أصول الفقه - ج ١

آية الله الشيخ محمد علي الأراكي

أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمد علي الأراكي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

ذلك لأنّ المعتبر أوّلا هو القطع بالواقع من أيّ سبب حصل ، وبعده الظنّ به من أيّ سبب حصل ، فكما لا يفرق بين الأسباب في القطع حال الانفتاح كذلك لا تفاوت بينها في الظنّ في حال الانسداد ، وسرّه أنّ الملاك هو الكشف عن الواقع ، ومن المعلوم أنّه لا مدخل في هذا الملاك لخصوصيات الأسباب.

وأمّا من حيث الموارد (١) فلا فرق في نظر العقل بين أبواب الفقه ، وذلك لأنّ اللازم أوّلا هو العلم بواقعيات أحكام الله تعالى ، ومع عدمه فاللازم هو الظنّ بها من دون فرق في ذلك بين أحكام الله المتعلّقة بالعبادات والمعاملات والعقود والايقاعات إلى غير ذلك من أوّل الفقه إلى آخره ، فإنّ كلّ ذلك أحكام الله ، هذا كلّه على الحكومة.

وأمّا بناء على القول بالكشف فقد أورد الشيخ المرتضى قدس سرّه على هذا القول أنّه لو تمّ هذا لزم بقاء المكلّف في الجهالة والحيرة وعدم العلم بما هو شغله ، وذلك لأنّ نتيجة المقدّمات على هذا ليس إلّا أنّ الشارع قد جعل للمكلّفين طريقا إلى الواقع ، وأمّا أنّ هذا الطريق خصوص الظنّ فلا يدلّ عليه دليل ، فلعلّه كان أمرا آخر غير الظن ، كما نشاهد في الطريق التي حكم الشرع بحجيّتها إمّا جعلا وإمّا امضاء حيث لا يحصل منها الظنّ ، بل ربّما يكون الظنّ على خلافها.

__________________

(١) قد يقال : إنّ قضيّة حكم العقل بحسب الموارد هو التفصيل بين ما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه ، وبين ما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج والدماء وسائر حقوق الناس وأنّه مستقلّ بالاكتفاء بالإطاعة الظنيّة في الأوّل ووجوب الاحتياط في الثاني ، ولا يخفى ما فيه ، فإنّ الكلام ممحّض في ما يحكم به العقل من قبل المقدّمات ، وأين هو ممّا هو ثابت سواء تمّت المقدّمات أم لا ، فوجوب الاحتياط في ما احرز الاهتمام على القول به لا يختصّ بحال دون حال ، فاحتساب التفصيل نتيجة للمقدّمات لا وجه له ، فالذي يقتضيه المقدّمات أنّه لا فرق بين الموارد ، ومن المعلوم أنّ الكلام ممحّض في موارد لم يتحقّق التنجيز من جهات اخرى ، منه قدس‌سره الشريف.

٦٨١

ألا ترى أنّه ربّما لا تفيد البيّنة ظنّا ، بل يظنّ على خلافها ، وكذلك الحال في ظواهر الألفاظ ، ومع ذلك جعلها الشارع حجّة ، وبالجملة فالمعتبر على هذا هو الأقرب إلى الواقع في نظر الجاعل ، وحيث لا سبيل لنا إلى تعيينه فلا محالة يكون ما جعله حجّة مردّدا غير معلوم ، هذا.

والحقّ أنّه لا إهمال في النتيجة بناء على هذا القول أيضا أصلا ، وموضوع الحجيّة معلوم متبيّن لا إجمال فيه من جهة كما على القول بالحكومة ، بيان ذلك أنّه لا إشكال في قضيّة المقدّمات على هذا هو أنّ الشارع أراد رفع الحيرة عن المكلّفين عند حصول هذه المقدّمات ، وانفتاح القفل لهم بواسطة جعل الطريق ، ولا يحصل هذا الغرض وهو رفع الحيرة والجهالة بمجرّد جعل الطريق واقعا بدون بيانه للمكلّف ، فحيث لم يبيّن طريقا آخر يعيّنه العقل في الطريق الذي له امتياز عمّا عداه في إراءة الواقع والأقربيّة إلى إصابة الواقع والأبعديّة عن مخالفته في نظر المكلّف ، ولا شكّ أنّ هذا بعد تعذّر القطع ليس إلّا الاطمئنان ، ثمّ كلّ مرتبة من الظنّ على ترتيب الدرجات.

وإذن فيصير موضوع الحجيّة في حكم الشرع بناء على الكشف هو الموضوع لها في حكم العقل بناء على الحكومة ، فلم يبق ثمرة بين القولين على هذا.

ثمّ لو سلّمنا وجود الثمرة بين القولين فإنّه إهمال النتيجة بناء على الكشف كما ذكره شيخنا قدس‌سره ، فيحتاج إلى مقدّمات آخر لتعيين النتيجة ورفع الإهمال عنها ، فنقول : من جملة الوجوه لتعيين النتيجة هو الأخذ بالقدر المتيقن لا بمعنى القدر المتيقّن على وجه الإطلاق، فإنّه لو كان كان حجّة معلومة بالتفصيل وهو خلاف الفرض من انسداد باب العلم والعلمي ، بل بمعنى أنّه على تقدير صدور جعل الطريق من الشارع كان القدر المتيقّن هو هذا القسم.

