تراثنا العددان [ 79 و 80 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا العددان [ 79 و 80 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٣٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مجلّة تراثنا العددان 79 و 80

٣٠١
 &

مجلّة تراثنا العددان 79 و 80

٣٠٢
 &

مقدّمة التحقيق

بِسْمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الّذي لا إلٰه إلّا هو الحيّ القيّوم ، والصلاة والسلام علىٰ المبعوث رحمةً للعالمين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيّين ، وعلىٰ أهل بيته الطيّبين الطاهرين ، واللعن الدائم علىٰ أعدائهم ومن والاهم أجمعين ، من الآن إلىٰ قيام يوم الدين .

أمّا بعد . .

الحديث عن السياسة والسياسيّين بالمفهوم العام والمطلق وعلىٰ مرّ العصور يعني الحديث عن تجاذبات ومشادّات واختلافات في وجهات النظر المتباينة بين هذا وذاك ، سواء بين جماعتين مختلفتين ، أو بين أنصار الجماعة الواحدة ، وذلك بسبب الاختلاف الحاصل في الآراء والأفكار والرؤىٰ التي تتبنّاها كلّ جهة أو كلّ شخص .

ومن أجل أن يمرّر كلّ طرف سياسته الخاصّة ، أو يفرض آراءه ومعتقداته وأفكاره ، عليه أن يعتمد علىٰ مبدأ المناورة والتلاعب بالألفاظ ، وقد يصل الأمر أحياناً إلىٰ حدّ التنازل عن القيم والمبادئ التي يؤمن بها ،

٣٠٣
 &

وٱعتماد مبدأ ( الغاية تبرّر الوسيلة ) من أجل الوصول إلىٰ ما يصبو إليه .

وقد نقل لنا التاريخ القديم والحديث كيف أنّ الّذين اشتغلوا بالأُمور السياسية والقضايا السلطوية كانت لهم أساليب وطرق نستطيع أن نعدّها غير شرعية ـ والمقصود بغير الشرعية هنا إمّا أن تكون مخالفة للشرائع السماوية ، أو للقوانين الوضعية المانعة لمثل هذه الأساليب ، وهذا ممّا يمكن القول عنه بالمصطلح الرياضي الحديث « الضرب تحت الحزام » ـ للوصول إلىٰ المناصب العليا والتبختر ببهرج السلطة والصول .

وهذه السياسات المتّبعة للوصول إلىٰ السلطة وسدّة الحكم تدفع بالفرد إلىٰ التشبّث بها والاستماتة من أجلها ولو كان الثمن هو تحوّله إلىٰ دكتاتور ومجرم وقاتل للنفس المحترمة ومرتكب لكلّ كبيرة ، كما فعل ملوك بني أُميّة وبني العبّاس .

فهذا يزيد بن معاوية ارتكب أبشع الجرائم ، وٱستباح كلّ محرّم ، من أجل الحفاظ علىٰ تركة أبيه وسلطانه ، والجلوس مجلسه ، وهذا هارون الرشيد الخليفة العبّاسي يقول لابنه وفلذة كبده : « والله لو نازعتني الملك لأخذت الذي فيه عيناك ، فإنّ الملك عقيم » (١) .

وعصرنا الحاضر مليء بمثل هذه الأُمور ، فمعظم الثورات والانقلابات ـ إنْ لم نقل كلّها ـ التي تحدث هنا وهناك من أنحاء العالم ، وبالأخصّ عالمنا العربي والإسلامي ، قوامها القتل والتدمير والعنف وسفك الدماء وإزالة الخصوم والمعارضين لهم بشتّىٰ الوسائل .

فكلّ الأُمور التي ذكرناها هي ضمن سلوك وسياسة أُناس عاديّين

__________________

(١) ٱنظر : الاحتجاج ٢ / ١٦٦ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ٨٦ .

٣٠٤
 &

تتحكّم فيهم الأهواء ، انطلاقاً من الأنانية ، تؤثّر فيهم المطامع الدنيوية والمصالح الشخصية ، وهوىٰ النفس .

أمّا عندما يكون الحديث عن سياسة وسلوك رجل مثل الإمام الحسين عليه‌السلام ، الذي عصمه الله تعالىٰ من كلّ خطأ وزلل ، بنصوص قرآنية وأحاديث نبويّة شريفة لا تكاد تخفىٰ علىٰ ذوي العقول النيّرة والضمائر الحيّة البعيدة عن التعصّب الجاهلي ، فالأمر يكون مختلفاً تماماً .

