أدوار علم الفقه وأطواره

الشيخ علي كاشف الغطاء

أدوار علم الفقه وأطواره

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٦

ما وليت بما قال معاوية ، وبلغ بهم أن يغروا بعض الرواة والفقهاء بالكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتأييد مقامهم وتثبيت مراكزهم وإضعاف مخالفيهم فتطاولوا على مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكذب عليه وأقحموا في الفقهاء من لم يستكمل عناصر الاجتهاد لديه ولم يستنتج الحكم الشرعي بالنظر السليم المجرد عن الهوى فيه وشجعوهم على الإفتاء بما لم ينزل به الله من سلطان.

اختلاط صحيح الحديث بضعيفه

وبهذا وذاك اختلط صحيح الحديث بضعيفه وحسنه بسقيمه وادخل في الدين ما ليس من الدين وفسرت آيات القرآن الكريم بما تهوى الأنفس وتشتهيه وأصبحت مهمة علماء الحديث والفقهاء والمفسرين شاقة متعبة في معرفة الحكم الشرعي والنص الصحيح النبوي والتفسير للمراد الإلهي وهذا هو السبب الأول الذي دعا العلماء لتكوين فكرة تلخيص الروايات والتفسير والفتاوى وتنقيتها عن الشوائب والمفتريات والمفتعلات.

موقف الإمام علي عليه‌السلام من العبث في الدين

وأما جماعة الإمام علي عليه‌السلام فكانوا يأخذون بالكتاب وما انصياعهم للرافعين للمصاحف يوم صفين إلا من جهة

٦١

تمسكهم بالكتاب المبين وقد ردوا الروايات التي تخالفه حتى لو كانت رواتها في أسمى درجات الصحة. وعند فقد نص الكتاب أو ظاهره أخذوا بالسنة إذا صحت روايتها حتى لو كان نقلتها على غير طريقتهم.

أخذ الشيعة بروايات أهل السنة واجماعاتهم

وقد أوجب الشيخ الطوسي في كتاب العدة وهو صاحب الصحيحين عند الشيعة الاستبصار. والتهذيب. وجوب العمل بالخبر من طريق المخالفين إذا لم يكن للشيعة في حكمه خبر مخالف ولا يعرف لهم فيه قول. كيف وقد عملت الشيعة بما رواه حفص بن غياث العامي الكوفي والقاضي وغيره من غير الشيعة. وفي الصحاح الأربعة المعول عليها عند الشيعة الكثير من أخبارها تنتهي إلى غير الشيعة. ويأخذون بالإجماع إذا كان كاشفاً كشفاً قطعياً عن سنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ملئت كتبهم الفقهية من الاستدلال به ككتب الشيخ والسيد المرتضى والعلامة وغيرهم. حتى أن بعض علماء الشيعة يعمل بالإجماع الذي ينقله مالك عن أهل المدينة في موطئه لكشفه عن رأي المعصوم عنده ويعمل الشيعة بالرأي ان كشف عن الحكم الشرعي كشفاً قطعياً لا ظنياً لعدم حجية الظن. وفي أخبار الشيعة ما يدل على ذلك كما في باب العقل من كتاب

٦٢

الكافي فالعجب من بعض الكتبة في هذا المقام أن ينفي عن الشيعة العمل بالكتاب والسنة المروية عن غيرهم والإجماع والرأي.

المرجع في الفتوى في هذا الدور الثالث

وفي هذا الدور كان المرجع الأعلى في الفتوى هو الإمام علي عليه‌السلام لأنه هو خليفة المسلمين إلى سنة استشهاده سنة ٤١ ه‍.

المذاهب الستة في هذا الدور

واتفق في هذا الدور أن تكونت للمسلمين مذاهب ستة وعند ما نرجع لتاريخها واصلها وأساسها نجد أن ما عدا الأول منها كان بسبب خروج معاوية على الإمام علي عليه‌السلام ولولاه لكان الإسلام على المذهب الأول منها وهي :

المذهب الأول

المذهب الأول اتباع الإمام علي عليه‌السلام وهم بين قائل بأنه رابع خليفة وبين قائل بأنه أول خليفة.

٦٣

المذهب الثاني

والثاني وهم أصحاب الجمل وهم يذهبون إلى أن علياً ليس بخليفة وليس الخلفاء الذين عندهم إلا ثلاثة.

مذهب أصحاب الجمل

وكان مرجعهم في الفتيا عائشة وطلحة والزبير وقد انقرض هذا المذهب بموت عائشة في سنة ٥٨ ه‍.