مثلا لو جعل الشارع طريقا فالقدر المتيقّن في ما بين الشهرة والاستقراء والخبر هو الخبر ، فإنّه حجّة على هذا التقدير قطعا ولا بدّ أن يكون القدر المتيقّن وافيا بمقدار

٦٨٢

المعلوم بالإجمال من الأحكام ، وإلّا فالاعتبار بالمتيقّن فالمتيقّن ، مثلا المتيقّن في ما بين الصحيح الأعلائي وخبر الثقة هو الأوّل ، ولو فرض عدم وفائه وأنّ الطريق المجعول موجود في غيره أيضا كان القدر المتيقّن بعده هو خبر الثقة ، وبالجملة ، فتعيين الطريق بهذا النحو ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في ما إذا لم يكن بين أقسام الطرق قدر متيقّن رأسا ، بل كان كلّها في عرض واحد ، فالمرجع بناء على مذاق الكشفي في هذه الصورة ما ذا؟

فنقول : لا بدّ عنده حينئذ من إقامة مقدّمات الانسداد في نفس الطرق أيضا ، فتكون قضيّتها أنّ الشارع جعل طريقا لتعيين الطريق إلى الحكم الواقعي من بين الطرق ، فإن حصل الإجمال والترديد في طريق الطريق أيضا فصار مردّدا بين امور مع عدم القدر المتيقّن الوافي في البين أعمل المقدّمات مرّة ثالثة في هذه الامور أيضا ، وهكذا يعمل المقدّمات في كلّ مرتبة إلى أن يتعيّن الأمر في واحد معيّن وينحصر الطريق في موضوع مبيّن ، أو متعدّد لا محذور في الاحتياط فيه.

ولنمثّل لك مثالا للتوضيح فنقول : إنّا نعلم إجمالا بوجود أحكام واقعيّة أوّلية للشارع ولا يمكن الاحتياط إلى غير ذلك من سائر المقدّمات ، فتصير النتيجة أنّ الشارع جعل لنا طريقا إلى تلك الواقعيّات ، ثمّ إذا تردّد عندنا هذا الطريق بين الشهرة والإجماع المنقول والخبر والأولويّة والاستحسان ، فعند ذلك يحصل لنا علم إجمالي آخر بوجود أحكام طريقيّة ثانوية مردّدة بين هذه الامور الخمسة ، والاحتياط غير ممكن إلى آخر المقدّمات ، فتكون النتيجة أنّ الشارع جعل طريقا لما هو المجعول طريقا للواقع من هذه الامور ، فإذا نظرنا وجدنا أنّ الشهرة لم يجعل طريق على حجّيتها ، وكذا الإجماع المنقول والاولويّة والاستحسان ، وانحصر ذو الطريق في الخبر تعيّن هو للطريقيّة.

ولو كان أربعة منها مثلا ذا طريق أعمل المقدّمات في طرق هذه الأربعة ، فإن كان ذو الطريق بينها منحصرا في واحد اتّضح الحال ، وإلّا اجريت في هذه الطرق

٦٨٣

المتعدّدة أيضا ، وهكذا إلى أن انتهى الأمر إلى أن يتعيّن وينحصر ذو الطريق في واحد معيّن.

فظهر من جميع ما ذكرنا اندفاع كلا الإشكالين الذين أورد أحدهما شيخنا المرتضى ، والآخر بعض الأساطين في طيّ كلماته بصورة الإلزام على القول بالكشف.

أوّلهما : أنّ النتيجة تكون مهملة لاحتمال أن يكون ما جعله الشارع حجّة في حال الانسداد أمرا غير الظن ، والثاني : أنّه جعل النتيجة بناء على الكشف دائرا بين ثلاثة ، الأوّل : حجيّة الطريق الواصل بنفسه ، والثاني : حجيّة الطريق الواصل ولو بطريقه ، والثالث: حجيّة الطريق ولو لم يصل أصلا لا بنفسه ولا بطريقه.

ثمّ جعل قضيّة القسم الأوّل الأخذ بالقدر المتيقّن الوافي لو كان وإلّا فالكل حجّة ، ولم يجعل للمقدّمات حينئذ مجرى ، لأنّ النتيجة على هذا متعيّن تعيينا أو تعميما ، وإجرائها فرع الإهمال.

وقضيّة القسم الثانى أنّه لو لم يكن الموجود في يد المكلّف ممّا بين الطرق المحتملة إلّا واحدا ، أو كان الموجود متعددا ، ولكن لم يكن بينها تفاوت أصلا في القطع بالحجيّة وعدمه وفي قيام الطريق على الحجيّة وعدمه ، فلا إشكال في الصورتين ، لارتفاع الإجمال وتعيّنه في ذاك الواحد في الاولى وفي الكلّ في الثانية ، وأمّا إن كان الموجود متعدّدا ومتفاوتا ، فإن كان القدر المتيقّن منها وافيا فهو ، وإلّا فلا بدّ حينئذ من إجراء المقدّمات ثانيا في الطرق مرّة أو مرّات إلى أن ينتهي إلى ظن واحد أو متعدّد بلا تفاوت ، أو متفاوت يكون القدر المتيقّن منه وافيا.

وقضيّة القسم الأخير الأخذ بالمتيقّن لو كان ، وإلّا فيحتاط في الطريق إن لم يلزم محذور ، وإلّا فلا بدّ من الانتهاء إلى حكومة العقل بالاستقلال في تعيين مرتبة الامتثال ، ولا يجرى على هذا مقدّمات الانسداد في تعيين الطريق ؛ إذ لا يلزم محال من بقاء نتيجة المقدّمات في الفروع على الإهمال حسب ما هو المفروض من أنّ النتيجة حجيّة طريق ولو لم يصل أصلا.

٦٨٤

هذا محصّل كلامه قدس‌سره المأخوذ من التعليقة والكفاية ، وأنت خبير بأنّ ما ذكره في القسم الأخير من منع إجراء المقدّمات في الطريق لعدم لزوم المحال من بقاء النتيجة مهملة غير تامّ ، فإنّه لا يعقل فرق بين المسائل الفرعيّة وهذه المسألة الاصولية أعني تعيين ما هو المرجع والمتّبع في حال الانسداد ، غاية ما في الباب أنّ الاولى حكم شرعي أوّلى ، والثاني حكم شرعي ثانوي ، ومجرّد عدم أخذ الوصول في الموضوع مشترك في المسألتين ، كما أنّ حيثيّة الأوّلية والثانويّة غير فارقة قطعا ، وعدم لزوم المحال من الإهمال أيضا مشترك ، وما كان وجها لاستكشاف العقل لحجيّة الطريق في الفروع موجود في الاصول.

