أدوار علم الفقه وأطواره

الشيخ علي كاشف الغطاء

أدوار علم الفقه وأطواره

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٦

يبدأ هذا الدور من أواخر القرن الحادي عشر الهجري إلى ما نحن فيه فقد أدرك المسلمون والعرب ما وصل إليه حاضرهم واستيقظ الوعي الديني والقومي فيهم وقاموا بنهضة واسعة بحركات باسم الدين والرجوع للكتاب والسنة والخروج عن التقليد بشكل دوائر واسعة.

الحركة الوهابية

ففي نجد والحجاز كانت الحركة الوهابية التي قام بها محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي المتوفى سنة ١٢٠٦ ه‍ في القرن الثاني عشر الهجري المصادف للقرن الثامن عشر الميلادي متخذاً الدين شعاراً لها والرجوع للكتاب والسنة وعمل السلف هدفاً لها وكانت بداية ظهوره سنة ١١٤٣ هـ

٢٤١

وانتشر أمره واشتهر سنة ١١٥٠ ه‍ وكان بينه وبين جدنا الشيخ جعفر كاشف الغطاء مكاتبات ومطارحات قد طبعت في إيران وقد حضر بحث جدنا المذكور في النجف الأشرف. وحضر بالبصرة عند الشيخ مهدي البصري. وكان ممن قام بنصره ونشر دعوته أمير المشرق سعود أمير الدرعية ثمّ بعده ولده محمد ثمّ من بعد محمد أولاد محمد وأحفاده.

حركة السنوسي وغيرها

وفي ليبيا ظهر محمد بن السنوسي داعياً لنبذ التقليد ومناشداً للرجوع لمصادر الدين الحنيف.

وفي السودان ظهرت حركة المهدي تهدف لذلك.

وفي مصر قام السيد جمال الدين الافغاني مع تلميذه الشيخ محمد عبده والسيد رشيد رضا بمحاربة التقليد حتى صرح الأخير في مجلته المنار بقوله (لن يستطيع شعب إسلامي أن يتحمل أثقال تقليد المقلدين لمذهب واحد).

حركة كاشف الغطاء

وفي العراق وإيران قام جدنا كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٢٨ ه‍ صاحب كشف الغطاء بمحاربة الجمود الفكري الفقهي علماً وعملاً وقضى بجهود جبارة على الدعوة للبقاء

٢٤٢

على تقليد الأموات وعلى الدعوة للتقيد بالرجوع لأصل واحد هو الأخبار وعلى الدعوة لنبذ العمل بأصول الفقه من الكتاب والإجماع والعقل ودعا رحمه‌الله للعمل بأصول الفقه التي قام القطع والقطعي على حجيتها وصحة التمسك بها ثمّ أنه رحمه‌الله بذل قصارى جهده وتبعه على ذلك أشباله رحمهم‌الله على تمصير النجف الأشرف وبناء السور لها ونقل الدراسة الدينية إليها واستدعى العلماء في العلوم الإسلامية حتى الطب والفلك والحساب ودعا العرب والعجم للدراسة الدينية فيها فولد الحركة العلمية الفقهية حتى أصبحت النجف الأشرف هي المركز العام للدراسة الدينية ولا تزال بحمد الله باقية حتى الآن وانك لا تجد فقيهاً شيعياً أو مرجعاً للتقليد إمامياً إلا وتنتهي سلسلة أساتذته إليه رحمه‌الله.

النجف الأشرف

واليوم النجف الأشرف غنية بالعلوم الدينية والمعارف الإلهية خرجت رجالاً وأقطاباً من الفقهاء من مختلف الأقطار الإسلامية وقد توفرت فيها الدراسة الحرة للعلوم الإسلامية ما لم تتوفر لغيرها من المعاهد والمدارس وأوفدت الكثير من خريجيها لكثير من الأقطار لتعليم الفقه وإرشاد الضال والدعوة للإسلام. وقد أنشأنا فيها المدارس الدينية استهدفنا فيها جمع

