غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٣

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٣

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٣

المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد عبد الكريم السمعاني إجازة وأنبأنا الشيخ عبد الحافظ بن بدران بقراءتي عليه قلت له : أخبرك عبد الخالق بن الأنجب بن المعمر التستري إجازة بروايتهما عن أبي الأسعد هبة الرّحمن بن عبد والواحد بن أبي قاسم القشيري قال : أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل التفليسي سماعا عليه ، أنبأنا أبو يعلي حمزة بن عبد العزيز المهلبي الصيدلاني قال : أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن القطان أنبأنا الفضل بن العباس نبأنا عاصم بن عبد الله نبأنا إسماعيل بن زياد عن أبي معشر عن المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليلة اسري بي إلى السماء سمعت نداء من تحت العرش أن عليا عليه‌السلام راية الهدى وحبيب من يؤمن بي بلغ عليا عليه‌السلام» فلما نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من السماء نسى ذلك فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١).

الحديث الخامس : محمد بن أحمد بن شاذان.

من طريق المخالفين بحذف الإسناد في المناقب المائة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهعليه‌السلام: «ليلة أسرى بي إلى السماء السابعة سمعت نداء من تحت العرش : إن عليا آية الهدى وحبيب من يؤمن بي بلغ عليا فلما نزل عن السماء نسى ذلك فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في علي (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) الآية (٢).

الحديث السادس : صاحب (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة) عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عليه‌السلام قال : «لما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوادع نزل أرضا يقال لها (ضوجان) فنزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلما نزلت عصمته من الناس نادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أولى منكم بأنفسكم ، فضجوا بأجمعهم وقالوا : الله ورسوله ، فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، فإنّه مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ، وكان آخر فريضة فرضها الله تعالى على أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم أنزل الله تعالى على نبيه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) قال أبو جعفر : فقبلوا : «من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلما أمرهم من الفرائض في الصلاة والصوم والزكاة والحج وصدقوه على ذلك» قال ابن إسحاق : قلت لأبي جعفر ما كان ذلك؟ قال : «لتسع

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ١٥٨ / ب ٣٢ / ح ١٢٠.

(٢) مائة منقبة : ٩٠ / منقبة ٥٦.

٣٢١

عشر ليلة خلت من ذي الحجة ستة عشرة عند منصرفه من حجة الوداع ، وكان بين ذلك وبين وفاة النبي مائة يوم وكان سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم اثنى عشر رجلا» (١).

الحديث السابع : الحافظ أبو نعيم الفضل أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصفهاني في كتابه الموسوم ب (نزول القرآن في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام) بإسناده يرفعه إلى عون بن عبيد بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نائم إذ يوحي إليه وإذا حية في جانب البيت فكرهت أن أقتلها وأوقظه فاضطجعت بينه وبين الحية ، فإن كان منها سوء كان لي دونه فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ثم قال : الحمد لله الذي اكمل لعلي منيته وهنيئا لعلي بتفضيل الله إياه ثم التفت فرآني إلى جانبه فقال : «ما اضطجعت هاهنا» قلت : لمكان هذه الحية؟ قال : «قم إليها فاقتلها» فقتلتها ثم أخذ بيدي فقال : «يا أبا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا حق على الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ليس وراء ذلك شيء وقد قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٢).

الحديث الثامن : أبو نعيم في الكتاب المذكور يرفعه إلى علي بن عامر عن أبي الحجاف عن الأعمش عن عطية قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي بن أبي طالب عليه‌السلام (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وقد قال الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣).

الحديث التاسع : المالكي في الفصول المهمة قال روى الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى ب (اسباب النزول) (٤) يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب ، وقوله : بغدير خم ، هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم مع التنوين : اسم لغيظة على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيظة ، هكذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي (٥).

__________________

(١) تفسير الميزان عن المناقب : ٥ / ١٩٤.

(٢) بحار الأنوار : ٢٩ / ٣٠٥ ذيل ح ٢٧٠.

(٣) البحار : ٣٣ / ١٨٧ ح ١٥ ، وتفسير الميزان عنه : ٦ / ٥٨.

(٤) ذكره مسندا راجع أسباب نزول الآيات : ١٣٥ ط. القاهرة.

(٥) الفصول المهمة : ٤٢.