فالإمام الحسين عليه‌السلام ليست السلطة مبتغاه ، ولا الحكم غاية مناه ، فهو كالكعبة يؤتىٰ ولا يأتي ، وأفعاله لا تكون انعكاساً لنزواته وشهواته الدنيوية وأهوائه ، أو طبقاً لدوافع عاطفية أو عشائرية ناتجة عن خلاف بينه وبين بني أُميّة ، أو غيرهم ؛ فإنّ كلّ هذه الأُمور لا تعني عند الإمام الحسين عليه‌السلام شيئاً ، وإنّ ما يعنيه هو :

١ ـ موقفه الشرعي من بني أُميّة الّذين تسلّقوا إلىٰ قمّة السلطة ، وتربّعوا علىٰ كرسي الحكم ، وٱتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله دولاً ، دون أن يكونوا أهلاً لقيادة هذه الأُمّة .

أضف إلىٰ ذلك علمه سلام الله عليه بمدىٰ أثر هذا الأمر علىٰ جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي لم يُرَ مبتسماً بعد أن أراه الله عزّ وجلّ نَزوَ بني أُميّة علىٰ منبره نَزوَ القردة (١) .

٢ ـ خوفه علىٰ مستقبل الإسلام وشريعة جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذه الشريعة التي أصبحت عرضةً للتحريف والتزييف من قبل حكّام الجور والظلم ،

__________________

(١) ٱنظر تفسير قوله تعالىٰ : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) ، سورة الإسراء ١٧ : ٦٠ ، في تفاسير الفريقين .

٣٠٥
 &

ولا سيّما بني أُميّة ، هذه الشريعة التي ضحّىٰ من أجل تثبيت دعائمها جدّه وأبوه وأخوه ، روحي وأرواح العالمين لهم الفداء ، فقد قال عليه‌السلام في وصيّته لأخيه محمّـد بن الحنفيّـة حين أراد الخروج من المدينة :

« . . . وأنّـي لـم أخـرج أشـراً ولا بـطـراً ، ولا مـفـسـداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهىٰ عن المنكر ، وأسـير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أَوْلىٰ بالحقّ ، ومَن ردَّ علَيَّ هذا أصبر حتّىٰ يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين » (١) .

ومن هنا ، فإنّ سـياسـة الإمام عليه‌السلام كانت مدروسـة بدقّة ، وخطواته كانت بأوامر إلٰهيّة ، فهو ممّن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إذ قال سـلام الله عليه ، عندما حـاول بعضهـم أن يثنيه عن المسـير ـ وذلك لقصـور أفكارهم وعدم إدراكهم مقاصده السـامية ـ أو الخروج والمسـير دون أخذ العيال والنسـاء معه ، قال : « إنّ الله شـاء ذلك ، وجدّي أمرني به » ، وقال عليه‌السلام مبرّراً لأخذه العيال معه : « إنّ الله شـاء أن يراهنّ سـبايا » .

فتشـكيك المشـكّكين بسـياسـة الإمام عليه‌السلام ما هو إلّا وجهات نظر ضـيّقة لا تتعدّىٰ كونها من أشـخاص ينظرون إلىٰ الإمام عليه‌السلام كنظرتهم لأيّ قائد عسكري فاشل ، لم يحسب لمعركته مع يزيد بن معاوية الحسابات الدقيقة والصحيحة ، دون النظر إلىٰ عصمته ومنزلته ومكانته الإلٰهيّـة .

أو مـن أشـخاص يحاولـون تبرير ما قـام به حكّـام بني أُميّـة من تدمير للمبادئ وللقيم السـماوية ومكـارم الأخـلاق التي بُعِثَ النبيّ

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ .

٣٠٦
 &

المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتمّمها ، وضحّىٰ من أجلها ولده وريحانته الحسين عليه‌السلام .

وبسبب هذه الأفكار القاصرة والرؤىٰ الضيّقة ترانا نسمع بين حين وآخر تسـاؤلات لا ترقىٰ إلىٰ مسـتوىٰ تضحية الإمام الحسـين عليه‌السلام ، تسـاؤلات لو فكّر بها أصحابها بعيداً عن التعصّب والهوىٰ لكانوا قد وفّروا علىٰ أنفسهم عناء البحث عن أجوبة مقنعة لها ؛ لأنّ للإمام الحسـين عليه‌السلام سياسة واضحة كوضوح الشمس ، لا تحتاج إلىٰ مزيد من التفكير للوصول إلىٰ مغزاها . .

فهو عليه‌السلام لم يسـتخدم وسـائل غير شـرعية ولا أسـلحة محرّمة دولياً في حربه من أجل الدفاع عن شريعة جدّه ، بل اسـتخدم سـلاح التضحية بالنفس ـ والجود بالنفس أقصىٰ غاية الجود ـ والأولاد والأموال من أجل رفع كلمة الإسـلام وجعلها هي العليا ، ودحض كلمة الباطل المتمثّلة بيزيد وأعوانه وجعلها هي السـفلىٰ .

