تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤٠

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

ماءها ، فرجّل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر ، وأعزّ بتأييد إبراهيميّ ، فكسّر الأصنام الباطنيّة بسيفه الطّاهر» (١).

[سماع صلاح الدين «الموطّأ» في الإسكندرية]

وقال العماد الكاتب : توجّه السّلطان إلى الإسكندريّة ، وشاهد الأسوار الّتي جدّدها ، وقال : نغتنم حياة الإمام أبي طاهر بن عون. فحضرنا عنده وسمعنا عليه «الموطّأ».

وكتب إليه القاضي الفاضل يهنّيه ويقول : أدام الله دولة الملك النّاصر سلطان الإسلام والمسلمين ، محيي دولة أمير المؤمنين ، وسعده برحلته للعلم ، والإثابة عليها. (...) (٢) وفي الله رحلته ، وفي سبيل الله يوماه : يوم سفك دم المحابر تحت قلمه ، ويوم سفك دم كافر تحت علمه. ففي الأوّل يطلب حديث المصطفى ، فيجعل أثره عينا لا تستر ، وفي الثّاني يحفل لنصرة شريعة هداه على الضّلال فيجعل عينه أثرا لا يظهر.

إلى أن قال : وما يحسب المملوك أنّ كاتب اليمين كتب لملك رحلة قطّ في طلب العلم إلّا للرشيد ، فرحل بولديه الأمين والمأمون لسماع هذا «الموطّأ» الّذي اتّفقت الهمّتان الرشيديّة والنّاصريّة على الرغبة في سماعه ، والرحلة لانتجاعه.

وكان أصل «الموطّأ» بسماع الرشيد على مالك في خزانة المصريّين ، فإن كان قد حصل ، وإلا فليلتمس.

[تقليد الخليفة البلاد لصلاح الدين]

وفيها أرسل شيخ الشّيوخ صدر الدّين عبد الرحيم ، وبشير المستنجديّ الخادم إلى السّلطان صلاح الدّين بتقليد ما بيده من البلاد ، وهو من إنشاء قوام

__________________

(١) تاريخ الخلفاء ٤٥٢ ـ.

(٢) في الأصل بياض.

٤١

الدّين بن زبال ، فمنه : «ما كان يملك الأجلّ السّيّد صلاح الدّين ، ناصر الإسلام ، عماد الدّولة ، جمال الملّة ، فخر الملّة ، صفيّ الخلافة ، تابع الملوك والسّلاطين ، قامع الكفرة والمتمرّدين ، قاهر الخوارج والمشركين ، فخر المجاهدين ، ألب غازي بك أبو يعقوب يوسف بن أيّوب ، أدام الله علوّه على هذه السّجايا مقبلا».

وذكر التّقليد ، وفيه : «آمره بتقوى الله ، وآمره باتّخاذ القرآن دليلا ، وآمره بمحافظة الصّلاة ، وحضور الجماعة وبلزوم نزاهة الحرمات ، وآمره بالإحسان بإظهار العدل ، وأن يأمر بالمعروف ، وأن يحتاط في الثّغور ، وأن يجنب إلى الأمان. وآمره بكذا ، وآمره بكذا. وكتب في صفر سنة ستّ وسبعين (١).

[وصول رسول ابن عبّاد]

وفيها وصل الفقيه هبة الله بن عبد الله بن عبّاد صاحب جزيرة قيس رسولا. وقدم ... (٢).

[ركوب الخليفة الدّست]

وفي جمادى الأولى يوم الجمعة ركب الخليفة في الدّست بظلّة الشّمسيّة .. (٣) ، وعلى رأسه الطّرحة ، والكلّ مشاة ، وخرج إلى ظاهر السّور ، ثمّ ردّ إلى جامع المنصور وصلّى ، وأقام بكشك الملكيّة أسبوعا. وركب الجمعة الأخرى في موكبه ، وصلّى بجامع الرّصافة ، وركب في الشّبّارة الطّويلة ، تظلّه القبّة السّوداء ، وأرباب الدّولة قيام في السّفن والخلق يدعون له.

__________________

(١) سنا البرق الشامي ١ / ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، الروضتين ٢ / ١٩ ، مفرّج الكروب ٢ / ٩٥ ، الدرّ المطلوب ٦٨ ، ٦٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٧ ، عقد الجمان ١٢ / ٢١٨ أ.

(٢) في الأصل بياض.

(٣) في الأصل بياض.

٤٢

[إقطاع طغرل البصرة]

وفيها أقطع طغرل النّاصريّ الخاصّ البصرة بعد موت متولّيها قسيم الدولة بها.

[خروج الخليفة للصيد]

وفي جمادى الآخرة ركب النّاصر لدين الله في موكبه ، وخرج إلى الصّيد ، وطاف البلاد والأعمال ، وغاب أسبوعا.

[نيابة فرّخ شاه دمشق]

وفيها ولّي نيابة دمشق عزّ الدّين فرّخ شاه ابن أخي السّلطان ، وكان حازما ، عاقلا ، شجاعا ، مقداما ، كثير الحرمة (١).

__________________

(١) أمراء دمشق في الإسلام ٦٥ رقم ٢٠٧ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١١ ـ.

٤٣

سنة سبع وسبعين وخمسمائة

[تخريب بلاد الكرك]

فيها قصد عزّ الدّين فرّخ شاه بن شاهنشاه بلاد الكرك بالعساكر وخرّبها ، وعاد (١).

