غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٣

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٣

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٣

الحديث العشرون : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن عبد الله بن محمد بن مهدي قال : حادثنا أحمد بن محمد يعني ـ ابن سعيد بن عقدة ـ قال : أخبرنا أحمد بن يحيى قال : حدّثنا عبد الرّحمن قال : حدّثنا أبي عن أبي إسحاق عن عبد الله بن المغيرة مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنها قالت : نزلت هذه الآية في بيتها (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ارسل إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فلما اتوه اعتنق عليا بيمينه والحسن بشماله والحسين على بطنه وفاطمة عند رجله ثم قال : «اللهم هؤلاء أهلي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» (١).

الحديث الحادي والعشرون : الشيخ في أماليه بإسناده عن علي بن الحسين عليه‌السلام عن أم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي وفي يومي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عندي فدعا علي وفاطمة والحسن والحسين وجاء جبرائيل فمد عليهم كساء فدكيا ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قال : جبرائيل وأنا منكم يا محمد؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأنت منّا يا جبرائيل» قالت أم سلمة : فقلت يا رسول الله وأنا من أهل بيتك فجئت لأدخل معهم ، فقال : «كوني مكانك يا أم سلمة إنك إلى خير أنت من أزواج نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال جبرائيل : اقرأ يا محمد (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢).

الحديث الثاني والعشرون : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا الحفّار قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ قال : حدثني أبو الحسن علي بن موسى الخزاز من كتابه قال : حدثني الحسن ابن علي الهاشمي قال : حدثني إسماعيل بن أبان قال : حدّثنا أبو مريم عن ثوير بن أبي فاختة عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي : دفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب وفتح الله عليه وأوقفه يوم غدير خم فاعلم الناس أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة قال له : «أنت منّي وأنا منك» ، وقال له : «تقاتل على التأويل كما قاتلت أنا على التنزيل» وقال له : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي» وقال له : «أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت» وقال له : «أنت العروة الوثقى» وقال له : «أنت تبين لهم ما اشتبه عليهم بعدي» ، وقال له : «أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي» ، وقال له : «أنت الذي أنزل الله فيه واذان من الله ورسوله إلى

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٢٦٣ / المجلس ١٠ / ح ٢٠ اختصر المصنف.

(٢) أمالي الطوسي : ٣٦٨ / المجلس ١٣ / ح ٣٤.

٢٠١

الناس يوم الحج الأكبر» وقال له : «أنت الآخذ بسنتي والذاب عن ملّتي» وقال له : «انا أول من تنشق الأرض عنه وأنت معي» وقال له : «أنا عندك الحوض وأنت معي» وقال له : «أنا أول من يدخل الجنة وأنت بعدي تدخلها والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام» وقال له : «إن الله أوحى إليّ أن أقوم بفضلك فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه» وقال له : «اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلّا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ثم بكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : ممّ بكاؤك يا رسول الله؟.

قال : «أخبرني جبرائيل عليه‌السلام أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده ، وأخبرني جبرائيل عليه‌السلام عن ربّه عزوجل أن ذلك يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم واجتمعت الأمة على محبتهم وكان الشاني لهم قليلا والكاره لهم ذليلا وكثر المادح لهم وذلك حين تغيّر البلاد وتضعف العباد والإياس من الفرج ، فعند ذلك يظهر القائم فيهم» فقيل له ما أسمه قال لنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي وهو من ولد ابنتي يظهر الله الحق بهم ويخمد الباطل باسيافهم ويتبعهم الناس بن راغب فيهم وخائف لهم» قال : وسكن البكاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج فإن وعد الله لا يخلف وقضاؤه لا يرد وهو الحكيم الخبير فإن فتح الله قريب ، اللهمّ إنهم أهلي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللهم اكلاهم وارعهم وكن لهم واحفظهم وانصرهم وأعنهم وأعزهم ولا تذلهم واخلفني فيهم إنك على كل شيء قدير»(١).

وقد تقدم هذا من طريق المخالفين في الباب السابق.

الحديث الثالث والعشرون : الشيخ في كتاب (المجالس) قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال : حدّثنا أحمد بن عبيد الله العدلي قال: حدّثنا الربيع بن يسار قال : حدّثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر قدس‌سره أن عليا عليه‌السلام وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا ويغلقوا عليهم بابه ويتشاوروا في أمرهم وأجلهم بينهم ثلاثة أيام فإن توافق خمسة عليهم‌السلام على قول واحد وأبى رجل منهم قتل ذلك الرجل ، وان توافق أربعة وأبى اثنان قتل الاثنان فلما توافقوا جميعا على رأي واحد قال لهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «إني أحب أن تسمعوا منّي ما أقول لكم ، فإن يكن حقا فاقبلوه ، وإن يكن باطلا فانكروه» قالوا : قل فذكر من فضائله عن الله سبحانه

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٣٥١ / المجلس ١٢ / ح ٦٦.

٢٠٢

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يوافقونه ويصدقونه فيما قال وكان فيما قال عليه‌السلام : «فهل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير حيث يقول الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) غيري وزوجتي وابني».

قالوا : لا (١).

الحديث الرابع والعشرون : الشيخ في مجالسه قال : حدّثنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثنا أبو طالب محمد بن أحمد بن أبي معشر السلمي الحراني بحران قال : حدّثنا أحمد بن الأسود أبو علي الحنفي القاضي قال : حدّثنا عبيد الله بن محمد بن حفص العائشي التيمي قال : حدثني أبي عن عمر بن أذينة العبدي عن وهب بن عبد الله بن أبي دنيّ الهنائي قال : حدّثنا أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه أبي الأسود قال : لما طعن أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب جعل الأمر بين ستة نفر علي بن أبي طالب عليه‌السلام وعثمان بن عفان وعبد الرّحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن مالك وعبد الله بن عمر معهم يشهد النجوى وليس له في الأمر نصيب وذكر حديث المناشدة نحوه (٢).