٢٤٣

الكلمة ووحدة الصف ومحاربة التبشير ولاقينا في سيرنا هذا العقبات الكئودة وقد اجتزناها بحول الله وقوته ونسأله تعالى التوفيق لإنجاز رسالتنا على الوجه الأكمل. أخذت كلية الشريعة في الجامعة الأزهرية وخاصة في قسم الدراسات العليا في تدريس الأحكام الفقهية وأدلتها عند مختلف المذاهب والآراء ويعرضونها على ما في كتاب الله وسنة نبيه غير متقيدة بمذهب خاص وبمثل ذلك قام المعهد العربي للدراسات الإسلامية. ويقوم الآن مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة بدور فعال في معالجة المسائل الفقهية المستحدثة التي هي محل الابتلاء وبيان الحكم الشرعي لها مستمدين معرفتها من الكتاب والسنة من غير تقيد بمذهب من المذاهب الإسلامية حضرنا فيه بأنفسنا أو بالنيابة عنا غير مرة وأهم ما عالجنا فيه موضوع التأمين على الحياة والمعاملات المصرفية والأهلة واليانصيب.

محاربة الإلحاد والتبشير

ولا بد لنا من التنبيه على أمر ذي بال هو محاربة الإلحاد والتبشير للإسلام في عقائده وفروعه فقد كان المبشرون والملحدون يدعون الدول الإسلامية لنبذ القواعد والأحكام الإلهية ويعمدون لهدم مقومات الشريعة الإسلامية وإذابة

٢٤٤

شخصيتها الدينية بحجة اختلاف الآراء فيها وإن الإسلام نظري لا واقعي وانه لا يتماشى مع ركب الحضارة ولا يمكن لدولة أن تتخذه مبدءاً لسلوكها وسيرها في خضم هذه الحياة العملية ولا بد لنا من العمل بالقوانين الغربية والتشريعات الدولية.

مجلة الأحكام

وهذا ما دعا الحكومة العثمانية يوم كانت تتسم بالخلافة الإسلامية ان تكلف جماعة من العلماء أسموها بجمعية المجلة بوضع قانون في المعاملات المدنية من الفقه الحنفي مع الأخذ بالقول الموافق لمصالح الناس في المذهب الحنفي وكان ذلك في آخر القرن الثالث عشر الهجري.

أعضاء اللجنة التي وضعت المجلة

وتتألف اللجنة من سبعة أعضاء برئاسة احمد جودت باشا ناظر ديوان الأحكام العدلية. وعضوية احمد خلوصي واحمد حلمي من أعضاء ديوان الأحكام العدلية. ومحمد أمين الجندي. وسيف الدين من أعضاء شورى الدولة. والسيد خليل مفتش الأوقاف. والشيخ محمد علاء الدين بن عابدين ، فرفعت تقريراً للصدر الأعظم عالي باشا سنة ١٢٨٦ ه‍ جاء فيه : (ان علم الفقه بحر لا ساحل له واستنباط درر المسائل اللازمة منه

٢٤٥

يتوقف على مهارة علمية وملكة كلية وعلى الخصوص مذهب الحنفية لأنه قام فيه مجتهدون كثيرون متفاوتون في الطبقة ويقع فيه اختلافات كثيرة ومع ذلك لم يحصل فيه تنقيح كما حصل في فقه الشافعية) ثمّ ان اللجنة باشرت عملها من سنة ١٢٨٥ ه‍ واستمر حتى سنة ١٢٩٣ ه‍ مع تغيير في الأعضاء فاجتمعوا برئاسة وزير العدل ورسموا قوانين سميت بمجلة الأحكام العدلية كانت في الأصل باللغة التركية ثمّ ترجمت إلى اللغة العربية وفي سنة ١٢٩٣ ه‍ صدر الأمر بالعمل بها في كل الأقطار الإسلامية الخاضعة للدولة العثمانية المتكونة من الأتراك والتي كانت عاصمتها استانبول.

رفض مصر للعمل بمجلة الأحكام

إلا أن مصر رفضت الأخذ بقوانين المجلة المذكورة بأمر خديوها إسماعيل متظاهراً بحبه للاستقلال والتخلص من التبعية للدولة العثمانية.

وقد بدأ من ذلك الوقت حتى الآن تتجه مصر في تشريع القوانين غير متقيدة بمذهب خاص مراعية في ذلك روح العصر ومستمدة من الفقه الإسلامي. وكانت مجلة الأحكام المذكورة تتكون من (١٨٥١) مادة وتتناول هذه المواد أحكام البيوع والاجارات والكفالة والحوالة والرهن والأمانات والهبة

٢٤٦

والغصب والإتلاف والحجر والإكراه والشفعة والشركات والوكالة والصلح والابراء والاقرار والدعوى والبينات والتحليف والقضاء ولعل آخر من شرحها هو جدنا المرحوم الهادي ولكن الظاهر انه لم يتم شرحه لها وابن عمنا الأكبر وجد ولدينا حسين وأيمن المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في أربعة مجلدات مطبوعة في النجف الأشرف.