المذهب الثالث

والثالث مذهب الأمويين وهم الذين يرون أن الخليفة بعد عثمان هو معاوية بن أبي سفيان ثمّ من بعده أولاده وهذا المذهب قد انقرض في المشرق والمغرب بعد ذهاب دولة الأمويين فيهما.

المذهب الرابع

والرابع مذهب المرجئة وهم الذين اعتزلوا الناس ولم يقاتلوا وأرجئوا الحكم لله تعالى ومن هؤلاء عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وأبو سعيد الخدري وحسان بن ثابت ومسلمة بن مخلد وغيرهم.

٦٤

مذهب المرجئة

وعندهم ان الإيمان مجرد الاعتقاد ولا أثر للعمل في تحققه ولا تنافيه المعصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة وقد تلاشت هذه الفرقة في العصر الأموي.

المذهب الخامس

والخامس مذهب أهل النهروان وهم الخوارج ويسمون (الحرورية) لأنهم خرجوا من الكوفة بعد أن صمموا على محاربة الإمام علي عليه‌السلام إلى قرية قريبة للكوفة تسمى (حروراء) وأمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي من الأزد وقد حاربهم الإمام علي عليه‌السلام في موضع يسمى بالنهروان وهزمهم شر هزيمة وقد قوي أمرهم في زمن الدولة الأموية فكان قسم منهم اتخذ (البطائح) قرب البصرة مركزاً لهم وقسم استولى على حضرموت واليمامة والطائف وكانت الحرب بينهم وبين الأمويين مستمرة ولما جاء العباسيون ضعفت شوكتهم وانحط شأنهم ولا يزال قسم منهم يحتل بعض الإمارات في الخليج العربي وعندنا كتاب قديم في معتقداتهم وكتاب جوهر النظام في فروعهم.

٦٥

مذهب الخوارج

ومذهبهم صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان في صدرها الأول أي مدة ست سنوات وعلي قبل التحكيم ويطعنون في طلحة والزبير وعائشة ويكفرون معاوية وعمر بن العاص وأبا موسى الأشعري ويشترطون في الخليفة أن يكون باختيار المسلمين ولا يصح أن يتنازل ولا أن يحكم غيره في قضاياه ويرون أن العمل بالفرائض الدينية كالصلاة والصوم والزكاة وترك المحرمات جزء من الإيمان وليس الإيمان الاعتقاد وحده بدون العمل بالفرائض. وان مرتكب الكبيرة والذي لا يعمل بالفرائض كافر. ويرى قسم منهم أن القرآن وحده هو المصدر للأحكام الشرعية وليس غيره مصدراً لها وانه يجب الخروج على السلطان الجائر وقد افترقوا إلى فرق عديدة ومنهم الاباضية وهم تحت سلطنة مسقط.

المذهب السادس

السادس المذهب الكيساني ويعزى هذا المذهب لكيسان مولى لعلي عليه‌السلام وقد أسسه عقب مقتل الحسين عليه‌السلام يدعو فيه إلى الخلافة لمحمد بن الحنفية وكان من أتباعه كثير عزة الشاعر المعروف.

٦٦

الكتب التي ألفت في هذا الدور ولا تزال موجودة لدينا

ويوجد في مكتبتنا في هذا الدور كتاب سليم بن قيس الذي توفى مستتراً عن الحجاج سنة ٩٠ ه‍ وقد أدرك سليم الإمام علي عليه‌السلام والأئمة من ذريته إلى زمن الباقر عليه‌السلام وهو مجموعة من الأخبار التأريخية يستفيد منها الفقيه أحكام بعض المواضع الفقهية كالجهاد ونحوه وما يتعلق بالامامة من الأحكام الشرعية وهو من أقدم الكتب التي بين أيدينا توجد منه نسخة خطية قديمة في مكتبة جدي الهادي وطبع بالحروف.

وفي هذا الدور كتب همام بن منبئة أخو وهب صحيفته التي رواها عن أبي هريرة وقد رواها أحمد في مسنده بكاملها. وقد ذكر أهل التاريخ أن همام كان يوم وفاة أبي هريرة عمره ثماني عشرة سنة. ويوجد لدينا تفسير ابن عباس الموسوم بتنوير المقياس عن تفسير ابن عباس المتوفي سنة ٦٨ ه‍ اختصره صاحب القاموس من تفسير ابن عباس الكبير.

فقهاء الدور الثالث

وكان في هذا الدور الثالث من الفقهاء :

٦٧

عبد الله بن عمر بن الخطاب المتوفي سنة ٧٣ ه‍ واسلم مع أبيه وهو صغير وقد ندم على عدم مشاركته للإمام علي ، في حروبه واكثر من روى عنه ابنه سالم ومولاه نافع وينقل عن الشعبي انه قال كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه.

