مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٣٢
حينئذٍ لعدم تعلّق النهي بذاتِ شيء من العوضين باعتبار عدم قابليّته للعوضيّة ، وإنّما وقع باعتبار أمر خارج عن ذلك وإن أثم باعتبار إيقاعه في ذلك الزمان المنهيّ عن الإيقاع فيه » (١) .
* خامساً : مسألة الإجزاء .
ويقع البحث في هذه المسألة عن أنّه هل توجد ملازمة عقلية بين إتيان المكلّف بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري ، وبين حكم الشارع بإجزاءِ ما أتىٰ به عن المأمور به بالأمر الأوّلي الاختياري ، أو الواقعي ، أم لا ؟ وقد قسّموا البحث في هذه المسألة علىٰ مقامين :
* المقام الأوّل :
في إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري ، ولم يتّفق العلماء هنا علىٰ القولِ بالإجزاء عقلاً ، فما هو معروف في فتاواهم من القول بالإجزاء ، لا بُدّ أن يكون مردّه إلىٰ ما استفادوه من الأدلّة الشرعية في هذا المقام .
قال الشيخ المظفّر رحمهالله : « لا شكَّ في أنّ هذه الأوامر الاضطرارية أوامر واقعية حقيقية ذات مصالح ملزمة كالأوامر الأوّلية . . . وإذا امتثلها المكلّف أدّىٰ ما عليه في هذا الحال وسقط عنه التكليف بها .
ولكن يقع البحث والتساؤل فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطرارية الثانوية ، ورجع المكلّف إلىٰ حالته الأُولىٰ من التمكّن من أداءِ ما كان عليه واجباً في حالة الاختيار ، فهل يجزئه ما كان قد أتىٰ به في حال الاضطرار ،
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١٠ / ١٧٦ ـ ١٧٧ .
أو لا يجزئه ، بل لا بُدّ له من إعادة الفعل في الوقت أداءً . . . أو إعادته خارج الوقت قضاءً ؟
إنّ هذا أمر يصحّ فيه الشكّ والتساؤل ، وإن كان المعروف بين الفقهاء في فتاويهم القول بالإجزاء مطلقاً أداءً وقضاءً .
غير أنّ إطباقهم علىٰ القول بالإجزاء ليس مستنداً إلىٰ دعوىٰ أنّ البديهيّة العقلية تقضي به ، لأنّه هنا يمكن تصوّر عدم الإجزاء بلا محذور عقليّ ، أعني : يمكننا أن نتصوّر عدم الملازمة بين الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري وبين الإجزاء به عن الأمر الواقعي الاختياري » (١) .
وفصّل المحقّق الأصفهاني في هذا المقام في ما يخصّ حكم العقل بالملازمة ، فقسّم المكلّف به اضطراراً إلىٰ ثلاثة أقسام :
أوّلها : أن يكون مشتملاً علىٰ عين مصلحة الواجب الأوّلي .
والثاني : أن يكون مشتملاً علىٰ مصلحة ملزمة لكنّها من غير نوع المصلحة الموجودة في الفعل الاختياري .
والثالث : أن يكون مشتملاً علىٰ مرتبة نازلة من المصلحة القائمة بالفعل الاختياري .
وذهب إلىٰ أنّ لازم الإتيان بالأوّل الإجزاء ، ولازم الإتيان بالثاني عدم الإجزاء ، وفرّق في الثالث بين ما أمكن تدارك مصلحة الفعل الاختياري فذهب إلىٰ عدم الإجزاء ، وما إذا لم يمكن ذلك فذهب إلىٰ الإجزاء (٢) .
ثمّ قال : « هذا ، وأمّا الحكم بحسب الأدلّة ، فهو يختلف باختلاف
__________________
(١) أُصول الفقه ٢ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨ .
(٢) وقاية الأذهان : ١٩٨ .
الموارد . . . فإنّ إجزاء هذه الأحكام عن الواقعيّات الأوّلية تابع لما يستفاد من الأدلّة من أمر العذر الذي أخذه الشارع في موضوعاتها ، فإن علم منها أنّه العذرُ وقت العمل ، فلا شكَّ في الإجزاء ؛ لأنّ المفروض أنّها بدل عن تلك الأحكام ، ولا معنىٰ للجمع بين البدل والمبدل منه . . . وإن علم منها أنّه العذر المستوعب ، فلا حكم حتّىٰ يبحث عن إجزائه ، وعلىٰ فرض عدم استفادة أحد الأمرين من الأدلّة ، وٱنتهاء النوبة إلىٰ الأصل العملي ، فلا شكَّ أنّ الأصل عدم تلك الأحكام ، فلا بُدّ من إحراز تلك الأوامر أوّلاً ، ثمّ البحث عن إجزائها » (١) .