وليت شعري كيف أفادنا المقدّمات عند ما أجرينا ها في الفروع والأحكام الأوّليّة استكشاف جعل الطريق من الشارع ، ولم يفدنا ذلك عند ما أجريناها في الاصول والأحكام الثانوية؟

فإن قلت : بعد فرض كون النتيجة الطريق الأعمّ من الواصل وغيره ، ففي المرتبة الثانية أيضا تكون النتيجة هكذا.

قلت : نعم ، ولكن الفائدة حينئذ أنّ دائرة الاحتياط في طرق الواقع أضيق من دائرته في نفس الواقع ، وفي طرق الطرق أضيق منها في نفس الطرق ، وهكذا في كلّ مرتبة نازلة أضيق منها في المرتبة العالية ، فإمّا أن ينتهي الأمر إلى الظنّ الواحد أو المتعدّد الذي يكون فيه المتيقّن الوافي ، أو لا يلزم من الاحتياط فيه محذور عقلى أو شرعي.

ومحصّل الجواب عن الإشكال الأوّل أنّا مع إمكان أن يكون الشارع في غير هذا الحال جعل غير الظنّ حجّة نقول بأنّ المجعول في هذا الحال خصوص الظن ، ووجهه أنّه لمّا لم يعلم الشارع بغيره علم أنّ ما جعله هو الظنّ ، فإنّه لو جعل شيئا آخر لزم الإعلام به لئلّا ينقض غرضه من رفع التحيّر عن المكلّفين ، فحيث لم يعلم بشىء آخر يقطع العقل بأنّ ما جعله حجّة هو خصوص الظنّ ، فإنّه الطريق الواصل إلى

٦٨٥

المكلّفين.

وعلى هذا فموضوع الحجيّة بعينه يكون نفس ما كان على تقرير الحكومة بلا فرق إلّا في أنّ الحجيّة على ذاك التقرير كان بحكومة العقل واستقلاله ، لكن على هذا يكون بحكومة الشرع ، غاية الأمر طريق استكشافه العقل ، فالذي شأن العقل مجرّد أنّ الشارع جعل شيئا حجّة وتعيين هذا الشيء في الظنّ ، وأمّا أصل الحجيّة فحكم الشرع لا مدخل للعقل فيه.

وأمّا الجواب عن الثاني فبأنّا بعد أن سلّمنا الإهمال في هذا المقام ، لكن نقول : لا ينتهي الأمر إلى تقرير الحكومة ، بل لا بدّ من إجراء مقدّمات الانسداد مرّة اخرى للأحكام الثانوية المعلومة بالإجمال في ضمن الطرق المحتمل الحجيّة بعد إجرائها أوّلا للأحكام الأوليّة ، فعند عدم القدر المتيقّن أو عدم وفائه وتعسّر الاحتياط في جميع الطرق كان النتيجة أيضا حجيّة طريق لتعيين تلك الأحكام الثانوية على وجه الإهمال ، وفي هذه الرتبة يصير أطراف الاحتمال أقلّ من الرتبة الاولى ، فيرتفع عسر الاحتياط ، ولو فرض عسر الاحتياط فيه أيضا اجريت المقدّمات ثالثة لتلك الأحكام الثانية في الرتبة الثالثة لأجل تعيين الأحكام الثانوية ، فتكون النتيجة أيضا حجيّة طريق إلى تلك الأحكام ، فتصير دائرة الاحتمال عند هذا أضيق من الرتبتين الاوليين ، فإن أمكن الاحتياط بدون العسر ، وإلّا فيتنزّل بالمقدّمات في المراتب النازلة حتى يتعيّن الحجيّة وينحصر موضوعها في واحد مخصوص ، أو متعدّد مع عدم تعسّر الاحتياط ، فعلم عدم انتهاء القول بالكشف بالأخرة إلى القول بالحكومة أصلا.

الأمر الخامس : في الظن القياسي على تقرير الحكومة وأنّ أىّ امتياز له في ما بين الظنون أوجب خروجه عن دائرة الحكومة العقليّة ، وقد أطال فيه الكلام شيخنا المرتضى قدس سرّه ، وملخّص القول فيه أنّ الطريق منحصر في ثلاثة ، إمّا أنّ ملاك حكم العقل غير موجود في الظنّ القياسي ، وإمّا أنّه موجود فيه ، ولكن قد خصّص الحكم العقلي بالنسبة إليه ، وإمّا أنّ الملاك غير موجود وكذا التخصيص أيضا و

٦٨٦

نلتزم بحجيّة الظنّ القياسي في هذا الحال ، وأنّ النواهي مخصوصة بأزمنة انفتاح باب العلم ، ولا يمكن الالتزام بشىء من هذه الثلاثة.

أمّا الأوّل وهو عدم الملاك فمن الواضح أنّ ملاك حكم العقل ليس إلّا الظنّ ، وتحصيل الموافقة الظنيّة ، ومن المعلوم تحقّقه في الظن القياسي ، وأمّا الثاني فلأنّ الحكم العقلي كيف يقبل التخصيص ، وأمّا الثالث فهو خرق لما هو من ضروريات المذهب من بطلان القياس.

فان قلت : نختار الشق الأوّل وهو عدم الملاك ووجهه أنّ الموضوع الذي يحكم العقل بحجيّته عند الانسداد هو الظنّ الذي لم يمنع عنه الشرع ، ومن المعلوم أنّه إذا ورد منع من الشرع في خصوص ظنّ يرتفع الحكومة بارتفاع موضوعها ، ويصير هذا المنع واردا على حكومة العقل ورافعا لموضوعها.