ومن بين الّذين وقفوا في وجه هؤلاء المشـكّكين ـ بالأدلّة والبراهين القاطعة ـ الشـيخ كاشـف الغطاء قدس‌سره ، الذي عُرف بمواقفه العظيمة في الدفاع عن مذهب ونهج أهل البيت عليهم‌السلام ، من خلال قلمه السـيّال ، الّذي ما انفكّ يردّ المشـكّكين وأصحاب العقول المتحجّرة .

فكانت هذه الرسالة التي بين أيدينا من جملة رسائله التي سارع فيها للدفاع عن حقيقة السياسة الحسينية ، هذه الحقيقة التي حاولت يد الغدر والخيانة ـ من أصحاب الأقلام المأجورة من قبل ملوك بني أُميّة وبني العبّاس ، ومَن لفّ لفّهم ، وإلى يومنا هذا ـ تشويهها وطمس معالمها ، لكي لا يتسنّىٰ للناس معرفة مقدار التضحية العظيمة التي ضحّىٰ بها الإمام الحسين عليه‌السلام من أجل الحفاظ علىٰ بيضة الإسلام ، ولكي لا يطّلع الناس

٣٠٧
 &

علىٰ سوءات بني أُميّة .

ونتيجةً لهذه المحاولات الدنيئة نرىٰ أنّ بعض ضعاف النفوس أخذوا يتخبّطون في وصفهم لقيام الإمام الحسين عليه‌السلام . .

فمنهم من جعلها خروجاً عن طاعة الإمام ، حتّىٰ ولو كان هذا الإمام جائراً وفاسـقاً وفاجراً .

ومنهم من جعلها إلقاءً للنفس بالتهلكة ؛ لأنّه كيف لمثل الحسـين وأنصاره الّذين لا يتجاوزون السـبعين نفراً أن ينتصروا علىٰ يزيد وجيش يزيد البالغ ـ علىٰ رأي المقلّين ـ ١٨ ألف نفر .

ومنهم من جعلها صراعاً علىٰ السـلطة بين بني هاشـم وبين بني أُميّة ؛ لذا لا ينبغي التدخّل في صراع نشـب بين أبناء العمومة .

فجاءت هذه الرسالة لتضع حـدّاً لهذه الشكوك ، ولتزيل الغشاوة عن أعين الناظرين إلىٰ السياسة الحسينية ، هذه السياسة التي أصبحت منهجاً لكلّ ثوار العالم الّذين يرفضون الخضوع للظلم والظالمين علىٰ مرّ العصور والقرون .

*      *     *

٣٠٨
 &

ترجمـة المؤلّـف (١)

هو : الشيخ محمّـد حسـين بن الشـيخ علي بن محمّـد رضا بن موسىٰ بن الشيخ جعفر ـ صاحب « كشف الغطاء » ـ ابن الشيخ خضر بن يحيىٰ ، الذي يرجع نسبه إلىٰ مالك الأشـتر ، وهو من خاصّة أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام .

وُلد في النجف الأشرف في العراق سنة ١٢٩٤ هـ ، الموافق ١٨٧٧ م .

بدأ دارسـاً المقدّمات ـ من نحو ، صرف ، بلاغة ، ومنطق ـ علىٰ أساتذة هذه العلوم يومذاك في المساجد والمدارس الحاشدة بالجموع الغفيرة من روّاد العلم علىٰ اختلاف قومياتهم ، فقد كانت النجف الأشرف مصدر إشعاع علمي تشدّ لـه الرحـال من أقطـار نائية ، وبدأ يتقـدّم في هذا الميدان وكأنّه في حلبة سباق يطمح أن يحوز علىٰ قصب السبق ، وأنهىٰ هذه العلوم في مدّة زمنية قياسية قلّ نظيرها ، وأصبح مؤهّلاً بعد اجتيازه لهذه العلوم ـ المقدّمات ـ أن يرقىٰ إلىٰ علم الأُصول الذي هو ـ في الحقيقة ـ الجهاز الذي من خلاله يستنبط الفقيه فتاواه لتحديد سلوك مقلّديه وفق الشريعة الإسلامية .

درس الفقه علىٰ فقيهين كبيرين يشهد لهما القاصي والداني بغزارة علمهما ، وهما : الملّا رضا الهمداني والسيّد محمّد كاظم اليزدي ، وتتلمذ

__________________

(١) ٱنظر ترجمة الشـيخ مفصّلاً في : مقدّمة جنّة المأوىٰ ، ومقدّمة المراجعات الريحانية ، والعبقات العنبرية في طبقات الجعفرية ، وشـعراء الغريّ ، ومصادر كـثيرة أُخـرىٰ .

٣٠٩
 &

في الأُصول علىٰ الملّا محمّد كاظم الخراساني ، صاحب « كفاية الأُصول » ، الذي هو بدوره صاحب مدرسة أُصوليّـة .