وكان ملك الفرنج برنس ـ لعنه الله ـ قد سوّلت له نفسه قصد المدينة النّبويّة ليتملّكها ، فسار فرّوخ شاه إلى بلد المذكور ونهبه ، فآل البرنس بالخيبة (٢).

[ركوب الخليفة في موكب]

وفي رجب ركب الخليفة في موكبه إلى الكشك ، فنزل به ، وقدم إلى بغداد بزرافة من صاحب جزيرة قيس.

[معاتبة صلاح الدين على تسمّيه بالناصر]

وفيها أرسل من الدّيوان إلى السّلطان صلاح الدّين يأخذ عليه في أشياء ، منها تسمّيه بالملك النّاصر ، مع علمه أنّ الإمام اختار هذه السّمة لنفسه (٣).

__________________

(١) دول الإسلام ٢ / ٨٩ ـ.

(٢) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٧٠ ، الأعلاق الخطيرة ٢ / ٧٠ ، ٧١ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٣ ، دول الإسلام ٢ / ٨٨ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٩ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٧٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٨ ، ١٥٩ ـ.

(٣) تاريخ الخلفاء ٤٥٢ ـ.

٤٤

[أخذ عزّ الدين حلب]

وفي شعبان ساق عزّ الدّين مسعود وأخذ حلب ، وكان الصّالح إسماعيل بن نور الدّين قد أوصى له بها (١).

[مقايضة سنجار بحلب]

وفي شوّال تزوّج بأمّ الصّالح ، ثمّ قايض أخاه عماد الدّين بسنجار ، وقدم عماد الدّين فتسلّم حلب (٢).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٧٢ ، ٤٧٣ ـ.

(٢) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٧٣ و ٤٧٤ ، ٤٧٥ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٦٧ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٣ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٨ و ١٤٩ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٧٧ ، زبدة الحلب ٣ / ٥٦ ، ٥٧ ـ.

٤٥

سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

[رخاء الأسعار بالعراق]

فيها تراخت الأسعار بالعراق.

[الوثوب على صاحب قلعة الماهكيّ]

وفيها وثب على عبد الوهّاب الكرديّ صاحب قلعة الماهكيّ ابن عمّه جوبان ، فأخرجه منها ، ونادى بشعار الدّولة العبّاسيّة ، فأرسلت إليه الخلعة والتّقليد بولايتها (١).

[الكتابة إلى صلاح الدين بالرحيل عن الموصل]

وفيها وصل قاضي الموصل ووزيرها ابن الشّهرزوريّ إلى الدّيوان العزيز يطلب أن يتقدّم إلى السّلطان صلاح الدّين بالارتحال عن الموصل ، فإنّه نزل محاصرا ، ذاكرا أنّ الخليفة أقطعه إيّاها. فأجيب سؤاله ، وكتب إلى السّلطان بالارتحال عنها. وسار إليه في الرسلية شيخ الشّيوخ صدر الدّين عبد الرحيم (٢).

[فتح بلد كبير بالروم]

وفيها افتتح ملك الروم قليج رسلان بن مسعود بلدا كبيرا بالروم كان للنّصارى ، وكتب إلى الدّيوان بالبشارة.

__________________

(١) مضمار الحقائق ٩٠ ، ٩١ ـ.

(٢) البرق الشامي ٥ / ٣٥ ، ٣٦ ، الروضتين ٢ / ٣٠ ، مضمار الحقائق ١٠٧ ـ ١١٠ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٩ ، الدرّ المطلوب ٧٣ ، دول الإسلام ٢ / ٨٩ ، تاريخ الزمان ١٩٨ ، ١٩٩ ـ.

٤٦

[فتح حرّان وسروج وسنجار وغيرها]

وافتتح فيها صلاح الدّين حرّان ، وسروج ، وسنجار ، ونصيبين ، والرّقّة ، والبيرة ، ونازل الموصل وحاصرها ، فبهره ما رأى من حصانتها ، فرحل عنها ، وقصده شاه أرمن (١) بعساكر جمّة ، واجتمع في ماردين بصاحبها ، وفتح آمد (٢).

[ملك صلاح الدين حلب]

ثمّ رجع إلى حلب فملكها ، وعوّض صاحبها سنجار (٣).

[الخلعة بشرف الفتوّة]

وفيها تفتّى النّاصر لدين الله إلى الشّيخ عبد الجبّار ، ولقّب بشرف الفتوّة عبد الجبّار ، وخلع عليه. وكان النّقيب لهم أبو المكارم أحمد بن محمد بن داذي النّيليّ. وفتّى النّاصر لدين الله في ذلك الوقت ولد رفيقه عليّ بن عبد الجبّار ، وخلع عليه وعلى النّقيب.

وكان عبد الجبّار هذا في بدء أمره شجاعا مشهورا ، تهابه الفتيان ، وتخافه الرجال ، ثمّ ترك ذلك ولزم العبادة ، وبنى (٤) لنفسه موضعا ، فأمر الخليفة بإحضاره حين تضوّع عبير أخباره ، وتفتّى إليه ، وجعل المعوّل في شرعها عليه (٥).

__________________

(١) في الأصل : «شاه رمن» ، والتصحيح من : مضمار الحقائق ١١٣ ـ.