٣٢٢

الباب الثامن والثلاثون

في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)

من طريق الخاصة وفيه ثمانية أحاديث

الحديث الأول : محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن منصور بن يونس عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «فرض الله عزوجل على العباد خمسا أخذوا أربعا وتركوا واحدة» قلت : أتسميهن لي جعلت فداك؟ فقال : «الصلاة وكان الناس لا يدرون كيف يصلون فنزل جبرائيل عليه‌السلام فقال : يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم ، ثم نزلت الزكاة فقال : يا محمد أخبرهم عن زكاتهم ما أخبرتهم عن صلاتهم ، ثم نزل الصوم فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوال ثم نزل الحج فنزل جبرائيل عليه‌السلام فقال : أخبرهم عن حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم ثم نزلت الولاية وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال عند ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن امتي حديثوا عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله عزوجل بتلة أوعدني أن لم ابلغ أن يعذبني فنزلت (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال : يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلّا وقد عمره الله تعالى ثم دعاه فأجابه فاوشك أن ادعي فأجيب ، وانا مسئول وأنتم مسئولون ، فما ذا أنتم قائلون فقالوا : نشهد إنك قد بلغت ونصحت واديت ما عليك فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين» فقال : «اللهم اشهد» ثلاث مرات.

ثم قال : «يا معشر المسلمين هذا وليكم بعدي فليبلغ الشاهد منكم الغائب» قال أبو جعفر : «كان والله أمين الله على خلقه وعيبة علمه ودينه الذي ارتضاه لنفسه ، ثم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حضره

٣٢٣

الذي حضره فدعا عليا فقال : يا علي إني أريد أن ائتمنك على ما ائتمني الله عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه فلم يشرك والله فيها يا زياد أحدا من الخلق وإن عليا حضر الذي حضره فدعا ولده فكانوا اثنى عشر ذكرا.

فقال لهم : يا بني إن الله عزوجل قد أبى إلا أن يجعل في سنة من يعقوب وان يعقوب دعا ولده وكانوا اثنا عشر ولدا ذكرا ، فأخبرهم بصاحبهم ألا وإني أخبركم بصاحبكم ، ألا إن هذين ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين عليهما‌السلام فاسمعوا لهما وأطيعوا ووازروهما ، فإني قد أتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مما ائتمنه الله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه، فاوجب لهما من علي عليه‌السلام ما أوجب لعلي عليه‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يكن لأحد منهما فضل على صاحبه إلا بكبره وإن الحسين كان إذا حضر الحسن عليه‌السلام لم ينطق في ذلك المجلس حتى يقوم، ثم إن الحسن عليه‌السلام حضره من حضره فسلم ذلك إلى الحسين عليه‌السلام ثم إن الحسين حضره الذي حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة ، وكان عليّ بن الحسين مبطونا لا يرون إلا أنه لما به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا» (١).

الحديث الثاني : ابن بابويه قال : حدّثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن خالد البرقي قال : حدّثنا سهل بن المرزبان الفارسي قال : حدّثنا محمد بن منصور عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن الفيض بن المختار عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده قال : «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وهو راكب ، وخرج علي عليه‌السلام وهو يمشي ، فقال له : يا أبا الحسن إمّا أن تركب وإمّا أن تنصرف ، فإن الله عزوجل أمرني أن تركب إذا ركبت وتمشي إذا مشيت وتجلس إذا جلست إلّا أن يكون حدا من حدود الله لا بدّ لك من القيام والقعود فيه ، وما أكرمني بكرامة إلّا وقد أكرمك بمثلها وخصني الله بالنبوة والرسالة ، وجعلك وليي في ذلك تقوم في حدوده ، وفي صعب أموره.

والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما آمن بي من انكرك ولا أقرّ بي من جحدك ولا آمن بالله من كفر بك ، وإن فضلك لمن فضلي وأن فضلي لك لفضل الله وهو قول الله عزوجل : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يعني ففضل الله نبوة نبيكم ورحمته ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام فبذلك قال بالنبوة والولاية فليفرحوا يعني الشيعة (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يعني

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٩٠ ـ ٢٩١ ح ٦.

٣٢٤

مخالفيهم من الأهل والمال والولد في دار الدنيا ، والله يا علي ما خلقت إلّا ليعبد ربك ولتعرف بك معالم الدين ويصلح بك دارس السبيل ولقد ضلّ من ضلّ عنك ، ولن يهتدي إلى الله عزوجل من لم يهتد إليك وإلى ولايتك ، وهو قول ربي عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) يعني إلى ولايتك ولقد أمرني ربي تبارك وتعالى أن افترض من حقك ما افترضه من حقي، وان حقك لمفروض على من آمن بي ولولاك لم يعرف حزب الله ، وبك يعرف عدو الله ومن لم يلقه بولايتك لم يلقه بشيء ، ولقد أنزل الله عزوجل إلي (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعني في ولايتك يا علي (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ولو لم ابلغ بما أمرت به من ولايتك لحبط عملي ، ومن لقى الله عزوجل بغير ولايتك فقد حبط عمله وعد ينجز لي أقول إلّا قول ربي تبارك وتعالى ، وإن الذي أقول لمن الله عزوجل انزله فيك» (١).

