غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٤

ابن سعيد عن فضاله بن أيوب عن أبان بن عثمان عن أبي الجارود عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) قال : «الاذان علي عليه‌السلام»(١).

الحديث السابع : ابن بابويه قال : حدّثنا أحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدّثنا محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن اسباط عن سيف بن عميرة عن الحرث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول اللهعزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) فقال : «اسم نحله الله علياعليه‌السلام من السماء لأنه هو الذي أدى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله براءة وقد كان بعث بها مع أبي بكر أولا فنزل عليه جبرائيل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن الله يقول لك : إنه لا يبلغ عنك إلّا أنت أو رجل منك فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك عليا عليه‌السلام فلحق أبا بكر وأخذ الصحيفة من يده ومضى بها إلى مكة فسماه الله أذانا من الله إنه اسم نحله الله من السماء لعلي عليه‌السلام» (٢).

الحديث الثامن : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضى الله عنه قال : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى بالبصرة قال : حدثني المغيرة ابن محمد قال : حدّثنا رجا بن سلمة عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالكوفة منصرفه من النهروان وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه فقام خطيبا فحمد الله واثنى عليه وصلّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر الخطبة إلى أن قال فيها : «وأنا المؤذن في الدنيا والآخرة قال الله عزوجل : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) أنا ذلك المؤذن» : وقال «(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) فأنا ذلك الاذان» (٣).

الحديث التاسع : ابن بابويه قال : حدّثنا محمد بن الحسن رضى الله عنه قال : حدّثنا محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاشاني عن القاسم بن محمد الأصفهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) فقال : قال أمير المؤمنين : «كنت أنا الاذان في الناس» قلت : ما معنى هذه اللفظة الحج الأكبر؟ قال : «إنما سمي الأكبر لأنها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة» (٤).

الحديث العاشر : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضى الله عنه قال :

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٩٨ / ١.

(٢) معاني الأخبار : ٢٩٨ / ٢.

(٣) معاني الأخبار : ٥٨ / ٩.

(٤) معاني الأخبار : ٢٩٦ / ٥.

٨١

حدّثنا أبو سعيد النسوي قال : حدثني إبراهيم بن محمد بن هارون قال : حدّثنا أحمد بن أبي الفضل البلخي قال : حدّثنا خالي يحيى بن سعيد البلخي عن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب قال : «بينما أنا أمشي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض طرقات المدينة إذ لقينا شيخ طويل كثّ اللحية بعيد ما بين المنكبين فسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورحب به ثم التفت إليّ فقال : السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة الله وبركاته أليس كذلك هو يا رسول الله؟ فقال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : بلى ثم مضى ، فقلت : يا رسول الله ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ وتصديقك له؟ قال : أنت كذلك والحمد لله أن الله تعالى قال في كتابه (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) والخليفة المجعول فيها آدم عليه‌السلام ، وقال عزوجل : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) وهو الثاني ، وقال عزوجل حكاية عن موسى حين قال لهارون : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) فهو هارون إذ استخلفه موسى عليه‌السلام في قومه وهو الثالث ، وقال الله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) فكنت أنت المبلغ عن الله تعالى وعن رسوله ، وأنت وصيي ووزيري وقاضي ديني والمؤدي عني ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ، فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ ، أولا تدري من هو؟ قلت : لا قال : ذاك أخوك الخضر عليه‌السلام فاعلم» (١).

الحادي عشر : ابن بابويه قال : حدّثنا أبي رضى الله عنه قال : حدّثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الاصبهاني عن سليمان بن داود المنقري قال : حدّثنا الفضيل بن غياض عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الحج الأكبر فقال : «أعندك فيه شيء» فقلت : نعم كان ابن عباس يقول : الحج الأكبر يوم عرفة يعني أنه من ادرك يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج ومن فاته ذلك فاته الحج فجعل ليله عرفه لما قبلها ولما بعدها ، والدليل على ذلك أنه من أدرك ليلة النحر إلى طلوع الفجر فقد أدرك الحج واجزى عنه من عرفة فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الحج الأكبر يوم النحر واحتج بقول الله عزوجل : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر ، ولو كان الحج الأكبر يوم عرفة لكان السيح أربعة أشهر ويوما واحتج بقولهعزوجل: (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) وكنت أنا الأذان في الناس» قلت له : فما معنى هذه اللفظة الحج الأكبر؟ فقال : «إنما سمّي الأكبر لأنها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة» (٢).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ١٣ ح ٢٣.

(٢) معاني الأخبار : ٢٩٦ / ٥.

٨٢

الباب السابع والستون

في قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (١)

من طريق العامة وفيه ستة أحاديث

الحديث الأول : محمد بن بن العباس في تفسيره من طريق العامة قال : حدّثنا علي بن عبيد ومحمد بن القاسم قالا : حدّثنا حسين حكم عن حسين بن حسان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح في قوله عزوجل : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : نزلت في عليعليه‌السلام خاصة (٢).

