«في حجج الاصوليّين للبراءة»
وإذن فيكفى للاصوليين هذه القاعدة ، ولكنّهم مع ذلك تمسّكوا لإثبات مذهبهم من البراءة في الشبهات الحكميّة بوجوه متلقّاة من الشرع ، وأقواها سندا ودلالة حديث الرفع المشتمل على رفع تسعة أشياء من الامّة وعدّ منها الخطاء والنسيان ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، والموصول في قوله : «ما لا يعلمون» عامّ للشبهة الحكميّة والموضوعيّة كما هو ظاهره.
وقد خدش في هذا الحديث تارة من حيث صحّة الاستدلال به ، واخرى من حيث نفس معناه ، أمّا الخدشة المتعلّقة بصحّة الاستدلال فمن جهات ثلاث ، تعرّض لاثنين منها شيخنا المرتضى في الرسائل ، وللثالثة المولى الأجلّ الطوسي في حاشيته على الرسائل مع رجوعه عنه على ما حكي في مجلس الدرس.
أمّا الجهة الاولى : فهي أنّ المراد بالموصول في الأخوات الواقعة في رديف «ما لا يعلمون» هو العمل والموضوع الخارجي ، فإنّ ما لا يطاق هو العمل ، ومعنى أنّ هذا الحكم حكم لا يطاق ، لا يطاق العمل به ، وكذلك في الاضطرار والإكراه ؛ فإنّهما واقعان على العمل الخارجي دون الحكم ، وإذن فقضيّة اتّحاد السياق والعطف والوقوع في الرديف أن يكون المراد بالموصول في «ما لا يعلمون» أيضا هو العمل الخارجي ، فيختصّ بالشبهة الموضوعيّة ، كمن شرب الخمر وهو لا يعلم أنّه خمر ، بل يشكّ في كونه خمرا أو ماء.
والجهة الثانية : هو أن لا إشكال في أنّ المرفوع ليس نفس هذه الأشياء كما هو واضح ، بل هو أثرها ، وحينئذ فلا بدّ من تقدير أظهر الآثار وهو المؤاخذة ، والمراد من الموصول في «ما لا يعلمون» لو كان هو الشبهة الموضوعيّة كان المقدّر