تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤٠

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

فسبى وغنم ، وسار إلى الرملة ، فخرج عليه الفرنج مطلبين وعليهم البرنس أرناط صاحب الكرك ، وحملوا على المسلمين ، فانهزموا ، وثبت السّلطان وابن أخيه المظفّر تقيّ الدّين عمر ، ودخل اللّيل ، واحتوت الملاعين على أثقال المسلمين ، فلم يبق لهم قدرة على ماء ولا زاد ، وتعسّفوا تلك الرّمال راجعين إلى مصر ، وتمزّقوا وهلكت خيلهم.

ومن خبر هذه الوقعة أنّ الفقيه عيسى أسر ، فافتداه السّلطان بستّين ألف دينار ، وكان موصوفا بالشّجاعة والفضيلة ، أسر هو وأخوه ظهير الدّين ، وكانا قد ضلّا عن الطّريق بعد الوقعة. ووصل صلاح الدّين إلى القاهرة في نصف جمادى الآخرة.

قال ابن الأثير (١) : رأيت كتابا بخطّ يده كتبه إلى شمس الدّولة توران شاه ، وهو بدمشق ، يذكر الوقعة ، وفي أوّله :

فذكرتك والخطّيّ يخطر بيننا

وقد نهلت منّا المثقّفة السّمر(٢)

ويقول فيه : لقد أشرفنا على الهلاك غير مرّة ، وما نجّانا الله إلّا لأمر يريده.

وما ثبتت إلّا وفي نفسها أمر

وقال غيره : انهزم السّلطان ، والنّاس لم يكن لهم بلد يلجئون إليه إلّا مصر ، فسلكوا البرّية ، ولقوا مشاقا (٣) ، وقلّ عليهم القوت والماء ، وهلكت خيلهم ، وفقد منهم خلق.

ودخل السّلطان القاهرة بعد ثلاثة عشر يوما ، وتواصل العسكر ، وأسر الفرنج فيهم. واستشهد جماعة منهم : أحمد ولد تقيّ الدّين عمر المذكور ، وكان شابّا حسنا له عشرون سنة.

__________________

(١) في الكامل ١١ / ٤٤٢ ، ٤٤٣ ـ.

(٢) البيت لأبي عطاء السندي. (انظر كتاب : «الزهرة» لأبي بكر محمد بن سليمان الأصفهانيّ ٢٧٨).

(٣) في الأصل : «مشاق».

٢١

وكان أشدّ النّاس قتالا يومئذ الفقيه عيسى الهكّاريّ. وحملت الفرنج على صلاح الدّين ، وتكاثروا عليه ، فانهزم يسيرا قليلا قليلا. وكانت نوبة صعبة (١).

[نزول الفرنج على حماه]

وفيها نزلت الفرنج على حماه ، وهي لشهاب الدّين محمود بن تكش خال السّلطان ، وكان مريضا ، وكان الأمير سيف الدّين المشطوب قريبا من حماه ، فدخلها وجمع الرجال ، فزحفت الفرنج على البلد ، وقاتلهم المسلمون قتالا شديدا مدّة أربعة أشهر ، ثمّ ترحّلوا عنها.

وأمّا السّلطان فإنّه أقام أيّاما بمن سلم معه ، ثمّ خرج من مصر ، وعيّد بالبركة ، ثمّ كمل عدّة جيشه ، فبلغه أمر حماه ، فأسرع إليها ، فلمّا دخل دمشق تحقّق رحيل الفرنج عن حماه (٢).

[عصيان ابن المقدّم ببعلبكّ]

وعصى الأمير شمس الدّين محمد بن المقدّم ببعلبكّ ، فكاتبه السّلطان وترفّق به ، فلم يجب ، ودام إلى سنة أربع (٣).