ومنهم أبو هريرة المتوفي سنة ٥٨ ه‍ اسلم سنة سبع من الهجرة أي قبل وفاة الرسول بثلاث سنين مع انه اكثر رواية من أبي بكر وعمر والإمام علي. ففي مسند حنبل يكون مسند أبي هريرة (٣١٣) صفحة بينما مسند علي عليه‌السلام فيه (٨٥) صفحة ومسند أبي بكر (١٤) صفحة ومسند عمر (٤١) صفحة.

ومنهم سعيد بن المسيب المتوفي سنة ٩٤ ه‍ وهو زعيم مدرسة أهل الحديث وقد حكي عن الذهبي انه قال في سعيد بن المسيب انه اعلم الناس بالقضاء وسيد التابعين وليس فيهم أحد أوسع علماً منه وذكر أهل التاريخ انه أبى أن يزوج ابنته للوليد بن عبد الملك وزوجها لأحد الفقراء اسمه (أبو وداعه) وكان لا يقبل جوائز السلطان وكان بينه وبين الحسن البصري مكاتبة. وكان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد ابن أبي بكر وأبو خالد الكابلي من ثقاة الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام وحواريه.

٦٨

ومنهم إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي المتوفي سنة ٩٦ ه‍ زعيم مدرسة أهل الرأي والقياس وشيخ حماد بن أبي سليمان الذي هو شيخ أبي حنيفة. وقد نقل حديثه البخاري ومسلم ويذهب إلى أن الأحكام الشرعية لها علل وان على الفقيه إدراكها ليجعل الأحكام الشرعية تدور مدارها خلافاً لسعيد بن المسيب الذي يذهب إلى لزوم متابعة الكتاب والسنة من دون الرجوع لعلل الأحكام.

ومنهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المتوفي سنة ٩٤ ه‍ وكان كثير الرواية.

ومنهم سعيد بن جبير فانه من أعلام الفقهاء الذين تخرجوا من مدرسة الكوفة وعن أبي حجر في تقريبه انه فقيه ثبت. قتله الحجاج صبراً سنة ٦٥ ه‍ وقد عده اليعقوبي من الفقهاء الذين يفتون الناس في عصر الوليد وسليمان ابن عبد الملك. وعن ابن ميمون ابن مهران انه قال : مات سعيد ابن جبير وما على وجه الأرض رجل إلا ويحتاج إلى علمه كان ابن عباس إذا سأله أهل الكوفة عن أمور دينهم يقول أليس فيكم سعيد بن جبير.

ومنهم علقمة بن قيس النخعي الكوفي المتوفي سنة ٦٢ ه‍ وقد روى عنه البخاري ومسلم. وعن الذهبي انه قال : كان

٦٩

فقيهاً اماماً بارعاً ثبتاً فيما ينقل صاحب خبر وورع وكان على رأس من تخرج من مدرسة الفقه في الكوفة.

ومنهم الأسود بن يزيد النخعي المتوفي سنة ٩٥ ه‍ ابن اخي علقمة ابن قيس المتقدم ذكره وكان عالم الكوفة.

ومنهم الحرث بن عبد الله الهمداني وعن ابن داود إنه أفقه الناس وعن أبي جعفر الطبري في ذيل المذيل انه تعلم منه الشعبي الفرائض والحساب.

ومنهم أبو الأسود الدؤلي المتوفي سنة ٦٩ ه‍ في البصرة بالطاعون وكان في طليعة أهل العلم وعن الراغب الاصفهاني في مفرداته انه كان من أكمل الرجال رأياً وعقلاً ، وقد وضع علم النحو بتعليم الإمام علي عليه‌السلام وقد روى عنه البخاري ومسلم وعن الأغاني انه من وجوه التابعين وفقهائهم ومحدثيهم وعن ابن خلكان انه من سادات التابعين وأعيانهم وهو أول من أعرب القرآن العزيز وتلميذه يحيى بن يعمر العدواني المتوفي سنة ١٢٩ ه‍ بخراسان وهو أول من نقط القرآن الكريم.

ومنهم عروة بن الزبير بن العوام المتوفي سنة ٩٤ ه‍ ذكر الذهبي انه عالم المدينة ويحكى عن الزهري انه قال فيه : انه بحر لا ينضب.

٧٠

ومنهم عبد الله بن عباس بن عبد المطلب المتوفي بالطائف سنة ٦٨ ه‍ وكان يسمى بترجمان القرآن وعليه يدور علم أهل مكة في التفسير والفقه.