قلت : فعلى هذا يلزم عدم حكومة العقل في الظنون التي يحتمل منع الشارع عنها ، وقلّ ظن خاليا عن هذا الاحتمال ، فإنّه لا بدّ أوّلا من إحراز أنّ هذا الظنّ لم يمنع عنه الشارع ، وحينئذ يجزم العقل بالحكم لحجيّته ، وما دام لم يحرز بالقطع فلا جزم للعقل ولا حكومة.

والذي يمكن أن يقال في دفع الإشكال هو : إنّا نختار الشق الأوّل وهو عدم الملاك ونقرّر ذلك بأنّ الموضوع لحكم العقل بالحجيّة هو الظنّ الذي لم يعلم منع الشارع فيه ، فالظنّ القياسي المعلوم فيه المنع الشرعي خارج عن موضوع حكم العقل فمنع الشرع بضميمة القطع به رافع لموضوع حكم العقل ، وهذا سالم عن الإشكال المتقدّم ، لبقاء محتمل المنع تحت موضوع حكم العقل على هذا ، فيكون هناك دعاو ثلاث.

الاولى : عدم ملاك حكم العقل في ما علم فيه منع الشارع ،

والثانية : أنّ احتمال منع الشارع عن العمل بخصوص ظن لا يكون دافعا لجزم العقل بحجيّته ولزوم العمل على طبقه ،

والثالثة : أنّ الشارع مع وجود جعل الأحكام الواقعيّة وإرادتها من المكلّفين

٦٨٧

منعهم عن الظنّ القياسي مع مصادفته لتلك الواقعيات كثيرا ، وبعبارة اخرى : ردّ الإشكال بأنّه كيف يجوز للشارع الجمع بين هذين أعني إرادة تلك الاحكام من المكلّف ومنعه عن العمل بهذا الظن.

أمّا الدعوى الاولى فتقريبها أنّ العقل ما يكون بصدده ويتوجّه إليه همّه ، وتمام توجّهه إنما هو استخلاص المكلّف عن العقوبة وتحصيل براءته عن التكليف والأمن من تبعته ، وليس وراء ذلك له مقصد ومهمّ ، فلو فرض أنّ ارتكاب الفعل مأمون عن العقاب جوّز ارتكابه وإن كان فيه ألف مفسدة أو خلاف المصلحة.

وحينئذ نقول : إذا قطع من الشرع المنع عن العمل بظنّ فهذا القطع راجع إلى القطع ببراءة الذمّة عن الواقع الذي هو في ضمن المظنون على تقدير وجوده ، بمعنى أنّه بعد القطع بممنوعيّة ظنّه بالتكليف يقطع بأنّ هذا التكليف على تقدير تحقّقه فهو في الفسحة منه وليس في مضيقة ، فيقطع بأنّه لو ارتكبه كان سالما عن المؤاخذة المولويّة والعقاب ولو كان مصادفا للتكليف الواقعي ، وعند هذا فقد انتفى الملاك من البين ، فإنّه كان تمام ملاك حكمه بلزوم العمل بالظنّ تفريغ الذمّة وتحصيل البراءة عن الواقعيّات المعلومة بالإجمال على وجه الظنّ عند التنزّل عن العلم ، والمفروض حصول البراءة القطعيّة في ترك العمل بهذا الظن، فلا جرم ينتفي حكمه بوجوب العمل.

وأمّا الدعوى الثانية ـ وهو عدم دافعيّة احتمال منع الشارع عن حصول ظنّ عن جزم العقل وحكومته بحجيّته ـ فبيانها أنّه عند احتمال المنع فهو يحتمل براءة الذمّة على تقدير وجود التكليف في هذا العمل ، وليس له أزيد من الاحتمال شيء ، فإنّ المفروض أنّه يحتمل المنع ، فلا جرم ليس له إلّا احتمال البراءة ، وقد فرضنا أنّ العلم الإجمالي بالتكاليف قضيّته بحكم العقل تحصيل العلم بالفراغ منها ، ومع التنزل عنه تحصيل الظنّ بالفراغ والمؤمّن من العقاب ، فلا يجوز بعد العلم ، التنزّل إلى شكّ الفراغ أو وهمه مع إمكان تحصيل الظنّ به ، ولهذا يستقلّ عند هذا بتعيّن العمل على

٦٨٨

طبق الظن المذكور ، فإنّ فيه الظنّ بالبراءة على أيّ حال ، إذ الواقع إمّا غير موجود فلا يضرّ العمل ، وإمّا موجود مع البراءة عنه لمنع الشرع عن العمل بالظنّ المتعلّق به فأيضا لا يضرّ العمل ، وإمّا موجود مع اشتغال الذمّة به فقد حصل المطلوب ، فقد حصل بهذا التقدير الظنّ بالبراءة عن التكليف الذي هو أحد أطراف العلم الإجمالى على نحو الظنّ ، بخلاف صورة ترك العمل بهذا الظنّ ، فإنّه ليس فيه إلّا احتمال البراءة ، والعقل حاكم بعدم الاجتزاء به ما دام البراءة الظنيّة ممكنة.

وأمّا الجواب عن الإشكال المذكور فهو أنّه إن أردت بهذا الإشكال المعروف من قديم الأيّام من لزوم التناقض أو الوقوع في المفسدة أو خلاف المصلحة فقد فرغنا عن دفعه في ما تقدّم باختلاف رتبة الحكم الظاهري مع الواقعي ، وبذلك يندفع التناقض وأنّ المفسدة وخلاف المصلحة يتدارك بمصلحة أقوى ، وبالجملة ، فليس إشكالا جديدا ، وإن كان المقصود كلاما جديدا غير ذاك الإشكال فلا بدّ من بيانه.

