العقيدة الإسلاميّة على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام

الشيخ جعفر السبحاني

العقيدة الإسلاميّة على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


المترجم: الشيخ جعفر الهادي
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٨

فقد جاء في إحدى تلك الروايات ما هذا نصُّه : «جَمَعَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظُّهر والعصر وبين المغرب والعِشاء. فقيلَ له في ذلك. فقال : صَنَعْتُ هذا لِئلّا تُحرَجَ أُمّتي» (١).

إنّ الروايات التي تحدّثت عن جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الصلاتين وردت في الصحاح والمسانيد وهي تنص على جواز الجمع بين الصلاتين تربو على واحدة وعشرين رواية ، بعضُها يرتبط بالسَّفر ، والبعض الآخر يكون في غير السفر والمرض والمطر.

وفي بعضها أُشيرَ إلى حكمة الجَمع بين الصَّلاتين وهو التوسعة والتخفيف عن المسلمين ، وقد استفاد فقهاء الشيعة من هذا التسهيل تجويز الجمع بين الصلاتين (الظهرين والعشائين) مطلقاً ، وأمّا كيفية الجمع فهي على النحو الذي كان المسلمون جميعاً يجمعون في عرفة والمزدلفة.

وقد يُتَصوَّر أن المقصود من الجَمع هو أن يؤتى بالصلاة الأُولى من الصَّلاتين في آخر وقت الفَضيلة (مثلاً عند ما يبلغُ ظل الشاخص إلى مقداره) ويؤتى بالصلاة الثانية في أوّل وقت العصر ، وبهذا العمل يكون المصلّي في الحقيقة ـ قد أتى بكلتا الصلاتين في وقتهما وإن كان إحداهما في نهاية وقتها والأخرى في بدايته.

__________________

(١). شرح الزرقاني على موطأ مالك ، ج ١ ، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ص ٢٩٤.

٣٤١

ولكن هذا التصوُّر مخالفٌ لظاهر الرّوايات لأنّ كيفية الجمع بين الصلاتين ـ كما أسلفنا ـ هي على غرار ما يفعله المسلمون جميعاً في عرفة والمزدلفة ، يعني انّهم في عرفة يأتون بكلتا الصلاتين (الظهر والعصر) في وقت الظهر ، وفي المزدلفة يأتون بكلتا الصلاتين (المغرب والعشاء) في وقت العشاء.

وعلى هذا الأساس يجب أن يكون الجمع بين الصّلاتين الذي جاء في لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناظراً إلى هذا النمط من الجَمع ، وليس الجمع الذي يؤتى فيه بإحدى الصلاتين في آخر وقته ، وبالأُخرى في أوّل وقتها.

هذا مضافاً إلى أنّ حكمة الجمع بين الصلاتين وُصِفت في بعض الروايات بأنّها التوسعة والتخفيف وفي بعض الرّوايات وصفت بأنّها لرفع الحَرَج ، وهذا إنّما يتحقّق إذا كان المصلّي في الجمع بين الصلاتين على خيارٍ كاملٍ يعني أن يجوز له أن يأتي بالظهر والعصر ، والمغرب والعشاء متى شاء.

هذا مضافاً إلى أنّه على أساس هذا التفسير للمقصود يجب أن يُقال إنَّ النبيّ لم يأت بشيءٍ جديدٍ ، لأنّ مثل هذا الجمع كان جائزاً حتى قبل أن يفعله النبيّ ، فإنّ أي مسلم كان يجوز له أن يؤخّر صلاة الظهر إلى آخر الوقت ، ويأتي بالعصر كذلك في أول وقته.

ولقد كَتبَ فقهاءُ الشيعة الإمامية حول الجَمع بين الصَّلاتين وأدلّتِهِ رسائلَ مفصّلةً يمكن لمن يحبُّ التوسعَ مراجعتها.

٣٤٢

الأصلُ الخامسُ والأربعون بعد المائة : الزواج المؤقت (المتعة)

إنّ الفقه الشيعيَّ تَبَعاً للكتاب والسُّنة يُصَحّحُ نوعَينِ من الزَّواج : «الزواج الدائم» وهو لا يحتاج إلى توضيح.