__________________

(١) النوادر السلطانية ٥٢ ، ٥٣ ، سنا البرق الشامي ١ / ٢٥٢ ـ ٢٦٤ ، البرق الشامي ٣ / ٣١ ـ ٥٠ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٢ ، ٤٤٣ ، مفرّج الكروب ٢ / ٥٨ ـ ٦٣ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٩٩ ـ ٧٠٤ ، تاريخ الزمان ١٩٣ ، ١٩٤ ، المغرب في حلى المغرب ٤١٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٩ ، ٦٠ ، العبر ٤ / ٢١٦ ، ٢١٧ ، دول الإسلام ٨٦ ، ٨٧ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٧ ، الدرّ المطلوب ٦٣ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٩٢ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٤ ، شفاء القلوب ٩٣ ، ٩٤ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، تاريخ الأزمنة ١٧٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٤٤ ـ.

(٢) البرق الشامي ٣ / ٥٢ ـ ٥٥ ، سنا البرق الشامي ١ / ٢٦٦ ـ ٢٦٨ ، النوادر السلطانية ٥٣ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٤ ، مفرّج الكروب ٢ / ٦٤ ، زبدة الحلب ٣ / ٣٤ ـ ٣٦ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٧٠٥ ـ ٧٠٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٤٣ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٠ ، العبر ٤ / ٢١٧ ، دول الإسلام ٢ / ٨٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٨ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٨ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٥ ، شفاء القلوب ٩٤ ، ٩٥ ، الإعلام والتبيين للحريري ٣١ ، تاريخ الأزمنة ١٧٧ ، ١٧٨ ـ.

(٣) البرق الشامي ٣ / ٩٢ ، ٩٣ ، سنا البرق الشامي ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، الكامل في التاريخ ـ

٢٢

[كتاب ابن المشطوب بقتلى الفرنج]

وجاء كتاب ابن المشطوب أنّ الّذي قتل من الفرنج على حماه أكثر من ألف نفس.

[مطالعة القاضي الفاضل بقتل الوزير]

ووردت مطالعة القاضي الفاضل إلى صلاح الدّين تتضمّن التّوقيع لقتل الوزير عضد الدّين ابن رئيس الرؤساء ، وفيها : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١) فقد كان ـ عفا الله عنه ـ قتل ولدي الوزير ابن هبيرة ، وأزهق أنفسهما وجماعة لا تحصى ، وهذا البيت ، بيت ابن المسلمة ، عريق في القتل. وجدّه هو المقتول بيد البساسيريّ.

ثمّ قال : وقد ختمت له السّعادة بما حتّمت به له الشّهادة ، لا سيّما وهو خارج من بيته إلى بيت الله ، ووقع أجره على الله (٢).

إنّ المساءة قد تسرّ وربّما

كان السّرور بما كرهت جديرا

إنّ الوزير وزير آل محمد

أودى فمن يشناك كان وزيرا (٣)

وهما في أبي سلمة الخلّال وزير بني العبّاس قبل أن يستخلفوا.

__________________

=١١ / ٤٥٠ ، ٤٥١ ، تاريخ الزمان ١٩٤ ، الأعلاق الخطيرة ج ٢ / ٤٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٤٢ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦١ ، دول الإسلام ٢ / ٨٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٩ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٩٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٢ ـ.

(١) سورة فصّلت ، الآية ٤٦ ـ.

(٢) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٦ ، ٤٤٧ ، المنتظم ١٠ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ (١٨ / ٢٤٠ ، ٢٤١) ، تاريخ مختصر الدول ٢١٦ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٧١٤ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٨ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٨ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥١ ـ.

(٣) البيتان في : وفيات الأعيان ٢ / ١٩٦ ، وتاريخ الإسلام (١٢١ ـ ١٤٠ ه‍.) ص ٤٠١ ، والروضتين ق ٢ / ٧١٥ ، والبرق الشامي ٣ / ٩٠ ، وسنا البرق الشامي ١ / ٢٨٩ ، وقائلهما هو : سليمان بن المهاجر البجلي (تاريخ الطبري).

٢٣

سنة أربع وسبعين وخمسمائة

[جلوس ابن الجوزي في عاشوراء]

قال ابن الجوزيّ (١) : تكلّمت في أوّل السّنة وفي عاشوراء تحت المنظرة ، وحضر الخليفة ، وقلت : لو أنّي مثلت بين يدي السّدّة الشّريفة لقلت : يا أمير المؤمنين ، كن لله سبحانه مع حاجتك إليه ، كان لك مع غناه عنك. إنّه لم يجعل أحدا فوقك ، فلا ترض أن يكون أحد أشكر له منك. فتصدّق أمير المؤمنين يومئذ بصدقات ، وأطلق محبوسين.