(٢) البرق الشامي ٥ / ٢٧ و ٤٠ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٩٦ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٤١ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٨٤ ، ٣٨٥ ، مضمار الحقائق ١١٠ ـ ١١٤ و ١٣٦ ـ ١٤١ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٩ ، الدرّ المطلوب ٧٣ ، دول الإسلام ٢ / ٩٠ ، العبر ٤ / ٢٣٢ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٠٩ ، تاريخ الزمان ١٩٨ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٥٩ ـ.

(٣) المصادر نفسها.

(٤) في الأصل : «بنا».

(٥) انظر : مضمار الحقائق ١٧٧ ، والعبر ٤ / ٢٣٢ ، ومرآة الجنان ٣ / ٤٠٩ ـ.

٤٧

[الخروج الأخير لصلاح الدين من مصر]

وفيها خرج صلاح الدّين من مصر غازيا ، وما تهيّأ له العود إليها ، وقد عاش بعد ذلك اثنتي عشر سنة (١).

[دخول سيف الإسلام اليمن]

وفيها بعث صلاح الدّين أخاه سيف الإسلام طغتكين على مملكة اليمن ، وإخراج نوّاب أخيه توران شاه منها ، فدخل إليها ، وقبض على متولّى زبيد حطّان بن منقذ الكنانيّ. فيقال إنّه قتله سرّا وأخذ منه أموالا لا تحصى.

وهرب منه عزّ الدّين عثمان ابن الزّنجيليّ (٢). وتمكّن سيف الإسلام من اليمن (٣).

[وفاة فرّوخ شاه]

وفيها مات عزّ الدّين فرّوخ شاه ابن شاهنشاه بن أيّوب ، فبعث عمّه على نيابة دمشق شمس الدّين محمد بن المقدّم (٤).

__________________

(١) النوادر السلطانية ٥٤ ، التاريخ الباهر ١٨٣ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٧٨ ـ. ٤٧٩ ، تاريخ الزمان ١٩٨ ، زبدة الحلب ٣ / ٥٥ ، ٥٦ ، مضمار الحقائق ٣٠ و ٩٣ ـ ٩٦ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٦٩ ، الدرّ المطلوب ٧١ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٣ ، ٦٤ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩١ ، العسجد المسبوك ١٨٦ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٠ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٧٧ ، شفاء القلوب ٩٨ ، ٩٩ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٦٠ ـ.

(٢) في مضمار الحقائق «الزنجاري» وفي مفرّج الكروب ٢ / ١٠٤ ، والدر المطلوب ٧٠ «ابن الزنجبيلي».

(٣) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٨٠ ، ٤٨١ ، مضمار الحقائق ٦٦ ، العسجد المسبوك ٢ / ١٨٦ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٦٨ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٤ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٠٤ ، ١٠٥ ، الدرّ المطلوب ٧٠ (٥٧٧ ه‍.) و ٧٣ (٥٧٨ ه‍.) ، العبر ٤ / ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٠٩ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٩١ ـ.

(٤) انظر عن (فرّخ شاه) في : النوادر السلطانية ٥٦ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٤٩١ ، ومفرّج الكروب ٢ / ١٢٤ ، وزبدة الحلب ٣ / ٢٧ ، ووفيات الأعيان ٧ / ١٦٧ ، والأعلاق الخطيرة ١ / ٤٩ ، ومرآة الزمان ٨ / ٣٧٢ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٥ ، ومضمار الحقائق ١٠٤ ، والعبر ٤ / ٢٣٣ ، ٢٣٥ ، ودول الإسلام ٢ / ٩٠ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٣١١ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٢ ، والعسجد المسبوك ١٨٧ ، والسلوك ج ١ ق ١ / ٧٩ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٦٣ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٥٩ ـ.

٤٨

سنة تسع وسبعين وخمسمائة

[قدوم رسول ملك مازندران إلى الخليفة]

في المحرّم قدم رسول ملك مازندران (١) ، فتلقّى وأكرم ، ولم يكن لمرسله عادة بمراسلة الدّيوان ، بل الله هداه من غيّ هواه ، وقدّمه هديّة.

[قتل مستفت سبّ الشافعيّ]

وفيها جاء رجل إلى النّظاميّة يستفتي ، فأفتي بخلاف غرضه ، فسبّ الشّافعيّ ، فقام إليه فقيهان ، لكمه أحدهما ، وضربه الآخر بنعله ، فمات ليومه ، فحبس الفقيهان أيّاما ، وأطلقا عملا بمذهب أبي حنيفة.

[القبض على مجاهد الدين قايماز وإعادته]

وفي جمادى الأولى قبض عزّ الدّين مسعود صاحب الموصل على نائبة وأتابكه مجاهد الدّين قايماز ، وكان هو سلطان تلك البلاد في المعنى ، وعزّ الدّين معه صورة. ولكن تخرّم عليه بإمساكه (...) (٢). ثمّ إنّه أخرجه وأعاده إلى رتبته.

[مجيء الرسليّة إلى صلاح الدين]

وفي رمضان جاء إلى صلاح الدّين بالرسلية شيخ الشّيوخ ، وبشير الخادم (٣).

__________________

(١) مازندان : بعد الزاي نون ساكنة ، ودال مهملة ، وراء ، وآخره نون. اسم لولاية بطبرستان. (معجم البلدان ٥ / ٤١).

(٢) في الأصل بياض.

(٣) مرآة الزمان ٨ / ٣٧٨ ، زبدة الحلب ٣ / ٧٦ ، ٧٧ و ٧٩ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٦٢ ـ.