الحديث الثالث : سعد بن عبد الله عن علي بن إسماعيل ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان عن محمد بن مروان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) قال : «هي الولاية» (٢).

الحديث الرابع : العياشي في تفسيره بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس و [جابر بن] عبد الله قالا : أمر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينصب عليا عليه‌السلام للناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقولوا : حابى ابن عمه ، وان يطعنوا في ذلك [عليه] فأوحى الله إليه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقام رسول الله [بولايته] يوم غدير خم (٣).

الحديث الخامس : العياشي بإسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: «لما نزل جبرائيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع بإعلان أمر علي بن أبي طالب عليه‌السلام (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ... إلى آخر الآية قال : فمكث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا حتى أتى الجحفة فلم يأخذ بيده فرقا من الناس فلما نزل الجحفة يوم الغدير في مكان يقال له : (مهيعة) فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أولى بكم من أنفسكم قال : فجهروا فقالوا : الله ورسوله ثم قال لهم الثانية فقالوا : الله ورسوله ثم قال لهم الثالثة فقالوا : الله ورسوله فأخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥٨٣ / ٨٠٣.

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ٦٤.

(٣) تفسير العياشي : ١ / ٣٣٢ ح ١٥٢.

٣٢٥

خذله فإنّه منّي وأنا منه وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا إنه لا نبي من بعدي» (١).

الحديث السادس : العياشي بإسناده عن عمر بن يزيد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ابتدأ منه : «العجب يا أبا حفص لما لقى علي بن أبي طالب إنه كان له عشرة آلاف شاهد لم يقدر على أخذ حقه والرجل يأخذ حقه بشاهدين إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة حاجا وتبعه خمسة آلاف ورجع من مكة وقد شيعه خمسة آلاف من أهل مكة فلما انتهى إلى الجحفة نزل جبرائيل بولاية علي وقد كانت نزلت ولايته بمنى وامتنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من القيام بها لمكان الناس فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) مما كرهت بمنى فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقمت السمرات (٢) فقال رجل من الناس : أما والله ليأتينكم بداهية فقلت لعمر : من الرجل فقال : الحبش (٣) يعني عمر بن الخطاب.

الحديث السابع : العياشي بإسناده عن زياد بن المنذر أبي الجارود صاحب الزيدية الجارودية قال : كنت عند أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام بالأبطح وهو يحدث الناس فقام إليه رجل من أهل البصرة يقال له : (عثمان الأعشى) كان يروي عن الحسن البصري فقال : يا ابن رسول الله جعلت فداك إن الحسن البصري يحدثنا حديثا يزعم أن هذه الآية نزلت في رجل ولا يخبرنا من الرجل (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) تفسيرها أتخشى الناس فالله يعصمك من الناس ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما له لا قضى الله دينه يعني صلاته أما إن لو شاء أن يخبر به أخبر به أن جبرئيل هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : إن ربك تبارك وتعالى يأمرك أن تدل امتك على صلاتهم فدله على الصلاة واحتج بها عليه فدل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّته عليها واحتج بها عليهم.

ثم أتاه فقال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تدل امتك من زكاتهم على مثل ما دللتهم عليه من صلواتهم فدله على الزكاة ، واحتج بها عليه فدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امته على الزكاة ، واحتج بها عليهم.

ثم أتاه جبرئيل فقال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تدل امتك من صيامهم على مثل ما دللتهم عليه من صلواتهم وزكاتهم شهر رمضان بين شعبان وشوال يؤتى فيه كذا ويجتنب فيه كذا فدله على الصيام واحتج به عليه فدل رسول الله أمّته على الصيام واحتج به عليهم ، ثم أتاه فقال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تدل امتك في حجهم علي مثل ما دللتهم عليه في صلواتهم وزكاتهم

__________________

(١) تفسير العياشي : ١ / ٣٣٢ ح ١٥٣.

(٢) السمرات : جمع سمرة ، أي شجرة.

(٣) تفسير العياشي : ١ / ٣٣٢.

٣٢٦

وصيامهم فدله على الحج واحتج به عليه فدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امته على الحج واحتج به عليهم.

ثم اتاه فقال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تدل امتك من وليهم على مثل ما دللتهم عليه في صلواتهم وزكاتهم وصيامهم وحجّهم ، قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ربي امتي حديثوا عهد بجاهلية فأنزل الله (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) تفسيرها أتخشى الناس فالله يعصمك من الناس فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام فرفعها فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وابغض من أبغضه» (١).