ومنهم مسروق بن الأجدع الهمداني المتوفي سنة ٦٣ ه‍ تتلمذ على الإمام علي عليه‌السلام وعن الشعبي انه اعلم من شريح القاضي.

ومنهم عبيدة بن عمر السلماني المتوفي سنة ٩٢ ه‍ وكان يفتي الناس في الكوفة وأخذ الفقه من الإمام علي عليه‌السلام.

ومنهم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتوفي سنة ٩٣ ه‍ وقد سكن البصرة وكان من علمائها.

ومنهم عبد الرحمن الأشعري المتوفي سنة ٧٨ ه‍ بعثه عمر بن الخطاب إلى الشام ليفقه الناس.

ومنهم عبد الله بن عمر بن العاص المتوفي سنة ٦٥ ه‍ أخذ المصريون عنه علماً كثيراً وكان يلوم أباه على القيام مع معاوية في الخروج على الإمام علي عليه‌السلام وحضر صفين مع الإمام علي عليه‌السلام إلا انه يقال انه لم يسل سيفاً خوفاً من العقوق.

واتفق في هذا الدور أن قتل الإمام علي عليه‌السلام بسيف ابن ملجم سنة ٤٠ ه‍ واستشهد الإمام الحسن عليه‌السلام بسم معاوية له سنة ٤٩ ه‍.

٧١

أخذ الفقهاء من الإمام الحسن عليه‌السلام

وقد أخذ الفقهاء والعلماء من الإمام الحسن عليه‌السلام الكثير من الأحكام الشرعية. وكلماته ومواعظه اكثر من أن تعد وتحصى وألف في الفقه كما نص على ذلك السيوطي في كتابه تدريب الراوي وقد قاسم ماله مرتين أو اكثر وحج خمساً وعشرين حجة ماشياً والركائب تقاد بين يديه.

استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام

واستشهد الإمام الحسين عليه‌السلام بقتل يزيد بن معاوية له سنة ٦١ ه‍ وعن الترمذي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً ، وهو صاحب الدعاء المعروف في يوم عرفة الذي اشتمل على الأسرار الدينية والمعارف الإلهية والبلاغة المنطقية وما يدهش العقول ويخلب الألباب.

استشهاد الإمام زين العابدين عليه‌السلام

واستشهد الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام بسم الوليد بن عبد الملك سنة ٩٥ ه‍ والذي يقول في حقه الزهري ما رأيت أحداً أفقه من علي بن الحسين. وروى عنه مالك في موطئه. وعن

٧٢

ابن المسيب انه قال : ما رأيت أودع منه وهو صاحب الصحيفة السجادية البالغة منتهى البلاغة في ادعيتها كتبها ولده الباقر عليه‌السلام بإملاء أبيه عليه‌السلام وكتبها ولده زيد الشهيد عليه‌السلام بإملاء أبيه عليه‌السلام وكانت النسختان قد وصلتا للإمام للصادق عليه‌السلام وكان يقبلهما ويقول في نسخة الإمام الباقر : هذا خط أبي وإملاء جدي وفي نسخة زيد : هذا خط عمي وإملاء جدي وقد قوبلت النسختان فلم يكن بينهما مخالفة. وكان من تلاميذه القاسم بن محمد ابن أبي بكر. وسعيد بن المسيب. وأبو خالد الكابلي.

وذكر الكثير من أهل التاريخ انه مات مسموماً بسم الخليفة الأموي سنة ٩٥ ه‍ السنة التي مات فيها الكثير من الفقهاء.

الإمام الباقر عليه‌السلام

ومن الأئمة في هذا الدور أبو جعفر محمد بن علي ابن الحسين المعروف بالباقر عليهم‌السلام إلا انه استشهد في الدور الرابع سنة ١١٤ ه‍ وقد دونت عنه أئمة المذاهب.

الانتقال إلى قم في هذا الدور

وفي هذا الدور سنة ٨٣ ه‍ انتقل جملة من التابعين إلى قم.

٧٣
٧٤

الدور الرابع

٧٥
٧٦

مبدؤه ومنتهاه

وهو يبتدئ من زمن خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم سنة ٩٩ ه‍ الذي كانت خلافته سنتين وخمسة اشهر وينتهي هذا الدور بأفول نجم الدولة العباسية بأوائل القرن الرابع الهجري والقرن العاشر الميلادي حيث أن باب الاجتهاد انسد عند أهل السنة في آخر هذا الدور لتصريحهم بأنه لم ير مجتهد منهم بعد محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة ٣١٠ ه‍.

ما حدث من الأمور التي تخص علم الفقه في هذا الدور الرابع

وفي هذا الدور حدثت أمور تخص هذا العلم.