وافته المنية يوم الاثنين ١٨ ذي القعدة ١٣٧٣ هـ ، الموافق ١٩٥٤ م ، في إيران ، في مدينة ( كرند ) التي سافر إليها وهو يحمل معه آلام المرض ، وحُمل جثمانه من إيران إلىٰ مدينة النجف الأشرف حيث وادي السلام ( مقبرة النجف الأشرف ) ، ودُفن في قبره الذي أعدّه لنفسه عندما شعر بدنوّ أجله وقرب سـاعته .

وأرّخ وفاتـه الشيخ علي البازي قائلاً :

مدينةُ العلم بكتْ قطـبَـها

ومَن إلىٰ الإسلام إنسان عين

الحجّة العظمىٰ ، مثال التقىٰ

فقيه شرع ، شافع النشأتين

( أبا حليم ) كيف يجدي البُـكا

عليك والنوح وصفق اليدين ؟ !

الدينُ قد أصبح ينعاك والأيّام

التي بها انجلىٰ كلّ رين

قد فقدت خيرة تأريخها

( وٱفتقدت فيك الإمام الحسين )

*      *     *

منهجيّة التحقيق :

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة علىٰ النسخة المطبوعة في قم ، الصادرة عن دار الكتاب للطباعة والنشر ، والمطبوعة بالأُوفسـيت علىٰ نسخة الكتاب الصادرة عن المطبعة الحيدرية في النجف عام ١٣٦٨ هـ ،

٣١٠
 &

وٱقتصرتُ في ذلك علىٰ الخطوات التاليـة :

١ ـ ضبط النصّ ، من حيث التقطيع والتوزيع والتصحيح .

٢ ـ تصحيح الأخطاء المطبعيّة والإملائية الواضحة دون الإشارة إليها .

٣ ـ اسـتخراج الآيات القرآنية .

٤ ـ اسـتخراج النصوص والأقوال الأُخرىٰ الواردة في الرسالة من المصادر المنقولة عنها مباشرة أو بالواسطة ، وقد ٱقتصرت فيها علىٰ ذِكرِ بعضِ أهمّ المصـادر المخـرِّجـة لها ؛ إذ لو أردنـا التوسّـع في ذِكر المصـادر لخرج بنا المقام عن هدف الرسالة المؤلّفة لأجله ، والتفصيل موكول إلىٰ مظانّـه ممّـا أُلّـفَ في خصـوص منهج وسـياسـة الإمـام أبي عبـد الله الحسـين عليه‌السلام .

٤ ـ اسـتخراج الأبيات الشعرية التي وردت في الرسالة ، مع ترجمة مختصرة لقائلها .

٥ ـ التعريف ببعض الأعلام والوقائع المذكورة في الرسـالة .

٦ ـ توضيح المطالب المهمّـة ، بشـرحها والتعليق عليها ، أو إحالتها علىٰ مصادرها الأصلية .

٧ ـ شرح معاني الكلمات الغامضة والغريبة .

٨ ـ أدرجتُ عدّة عناوين لتوضيح رؤوس المطالب ووضعتها بين العضادتين [ ] .

٩ ـ ألحقتُ بأصل رسالتنا هذه رسـالةً صـغيرةً كانت قد وردت إلىٰ الشـيخ محمّـد حسين آل كاشـف الغطاء قدس‌سره من مدينة مشـيغن في أمريكا ،

٣١١
 &

بتاريخ شهر ربيع الآخر سـنة ١٣٥٨ هـ ، من المدعوّ عبـد الله برّي ، وردّ الشيخ قدس‌سره عليها ، الذي كتبه بتاريخ ٢٧ ربيع الآخر سـنة ١٣٥٨ هـ ؛ المنشورين في كتابه « جنّة المأوىٰ » ؛ لصلتهما الوثيقة بموضوع رسالتنا ، إتماماً للفائـدة .

١٠ ـ أبقيتُ علىٰ الهوامش التي أدرجها الشيخ كاشف الغطاء والسـيّد القاضي الطباطبائي (١) ، وألحقت بالأُولىٰ جملة « منـه قدس‌سره » ، وأضفت إليها التخريجات الجديدة وفق المصـادر التي اعتمدتها في التحقيق ، وجعلتهـا بين العضـادتين [ ] .