الحديث الثامن : العياشي بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لما أنزل الله على نبيه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) قال : «فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد على فقال : يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلّا وقد عمّر ثم دعاه الله فأجابه وأوشك أن ادعي فأجيب وأنا مسئول وأنتم مسئولون فما أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك فجزاك الله أفضل ما جزى المرسلين ، فقال : اللهم اشهد ثم قال: يا معشر المسلمين ليبلغ الشاهد الغائب ، أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي إلّا أن ولاية علي ولايتي ولا تدري عهدا عهده إلي ربي وأمرني أن ابلغكموه ثم قال : هل سمعتم ثلاث مرات يقولها فقال قائل : قد سمعنا يا رسول الله» (٢).

__________________

(١) تفسير العياشي : ١ / ٣٣٣.

(٢) تفسير العياشي : ١ / ٣٣٤.

٣٢٧

الباب التاسع والثلاثون

في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي

وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)

من طريق العامة وفيه ستة أحاديث

الحديث الأول : صدر الأئمة عند المخالفين أبو المؤيد موفق بن أحمد في كتاب (فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام) قال أخبرني سيد الحفاظ شهردار بن شيرويه ابن شهردار الديلمي فيما كتب لي من همدان أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة حدّثنا عبد الله بن إسحاق البغوي حدّثنا الحسن بن عليل العنزي حدّثنا محمد بن عبد الرّحمن الذراع حدّثنا قيس بن حفص حدّثنا علي بن الحسن حدّثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم ، وذلك يوم الخميس يوم دعا الناس إلى علي وأخذ بضبعه ثم رفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه عليه‌السلام ، ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الله أكبر على إكمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي» ثم قال : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» وقال حسان بن ثابت أتأذن لي يا رسول الله أن أقول أبياتا قال : «قل ببركة الله تعالى» فقال حسان بن ثابت :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالنبي مناديا

باني مولاكم نعم ونبيكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا

ولا تجدن في الخلق للأمر عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا (١)

الحديث الثاني : إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة قال : انبأني الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله الخازن قال : أنبأنا الإمام برهان الدين ناصر ابن أبي المكارم المطرزي إجازة قال : أنبأنا الإمام أخطب خوارزم أبو المؤيد موفق بن أحمد المكي

__________________

(١) المناقب : ١٣٥ / ح ١٥٢.

٣٢٨

الخوارزمي قال : أخبرني سيد الحفاظ فيما كتب إلي من همدان ، أنبأنا الرئيس أبو الفتح كتابة حدّثنا عبد الله بن إسحاق البغوي : أنبأنا الحسن بن عليل العنزي نبأنا محمد بن عبد الله الذارع نبأنا قيس ابن حفص قال : حدثني علي بن الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم دعا الناس إلى علي في غدير خم أمر الناس بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم ، وذلك يوم الخميس ثم دعا الناس إلى علي عليه‌السلام فأخذ بضبعه فرفعها حتى رأى الناس إلى بياض إبطيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فقال رسول الله : «الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي عليه‌السلام» ثم قال : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فقال حسان بن ثابت : يا مشيخة قريش اسمعوا شهادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم انشأ يقول ثم أنشد الأبيات المتقدمة (١).

الحديث الثالث : الحمويني أيضا عن سيد الحفاظ وهو أبو منصور شهردار ابن شيرويه بن شهردار الديلمي قال : أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقرئ الحافظ أحمد بن عبد الله بن أحمد قال : نبأنا محمد بن أحمد بن علي قال : نبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : نبأنا يحيى الحماني قال : حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا الناس إلى علي عليه‌السلام في غدير خم وأمر تحت الشجرة من الشوك فقم وذلك يوم الخميس ، فدعا صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي» ثم قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فقال حسان بن ثابت : ائذن لي يا رسول الله فأقول في علي عليه‌السلام أبياتا تسمعها فقال : «قل على بركة الله» فقام حسان بن ثابت فقال : يا معشر مشيخة قريش اسمعوا قولي شهادة من رسول الله عليه‌السلام بالولاية الثابتة فقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم واسمع بالرسول مناديا

الأبيات المتقدمة وهذه الأبيات ، والحديث المشهور في كتب العامة والخاصة ، وقال الحميوني عقيب هذا الحديث والأبيات هذا حديث له طرق كثيرة إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ٧٢ / ب ١٢ / ح ٣٩.

٣٢٩

الأنصاري (١).

الحديث الرابع : أبو نعيم في كتابه الموسوم ب (ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام) يرفعه إلى علي بن عامر عن أبي الحجاف عن الأعمش عن عطية قال : نزلت هذه الآية على رسول الله في علي بن أبي طالب عليه‌السلام (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وقد قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢).