[كسوف القمر والشمس]

وانكسف القمر في ربيع الأوّل ، وكسفت الشّمس في التّاسع والعشرين منه أيضا (٢).

[ولادة ثلاثة توائم]

وولدت امرأة من جيراننا ابنا وبنتين في بطن ، فعاشوا بضع يوم (٣).

[تجديد قبر أحمد بن حنبل]

وفيها جدّد المستضيء قبر أحمد بن حنبل رحمه‌الله ، وعمل له لوح فيه : «هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين». هذا في رأس اللّوح. وفي وسطه : «هذا قبر تاج السّنّة ، ووحيد الأمّة ، العالي الهمّة ، العالم ، العابد ، الفقيه ، الزّاهد ، الإمام أبي عبد الله

__________________

(١) في المنتظم ١٠ / ٢٨٣ (١٨ / ٢٤٨).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٨٣ (١٨ / ٢٤٨) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٣ ـ.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٨٣ (١٨ / ٢٤٨).

٢٤

أحمد بن محمد بن حنبل الشّيبانيّ رحمه‌الله ، توفّي في تاريخ كذا». وكتب حول ذلك آية الكرسيّ (١).

[تكلّم ابن الجوزي في جامع المنصور]

وتكلّمت في جامع المنصور ، فاجتمع خلائق ، وحزر الجمع بمائة ألف وتاب خلق ، وقطّعت شعورهم.

ثمّ نزلت فمضيت إلى قبر أحمد ، فتبعني من حزر بخمسة آلاف (٢).

[إطلاق تتامش]

وفيه أطلق الأمير تتامش إلى داره (٣).

[عمل الدكّة بجامع القصر]

وتقدّم المستضيء بعمل دكّة بجامع القصر للشّيخ أبي الفتح بن المنى الحنبليّ ، وجلس فيها ، فتأثّر أهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة (٤).

[حديث ابن الجوزي عن نفسه]

وكان الوزير عضد الدّين ابن رئيس الرؤساء يقول : ما دخلت قطّ على الخليفة إلّا جرى ذكر فلان ، يعنيني ، وصار لي اليوم خمس مدارس ، ومائة وخمسون (٥) مصنّفا في كلّ فنّ. وتاب على يدي أكثر من مائة ألف ، وقطعت أكثر من عشرة آلاف (٦) طايلة ، ولم ير واعظ مثل جمعي ، فقد حضر مجلسي الخليفة ، والوزير ، وصاحب المخزن ، وكبار العلماء ، والحمد لله (٧).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٨٣ ، ٢٨٤ (١٨ / ٢٤٨ ، ٢٤٩).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٨٤ (١٨ / ٢٤٩) ، دول الإسلام ٢ / ٨٧ ، تاريخ الخميس ٢ / ٤٠٩ ـ.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٨٤ (١٨ / ٢٤٩).

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٨٤ (١٨ / ٢٤٩).

(٥) في المنتظم : «مائة وثلاثون».

(٦) في المنتظم : «أكثر من عشرين ألف».

(٧) المنتظم ١٠ / ٢٨٤ (١٨ / ٢٤٩ ، ٢٥٠).

٢٥

[حكاية ابن الجوزيّ عن الرشيد]

وفي رجب عمل المستضيء الدّعوة ، ووعظت وبالغت في وعظ أمير المؤمنين ، فممّا حكيت له أنّ الرّشيد قال لشيبان : عظني. قال : لأن تصحب من يخوّفك حتّى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمّنك حتّى يدركك الخوف.

قال : فسّر لي هذا.

قال : من يقول لك أنت مسئول عن الرعيّة فاتّق الله ، أنصح لك ممّن يقول : أنتم أهل بيت مغفور لكم ، وأنتم قرابة نبيّكم.

فبكى الرشيد حتّى رحمه من حوله.

وقال له في كلامه : يا أمير المؤمنين إن تكلّمت خفت منك ، وأن سكتّ خفت عليك ، وأنا أقدّم خوفي عليك على خوفي منك (١).