__________________

(١) هو : السـيّد محمّـد علي القاضي الطبـاطبائي التبـريزي ، وُلد في تبريز سـنة ١٣٣١ هـ ، عالم فاضل ، درس المقدّمات في تبريز عند والده السـيّد محمّـد القاضي وعمّه السـيّد أسـد الله القاضي وغيرهما من أسـاتذة الحوزة العلمية هناك ، ثمّ سافر إلىٰ مدينة قمّ المقدّسـة سنة ١٣٥٧ هـ ، فأخـذ عن علمائها حتّىٰ مرحلة البحث الخارج ، وفي سنة ١٣٦٩ هـ وبعد أن أكمل مرحلة السطوح شـدّ الرحال إلىٰ مدينة جـدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، إلىٰ حيث القبّة التي يرقد تحتها باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلىٰ النجف الأشرف ، للاغتراف من نمير علمائها ، والارتشاف من مناهل فطاحلها ، ثمّ عاد إلىٰ مدينته تبريز سنة ١٣٧٢ هـ بعد أن حاز علىٰ درجة الاجتهاد ، وٱتّجه نحو التأليف والتحقيق وإقامة صلاة الجماعة مع أداء واجباته الدينية الأُخـرىٰ .

له مؤلّفات عديدة ، منها : كتاب في علم الكلام ، أجوبة الشبهات الواهية ، رسالة في إثبات وجود الإمام عليه‌السلام في كلّ زمان ، عائلة عبـد الوهّاب ، حديقة الصالحين .

ومن أعماله : جمع وترتيب كتاب « جنّة المأوىٰ » لأُستاذه الشيخ محمّـد حسـين آل كاشف الغطاء ، مع إضافة بعض البحوث العلميّة والتاريخية والتعليقات النافعة إليه ، وسـعىٰ في طبعه ونشـره لأوّل مرّة في تبريز .

اسـتـشـهد قدس‌سره في تبريز في ١١ ذي الحجّة ١٣٩٩ هـ .

٣١٢
 &

وفي الختـام :

أُسدي جزيل شكري إلىٰ كلّ من أسهم وأعان في نشر هذه الرسـالة إلىٰ الملأ العلمي ، ولا سـيّما الأخ الشيخ علاء السعيدي ، الذي لفت نظري إلىٰ هذه الرسالة القيّمة وضرورة تحقيقها ونشرها ، وإلىٰ سماحة العلّامة السـيّد عليّ الخراساني لِما أتحفني به من ملحوظاته النافعة ، وإلىٰ الأخ المحقّق السـيّد محمّـد علي الحكيم ، الذي أعانني في إبراز الرسالة بما يليق بهـا .

ولا يفوتني أن أشكر هيئة تحرير مجلّة « تراثنـا » لِما بذلوه في هذا المجـال . .

داعياً المولىٰ العليّ القدير أن يوفّـقنا جميعـاً لِما فيه خدمة المذهب الحقّ مذهب أهـل البيت عليهم‌السلام وبثّ علومهم ونشرها ، إنّه نِعم المولىٰ والمجيـب ، وآخـر دعوانا أنِ . .

« اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن ، صلواتك عليه وعلىٰ آبائه ، في هذه الساعة ، وفي كلّ ساعة ، ولـيّـاً وحافظاً ، وقائداً وناصراً ، ودليلاً وعيناً ، حتّىٰ تسكنه أرضك طوعاً ، وتمتّعه فيها طويـلاً » .

والحمـد لله أوّلاً وآخـراً ، وصلّىٰ الله علىٰ سـيّدنا محمّـد وآله الطـيّبين الطاهرين المعصومين المنتجبين ، وسلّم تسليماً كـثيراً .

علي جلال باقر الداقوقي

٣١٣
 &

[ كـتاب الشـيخ عبـد المهدي مطر (١) ]

بِسْمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ

دفع إليَّ (٢) حضرة الإمام الحجّة ـ والدي ـ دامت بركاته كـتاباً كان قد ورد إليه ، هذا نصّه :

من الناصرية ، ٢٠ شـوّال سـنة ١٣٤٨ هـ .

سـيّدي حجّة الإسـلام ، ومرجع الأنام ، آية الله الشـيخ محمّـد حسـين كاشـف الغطاء مُـدّ ظلّه .

إنّ بعض المواضيع التي ليسـت بذات أهمّية ربّما تعرض عليها عوارض التشـكيك وطوارئ النقد فتكون أهمّ نقطة يوجه إليها السـؤال ، فالعفو إن كان السـؤال هذا شـيء من الركّة في البصيرة ، أو الضعف في العارضة ، إذا كانت الظروف قد طوّرته إلىٰ هذا الحدّ .

__________________

(١) هو الشـيخ عبد المهدي بن عبد الحسـين مطر ، وُلد سـنة ١٣١٨ هـ ، شيخ من شيوخ الأدب والشعر ، وعالم حاز المرتبة العليا في الفقه ، له مصنّفات كثيرة ، منها : تقريب الوصول ، ذكرىٰ عَلمين من آل مطر ـ وفيه نسبه الكامل ـ ، تقريرات المرجع الأكبر السيّد أبو القاسم الخوئي ، دراسات في قواعد اللغة العربية ، وله كتاب في الدراية والكلام ، وله ديوان مخطوط ومرتّب علىٰ حروف الهجاء نشرت الصحف أكـثره .