الأمر السادس : في الظنّ المانع والممنوع ، وهو أن يحصل ظنّ بحكم فرعي ، وظنّ آخر بعدم حجيّة الظنّ الأوّل ، مثل أن يظنّ بنجاسة العصير العنبى ، ثمّ حصل الظنّ الآخر بأنّ هذا الظن ليس بحجّة ، وهذا البحت مبنيّ على أن تكون مقدّمات الانسداد منتجة وأن يقال بتعميم النتيجة للواقع والطريق.

أمّا على تخصيصها بالأوّل فالأمر واضح ، وعلى التخصيص بالثاني يتمحّض محلّ البحث في ما إذا كان متعلّق الظنّين هو الطريق ، مثل أن يحصل ظنّ من الشهرة بحجّية الأولوّية ، ثمّ حصل ظنّ من الاستقراء بأنّ الظنّ الحاصل من الشهرة ليس بحجّة.

وكيف كان فعلى التعميم لا إشكال في أنّ معيار الحجيّة موجود في كلا الظنّين ولا يمكن اجتماعهما في الحجيّة ، فإنّ مفاد أحدهما أنّ العصير نجس ، ومفاد الآخر أنّه لا يمكن التعويل على هذا الظن ويكون ساقطا عن درجة الاعتبار ، وهذان مضمونان متنافيان لا يمكن شمول الحجيّة للظن بكليهما ، وحينئذ فهل الحجّة هو الظنّ المانع أو الممنوع؟

٦٨٩

فنقول : أمّا بناء على القول الغير المختار من أنّ النتيجة كون الظنّ حال الانسداد كالعلم نفيا وإثباتا فهو نظير ما إذا حصل العلم بفرع ، ثمّ حصل العلم بأنّ العلم الأوّل لا يكون حجّة ، وهذا وإن كان فرضا غير ممكن التحقّق ، لكن لو فرض وقوعه فلا إشكال أنّ العقل لا يحكم بحجيّة أحدهما ووجوب العمل به بالخصوص ، لتساويهما في الملاك ، فتعيين أحدهما ترجيح بلا مرجّح ، فكذا على المبنى المذكور يكون حال الظنّ حال العلم ، فمع فرض التساوي في الملاك ليس للعقل إلّا التوقّف ولا حكم له بالحجيّة على شيء منهما.

لكن قد يقال حينئذ بأنّ المتعيّن حجيّة الظن المانع وعدم حجيّة الممنوع ، ويقاس ذلك بالشكّ السببي والمسبّبي ، فكما أنّ حكم الأصل يختصّ بالشكّ السببي دون المسبّبي ، كذلك حكم العقل في المقام أيضا يشمل الظنّ المانع دون الممنوع.

وتقرير ذلك أنّ وجه الاختصاص بالشك السببي أنّ إجراء «لا تنقض» في الماء المسبوق بالطهارة يكون من اثره شرعا طهارة الثوب المتنجّس المغسول به ، وأمّا إجرائه في الثوب لا يكون من أثره نجاسة الماء ، فالشكّ في الثوب بإجراء «لا تنقض» في الماء يرتفع موضوعا ، فيكون خارجا عن دليل الاستصحاب من باب التخصّص ، والشك في الماء على فرض إجراء «لا تنقض» في الثوب يكون باقيا بحاله ، فلا محيص عن التزام عدم إجراء الحكم فيه من باب التخصيص ، وإذا دار الأمر بين التخصّص والتخصيص فالأوّل أولى.

وهذا الوجه أعني دوران الأمر بين التخصّص والتخصيص جار في ما نحن فيه ، فإنّ الحجيّة لو شمل الظنّ المانع يصير الممنوع ظنّا قام الدليل على عدم حجيّته ، فيخرج عن موضوع حكم العقل ؛ لأنّ موضوعه الظن الذي لم يقم الدليل على عدم حجيّته ، فيكون خروجه من باب التخصّص ، وأمّا لو تعلّق الحجيّة بالممنوع فلا يصير المانع ممّا قام الدليل على عدم حجيّته ، فإنّ الممنوع ليس مفاده عدم حجيّة المانع ، بل حكم مربوط بالمسألة الفرعيّة ، غاية الأمر لا يجامع حجيّته مع حجيّة

٦٩٠

المانع ، وبمجرّد ذلك لا يدخل المانع في عنوان ما دلّ الدليل على عدم حجيّته ، فلا حجّة يكون خارجا عن حكم العقل مع كونه من افراد موضوعه ، فيكون خروجه من باب التخصيص.

بل التحقيق كما يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى عدم ابتناء الحكم في المقيس عليه أعني تقدّم الشكّ السببي على المسبّبي في عبارة «لا تنقض» على كونه مستلزما للتخصّص وخلافه للتّخصيص ، بل الحكم كذلك وإن قلنا بعدم استلزام الإجراء في المسبّب أيضا إلّا لخروج السبب من باب التخصّص ، كما لو اخترنا القول بحجيّة الأصل المثبت أو قلنا بكون الاستصحاب حجّة من باب الطريق ، فإنّه حينئذ وإن لم يكن نجاسة الماء من آثار استصحاب النجاسة في الثوب المغسول به شرعا ، إلّا انّه لا شكّ فى كونها ملازما لنجاسة الماء ، فيؤخذ بهذا الملزوم أيضا عند استصحاب نجاسة الثوب ، فيكون الشكّ في الماء أيضا مرتفعا موضوعا باجراء الأصل في الثوب كالعكس ، ووجه تقدّم السبب مع ذلك بحيازة الأصل سبقه رتبة على المسبّب ، فإنّ الشكّ في الثوب معلول الشكّ في الماء ، فيكون رتبته متأخّرة عن رتبة علّته ، فيكون الشكّ المسبّبي في درجة حكم الشكّ السببي لا في درجة نفسه.

