له : نم بشرّ حال ، فإنه من الضيق مثل ما في القناة من الزج (٣) حتى إن دماغه ليخرج ما بين ظفره ولحمه ، ويسلّط الله عليه حيات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره ، وإنّه ليتمنّى قيام الساعة مما هو فيه من الشر(٤).

قال جابر قال أبو جعفر : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني كنت لأنظر إلى الغنم والإبل وأنا أرعاها وليس من نبيّ إلّا وقد رعى ، فكنت أنظر إليها قبل النبوة وهي متمكنة في المكينة ما حولها شيء ينشرها حي ،

__________________

(١) تفسير العياشى ٢ / ٢٢٦ ح ١٨.

(٢) ابراهيم : ٢٧.

(٣) الزج : بالضم ، الحديدة التي في أسفل الرمح.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٧ ح ٢٠.

٢٠٦

فأنظر فأقول : ما هذا ، وأعجب حتى حدّثني جبرائيل عليه‌السلام أنّ الكافر يضرب ضربة ما خلق الله شيئا إلا سمعها ويذعر إلّا الثقلين ، فعلمت أنّ ذلك إنما كان بضربة الكافر ، فنعوذ بالله من عذاب القبر. (١)

التاسع : العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا وضع الرجل في قبره أتاه ملكان ، ملك عن يمينه وملك عن شماله ، وأقيم الشيطان بين يديه ، عيناه من نحاس فيقال له : كيف تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ قال : فيفزع لذلك فيقول إن كان مؤمنا : عن محمد تسألاني؟ فيقولان له عند ذلك : نم نومة لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره سبعة أذرع ، ويرى مقعده من الجنة ، وإن كان كافرا قيل له : ما تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول : ما أدري ويخلّى بينه وبين الشيطان ، ويضرب بمرزبة من حديد يسمع صوته كل شيء ، وهو قول الله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (٢) (٣).

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٨ ح ٢١.

(٢) إبراهيم : ٢٧.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٧ ح ١٩.

٢٠٧

الباب الثالث والعشرون والمائة

في قوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ). (١)

من طريق العامة وفيه حديث واحد

أنس بن مالك قال : لمّا نزلت الآيات الخمس في طس (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) الآيات انتفض علي انتفاض العصفور ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لك يا علي؟ قال : عجبت يا رسول الله من كفر هم وحلم الله عنهم ، فمسحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ، ثم قال : أبشر فإنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ، ولو لا أنت لم يعرف حزب الله. (٢)

الباب الرابع والعشرون والمائة

في قوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)

من طريق الخاصة وفيه ستة أحاديث

الأول : الشيخ المفيد في أماليه قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مروان قال : حدّثني أبي قال: حدّثنا إبراهيم ابن الحكم عن المسعودي قال : حدّثنا الحرث بن حصين عن عمران بن الحصين قال: كنت أنا وعمر بن الخطاب جالسين عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي جالس إلى جنبه إذ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) قال : فانتفض علي عليه‌السلام انتفاضة العصفور ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما شأنك تجزع؟ فقال : ما لي لا أجزع والله يقول إنه يجعلنا خلفاء الأرض؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجزع ، فو الله لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق ، ورواه الشيخ الطوسي في أماليه. (٣)

قال : أخبرنا محمد بن محمد يعني المفيد قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي وساق السند والمتن سواء. (٤)

__________________

(١) النحل : ٦٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٩٠.

(٣) أمالي المفيد ٣٠٨ / ح ٥.

(٤) أمالي الطوسي ٧٧ / ح ١١٢.

٢٠٨

الثاني : محمد بن العباس قال : حدّثنا إسحاق بن محمد بن مروان عن أبيه عن عبد الله بن خنيس عن صباح المزني عن أبي الحرث بن حضيرة عن أبي داود عن بريد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي إلى جنبه : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) (١) ، قال : فانتفض علي عليه‌السلام انتفاض العصفور ، فقال له النبي : لم تجزع يا علي؟ فقال : لم لا أجزع وأنت تقول : ويجعلكم خلفاء الأرض؟ فقال : لا تجزع ، فو الله لا يبغضك مؤمن ولا يحبك كافر. (٢)