[ظهور مشعبذ]

وفي رمضان جاء مشعبذ فذكر أنّه يضرب بالسّيف والسّكين فلا تعمل فيه ، لكن بسيفه وسكّينه خاصّة (٢).

قتل ابن قرايا الرافضيّ]

وفيه أخذ ابن قرايا الّذي ينشد على الدّكاكين من شعر الرّافضة ، فوجدوا في بيته كتبا في سبّ الصّحابة ، فقطع لسانه ويده ، وذهب به إلى المارستان ، فرجمته العوامّ بالآجرّ ، فهرب وسبح وهم يضربونه حتّى مات. ثمّ أخرجوه وأحرقوه ، وعملت فيه العامة كان وكان. ثمّ تتبّع جماعة من الرّوافض ، وأحرقت كتب عندهم ، وقد خمدت جمرتهم بمرّة ، وصاروا أذلّ من اليهود (٣).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٨٥ (١٨ / ٢٥٠).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٨٥ (١٨ / ٢٥١).

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ (١٨ / ٢٥١) ، دول الإسلام ٢ / ٨٧ ، العبر ٤ / ٢١٨ ، مرآة الجنان ـ

٢٦

[امتناع الركب العراقيّ]

ولم يخرج الرّكب العراقيّ لعدم الماء والعشب ، وكانت سنة مقحطة. وحجّ من حجّ على خطر. ورجع طائفة فنزلت عليهم عرب ، فأخذوا أكثر الأموال ، وقتل جماعة (١).

[هبوب ريح وظهور نار ببغداد]

وفي ذي القعدة هبّت ببغداد ريح شديدة نصف اللّيل ، وظهرت أعمدة مثل النّار في أطراف السّماء كأنّها تتصاعد من الأرض ، واستغاث النّاس استغاثة شديدة. وبقي الأمر على ذلك إلى السّحر (٢).

[جلوس ابن الجوزي يوم عرفة]

وجلست يوم عرفة بباب بدر ، وأمير المؤمنين يسمع (٣).

[اجتماع الفرنج عند حصن الأكراد]

وفيها اجتمعت الفرنج عند حصن الأكراد ، وسار السّلطان الملك الناصر صلاح الدّين فنزل على حمص في مقابلة العدوّ (٤).

[تسلّم صلاح الدين بعلبكّ]

فلمّا أمن من غاراتهم سار إلى بعلبكّ ، فنزل على رأس العين ، وأقام هناك أشهرا يراود شمس الدّين ابن المقدّم على طاعته ، وهو يأبى. ولم يزل الأمر كذلك إلى أن دخل رمضان ، فأجاب شمس الدّين إلى تسليم بعلبكّ على عوض طلبه. فتسلّمها السّلطان ، وأنعم بها على أخيه المعظّم شمس الدّولة

__________________

=٣ / ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٤٦ ـ.

(١) المنتظم ١٠ / ٢٨٦ (١٨ / ٢٥٢).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٨٧ (١٨ / ٢٥٢) ، تاريخ الخلفاء ٤٤٨ ، أخبار الدول ٢ / ١٨٢ ـ.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٨٧ (١٨ / ٢٥٣).

(٤) البرق الشامي ٣ / ٩٤ ، نسا البرق الشامي ١ / ٢٩٤ ـ.

٢٧

توران شاه بن أيّوب. وسار إلى دمشق في شوّال. ثمّ أقطع أخاه شمس الدّولة توران شاه بمصر ، واستردّ منه بعلبكّ (١).

[قتل هنفري الفرنجي]

قال ابن الأثير (٢) : في ذي القعدة أغارت الفرنج على بلاد الإسلام وعلى أعمال دمشق ، فسار لحربهم فرّخ شاه ابن أخي السّلطان في ألف فارس ، فالتقاهم وألقى نفسه عليهم ، وقتل من مقدّميهم جماعة ، منهم هنفري (٣) ، وما أدراك ما هنفري! كان يضرب المثل في الشّجاعة (٤).

[غارة البرنس على شيزر]

وفيها أغار البرنس صاحب أنطاكية على ناحية شيزر (٥).