«والزواج الموقَّت» أو المتعة وكيفيتها كالتالي :

يجوز للرجل والمرأة بأن يقيما علاقة زوجيّة بينهما لمدّة معينة شريطة أن لا يكون هناك مانعٌ شرعي (من نَسَبٍ أو رِضاعٍ) في طريق زواجهما ، وذلك بَعد أن يُعيّنا مبلغاً من المال ، ثمّ إنّهما بعد انقضاء المدة ينفصلان من دون إجراء صيغة الطلاق.

ولو نشأ من هذا الزواج (الموقَّت) وَلد كان ولدُهما شرعاً وورثهما.

وعلى المرأة ـ بعد انقضاء المُدّة ـ أن تعتدَّ عدةً شرعيّةً ، ولو كانت حاملاً وَجَبَ الاعتدادُ إلى أن يولَد الطفلُ ، ولا تتزوَّج في حالِ كونها في حبالة الرَّجُل ، وكذا في حالِ عدَّتها ، برجل آخر.

إنّ الزواج الموقَّت مثل الزَّواج الدائم ماهيةً وحقيقةً ، وأكثر الأحكام الثابتة للزواج الدائم ، ثابتة كذلك للنكاح الموقَّت ، وغاية ما هناك من تفاوت مهمّ بين هذين الزواجين هو أمران :

١. تعيين المدة في النكاح المؤقت.

٢. عدم وجوب النفقة في هذا النِّكاح.

ولو أنّنا تجاوزنا هذين المطلبين البارزين تكون الفوارق الأُخرى

٣٤٣

فوارق جزئية لا توجب افتراقاً كبيراً بين النكاحين.

هذا وحيث إنّ الإسلام دينٌ خاتم وشريعة جامعة فجوّز هذه الأطروحة لحلّ المشكلة الجنسية.

ولو أنّنا أخذنا وضع الشاب الّذي يدرس أو يعمل خارج البلاد ، ويفتقد القُدرة على الزواج الدائم فما ذا يفعل في هذه الحالة؟ وما هي وظيفته في هذه الصورة؟ فإنَّ الشابّ لا يجد أمامه إلّا ثلاثة خيارات :

ألف : كبح الرغبة الجنسيّة وأن يحرم النفس من التلذّذ الجنسي.

ب : إيجاد العلاقة الجنسية غير الشرعية مع النساء الفاسدات أو المريضات.

ج : الاستفادة من الزواج المؤقّت مع امرأةٍ طاهرةٍ ضمن شروطٍ خاصّةٍ ، من دون تحمّل مشكلة النفقة والتي توجدُها رابطة الزوجية الدائمة.

إنّ من الواضح انّه ليس هناك طريقٌ رابعٌ يستفيد منه الشابُ المذكورُ ، على أنّه لا يعني هذا أنّ الزواج الموقَّت خاصٌّ بمثل هذه الشروط ولكن في نفس الوَقت تستطيع ملاحظة مثل هذه الموارد أن تكشف عن حكمة تشريع هذا النمط من الزواج.

ولا بدّ من الالتفات ـ ضمناً ـ إلى أنّ فقهاءَ الإسلام قد أيّدوا نوعاً من الزَّواج الدائم الذي هو في حقيقته الزواج المؤقّت وهو ان يتزوج رجلٌ وامرأة زواجاً دائمياً ولكنهما أو أحدهما يعلمان بأنهما سينفصلان ، بعد

٣٤٤

مدة بالطلاق.

إنّ تجويز هذا النوع من الزواج يشبه تماماً تجويز الزواج المؤقّت فهما متشابهان جوهراً وإن اختلفا اسماً.

إنّ الكتاب والسُّنَّة النبويّة حاكيان عن مشروعية الزواج المؤقّت (المتعة) فالقرآنُ الكريم يقول :

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (١).

إنّ الأغلبيّة الساحقة من المفسّرين يعتبرون هذه الآية مرتبطةً بالزواج المؤقّت. وأساساً لا مجال للترديد في تشريع مثل هذا النكاح في الإسلام ، إنّما الخلاف لو كان هو في نسخ هذا الزواج أو عدم نسخه ، أي بقاءه على مشروعيته.