الحديث الخامس والعشرون : الشيخ في مجالسه قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن جوريه الجندي سابوري من أصل كتابه قال : حدّثنا علي بن منصور الترجماني قال : أخبرنا الحسن بن عنبسة النهشلي قال : حدّثنا شريك بن عبد الله النخعي القاضي عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي أنه ذكر عنده علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : إن قوما ينالون منه أولئك هم وقود النار ولقد سمعت عدة من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم حذيفة بن اليمان وكعب بن عجرة يقول كل رجل : منهم لقد أعطى علي ما لم يعطه بشر هو زوج فاطمة سيّدة نساء الأولين والآخرين فمن رأى مثلها أو سمع أن تزوج بمثلها أحد في الأولين والآخرين وهو أبو الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين فمن له أيها الناس مثلهما ورسول لله صلى‌الله‌عليه‌وآله حموه وهو وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهله وأزواجه وسدت الأبواب التي في المسجد كلها غير بابه وهو صاحب باب خيبر وهو صاحب الراية يوم خيبر ، وتفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ في عينيه وهو أرمد فما اشتكاهما من بعد ولا وجد حرا أو بردا بعد يوم ذلك ، وهو صاحب يوم غدير خمّ إذ نوّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باسمه وألزم أمته ولايته وعرفهم بخطره وبيّن لهم مكانه فقال يومئذ : «أيها الناس من أولى بكم من انفسكم؟» قالوا : الله ورسوله ، قال : «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه وهو صاحب العباء ومن اذهب الله عزوجل عنه الرجس وطهرهم تطهيرا» وهو صاحب الطائر حين

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٥٤٥ / مجلس ٢٠ / ح ٤.

(٢) أمالي الطوسي : ٥٥٦ / مجلس ٢٠ / ح ٧.

٢٠٣

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهم أتني بأحب خلقك إليك يأكل معي» فجاء علي عليه‌السلام فأكل معه وهو صاحب سورة براءة حين نزل بها جبرائيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سار أبو بكر بالسورة فقال له : يا محمد إنه لا يبلغها إلّا أنت أو علي إنه منك وأنت منه ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منه في حياته وبعد وفاته وهو عيبة علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت المدينة من بابها كما أمر الله فقال : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (١) وهو مفرّج الكرب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحروب ، وهو أول من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدّقه واتبعه ، وهو أول من صلّى فمن أعظم فريه على الله وعلى رسول الله ممن قاس به أحدا أو شبه به بشرا عليه‌السلام! (٢).

الحديث السادس والعشرون : الشيخ في مجالسه قال أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرّحمن الهمداني بالكوفة قال : حدّثنا محمد ابن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري قال : حدّثنا علي بن حسان الواسطي قال : حدّثنا عبد الرّحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليه‌السلام قال : «لما أجمع الحسن بن علي عليه‌السلام على صلح معاوية خرج حتى لقيه ، فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن عليه‌السلام أن يقوم أسفل منه بدرجة ثم تكلم معاوية وقال : أيها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا قد أتانا ليبايع طوعا ، ثم قال : قم يا حسن فقام الحسن عليه‌السلام فخطب فقال : الحمد لله المستحمد بالآلاء وتتابع النعماء وصارف الشدائد والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء ، المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه وعلوه من لحوق الاوهام ببقائه المرتفع عن كنه ظنانة المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويّات عقول الرائين، واشهد أن لا إله إلّا الله وحده في ربوبيته ووجوده ووحدانيته صمدا لا شرك له فردا لا ظهير له ، واشهد أن محمد عبده ورسوله اصطفاه وانتجبه وارتضاه وبعثه داعيا إلى الحق وسراجا منيرا وللعباد مما يخافون نذيرا ولما يأملون بشيرا فنصح للأمة وصدع بالرسالة ، وأبان لهم درجات العمالة شهادة عليها أموت وأحشر ، وبها في الآجلة أقرب وأحبر ، وأقول : معشر الخلائق فاسمعوا ولكم أفئدة وأسماع فعوا إنّا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا وأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا ، والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا وطهّرنا من كلّ أفن وغية ، مخلصين إلى آدم نعمة منه ، لم يفترق الناس فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله للنبوة واختاره للرسالة وأنزل عليه كتابه

__________________

(١) البقرة : ١٨٩.

(٢) أمالي الطوسي : ٥٥٨ / مجلس ٢٠ / ح ٨.

٢٠٤

ثم أمره بالدعاء إلى الله عزوجل فكان أبي عليه‌السلام أول من استجاب لله تعالى ولرسوله وأول من آمن وصدق الله ورسوله وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيّه المرسل : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) فرسول الله الذي على بينة من ربه وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه.