خروج الدولة العثمانية عن التقليد

وبعد ذلك رأت الدولة العثمانية ضرورة الخروج عن التقليد والتقيد بمذهب خاص فسنت في سنة ١٣٢٦ ه‍ قوانين العائلات التي يختص بالزواج والفرقة مستمدة في الكثير من مسائلها من غير المذهب الحنفي كالأخذ بنظرية إفساد الاكراه لعقد الزواج والطلاق. ولما رفضت مصر الأخذ بقانون المجلة المذكورة اتجهت إلى قانون فرنسا بحجة أن كتب الفقه الإسلامي بوضعها لا يمكن التقنين منها وقد احدث ذلك ضجة الرأي العام وسخطه عليها وعلى اثر ذلك قام علماء الفقه عندهم بتأليف قوانين مستمدة من المذهب الحنفي لاثبات إمكان التقنين من الفقه الإسلامي إلا أنها لم يكن لها نصيب أن تصبغ بصبغة رسمية وبدأ الناس في مصر يظهرون الشكوى لولاة الأمر والقضاء من التقيد بالمذهب الحنفي.

٢٤٧

خروج مصر من التقليد

فأوجب ذلك أن تخرج مصر في هذا الدور عن التقليد والتقيد بمذهب معين فسنت قانون رقم ٥٦ سنة ١٩٢٣ م لم تتقيد بالمذاهب الأربعة وأخذت فيه بفتوى عبد الله بن شبرمة وعثمان البتي وأبي بكر الأصم. وجاء في مذكرة قانون ٢٥ سنة ١٩٢٩ م التفسيرية بأنه موافق لآراء بعض المسلمين ولو من غير أهل المذاهب الأربعة وانه ليس هناك مانع شرعي من الأخذ بقول غيرهم خصوصاً إذا ترتب عليه نفع عام وقد خطا القانون الشرعي بهذا التعديل خطوة واسعة إلى الامام وكان قائد هذه الحركة الشيخ المراغي شيخ الأزهر وقد وضع لهذا التعديل مذكرة إيضاحية جاء في آخرها (واني مع احترامي لرأي القائلين باستحالة الاجتهاد المطلق أخالفهم في رأيهم وأقول : ان في علماء المعاهد الدينية في مصر من توفرت فيهم شروط الاجتهاد ويحرم عليهم التقليد) وبذلك فتح باب الاجتهاد فعادت إلى الفقه روح الحياة وكان هو أول من اقترح دراسة المقارنة بين المذاهب في كليات الأزهر وصارت بذلك مادة من مواد الدراسة المقررة في السنة الرابعة لكلية الشريعة الإسلامية.

٢٤٨

خروج سوريا من التقليد

ثمّ خطت سوريا فوضعت قانوناً شاملاً لجميع أحكام الأسر من الزواج وما يتفرع عنه من نفقة ونسب وحضانة وطلاق وتفريق وعدة لجميع أحكام الأهلية وما يتفرع عنها من نيابة شرعية عن القاصرين كالولاية والوصية والقيمومة ولجميع أحكام الميراث وكانت أحكام هذا القانون مستمدة من مختلف المذاهب الإسلامية.

اليمن

وأيضاً اليمن لم تعمل بقانون المجلة وكان المذهب الرسمي الذي يطبق وحده هو المذهب الزيدي.

المملكة العربية السعودية

وهكذا المملكة العربية السعودية لم تعمل بقانون المجلة وكان المذهب الحنبلي هو المذهب الرسمي الذي تعمل به وبعد اكتشاف البترول ألحقت به بعض القوانين الحديثة لبعض الأمور المستحدثة كنظام السيارات ونظام النقد ونحو ذلك.

إيران

وأما إيران فهي لم تعمل بالمجلة وكانت تطبق القانون الشيعي الاثنى عشري.

٢٤٩

باكستان والهند

وهكذا باكستان والهند فإنهما في زمن الاحتلال البريطاني سنت السلطة سنة ١٧٧٢ م قانوناً ينص على أن الشريعة القرآنية يعمل بها في جميع قضايا الإرث والزواج وغيرها من العادات فاقتضى ذلك أن يرجع القضاة ورجال القانون إلى الفقه الإسلامي في دعاوى المسلمين.