وروايات الفريقين حاكية عن أنّ هذا الحكم لم يُنسَخ. إنما مُنِعَ عن العمل بهذا الحكم في عصر الخليفة الثاني ، والجدير بالذكر أنّ هناك كلاماً للخليفة في هذا المجال يكشف أيضاً عن أنّ هذا النمط من النكاح كان جائزاً بل رائجاً في عصر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويفيد أنّ هذا المنع لم يكن ناشئاً إلّا من رأي شخصي ليس إلّا ، لأنّه قال : «أيّها الناسُ ثلاثٌ كنَّ على عَهد رسولِ الله أنا أنهى عنهنّ وأُحَرمهنَّ وأُعاقب عليهنّ ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحيّ على خَير العَمَل» (٢).

__________________

(١). النساء / ٢٤.

(٢). شرح التجريد للقوشجي ، مبحث الإمامة ، ص ٤٦٤ ، وغيره.

٣٤٥

والعجيب أن نهيَ الخليفة عن الشق الأوّل والشق الأخير من هذه الشقوق بقي إلى الآن ولكن متعة الحج بقيت معمولاً بها عند جميع المسلمين خلافاً لرأي الخليفة الثاني (والمقصود من متعة الحج هو أنّ الحاج بعد أن انتهى من عمرة الحج يخرج من حالة الإحرام ، وتحلّ له محرماته وهذه نهى عنها عمر وأمر بعدم الخروج من الإحرام وبقاء محرمات الإحرام حتى حلول موعد الحج).

والدليل الواضح على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يمنع عن المتعة ما رواه البخاري عن عِمران بن حصين أنّه قال : نزلت آية المتعة في كتابِ اللهِ ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرّمُهُ ولم يَنهَ عنها حتى مات ، قالَ رجلٌ برَأْيه ما شاءَ (والمقصود هو تحريم الخليفة الثاني لنكاح المتعة). (١)

الأصل السادسُ والأربعون بعد المائةِ : وضع اليد اليمنى على اليسرى في القراءة

يُعتبر التكفيرُ أو القبض وهو وضع اليد اليُمنى على اليُسرى في حال الصلاة بدعةً ، وحَراماً في فقه الإماميّة.

يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا يَجْمَعُ المسلمُ يَدَيه في صلاته وهو قائمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ يتشبّه بأهل الكُفْرِ مِنَ المجوس» (٢).

__________________

(١). صحيح البخاري ، ٦ / ٣٧ ، قسم التفسير عند تفسير الآية ١٩٦ من سورة البقرة.

(٢). وسائل الشيعة ، ج ٤ ، الباب ١٥ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ٧.

٣٤٦

وقد حكى الصَّحابيُ الكبير أبو حميد الساعدي لجماعة من صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من بينهم أبو هريرة الدوسيّ ، وسهلُ الساعديّ ، وأبو أسيد السّاعديّ ، وأبو قتادة والحارث بن ربعي ، ومحمّد بن مسلمة أيضاً ، كيفيّةَ صلاة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر كلَّ ما فيها من مستحبّاتٍ صغيرةٍ وكبيرةٍ ، ولكن لم يَذْكُرْ فيها هذا العمل (أي التكفير قط) (١).

ومن البديهي أنّ هذا العمل لو كان من سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذكَره عند ذكر صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لذَكره الحاضرون في ذلك المجلس.

وقد ورَد في كتبنا الحديثيّة ما يشابه حديث الساعدي على لسان الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام برواية حماد بن عيسى أيضاً. (٢)

ويستفاد من حديث سهل بن سعد أيضاً أنّ وضع اليُمنى على اليُسرى في الصلاة حَدَث بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه يقول : «كانَ النّاسُ يؤمَرون» (٣) لأنّه إذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الآمر بهذا العمل لقال : كان النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرُ الناسَ.

أي كان ينسبه إلى شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١). البيهقي ، السنن : ٢ / ٧٢ ، ٧٣ ، ١٠١ ، ١٠٢ ؛ وأبو داود : السنن : ١ / ١٩٤ ، باب افتتاح الصلاة ، الحديث ٧٣٠ ، ٧٣٦ ؛ الترمذي : السنن : ٢ / ٩٨ باب صفة الصلاة.

(٢). وسائل الشيعة : ٤ ، باب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ٨١.

(٣). فتح الباري : ٢ / ٢٢٤ ، وسنن البيهقي : ٢ / ٢٨.