[غارة صاحب طرابلس]

وأغار صاحب طرابلس على التّركمان (٦).

__________________

(١) البرق الشامي ٣ / ٩٣ ـ ٩٥ و ١٣٢ و ١٣٤ ـ ١٤٥ ، سنا البرق ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٠ ، ٤٥١ ، تاريخ الزمان ١٩٤ ، الأعلاق الخطيرة ٢ / ٤٨ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦١ ، دول الإسلام ٢ / ٨٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٩ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٩٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٢ ـ.

(٢) في الكامل ١١ / ٤٥٢ ، ٤٥٣ ـ.

(٣) هو في المراجع الأجنبية : iorFnoH أوnoroTfoyerhpmuH وهو صاحب حصن بانياس.

(٤) البرق الشامي ٣ / ١٤٩ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣١٧ ، مفرّج الكروب ٢ / ٧٢ ، ٧٣ ، كتاب الروضتين ٢ / ٦ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٥١ ، العبر ٤ / ٢١٩ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٠ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٦٤ ، عقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ٢١٣ أ ، ب.

(٥) البرق الشامي ٣ / ١٥٥ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣٢٢ ، الروضتين ٢ / ٨ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٧ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٠ ، عقد الجمان ١٢ / ٢١٣ ب.

(٦) البرق الشامي ٣ / ١٥٥ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣٢٢ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٧ ، تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) ١ / ٥٢٥ ـ.

٢٨

[إنعام السلطان على الملك المظفّر]

وفيها أنعم السّلطان على ابن أخيه الملك المظفّر تقيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيّوب بحماه ، والمعرّة ، وفامية ، ومنبج ، وقلعة نجم ، فتسلّمها وبعث نوّابه إليها ، وذلك عند وفاة صاحب حماه شهاب الدين محمود خال السّلطان (١).

ثمّ توجّه إليها الملك المظفّر تقيّ الدّين ، ورتّب في خدمته أميران كبيران شمس الدّين ابن المقدّم ، وسيف الدّين عليّ بن المشطوب ، فكانوا في مقابلة صاحب أنطاكية. ورتّب بحمص ابن شيركوه في مقابلة القومص (٢).

[إنشاء سور القاهرة]

وجاء من إنشاء الفاضل : وأمّا ما أمر به المولى من إنشاء سور القاهرة ، فقد ظهر العمل ، وطلع البناء ، وسلكت به الطّريق المؤدّية إلى السّاحل بالمقسم. والله يعمّر المولى إلى أن يراه نطاقا على البلدين (٣) ، وسوارا أو سورا يكون الإسلام به محلّى اليدين (٤) ، والأمير بهاء الدّين قراقوش ملازم للاستحثاث (٥) بنفسه ورجاله (٦).

__________________

(١) دول الإسلام ٢ / ٨٧ ، العبر ٤ / ٢١٩ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٩ ـ.

(٢) البرق الشامي ٣ / ١٥٥ ، ١٥٦ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣٢٣ ـ.

(٣) في سنا البرق : «نطاقا مستديرا على البلدين».

(٤) في المصادر : «محلّى اليدين ، محلأ الضّدّين».

(٥) في مفرج الكروب : «الاستحتاث».

(٦) سنا البرق الشامي ١ / ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، الروضتين ٢ / ٢ ، مفرّج الكروب ٢ / ٦٧ ، الدرّ المطلوب ٦٥ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٧ (٥٧٣ ه‍.) ، أخبار الدول ٢ / ١٨٢ ـ.

٢٩

[ختام كتاب المنتظم]

قلت : وهذه السّنة هي آخر «المنتظم» (١).

__________________

(١) آخره ترجمة «عمّار بن سلامة» رقم ٣٧٥ ، طبع منه في حيدرآباد خمسة أجزاء من ٥ إلى ١٠ سنة ١٣٥٨ ه‍. ثم أصدرته دار الكتب العلمية في بيروت كاملا في ١٨ جزءا بتحقيق : محمد عبد القادر عطا ، ومصطفى عبد القادر عطا ، وراجعه نعيم زرزور ١٤١٢ ه‍. / ١٩٩٢ م.