وقد قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة سربها يا علي فإني أمرت أن لا يسير بها إلّا أنا أو رجل منّي وأنت هو يا علي ، فعليّ من رسول الله ورسول الله منه ، وقال له نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ومولاه زيد بن حارثة في ابنه حمزة أما أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي فصدق أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سابقا ووقاه بنفسه ثم لم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل موطن يقدمه ولكل شديدة يرسله ثقة منه به وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحة الله عزوجل وإنه أقرب من الله ورسوله ، وقد قال الله عزوجل (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) فكان أبي سابق السابقين إلى الله عزوجل وإلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى ، (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً) فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا أولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا واولهم على وجده ووسعة نفقة قال سبحانه (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) فالناس من جميع الأمم يستغفرون له لسبقه إياهم إلى الإيمان بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان أحد وقد قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) فهو سابق جميع السابقين ، فكما أن الله عزوجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين فضل سابق السابقين على السابقين وقد قال الله عزوجل : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) حقا فكان أبي المؤمن بالله واليوم الآخر والمجاهد في سبيل الله حقا وفيه نزلت هذه الآية وكان ممن استجاب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّه حمزة وجعفر ابن عمه فقتلا شهيدين رضي الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل الله تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم ، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم وذلك لمكانهما من رسول الله ومنزلتهما وقرابتهما منهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه.

وكذلك جعل الله تعالى نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للمحسنة منكن أجرين وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهنّ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل الصلاة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بألف صلاة في سائر

٢٠٥

المساجد إلّا مسجد إبراهيم خليله عليه‌السلام بمكة ؛ وذلك لمكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ربه وفرض اللهعزوجل الصلاة على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على كافة المؤمنين ، فقالوا : يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ فقال : قولوا «اللهم صل على محمد وآل محمد» فحق على كل مسلم أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فريضة واجبة.

واحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واوجبها له في كتابه واوجب لنا من ذلك ما اوجب له وحرم عليه الصدقة منه وحرمها علينا منه فادخلنا فله الحمد فيما ادخل فيه نبيه واخرجنا ونزهنا مما اخرجه منه ونزهه عنه كرامة أكرمنا الله عزوجل بها وفضيلة فضّلنا بها على سائر العباد فقال الله تعالى لمحمد حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) فاخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الأنفس معه أبي ومن البنين أنا وأخي ومن النساء فاطمة أمي من الناس جميعا فنحن أهل ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهو منا وقد قال الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فلما انزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا وأخي وأمي وأبي فجعلنا ونفسه في كساء لأمّ سلمة خيبري وذلك في حجرتها وفي يومها فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت : أم سلمة رضي الله عنها أنا ادخل معهم يا رسول الله؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يرحمك الله أنت على خير وإلى خير وما ارضاني عنك ، ولكنها خاصة لي ولهم ، ثم مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه يأتينا كل يوم عند طلوع الفجر ويقول : الصلاة يرحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسد الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا فكلموه في ذلك فقال : إني لم اسد أبوابكم وافتح باب علي من تلقاء نفسي ولكن اتبع ما اوحي إلي وإن الله أمر بسدها وفتح بابه فلم يكن من بعده ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويولد فيه غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي عليهما‌السلام تكرمة من الله تعالى لنا وتفضلا اختصنا به على جميع الناس وهذا باب أبي قرين باب رسول الله في مسجده ومنزلنا بين منازل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك إن الله أمر نبيّه عليه‌السلام أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه وازواجه وعاشرها وهو متوسطها لأبي فها هو لبسبيل مقيم والبيت هو المسجد المطهر.

وهو الذي قال الله تعالى (أهل البيت) فنحن أهل البيت ونحن الذين اذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا أيها الناس إني لو قمت حولا فحولا اذكر الذي أعطانا الله عزوجل وخصّنا به من

٢٠٦

الفضل في كتابه وعلى لسان نبيّه لم احصه ، وأنا ابن النبي النذير البشير والسراج المنير الذي جعله الله رحمة للعالمين وأبي عليّ ولي المؤمنين وشبية هارون ، وأن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية وأيم الله لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ونزل على رقابنا وحمل الناس على أكتافنا ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم ومنع أمّنا فاطمة إرثها من أبيها إنّا لا نسمّي احدا.

ولكن اقسم بالله قسما تاليا لو أن الناس سمعوا قول الله عزوجل ورسوله لاعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما اختلف في هذه الامة سيفان ولأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة وما طمعت فيها يا معاوية ولكنها لما أخرجت سالفا من معدنها ، وزحزحت عن قواعدها ، تنازعتها قريش بينها ، وترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك قد قال رسول الله ما ولّت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا وقد تركت بنو إسرائيل وكانوا أصحاب موسى هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل واطاعوا فيه سامريهم وهم يعلمون أنه خليفة موسى.

وقد سمعت هذه الامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك لأبي عليه‌السلام : إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي ، وقد رأوا رسول الله حين نصبه لهم بغدير خم وسمعوه ونادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب وقد خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حذارا من قومه إلى الغار لما اجمعوا على أن يمكروا به وهو يدعوهم لما لم يجد عليهم اعوانا ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم وقد جعل في سعة كما جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سعة وقد خذلتني الامة وبايعتك يا ابن حرب ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك وقد جعل الله عزوجل هارون في سعة حين استضعفه قومه وعادوه ، كذلك أنا وأبي في سعة حين تركتنا الامة وتابعت غيرنا ولم نجد عليهم أعوانا ، وإنما هي السنن والأمثال تتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق والمغرب رجلا جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبوه وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تجدوا غيري وغير أخي فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان ، وكيف بكم وأنى ذلك منكم إلّا واني قد بايعت هذا وأشار إلى معاوية وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين أيها الناس أنه لا يعاب أحد بترك حقه وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له وكل صواب نافع وكل خطأ ضار لأهله وقد كانت القضية فهمها سليمان فنفعت سليمان ولم

٢٠٧

تضرّ داود ، وأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي والله للمؤمن انفع قال رسول الله لعمه أبي طالب وهو في الموت قل : لا إله إلا الله اشفع لك بها يوم القيامة ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له إلّا ما يكون منه على يقين وليس ذلك لأحد من الناس كلهم غير شيخنا اعني أبا طالب يقول الله عزوجل (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١) أيها الناس اسمعوا وعوا واتقوا الله وراجعوا وهيهات منكم الرجعة إلى الحق وقد صارعكم النكوص وخامركم الطغيان والجحود أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ، والسلام على من اتبع الهدى قال : فقال معاوية : والله ما نزل الحسن حتى اظلمت على الأرض ، وهممت أن أبطش به ثم علمت أن الاغضاء أقرب إلى العافية»(٢).