٣٤٧

الأصلُ السابعُ والأربعون بعد المائة : لا تجوز صلاة التطوّع جماعة

تُعتبر صلاةُ «التراويح» من المستحبّات المؤكّدة اتّباعاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقد جاء في الفقه الشيعيّ انّه يُستحبُّ أن يُصلّي الإنسان طول شهر رمضان ألف ركعة زائداً على النوافل المرتّبة في سائر الشهور ، وتصلى هذه الصلاة فرادى ، والجماعة فيها بدعة. ويقولُ الإمام الباقر عليه‌السلام : «ولا يَجُوز أنْ يُصَلّي التطوّعَ جماعةً» (١).

وقد ذَكرَ الإمام الرضا عليه‌السلام في رسالته التي كتَبَ فيها عقائد المسلم ، وأعماله بأنّ هذه النوافل لا يجوز الإتيان بها جماعة ، وأنّ الإتيان بها كذلك بدعة. حيث قال : «ولا يُصَلّى التطوّع في جماعة لأنّ ذلك بدعَة وكلُّ بدعةٍ ضلَالة وكل ضلالة في النار» (٢).

من دراسة تاريخ صلاة «التراويح» جماعةً كما هو متداوَلٌ بين أهل السُّنّة ، يتضح أن الاجتهاد الشخصيّ كان وراء تشريع هذا الأمر إلى دَرَجة أنّهم سمَّوه بدعة حسنة.

ويمكن لمن يحب الوقوف على هذا أن يراجع المصادرَ التالِية. (٣)

__________________

(١). الصدوق ، الخصال ، ص ٦٠٦.

(٢). الصدوق ، عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ١٢٤.

(٣). القسطلاني ، إرشاد الساري : ٣ / ٢٢٦ ؛ عمدة القارئ : ١١ / ١٢٦ ؛ الشاطبي ، الاعتصام : ٢ / ٢٩١.

٣٤٨

الأصلُ الثامنُ والأربعون بعد المائة : الخُمس

اتّفق فقهاء الإسلام على أنّ غنائم الحرب تقسَّم بين المجاهدين ما عدا خمس الغنائم ، فإنّه يجب صرفُه في موارد خاصّة جاء ذكرُها في قوله تعالى :

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١).

والفرقُ الوحيد بين فقهاء الشيعة وبين غيرهم من الفقهاء هو أنّ الفريقَ الثاني يخصّون «الخُمْسَ» بغنائم الحرب ، ولا يقولون بفرض «الخمس» في غير ذلك ، ممّا يكتسبه الإنسان ويستحصله ويَستدلون لهذا الموقف بهذه الآية المباركة التي ذُكِرَت فيها غنيمةُ الحرب والقتال.

ولكنّ هذا الموضوع غير صحيح لسببين :

أوّلاً : أنّ الغنيمة تُطلَقُ في لغَة العَرب على كلّ ما يفوزُ به الإنسان ، ولا تختص بما يَحصَلُ عليه من العَدُوّ في الحرب ، وبالقتال.

يقول ابن منظور : «الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة» (٢).

كما أنّ القرآنَ الكريمَ يستعمل هذه اللفظة في نِعَمِ الجنة ، إذ يقول : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) (٣).

__________________

(١). الأنفال / ٤١.

(٢). لسان العرب ، كلمة غَنَم ، ويقرب من هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير في النهاية ، والفيروزآبادي في قاموس اللغة.

(٣). النساء / ٩٤.

٣٤٩

وأساساً : «الغنيمةُ» في مقابل «الغرامة» فكلّما حُكمَ على الشخص بأن يدفَعَ مبلغاً من دون أن يستفيدَ من شيء سُمّيَ ذلك المبلغ «غرامة» ، وإذا فاز بشيء وحَصَل عليه سمّي ذلك «غنيمة».

وعلى هذا الأساس لا تختصُّ لفظة الغنيمة بغنائم الحرب ، ونزولُ الآية في غنيمة معركة «بدر» لا يَدلُّ على اختصاصها بغنيمة الحرب ، وقانون تخميس الأرباح قانون شاملٌ وكاملٌ ، ومورد الآية غير مخصّص لهذا لحكمِ العامّ.