الثالث : محمد بن العباس عن أحمد بن محمد بن العباس عن عثمان بن هاشم بن الفضل عن كثير عن الحرث بن حصين عن أبي داود السبيعي عن عمران بن حصين ، قال : كنت جالسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام جالس إلى جنبه إذ قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) قال : فارتعد علي عليه‌السلام ، فضرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده على كتفه وقال : ما لك يا علي؟ فقال : يا رسول الله قرأت هذه الآية فخشيت أن نبتلى بها فأصابني ما رأيت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق إلى يوم القيامة. (٣)

الرابع : محمد بن العباس عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ القائم إذا خرج دخل المسجد الحرام ، فيستقبل القبلة ويجعل ظهره إلى المقام ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يقوم فيقول : يا أيها الناس أنا أولى الناس بآدم ، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإبراهيم ، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإسماعيل ، يا أيها الناس أنا أولى الناس بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يرفع يديه إلى السماء فيدعو ويتضرع حتى يقع على وجهه ، وهو قول اللهعزوجل (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).

وبالاسناد عن ابن عبد الحميد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) قال : نزلت في القائم عليه‌السلام إذا خرج تعمم وصلّى عند المقام وتضرع إلى ربه فلا تردّ له راية أبدا. (٤)

الخامس : علي بن إبراهيم قال : حدّثني أبي عن الحسن بن علي بن فضال عن صالح بن عقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : نزلت في القائم من آل محمد عليهم‌السلام ، هو والله المضطر ، إذا صلّى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض ، وهذا مما ذكرنا

__________________

(١) النحل : ٦٢.

(٢) بحار الأنوار ٣٥ / ٢٦٦ ذيل ح ٣٩.

(٣) بحار الأنوار ٣٥ / ٢٨٦ ح ٧٩.

(٤) بحار الأنوار ٤٧ / ٥٩ ح ٥٦.

٢٠٩

تأويله بعد تنزيله. (١)

السادس : محمد بن إبراهيم النعماني قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد قال : حدّثني محمد بن علي التيملي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، وحدّثني غير واحد عن منصور ابن يونس بن برح عن إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام أنه قال : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ، وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى حتى إذا كان قبل خروجه أتى الولى الذي معه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول : كم أنتم هاهنا؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلا ، فيقول : كيف أنتم إذا رأيتم صاحبكم؟ فيقولون : والله لو ناوى بنا الجبال لنا ويناها معه ، ثم يأتيهم من القابلة فيقول : أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة ، فيشيرون إليهم فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ، ويعدهم الليلة التي تليها ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : والله لكأني انظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر فينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله؟ أيها الناس من يحاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم؟ أيها الناس من يحاجّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح؟ أيها الناس من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم؟ أيها الناس من يحاجّني في موسى فأنا أولى الناس بموسى؟ أيها الناس من يحاجّني بعيسى فأنا أولى الناس بعيسى؟ أيها الناس من يحاجّني بمحمد فأنا أولى الناس بمحمد؟ أيها الناس من يحاجّني بكتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله؟ ثم ينتهي إلى المقام فيصلي عنده ركعتين وينشد الله حقه ، ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : هو والله المضطر الذي يقول الله فيه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) (٢) فيه نزلت وله (٣).

__________________

(١) تفسير القمي ٢ / ١٢٩.

(٢) النحل : ٦٢.

(٣) كتاب الغيبة ١٨٢ / ح ٣٠.

٢١٠

الباب الخامس والعشرون والمائة

في قوله (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)

من طريق العامة وفيه أربعة أحاديث

الأول : محمد بن العباس من طريق العامة قال : حدّثنا محمد بن الحسين القبيطي عن عيسى بن مهران عن الحسن بن الحسين الغزلي عن علي بن أحمد بن حاتم عن حسن بن عبد الواحد عن حسن بن حسين عن يحيى بن علي بن أسباط عن السدي في قوله (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) قال : علي وأصحابه (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (١) أعداءه. (٢)

الثاني : محمد بن العباس أيضا قال : حدّثنا عبد العزيز عن محمد بن زكريا عن أيوب بن سليمان عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قوله عزوجل (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٣) نزلت في عتبة وشيبة والوليد بن عتبة وهم الذين بارزوا عليا وحمزة وعبيدة ونزلت فيهم (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) (٤) قال في علي وصاحبيه (٥).