وقد اشتهر عند الحنفية منهم كتاب الهداية ثمّ فتاوى الهندية العالمكيرية والسراجية وغيرها.

واشتهر عند الجعفرية منهم كتاب شرايع الإسلام للمحقق الحلي رحمه‌الله. وقد ترجم (بايلي) القسم الكبير من كتاب الشرائع وبعض أبواب الفتاوى الهندية إلى اللغة الانكليزية وترجم (هاملتون) الهداية سنة ١٧٩١ م وترجم السير وليم جونز كتاب السراجية سنة ١٧٩٢ م ، وبعد منتصف القرن التاسع عشر بدأت الحكومات حركتها التشريعية فأصدرت عدة قوانين منها قانون إلغاء الرق سنة ١٨٢٣ م وقانون الأوقاف سنة ١٩١٣ م وغيرها.

٢٥٠

المذهب السلفي

٢٥١
٢٥٢

وفي هذا الدور السابع ظهر المذهب الذي يدعو للرجوع للكتاب والسنة ويحارب التقليد للمذاهب ويسمى بالمذهب السلفي نسبة للسلف المتقدم فإنه كان مذهبهم وطريقتهم في معرفة الأحكام الشرعية هو أخذها من الكتاب والسنة الصحيحة ، وقد قام بهذه الدعوة السيد جمال الدين الأفغاني وتلميذه من بعده الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وقد أخذت مجلة المنار المصرية لصاحبها محمد رشيد رضا نشر مبادي هذه الدعوة على صفحاتها.

والمذهب السلفي يقرب من المذهب الوهابي في الرجوع لأصل الشريعة من الكتاب والسنة الصحيحة والاجتهاد على هذا الأساس ونبذ الخرافات والبدع المخالفة للدين والثورة على جميع التقاليد ويرى المذهب السلفي أن الشرع الإسلامي يتماشى مع الحضارة الحديثة ويفتون بحلية اكثر المعاملات التي

٢٥٣

اقتضتها الحاجات التجارية في هذا اليوم وإن الصحيح المنقول في الشرع الإسلامي موافق دائماً لصريح المعقول هذه هي دعوتهم ولكن المهم هو تطبيقها على الوجه الصحيح.

فتنة الشيخية

وفي هذا الدور ظهرت فتنة الشيخية الفرقة المسماة بالكشفية وإليك ملخص ما جاء في كتاب العبقات : إن جماعة من فضلاء النجف عثروا على بعض رسائل للسيد كاظم الرشتي القاطن في كربلاء فرأوا فيها ما يستنكرونه ويرونه من الكفر والضلال فاجتمعوا وكان رئيسهم الشيخ موسى بن الشيخ عيسى بن الشيخ خضر رحمه‌الله وكلموا الشيخ علي رحمه‌الله بن الشيخ الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء في الحكم بكفر السيد كاظم فأبى وامتنع فلما أيسوا منه ذهبوا لصاحب الجواهر الشيخ محمد حسن رحمه‌الله فاطلعوه على رسائل السيد كاظم المذكور وطلبوا منه الحكم بكفره فقال صاحب الجواهر رحمه‌الله : أن حكمي لا يفيد وحدي مع وجود الشيخ علي كاشف الغطاء فذهبوا إلى الشيخ علي وقالوا له : إذا حكم الشيخ محمد حسن فما أنت صانع فقال : لا أبطل حكمه فحكم الشيخ محمد حسن قدس‌سره بكفر السيد كاظم ومن اتبعه وأحرق جميع رسائله بعد انتزاع