أقام فترة من الزمن في النجف الأشرف وكان من خيرة أساتذة كلّية الفقه ، توفّي سـنة ١٩٧٥ م .

ٱنظر : أدب الطفّ ١٠ / ٢٩٢ .

(٢) المتحدّث هو : الشيخ عبـد الحليم ابن الشيخ محمّـد حسين كاشف الغطاء .

٣١٤
 &

مولاي ! يسـأل المشـكّـك أو الناقـد عمّـا إذا كـان الحسـين عليه‌السلام عالماً بقتله في خروجه إلىٰ ( كربلاء ) وسـبي عياله ، فقد عرَّضَ بعِرْضِهِ إلىٰ الهتك ، وليـس في تعريضه هذا شـيء من الحسـن العقلي المعنوي يوازي قبح الهتك ، وكُـنْتُ قد أجبتُ : أنّ الهتك فيه مزيد شـناعة لأعمال الأُمويّين لم تكن تحصل بقتل الحسين عليه‌السلام فحسـب ، وكانت الغاية للحسين عليه‌السلام في خروجه إطفاء نائرة الأُمويّين ، والبروز في المظلومين بكلّ مظاهرها ، من قتل ، وحرق ، وسـبي .

غير أنّ المشـكّك لم يقنع أن تكون وسـائل الإطفاء قد قلّت علىٰ الحسـين عليه‌السلام وهو بذلك المظهر الديني ، حتّىٰ احتاج إلىٰ عرض عائلته علىٰ الهتك .

فالأمل أن تفيضوا علينا من فيوضات أنواركم وجليّ بيانكم ؛ ليقف المشـكّك والناقد علىٰ صراط الاعتقاد .

خادمكم عبـد المهدي

٣١٥
 &

[ جواب الشـيخ عبـد الحليم كاشف الغطاء ]

وعلمـت أنّ هـذا الكـتاب من الفاضل الأديـب الشـيخ عبـد المهدي مطر دام فضله ، وبعد أن اسـتوفيته بالنظر أمرني الوالد أن أكـتب في هذا الموضوع جواباً علىٰ ذلك السـؤال ، وأن أعتمد علىٰ نفسـي بدون الاسـتعانة بكاتب أو كـتاب إلّا ما يقضي به التاريخ ، فكـتبت ما يلي :

الشـكّ علّة البدع ، ومنشـأ الفسـاد ، وٱختلاف العقائد ، ما من أمرٍ إلّا معرض له (١) ، كـثيراً ما يطرأ علىٰ فكر المرء فيغيّر مجراه ويفسـد عليه معتقده ، حتّىٰ من البعيد أن يخلو منه امرؤٌ في هذه الحياة الدنيا ؛ لذلك من الصالح للمرء إزالته بأن ينظر فيه من هو أحصف عقلاً ، وأثبت رأياً ، وأسـمىٰ فكراً .

ومن تلك التي تلاعبت دول الشـكّ في أسـبابها ، وكـثر اللغط بها : هي الواقعة الشـهيرة ، وحقّـاً إنّها الواقعـة ، جلّـت وعظمت (٢) ، وبالحـريّ أن تداولتها الشـكوك ، وتلاعبت بها الأفكار ، وشـخصت إليها الأنظار .

والآن فلنـداول فكـرنا فيـها إجابة للطلب ، وإن كـنّا لسـنا من أصحـاب الأفكار السـامية والآراء الثاقبة ، لكنّ الفكر يظهر من الردّ والبدل علىٰ نتيجـة ناجعة .

فنقول : إنّا إذا نظرنا إلىٰ تاريخ الحروب والوقائع نرىٰ :

__________________

(١) كذا في الأصـل ، ولعلّ الأقرب إلىٰ الصـواب : ما من امرئٍ إلّا معرّضٌ له ، أو ما من أمرٍ إلّا عرضةً له ، أي : عرضةً للشكّ .

(٢) أي واقعة الطفّ الأليمة في كربلاء ، في عاشوراء سـنة ٦١ هـ .

٣١٦
 &

منها ما ظهر باسـم الحقّ والواجب الديني ، وهي التي تقع بين منتحلي الأديان والفرق وأصحاب الحقوق والسـيادة ، وهي محلّ البحث ومجال النظر .

ومنها ما ظهر بمظهر حربي سـياسـي صرف ، وهي الحروب السـياسـية التي تقع بين الأُمم .

وبما أنّ واقعة الطفّ واقعة مذهبية داخلية ظهرت باسـم الحقّ والواجب الديني ، لا يمكن الغور في البحث عنها إلّا بعد أن نبيّن ذاتية الحسـين عليه‌السلام من الجهة الدينية عندنا ، ونجعلها مقياس البحث .