الحديث الثاني : ابن شهرآشوب في مناقبه من طريق المخالفين عن تفسير أبي يوسف يعقوب ابن سفيان النسوي والكلبي ومجاهد وأبي صالح والمغربي عن ابن عباس أنه رأت حفصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجرة عائشة مع مارية القبطية فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتكتميني على حديثي» قالت : نعم ، قال : «إنها عليّ حرام لطيب (٣) قلبها» فأخبرت عائشة وبشرتها من تحريم مارية ، فكلمت عائشة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك فنزل (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) ... إلى قوله (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : صالح المؤمنين والله علي ، يقول الله والله حسبه (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ).

عن البخاري والموصلي قال ابن عباس : سألت عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين فقال : حفصة وعائشة (٤).

الحديث الثالث : السري عن أبي مالك عن ابن عباس وأبي بكر الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام والثعلبي بالاسناد عن موسى بن جعفر عليه‌السلام وعن أسماء بنت عميس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا : «(وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) علي بن أبي طالب» (٥).

الحديث الرابع : ومن طريق المخالفين أيضا عن ابن عباس قوله : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) نزلت في عائشة وحفصة (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) نزلت

__________________

(١) التحريم : ٤.

(٢) تأويل الآيات : ٢ / ٦٩٩ ح ٤.

(٣) في المصدر : ليطيب.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٧٤.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٧٤.

٨٣

في علي خاصة (١).

الحديث الخامس : أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن عبد ابن جعفر عن أسماء بنت عميس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ هذه الآية (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : صالح المؤمنين علي بن أبي طالب (٢).

الحديث السادس : الثعلبي في تفسير الآية قال : أخبرني ابن فنجويه حدّثنا أبو علي المقري حدثني أبو القاسم ابن الفضل حدّثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر حدّثنا محمد بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : حدثني رجل ثقة رفعه إلى علي بن أبي طالب قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : «هو علي بن أبي طالب» (٣).

__________________

(١) كنز العمال : ٢ / ٥٣٩ ح ٤٦٧٥ ، والتعريف والاعلام للسهيلي : ١٣٣ سورة التحريم ، ومجمع الزوائد : ٩ / ٣١١.

(٢) خصائص الوحي المبين : ٢٤٨ / ح ٢٠١ عنه.

(٣) العمدة : ٢٩٠ / ٤٧٥.

٨٤

الباب الثامن والستون

في قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)

من طريق الخاصة وفيه خمسة أحاديث

الأول : محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره فيما نزل في أهل البيت عليهم‌السلام اورد في هذه الآية اثنين وخمسين حديثا من طريق الخاصة والعامة منها قال : حدّثنا جعفر بن محمد الحسيني عن عيسى بن مهران عن محلول بن إبراهيم عن عبد الرّحمن بن الاسود عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع : قال لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غشي عليه ثم افاق وأنا ابكي واقبل يديه وأقول : من لي وولدي بعدك يا رسول الله؟ قال : «لك الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين علي بن أبي طالب» (١).

الحديث الثاني : محمد بن العباس قال : حدّثنا محمد بن سهل القطان عن عبد الله بن محمد البدوي عن إبراهيم بن عبيد الله القلّاء عن سعيد بن مربوع عن أبيه عن عمار بن ياسر رضى الله عنه قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : «دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ألا أبشّرك؟ قلت : بلى يا رسول الله وما زلت مبشرا بالخير قال : قد أنزل الله فيك قرانا قال : قلت : وما هو يا رسول الله؟ قال : قرنت بجبرائيل ثم قرأ : (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) فأنت والمؤمنون من بنيك الصالحون» (٢).

الحديث الثالث : محمد بن العباس قال : حدّثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عرف أصحابه أمير المؤمنين مرتين ، وذلك أنه قال لهم : أتدرون من وليكم من بعدي قالوا الله ورسوله أعلم فإن الله تبارك وتعالى قد قال : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام «وهو وليكم من بعدي» والمرة الثانية يوم غدير خم حين قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ٢ / ٦٩٨ ح ١.

(٢) تأويل الآيات : ٢ / ٢٩٨ ح ٢.

(٣) تأويل الآيات : ٢ / ٢٩٩ ح ٣.

٨٥

الحديث الرابع : ابن بابويه بإسناده عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «معاشر الناس «من احسن من الله قيلا» (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) معاشر الناس إن ربكم جلّ جلاله أمرني أن اقيم لكم عليا علما وإماما وخليفة ووصيا ، وأن أتخذه أخا ووزيرا.