الثالث : ابن شهرآشوب عن أبي طالب الهروي بإسناده عن علقمة وأبي أيوب أنه لما نزل (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ) الآيات قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمار : إنه سيكون من بعدي هناة حتى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتى يقتل بعضهم بعضا ، وحتى يتبرأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ، فإن سلك الناس كلّهم واديا فاسلك وادي علي وخلّ عن الناس ، يا عمار إن عليا لا يردّك عن هدى ولا يردك إلى ردى ، يا عمار وطاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله. (٦)

الرابع : من طريق العامة أيضا في قوله تعالى (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) قال علي عليه‌السلام : قلت : يا رسول ما هذه الفتنة؟

__________________

(١) العنكبوت : ١ ، ٢ ، ٣.

(٢) بحار الأنوار ٢٤ / ٢٢٨ ح ٢٦.

(٣) العنكبوت : ٤.

(٤) العنكبوت : ٥.

(٥) بحار الأنوار ٢٤ / ٣١٧ ح ٢٢.

(٦) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٧.

٢١١

قال : يا علي إنك مبتلى بك وإنك المخاصم فأعدّ للخصومة (١). وقال علي في قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) : نحن أولئك (٢).

الباب السادس والعشرون والمائة

في قوله تعالى (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)

من طريق الخاصة وفيه خمسة أحاديث

الأول : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : حدّثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن قال عليه‌السلام : جاء العباس إلى أمير المؤمنين فقال : انطلق نبايع لك الناس ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : أتراهم فاعلين؟ قال : نعم ، فأين قوله (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٣) أي اختبرناهم (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) أي يفوتونا (ساءَ ما يَحْكُمُونَ مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) (٤) قال : من أحب لقاء الله جاءه الأجل (وَمَنْ جاهَدَ) آمال نفسه عن اللذات والشهوات والمعاصي (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ). (٥)

الثاني : محمد بن العباس قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد عن أحمد بن الحسين عن أبيه عن حسين بن مخارق عن عبيد الله بن الحسين عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عن أبيه صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : لما نزلت (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) قال : قلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة؟ قال : يا علي إنك مبتلى بك وأنت مخاصم فأعدّ للخصومة (٦).

الثالث : محمد بن العباس قال : حدّثنا جعفر بن محمد الحسني عن إدريس بن زياد عن الحسن ابن محبوب عن عمرو بن ثابت عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : فسّر لي قوله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان حريصا على أن يكون علي بن أبي طالب عليه‌السلام من بعده على الناس ، وكان عند الله خلاف ذلك فقال : وعنى بذلك قوله عزوجل (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٤ / ٢٢٧ ح ٢٦.

(٢) بحار الأنوار ٣٢ / ١٨١ ح ١٧٥.

(٣) العنكبوت : ١ ، ٢ ، ٣.

(٤) العنكبوت : ٥.

(٥) تفسير القمي : ٢ / ١٤٨.

(٦) بحار الأنوار ٢٤ / ٢٢٧ ح ٢٦.

٢١٢

صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) فرضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله عزوجل (١).

الرابع : محمد بن العباس قال : حدّثنا أحمد بن هودة عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن سماعة بن مهران قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة في المسجد فلمّا كان قرب الصبح دخل أمير المؤمنين عليه‌السلام فناداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا علي ، قال : لبيك ، قال : هلمّ إليّ ، فلمّا دنا منه قال : يا علي بتّ الليلة حيث تراني ، وقد سألت ربي ألف حاجة فقضاها لي ، وسألت لك مثلها فقضاها ، وسألك لك ربي أن يجمع لك أمتي من بعدي فأبى عليّ ربي فقال : (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٢). (٣)

الخامس : الحسين بن علي عليه‌السلام عن أبيه قال : لمّا نزلت (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ) فقلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة؟ قال : يا علي إنك مبتلى ومبتلى بك ، وإنك مخاصم فأعدّ للخصومة. (٤)

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٨ / ٨٢ ح ٤٢.

(٢) العنكبوت : ٢.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ / ٢٢٨ ح ٢٧.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٧.