الحديث السابع والعشرون : الشيخ في مجالسه قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبيه عن عثمان أبي اليقظان عن أبي عمر زادان قال : لما ودّع الحسن بن علي عليه‌السلام معاوية صعد معاوية المنبر وجمع الناس فخطبهم وقال : إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا وكان الحسن عليه‌السلام أسفل منه بمرقات فلما فرغ من كلامه قام الحسن فحمد الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر المباهلة فقال : «فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الأنفس بأبي ومن الأنبياء بي وبأخي ومن النساء بأمي ، وكنّا أهله ونحن له ، وهو منّا ونحن منه ، ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كساء لأمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ خيبري ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وأمّي ولم يكن أحد يجنب في المسجد ويولد له فيه إلّا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي تكرمة من الله تعالى لنا وتفضيلا منه لنا وقد رأيتم مكان منزلها من رسول الله وأمر بسد الأبواب فسدّها وترك بابنا فقيل له في ذلك فقال : أما إني لم أسدها وافتح بابه ولكن اللهعزوجل أمرني أن أسدها وافتح بابه وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقّنا وتوثب على رقابنا وحمل الناس علينا ومنعنا سهمنا من الفيء ، ومنع أمّنا ما جعل لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها وما طمعت فيها يا معاوية فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها فطمعت فيها الطلقاء وابناء الطلقاء أنت وأصحابك ، وقد قال رسول

__________________

(١) النساء : ١٨.

(٢) أمالي الطوسي : ٥٦١ / مجلس ٢١ / ح ١.

٢٠٨

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا فقد تركت بنو إسرائيل هارون ، وهم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم واتبعه السامري ، وقد تركت هذه الأمة أبي وبايعوا غيره ، وقد سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي.

فقد رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصب أبي يوم غدير خم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب ، وقد هرب رسول الله من قومه وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار ولو وجد أعوانا ما هرب ، وقد كف أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يغث فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ، وجعل الله النبي في سعة من الله حين دخل الغار ولم يجد أعوانا وكذلك أبي وأنا في سعة من الله حين خذلتنا الامة وبايعوك يا معاوية ، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.

أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوا وأني قد بايعت هذا ، «وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين» (١).

الحديث الثامن والعشرون : الشيخ في مجالسه قال أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثنا أبو علي أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة البرقي املاء على من كتابه قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا الرضا أبو الحسن علي بن موسى قال : «حدثني أبي ، موسى بن جعفر قال : حدثنا أبي جعفر بن محمد قال : حدثني أبي محمد بن علي قال : حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال : لما أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين عليه‌السلام وخاطباه في البيعة وخرجا من عنده خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى المسجد فحمد الله واثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسولا منهم واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ثم قال : إن فلانا وفلانا أتياني وطالباني للبيعة لمن سبيله أن يبايعني أنا ابن عم النبي وأبو ابنيه والصديق الأكبر وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقولها أحد غيري إلّا كاذب ، واسلمت وصليت وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد وأبو الحسن والحسين سبطي رسول ، الله ونحن أهل بيت الرحمة بنا هداكم الله وبنا استنقذكم من الضلالة ، وأنا صاحب يوم الدوح وفي سنّه سورة من القرآن، وأنا الوصي على الأموات من أهل بيته عليهم‌السلام ، وأنا بقيته على الأحياء من أمته فاتقوا الله يثبت أقدامكم ويتم نعمته عليكم ، ثم رجع إلى بيته» (٢).

الحديث التاسع والعشرون : الشيخ في (مجالسه) قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال:

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٥٥٩ / مجلس ٢٠ / ح ٩.

(٢) أمالي الطوسي : ٥٦٨ / مجلس ٢٢ / ح ١.

٢٠٩

حدّثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر قال : حدّثنا محمد بن حميد الرازي قال : حدّثنا جرير عن أبي أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كنت عند معاوية وقد نزل بذي طوى فجاء سعد بن أبي وقاص فسلم عليه فقال معاوية : يا أهل الشام هذا سعد وهو صديق علي قال : فطأطأ القوم رءوسهم وسبوا عليا عليه‌السلام فبكى سعد فقال له معاوية : ما الذي ابكاك؟ قال ولم لا أبكي لرجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسب عندك ولا استطيع أن أغير وقد كان في علي خصال لأن تكون فيّ واحدة منهنّ أحب إليّ من الدنيا وما فيها احدها : إن رجلا كان باليمن فجاءه علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : لأشكونك إلى رسول الله فقدم علي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله عن علي عليه‌السلام فثنى عليه فقال : «انشدك الله الذي أنزل عليّ الكتاب واختصني بالرسالة أعن سخط تقول ما تقول في علي عليه‌السلام» قال : نعم يا رسول الله ، قال : «ألا تعلم أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم» قال : بلى قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» والثانية إنه بعث يوم خيبر عمر ابن الخطاب إلى القتال فهزم وأصحابه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا اعطين الراية غدا إنسانا يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» فقعد المسلمون وعلي عليه‌السلام أرمد فدعاه فقال : «خذ الراية» فقال : «يا رسول الله إن عيني كما ترى» فتفل فيها فقام فأخذ الراية ثم مضى بها فتح الله عليه.