معاشر الناس إن عليا باب الهدى بعدي والداعي إلى ربي وهو صالح المؤمنين (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

معاشر الناس إن عليا منّي ولده ولدي وهو زوج حبيبتي أمره أمري ونهيه نهي ، أيها الناس عليكم بطاعته واجتناب معصيته فإن طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي ، معاشر الناس إن عليا صديق هذه الأمة وفاروقها ومحدثها أنه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها أنه باب حطها وسفينة نجاتها انه طالوتها وذو قرنيها ، معاشر الناس انه محنة الورى والحجة العظمى والآية الكبرى وإمام الهدى والعروة الوثقى ، معاشر الناس ان عليا مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، معاشر الناس إن عليا قسيم النار لا يدخل النار ولي له ولا ينجو منها عدو له ، انه قسيم الجنة لا يدخلها عدو له ولا يتزحزح منها ولي له ، معاشر أصحابي قد نصحت لكم وبلغتلكم رسالة ربي ، ولكن لا تحبون الناصحين أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم» (١).

الحديث الخامس : علي بن إبراهيم في تفسيره حدّثنا محمد بن جعفر قال : حدّثنا عبد الله بن محمد عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٢).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٨٣ / ٤٩.

(٢) تفسير القمي : ٢ / ٣٧٧.

٨٦

الباب التاسع والستون

في قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١)

من طريق العامة وفيه تسعة أحاديث

الحديث الأول : أبو المؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة من كتاب (فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام) أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن حبيب المفسّر من أصل كتابه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أخبرنا أبو بكر الفضل بن جعفر الصيدلاني الواسطي بواسط حدّثنا زكريا بن يحيى بن حمويه بن سنان بن هارون عن الأعمش عن علي بن ثابت عن زر بن جيش عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال : «ضمني رسول الله وقال لي : أمرني ربي أن ادنيك ولا أقصيك وأن تسمع وتعي ، وحق على الله أن تسمع وتعي فنزلت هذه الآية (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)» (٢).

الحديث الثاني : الموفق بن أحمد أيضا بإسناده السابق عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الصنعاني بمرو وأخبرنا أبو رجاء محمد بن حمدويه السبحي أخبرنا العلاء بن مسلمة أبو سالم البغدادي أخبرنا أبو قتادة الحسن بن عبد الله بن واقد عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لما نزلت (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سألت ربي عزوجل أن يجعلها اذن علي» قال علي كرم الله وجهه : «ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا إلّا ووعيته وحفظته ولم انسه» (٣).

الحديث الثالث : الثعلبي في تفسير قوله تعالى : (أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال : أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حيان حدّثنا إسحاق بن مجه حدّثنا أبي حدّثنا إبراهيم بن عيسى حدّثنا علي بن علي حدثني أبو حمزة الثمالي حدثني عبد الله بن الحسين قال حين نزلت هذه الآية : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سألت الله عزوجل أن يجعلها اذنك يا علي» قال علي : «فما نسيت

__________________

(١) الحاقة : ١٢.

(٢) المناقب : ٢٨٢ / ح ٢٧٦.

(٣) المناقب : ٢٨٢ / ح ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

٨٧

شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنساه» (١).

الحديث الرابع : الثعلبي أخبرني ابن فنجويه حدّثنا ابن حبش حدّثنا أبو القاسم بن الفضل حدّثنا محمد بن غالب بن حرب حدّثنا بشر بن آدم حدّثنا عبد الله بن الزبير الاسدي حدّثنا صالح ابن هيثم قال : سمعت بريدة الأسلمي يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «إن الله عزوجل أمرني أن ادنيك ولا اقصيك ، وأن اعلمك وأن تعي ، وحق على الله أن تعي ، قال فنزلت : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)» (٢).

الحديث الخامس : الحافظ أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن الله عزوجل أمرني أن ادنيك واعلمك لتعي ، وأنزل علي هذه الآية (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) فانت الأذن الواعية» (٣).

الحديث السادس : أبو نعيم بإسناده عن مكحول عن علي عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال علي عليه‌السلام : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إليّ إليّ علي عليه‌السلام» (٤).

الحديث السابع : عن ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) من علماء المعتزلة قال : روى أن رسول الله لما قرأ (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال : «اللهم اجعلها اذن علي» فقيل له : «قد اجيبت دعوتك» (٥).

الحديث الثامن : المالكي في (الفصول المهمة) عن مكحول عن علي بن أبي طالب وقوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سألت الله عزوجل أن يجعلها اذنك يا علي ففعل» فكان علي رضى الله عنه يقول : «ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلاما إلّا وعيته وحفظته ولم أنسه» (٦).

الحديث التاسع : أبو نعيم الأصفهاني في كتاب (حلية الأولياء) من الجزء الأول قال : عن محمد ابن عمر بن سالم قال : حدّثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي ، فأنزل الله هذه الآية (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) فقال : «أنت أذن واعية لعلمي» (٧).

__________________

(١) العمدة : ٢٨٩ / ٤٧٣ عن الثعلبي.