فالمعتقد فيها أنّها ذاتٌ مقدّسـةٌ لا يعتبر بها الخطأ والزلل ، تَعْلَمُ بالمغيّبات قبل وقوعها بإذن الله ، وهذا الاعتقاد هو داعي البحث ومجلس الشـك .

فالحسـين عليه‌السلام كما كان عالماً بقتله في خروجه ، كذلك كان عالماً بقتله في بقائه ؛ إذ من المعلوم ما للأُمويّين من الضغائن والأحقاد القديمة علىٰ بني هاشـم ، فهم يتطلّبون أدنىٰ حجّـة وفرصة للفتك بهم .

فيزيد (١) الجائر لمّا رأىٰ ما للعلويّين من التعصّب والتصلّب عليه ،

__________________

(١) هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وُلد سنة ٢٢ وقيل سنة ٢٧ هجرية ، ثاني ملوك الدولة الأُموية ، ترعرع في تدمر فنشأ نشأة بدوية ، وكان دائم الشغل بالصيد والعبث واللهو والشراب ، يدخل المغنّين إلىٰ قصر معاوية « الخضراء » في جوف الليل مع علم معاوية .

أُمّه : ميسون بنت بحدل بن حنيف الكلبية ، و « كلب » قبيلة كانت نصرانية ، أسلمت بعد الفتح الإسلامي للشام .

كان يزيد أوّل من سنّ الملاهي في الإسلام ، وآوىٰ المغنّين ، وأظهر الفسق وشرب الخمر ، وكان ينادم عليها جون ـ مولاه ـ والأخطل الشاعر ، وظهر الغناء

=

٣١٧
 &

تأهّب للانتقام ، فأوصىٰ جميع ولاته وعمّاله بالحسـين عليه‌السلام شـرّاً حتّىٰ ولو وجد [ متعلِّقاً ] في أسـتار الكعبة ، لكنّ لين العمّال وتردّدهم في اقتحام مهلكة جهنّمية كهذه ممّا أمهل الحسـين عليه‌السلام أن يصل كربلاء ، ولذلك ترىٰ يزيداً أكْثَرَ من عزل الولاة والعمّال أيّام الحسـين عليه‌السلام ، وأنّ الحسين خاطر الموت قبل أن يصل كربلاء مرّتين ولكنّ قضاء الله حال دون ذلـك :

أوّلاً : في المدينة ، وذلك أنّ خـالد بن الحكم أو الوليد بن عتبة (١)

__________________

= بمكّة والمدينة في أيّامه ، وأظهر الناس شرب الشراب ، وكان يفعل فعل المجوس من نكح الأُمهات والمحارم ، ويتّخذ الغلمان والقيان .

ذكـر المؤرّخون أنّـه أمر مسـلم بن عقبـة باسـتباحة المدينـة ثلاثـة أيّـام في وقعة الحرّة ، وقتل أهلها الأبرياء من أطفال ونسـاء وشـيوخ وحتّىٰ بقيّـة صحابة رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمر أيضاً الحصين بن نمير بإحراق الكعبة بالمنجنيق ورميها بالنار والحجارة حتّىٰ هدّمت وأُحرقت البنية .

إضافة إلىٰ كلّ هذه الأفعال الشنيعة ، فإنّه ارتكب جريمة يندىٰ لها جبين البشرية ووجه التاريخ إلىٰ يوم القيامة ، ألا وهي جريمة قتل سبط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأخذ عياله ونسائه سبايا ، فهذه الجريمة النكراء هي وحدها كافية بأن تخرج يزيد اللعين من الدين والملّة .

ٱنظر : الطبقات الكبرىٰ ـ لابن سعد ـ ٤ / ٢١٢ ، أنساب الأشراف ٥ / ٢٩٩ ـ ٣٧٦ ، الإمامة والسياسة ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٩ وج ٢ / ٥ ـ ١٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٤ ـ ١٦٨ ، تاريخ الطبري ٥ / ٦٢٣ ، الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٣ / ١٨٠ ـ ١٨٨ ، البدء والتاريخ ٢ / ٢٤١ ـ ٢٤٤ ، العقد الفريد ٣ / ٣٦٢ ، مروج الذهب ٣ / ٦٧ ـ ٧٢ ، الأغاني ٨ / ٣٣٦ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨١ ـ ١٨٩ .

وللمزيد من التفصيل راجع : كتاب « يزيد في محكمة التاريخ » لجواد القزويني .

(١) الصحيح هو : الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، ولّاه معاوية علىٰ المدينة سنة ٥٨ بعد أن عزل عنها مروان .

بعث له يزيد بن معاوية رسالة يطلب فيها منه أن يأخذ البيعة له من الإمام

=

٣١٨
 &

والي المدينـة أرسـل إلىٰ الحسـين وٱبن الزبير رسـولاً ، فذهبا معاً إليه ، وكان عنده مروان بن الحكم ، فقالا للحسـين عليه‌السلام : بايـع !