الحديث الخامس : أبو نعيم هذا يرفعه إلى قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا الناس إلى علي عليه‌السلام في غدير خم ، وأمر بما تحت الشجر من شوك فقم وذلك في يوم الخميس ، فدعا عليا عليه‌السلام فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس بياض إبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الله اكبر على إكمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي عليه‌السلام من بعدي» ثم قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» قال حسان بن ثابت ائذن لي يا رسول الله فأقول في علي أبياتا تسمعهن ، فقال : «قل على بركة الله» فقام حسان فقال : يا معشر قريش اسمعوا قولي بشهادة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية الماضية فقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم ، وذكر الأبيات السابقة وقال في آخر الأبيات :

فقال له قم يا علي فانني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له انصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادا عليا معاديا (٣)

الحديث السادس : صاحب (المناقب الفاخرة) عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عليه‌السلام قال : «لما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع نزل أرضا يقال لها : (ضوجان) نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلما نزلت عصمة من الناس نادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه ، وقال عليه‌السلام : من أولى منكم بأنفسكم ، فضجوا بأجمعهم ، وقالوا : الله ورسوله ، فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ٧٤ / ب ١٢ / ح ٤٠.

(٢) بحار الأنوار : ٣٣ / ١٧٨ ح ٦٥.

(٣) بحار الأنوار : ٣٣ / ١٧٩ ح ٦٥.

٣٣٠

خذله ؛ لأنه منّي وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ، وكانت آخر فريضة فرضها الله تعالى على أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أنزل الله تعالى على نبيه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)» قال أبو جعفر : «فقبلوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلما أمرهم الله من الفرائض في الصلاة والصوم والزكاة والحج وصدقوه على ذلك».

قال ابن إسحاق : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما كان ذلك قال : «لتسعة عشر ليلة خلت من ذي الحجة سنة عشرة عند منصرفة من حجة الوداع ، وكان بين ذلك وبين وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مائة يوم وكان سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم اثنا عشر» (١).

__________________

(١) تفسير الميزان عن المناقب : ٥ / ١٩٤.

٣٣١

الباب الأربعون

في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)

من طريق الخاصة وفيه خمسة عشر حديثا

الحديث الأول : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «آخر فريضة انزلها الله الولاية ، ثم لم ينزل بعدها فريضة ثم أنزل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) بكراع الغميم فاقامها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجحفة فلم ينزل بعدها فريضة» (١).

الحديث الثاني : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدّثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني قال : حدثني أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم بن الرقام قال : حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال : كنا في أيام الرضا عليه‌السلام بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها يوم الجمعة في بدء مقدمنا فاداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي عليه‌السلام فاعلمته بما خاض الناس في ذلك فتبسم عليه‌السلام وقال : «يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إن الله عزوجل لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، فقال عزوجل : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمرة صلى‌الله‌عليه‌وآله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض عليه‌السلام حتى بين لأمته معالم دينهم واوضح لهم سبله وتركهم على قصد الحق ، وأقام لهم عليا عليه‌السلام علما وإماما وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلّا بيّنه فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب اللهعزوجل ومن رد كتاب الله عزوجل فهو كافر».

وروى هذا الحديث محمد بن يعقوب في الكافي عن أبي محمد القاسم بن أبي العلاء رحمه‌الله رفعه عن عبد العزيز بن مسلم قال : كنّا مع الرضا عليه‌السلام وذكر الحديث وهو طويل ذكرناه بتمامه في الباب

__________________

(١) تفسير القمي : ١ / ١٦٢.

٣٣٢

الرابع والثلاثين في قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (١).

من طريق الخاصة وهو في وصف الإمام ونعوته فليؤخذ من هناك وهو حديث حسن.

الحديث الثالث : أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير هذه الآية قال : حدّثنا السيد العالم أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن عبد الله الحسكاني قال : أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال : أخبرنا أبو بكر الجرجاني قال : أخبرنا أبو أحمد البصري قال : حدّثنا أحمد بن عمار بن خالد قال : حدّثنا يحيى بن عبد العزيز الحماني قال : حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزلت هذه الآية قال : «الله أكبر على إكمال الدين واتمام النعمة ورضا رب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام من بعدي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» (٢).

الحديث الرابع : أبو علي الطبرسي : والمروي عن الإمامين عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أنه لما أنزل الله بعد أن نصب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا علما للأنام يوم غدير خم عند منصرفه من حجة الوداع قالا : «وهي آخر فريضة أنزلها الله تعالى لم ينزل بعدها فريضة» (٣).