٤٩

[الفراغ من رباط المأمونيّة]

وفي شوّال فرغ من رباط المأمونيّة وفتح إنشاءاته والدة النّاصر لدين الله ، ومدّ به سماط ، وحضره أرباب الدّولة ، والقضاة ، والأئمّة ، والأعيان ، ورتّب شهاب الدّين السّهرورديّ شيخا به ، ووقفت عليه الوقوف النّفيسة (١).

[قدوم الخجنديّ للحجّ]

وقدم رئيس أصبهان صدر الدّين عبد اللّطيف الخجنديّ للحجّ ، فتلقّى موكب الدّيوان ، وأقيمت له الإقامات. وزعيم الحاج في هذه السّنين مجير الدّين طاشتكين.

[كتاب فاضليّ إلى الديوان بتشتيت الفرنج]

ومن كتاب فاضليّ إلى الدّيوان : «كان الفرنج قد ركبوا من الأمر نكرا ، وافتضّوا (٢) من البحر بكرا ، وعمّروا مراكب حربيّة شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد (٣) ، وضربوا بها سواحل اليمن والحجاز (٤) ، وأثخنوا (٥) وأوغلوا في البلاد (واشتدّت مخافة أهل تلك الجوانب ، بل أهل القبلة ، لما أرمض إليهم من خلل الطّواف) (٦) وما [ظنّ] (٧) المسلمون إلّا أنّها السّاعة ، وقد نشر مطويّ أشراطها ، و [طوي منشور بساطها. فثار] (٨) غضب الله لفناء بيته المحرّم (ومقام خليله الأكرم) (٩) ، وضريح نبيّه الأعظم (١٠) صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ورجوا أن يشحذ

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٥٠٣ ـ.

(٢) في شفاء القلوب ١٠٣ «اقتضوا» بالقاف ، وهو غلط.

(٣) في شفاء القلوب ١٠٣ : «والأزراد» بالزاي ثم الراء.

(٤) في شفاء القلوب ١٠٣ : «وضربوا بها سواحل تهامة».

(٥) «وأثخنوا» ليست في : شفاء القلوب.

(٦) ما بين القوسين ليس في : شفاء القلوب.

(٧) في الأصل بياض ، والمثبت من : شفاء القلوب.

(٨) في الأصل بياض ، وما بين الحاصرتين من شفاء القلوب.

(٩) في شفاء القلوب : «ومقام أنبيائه المعظم».

(١٠) في شفاء القلوب : «المفخّم».

٥٠

البصائر بنكاية هذا البيت) (١) ، إذ قصده أصحاب الفيل ، ووكّلوا إلى الله الأمر ، فكان حسبهم ونعم الوكيل» (٢).

وكان للفرنج مقصدان : أحدهما قلعة أيلة (٣) ، والآخر الخوض في هذا البحر الّذي تجاوره بلادهم من ساحله ، وانقسموا فريقين. أمّا الّذين قصدوا أيلة ، فإنّهم قدروا أن يمنعوا أهلها من مورد الماء ، وأمّا الفريق القاصد سواحل الحجاز واليمن ، فقدّروا أن يمنعوا طريق الحاجّ عن حجّه ، ويحول بينه وبين فجّه (٤) ، ويأخذ تجّار اليمن ، وكارم ، وعدن ، ويلمّ بسواحل الحجاز فيستبيح ، والعياذ بالله ، المحارم. وكان الأخ سيف الدّين (٥) بمصر قد عمّر مراكب ، وفرّقها على الفريقين (٦) ، وأمرهم (٧) بأن تطوى وراءهم الشّقّتين فأمّا السّائرة إلى قلعة أيلة ، فإنّها انقضّت على مرابطي الماء (٨) انقضاض الجوارح على بنات الماء ، وقذفتها قذف شهب السّماء ، (٩) فأخذت مراكب العدوّ برمّتها ، قتلت أكثر مقاتلتها ، [إلّا من تعلّق [بسعف] (١٠) وما كاد ، أو دخل في شعب وما عاد ، فإنّ العربان اقتصّوا آثارهم ، والتزموا إحضارهم.

وأمّا السّائرة إلى بحر الحجاز ، فتمادت في السّاحل الحجازيّ ، فأخذت تجّارا ، وأخافت رفاقا ، ودلّها على عورات البلاد من هو أشدّ كفرا ونفاقا.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في : شفاء القلوب.

(٢) العبارة في (شفاء القلوب ١٠٣) : «وحرس من فضل الله ، كما حرس إذ قصده أصحاب الفيل ، ووكّل أهله الأمور إلى الله ، فكان حسبهم ونعم الوكيل. ولم يبق من العدوّ مخبرا ولا أثرا».

(٣) انظر زيادة في البرق الشامي ٢ / ٧٣ ـ.

(٤) في مفرّج الكروب ٢ / ١٣٠ «تحه».

(٥) هو الملك العادل أخو صلاح الدين.

(٦) في البرق ٧٤ «الفرقتين».

(٧) في الروضتين ٢ / ٣٧ ، ومفرّج الكروب ٢ / ١٣٠ «وأمرها». والمثبت عن الأصل ، وكذا في أصل البرق الشامي.

(٨) في مفرّج الكروب ٢ / ١٣٠ «على مرابطي منع الماء».

(٩) في البرق وغيره زيادة : «مسترقي سمع الظلماء».

(١٠) في الأصل بياض.