وقال الشيخ المظفّر ـ بعد أن قرّر أنّ ذهابهم إلىٰ القولِ بالإجزاء غير مستند إلىٰ دعوىٰ أنّ البديهيّة العقلية تقتضي الإجزاء ـ : « لا إشكال في أنّ المأتيَّ به في حال الاضطرار أنقص من المأمور به في حال الاختيار ، والقول بالإجزاء فيه ، معناه : كفاية الناقص عن الكامل ، مع فرض التمكّن من أداءِ الكامل في الوقت أو خارجه ، ولا شكَّ في أنّ العقل لا يرىٰ بأساً بالأمر بالفعل ثانياً بعد زوال الضرورة ؛ تحصيلاً للكامل الذي قد فات منه ، بل قد يلزم العقل بذلك إذا كان في الكامل مصلحة ملزمة لا يفي بها الناقص ، ولا يسدُّ مسدَّ الكامل في تحصيلها .
والمقصود الذي نريد أن نقوله بصريح العبارة : ( أنّ الإتيان بالناقص ، ليس بالنظرة الأُولىٰ ممّا يقتضي عقلاً الإجزاء عن الكامل ) ، فلا بُدّ أن يكون ذهاب الفقهاء إلىٰ الإجزاء لسرٍّ هناك » (٢) .
ثمّ إنّه ذكر أربعة أُمور تصلح كلّها أو بعضها لتوجيه القول بالإجزاء ،
__________________
(١) وقاية الأذهان : ٢٠٠ ـ ٢٠١ .
(٢) أُصول الفقه ٢ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨ .
وليس منها حكم العقل بالملازمة ، بل كلّها مستفادة من فهم النصوص الشرعية الواردة في التكاليف الاضطرارية .
والحاصل : إنّ دلالة النصوص علىٰ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الاختياري تُغني عن القول بالملازمة العقلية المفيدة للإجزاء ، وأمّا القول بأنّ العقل يحكم بعدم الملازمة وعدم الإجزاء ، فإنّه مناف لما هو مستفاد من الأدلّة الشرعية .
* المقام الثاني :
في إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري ، وهو : الأمر الثابت بالحجج الظاهرية ، أي : الأمارات والأُصول العملية ، فإذا أتىٰ المكلّف بالوظيفة وفقاً للحجّة الظاهرية ، ثمّ انكشف الواقع بعد ذلك ، وتبيّن أنّه غير ما قامت عليه الأمارة أو الأصل ، فهل يجب علىٰ المكلّف امتثال الأمر الواقعي أداءً في الوقت وقضاءً خارجه ، أم لا يجب عليه ذلك ، ويجزي ما أتىٰ به علىٰ طبق الأمارة والأصل ، وإن تبيّن خطَأُهما ؟
والرأي السائد لدىٰ العلماء هو عدم الإجزاء ، سواء انكشف خطأ الأمارة أو الأصل يقيناً أو بحجّة معتبرة ، ولا فرق في ذلك بين قيام الحجّة الظاهرية التي انكشف خطَأُها علىٰ الأحكام أو الموضوعات .
نعم ، ذهبوا إلىٰ الإجزاء في الأحكام ؛ للإجماع عليه ، لا لكونه مقتضىٰ القاعدة العقلية .
هذا كلّه بناءً علىٰ
ثبوت الحكم الظاهري ، وهو بحاجة إلىٰ إعادة النظر ؛ لأنّه في مورد الأمارة يتوقّف علىٰ حجّيّة الظنّ ، وفي مورد الأصل العملي يتوقّف علىٰ القول بعدم توفّر الأدلّة الشرعيّة علىٰ بعض
الأحكام ،
وكِلا الأمرين محلّ تأمّل ونظر يحتاج بيانه إلىٰ بحث مستقلّ .
والحاصل من بحث الملازمات العقلية بنوعيها : أنّ بعضها غير ثابت أصلاً ، والثابت منها لا يكشف عن أحكام ليس عليها دليل من الآيات والروايات ، بحيث يتوقّف استنباطها علىٰ تلك الملازمات .
كما أنّ الحاصل من بحث الدليل العقلي عموماً :
أوّلاً : إنّ تشريع الأحكام عن طريق العقل مستقلّاً عن الأدلّة النقلية من الكتاب والسُنّة محرّم شرعاً .
ثانياً : إنّ اكتشاف الأحكام الشرعية عن طريق القياس محرّم أيضاً ؛ لأنّه لا يؤدّي إلىٰ العلم بالحكم الشرعي ، ولا يفيد أكثر من الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً .
ثالثاً : إنّ اكتشاف الحكم الشرعي عن طريق ما هو ثابت من الملازمات العقلية وإن كان جائزاً ؛ لاشتراطه بأدائه إلىٰ العلم بالحكم ، إلّا أنّه ليس ضرورياً ؛ إذ لا يتوقّف عليه الاستنباط بعد توفّر الأدلّة الشرعية الكاشفة عن أحكام جميع الوقائع .
فينبغي صرف الجهد العقلي إلىٰ اكتشاف الأحكام من أدلّتها الشرعية ، ولا حاجة لإنفاق الوقت والجهد في تأسيس قواعد لحلّ مشاكل افتراضية ليس لها وجود في مجال استنباط الأحكام .
بقيت هناك نقطتان تجدر الإشارة إليهما في ختام البحث :
النقطة الأُولىٰ :
تتعلّق بتقريب كيفية وفاء
الشريعة بأحكام جميع القضايا ، بما فيها القضايا الحادثة بعد عصر التشريع ، فقد يقال بصعوبة تصوير ذلك ، بدعوىٰ
« أنّ النصوص التشريعية من قرآنٍ أو سُنّةٍ هي نصوصٌ متناهية ، بينما الحوادث الواقعة والمتوقّعة غير متناهية ، فلا سبيل إلىٰ إعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلّا عن طريق الرأي » (١) .
والجواب عن ذلك : إنّ الشارع المقدّس قد احتاط لهذا الأمر بأن شرّع الأحكام علىٰ نحوين :
أوّلهما : الأحكام الشرعية التي يتعلّق كلّ منها بموضوع خاصّ أو عنوان جزئي ، فيختصّ به ولا يتعدّاه إلىٰ غيره ، كحرمة الخمر ، ووجوب الصلاة .
وثانيهما : الأحكام الشرعية التي يتعلّق كلّ منها بعنوان عامّ أو موضوع كلّي يصلح للانطباق علىٰ أفراد ومصاديق متعدّدة ، وهذا النوع من الأحكام هو المصطلح عليه لدىٰ الفقهاء بـ : « القواعد الفقهية » التي تحدّد في ضوئها أحكام الوقائع المستجدّة التي ينطبق عليها العنوان الكلّي أو الموضوع العامّ الذي تعلّق به الحكم الشرعي .
وبتشريع هذا النحو من الأحكام تتمكّن الشريعة من الوفاء بأحكام القضايا المتجدّدة عبر الزمن ، بنحو لا يبقي فراغاً في منطقة التشريع ، ولا يترك مجالاً لدعوىٰ ضرورة الاستعانة بالعقل في صياغة الأحكام أو اكتشافها عن طريق القياس ، وما ينجم عن ذلك من تسرّب القوانين الوضعيّة إلىٰ ساحة التشريع الإلٰهي .
__________________
(١) موسوعة فقه السلف ١ / ٨٢ ـ ٨٣ ؛ وٱنظر : أعلام الموقّعين ـ لابن القيّم ـ ١ / ٣٣٣ .
وإلىٰ هذا النوع من الأحكام الكلّيّة أو القواعد الفقهيّة تشير الأحاديث الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، كـ : قول الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّما علينا أن نلقي إليكم الأُصول ، وعليكم أن تفرّعوا » (١) ، وقول الإمام الرضا عليهالسلام : « علينا إلقاء الأُصول وعليكم التفريع » (٢) .
قال الحرّ العاملي قدسسره: « هذان الحديثان تضمّنا جواز التفريع علىٰ الأُصول المسموعة منهم ، وهي : القواعد الكلّيّة المأخوذة عنهم لا علىٰ غيرها ، فلا دلالة له [ علىٰ ] أكثر من العمل بالنصّ العامّ ، ولا خلاف فيه بين العقلاء » (٣) .
وفي بصائر الدرجات : « عن موسىٰ بن بكر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يغمىٰ عليه اليوم أو اليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك ، كم يقضي ؟
فقال : ألا أُخبرك بما ينتظم هذا وأشباهه ؟ فقال : كلّ ما غلب الله عليه من أمرٍ ، فالله أعذر لعبده » (٤) .
النقطة الثانية :
لو افترضنا أنّنا لم نجد في النصوص الشرعية دليلاً يحدّد حكم قضيّة ما ، فلا يسوغ لنا أن نعزو ذلك إلىٰ تفريط الشارع المقدّس في بيان حكم هذه القضيّة ، ولا إلىٰ ضياع النصّ الخاصّ بحكمها ؛ فقد تقدّم أنّ
__________________
(١) السرائر : ٤٧٧ ، وسائل الشيعة ٢٧ / ٦١ ح ٣٣٢٠١ .