الحديث الخامس : الشيخ الطوسي في أماليه قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «اعطيت تسعا لم يعطها أحد قبلي سوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد فتحت لي السبل وعلمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ، ولقد نظرت إلى الملكوت باذن ربي فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي ، فإن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم ، وأتم عليهم النعم ورضي لهم إسلامهم ، إذ يقول يوم الولاية لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمد أخبرهم إني أكملت لهم اليوم دينهم واتممت عليهم النعمة ورضيت لهم إسلامهم كل ذلك من الله عليّ فله الحمد» (٤).

الحديث السادس : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثنا أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب الشعراني بجرجان قال : حدّثنا هارون بن عمرو بن عبد العزيز بن

__________________

(١) الكافي : ١ / ١٩٨ ح ١.

(٢) مجمع البيان : ٣ / ٢٧٤.

(٣) مجمع البيان : ٣ / ٢٧٤.

(٤) أمالي الطوسي : ٢٠٥ / مجلس ٨ / ح ١.

٣٣٣

محمد أبو موسى المجاشعي قال : حدّثنا محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه أبي عبد الله عليه‌السلام قال المجاشعي : وحدّثنا الرضي علي بن موسى عن أبيه موسى عليهما‌السلام عن أبيه جعفر بن محمد وقالا جميعا عن آبائهما عن علي أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : بني الإسلام على خمس خصال : على الشهادتين والقرينتين قيل له : أما الشهادتان فقد عرفناهما فما القرينتان؟ قال : الصلاة والزكاة فإنه لا يقبل أحدهما إلّا بالأخرى ، والصيام وحج بيت الله من استطاع إليه سبيلا وختم ذلك بالولاية فأنزل الله عزوجل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)» (١).

الحديث السابع : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا الحسين بن عبيد الله ـ يعني الغضائري ـ عن علي ابن محمد العلوي قال : حدّثنا الحسين بن صالح عن شعيب الجوهري قال : حدّثنا محمد ابن يعقوب الكليني عن علي بن محمد عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري عن الصادق جعفر ابن محمد عليهما‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : حدّثنا الحسن بن علي عليه‌السلام : «إن الله عزوجل بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه بل رحمة منه لا إله إلا هو (يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) ولتتسابقوا إلى رحمته ولتتفاضل منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وايتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض ، ومفتاحا إلى سبيله.

ولو لا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والأوصياء من ولده عليهم‌السلام كنتم حيارى كالبهائم لا تعوفون فرضا من الفرائض ، وهل تدخلون قرية إلّا من بابها فلما منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ففرض عليكم لأوليائه حقوقا وأمركم بأدائها إليهم ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب ثم قال عزوجل : «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فاعملوا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه إن الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه فاعلموا من بعد ما شئتم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين» سمعت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «خلقت من نور الله عزوجل ، وخلق أهل بيتي من نوري ، وخلق محبيهم من نورهم ، وسائر الناس في النار» (٢).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٥١٨ / مجلس ١٨ / ح ٤١.

(٢) أمالي الطوسي : ٦٥٤ / مجلس ٣٤ / ح ٥.

٣٣٤

الحديث الثامن : محمد بن مسعود العياشي في تفسيره بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام: «آخر فريضة أنزلها الله الولاية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها حتى قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله».

الحديث التاسع : العياشي بإسناده عن جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عرفات يوم الجمعة أتاه جبرائيل عليه‌السلام فقال له : يا محمد أن الله يقرؤك السلام ويقول لك : قل لأمتك : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ولست أنزل عليكم بعد هذا فريضة قد انزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي الخامسة ولست أقبل هذه الأربعة إلّا بها» (١).

الحديث العاشر : العياشي بإسناده عن ابن اذينة قال : سمعت زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إن الفريضة كانت تنزل ، ثم تنزل الفريضة الاخرى فكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يقول الله : لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة» (٢).

الحديث الحادي عشر : العياشي بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تمام النعمة دخول الجنة» (٣).

الحديث الثاني عشر : سليم بن قيس الهلالي ومن كتابه نسخت قال : صعد أمير المؤمنينعليه‌السلام المنبر في عسكره وجمع الناس وبحضرته [من النواحي] المهاجرون والأنصار فحمد الله واثنى عليه وقال : «أيها الناس إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد ما أنزل الله في كتابه [من ذلك] وما قال فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي ، أتعلمون أن الله في كتابه الناطق ، السابق الى الاسلام ـ في غير آية من كتابه ـ على المسبوق وإنه لم يسبقني الى الله ورسوله أحد من الامة؟ قالوا : اللهم نعم.

قال : أنشدكم الله سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنزلها الله عزوجل في الأنبياء وأوصيائهم ، وأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي أخي وصيي أفضل الأوصياء» فقام نحو من سبعين رجلا من أهل بدر كلهم من الأنصار وبقية من المهاجرين منهم ، من الأنصار : منهم أبو الهيثم بن التيهان ، وخالد بن زيد ، وأبو أيوب الأنصاري ،

__________________

(١) تفسير العياشي : ١ / ٢٩٣ ح ٢١.