(٢) العمدة : ٢٩٠ / ٤٧٤ عن الثعلبي.

(٣) شواهد التنزيل : ٢ / ٣٦٣ ح ١٠٠٩.

(٤) المصدر السابق.

(٥) شرح النهج : ١٨ / ٣٧٥ عند شرح قوله : ما شككت في الحق ، رقم ١٥٨.

(٦) ينابيع المودة : ١ / ٣٦٠ ، وكشف الغمة : ١ / ٣٢٩.

(٧) حلية الأولياء : ١ / ٦٧.

٨٨

الباب السبعون

في قوله تعالى (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)

من طريق الخاصة وفيه ثمانية أحاديث

الحديث الأول : محمد بن يعقوب عن أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله عن يحيى ابن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لما نزلت (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذنك يا علي» (١).

الحديث الثاني : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضى الله عنه قال : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى بالبصرة قال : حدثني المغيرة بن محمد قال : حدّثنا رجا بن سلمة عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام عن عليعليه‌السلام قال : «أنا الأذان الواعية يقول الله عزوجل : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)» (٢).

الحديث الثالث : محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره اورد ثلاثين حديثا من الخاص والعام منها ما رواه عن محمد بن سهل القطان عن محمد بن عمر الدهقان عن محمد بن كثير عن الحرث بن الحضيرة عن أبي داود عن أبي بريدة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أني سألت الله ربي أن يجعل لعلي اذنا واعية فقيل لي : قد فعل ذلك به» (٣).

الحديث الرابع : محمد بن العباس عن أحمد بن جرير الطبري عن أحمد بن عبد الله المروزي عن يحيى بن صالح عن علي خوشب الفزاري عن مكحول في قوله عزوجل : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سألت الله أن يجعلها اذن علي» قال وكان علي عليه‌السلام يقول : «ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا إلّا حفظته ولم أنسه» (٤).

الحديث الخامس : ابن العباس عن الحسين بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرّحمن عن سالم الأشل عن سالم بن طريف عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال : «الأذن الواعية اذن علي عليه‌السلام ، وعى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو حجة الله على خلقة من

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٢٣ ح ٥٧.

(٢) معاني الأخبار : ٥٩ / ٩.

(٣) تأويل الآيات : ٢ / ٧١٥ ح ٣.

(٤) تأويل الآيات : ٢ / ٧١٥ ح ٤.

٨٩

أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله» (١).

الحديث السادس : محمد بن العباس عن علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن إسماعيل بن بشار عن علي بن جعفر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام قال : «جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام وهو في منزله فقال : يا علي نزلت عليّ الليلة هذه الآية (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) وإني سألت الله ربي أن يجعلها اذنك قلت : اللهم اجعلها اذن علي ففعل» (٢).

الحديث السابع : العياشي في تفسيره عن الأصبغ بن نباتة في حديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال فيه : «والله أنا الذي أنزل فيّ (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) فإنا (٣) كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا ومن يعيه ، فإذا خرجنا قالوا : ما ذا قال آنفا؟» (٤).

الحديث الثامن : محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن محمد بن عيسى عن أبي محمد الأنصاري عن صباح المزني عن الحرث بن حضيرة المزني عن الاصبغ بن نباته قال لما قدم علي الكوفة صلى بهم أربعين صباحا يقرأ بهم سبّح اسم ربك الأعلى فقال المنافقون : والله ما يحسن أن يقرأ علي بن أبي طالب القرآن ولو أحسن أن يقرأ لقرأنا غير هذه السورة لفعل قال : فبلغه ذلك فقال : «ويلهم إني لأعرف ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وفصله من وصله وحروفه من معانية ، والله ما حرف نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا وأنا اعرف فيمن أنزل وفي أي يوم نزل وفي أي موضع نزل ، ويلهم أما يقرءون (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) والله هي عندي ورثتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وورثها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من إبراهيم وموسى، ويلهم والله إني أنا الذي أنزل الله فيّ (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) فإنا كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم فإذا خرجنا قالوا : ما ذا قال آنفا؟» (٥).

__________________

(١) تأويل الآيات : ٢ / ٧١٥ ح ٥.

(٢) تأويل الآيات : ٢ / ٧١٦ ح ٦.

(٣) في المصدر : فإنما.

(٤) تفسير العياشي : ١ / ١٤ ح ١.

(٥) بصائر الدرجات : ١٣٥ / ٣.