(٢) السرائر : ٤٧٧ ، وسائل الشيعة ٢٧ / ٦٢ ح ٣٣٢٠٢ .
(٣) الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة : ٢١٤ ـ ٢١٥ .
(٤) بصائر الدرجات : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ .
الشارع قد أكمل الدين وتعهّد بحفظه ، والتفسير الصحيح لهذه الحالة هو ما ذكره الشارع نفسه من أنّه وسّع علىٰ المكلّف وتركه مطلق العنان ، ولم يلزمه بفعل أو تركٍ تجاه هذه القضيّة .
وقد ورد بهذا الشأن كثير من الأدلّة في مصادر الفريقين ، منها :
١ ـ قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الحلال ما أحلّه الله في كتابه ، والحرام ما حرّم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو ممّا عفا عنه » (١) .
٢ ـ قول الإمام عليّ عليهالسلام : « إنّ الله افترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً ، فلا تتكلّفوها » (٢) .
٣ ـ قول الإمام الصادق عليهالسلام : « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » (٣) .
٤ ـ « عن عبد الأعلىٰ بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام : مَن لم يعرف شيئاً ، عليه شيء ؟ قال : لا » (٤) .
٥ ـ قول الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ الله عزّ وجلّ احتجّ علىٰ الناس بما آتاهم وما عرّفهم » (٥) .
فعدم وجود دليل خاصّ أو عامّ يبيّن حكم واقعة ما ، دليل علىٰ أنّ
__________________
(١) سُنن الترمذي ٤ / ٢٢٠ ح ١٧٢٦ ، سُنن ابن ماجة ٥ / ٧٣ ح ٣٣٦٧ ، سُنن البيهقي ١٤ / ٢٩٧ ح ١٩٩٣٥ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٥ / ١٥٨ .
(٢) وسائل الشيعة ١٥ / ٢٦٠ ح ٢٠٤٥٢ ، نهج البلاغة : ٤٨٧ الحكمة ١٠٥ .
(٣) الكافي ١ / ١٦٤ ح ٣ ، التوحيد : ص ٤١٣ ح ٩ .
(٤) الكافي ١ / ١٦٤ ح ٢ ، التوحيد : ٤١٢ ح ٨ .
(٥) التوحيد : ٤١٠ ح ٢ .
حكمها الإباحة ، ولا يدلّ علىٰ نقص في التشريع أو فقدان لبعض أدلّة الأحكام ، بنحو يضطرّنا إلىٰ الرجوع إلىٰ العقل وٱتّخاذه مقنّناً أو كاشفاً عن الأحكام ، وعليه ينبغي حصر وظيفة العقل باستنباط الأحكام بالرجوع إلىٰ النصوص الشرعية من آيات الكتاب الكريم ، وأحاديث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين .
والحمد لله ربّ العالمين .
* * *
مصادر البحث
١ ـ القرآن الكريم .
٢ ـ اجتهاد الرسول ، لنادية شريف العمري ، مؤسّسة الرسالة / بيروت ، ١٤٠١ هـ ـ ١٩٨١ م .
٣ ـ الإحكام في أُصول الأحكام ، لابن حزم علي بن أحمد الأندلسي ، تحقيق لجنة من العلماء ، ط ٢ ، دار الجيل / بيروت ، ١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م .
٤ ـ اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي ) ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، تحقيق محمّد فاضل الميبدي والسيّد أبو الفضل الموسويان ، نشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي / طهران ، ١٤٢٤ هـ .
٥ ـ الإسماعيليّون والمغول ونصير الدين الطوسي ، لحسن الأمين ، مركز دراسات الغدير / قم ، ١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٧ م .
٦ ـ أُصول الفقه ، للشيخ محمّد رضا المظفّر ، مطبعة النعمان / النجف الأشرف ، ١٣٨٦ هـ ـ ١٩٦٦ م .
٧ ـ الأُصول العامة للفقه المقارن ، للسيّد محمّد تقي الحكيم ، دار الأندلس / بيروت ، ١٩٦٣ م .
٨ ـ أعلام الموقّعين ، لابن قيّم الجوزية ، تحقيق طٰه عبد الرؤوف ، دار الجيل / بيروت .
٩ ـ بشارة المصطفىٰ لشيعة المرتضىٰ ، لمحمّد بن علي الطبري ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، مؤسّسة النشر الإسلامي / قم ، ١٤٢٠ هـ .