وحينئذ نقول : قد تقرّر في مسألة العلّتين والمعلول الواحد أنّه لو تحقّق علّتان وكان كلّ منهما صالحا لحيازة المعلول وكان إحدى العلّتين متقدّمة في الرتبة على الاخرى اختصّ هي بحيازة المعلول ، فهنا أيضا يكون كلّ من الشكّ السببي والمسبّبي علّة لحكم «لا تنقض» فإذا كان السببي متقدّما في الرتبة على المسبّبي اختصّ هو بحيازة هذا المعلول وبقي المسبّبي بلا أثر لا محالة.

والحقّ أنّ قياس الظنّ المانع والممنوع بالشكّ السببي والمسبّبي مع الفارق ، فإنّ إجراء حكم الأصل في السبب يوجب خروج المسبّب عن الموضوع دون العكس كما مرّ من أنّ «لا تنقض» لو اجري في الماء صار الثوب ممّا قام الدليل على طهارته وخرج عن عنوان المشكوك ، ولو اجري في الثوب لم يصر الماء ممّا قام الدليل على

٦٩١

نجاسته وكان مشكوكا مع ذلك ، فهذا مستلزم للتخصيص ، والأول للتخصص.

وأمّا ما نحن فيه فكما أنّ حكم الحجيّة العقليّة لو اجري في المانع يصير الممنوع ممّا قام الدليل على عدم حجيّته ، فكذلك لو اجري في الممنوع يصير المانع ممّا قام الدليل على عدم حجيّته ، لأنّهما مشتركان في أنّ كلا منهما صار تحت الدليل العقلي يصير الآخر مقطوعا عدم حجيّته وممّا قام القطع على عدم حجيّته ، فدخول كلّ منهما لا يستلزم إلّا التخصّص في الآخر.

ثمّ لو سلّمنا في الشكّ السببي والمسبّبي أيضا أنّ دخول كلّ يوجب التخصّص في الآخر لا التخصيص كما على حجيّة الأصل المثبت أو حجيّة الاستصحاب من باب الطريقيّة فنقول كما تقدّم : أنّ الترجيح مع ذلك لجانب السبب لأسبقيّته في الرتبة ، فيكون أولى بحيازة «لا تنقض» عند عدم السبيل إلّا إلى «لا تنقض» في جانب واحد وعدم إمكان الجمع كما هو المقرّر في العلّتين المترتبتين في الوجود مع وحدة المعلول ، حيث يحيز المعلول أسبقهما ويبقى الآخر بلا محلّ ، ولا مجرى لذلك أيضا في المقام ، لأنّ الظنّين في رتبة واحدة وليس بينهما ترتّب أصلا لحصولهما من سببين غير مرتبطين ، كما لو حصل الشهرة على نجاسته العصير من تتبّع الأقوال وحصل الظنّ بعدم حجيّة الشهرة من الاستقراء مثلا ، هذا.

مع أنّا لو سلّمنا أنّ المقام أيضا مثل مسألة الشكّين في دوران الأمر بين التخصّص والتخصيص نقول : مع ذلك لا يلزم من الحكم بتقدّم السبب هناك بقاعدة تقدّم التخصّص على التخصيص الحكم بتقدّم المانع هنا لتلك القاعدة ؛ فإنّ القاعدة المذكورة إنّما يفيد في مقام الإثبات بعد أخذ الحكم من الحاكم ، فإنّ القاعدة حينئذ يقتضي أنّ الحكم ما دام الموضوع باقيا يحكم بثبوته ، إلّا أن يدّل دليل على الخلاف ، وبعبارة اخرى أن يؤخذ بعموم الحكم لكلّ فرد إلّا ما دلّ الدليل على تخصيص الحكم فيه ، فلا جرم إنّما يفيد في ما دار الأمر بين فردين من عام ورد الحكم به كان أحدهما مخرجا للآخر عن الموضوع دون الآخر.

٦٩٢

فحينئذ قضيّة تلك القاعدة تعيين الأوّل ، فإنّه لا يستلزم إخراج الموضوع عن تحت الحكم بلا دليل ، بل رفعه عمّا ليس بموضوع ، فليس فيه مخالفة لقاعدة العمل بالعموم مهما أمكن ، بخلاف الثاني ، فإنّه رفع الحكم عن فرد الموضوع وتخصيص بلا دليل ، وأمّا المقام فهو مقام تأسيس الحكم.

وبعبارة اخرى : الكلام هنا مع الحاكم فى حكمه ، فيقال : أيّها الحاكم الذى هو العقل بعد فرض أنّ هذين الظنّين كلاهما على السواء في ملاك حكمك وتساويهما في القوّة والضعف فما المرجّح لتقديمك المانع على الممنوع في مرحلة الحكم؟ ولا عبرة بأنّ الممنوع يخرج عن الموضوع بتقديم المانع دون العكس ، فإنّ هذا إنّما هو بالنظر إلى ما بعد الحكم والفراغ عنه والكلام مع قطع النظر عنه ، ولا شكّ أنّ كلاهما في هذه المرحلة فرد الموضوع ، فلا جرم لا يكون ترجيح أحدهما على الآخر إلّا ترجيحا بغير مرجّح.

والحاصل أنّ المسألة المتقدّمة مقام استفادة المراد بالقواعد المقرّرة مع الجهل بالملاك ، فالمقصود سدّ باب الاحتجاج على الحاكم ، فإنّه لو رجّح في مقام الإثبات الشكّ السببي ليس له المؤاخذة على ذلك ، إذ للعبد أن يجيب بأنّه يكون فيه السلامة عن محذور التخصيص في كلا الفردين ، بخلاف ما لو رجّح المسبّب ، فإنّ للمولى أن يقول : لم رجّحته على السبب وخصّصت عمومي فى السبب.

وأمّا مسألتنا فالنزاع فيها مع الحاكم في مرحلة أصل الحكم ومقام واقعه وثبوته ، ومن المعلوم أنّ القاعدة غير مربوطة بهذا المقام ، فعلم أنّ المسألتين بينهما كمال البينونة لا وجه لتشبيه أحدهما بالاخرى.