٥١

وهناك وقع عليها أصحابنا ، وأخذت المراكب بأسرها ، وفرّ فرنجها) (١) ، فسلكوا في الجبال مهاوي المهالك ، ومواطن (٢) المعاطب ، وركب أصحابنا وراءهم خيل العرب ، يقتلون ويأسرون ، حتّى لم يتركوا مخبرا ، ولم يبقوا لهم أثرا (٣) ، (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) (٤) ، فقيّد منهم إلى مصر مائة وسبعون أسيرا (٥).

[تسلّم صلاح الدين حلبا]

وفي المحرّم نزل صلاح الدّين على حلب ، ثمّ تسلّمها صلحا (٦).

[أخذ الغوري ملك الهند غزنة]

وفيها سار شهاب الدّين الغوريّ بعد ما ملك جبال الهند ، وعظم سلطانه إلى مدينة هاوور في جيش عظيم وبها السّلطان خسروشاه بن بهرام شاه السّبكتكينيّ الّذي كان صاحب غزنة من ثلاثين سنة ، فحاصره مدّة ، ثمّ نزل بالأمان فأكرمه ووفى له. فورد رسول السّلطان غياث الدّين إلى أخيه يأمره بإرسال خسروشاه إليه ، فقال له : أنا لي يمين في عنقك. فطيّب قلبه ومنّاه ، وأرسله هو وولده ، فلم يجتمع بهما غياث الدّين بل بعثهما إلى بعض القلاع ، فكان آخر العهد بهما. وهذا آخر ملوك بني سبكتكين. وكان ابتداء دولتهم من سنة ستّ وستّين وثلاثمائة ، فتبارك الله الّذي لا يزول ملكه (٧).

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في البرق الشامي.

(٢) في البرق ٥ / ٧٤ «معاطن».

(٣) في شفاء القلوب ١٠٣ : «ولم يبق من العدوّ مخبرا ولا أثرا».

(٤) سورة الزمر ، الآية ٧٣ ـ.

(٥) البرق الشامي ٥ / ٧٣ ـ ٧٥ ، الروضتين ٢ / ٣٧ ، سنا البرق الشامي ٢ / ٥٤ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٩٠ ، ٤٩١ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٢٧ ـ ١٣٢ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، مضمار الحقائق ١٤٤ و ١٤٦ ـ ١٥١ ، الدرّ المطلوب ٧١ ، ٧٢ ، دول الإسلام ٢ / ٩٠ ـ.

(٦) سيعاد هذا الخبر مفصّلا بعد قليل.

(٧) العسجد المسبوك ٢ / ١٨٨ ، ١٨٩ ، الدرّ المطلوب ٧١ ، دول الإسلام ٢ / ٩٠ ـ.

٥٢

[عودة الرسليّة بالتقدمة إلى بغداد]

وفيها عاد شيخ الشّيوخ ، وبشير من الرّسليّة ، ومعهم رسول صلاح الدّين بتقدمة كان منها شمسيّة ، يعني جزءا ، وهي مصنوعة من ريش الطّواويس ، لم ير في حسنها ، وعليها اسم المستنصر بالله معدّ العبيديّ.

[وفاة نائب الوزارة وولاية ابن صدقة]

وتوفّي الخلّال أبو المظفّر بن البخاريّ نائب الوزارة ، فولّي مكانه حاجب باب النّوبيّ عزّ الدّين أبو الفتوح بن صدقة.

[ولاية الحجابة]

وولي الحجابة أحمد بن هبيرة.

[وفاة شيخ الشيوخ وبشير]

وعاد إلى الشّام شيخ الشّيوخ ، وبشير على الفور ، فمرضا ، وطلبا الرجعة إلى العراق ، فقال صلاح الدّين : أقيما. فلم يفعلا ، وسارا في الحرّ ، فماتا بالرحبة.

[منازلة صلاح الدين حلبا وتسلّمها]

ونازل السّلطان حلب ، وحاصرها أشدّ حصار ، ثمّ وقع الصّلح بين صاحبها عماد الدّين وبين السّلطان ، على أن يعوّضه عنها سنجار ، ونصيبين ، والرّقّة ، وسروج ، والخابور. وتسلّم حلب في ثاني عشر صفر. وفيه يقول القاضي محيي الدّين ابن القاضي زكيّ الدّين ابن المنتخب يمدحه بأبيات جاد منها قوله :

وفتحكم حلبا بالسّيف في صفر

مبشّر بفتوح القدس في رجب (١)

 __________________

(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٩٦ ـ ٥٠٢ ، النوادر السلطانية ٥٩ ، ٦٠ ، زبدة الحلب ٣ / ٦٣ ـ ٧٢ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٤١ ـ ١٤٧ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٩ ، تاريخ الزمان ٢٠٠ ،

٥٣

[البشارة بفتح القدس]