وقال سبط ابن الجوزي : انتهى تاريخ جدّي المسمّى «بالمنتظم» في هذه السنة ، وله تاريخ صغير سمّاه «درّة الإكليل» ذيّل من هذه السنة إلى أن حمل إلى واسط في سنة تسعين وخمسمائة ، غير أنه لم يستقص فيه الحوادث ، ويقال إن منه دخل عليه الحادث ، والله أعلم. (مرآة الزمان ٨ / ٣٥٣).

٣٠

سنة خمس وسبعين وخمسمائة

[الظفر بذيل كتاب المنتظم]

أجاز لنا شيخنا أبو بكر محفوظ بن معتوق (١) بن أبي بكر بن عمر البغداديّ أنّ البزوريّ التّاجر قد ذيّل «المنتظم» في عدّة مجلّدات ذهبت في أيّام التّتار الغازانية سنة تسع وتسعين وستّمائة من خزانة كتبه الموقوفة بتربته بسفح قاسيون ، ثمّ ظفرنا ببعضها. فذكر في حوادث هذه السّنة ، سنة ٥٧٥ ، أنّ أبا الحسن عليّ بن حمزة بن طلحة حاجب باب النّوبيّ عزل بعميد الدّين أبي طالب يحيى بن زيادة.

[وصول البشارة إلى بغداد بكسر الفرنج]

وفي صفر وصل إلى بغداد ثلاثة عشر نجّابا ، نفّذهم صلاح الدّين يبشّرون بكسرة الفرنج ، فضربت الطّبول على باب النّوبيّ ، وخلع عليهم. وأخبروا أنّ صلاح الدّين حارب الفرنج ونصر عليهم ، وأسر أعيانهم ، وأسر صاحب الرّملة ، وصاحب طبريّة.

[وقعة مرج العيون]

قلت : وهي وقعة مرج العيون (٢).

ومن حديثها أنّ صلاح الدّين كان نازلا بتلّ بانياس ، بين سراياه ، فلمّا استهلّ المحرّم ركب فرأى راعيا ، فسأله عن الفرنج ، فأخبر بقربهم ، فعاد إلى مخيّمه ، وأمر الجيش بالركوب ، فركبوا ، وسار بهم حتّى أشرف على الفرنج

__________________

(١) توفي سنة ٦٩٤ ه‍. انظر معجم شيوخ الذهبي ٤٤٧ رقم ٦٤٩ ـ.

(٢) مرج العيون ، أو مرجعيون : إقليم ومدينة في جنوب «لبنان» شرقيّ مدينة صور.

٣١

وهم في ألف قنطاريّة ، وعشرة آلاف مقاتل من فارس وراجل ، فحملوا على المسلمين ، فثبتوا لهم ، وحمل المسلمون عليهم فولّوا الأدبار ، فقتل أكثرهم ، وأسر منهم مائتان وسبعون أسيرا ، منهم : بادين (١) مقدّم الدّاوية ، وأوذ (٢) ابن القومصة ، وأخو صاحب جبيل ، وابن صاحب مرقية ، وصاحب طبريّة.

فأمّا بادين بن بارزان فاستفكّ نفسه بمبلغ (٣) وبألف أسير من المسلمين. واستفكّ الآخر نفسه بجملة. ومات أوذ في حبس قلعة دمشق. وانهزم من الوقعة ملكهم مجروحا. وأبلى في هذه الوقعة عزّ الدّين فرّخ شاه بلاء حسنا (٤).

[الظّفر ببطستين للفرنج]

واتّفق أنّ في يوم الوقعة ظفر أسطول مصر ببطستين (٥) ، وأسروا ألف نفس ، فلله الحمد على نصره (٦).

[انهزام سلطان الروم أمام المظفّر تقيّ الدين]

وكان قليج أرسلان سلطان الروم طلب رعبان (٧) ، وزعم أنّه من

__________________

(١) هو بلدوين الإبليني nilebifoniwdlaB صاحب الرملة.

(٢) هكذا بالذال المعجمة. وفي السلوك ج ١ ق ١ / ٦٨ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ١٥٥ «أود» بالدال المهملة.

(٣) المبلغ هو مائة وخمسون ألف دينار.