(٢) تفسير العياشي : ١ / ٢٩٣ ح ٢٢.

(٣) تفسير العياشي : ١ / ٢٩٣ ح ٢٣.

٣٣٥

ومن المهاجرين : عمار بن ياسر وغيره قالوا : نشهد أنّا [قد] سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك.

قال : «فأنشدكم الله في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

وقال : (لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) فقال الناس : يا رسول الله أخاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّرهم من صلواتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم ، فنصبني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم فقال : إن الله عزوجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري ، وظننت أن الناس يكذبوني واوعدني لأبلغها أو ليعذبني ، ثم نادى بأعلى صوته بعد ما أمر أن ينادي الصلاة جامعة، فصلى بهم الظهر ثم قال : أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم [ألا] من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فقام إليه سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ولاؤه ما ذا؟ فقال ولاؤه كولايتي من كنت أولى به من نفسه [فعلي أولى به من نفسه] فأنزل الله عزوجل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).

فقال سلمان : يا رسول الله هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال : نعم فيه وفي أوصيائه إلى يوم القيامة ، فقال سلمان : يا رسول الله سمهم لي؟ فقال : علي أخي ووزيري وخليفتي في امتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر إماما [من ولده أولهم] : ابني الحسن وابني الحسين ، ثم التسعة من ولده واحدا بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا عليّ الحوض». فقام اثنى عشر من البدريين فشهدوا انّا سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قلت سواء لم تزد فيه ، ولم تنقص منه [حرفا] ، وقال بقية السبعين : قد سمعنا كما قلت ولم نحفظ منه كله» وهؤلاء الاثنى عشر خيارنا وأفضلنا.

قال : «صدقتم ليس كل الناس يحفظ بعضهم أحفظ من بعض» فقام من الاثنى عشر أربعة : أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، فقالوا : نشهد أنا قد حفظنا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ [وهو قائم] وعلي قائم إلى جنبه : «يا أيها الناس إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم ووصيي فيكم وخليفتي من أهل بيتي من بعدي ، والذي فرض الله طاعته على المؤمنين في كتابه فأمركم فيه بولايته ، فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني لابلغها أو ليعاقبني.

٣٣٦

[ثم قال] يا أيها الناس إن الله جل ذكره أمركم في كتابه بالصلاة وقد بينتها لكم وسننتها ، والزكاة والصوم والحج فبينتها وفسرتها لكم ، وأمركم في كتابه بولايته ، وأني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي وأوصيائي من ولدي وولده أولهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم لتسعة من ولد الحسين لا يفارقون الكتاب حتى يردوا عليّ الحوض.

يا أيها الناس قد اعلمتكم المهدي بعدي (١) ووليكم وإمامكم وهاديكم بعدي وهو أخي علي ابن أبي طالب ، وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه [دينكم] وأطيعوه في جميع أموركم ، فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني أن أعلمه إياه وأن اعلمكم أنه عنده فسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه ولا تعلموهم ولا تتخلفوا ولا تختلفوا عنهم فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم» (٢).

الحديث الثالث عشر : الشيخ أحمد بن علي بن أبي منصور الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) قال : حدّثنا السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرث الحسيني رضي الله عنه قال : أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قال : أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر ـ قدس الله روحه ـ قال : أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال : أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال : أخبرنا على السوري قال : أخبرنا أبو محمد العلوي من ولد الأفطس وكان من عباد الله الصالحين قال : حدّثنا محمد بن موسى الهمداني قال : حدّثنا محمد بن خالد الطيالسي قال : حدّثنا سيف بن عميرة وصالح بن علقمة جميعا عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي أنّه قال : «حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة ، وقد بلّغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية» وساق شرح قصة غدير خم وخطبتها بطولها ، وفي خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طول (٣).

وروى هذا الحديث وقصة غدير خم والخطبة بطولها الشيخ الفاضل المتكلم أبو علي محمد ابن أحمد بن علي الفتال المعروف ب (ابن الفارسي) في (روضة الواعظين) عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال : «حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة ، وقد بلّغ جميع الشرائع قومه ما خلا الحج والولاية» وساق الحديث والخطبة بطولها ، وتقدم ذلك بتمامه في الباب السابع عشر في باب أحاديث غدير خم من

__________________

(١) في المصدر : مفزعكم بعدي.

(٢) كتاب سليم بن قيس : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ وفيه تفاوت بسيط.

(٣) الاحتجاج : ١ / ٦٨.