٢١٣

الباب السابع والعشرون

والمائة في قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)

من طريق العامة وفيه حديث

واحد عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) أي من ترك ولاية علي أعماه الله وأصمّه عن الهدى. (١)

الباب الثامن والعشرون والمائة

في قوله تعالى (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي

فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢).

من طريق الخاصة وفيه ستة أحاديث

الأول : محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن السياري عن علي بن عبد الله قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) قال : من قال بالأئمة واتبع أمر هم ولم يجز طاعتهم. (٣)

الثاني : ابن يعقوب أيضا عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسين عبد الرحمن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) يعني به ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) قال : يعني أعمى البصر في الآخرة ، أعمى القلب في الدّنيا عن ولاية أمير المؤمنين ، قال: وهو متحير في القيامة يقول : رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) قال الآيات الأئمة عليهم‌السلام فنسيتها (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) (٤) يعني تركتها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة عليهم‌السلام ولم تطع أمر هم ولا تسمع قولهم قلت (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (٥) قال : يعني من أشرك بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام غيره

__________________

(١) بحار الأنوار ٣١ / ٤٠٣ ح ١٩.

(٢) طه : ١٢٣ ، ١٢٤.

(٣) الكافي ١ / ٤١٤ ح ١٠.

(٤) طه : ١٢٦.

(٥) طه : ١٢٧.

٢١٤

ولم يؤمن بآيات ربه ، وترك الأئمة معاندة فلم يتبع آثار هم ولم يتولّهم. (١)

الثالث : محمد بن العباس قال : حدّثنا محمد بن همام عن محمد بن إسماعيل العلوي عن داود النجار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام أنه سأل أباه عن قول الله عزوجل (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) (٢) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها الناس اتبعوا هدى الله تهتدوا وترشدوا وهو هداي ، وهداي هدى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فمن اتّبع هداه في حياتى وبعد موتي فقد اتبع هداي ، ومن اتّبع هداي فقد اتبع هدى الله ، ومن اتبع هدى الله (فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) قال : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) في عداوة آل محمد عليهم‌السلام (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (٣) ثم قال الله عزوجل (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) وهم الائمة من آل محمد ، وما كان في القرآن مثلها. (٤)

الرابع : العياشي في تفسيره بإسناده عن الحسين بن سعيد المكفوف كتب إليه في كتاب له: جعلت فداك يا سيدي قوله (فمن اتّبع هداي ومن أعرض عن ذكري) قال : أما قوله (فمن اتّبع هداي) ، من قال بالأئمة واتّبع أمر هم بحسن طاعتهم. (٥)

الخامس : سعد بن عبد الله في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عمر بن عبد العزيز عن رجل عن ابن الميثمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يقول الله عزوجل (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) فقال : هي والله في النصّاب ، قلت : فقد رأيناهم في دهر هم الأطول في كفاية حتى ماتوا ، فقال : ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة. (٦)

السادس : علي بن إبراهيم قال : أخبرنا أحمد بن إدريس قال : حدّثنا أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن المستنير عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قوله: إنّ له معيشة ضنكا قال : هي والله للنصّاب قال : جعلت فداك قد رأيتهم دهر هم الأطول في كفاية حتى ماتوا ، قال : ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة. (٧)

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٣٦ ح ٩٢.

(٢) طه : ١٢٣.

(٣) طه : ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥ ، ١٢٦ ، ١٢٧.

(٤) بحار الأنوار ٢٤ / ١٤٩ ح ٣٠.

(٥) تفسير العياشى ٢ / ٢٠٦ ح ٢١.

(٦) مختصر البصائر : ١٨.

(٧) تفسير القمي ٢ / ٦٥.

٢١٥

الباب التاسع والعشرون والمائة

في قوله تعالى (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى).

من طريق العامة وفيه حديث واحد

الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) (١) والله هو محمد وأهل بيته ، ومن اهتدى فهم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٢)

الباب الثلاثون والمائة

في قوله تعالى (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى).