٢٥٤

الآيات والأحاديث والأسماء الشريفة منه وأمر بأن تمحى من زيارة الأمير عليه‌السلام الزيارة المسماة (بشيشم) بعض الفقرات الموهمة بالربوبية للأمير عليه‌السلام كفقرة (السلام عليك يا منزل المن والسلوى) وغيرها مما ظاهره الغلو. وكان امتناع الشيخ علي عن الحكم بكفره أوجب عدم قتله ، قال المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء : حدثني السيد جعفر جلال وكان من الملازمين للشيخ علي كاشف الغطاء إني كنت في أثناء هيجان الفتنة المذكورة عند الشيخ علي المذكور فبينما نحن جالسون إذ دخل علينا حسن آغا بن صادق آغا وكان من أعاظم رؤساء الشيعة وذا ثروة مشهورة وبعد أن استقر به المجلس خاطب الشيخ علي رحمه‌الله فقال له : يا مولاي جئتك في أمر مهم فقال رحمه‌الله : لا أهمك الله وما هو فقال : أنا حيران في أمر السيد كاظم الرشتي وما تكليفنا معه فبعضكم يكفره وبعضكم يؤيده وبعضكم يسكت عنه فقال الشيخ علي رحمه‌الله : أنا مع القسم الثالث. فخرج على حيرة يجر رجليه بعد أن لثم يد الشيخ وقدميه. واتفق أن سافر المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء لكربلاء في موسم أحد الزيارات وكان المرحوم صاحب الجواهر قد جاء إلى كربلاء فجمع السيد سعيد ثابت كليددار كربلاء وحاكمها بين الشيخ علي رحمه‌الله والشيخ صاحب الجواهر رحمه‌الله مع

٢٥٥

السيد كاظم الرشتي المذكور في الصحن الحسيني ووقف السيد سعيد وبيده سيف مسلول وقال لهم : بيني وبين السيد كاظم هذا المجلس فإن حكمتم بكفره ضربت عنقه فعلا وأخمدت ثائرة هذه الفتنة وإلا ضربت عنق من يتكلم عليه فقال الشيخ علي للسيد سعيد من المحاكم ومن الحكم فقال له : أنت المحاكم والحكم فقال الشيخ علي رحمه‌الله للشيخ محمد حسن صاحب الجواهر رحمه‌الله سله عما في نفسك منه فقال الشيخ حسن للسيد كاظم : أسألك عن فقرتين في رسائلك صريحة في الكفر وهي هذه وأخرج رسالة كانت تحت ردائه وفتحها فناقش السيد كاظم في دلالتهما على الكفر فلما سمع الشيخ علي ذلك نفض ثيابه وقام والتفت إلى السيد سعيد وقال له : يا سيد سعيد الحدود تدرأ بالشبهات وحفظ النفوس في شرعنا من أهم الواجبات.

الحركة العلمية في كربلاء

وفي هذا الدور اعني الدور السابع ازدهرت كربلاء بالفقهاء النوابغ ذوي المكانة السامية والمقام الكريم منهم الشيخ يوسف صاحب الحدائق والآغا محمد باقر البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٨ ه‍ والسيد علي صاحب الرياض المتوفى سنة ١٢٣٢ ه‍ والسيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط والسيد محمد

٢٥٦

المجاهد بن صاحب الرياض المتوفى سنة ١٢٤٢ ه‍ وشريف العلماء المتوفى بالطاعون سنة ١٢٤٦ ه‍ والشيخ محمد حسين الأصفهاني المتوفى سنة ١٢٥٥ ه‍.

الحركة العلمية في النجف الأشرف

وبعد هذا ازدهرت النجف الأشرف بفطاحل الفحول السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم المتوفى سنة ١٢١٢ ه‍ صاحب المصابيح وغيرها وما زلنا نتوسل به إلى الله تعالى في قضاء حوائجنا وتيسر أمورنا ولا يسع هذا المختصر عد فضائله وشرح مواقفه.

وجدنا الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٢٨ ه‍ صاحب كشف الغطاء والشيخ حسين نجف وغيرهم من فطاحل العلماء كالشيخ محمد يونس والشيخ محمد محي الدين وغيرهم ، وكان المرحوم السيد مهدي يصلي في مسجد الطوسي والشيخ جعفر في مسجد الهندي والشيخ حسين في داره وقد يصلي في الحرم ولم تكن الصلاة في الصحن الشريف معروفة قبل هذا.

ثمّ سافر الشيخ جعفر للحج وجعل الشيخ حسين يصلي في مكانه.

٢٥٧

موقف آل كاشف الغطاء من الحركة العلمية في النجف الأشرف

إنه لما رجع الشيخ جعفر جدّ أسرة آل كاشف الغطاء من الحج اجمع العلماء على أن يجعلوا أمر التدريس للسيد مهدي رحمه‌الله وأمر الفتوى والتقليد للشيخ جعفر حتى أن المرحوم السيد مهدي أمر أهله بتقليد الشيخ جعفر.