وثانياً : لقد وَرَدَ في بعض الروايات أنّ النبيَّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض «الخمسَ» على كلّ ربح ، فعند ما حضر عنده وفدٌ من قبيلة عبد القيس وقالوا : إنّ بينَنا وبينَك المشركين ، وإنّا لا نصل إليك إلّا في الأشهر الحُرُم فمرنا بجُمل الأمر ، إن عَمِلنا به دخلنا الجنة وندعو إليه مَن وَراءنا؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «آمُرُكم بأربع : وأنهاكُمْ بأربع : شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم» (١).

إنّ المراد من الغنيمة في هذه الرواية ، غير غنيمة القتالِ لأنّ وفد عبد القيس قالوا : إنّ بيننا وبينكَ : المشركين ، يعني انّنا نخاف أن نصل إليك في المدينة لوجود المشركين بيننا وبينك ، وهذا يفيد أنهم كانوا محاصَرين من قِبَل الكفّار والمشركين ولم يكن في مقدورهم مقاتلة المشركين حتى يحصلوا على غَنيمة منهم ، ثمّ يقوموا بتخميسها.

__________________

(١). صحيح البخاري ، ج ٢ ص ٢٥٠.

٣٥٠

هذا مضافاً إلى أنّ الرّوايات الصادرة عن أهل البيت عليهم‌السلام تصرّح بوجوب دفع «الخمس» مِن كل ربح يحصل عليه الإنسانُ ، وهذا ممّا لا يدع مجالاً للشكّ والغموض (١).

هذه بعضُ الفُروع الفقهيّة التي اتخذَ فيها الشيعةُ مواقفَ خاصة.

وللمثال ثمتَ خلاف بينهم وبين غيرهم في أبواب الخمس ، والوصيّة والإرث ، ولكن لا بدّ من القول بأنّه مضافاً إلى اشتراك الشيعة مع غيرهم في كليات الأحكام ، فإنّ تدريس الفقه بصورة مقارنة وبخاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار كل ما ورد عن أهل البيت من آراء وأحكام مدعومة بالدليل ، يمكنه أن يقلّلَ من شقة الخلاف بين أهل السنة والشيعة في هذا المجال. (٢)

الأصلُ التاسعُ والأربعون بعد المائةِ : دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية

إنّ الحضارةَ الإسلامية ثمرةُ الجهود المتواصلة للأُمّة الإسلامية منذ انبثاق الدعوة المحمدية المباركة ، فهم بشعوبهم المتنوعة وفي ظِلّ الإيمان والعقيدة ذابوا في بوتقة الإسلام ، ووظَّفُوا كلّ قواهم وإمكانياتهم وركّزوا كلّ مساعيهم وجهودِهم لخدمة الإسلام ، وتحقيق أهدافه

__________________

(١). وسائل الشيعة ، ج ٦ ، كتاب الخمس ، الباب الأوّل.

(٢). وصيّة الوارث نافذة في نظر الشيعة ولكنها غير نافذة في نظر السنّة ، والعول والتعصيب في أحكام الإرث باطلان في نظر الشيعة وفقههم ويجب معالجة المشكلة في مورد العول بطريق آخر ، مذكور في كتب الفقه.

٣٥١

وأغراضه السامية ، وبذلك أرسوا دعائم حضارةٍ لا تزال البشرية مدينة لها ومستفيدة منها.

ولقد كانَ للشيعة دورٌ مؤثرٌ في بِناءِ صرحِ الحضارةِ الإسلاميّة الكبرى ، ويكفي تصفّح الكتب المؤلَّفة في العلوم والحضارةِ الإسلاميّة لنرى كيف تلمع فيها أسماءُ علماء الشيعة ومفكّريهم.

ففي مجال الآداب العربية والعلوم الإنسانية يكفي أن نعرف أنّ الإمام عليّاً أمير المؤمنين عليه‌السلام هو مؤسّسُها الأوّل ، وأن تلميذه أبا الأسود الدؤلي هو الذي عمل على توسعتها وتدوينها. وقد واصَلَ علماء الشيعة بعد ذلك الجهود الحثيثة في سبيلها ، وذلك نظراء المازني (المتوفّى ٢٤٨ ه‍) وابن السكيت (المتوفّى ٢٤٤ ه‍) وأبي إسحاق النحوي (من أصحاب الإمام الكاظم) وخليل ابن أحمد الفراهيدي مؤلّف كتاب «العَين» (المتوفّى ١٧٠ ه‍) وابن دريد مؤلف كتاب «الجمهرة» (المتوفّى ٣٢١ ه‍) والصاحب بن عبّاد مؤلف كتاب «المحيط» (المتوفّى ٣٨٦ ه‍) وغيرهم من آلاف الأُدباء الشيعة الذين كان كل واحد منهم قطباً من أقطاب اللغة ، والنحو ، والصرف ، أو الشِّعر ، وعلم العَروض في عصره.