من طريق الخاصة وفيه ستة أحاديث

الأول : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رباب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : نحن والله سبيل الله الذي أمر الله باتّباعه ، ونحن والله الصراط المستقيم ، ونحن والله الذين أمر الله العباد بطاعتهم ، فمن شاء فليأخذ من هنا ، ومن شاء فليأخذ من هناك ، لا تجدون والله عنها محيصا. (٣)

الثاني : علي بن إبراهيم عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) إلى قوله (وَمَنِ اهْتَدى) (٤) قال : إلى ولايتنا. (٥)

الثالث : محمد بن العباس بن ماهيار الثقة قال : حدّثنا علي بن عبد الله بن راشد عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن إبراهيم بن محمد بن ميمون عن عبد الكريم بن يعقوب عن جابر قال : سئل محمد بن علي الباقر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) قال : اهتدى إلى ولايتنا. (٦)

الرابع : محمد بن العباس عن علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد عن إسماعيل بن بشار عن

__________________

(١) طه : ١٣٥.

(٢) بحار الأنوار ٢٤ / ١٦ ح ٢١.

(٣) تفسير القمي ٢ / ٦٧.

(٤) طه : ٦٢.

(٥) تأويل الآيات : ١ / ٣٢٢ عن علي بن إبراهيم وليس هو في تفسيره المطبوع.

(٦) بحار الأنوار ٢٤ / ١٥٠ ح ٣٢.

٢١٦

علي بن جعفر عن الحضرمي عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) قال : عليّ صاحب الصراط السوي ، ومن اهتدى أي إلى ولايتنا أهل البيت. (١)

الخامس : محمد بن العباس قال : حدّثنا محمد بن همام عن محمد بن إسماعيل العلوي عن عيسى بن داود النجار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألت أبي عن قول الله عزوجل (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) قال : الصراط هو القائم ، والهدى من اهتدى إلى طاعته ومثلها في كتاب الله عزوجل (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٢) قال : إلى ولايتنا. (٣)

السادس : سعد بن عبد الله في كتاب بصائر الدرجات عن المعلّى بن محمد البصري قال : حدّثنا أبو الفضل المدني عن أبي مريم الأنصاري عن المنهال بن عمرو عن رزين بن حبش عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إذا دخل الرجل حفرته أتاه ملكان اسمهما منكر ونكير ، فأوّل ما يسألانه عن ربه ثم عن نبيّه ثم عن وليّه ، فإن أجاب نجا وإن تحيّر عذّباه ، فقال رجل : فما حال من عرف ربه ونبيه ولم يعرف وليّه؟ قال : مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ، فذلك لا سبيل له ، وقد قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من وليّنا يا نبي الله؟ فقال : وليّكم في هذا الزمان علي ومن بعده وصيّه ، لكلّ زمان عالم يحتج الله به لئلّا يكون كما قال الضّلال قبلهم حين فارقهم أنبياؤهم : ربنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى ، فما كان من ضلالتهم وهي جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء فأجابهم الله عزوجل (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) (٤) وإنما كان تربصهم أن قالوا : نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتى نعرف إماما ، فعرفهم الله بذلك ، والأوصياء هم أصحاب الصراط وقوفا عليه ، لا يدخل الجنة إلّا من عرفهم وعرفوه ، لا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه لأنهم عرفاء الله عرّفهم عليهم عند أخذه المواثيق عليهم ووصفهم في كتابه فقال عزوجل (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (٥) وهم الشهداء على أوليائهم ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الشهيد عليهم ، وأخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، وأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المواثيق بالطاعة ، فجرت نبوّته عليهم ، وذلك قول الله عزوجل : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٤ / ١٥٠ ح ٣٣.

(٢) طه : ٨٢.

(٣) بحار الأنوار ٢٤ / ١٥٠ ح ٣٤.

(٤) طه : ١٣٥.

(٥) الاعراف : ٤٦.

(٦) بصائر الدرجات ٤٩٨ / ٩.