١٠ ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لمحمّد بن أحمد ، ابن رشد القرطبي ، ١٣٨٩ هـ ـ ١٩٦٩ م .
١١ ـ بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد ، للشيخ محمّد بن الحسن الصفّار ، تعليق وتصحيح الميرزا محسن كوچه باغي ، منشورات الأعلمي / طهران ، ١٤٠٤ هـ .
١٢ ـ التبصرة في أُصول الفقه ، لأبي إسحاق الشيرازي ، تحقيق محمّد حسن هيتو ، دار الفكر / دمشق ، ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م .
١٣ ـ تحف العقول عن آل الرسول ، لعلي بن الحسين بن شعبة الحرّاني ، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفّاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي / قم ، ١٤٠٤ هـ .
١٤ ـ التفسير الكبير ( مفاتيح الغيب ) ، لفخر الدين محمّد بن عمر الرازي .
١٥ ـ الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة ، للشيخ يوسف البحراني ، طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي / قم ، ١٣٧٧ هـ .
١٦ ـ حقائق الأُصول ، للسيّد محسن الحكيم ، النجف الأشرف ، ١٣٧٢ هـ .
١٧ ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، دار الكتاب العربي / بيروت ، ١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م .
١٨ ـ الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، لجلال الدين السيوطي ، دار الفكر / بيروت ، ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣ م .
١٩ ـ دعائم الإسلام ، للقاضي أبو حنيفة النعمان ، تحقيق علي أصغر فيضي ، دار المعارف / مصر ، ١٣٨٣ هـ ـ ١٩٦٣ م .
٢٠ ـ روضة الناظر وجنّة المناظر ، لابن قدامة ، عبد الله بن أحمد ، تحقيق شعبان محمّد إسماعيل ، مؤسّسة الريّان / بيروت ، ١٤١٩ هـ ـ ١٩٩٨ م .
٢١ ـ السرائر ، لمحمّد بن إدريس الحلّي ، مؤسّسة النشر الإسلامي / قم ، ١٤١٤ هـ .
٢٢ ـ سُنن ابن ماجة ، لمحمّد بن يزيد القزويني ، تحقيق بشّار عوّاد معروف ، دار الجيل / بيروت ، ١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٨ م .
٢٣ ـ سُنن أبي داود ، لسليمان بن الأشعث ، ضبط وتعليق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، دار الفكر / بيروت .
٢٤ ـ سُنن البيهقي ، لأحمد بن الحسين ، دار الفكر / بيروت ، ١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٦ م .
٢٥ ـ سُنن الترمذي ، لمحمّد بن عيسىٰ ، تحقيق إبراهيم
عطوة عوض ،
دار إحياء التراث العربي / بيروت ، ١٣٨١ هـ ـ ١٩٦٢ م .
٢٦ ـ سُنن النسائي ، لأحمد بن شُعيب ، ضبط وتصحيح عبد الوارث محمّد علي ، دار الكتب العلمية / بيروت ، ١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م .
٢٧ ـ شرح التجريد ، لعلاء الدين علي بن محمّد القوشجي ، الطبعة الحجرية .
٢٨ ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي ، عزّ الدين عبد الحميد ابن هبة الله بن محمّد المدائني ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، دار إحياء الكتب العربية / مصر ، ١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٥ م .
٢٩ ـ الصادع في الردّ علىٰ مَن قال بالقياس والرأي والاستحسان والتعليل ، لابن حزم الأندلسي ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري ، مجلّة دراسات أُصولية / قم ، العدد المزدوج ( ٤ ـ ٥ ) لسنة ١٤٢٤ هـ .
٣٠ ـ صحيح البخاري ، لمحمّد بن إسماعيل ، تحقيق مصطفىٰ ديب البُغا ، دار ابن كثير ودار اليمامة / دمشق وبيروت ، ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣ م .
٣١ ـ صحيح مسلم بشرح النووي ، تحقيق خليل مأمون شيحا ، دار المعرفة / بيروت ، ١٤٢٢ هـ ـ ٢٠٠١ م .
٣٢ ـ علل الشرائع ، للشيخ الصدوق ، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، مؤسّسة الأعلمي / بيروت ، ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م .
٣٣ ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، لابن الجوزي ، تحقيق خليل الميس ، دار الكتب العلمية / بيروت ، ١٤٢٤ هـ ـ ٢٠٠٣ م .
٣٤ ـ عوالي اللآلي ، لابن أبي جمهور الأحسائي ، تحقيق مجتبىٰ العراقي ، مطبعة سيّد الشهداء / قم ، ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م .