والثالثة خلّفه في بعض مغازيه فقال علي : «يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان» فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا انه لا نبي بعدي».

والرابعة سدّ الأبواب في المسجد إلّا باب علي.

والخامسة نزلت هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام وحسنا وحسينا وفاطمة عليهم‌السلام فقال : «اللهم هؤلاء اهلي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» (١).

الحديث الثلاثون : أبو علي الطبرسي قدس‌سره قال : ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره قال : حدثني شهر ابن خوشب عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قال : جاءت فاطمة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحمل خزيرة لها فقال لها : «ادعي زوجك وابنيك» فجاءت بهم فطعموا ثم ألقى عليهم كساء خيبريا وقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» فقلت : يا رسول الله وأنا معهم؟ قال : «أنت إلى خير» (٢).

الحديث الحادي والثلاثون : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : في رواية أبي الجارود عن أبي

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٥٩٨ / مجلس ٢٦ / ح ١٧.

(٢) مجمع البيان : ٨ / ١٥٦.

٢١٠

جعفر عليه‌السلام في قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قالت : «نزلت هذه الآية في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وذلك في بيت أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ثم البسهم كساء له خيبريا ودخل معهم فيه ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا نزلت هذه الآية فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله؟ فقال : ابشري يا أم سلمة إنك إلى خير» قال أبي الجارود : وقال زيد بن علي بن الحسين : إن جهالا من الناس يزعمون إنما أراد بهذه الآية ازواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كذبوا واثموا وأيم الله لو عنى بها أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقال : ليذهبن عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا ولكان الكلام مؤنثا كما قال : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ وَلا تَبَرَّجْنَ ، ...) و (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) (١) (٢).

الحديث الثاني والثلاثون : ابن بابويه في أماليه قال : حدّثنا أبي قدس‌سره قال : حدثني سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام من آل محمد قال : «ذريته» قلت : من أهل بيته قال : «الأئمة الأوصياء» قلت : من عترته؟ قال : «أصحاب العباء» فقلت : من أمته؟ قال : «المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله عزوجل المستمسكون بالثقلين الذين امروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهما الخليفتان على الامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

الحديث الثالث والثلاثون : ابن بابويه في أماليه قال : حدّثنا أبي قدس‌سره قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال : حدّثنا علي بن اسباط قال : حدّثنا علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : «يا أبا بصير نحن شجره العلم ونحن أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي دارنا مهبط جبرئيل عليهم‌السلام ونحن خزان علم الله ونحن معادن وحي الله من تبعنا نجى ومن تخلف عنا هلك حقا على الله عزوجل» (٤).

الحديث الرابع والثلاثون : محمد بن علي بن شهرآشوب في كتاب (المناقب) قال : نزلت في علي عليه‌السلام بالإجماع (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٥).

__________________

(١) الاحزاب : ٣٤.

(٢) تفسير القمي : ٢ / ١٩٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٣١٢ / مجلس ٤٢ / ح ١٠.

(٤) أمالي الصدوق : ٣٨٣ / مجلس ٥٠ / ح ١٥.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٤.

٢١١

الباب الثالث

في قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (١)

من طريق العامة وفيه تسعة عشر حديثا

الحديث الأول : من صحيح مسلم من الجزء الرابع في ثالث كراس من أوله في باب فضائل علي ابن أبي طالب عليه‌السلام قال : حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبّاد وتقاربا في اللفظ قالا : حدّثنا حاتم وهو ابن إسماعيل عن بيكر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول حين خلّفه في بعض مغازيه فقال له علي عليه‌السلام : «يا رسول الله خلفتي مع النساء والصبيان ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي» وسمعته يقول يوم خيبر : «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» قال فتطاولنا لها فقال : «ادعوا إلي عليا» فأتى به أرمد العين فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله على يده ، ولما نزلت هذه الآية (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» (٢).

الحديث الثاني : من صحيح مسلم من الجزء المذكور سابقا في آخره على حد كراسين قال: حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد تقاربا في اللفظ قالا : حدّثنا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال له : ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلن أسبه لئن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له حين خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ يا رسول الله : «خلفتني مع النساء والصبيان فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبوة بعدي» وسمعته يقول يوم خيبر : «لاعطين الراية رجلا

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) صحيح مسلم : ٧ / ١٢١.

٢١٢

يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» قال : فتطاولنا لها فقال : «ادعوا إلي عليا» فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» (١).

الحديث الثالث : الثعلبي في تفسيره قال : قال مقاتل والكلبي : لما قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة فقالوا له : حتى نرجع وننظر في أمرنا ونأتيك غدا فخلا بعضهم الى بعض فقالوا للعاقب ـ وكان ديانهم وذا رأيهم ـ : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى إن محمد نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم والله ما لاعن قوم قط نبيّا فعاش كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم ذلك لتهلكن وان أبيتم الا تلف دينكم والاقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فودعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد غدا رسول الله محتضنا الحسن واخذ بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم : «إذا أنا دعوت فأمّنوا» فقال اسقف نجران : يا معشر النصارى : إن لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض من نصراني إلى يوم القيامة قالوا : يا أبا القاسم لقد رأينا أن لا نلاعنك وان نتركك على دينك ونثبت على ديننا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فإن أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم» فأبوا فقال : «فاني أنابذكم».

فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك في كل عام ألفي حلة ألف في صفر وألف في رجب فصالحهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك وقال : «والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي عليهم نارا ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله حتى الطير على الشجرة ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا فقال الله تعالى (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فإن تولّوا اعرضوا عن الإيمان (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) (٢) (٣).