فقال : « لا خير في بيعة سـرّاً . . . » إلىٰ آخـره .

فقال مروان : أُشـدد يدك يا رجل فلا يخرج حتّىٰ يبايعك ، فإن أبىٰ فاضرب عنقه .

وقال الزبير : قد علمت أنّا كنّا قد أبينا البيعة إذ دعانا إليها معاوية وفي نفسـه علينا ما لا نجهله ، ومتىٰ ما نبايعك ليلاً علىٰ هذه الحالة ترىٰ أنّك قد أغصبتنا علىٰ أنفسـنا ، دعنا حتّىٰ نصبح وتدعو الناس إلىٰ البيعة فنأتيك ونبايعك بيعة سـليمة ، ولم يزالا به حتّىٰ خلّىٰ عنهما وخرجا .

فقال مروان : تركـتهما ؟ ! والله لن تظفر بمثلها منهما أبداً !

فقال : ويحك ! أتشـير علَيَّ أن أقتل الحسـين ؟ ! فوالله ما يسـرّني أنّ لي الدنيا وما فيها ، وما أحسـب أنّ قاتله يلقىٰ الله بدمه إلّا خفيف الميزان يوم القيامة .

فقال مروان مستهزئاً : إن كنت إنّما تركت ذلك لذلك فقد أصبت (١) .

وعلىٰ أثر ذلك عزل خالد ، أو الوليد (٢) .

__________________

= أبي عبـد الله الحسـين عليه‌السلام بعد هلاك أبيه .

ٱنظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٥٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٧٧ .

(١) ٱنظر : تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٧٧ ، أنساب الأشراف ٥ / ٣١٣ ـ ٣١٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، مقتل الحسين ـ لابن أعثم الكوفي ـ : ١٥ ـ ٢٠ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٢٦٨ ، البداية والنهاية ٨ / ١١٨ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤ ، الملهوف علىٰ قتلىٰ الطفوف : ٩٦ ـ ٩٨ .

(٢) الصحيح هو : الوليد ، كما سـبق أن أشرنا ، وقد عزله يزيد عن المدينة وولّىٰ بدلاً

=

٣١٩
 &

ثانياً : لمّـا صـادف عليه‌السلام الحـرّ الرياحـي وعارضـه ، وقـال لـه الحسـين عليه‌السلام : « ثكلتك أُمّـك . . . » إلىٰ آخـره (١) .

ومـا ذكـرنا ذلك إلّا ليطّـلع الناقـد علىٰ تشـدّد يزيـد في طلب الحسـين عليه‌السلام ، وأن لا بُـدّ من قتله ما دام ممتنعاً !

وبما أنّ القتل كان عنـد العـرب أمـراً هيّـناً لا أثـر لـه في نفوسـهم ، آثر الحسـين عليه‌السلام القتل في خروجه مع الهتك ، لِما له من التأثير العظيم علىٰ نفوس العرب ، ومن العاقبة الوخيمة علىٰ بني أُميّة ، حذراً من أن يقتل في حـرم جدّه ، ويذهب دمـه هـدراً بلا تأثير عظيـم علىٰ العالـم الإسـلامي ، ولا الحصـول علىٰ شـرف خالد يسـتحقّ تمام الإعظام للعلويّين ، أو الحصـول به علىٰ أتباع يتظلّمون لهم ويتطلّبون بحقوقـهم (٢) .

__________________

= عنه عمرو بن سعيد الأشدق .

ٱنظـر : تاريخ الطبـري ٣ / ٣٠٤ حـوادث سـنة ٦٠ هـ ، الكامل في التاريـخ ٣ / ٣٨٠ حوادث سـنة ٦٠ هـ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٥ حوادث سـنة ٦٠ هـ .

(١) ٱنظر تفصيل الحوار الذي دار بين الإمـام أبي عبـد الله الحسـين عليه‌السلام وبين الحرّ بن يزيد الرياحي في :

تاريخ الطبـري ٣ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ حوادث سـنة ٦١ هـ ، مقـتل الحسـيـن ـ لابن أعثم ـ : ٨٩ ـ ٩٦ ، مقتل الحسـين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٣ .

(٢) لقد أورد ابن عساكر حديثاً أحببت أن أذكره هنا لمناسبته للمقام ، قال :

وأنا موسىٰ بن إسماعيل ، نا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك ، قال : حدّثني من شافه الحسين ، قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض ، فقلت : لمن هذه ؟ قالوا : هذه لحسين . قال : فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن ، قال : والدموع تسيل علىٰ خدّيه ولحيته ، قال : قلت : بأبي وأُمّي يا بن رسول الله ! ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحـد ؟ !

فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليَّ ، ولا أراهم إلّا قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلّا انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم ، حتّىٰ يكونوا أذلّ من فرم

=

٣٢٠