٣٥ ـ الفتاوىٰ الواضحة ، للسيّد محمّد باقر الصدر ، مطبعة الآداب / النجف الأشرف ، ١٣٩٦ هـ .
٣٦ ـ فجر الإسلام ، لأحمد أمين ، دار الكتاب العربي / بيروت ، ١٩٦٩ م .
٣٧ ـ الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة ، للحرّ العاملي ، محمّد بن الحسن ، منشورات بصيرتي / قم .
٣٨ ـ الكافي ، للكليني محمّد بن يعقوب الرازي ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، دار الكتب الإسلامية / طهران ، ١٣٨٨ هـ .
٣٩ ـ كتاب سُليم بن قيس الهلالي ، تحقيق محمّد باقر الأنصاري ، الناشر : « دليل ما » / قم ، ١٤٢٤ هـ .
٤٠ ـ كفاية الأُصول ، للآخوند الخراساني ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث / قم ، ١٤٠٩ هـ .
٤١ ـ كنز العمّال ، للمتّقي الهندي ، مؤسّسة الرسالة / بيروت ، ١٤٠٥ هـ .
٤٢ ـ المحاسن ، لأحمد بن محمّد البرقي ، تحقيق المحدّث الأُرموي ، دار الكتب الإسلامية / قم .
٤٣ ـ المحصول في علم الأُصول ، لفخر الدين محمّد بن عمر الرازي ، تحقيق محمّد عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية / بيروت ، ١٤٢٠ هـ ـ ١٩٩٩ م .
٤٤ ـ محاضرات في أُصول الفقه ، لمحمّد إسحاق الفيّاض ، تقريراً لبحث السيّد الخوئي ، مطبعة النجف ، ١٣٨٢ هـ ـ ١٩٦٢ م .
٤٥ ـ المستدرك علىٰ الصحيحين ، للحاكم النيسابوري محمّد بن عبد الله ، صنعة عبد السلام علّوش ، دار المعرفة / بيروت ، ١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٨ م .
٤٦ ـ مستدرك وسائل الشيعة ، لميرزا حسين النوري الطبرسي ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث / قم ، ١٤٠٧ هـ .
٤٧ ـ مسند أحمد بن حنبل ، شرحه ووضع فهارسه حمزة أحمد الزين ، دار الحديث / القاهرة ، ١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م .
٤٨ ـ معاني الأخبار ، للشيخ الصدوق ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، نشر جماعة المدرّسين / قم ، ١٣٦١ هـ . ش .
٤٩ ـ مقدّمة ابن خلدون ، مراجعة لجنة من العلماء ، ط المكتبة التجارية / مصر .
٥٠ ـ موسوعة فقه السلف ـ إبراهيم النخعي ، محمّد روّاس قلعه چي ، دار النفائس / بيروت ، ١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م .
٥١ ـ النصّ والاجتهاد ، للسيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ،
مؤسّسة الأعلمي / بيروت ، ١٣٨٦ هـ ـ ١٩٦٦ م .
٥٢ ـ نهاية الدراية في شرح الكفاية ، للشيخ محمّد حسين الأصفهاني ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث / قم ، ١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٨ م .
٥٣ ـ نهج البلاغة ، جمع الشريف الرضي ، تحقيق صبحي الصالح ، دار الكتاب اللبناني / بيروت ، ١٩٨٠ م .
٥٤ ـ هداية الأبرار إلىٰ طريق الأئمّة الأطهار ، للشيخ حسين الكركي ، تصحيح رؤوف جمال الدين ، النجف ، ١٣٩٦ هـ .
٥٥ ـ وسائل الشيعة ، للحرّ العاملي الشيخ محمّد بن الحسن ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث / قم ، ١٤١٦ هـ .
٥٦ ـ وقاية الأذهان ، للشيخ محمّد رضا الأصفهاني ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث / قم ، ١٤١٣ هـ .
* * *
العزاء والرثاء سُنّة قرآنية |
الشيخ محمّد السند |
بسم الله الرحمٰن الرحيم
يطرح بعضهم سؤالاً عن المبرّر الشرعي والأهداف الدينية وراء تكرار العزاء وإقامة المأتم علىٰ سيّد الشهداء عليهالسلام وبضعة المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّ عام ، مع تطاول المدّة ، بنحو رتيب وندبة راتبة ، والحال إنّ الندبة والرثاء علىٰ السبط الشهيد سُنّة إلٰهية تكوينية وقرآنية ، وكذلك هو سُنّة نبوية .