وفي علم التَّفسير فالمرجع الأوّل لتفسير القرآن بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ومن بعدهم عبد الله بن عباس (المتوفّى ٦٨ ه‍) وغيرهم من تلامذة أهل البيت ، وقد ألَّفَ علماءُ الشيعة طوال أربعة عشر قرناً مئات التفاسير المتنوِّعة حجماً وكيفاً ومنهجاً ، وقد كتبنا مقالاً مفصّلاً حول تأليف الشيعة في

٣٥٢

مجال التفسير عبر التاريخ ، نُشِرَ في مقدّمة الطبعة الجديدة لتفسير «التبيان» للشيخ الطوسيّ.

وفي علم الحديث تقدّمت الشيعة على غيرهم من الفرَق الإسلامية في تدوين السنة وكتابتها ودراستها على حين كان ذلك ممنوعاً في عصر الخلفاء.

ويمكن الإشارة في هذا الصَّعيد إلى «عبيد الله بن أبي رافع» و «ربيعة بن سميع» و «عليّ بن أبي رافع» من أصحاب الإمام علي عليه‌السلام ، ثمّ إلى أصحاب وتلامذة الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم‌السلام.

إنّ تنامي علم الحديث في عصر الإمام جعفر الصّادق عليه‌السلام بلغ إلى درجة أنّ الحسن بن علي الوشاء قال : رأيتُ في مسجد الكُوفة تسعمائة محدّث كلُّهُمْ يقولُ : حَدَّثنِي جعفرُ بنُ محمد عليه‌السلام. (١)

وفي مجال الفقه تخرّج من مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام علماء ومجتهدون كبارٌ نظراء : أبان بن تغلب (المتوفّى ١٤١ ه‍) وزرارة بن أعين (المتوفّى ١٥٠ ه‍) ومحمد بن مسلم (المتوفّى ٢١٠ ه‍) ومئات المجتهدين الكبار والعلماء المحققين كالشيخ المفيد والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسيّ ، وابن إدريس الحلّي والمحقّق الحلّي ، والعلّامة الحلّي الذين خلَّفوا آثاراً علميّة وفكريّة في غاية الأهمية.

على أنّ جهودَ الشّيعة لم تتركّزْ على هذه العلوم حسب ولم تقتصر خدماتُهم على هذه المجالات بل خدَموا الإسلام والعالم في غيرها من

__________________

(١). رجال النجاشي ، الرقم ٧٩.

٣٥٣

العلوم كالتاريخ والمغازي والرجال ، والدراية ، والشِّعر ، والأدب وغير ذلك ممّا لا يسع هذا المختصرُ لسَرد أسمائها.

هذا كلّه في مجال العلوم النَّقْليّة ، ولقد تقدَّموا على غيرهم من الطوائف والفِرق في العلوم العقليّة كعلم الكلام والفلسفة لأنَّ الشيعة يمنحون العقلَ دوراً أكبر وأهمية أكثر ممّا يعطيه غيرُهم من الفِرَق الإسلامية.

فهم بالاستلهام من أحاديث الإمام أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين عليهم‌السلام سعوا أكثر من غيرهم في بيان وشرح العقائد الإسلاميّة ، وبهذا قدّمت الشيعة للأُمّة الإسلامية جيلاً عظيماً من المتكلّمين القديرين ومن الفلاسفة الكبار ، ويُعَدُّ الكلام الشيعيُّ من أغنى وأثرى المدارس الكلامية الإسلامية ، وهو يحتوي ـ مضافاً إلى أدلةٍ من الكتاب والسنة ـ على براهين قوية من العقل.