٩٠

الباب الحادي والسبعون

في قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (١)

من طريق العامة وفيه أربعة أحاديث

الحديث الأول : أبو المؤيد اخطب خوارزم موفق بن أحمد من علماء العامة في كتاب (فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام) قال : أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد العباس بن محمد بن أبي منصور الغضاري الطوسي فيما كتب إلى من نيسابور أخبرنا القاضي أبو سعيد بن محمد بن سعيد بن محمد بن الفرخزادي أخبرنا الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد الشيباني العدل أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي حدثنا أبي محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الخوارزمي ابن عم الاحنف بن قيس أخبرنا أحمد بن حماد المروزي أخبرنا محبوب بن حميد البصري وسأله عن هذا الحديث روح بن عبادة أخبرنا القاسم بن مهران عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال : الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي وأخبرنا أيضا عبد الله ابن حامد أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني حدّثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سهيل عن علي بن مهران الباهلي بالبصرة أخبرنا أبو مسعود عبد الرّحمن بن فهر بن هلال حدّثنا القاسم بن يحيى عن أبي علي العنزي عن محمد ابن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) قال : مرض الحسن والحسين (رضى الله عنهما) فعادهما جدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامة العرب فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء ، فقال عليه‌السلام : «إن برءا ولداي مما [بهما] صمت ثلاثة أيام شكرا» وقالت فاطمة عليها‌السلام مثل ذلك وقالت جارية يقال لها فضة : إن برءا سيداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا فالبس الله الغلامين العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي عليه‌السلام إلى شمعون الخيبري وكان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصواع من الشعير (٢).

وفي حديث المزني عن ابن مهران الباهلي فانطلق علي عليه‌السلام إلى جار له من اليهود يعالج الصوف

__________________

(١) الانسان : ٧.

(٢) المناقب : ٢٦٧ / ح ٢٥٠.

٩١

يقال له : شمعون بن جابا فقال : «هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة أصواع من شعير» قال : نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت وأطاعت ثم قامت فاطمة إلى صاع وطحنته واخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص وصلّى علي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني شيئا اطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي رضى الله عنه فبكى فأنشأ يقول :

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس اجمعين

أما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكوا إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائع حزين

كل امرئ بكسبه رهين

وفاعل الخيرات يستبين

موعده جنة عليين

حرمها الله على الظنين

وللبخيل موقف مهين

تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

فقالت فاطمة رضي الله عنها :

أمرك يا بن العم سمع طاعة

ما بي من لؤم ولا ضراعة

غذيت من خبز له صناعة

اطعمة ولا أبالي الساعة

ارجو إذا اشبعت ذا مجاعة

ان ألحق الاخيار والجماعة

وادخل الخلد ولي شفاعة

قال : فأعطوه الطعام باجمعه ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلّا الماء القراح ، فلما ان كان في اليوم الثاني قامت فاطمة عليها‌السلام إلى صاع فطحنته واختبزته وصلّى علي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم سائل يتيم فوقف بالباب وقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة اطعموني اطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي رضى الله عنه فقال :

فاطم بنت السيد الكريم

بنت بني ليس بالزنيم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم

قد حرم الخلد على اللئيم

٩٢

يزلّ في النار إلى الجحيم

شرابه الصديد والحميم

فقالت فاطمة عليها‌السلام :

إني لأعطيه ولا أبالي

واوثر الله على عيالي

امسوا جياعا وهم أشبالي

أصغرهما يقتل في القتال

بكربلاء يقتل باغتيالي

للقاتل الويل مع الوبال

تهوي به النار إلى سفالي

مصفد اليدين بالاغلال

كبوله زادت على الأكبال

قال : فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلّا الماء القراح ، فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة عليها‌السلام إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته وصلّى علي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم أسير فوقف بالباب ، وقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله تأسروننا وتشدوننا ولا تطعمونا اطعموني ، فاني أسير محمد اطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي فقال :

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيد مسدد

هذا أسير للنبي المهتد

مكبل في غله مقيّد

يشكو إلينا الجوع قد تمرد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فاطعمي من غير من أنكد

حتى تجازي بالذي لا ينفد

فقالت فاطمة رضي الله عنها :

لم يبق مما جئت غير صاع

قد دميت كفي مع الذراع

ابناي والله من الجياع

أبو هما للخير ذو اصطناع

يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين طويل الباع

وما على رأسي من قناع

إلّا قناع نسجه من صاع

قال : فاعطوه ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلّا الماء القراح ، فلما إن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذورهم أخذ علي بيده اليمنى الحسن وأخذ بيده اليسرى الحسين واقبل نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا أبا الحسن ما أشد ما يسؤني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة» فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي ، وقد

٩٣

لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا» فهبط جبرائيل عليه‌السلام فقال : يا محمد خذ هنأك الله في أهل بيتك ، قال : وما ذا آخذ يا جبرئيل؟ فأقرأه (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) إلى قوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) إلى آخر السورة وزاد ابن مهران في هذا الحديث قال : فوثب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى دخل على فاطمة فلما رأى ما بهم انكب عليهم يبكي ثم قال : «أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم» فهبط جبرائيلعليه‌السلام بهذه الآيات (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) قال : هي عين في دار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تفجر إلى دور الأنبياء عليهم‌السلام والمؤمنين (١).