وقد أوضحت الكثير من الكتب والمراجع التاريخية والدراسات عدّة من هذه الوجوه :
فالوجه الأوّل : وهو السُنّة التكوينية الإلٰهية .
يشير إليه قوله تعالىٰ : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ) (١) ؛ إذ
__________________
(١) سورة الدُخان ٤٤ : ٢٩ .
أنّ الله سبحانه وتعالىٰ قد نفىٰ ـ في هذه الآية الكريمة ـ بكاء السماء والأرض علىٰ هلاك قوم فرعون الظالمين ، وهو ما يقضي بوجود شأن فعل البكاء من السماء والأرض كظاهرة كونية ، وإلّا لَما كان للنفي معنىً محصّل . .
وقد أشارت المصادر العديدة من كتب أهل سُنّة الجماعة بوقوع هذه الظاهرة الكونية عند مقتل الحسين عليهالسلام من مطر السماء دماً ، وٱحمرارها مدّة مديدة ، ورؤية لون الدم علىٰ الجدران وتحت الصخور والأحجار في المدن والبلاد الإسلامية ، فلاحظ ما ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الحسين عليهالسلام بأسانيد متعدّدة (١) .
بل قد أطلعنا أخيراً بعض المؤمنين علىٰ كتاب ( ذي أنكلوساكسون كرونكل ) ، كتبه مؤلّفه سنة ١٩٥٤ م ، يشتمل علىٰ ذكر الأحداث التاريخية التي مرّت بها الأُمّة البريطانية منذ عهد المسيح عليهالسلام .
وهو يذكر لكلّ سنة أحداثها ، حتّىٰ يأتي علىٰ ذكر أحداث سنة ٦٨٥ م ، التي تقابل سنة ٦١ هـ سنة استشهاد السبط عليهالسلام ، فيذكر المؤلّف أنّ في هذه السنة مطرت السماء دماً ، وأصبح الناس في بريطانيا فوجدوا أن ألبانهم وأزبادهم تحوّلت إلىٰ دم (٢) . .
هذا مع أنّ الكاتب لم يجد لهذه الظاهرة تفسيراً ، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلىٰ مقارنة ذلك لسنة ٦١ هـ .
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢٢٦ ـ ٢٣٠ من ترجمة الإمام الحسين عليهالسلام .
(٢) لاحظ : ص ٣٥ وص ٣٨ وص ٤٢ من كتاب The Anglo-Saxon Chrovicle وقد سجّل الكتاب في مكتبة Everyman’s Libarary برقم ٦٢٤ .
وأمّا الوجه الثاني : وهو كون ذلك سُنّة قرآنية .
فهو علىٰ نمطين :
الأوّل : افتراض الباري تعالىٰ مودّة أهل البيت عليهمالسلام ، بل وجعل هذه الفريضة من عظائم الفرائض القرآنية ، وذلك في قوله تعالىٰ : ( ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّـهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (١) . .
فقد جعل المودّة أجراً علىٰ مجموع الرسالة المشتملة علىٰ أُصول الدين العظيمة ، ممّا يدلّل علىٰ كون هذه الفريضة في مصاف أُصول الديانة .
ثمّ بيّن تعالىٰ أنّ المودّة لها لوازم وأحكام ، منها : الاتّباع ، كما في قوله تعالىٰ : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ ) (٢) .
ومنها : الإخبات والإيمان بذلك ، كما في قوله تعالىٰ : ( وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) (٣) .
ومنها : الحزن لحزنهم ، والفرح لفرحهم ، كما في قوله تعالىٰ : ( إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ
__________________
(١) سورة الشورىٰ ٤٢ : ٢٣ .
(٢) سورة آل عمران ٣ : ٣١ .
(٣) سورة الحُجرات ٤٩ : ٧ .
وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ ) (١) . .
ففد بيّن تعالىٰ ـ من خلال دلالة هذه الآية علىٰ أنّ العداوة للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم مقتضاها الحزن لفرحه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ، والفرح لمصيبته صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ـ أنّ المحبّة تقتضي الحزن لمصابهم ، والفرح لفرحهم .
ونظير هذه الدلالة قوله تعالىٰ : ( إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) (٢) . .
فعلىٰ هذه الدلالة القرآنية يكون العزاء وإقامة المأتم والرثاء والندبة علىٰ مصاب السبط عليهالسلام ، بضعة المصطفىٰ ، سيّد شباب أهل الجنّة ، ريحانة الرسول الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من مقتضيات الفريضة العظيمة الخالدة بخلود الدين ، وهي : مودّة القربىٰ .