ثمّ هذا كلّه بناء على ما هو خلاف المختار في نتيجة المقدّمات من كون الظنّ حال الانسداد كالعلم نفيا وإثباتا ، وقد عرفت أنّ الحقّ عليه هو طرح كلا الظنّين ، لاستلزام تقديم كلّ منهما الترجيح بغير مرجّح.

بقي الكلام على ما هو قضيّة القاعدة وإن كان على خلاف المشهور من أنّ النتيجة

٦٩٣

إنّما هي لزوم الامتثال الظنّي على قدر المعلوم إجمالا من التكاليف ، فيعمل في باقي الظنون فضلا عن الشك والوهم بالتكليف بأصالة البراءة ، أو أنّ النتيجة إنّما هي الظنّ بعدم المخالفة على مقدار المتيقّن من العلم الإجمالي ليلزم العمل بجميع مظنونات التكليف ومشكوكاته وبعض موهوماته.

فنقول : أمّا على التقدير الأوّل فلا شكّ أنّ العمل على عدم التكليف في موارد الظنون المتعلّقة بعدم التكليف لا يكون من باب العمل بالظنّ بل لحصول الظنّ بالموافقة على قدر المعلوم بالإجمال بدون العمل بهذا التكليف.

نعم في الظنون المتعلّقة بالتكليف على القدر المذكور يكون العمل عملا بالظن ؛ إذ اللازم على المكلّف هو الظنّ بالموافقة المذكورة على ما هو الفرض ، وحينئذ فإذا كان الظنّ الممنوع من الظنون المتعلّقة بالعدم فإذا قطع بعدم حجيّته أو حرمة العمل به لا يضرّ بعمل المكلّف وبنائه على العدم ، لأنّه غير معتمد على الظنّ فضلا عن الظنّ بعدم حجيّته أو حرمة العمل به ، وهذا واضح.

وأمّا إذا كان الممنوع من الظنون المتعلّقة بالثبوت فإن كان الظنّ المانع متعلّقا بمجرّد أنّ الممنوع ليس بحجّة فلا شكّ أنّه إذا أتى على طبق الممنوع فقد حصل الظنّ بالموافقة الذي هو المطلوب ، فيكون العمل على الممنوع ، وإن كان المانع متعلّقا بأنّ الظنّ الممنوع محرّم العمل نفسا فلا يخلو إمّا أنّ هذا التكليف التحريمي يكون من أطراف العلم الإجمالى ، وإمّا لا يكون ، فإن كان من الأطراف فالمتعيّن العمل بالمانع ، لأنّ في ترك العمل به والعمل بالممنوع ظنا بمخالفة هذا التكليف ، أعني حرمة العمل بالممنوع وإن كان يحصل الظنّ بموافقة الواقع.

لا يقال : كذلك الحال فى ترك العمل بالممنوع ، فانّ فيه الظنّ بمخالفة التكليف الذي هو الواقعي وإن كان ظنّا بموافقة الظاهري.

لأنّا نقول : ليس هكذا ، فإنّ الظنّ المانع إذا قام على حرمة العمل بالممنوع فمعناه أنّ التكليف على فرض ثبوته ليس في تركه عقاب ولا يؤاخذ الشارع عليه ، فيكون

٦٩٤

متعلّق الممنوع تكليفا بظنّ يعدم فعليّته على تقدير ثبوته ، وأمّا المانع فمتعلّقه تكليف فعلي ، إذ لم يرد ظنّ آخر على حرمة العمل به ، فهو باق على فعليّته ، ويرفع فعليّة الممنوع ، وإذن ففي ترك العمل بالمانع ظن بمخالفة التكليف الفعلي وظنّ بموافقة التكليف الغير الفعلي ، وفي ترك العمل بالممنوع ظن بمخالفة الغير الفعلى وظنّ بموافقة الفعلي ، ومن المعلوم تعيّن الثاني ، وأمّا إن لم يكن هذا التكليف الظاهري من أطراف العلم فالمتعيّن هو العلم بالممنوع لأصالة البراءة عن هذا التكليف.

وأمّا على التقدير الثاني فلا يخفى أنّ العمل بالتكليف في موارد الظنون المثبتة لا يكون من باب العمل بالظن ، بل لأجل تحصيل الاطمينان بعدم المخالفة على قدر المعلوم بالإجمال ، نعم البناء على عدم التكليف في موارد الاطمينان بالعدم يكون عملا بالظنّ من حيث هو ظنّ ، إذا للازم العمل بالاطمئنان المذكور على ما هو الفرض وحينئذ فيكون الأمر هنا على عكسه على التقدير المتقدّم.

فان كان الظن الممنوع من الظنون المثبتة فلا فرق بين أن يكون مفاد المانع عدم حجيّة الممنوع أو حرمة العمل به في كون عمل المكلّف على ثبوت التكليف ، بل ومع القطع بعدم الحجيّة أيضا كذلك ، إذ لا أقلّ من الشكّ وقد كان اللازم عليه على هذا التقدير الاحتياط في المشكوكات أيضا.

وأمّا إن كان الممنوع من جملة الظنون الاطمئنانيّة بالعدم فحينئذ إن كان مفاد المانع مجرّد عدم الحجيّة فلا ضير في العمل بالممنوع ، إذ معه يحصل المطلوب من الاطمئنان بعدم المخالفة بالوجدان ، وإن كان مفاده الحرمة النفسية وكان هذا التكليف من الأطراف تعيّن العمل بالمانع ، إذ فى ترك العمل به الظنّ بمخالفة هذا التكليف وإن كان يحصل الظنّ بعدم مخالفة الواقع ، وهذا بخلاف ترك العمل بالممنوع ؛ إذ هو ظن بعدم مخالفة كلا التكليفين ، وإن لم يكن من الأطراف فالأصل البراءة عنه ، فالعمل على الممنوع.