٣٣٧

طريق الإمامية ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخطبة : «معاشر الناس هذا علي أخي ووصيي وداعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عزوجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته ، خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي بأمر الله ، أقول ما يبدل القول لديه بأمر ربي أقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من انكره وجحد حقه واغضب على من جحده.

اللهم إنك أنت أنزلت الإمامة لعلي وليك عند تبيين ذلك بتفضيلك إياه بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا ، فقلت (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) اللهم إني اشهدك أني قد بلغت»(١).

الحديث الرابع عشر : ابن بابويه في أماليه قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد الأسدي عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما اسري به إلى السماء انتهى إلى نهر يقال له : (النور) وهو قول الله عزوجل : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) فلما انتهى به إلى ذلك النهر قال له جبرائيل : يا محمد اعبر على بركة الله قد نور الله لك بصرك ، ومدّ لك أمامك ، فإن هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه ، ثم اخرج منها فانفض أجنحتي ، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلّا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا مقربا له عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان يلفظ كل لسان بلغة لا يفقهها الآخر ، فعبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى إلى الحجب والحجب خمسمائة حجاب من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام.

ثم قال : تقدم يا محمد فقال لجبرائيل : ولم لا تكون معي؟ قال : ليس لي أن اجوز هذا المكان فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله أن يتقدم حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى ، فقال تبارك وتعالى : أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ومن قطعك تبكته ، أنزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك ، واني لم ابعث نبيا إلا جعلت له وزيرا وأنك رسولي وأن عليا وزيرك فهبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكره أن يحدث الناس بشيء كراهة أن يتهموه ، لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية حتى مضى لذلك ستة أيام ، فأنزل الله تبارك وتعالى (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) فاحتمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك حتى كان يوم الثامن فأنزل الله تبارك وتعالى عليه

__________________

(١) روضة الواعظين : ٨٩ ـ ٩٤.

٣٣٨

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تهديد بعد وعيد لأمضين أمر الله عزوجل فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون عليّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة قال : وسلم جبرائيلعليه‌السلام على عليّ بإمرة المؤمنين» فقال علي عليه‌السلام : «يا رسول الله أسمع الكلام ولا أحسن الروية» فقال : «يا علي هذا جبرائيل أتاني من قبل ربي تصديق ما وعدني».

ثم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين ، ثم قال : يا بلال ناد في الناس أن لا يبقى غدا أحد إلّا عليل إلّا خرج إلى غدير خم» فلما كان من الغد خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بجماعة أصحابه فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة واني ضقت بها ذرعا مخافة أن تتهموني وتكذبوني حتى أنزل الله عليّ وعيدا بعد وعيد فكان تكذيبكم إياي أيسر عليّ من عقوبة الله إياي ، إن الله تبارك وتعالى اسرى بي واسمعني ، وقال : يا محمد أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته ومن قطعك تبكته أنزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك ، وأني لم أبعث نبيا إلّا جعلت له وزيرا ، وأنك رسولي وأن عليا وزيرك».

ثم أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ولم تريا قبل ذلك ثم قال : «أيها الناس إن الله تبارك وتعالى مولاي وأنا مولى المؤمنين ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله» فقال الشكّاك والمنافقون والذين في قلوبهم مرض وزيغ : نبرأ إلى الله من مقالة ليس بحتم ولا نرضى أن يكون علي وزيره ، هذه منه عصبية ، فقال سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار بن ياسر : والله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فكرر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ثلاثا ثم قال : «إن كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب بإرسالي إليكم بالولاية بعدي لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

الحديث الخامس عشر : ابن بابويه قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال : حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات قال : حدّثنا محمد بن ظهير قال : حدّثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم : «أفضل أعياد امتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب عليه‌السلام

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٤٣٥ / مجلس ٥٦ / ح ١٠.

٣٣٩

علما لامتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ورضى لهم الإسلام دينا» ثم قال : «معاشر الناس علي منّي وأنا من علي خلق من طينتي وهو إمام الخلق بعدي يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين وخير الوصيين وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبو الأئمة المهديين.

معاشر الناس من أحب عليا أحببته ومن أبغض عليا أبغضته ومن وصل عليا وصلته ومن قطع عليا قطعته ومن جفا عليا جفوته ومن والى عليا واليته ومن عادى عليا عاديته ، معاشر الناس انا مدينة الحكمة وعلي ابن أبي طالب عليه‌السلام بابها ، ولن تؤتى المدينة إلّا من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا معاشر الناس والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما نصبت عليا علما لامتي في الأرض حتى نوه الله باسمه في سماواته ، وأوجب ولايته على جميع ملائكته» (١).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٨٧ / مجلس ٢٦ / ح ٨.

٣٤٠