الحديث الرابع : أبو الحسن الفقيه ابن المغازلي الواسطي في مناقبه قال : أخبرني محمد بن أحمد بن عثمان قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي داود قال :

__________________

(١) صحيح مسلم : ٧ / ١٢١.

(٢) آل عمران : ٦٣.

(٣) العمدة : ١٨٩ / ٢٩٠ عن الثعلبي.

٢١٣

حدّثنا يحيى بن حاتم العسكري قال : حدّثنا بشر بن مهران قال : حدّثنا محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال : قدم وفد نجران على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله العاقب والطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا : اسلمنا يا محمد قبلك قال : «كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام؟» قالا : فهات أنبئنا قال : «حب الصليب وشرب الخمر وأكل الخنزير» فدعاهما إلى الملاعنة فوعداه أن يغادياه بالغداة فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيده علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه فأقرّا له بالخراج فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي بعثني بالحق نبيّا لو فعلا لأمطر عليهما الوادي نارا» قال جابر : فيهم نزلت هذه الآية فقال (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ...) الآية قال الشعبي (أَبْناءَنا) الحسن والحسين (وَنِساءَنا) فاطمة (وَأَنْفُسَنا) علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

الحديث الخامس : أبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب فضائل علي وهو من أعيان علماء العامة قال أخبرنا قتيبة قال : حدّثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن عمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟ قال : أما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن تكون إليّ واحدة منهن أحب الي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي وخلّفه في بعض مغازيه أعود قال له علي : «يا رسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبوة بعدي» ، وسمعته يقول يوم خيبر : «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» قال فتطاولنا لها فقال : «ادعوا إلي عليا» فأتى علي وبه رمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ونزلت هذه الآية (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ...) الآية دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المباهلة عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ثم قال : «اللهم هؤلاء أهلي».

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى» اخرجه الشيخان في صحيحة بطرق كثيرة. انتهى كلام موفق ابن أحمد (٢).

الحديث السادس : أبو نعيم صاحب حلية الأولياء بإسناده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم‌السلام فقال : «اللهم هؤلاء

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي : ١٧١ / ح ٣١٠.

(٢) المناقب : ١٠٨ / ح ١١٥.

٢١٤

أهل بيتي» (١).

الحديث السابع : أبو نعيم الحافظ بإسناده عن الشعبي عن جابر قال : قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله العاقب والطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا : اسلمنا يا محمد قبلك فقال : «كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام» فقالا : هات أنبئنا قال : «لحب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير» قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى أن يغادياه بالغداة فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيد علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وفاطمة فارسل إليهما فأبيا أن يجيباه واقرّا له بالخراج فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي بعثني بالحق نبيا لو فعلا لا مطر الله عليهما الوادي نارا» قال جابر : فيهم نزلت (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) قال جابر (أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي و (أَبْناءَنا) الحسن والحسين عليهما‌السلام (وَنِساءَنا) فاطمة عليهما‌السلام (٢).

الحديث الثامن : أبو نعيم الحافظ بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما جاء أهل نجران وأنزل الله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام وقال : «إذا أنا دعوت فآمنوا» فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية (٣).

الحديث التاسع : من الجزء الثاني من كتاب (المغازي) عن ابن إسحاق قال : لما قدّم وفد نجران على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم الحلل وخواتيم الذهب فسلّموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يرد عليهم وتصدوا لكلامه عليه‌السلام نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب فانطلقوا يبتغون عثمان ابن عفان وعبد الرّحمن بن عوف وكانوا بمعرفة لهما [فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا : يا عثمان ويا عبد الرحمن] إن نبيّكم قد كتب إلينا كتابا فأقبلنا إليه وسلّمنا عليه فلم يرد علينا السلام وتصدينا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلّمنا فما رأيكما أنعود أم نرجع؟ فقالا لعلي عليه‌السلام : ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ، فقال علي لعثمان ولعبد الرّحمن: «أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إليه» ، ففعل وفد نجران ذلك فوضعوا حللهم وخواتيمهم وأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلموا فردّ سلامهم ثم قال : «والذي بعثني بالحق لقد أتوا المرة الأولى وإن ابليس لمعهم» ثم سألهم وسألوه فلم يزل به وبهم المسألة حتى قالوا : ما تقول في عيسى؟ فإنّا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى ليسرنا إن كنت نبيّا أن نعلم ما تقول فيه؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما عندي فيه شيء هذا فاقيموا حتى أخبركم ما يقال لي في عيسى» فاصبح من الغد وقد

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣١ / ٢٦١.

(٢) بحار الأنوار : ٣١ / ٢٦٢.

(٣) بحار الأنوار : ٣١ / ٢٦٤.

٢١٥

أنزل الله تعالى عليه (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) فأبوا أن يقرّوا بذلك فاصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشتملا على علي والحسن والحسين [في خميل له] وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة [وله يومئذ عدة نسوة] (١) فقال شرحبيل لصاحبه : يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار ابن فضّ قد علمتم أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عند رأيي فإني والله أرى أمرا مقفلا (٢) والله إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنّا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه امره ، ولا يذهب لنا من صدور قومه حتى يصبونا بجائحة ، وإنا لأدنى العرب منهم جوازا ولئن كان هذا الرجل نبيّا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلّا هلك.

فقال له صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم فقد وضعتك الأمور على ذراع فهات رأيك؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإنّي أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا : أنت وذاك ، فتلقى شرحبيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال : «وما هو» فقال : شرحبيل حكمك اليوم وليلتك إلى الصباح فبما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لعل ورائك أحد يثرب عليك».