وقد ذكر صاحب «الرّوضتين» (١) أنّ الفقيه مجد الدّين بن جميل الحلبيّ الشّافعيّ وقع إليه «تفسير القرآن» لأبي الحكم بن برّجان ، فوجد فيه عند قوله تعالى : (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢) أنّ الرّوم يغلبون في رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، ويفتح البيت المقدس ، ويصير دارا للإسلام إلى آخر الأبد. واستدلّ بأشياء في كتابه. فلمّا فتحت حلب على يد السّلطان صلاح الدّين ، كتب إليه المجد بن جميل ورقة يبشّره بفتح القدس على يديه ، ويعيّن فيها الزّمان ، وأعطاها للفقيه عيسى ، فلم يتجاسر أن يعرضها على السّلطان ، وحدّث بما فيها لمحيي الدّين ، وكان واثقا بعقل المجد وأنّه لا يقول هذا حتّى تحققه ، فعمل القصيدة الّتي فيها هذا البيت ، فلمّا سمعه السّلطان بهت وتعجّب. فلمّا اتّفق له فتح القدس في رجب ، سار المجد مهنّئا ، وذكر له حديث الورقة ، فتعجّب وقال : قد سبق إلى ذلك محيي الدّين ، غير أنّي أجعل لك حظّا. ثمّ جمع له من في العسكر من الفقهاء والصّلحاء ، ثمّ أدخله بيت المقدس والفرنج بعد فيه لم ينظّف منهم ، وأمره أن يذكر درسا على الصّخرة. فدخل ودرّس هناك ، وحظي بذلك.

ثمّ قال أبو شامة : وقفت أنا على ما فسّره ابن برّجان من أنّ البيت المقدس استولت عليه الروم عام سبعة وثمانين وأربعمائة ، وأشار إلى أنّه يبقى بأيديهم إلى تمام خمسمائة وثلاث وثمانين سنة.

__________________

=٢٠١ ، الأعلاق الخطيرة ٢ / ٧١ و ٢٠٣ وج ٣ ق ١ / ١٣٤ و ١٨٠ ، ١٨١ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٨٤ ، ٣٨٥ ، مضمار الحقائق ١٤٤ و ١٤٦ ـ ١٥١ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٧٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٦ ، الدرّ المطلوب ٧٥ ، ٧٦ ، العبر ٤ / ٢٣٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٣ ، ٣١٤ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠١ ، ٣٠٢ ، شفاء القلوب ١٠٥ ـ ١٠٨ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٦٥ ، ١٦٦ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٩٥ ـ.

(١) هو أبو شامة المقدسي.

(٢) أول سورة الروم.

٥٤

قال أبو شامة : وهذا الّذي ذكره أبو الحكم من عجائب ما اتّفق. وقد تكلّم عليه شيخنا السّخاويّ فقال : وقع في «تفسير» أبي الحكم أخبار عن بيت المقدس ، وأنّه يفتح في سنة ثلاث وثمانين. قال : فقال لي بعض الفقهاء : إنّه استخرج ذلك من فاتحة السّورة. فأخذت السّورة ، وكشفت عن ذلك ، فلم أره أخذ ذلك من الحروف ، وإنّما أخذه فيما زعم من (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) (١) فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجّمون ، ثمّ ذكر أنّهم يغلبون في سنة كذا ، وفي سنة كذا ، على ما تقضيه ووافر التّقدير. وهذه نجامة وافقت إصابة إن صحّ أنّه قال ذلك قبل وقوعه ، وليس ذلك من الحروف ، ولا هو من قبيل الكرامات. فإنّ الكرامات لا تكتسب ، ولا تفتقر إلى تاريخ ، ولذلك لم يوافق الصّواب لمّا أراد الحساب على القراءة الأخرى الشّاذّة وهي (غلبت) بالفتح ، ولو صحّ ذلك ، لأنّه قال في سورة القدر : لو علم الوقت الّذي نزل فيه القرآن لعلم الوقت الّذي يرفع فيه. فهذا ما ذكره.

[كتاب فاضلي بإبطال المكس بالرّقّة]

ومن كتاب إلى الدّيوان : أشقى الأمراء من سمّن كيسه وأهزل الخلق ، وأبعدهم من الحقّ من أخذ المكس وسمّاه الحقّ. ولمّا فتحنا الرّقّة أشرفنا على سحت يؤكل ، وظلم ممّا أمر الله أن يقطع ، وأمر الظّالمون أن يوصل ، فأوحينا إلى كافّة الولاة من قبلنا أن يضعوا هذه الرسوم بأسرها ، ويكفوا الرعايا من سائر أيّام ملكته بأسرها ، ونعتق الرّقّة من ربّها ، وتسدّ هذه الأبواب وتعطّل ، وتنسخ هذه الأمور وتبطل ، [وتبقى] (٢) ماهيّة الأحكام ، وأئمّة الخلود ، خالدة الدّوام ، تامّة البلاغ ، يانعة التّمام ، ملعون من يطمح إليها ناظره.

__________________

(١) سورة الروم ، الآيتان (٢ و ٣).

(٢) في الأصل بياض.

٥٥

ومنه : وإذا ولّاه أمير المؤمنين ثغرا لم يبت في وسطه ، ولم يقم في ظلّ غرفه ، بل يبيت السّيف له ضجيعا ، ويصبح ومعتدل القتال له ربيعا ، لا كالّذين يطلبون أبواب الخلافة [كالعباد] (١) ولا يؤامروها في تصرّفاتها مؤامرة الاستعباد ، وكأنّ الدّنيا لهم إقطاع لا إيداع ، وكأنّ الإمارة لهم تخليد لا تقليد. وكأنّ السّلاح عندهم زينة كليله ولابسه ، وكأنّ مال الله عندهم وديعة ، لا يدر مانعة ولا كابسة ، وكأنّهم في البيوت الدّمى في لزوم خدرها ، لا في مستحسنات صورها ، راجين من الدّين بالعروة [الدّنيّة] (٢) ، ومن إعلاء كلمته بما يسمعونه على الدّرجات الخشبيّة ، ومن جهاد الخوارج باستحسان الأخبار المهلّبيّة (٣) ، ومن قتال الكفّار بأنّه فرض كفاية ، تقوم به طائفة فيسقط عن البقيّة.