الأول : منها أن هذا العلم قد نال من الدعاية والعناية والتشجيع والترغيب حظاً وافراً فهذا عمر بن عبد العزيز

٧٧

أرسل العلماء إلى الآفاق الإسلامية لتعليم أهلها الأحكام الشرعية الإسلامية وقد روى لنا التاريخ انه بعث عشرة من العلماء التابعين إلى أهل افريقيا لتعليم أهلها الدين.

ذهاب الفقهاء إلى المدن

واخذ الفقهاء يتفرقون في المدن فكان في مكة سفيان بن عيينة. وفي المدينة مالك. وربيعة الرأي. وفي الكوفة سفيان الثوري. وأبو محمد البجلي. وأبو حنيفة. وفي البصرة الحسن البصري. وفي بغداد احمد بن حنبل. والظاهري. والطبري. وأبي ثور. وابن أبي عمير. وهشام بن الحكم. وفي دمشق الأوزاعي. وفي مصر الشافعي والليث بن سعد.

انتقال السلطة من الأمويين إلى العباسيين

والثاني منهما : انتقال السلطة والسلطنة من الأمويين إلى العباسيين سنة ١٣٢ ه‍ باسم الدين.

ظهور دولة العباسيين بادئ بدء بمظهر الدين

وهذا ما أوجب أن يظهر العباسيون بمظهر المحافظين على الشريعة المحمدية ويصبغوا الدولة بصبغة الدين ويتوجهوا لعلمائها الروحانيين ويشيدوا بالفقه والفقهاء الربانيين وقد أدركوا خطأ الأمويين في بعدهم عن الصحابة والتابعين وعدم رعايتهم للفقهاء الروحانيين وهذا ما دعا العباسيين أن يرجعوا لهم في المسائل الشرعية وحل الخصومات

٧٨

باسم الأحكام الدينية وبلغ بالعباسيين الحد في تشييدهم مجد الفقهاء أن يتمنى المنصور أن يجلس في مصطبة وحوله أهل العلم والحديث ويأمر مالك بن انس أن يكتب له كتاباً يتجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر فكتب (الموطأ) سنة ١٤٧ ه‍ ويقال أن المنصور أراد أن يحمل الناس على العمل بالموطأ وأبى مالك ذلك. ويبعث هارون الرشيد ولديه الأمين والمأمون ليتعلما الأحكام الشرعية من مالك والشيباني ويطلب من أبي يوسف أن يكتب له كتاباً في الخراج. وأمر هرثمة ابن أعين حين ولاه خراسان برعاية العمل بالأحكام الشرعية والرجوع للفقهاء في معرفتها. وقد صب وهو الخليفة الماء على يدي أبي معاوية الضرير أحد الفقهاء. وان يجمع المأمون العلماء ويبحث معهم المسائل الدينية. ويبحث معهم في إثبات أفضلية الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلا أن الحقيقة انهم أرادوا أن يتذرعوا بالدين للقضاء على أهل الدين ويتخذونه وسيلة لتوطيد سلطانهم ورفع مقامهم كما يشهد بذلك إسرافهم في قتل الصلحاء وسبي النساء والولوغ بدماء الأبرياء واتباع الشهوات فكان سفاحهم سفاكاً للدماء ومنصورهم نصيراً للباطل ورشيدهم مرشداً للضلال ويدرك ذلك كل من ألقى السمع وتبصر في التاريخ.

٧٩

دولة الأدارسة

والثالث منها : أن في هذا الدور تكونت دولة الأدارسة في المغرب الأقصى برئاسة إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام حيث بويع في مدينة (وليلى) من المغرب الأقصى يوم الجمعة ٤ رمضان سنة ١٧٢ ه‍ أيام خلافة هارون الرشيد. وقد أسسوا مدينة فاس وبنوا فيها المدارس العلمية وانشأوا فيها المكتبات واستمروا في نشر المعارف الدينية إلى أن انتهى أمر خلافتهم سنة ٣٠٩ ه‍ على أيدي الفاطميين.

دولة العلويين

الرابع منها : تكونت دولة العلويين في طبرستان برئاسة الحسن بن زيد المنتهي نسبه إلى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في سنة ٢٥٠ ه‍ وعلى أيديهم اسلم أهل الديلم والجبل وذهبوا مذهب التشيع ونال على أيديهم الفقهاء حسن الكرامة وعظيم المنزلة واستمرت دولتهم لسنة ٣١٦ ه‍.

دولة البويهيين

الخامس منها : ظهور دولة البويهيين برئاسة أبي شجاع

٨٠