الحديث الثاني : أبو المؤيد موفق بن أحمد قال : أخبرني الشيخ الإمام الحافظ سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إليّ من همدان أخبرنا الشيخ الإمام عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني إجازة أخبرنا الشيخ أبو طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري في داره بأصبهان في سكة الخوز حدّثنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني اخ محمد بن أحمد بن سالم حدّثنا إبراهيم بن أبي طالب النيشابوري أخبرنا محمد بن النعمان بن شبل حدّثنا يحيى بن أبي زوق الهمداني عن أبيه عن الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة ـ رضي الله عنها ـ ظلا صائمين حتى إذا كان في آخر النهار، واقترب الإفطار قامت فاطمة إلى شيء من الطحين كان عندها فخبزته قرص ملة ، وكان عندها نحي فيه شيء من سمن قليل فأدمت القرصة الملة شيء من السمن ينتظران بهما افطارهما ، فاقبل مسكين رافع صوته ينادي : المسكين الجائع المحتاج فهتف على بابهم فقال علي لفاطمة : «عندك شيء تطعمينه هذا المسكين الجائع المحتاج» قالت فاطمة : «هيّأت قرصا وكان في النحى شيء من سمن فجعلته فيه انتظر به افطارنا» فقال علي : «آثري به بهذا المسكين الجائع المحتاج» فقامت فاطمة بالقرص مأدوما فدفعته إلى المسكين فجعله المسكين في حضنه ، فخرج من عندهما متوجها يأكل من حضن نفسه.

فأقبلت امرأة معها صبي صغير ينادي : اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم ولا أحد فلما رأت المرأة التي معها اليتيم المسكين يأكل من حضن نفسه اقبلت باليتيم فقالت : يا عبد الله اطعم هذا

__________________

(١) المناقب : ٢٦٨ / ح ٢٥١.

٩٤

اليتيم المسكين مما اراك تأكل فقال لها المسكين : لا لعمرك الله ما كنت لا طعمك من رزق ساقه الله إليّ ، ولكني ادلك على من اطعمني فقالت : دلني عليه فقال لها : أهل ذلك البيت الذي ترين وأشار إليه من بعيد فإن في ذلك البيت رجلا وامرأة اطعمانيه قالت المرأة : فإن الدال على الخير كفاعله.

قال المسكين وإني لأرجو أن يطعما يتيمك كما اطعماني ، فاقبلت باليتيم حتى وردت بباب علي وفاطمة (ره) ونادت : يا أهل المنزل اطعموا اليتيم المسكين الذي لا أم له ولا أب اطعموه من فضل ما رزقكم الله فقال علي لفاطمة : «عندك شيء؟» قالت : «فضل طحين عندي فجعلتها حريرة وليس عندنا شيء غيره وقد اقترب الإفطار» فقال لها علي : «آثري به هذا اليتيم فما عند الله خير وابقى» فقامت فاطمة عليها‌السلام بالقدر بما فيها فكبتها في حضن المرأة فخرجت المرأة تطعم الصبي اليتيم مما في حضنها فلم تجز بعيدا حتى اقبل أسير من اسراء المشركين ينادي : الأسير الغريب الجائع فلما نظر الأسير إلى المرأة تطعم الصبي من حضنها اقبل إليها وقال : يا أمة الله اطعميني مما أراك تطعميه هذا الصبي قالت المرأة للأسير : لا لعمرك والله ما كنت لأطعمك من رزق رزقه الله هذا اليتيم المسكين ولكني أدلك على من اطعمني كما دلني عليه سائل قبلك ، قال لها الأسير : وإن الدال على الخير كفاعله قالت له : آت أهل ذلك المنزل الذي ترى ، فإن فيه رجلا وامرأة اطعما مسكينا وسائلا قبل اليتيم.

فانطلق الأسير إلى باب علي وفاطمة فهتف بأعلى صوته : يا أهل المنزل أطعموا الأسير الغريب المسكين من فضل ما رزقكم الله تعالى فقال علي لفاطمة : «أعندك شيء؟» قالت : «ما عندي طحين اصبت فضل تميرات فخلصتهن من النواة وعصرت النحي فقطرته على التميرات دققت ما كان عندي من فضل الأقط فجعلته حيسا فما فضل عندنا شيء نفطر عليه غيره» فقال لها علي عليه‌السلام : «آثري به هذا الأسير الغريب المسكين» فقامت فاطمة بذلك الحيس ودفعته إلى الأسير وباتا يتضوران من الجوع على غير إفطار ولا عشاء ولا سحور ثم أصبحا صائمين حتى أتاها الله تعالى برزقهما عند الليل وصبرا على الجوع ، فنزل في ذلك (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي : على شدة شهوتهم له مسكينا قرص له ، ويتيما حريرة واسيرا حيسا (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) بخير عن ضميرهما (لِوَجْهِ اللهِ) يقول : إرادة ما عند الله من الثواب (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ) في الدنيا جزاء يعني ثوابا ولا شكورا يقول حدثنا تثنون به عليا (إِنَّا نَخافُ) يخبر عن ضميرهما (مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) قال : العبوس تقبض ما بين العينين من أهواله وخوفه ، والقمطرير الشديد (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) يقول : خوف ذلك اليوم (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) يقول : بهجات الجنة (وَسُرُوراً) يقول ما يسرهما