(٤) البرق الشامي ٣ / ١٦٢ ـ ١٦٩ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٨ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٥ ـ ٤٥٦ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٩٤ ، ٣٩٥ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٣٠٢ ، مضمار الحقائق ١٦ ـ ١٨ و ٢٠ ، مفرّج الكروب ٢ / ٧٥ ، ٧٦ ، شفاء القلوب ١٢٠ ، النجوم الزاهرة ٧ / ١٥٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٥ ، ١٥٦ ، الإعلام والتبيين ٣٢ ، دول الإسلام ٢ / ٨٨ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٨ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٤٩ ، عقد الجمان ١٢ / ٢١٣ ب ، ٢١٤ أ.

(٥) البطسة : بضم أوله وسكون الطاء المهملة. مركب للحرب أو التجارة بلغة إسبانيا. (محيط المحيط).

(٦) البرق الشامي ٣ / ١٦٩ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣٣٠ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٩٥ ، مفرّج الكروب ٢ / ٧٧ ، عقد الجمان ١٢ / ٢١٤ أ(٥٧٤ ه‍.).

(٧) رعبان : قلعة بين حلب وسميساط غربي الفرات. (مراصد الاطلاع ٢ / ٦٢١).

٣٢

بلادهم ، وإنّما أخذه منه نور الدّين على خلاف مراده ، وأنّ ولده الصّالح إسماعيل قد أنعم به عليه. فلم يفعل السّلطان ، فأرسل قليج عشرين ألفا لحصار الحصن ، فالتقاهم تقيّ الدين عمر صاحب حماة ومعه سيف الدّين علي المشطوب في ألف فارس ، فهزمهم لأنّه حمل عليهم بغتة وهم على غير تعبئة ، وضربت كوساته (١) ، وعمل عسكره كراديس. فلمّا سمعت الروم الضّجّة ظنّوا أنّهم قد دهمهم جيش عظيم ، فركبوا خيولهم عريا ، وطلبوا النّجاة وتركوا الخيام بما فيها. فأسر منهم عددا ، ثمّ منّ عليهم بأموالهم وسرّحهم. ولم يزل تقيّ الدّين يدلّ بهذه النّصرة ، ولا ريب أنّها عظيمة (٢).

[وصول بعض أسرى الروم والغنائم إلى بغداد]

وورد بغداد رسول صلاح الدّين ، وهو مبارز الدّين كشطغايّ ، وجلس له ظهير الدّين أبو بكر بن العطّار ، وبين يديه أرباب الدّولة ، فجاءوا بين يديه اثنا عشر أسيرا عليهم الخوذ والزّرديّات ، ومع كلّ واحد قنطاريّة ، وعلى كتفه طارقة منها طارقة ملك الفرنج ، وعلى القنطاريات سعف الفرنج. وبين يديه أيضا من التّحف والنّفائس ، من ذلك صنم طوله ذراعين حجر ، فيه صناعة عجيبة ، قد جعل سبّابته على شفته كالمتبسّم عجبا. ومن ذلك صينيّة ملأى جواهر ، وضلع آدميّ نحو سبعة أشبار ، في عرض أربع أصابع ، وضلع سمكة ، طوله عشرة أذرع ، في عرض ذراعين.

__________________

(١) الكوسات : صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير يدقّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص ومعها طبول وشبابة يدقّ بها مرتين في القلعة كل ليلة ، وإذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه. (صبح الأعشى ٤ / ٩).

(٢) سنا البرق الشامي ١ / ٣٣١ ، مضمار الحقائق ١٨ ـ ٢٤ ، الكامل في التاريخ ١١ / ، الروضتين ج ٢ / ٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦١ ، تاريخ الوردي ٢ / ٨٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٣ ، العبر ٤ / ٢٢٢ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٠١ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٨ ، ٦٩ ، تاريخ الزمان ١٩٥ ، شفاء القلوب ٩٦ ، ٩٧ ، عقد الجمان ١٢ / ٢١٤ أ(٥٧٤ ه‍.).

٣٣

[حجوبيّة ابن الدارع]

وفيها رتّب حاجب الحجّاب أبو الفتح محمد بن الدّارع ، وكان من حجّاب المناطق.