فقال له شرحبيل : سل صاحبيّ ، فسألهما فقالا : ما يورد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل وداعه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كافر جاحد موفق» فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلاعنهم حتى إذا كان من الغداة أتوه وكتب لهم هذا الكتاب :

بسم الله الرّحمن الرحيم هذا ما كتبه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لنجران : أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة ، وفي كل صفر ألف حلة أو قيمه ما زادت حلل الخرج أو نقصت [الى أن قال : بعثه رسول الله إلى نجران]. ليجمع صدقاتهم ويقدم عليهم بجزيتهم» (٣).

الحديث العاشر : إبراهيم بن محمد الحمويني في كتاب (فرائد السمطين) وهو من أعيان علماء العامة قال : انبأني عبد الحميد بن فخّار عن أبي طالب بن عبد السميع إجازة عن شاذان بن جبرئيل قراءة عليه عن محمد بن عبد العزيز عن محمد بن أحمد بن علي قال : أنبأنا أبو منصور محمود بن

__________________

(١) زيادة من البداية والنهاية.

(٢) في البداية : ثقيلا.

(٣) البداية والنهاية : ٥ / ٦٥ ط. دار إحياء التراث ، وطبقات ابن سعد : ١ / ٢٨٨ ـ ٣٥٨ بتفاوت ، وفتوح البلدان : ٧٦ ، والبحار : ٢١ / ٣٦٠ مختصرا.

٢١٦

إسماعيل بن محمد الصيرفي : قال أنبأنا أبو الحسين بن فاذشاه قال : أنبأنا سليمان بن أحمد قال : أنبأنا أحمد بن داود المكي ومحمد بن زكريا الغلابي قالا : أنبأنا بشر بن مهران الخصّاف قال : حدّثنا محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر قال : قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله العاقب الطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا أسلمنا يا محمد قال : «كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام» قالا : فهات أنبئنا قال : «حبّكما الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير» قال جابر فدعاهما إلى الملاعنة وواعداه أن يغادياه بالغداة فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيده علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم فارسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر عليهما الوادي نارا» قال جابر فيهم نزلت: (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) قال الشعبي : قال جابر : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) قال : رسول الله وعلي صلوات الله عليهما (وَنِساءَنا) فاطمة عليهما‌السلام و (أَبْناءَنا) الحسن والحسين صلوات الله عليهما (١).

الحديث الحادي عشر : أبو المؤيد موفق بن أحمد المتقدم في الباب عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن والشعبي والسّدي قالوا في حديث المباهلة : إن وفد نجران أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تقدّم الأسقف فقال : يا أبا القاسم موسى من أبوه؟ قال : «عمران» فقال : يوسف من أبوه؟ قال: «يعقوب» قال : فأنت من أبوك؟ قال : «عبد الله بن عبد المطلب» قال : فعيسى من أبوه؟ فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر الوحي من السماء فهبط جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) فقال الأسقف لا نجد هذا فيما أوحى إلينا قال : فهبط جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) قال : انصفت متى نباهلك؟ قال : «غدا إن شاء الله تعالى» فانصرفوا القوم ثم قال الأسقف لأصحابه انظروا أن خرج في عدة من أصحابه فباهلوه ، فإنه كذاب ، وان خرج في خاصة من اهله فلا تباهلوه فإنه نبي ولئن باهلنا لنهلكن وقالت النصارى : والله إنا لنعلم أنه النبي الذي كنّا ننتظره ولئن باهلناه لنهلكن ولا نرجع إلى أهل ولا مال قالت اليهود والنصارى : كيف نعمل؟ قال أبو الحرث الأسقف : رأيناه رجلا كريما نغدوا عليه فنسأله أن يقيلنا فلما اصبحوا بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أهل المدينة ومن حولها فلم تبق بكر لم تر الشمس إلّا خرجت وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن يديه والحسن عن يمينه ، قابضا بيده والحسين عن شماله وفاطمة خلفه ثم قال : «هلموا فهؤلاء ابناءنا الحسن والحسين

__________________

(١) فرائد السمطين : ٢ / ٢٣ / ب ٤ / ح ٣٦٥.

٢١٧

وهؤلاء أنفسنا لعلي ونفسه وهذه نسائنا لفاطمة» قال : فجعلوا يستترون بالاساطين ويستر بعضهم ببعض تخوفا أن يبدأهم بالملاعنة ثم أقبلوا حتى بركوا بين يديه وقالوا : أقلنا أقالك الله يا أبا القاسم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اقلتكم» وصالحوا على الفي حلة (١).

الحديث الثاني عشر : إبراهيم بن محمد الحمويني المتقدم من كتابه قال : أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرّحمن بن عيسى الدهقان في الكوفة من أصل كتابه قال : نبأنا الحسين بن الحكم الحبري قال : حدّثنا الحسن بن الحسين العرني قال : نبأنا حبان بن علي العنزي قال : نبأنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عزوجل : (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام نفسه (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) في فاطمة عليهما‌السلام و (أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) في حسن وحسين صلوات الله عليهما والدعاء على الكذابين نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابه (٢).