[محاصرة السلطان الكرك]

وفيها سار السّلطان بجيوشه إلى الكرك فحاصرها ، ونصب عليها المجانيق ، ثمّ جاءته الأخبار باجتماع الفرنج ، فترك الكرك ، وسار إليهم بعد أن كان قد أشرف على أخذها ، فخالفوه في الطّريق إلى الكرك ، وأتوا إليها بجموعهم ، فسار إلى نابلس ، ثمّ إلى دمشق (٤).

__________________

(١) في الأصل بياض.

(٢) في الأصل بياض.

(٣) يقصد أخبار بني المهلّب بن أبي صفرة.

(٤) النوادر السلطانية ٦٣ و ٦٦ ، ٦٧ ، مضمار الحقائق ١٥٣ ، ١٥٤ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٥٠٦ ، ٥٠٧ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٥٧ ، ١٥٨ ، تاريخ الزمان ٢٠٢ ، زبدة الحلب ٢ / ٧٤ و ٧٨ ، ٧٩ ، الأعلاق الخطيرة ٢ / ٧١ ، ٧٢ ، المغرب في حلى المغرب ١٥١ ، الدرّ المطلوب ٧٨ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٨ ، مضمار الحقائق ١٨٨ ـ ١٩٠ ، العبر ٤ / ٢٣٩ ، دول الإسلام ٢ / ٩١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٤١٧ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٥ ، العسجد المسبوك ١٩٠ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٢ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٨٣ ، ٨٤ ، شفاء القلوب ١١٤ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٦٧ ، ١٦٨ (٥٨٠ ه‍) ، الإعلام والتبيين ٣٢ ، ٣٣ ـ.

٥٦

وأعطى (١) أخاه نائب مصر الملك العادل سيف الدّين حلب وأعمالها ، فإنّه ألحّ عليه في طلبها. فسار إليها ، وانتقل منها الملك الظّاهر غازي ، وقدم على والده (٢).

[نيابة الملك المظفّر بمصر]

وبعث السّلطان ابن عمّه الملك المظفّر تقيّ الدّين عمر صاحب حماه على نيابة الدّيار المصريّة موضع الملك العادل (٣).

__________________

(١) في الأصل : «وأعطا».

(٢) مضمار الحقائق ١٥٤ ، البرق الشامي ٥ / ١٥٣ ، سنا البرق الشامي ٢ / ١٥١ ـ.

(٣) مضمار الحقائق ١٥٤ ، البرق الشامي ٥ / ١٥٥ ، سنا البرق الشامي ٢ / ١٥٤ ـ.

٥٧

سنة ثمانين وخمسمائة

[جعل مشهد الكاظم أمنا]

فيها جعل الخليفة النّاصر مشهد موسى الكاظم أمنا لمن لاذ به ، فالتجأ إليه خلق ، وحصل بذلك مفاسد (١).

[موت رجل راهن على دفنه نصف يوم]

وفي صفر راهن رجل ببغداد على خمسة دنانير أن يندفن من غدوة إلى الظّهر ، فدفن وأهيل عليه التّراب ، ثمّ كشف عنه وقت الظّهر ، فوجد ميتا وقد عصفر سواعده من هول ما رأى (٢).

[كتاب السلطان بمحاسن دمشق]

وفيها كتب زين الدّين بن نجيّة (٣) الواعظ كتابا إلى صلاح الدّين يشوّقه إلى مصر ويصف محاسنها ، ومواطن أنسها. فكتب إليه السّلطان ، بإنشاء العماد فيما أظنّ : «ورد كتاب الفقيه زين الدّين : لا ريب (٤) أنّ الشّام أفضل ، وأنّ أجر ساكنه أجزل ، وأنّ القلوب إليه أميل ، وأنّ زلاله البارد أعلّ (٥) وأنهل ، وأنّ الهواء في صيفه وشتائه أعدل ، وأنّ الجمال فيه أجمل

__________________

(١) تاريخ الخلفاء ٤٥٢ ـ.

(٢) دول الإسلام ٢ / ٩١ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٦٨ ، دول الإسلام ٢ / ٩١ ـ.

(٣) في شفاء القلوب ١١٢ «ابن نجا».

(٤) في الأصل : «الأريب».

(٥) في مرآة الزمان : «احلى» ، وفي شفاء القلوب : «أغلى».

٥٨

وأكمل (١) ، وأنّ القلب به أروح ، وأنّ الروح به أقبل. فدمشق عاشقها مستهام ، وما على محبّها ملام. وما في ربوتها ريبة ، ولكلّ نور فيها شيبة (٢) ، وساجعاتها على منابر الورق خطبا قطرب ، وهزاراتها وبلابلها تعجم وتعرب ، وكم فيها من جواري ساقيات ، وسواقي جاريات ، وأثمار بلا أثمان (٣) ، وفاكهة ورمّان ، وخيرات حسان ، وكونه تعالى أقسم به فقال : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) (٤) يدلّ على فضله المكنون. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الشّام صفوة الله من بلاده ، يسوق إليها خيرته من عباده» (٥). وعامّة الصّحابة اختاروا به المقام. وفتح دمشق بكر الإسلام. وما ينكر أنّ الله تعالى ذكر مصر (٦) ، لكنّ ذلك خرج العيب (٧) له والذّمّ. ألا ترى أنّ يوسف عليه‌السلام نقل منها إلى الشّام. ثمّ المقام بالشّام أقرب إلى الرباط ، وأوجب للنّشاط. وأين قطرب (٨) المقطّم (٩) من [سنا سنين] (١٠)؟ وأين دار آصف (١١) لمن ذروة الشّرف المنير (١٢)؟ ، وأين لبانة [لبنان] (١٣) من الهرمين؟ وهل هما إلّا مثل السّلعتين؟ وهل للنّيل مع طول نيله وطول ذيله يرد بردي في نقع العليل (١٤)؟ وما لذلك الكثير طلاوة هذا القليل.