فتحقّق أنّ على هذين التقديرين الكلام في مسألة الظنّ المانع والممنوع خال عن

٦٩٥

شوب الإشكال رأسا ، ويتّضح الحال على كلّ حال ولا يبقى التّردد والخفاء في صورة حتّى نتكلّم فيها.

والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا

والصلاة على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

٦٩٦

فهرست المطالب

المقدمة

فى حال الوضع واقسامه........................................................ ٥

فى تقسيم الوضع.............................................................. ٧

فى المعنى الحرفى................................................................ ٨

فى الانشاء والاخبار.......................................................... ١٧

فى انّ المجاز لا يتوقف على ترخيص الواضع...................................... ٢٥

فى صحة استعمال اللفظ فى نوعه وصنفه وشخصه............................... ٢٥

فى ان الالفاظ المفردة موضوعة بازاء المعانى المعرّاة عن الوجود الخارجى والذهنى او...... ٢٨

فى ان الدلالة تتبع الارادة..................................................... ٣٣

فى وضع المركّبات............................................................. ٣٤

فى انّ التبادر دليل الوضع..................................................... ٣٥

فى ان عدم صحّة السلب علامة الحقيقة......................................... ٣٨

فى ان الاطّراد علامة الحقيقة ام لا.............................................. ٣٨

فى تعيّن حمل اللفظ على المعنى الحقيقى ما دام ممكنا............................... ٤٠

٦٩٧

فى الحقيقة الشرعية........................................................... ٤٠

فى كون الفاظ العبادات موضوعة للصحيحة او للاعم............................ ٤٦

الاستدلال للصحيحى........................................................ ٥٢

فى كون الفاظ المعاملات موضوعة للصحيحة او للاعم............................ ٥٥

فى استعمال اللفظ فى اكثر من معنى............................................ ٥٩

فى ان المشتق حقيقة فى خصوص............................................... ٦١

فى انّ بعض المشتقات غير داخل فى حريم النزاع.................................. ٦٢

فى دلالة الافعال على الزمان................................................... ٦٣

فى انّ اختلاف المشتقّات فى المبادى............................................ ٦٥

فى انّه لا اصل فى نفس هذه المسألة............................................ ٦٥

الحقّ فى المسألة.............................................................. ٦٥

فى انّ مفهوم المشتق مفهوم واحد............................................... ٦٩

دفع وهم................................................................... ٧٦

المقصد الاوّل فى الاوامر

فى مادّة الامر وصيغته........................................................ ٨٠

فى الانشاء والاخبار.......................................................... ٨٤

فى انّ صيغة الامر موضوعة للوجوب............................................ ٨٦

فى الجمل الخبرية المستعملة فى مقام الانشاء...................................... ٨٩

فى تقسيم الواجب إلى التعبّدى والتوصّلى........................................ ٩٠

فى تقسيمات الوجوب...................................................... ١٠٠

فى دلالة الصيغة على المرّة والتكرار............................................ ١٠٣

٦٩٨

فى انّ صيغة الامر عقيب الحظر ظاهرة فى الوجوب ام لا......................... ١٠٨

فى الاجزاء................................................................. ١١٠

فى مقدّمة الواجب.......................................................... ١١٩

تمام الكلام فى هذا المقام فى ضمن امور

الامر الاول................................................................ ١٢٢

الامر الثانى................................................................ ١٣٢

الامر الثالث............................................................... ١٤٦

الامر الرابع................................................................ ١٥٢

الامر الخامس.............................................................. ١٥٥

الامر السادس فى ذكر حجج القائلين بوجوب المقدّمة........................... ١٥٦

الامر السابع فى مقدمات الحرام............................................... ١٦١

فى انّ الامر بالشيء يقتضى النهى عن ضدّه................................... ١٦٣

فى ما نقل عن بعض الاساطين............................................... ١٦٧

فى ما افاده الميرزا الشيرازى والسيد محمد الاصفهانى.............................. ١٦٨

المقصد الثانى فى النواهى

فى جواز اجتماع الامر والنهى وامتناعه......................................... ١٧٤

ينبغى رسم امور

الامر الاوّل................................................................ ١٧٤

الامر الثانى................................................................ ١٧٥

٦٩٩

الامر الثالث............................................................... ١٧٥

الامر الرابع فى ان العامّ المطلق والخاصّ ايضا يمكن ان يجرى فيه النزاع ام لا......... ١٧٦

الامر الخامس فى جواب التهافت المتراءى بين الكلمات.......................... ١٧٨

احتجاج المجوزين............................................................ ١٧٨

فى من توسّط ارضا مغصوبة.................................................. ١٨٣

ايضا فى جواز اجتماع الامر والنهى وعدمه

الامر الاول فى محلّ النزاع.................................................... ١٨٦

الامر الثانى فى الفرق بين هذا النزاع والنزاع فى النهى فى العبادات.................. ١٨٧

الامر الثالث فى انّ هذه المسألة فقهيّة او اصوليّة وكلاميّة........................ ١٨٩

الامر الرابع................................................................ ١٩١

الامر الخامس فى عموم هذا النزاع للوجوب والحرمة الغيريين....................... ١٩٢

فى عدم عموم هذا النزاع فى التخييريين........................................ ١٩٢

الامر السادس فى قيد المندوحة............................................... ١٩٤

الامر السابع فى دفع توهّمين.................................................. ١٩٥

الامر الثامن فى انّ محلّ الكلام ما اذا كان ملاك المحبوبية والمبغوضية تماما............ ١٩٦

الامر التاسع فى الاجزاء باتيان المجمع فى التوصّليات والتعبّديات................... ١٩٨

الامر العاشر فى دفع توهّمين آخرين........................................... ٢٠٠

حجّة المجوّزين.............................................................. ٢٠١

التنبيه الاول فى من توسّط ارضا مغصوبة....................................... ٢١١

٧٠٠