إنّ أحد أُسُس الحَضارة الإسلامية هو معرفة عالم الطبيعة وقوانينها وقد تخرَّجَ من مدرسة الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أشخاص معروفون مثل «جابر ابن حيان» برعوا في مجال العلوم الطبيعية إلى درجة أن جابراً دعي في هذا العصر بأبي الكيمياء الحديثة.

وفي علم الجغرافيا كان أحمدُ بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي (المتوفّى حوالي ٢٩٠ ه‍) أول عالم جغرافيّ ساحَ في البلاد الإسلامية العريضة ، وألّف كتاباً باسم «البلدان» وهو من علماء الشيعة.

٣٥٤

إنّ هذه الجهود الكبرى التي بُذلت في سبيل العلم والثقافة وأبتدأت من القرن الهجري الأوّل وحتى هذا اليوم ، وأُسّسَت من أجلها الحوزات والمدارس ، والجامعات والمعاهد العديدة تمت على أيدي علماء الشيعة ، ورجالهم الذين لم يفتئوا لحظةً واحدة عن تقديم الخدمة للعالم البشري ، وللحضارة الإسلامية والإنسانية.

وإنّ ما ذُكِرَ هنا في هذه العجالة ليس إلّا إشارة عابرة إلى دور الشيعة في مجال العِلم والحضارة الإسلاميّة وللتوسّع ومزيد الاطلاع لا بدَّ من مراجعة المصادر المرتبطة بهذا المجال. (١)

الأصلُ الخمسون بعد المائة : الوحدة بين المسلمين

إنّ الشيعة لا ترى الاختلاف في الفروع مانعاً من الأخوة الإسلاميّة ، ومن توحّد صفوف المسلمين أمام الاستعمار الغاشم.

كما أنّهم يعتقدون بأنّ عقد جلسات الحوار العلمي في جوّ هادئٍ ، كفيلٌ بأن يحلّ الكثيرَ من المشاكل والاختلافات الفكرية والفقهيّة (التي تمنع أحياناً عن توحيد الصفوف ووحدة الكلمة).

على أنّ الاختلاف في الرأي والمنهج أمر غريزي عند البشر أساساً ، كما أن سدّ باب المناقشة والبحث العلميّ في وجه العلماء

__________________

(١). فهرست ابن النديم ، رجال النجاشي ، فهرست الشيخ الطوسي ، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، أعيان الشيعة ، والمجلد السادس من بحوث في الملل والنحل ، وغيرها من الكتب.

٣٥٥

والمفكّرين والفقهاء يوجب ضمورَ الفكر ، وموت العلم والقضاء على روح التفكّر.

من هنا سعى علماء الشيعة الإمامية في كل العصور إلى أن يوضحوا الحقائق بطرح الأبحاث العلميّة والعقيديّة على طاولة البحث والنقاش ، وبذلك قاموا بكُلّ خطوةٍ من شأنها توحيد صفوف المسلمين وتأليف قلوبهم ضد أعداء الإسلام الذين أقسموا على محو هذا الدين وإطفاء جذوته.

ربّنا وإلهنا

قوّ شوكة المسلمين وأعنهم بقوةٍ منكَ

على أعدائهم الغاشمين

من المشركين والمنافقين ،

ومن ساعدهم على أذى المسلمين.

واهدنا يا ربّ إلى الصراط المستقيم.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

٣٥٦
٣٥٧
٣٥٨

فهرس الآيات

رقم الآية

الآية

الصفحة

الفاتحة / ١

٥

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ)

٥٩

البقرة / ٢

٢

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)

١٢٧

٢٢

(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ)

٢٤

٢٣

(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)

١٤٤

٥٥

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)

٨٤

١١٥

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)

٨٥

١١٧

(بَدِيعُ السَّمَواتِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

١٠١

٢٦٥

٣٥٩

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٢٧

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ)

٣٠٨

١٤٦

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)

١٥٧

١٥٤

(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)

٢٣٢

١٥٦

(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)

٢٣

١٦٥

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ)

٥٤

١٧٩

(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ)

٣٨

٢١٣

(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)

١١٩

٢١٧

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)

٢٥٢

٢٥٥

(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)

٥٨

٢٥٦

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)

٣٨

٢٨٦

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)

٩٩

آل عمران / ٣

١٨

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)

٩٣

٢٨

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً

٣٦٠