__________________

(١) في مرآة الزمان : «وأنّ الجبال فيه أجمل والجمال به أكمل». وانظر : شفاء القلوب ١١٣ ـ.

(٢) في الأصل وشفاء القلوب : «شبيبه» ، وفي مرآة الزمان : «سيبه».

(٣) بعدها في مرآة الزمان : «وروح وريحان» ، ومثله في : شفاء القلوب ١١٣ ـ.

(٤) أول سورة التين.

(٥) في مرآة الزمان «خير أمة من خلقه» ، وفي الروضتين ٢ / ٥٩ «فيها خير الله من عباده».

(٦) زاد في مرآة الزمان : «ولكن على لسان فرعون يقول : «أليس لي ملك مصر» ، وكذا في شفاء القلوب.

(٧) في مرآة الزمان : «العتب».

(٨) في شفاء القلوب : «قطوم» والمثبت يتفق مع : الروضتين ٢ / ٥٩ ، ومرآة الزمان.

(٩) في الأصل : «المقطب» ، والمثبت من المصادر.

(١٠) في الأصل بياض. والمستدرك من : شفاء القلوب ١١٣ ، وفي مرآة الزمان : «وأين قطوم المقطم من سياسين»!.

(١١) في مرآة الزمان «دار منيف» ، وفي شفاء القلوب «دار ابن منيف».

(١٢) في المرآة : «المبين» ، وكذا في شفاء القلوب.

(١٣) في الأصل بياض ، والمستدرك من المرآة ، والشفاء والروضتين.

(١٤) في المرآة : «برد بردا في نفع العليل» ، وفي شفاء القلوب : «بر بردي في نقع الغليل».

٥٩

(وإن فاخرنا بالجامع وفيه النّسر (١) ، ظهر بذلك (٢) قصر القصر) (٣) ، ولو كان لهم مثل بانياس ، لما احتاجوا إلى قياس المقياس ، ونحن لا نحقر الوطن كما حقرته (٤) ، وحب الوطن من الإيمان ، ونحن لا ننكر فضل مصر ، وأنّه إقليم عظيم (٥) ، ولكن نقول كما قال المجلس الفاضليّ : إنّ دمشق تصلح أن تكون (بستانا لمصر) (٦). والسّلام» (٧).

[مهاجمة السلطان نابلس]

وفيها هجم السّلطان نابلس ، وكان قد وصل لنجدته عسكر ديار بكر ، وعسكر آمد ، والحصن ، والعادل من حلب ، وتقيّ الدّين من حماه ، ومظفّر الدّين صاحب إربل. هكذا ذكر أبو المظفّر في «مرآته» (٨). قال : نازل الكرك ونصب عليها المجانيق ، فجاءتها نجدات الفرنج من كلّ فجّ ، وأجلبوا وطلبوا. واغتنم السّلطان خلوّ السّاحل منهم ، ورأى أنّ حصارها يطول ، فسار ونزل الغور وهجم نابلس ، فقتل وسبى ، وطلع على عقبة [فيق] (٩) ، ودخل دمشق (١٠).

__________________

(١) في المرآة : «البشر».

(٢) في الأصل : «بيتك» ، والمثبت من : مرآة الزمان.

(٣) ما بين القوسين ليس في شفاء القلوب.

(٤) في المرآة : «ونحن لا نجفو الوطن كما جفاه ،. ولا نأبى فضله كما أباه» ، ومثله في شفاء القلوب ١١٣ ـ.

(٥) في المرآة : «ونحن لا ننكر أن إقليم مصر إقليم عظيم الشأن» ، ومثله في شفاء القلوب ١١٤ ـ.

(٦) ما بين القوسين ليس في مرآة الزمان.

(٧) مرآة الزمان ٨ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، الروضتين ٢ / ٥٩ ، شفاء القلوب ١١٢ ـ ١١٤ ـ.

(٨) ج ٥ / ٣٨٢ ـ.

(٩) في الأصل بياض ، وما أثبتناه من مرآة الزمان ٨ / ٣٨٣ ـ.

(١٠) الكامل في التاريخ ١١ / ٥٠٦ ، ٥٠٧ ، النوادر السلطانية ٦٦ ، ٦٧ ، زبدة الحلب ٢ / ٧٨ ، ٧٩ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٥٧ ، ١٥٨ ، تاريخ الزمان ٢٠٢ ، الأعلاق الخطيرة ٢ / ٧١ ، ٧٢ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٨ ، المغرب في حلى المغرب ١٥١ ، مضمار الحقائق ١٩٠ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٩٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٨٢ ، ٣٨٣ ، الدرّ المطلوب ٧٨ ، العبر ـ

٦٠