٢١٧

الباب الحادي والثلاثون والمائة

في قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١)

من طريق العامة وفيه حديثان

الأول : إبراهيم بن محمد الحمويني قال : أخبرني الشيخ أبو عبد الله علي بن أبي بكر بن الخلال إذنا بدمشق ، أخبرتنا الشيخة الأصيلة أمّ الفضل كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر القرشي سماعا ، أنبأنا الشيخان أبو الخير محمد بن أحمد بن عمر الباغبان ، ومسعود بن الحسن بن القاسم الثقفي إجازة قالا : أنبأنا أبو عمر وعبد الوهاب ابن الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة قال : أنبأنا [أبي أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ قال : أنبأنا] خيثمة بن سليمان قال : أنبأنا أحمد بن حازم الغفاري قال : أنبأنا عمرو بن حماد قال : أنبأنا أسباط بن نصر قال : حدّثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس أنّ عليا صلوات الله عليه كان يقول في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّ الله عزوجل يقول (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتل على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله إني لأخوه ووليّه وابن عمه ووارثه ، ومن أحقّ به مني؟ (٢)

الثاني : ابن شهرآشوب أورده من طريق العامة بإسناده عن سعد بن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) يعني بالشاكرين صاحبك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والمرتدّين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه. (٣)

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) فرائد السمطين : ج ١ / ص ٢٢٤ / ب ٤٤ / ح ١٧٥.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٨٥.

٢١٨

الباب الثاني والثلاثون والمائة

في قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ)

من طريق الخاصة وفيه عشرة أحاديث

الأول : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يوم أحد وعهد العاهد به على تلك الحال ، فجعل الرجل يقول لمن لقاه : إنّ رسول الله قد قتل ، النجا ، فلمّا رجعوا إلى المدينة أنزل الله (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١) يقول : إلى الكفر. (٢)

الثاني : محمد بن يعقوب بإسناده عن حنّان عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ثلاثة ، فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ، ثم عرّف أناسا بعد يسير وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين عليه‌السلام مكرها فبايع ، وذلك قول اللهعزوجل (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). (٣)

الثالث : محمد بن يعقوب بإسناده عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ العامة يزعمون ان بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا لله عز ذكره وما كان ليفتن أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده فقال أبو جعفر عليه‌السلام أو ما يقرءون كتاب الله أو ليس يقول (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) قال : فقلت له: إنهم يفسّرون على وجه آخر ، فقال : أو ليس قد أخبر الله عزوجل عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) حيث قال (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) تفسير القمي ١ / ١١٩.

(٣) الكافي ٨ / ٢٤٥ ح ٣٤١.

٢١٩

وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (١). (٢)

الرابع : الشيخ في أماليه بإسناده عن ابن عباس رحمه‌الله أن عليا عليه‌السلام كان يقول في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل يقول (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) والله لا تنقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله إنّي لأخوه ووارثه وابن عمه ، فمن أحقّ به مني؟ (٣)

الخامس : العياشي بإسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان الناس أهل ردّة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ثلاثة ، فقلت : ومن الثلاثة؟ قال : المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسي ، ثم عرّف أناسا بعد يسير فقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين عليه‌السلام مكرها فبايع ، وذلك قول الله (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٤). (٥)

السادس : العياشي بإسناده عن المفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلّا أربعة : علي والمقداد وسلمان وأبو ذر ، فقلت: فعمار؟ فقال : إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء فهؤلاء الثلاثة (٦).

السابع : العياشي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في كلام له يوم الجمل : يا أيها الناس إنّ الله تبارك اسمه وعزّ جنده لم يقبض نبيا قط حتى يكون له في أمّته من يهدي بهداه ، ويقصد سيرته ، ويدل على معالم سبيل الحق الذي فرض الله على عباده ، ثم قرأ (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (٧).

الثامن : العياشي بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ العامة تزعم أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع لها الناس كانت رضا لله ، وما كان الله ليفتن أمة محمد من بعده ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : وما يقرءون كتاب الله؟ أليس الله يقول (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) الآية.

قال : فقلت له : إنّهم يفسّرون هذا على وجه آخر قال : فقال : أو ليس قد أخبر الله عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات حين قال (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ

__________________

(١) البقرة : ٢٥٣.

(٢) الكافي ٨ / ٢٧٠ ح ٣٩٨.

(٣) أمالي الطوسي ٥٠٢ / ح ١٠٩٩.

(٤) آل عمران : ١٤٤.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٩٩ ح ١٤٨.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٩٩ ح ١٤٨.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٠٠ ح ١٥٠.

٢٢٠