وأمر صلاة الجماعة للشيخ حسين نجف فلم يكن سواه إمام في النجف الأشرف وكانت العلماء تقتدي به حتى السيد مهدي والشيخ جعفر يصليان خلفه اغلب الأوقات ، ولم يبق السيد مهدي رحمه‌الله إلا أياماً قليلة حتى انتقل إلى جوار ربه واصبح التدريس منحصراً بالشيخ جعفر حتى ذكر المؤرخون إنه كان تحت منبره من المجتهدين ما لا يحصى عده فضلا عن المراهقين للاجتهاد ، وقد قام الشيخ جعفر رحمه‌الله على تمصير النجف فبنى لها سوراً وأسكن بها جملة صالحة من بيوت العرب والعجم لدرس العلوم الدينية فيها وتولى الزعامة الدينية وأصبحت له المرجعية العامة في التقليد وبلغ من حرصه على تقدم الثقافة ونموها أن استدعى جملة من المهرة في سائر العلوم للنجف وتصدى لصد هجمات الأعراب عليها والتزم بإعاشة الطلاب فيها حتى اشترى لهم الدور والمساكن وبذل لهم حتى مصارف الأعراس فضلا عن اللوازم والضرورات.

٢٥٨

الشيخ موسى كاشف الغطاء

ثمّ تولاها من بعده ولده الأكبر الشيخ موسى المتوفى ١٢٤١ ه‍ فكانت له المرجعية العامة للشيعة وكان الأمر مردداً بينه وبين الميرزا القمي رحمه‌الله وقد سأله الفضلاء عن الشيخ موسى عند ما قصد الحج عن طريق النجف في سنة وفاة الشيخ جعفر رحمه‌الله فقال : لا علم لي به ولكن اكتب لكم ثلاث مسائل فإن أجابني نظرت في جوابه وميزت مقدار علمه ، فكتب المسائل وبعثها إلى الشيخ موسى وكان قبل الغروب وقال للفضلاء أمهلوه عشرة أيام فجاءوا بها للشيخ موسى وهو مشغول بالوضوء لصلاة الغروب فقال الشيخ موسى : إني مشغول بأمور مهمة وقد أقلقت فكري والوقت ضيق فقالوا له : انه يمهلك عشرة أيام فقال رحمه‌الله : قفوا فخذوا ما تيسر على العجلة ونادى أخاه الشيخ علي وأخذ هو يملي عليه والشيخ علي يكتب فما أتم وضوءه إلا وأتم الجواب عنها فجاءوا بها للقمي رحمه‌الله وهو بعد لم يقم من مقامه فتعجب غاية العجب وقال هذا لا يكون إلا للقادر القدير فأمهلوني أراجع جوابه وأعطيكم غداً رأيي فيه فلما بكروا عليه قال لهم : اسألوا الشيخ موسى عن اجتهادي فقد شككني علمه حفظه الله في أمري ولا أرى أن اقلد مع وجود مثله فعند ذلك قلده الجميع.

٢٥٩

ونقل لي الثقة العلامة الشيخ جعفر آل شيخ راضي عن الشيخ العلامة الشيخ مجتبى اللنكراني أن صاحب القوانين حضر عند الشيخ موسى في الدرس ولما عرضت القوانين عليه قال : هذه بضاعتنا ردت إلينا. وقد اصلح بين الدولتين الإيرانية والعثمانية حقناً لدماء المسلمين ، وقد تلمذ على يده من العلماء ما لا يحصى عده كشريف العلماء والشيخ الأنصاري.

الشيخ علي كاشف الغطاء

ثمّ جاء من بعده أخوه الشيخ على المتوفى سنة ١٢٥٤ ه‍ الولد الثالث للشيخ كاشف الغطاء فصارت له المرجعية باجتماع العلماء في مسجد الهندي كالشيخ خضر شلال والشيخ محسن خنفر وأمثالهما على تعيينه للمرجعية العامة وتقليده وجعلت العلماء تحضر درسه وينثر عليهم من العلوم ما لم يعهد مثله حتى سمي بالمحقق الثالث ومن تلاميذه المعروفين : الشيخ مرتضى الأنصاري ، وشريف العلماء ، والسيد إبراهيم صاحب الضوابط ، والسيد مهدي القزويني ، ومير فتاح صاحب العناوين وغيرهم من العلماء الأساطين. وعن البراقي أن درس الشيخ علي كان مشتملاً على ثمان مائة تلميذ كلهم ما بين مجتهد ومراهق.

٢٦٠