الحديث الثالث عشر : الحمويني هذا قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصنعاني قال : نبأنا محمد بن بور عن ابن جريج في قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فمنهم : السيد والعاقب وأخبرت أن معهما عبد المسيح وهما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا : يا محمد بم تشتم صاحبنا؟ قال: «ومن صاحبكم؟» قال : عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اجل هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم» فغضبوا وقالوا إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير ولكنه الله فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى جاءه جبرئيل فقال : يا محمد (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنهم قد سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى» قال جبرائيل : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ... فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) في عيسى يا محمد من بعد هذا فقل (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ...) الآية (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) هذه الآية ، فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم وجعلوا فاطمة عليها‌السلام وراءهم ثم قال: «هؤلاء ابناؤنا وانفسنا ونساؤنا فهلموا انفسكم وابنائكم ونسائكم ونجعل لعنة الله على الكاذبين» فأبى السيد واقالوا : نصالحك فصالحوه على ألف حلة كل عام في كل رجب ألف حلة وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي نفسي بيده لو لا عنوني ما حال الحول ومنهم بشر إلا اهلك الله

__________________

(١) المناقب : ١٥٩ / ح ١٨٩.

(٢) فرائد السمطين : ٢ / ٢٠٥ / ب ٤٠ / ح ٤٨٤.

٢١٨

الكاذبين» (١).

الحديث الرابع عشر : الحمويني هذا قال : حدّثنا أبو جعفر بن محمد بن نصير الخلدي قال: أنبأنا قتيبة بن سعيد قال : حدّثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه قال : لما نزلت هذه الآية (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا صلوات الله عليهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهم هؤلاء أهلي» (٢).

الحديث الخامس عشر : المالكي في (الفصول المهمة) قال : روى مسلم والترمذي أن معاوية قال لسعد بن أبي وقاص : ما منعك أن تسب عليا أبا تراب؟ فقال : أما ذكرت ثلاثة قالهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلن أسبّه ولئن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال علي : «خلفتي مع النساء والصبيان» فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما ترضى أن تكن منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» وسمعته يقول : يوم خيبر : «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» فتطاولنا إليها فقال : «ادعوا لي عليا» فأتي به أرمد فبصق في عينيه فبرأ ودفع إليه الراية ففتح الله على يديه ، ولما نزلت هذه الآية (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : «اللهم هؤلاء أهلي»(٣).

الحديث السادس عشر : المالكي في فصول المهمة وهو من أعيان علماء العامة قال أهل البيت على ما ذكره المفسرون في تفسير المباهلة وعلى ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها هم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام أما آية المباهلة وهي قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) وسبب نزول هذه الآية أنه لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخلوا عليه مسجد بعد صلاة العصر وعليهم ثياب الحبرات وأردية الحرير ، لا بسين الحلل متختمين بخواتم الذهب ، يقول من رآهم من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما رأينا قبلهم وفد مثلهم وفيهم ثلاثة من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم : العاقب واسمه عبد المسيح كان أمير القوم وصاحب رأيهم ومشورتهم لا يصدرون إلّا عن رأية والسيد وهو الأيهم وكان ثمالهم وصاحب رأيهم ومجتمعهم ، وأبو حاتم بن

__________________

(١) فرائد السمطين : ٢ / ٢٠٥ / ب ٤٠ / ح ٤٨٥.

(٢) فرائد السمطين : ٢ / ٣٧٧ / ب ٦٩ / ح ٣٠٧.

(٣) الفصول المهمة : ١٢٠ و ٢٢ ، وصحيح مسلم : ٧ / ١٢١ ، وسنن الترمذي : ٥ / ٣٠١ ح ٣٨٠٨.

٢١٩

علقة وكان اسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وكان رجلا من العرب من بني بكر بن وائل ولكنه تنصّر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه ، وبنوا له الكنائس وموّلوه وأخدموه ، لما علموا من صلابته في دينهم ، وقد كان يعرف [أمر] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشأنه وصفته [بما علمه] من الكتب المتقدمة ، ولكنه حمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما رأى من تعظيمه ووجاهته عند أهلها.

فتكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أبي حاتم بن علقة والعاقب عبد المسيح وسألهما وسألاه ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن تكلم مع هذين الحبرين منهم دعاهم إلى الإسلام ، فقالوا : قد اسلمنا فقال : «كذبتم إنّه يمنعكم من الإسلام ثلاثة : عبادتكم الصليب ، وأكلكم الخنزير ، وقولكم : لله ولدا» فقالوا : هل رأيت ولدا بغير أب فمن أبو عيسى؟ فأنزل الله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ... الآية فلما نزلت هذه الآية مصرّحة بالمباهلة دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفد نجران إلى المباهلة وتلا عليهم الآية فقالوا : حتى ننظر في أمرنا ونأتيك غدا ، فلمّا خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب صاحب مشورتهم : ما ترى في الرأي؟ فقال : [والله لقد عرفتم يا معاشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم] والله ما لا عن قوم قط نبيّا إلّا هلكوا عن آخرهم ، فاحذروا كلّ الحذر أن يكون آفة الاستئصال منكم ، وإن أبيتم إلّا ألف دينكم والإقامة عليه فوادعوا الرجل وأعطوه الجزية ثم انصرفوا إلى مقركم ، فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج وهو محتضن الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة خلفه وعلي خلفهم وهو يقول : «اللهم هؤلاء أهلي ، إذا أنا دعوت آمنوا» فلما رأى وفد نجران ذلك وسمعوا قوله قال كبيرهم : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألت من الله تعالى أن يزيل جبلا لأزاله لا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني منكم إلى يوم القيامة ، فأقبلوا الجزية ، فقبلوا الجزية ثم انصرفوا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي نفس محمد بيده إن العذاب قد نزل على أهل نجران ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضرم الوادي عليهم نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولم يحل الحول على النصارى حتى هلكوا»(١) (٢).

الحديث السابع عشر : المالكي أيضا : قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : (أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الفصول المهمة : ٢٣ ، المقدمة ط. النجف.

(٢) ورواه الثعلبي بتفاوت ، في التفسير المخطوط مواد الآية.

٢٢٠