الثاني : ما عقدنا هذا المقال له ، وهو : إنّ القرآن قد تضمّن الرثاء والندبة علىٰ خريطة وقائمة المظلومين طوال سلسلة أجيال البشرية . .
وقد استعرض القرآن الكريم ظلامتهم ، بدءاً من هابيل إلىٰ بقية أدوار الأنبياء والرسل ، وروّاد الصلاح والعدالة ، والجماعات المصلحة المقاومة للفساد والظلم ، كأصحاب الأُخدود ، وقوافل الشهداء عبر تاريخ البشرية ، وحتّىٰ الأطفال المجني عليهم نتيجة سُنن جاهلية ، كالموؤدة ، بل قد رثىٰ وندب القرآن الناقة ـ ناقة صالح عليهالسلام ـ لمكانتها .
ولم يقتصر القرآن علىٰ الرثاء والندبة لمن وقعت عليهم الظلامات ،
__________________
(١) سورة التوبة ( براءة ) ٩ : ٥٠ .
(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٢٠ .
بل أخذ في التنديد بالظالم والعتاة الظلمة ، وتوعّدهم بالعذاب والنقمة والبطش ، كما نجده في جملة من الموارد التي سنتعرّض لها ـ في هذا المقال ـ في السور القرآنية ، وهي :
* الأُولىٰ : قصّة أصحاب الأُخدود في سورة البروج .
فالسورة تستهلّ بالقَسم الإلٰهي أربع مرّات : ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) (١) ، وهذا الابتداء بمثابة توثيق للواقعة والحادثة التي يريد الإخبار عنها ، وفي هذا منهجاً ودرساً يحثّ علىٰ توثيق الحادثة أوّلاً ، ثمّ الخوض في تفاصيلها ورسم أحداثها .
ثمّ تسرد السورة وقائع الحدث الذي جاء القسم الإلٰهي علىٰ وقوعه ، مبتدئة بلفظ : ( قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ) (٢) ، وهو أُسلوب رثاء وندبة وعزاء ، نظير قول الراثي : قتل الحسين عطشاناً . كما أن توصيفهم بأصحاب الأُخدود بيان لكيفية القتل التي جرت عليهم .
وتواصل السورة تصوير مسرح الحدث ؛ استثارة للعواطف وتهييجها ، وذلك بوصف الأُخدود : ( النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ) (٣) ، وهو بيان لشدّة استعار النار التي أُجّجت لإحراقهم ، وهو وصف لبشاعة الجناية وفظاعتها .
ثمّ يتابع القرآن الكريم قوله : ( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ) (٤) ، وهو بيان للقطة أُخرىٰ من مسرح عمليات الحادثة التي أوقعها الظالمين علىٰ
__________________
(١) سورة البروج ٨٥ : ١ ـ ٣ .
(٢) سورة البروج ٨٥ : ٤ .
(٣) سورة البروج ٨٥ : ٥ .
(٤) سورة البروج ٨٥ : ٦ .
المؤمنين ، من إرعابهم وتهديدهم بإجلاسهم علىٰ شفير الأُخدود المتأجّج أوّلاً ، ولأجل ممارسة الضغط عليهم للتخلّي عن مبادئهم التي يتمسّكون بها ، وفيه بيان لشدّة صلابة المؤمنين مع هذا الإرعاب المسلّط عليهم .
ثمّ تتابع السورة : ( وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) (١) ، وهذا بيان يجسّد فوران الشفقة الإلٰهية علىٰ الظلامة ، والتلهّف علىٰ ما يُفعل بالمؤمنين .
ثمّ تتلو السورة : ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (٢) ، فيبيّن براءة المؤمنين في قبال شدّة الظلامة ، ومن جهة أُخرىٰ يبيّن شدّة صلابة المؤمنين وصمودهم وعلوّ مبدأهم .
ثمّ يبدأ الباري تعالىٰ بتهديد الظالمين وتنديده بهم من موقع المالك للسماوات والأرض ، والشاهد المراقب لكلّ الأُمور : ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٣) .
ثمّ يقول تعالىٰ : ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ . . . إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) (٤) . .
فيسطّر تعالىٰ قاعدة وسُنّة إلٰهية عامّة من الوقوف بصفّ المظلومين ومواجهة الظالمين ، وهو بذلك يربّي المسلمين والمؤمنين والقارئ للقرآن علىٰ التضامن مع المظلومين ، والنفرة من الظالمين والتنديد بهم عبر طول
__________________
(١) سورة البروج ٨٥ : ٧ .
(٢) سورة البروج ٨٥ : ٨ .
(٣) سورة البروج ٨٥ : ٩ .
(٤) سورة البروج ٨٥ : ١٠ ـ ١٤ .