٩٥

من قرة العين بالجنة (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) يقول : وأثابهم بما صبروا أي على الجوع حتى آثروا بالطعام لإفطارهم المسكين واليتيم والأسير حبسا وحريرا (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) الأرائك الأسرة المرمولة بالدر والياقوت والزبر جد في عليين مضروبة عليها الحجال (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً) يؤذيهم حرها (وَلا زَمْهَرِيراً) يقول : يعني لا يؤذيهم برده (وَدانِيَةً) قريبة (عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ) عليهم (قُطُوفُها) يعني قربت الثمار منهم (تَذْلِيلاً) يأكلونها قياما وقعودا (مُتَّكِئِينَ) يعني مستلقين على ظهورهم ليس القائم بأقدر عليها من المتكي ، وليس المتكى بأقدر عليها من المستلقى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) من الوصفاء (مُخَلَّدُونَ) قالوا : مسورون بأسورة الذهب والفضة ويقال : مخلدون لم يذوقوا طعم الموت قط إنما خلقوا خدما لأهل الجنة (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ) من بياضهم وحسنهم (لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) لكثرتهم فشبه بياضهم وحسنهم باللؤلؤ وكثرتهم بالمنثور (١).

الحديث الثالث : إبراهيم بن محمد الحمويني في كتاب (فرائد السمطين) وهو من أعيان علماء العامة قال : أخبرني استاذي الإمام حميد الدين محمد بن محمد بن أبي بكر الفرعموني إجازة قال : أنبأنا الإمام سراج الدين محمد بن أبي الفتوح بن محمد اليعقوبي إجازة قال : أنبأنا والدي الإمام فخر الدين أبو الفتوح قال : أنبأنا الشيخ مجد الدين أبو نصر الفضل بن الحسن بن علي بن حيوية الطوسي قال : أنبأنا الشيخ الإمام الأجل السيّد أبو بكر عبد الرّحمن بن إسماعيل بن عبد الرّحمن الصابوني ، وأنبأنا الشيخ الإمام المقرئ أبو جعفر محمد بن عبد الحميد الأبيوردي قال : أنبأنا الشيخ الإمام شيخ الاسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني نور الله قبره ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن حزيمة وأبو سعد محمد بن عبد الله بن حمدان قالا : أنبأنا أبو حامد محمد بن الحسن الحافظ ، أنبأنا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي ، أنبأنا أحمد بن حماد المروزي أنبأنا محبوب بن حميد البصري وسأله روح بن عبادة عن هذا الحديث وأنبأنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حيدر الواعظ المفسر واللفظ له ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الفتلي ، أنبأنا أبي ، أنبأنا عبد الله بن عبد الوهاب ، أنبأنا أحمد بن حماد المروزي ، أنبأنا محبوب بن حميد البصري وسأله روح عن هذا الحديث قال : نبأ القاسم بن مهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عزوجل : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) قال : مرض الحسن والحسين عليهما‌السلام فعادهما جدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعادهما عمومة العرب فقالوا : يا أبا

__________________

(١) المناقب : ٢٧١ / ح ٢٥٢.

٩٦

الحسن لو نذرت على ولديك نذرا ، فقال علي عليه‌السلام : «إن برءا صمت لله ثلاثة أيام شكرا» ، وقالت فاطمة عليها‌السلام كذلك ، وقالت جارية لهم ندبية يقال لها : فضة كذلك فعافاهما الله وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي عليه‌السلام إلى شمعون بن حانا الخيبري وكان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فوضعه في ناحية البيت فقامت فاطمة عليها‌السلام إلى صاع منها فطحنته واختبزته وصلّى علي عليه‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، فأتاهم مسكين فوقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من أولاد المساكين أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه علي عليه‌السلام فانشأ يقول :

فاطم ذات الخير واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكوا إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائع حزين

كل امرئ بكسبه رهين

فأجابته فاطمة عليها‌السلام :

أمرك سمع يا ابن عم وطاعة

ما لي من لؤم ولا وضاعة

أطعمه ولا أبالي الساعة

ارجو لئن أشبع من مجاعة

أن الحق الأخبار والجماعة

وأدخل الجنة ولي شفاعة

فقال : فاعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلّا الماء ، فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها‌السلام إلى صاع آخر فطحنته وخبزته وصلّى علي عليه‌السلام الصلاة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتى إلى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، فأتاهم يتيم فقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله فسمعه علي صلوات الله عليه فانشأ يقول :

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالذميم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم اليوم فهو رحيم

قد حرم الخلد على اللئيم

ينزل في النار إلى الجحيم

قال : فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلّا الماء فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة عليها‌السلام إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته وصلّى علي عليه‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم أسير فوقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة تأسروننا

٩٧

وتشدوننا ولا تطعموننا أطعموني أطعمكم الله فانشأ علي يقول :

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيّد مسوّد

هذا أسير للنبي المهتد

مثقل في غله مقيد

يشكوا إلينا الجوع قد تمدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فقالت فاطمة عليها‌السلام :

لم يبق مما جئت غير صاع

قد دميت كفى مع الذراع

ابناي والله هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع

أبو هما في المكرمات ساع

يصطنع المعروف بالإسراع

عبل الذراعين شديد الباع

قال : فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلّا الماء فلما كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ [الإمام علي] عليه‌السلام الحسن عليه‌السلام بيمناه والحسين بشماله ، واقبل نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم انطلق إلى فاطمة» فانطلقوا وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا» فنزل جبرائيل عليه‌السلام فقال : «يا محمد خذها هناك الله في أهل بيتك فقرأ عليه (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) إلى قوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً)» إلى آخر السورة (١).

الحديث الرابع : ابن أبي الحديد وهو من المعتزلة قال في (شرح نهج البلاغة) قال : شيخنا أبو جعفر الإسكافي في الرد على الجاحظ وأنتم أيضا رويتم أن الله تعالى لما أنزل آية النجوى فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ) الآية لم يعمل بها إلّا علي بن أبي طالب وحده مع اقراركم بفقره وقلة ذات يده ، وأبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته فعاتب الله المؤمنين في ذلك فقال : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه وهو امساكهم عن تقديم الصدقة فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفا ، وأمسك عن مناجاة الرسول وإنما كان يحتاج

__________________

(١) فرائد السمطين : ٢ / ٥٣ / ب ١١ / ح ٣٨٣.

٩٨

فيها إلى إخراج درهمين ، وعلي عليه‌السلام وهو الذي أطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وأنزلت فيه وفي زوجته وابنيه سورة كاملة من القرآن ، وهو الذي ملك أربعة دراهم فاخرج منها درهما سرا ودرهما علانية ثم أخرج منها في النهار درهما وبالليل درهما فأنزل فيه قول تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وهو الذي قدم بين يدي نجواه صدقة دون المسلمين كافة وهو الذي تصدق بخاتمه وهو راكع فأنزل الله فيه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١).

أقول : قصة نزول (هَلْ أَتى) في علي عليه‌السلام وزوجته عليهما‌السلام وابنيه عليهما‌السلام مما تواتر عند العامة والخاصة فليشاء باخراج اسانيدها الكثيرة كالاستدلال على وجود الشمس.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٧٤.

٩٩

الباب الثاني والسبعون

في قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)

من طريق الخاصة وفيه أربعة أحاديث

الأول : علي بن إبراهيم في تفسيره حدثني أبي عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كان عند فاطمة عليها‌السلام شعير فجعلوه عصيدة فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال : رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله فقام علي فأعطاه ثلثها فما لبث أن جاء يتيم فقال اليتيم : رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله فقام علي عليه‌السلام فأعطاه الثلث الثاني فما لبث جاء أسير فقال الأسير : رحمكم الله اطعمونا مما رزقكم الله فقام عليه‌السلام فأعطاه الثلث الباقي وما ذاقوها فأنزل الله هذه الآية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) ... إلى قوله : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) في أمير المؤمنين ، وهي جارية في كل مؤمن فعل مثل ذلك لله عزوجل والقمطرير الشديد (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) يقول متكئين في الحجال على السرر (١).

الحديث الثاني : المفيد في الاختصاص في حديث مسند برجاله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي ما عملت في ليلتك؟ قال : ولم يا رسول الله؟ قال : قد نزلت فيك أربعة معالي قال : بأبي أنت وأمي كانت معي أربعة دراهم فتصدقت بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية قال : فإن الله أنزل فيك (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ثم قال له : «هل عملت شيئا غير هذا فإن الله قد أنزل عليّ سبعة عشر آية يتلو بعضها بعضا من قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) ... إلى قوله : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) قوله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) قال : فقال العالم رضى الله عنه : «أما إن عليا لم يقل في موضع (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) ولكن الله علم من قلبه أنما أطعم لله فأخبره بما يعلم من قلبه من غير ان ينطق به» (٢).

الحديث الثالث : ابن بابويه قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضى الله عنه قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال : حدّثنا محمد بن زكريا قال : حدّثنا شعيب بن واقد

__________________

(١) تفسير القمي : ٢ / ٣٩٩.

(٢) الاختصاص : ١٥٠.

١٠٠