[وصول ابن الشهرزوريّ رسولا إلى بغداد]

وفيها قدم رسول صلاح الدّين ، وهو القاضي أبو الفضائل بن الشّهرزوريّ ، وبين يديه عشرة من أسرى الفرنج ، وقدّم جواهر مثمّنة.

[عزل ابن الزّوال عن النقابة بالزينبيّ]

وفيها عزل عن نقابة النّقباء أبو العبّاس أحمد بن الزّوال بأبي الهيجا نصر بن عدنان الزّينبيّ.

[الإرجاف بموت الخليفة]

وفي شوّال مرض الخليفة وأرجف بموته ، وهاش الغوغاء ببغداد ، ووقع نهب ، وركب العسكر لتسكيتهم ، فتفاقم الضّرّ ، واتّسع الخرق ، وركبت الأمراء بالسّلاح ، وصلب جماعة من المؤذّنين على الدّكاكين.

وكانت العامّة قد تسوّروا على دار الخلافة ، ورموا بالنّشّاب فوقعت نشّابة في فرس النّائب ومعه جماعة ، فتأخّروا من مكانهم.

[التوقيع بولاية العهد]

وفيه وقّع للأمير أبي العبّاس أحمد بولاية العهد.

وقال الوزير لمن حضر من الدّولة : اليوم الجمعة ، ولا بدّ من إقامة الدّعوة والجهة بنقشا (١) ، يعني امرأة الخليفة قد بالغت في كتم مرض أمير المؤمنين ، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بتيقّن الأمر ، فإن كان حيّا جرت الخطبة على العادة ، وإن كان قد توفّي خطبنا لولده حيث وقّع له بولاية العهد.

__________________

(١) في الأصل : «بنتشا» ، والمثبت من «مرآة الزمان».

٣٤

ثمّ عيّن الشّيخ أبو الفضل مسعود بن النّادر ليحضر بين يدي الخليفة ، فدخل صحبة سعد الشّيرازيّ ، فقال المملوك : الوكيل ، يشير بقوله إلى ظهير الدّين بن العطّار ، ينهي أنّه وقّع بالخطبة للأمير أحمد بولاية العهد ، وما وسع المملوك إمضاء ذلك بدون مشافهة.

فقال المستضيء : يمضي ما كنّا وقّعنا به. فقبّل الأرض ، وعاد فأخبر الوزير ظهير الدّين ، فسجدوا شكرا لله تعالى على عافيته ، وخطب لولاية العهد لأبي العبّاس ، ونثرت الدّنانير في الجوامع عند ذكره (١).

[امتلاك الكردي قلعة الماهكي]

وفي شوّال ملك عبد الوهّاب بن أحمد الكرديّ قلعة الماهكي ، وعمل (٢) سلاليم موصولة ، ونصبها عليها في ليلة ذات مطر ورعود ، فشعر الحارس ، فذهب وعرّف المقدّم كمشتكين ، فقام بيده طبر (٣) ، وبين يديه المشعل ، فوثبوا عليه فقتلوه ، وقتلوا الحارس ، ونادوا بشعار عبد الوهّاب.

[وفاة الخليفة المستضيء]

وفي سلخ شوّال مات الخليفة (٤).

__________________

(١) الخبر باختصار في : مرآة الزمان ٨ / ٣٥٥ ـ.

(٢) في الأصل : «وعلم».

(٣) الطبر : بالتحريك. البلطة : ذات رأس شبه دائري تثبّت في قائم من المعدن أو من الخشب يحملها أفراد فرقة الطبر دارية.

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٣٦ (١٨ / ١٩٠ وما بعدها) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٩ ، (الملابس المملوكية ٨٥) التاريخ الباهر ١٧٩ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣٤٢ ، تاريخ دول آل سلجوق ٢٧٧ ، زبدة التواريخ ٢٨٦ ، تاريخ الزمان ١٩٥ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٦ ، مختصر التاريخ لابن الكازروني ٢٣٧ ـ ٢٤١ ، تاريخ إربل ١ / ٢١٠ و ٢١٤ ، الفخري ٣١٩ ـ ٣٢١ ، خلاصة الذهب المسبوك ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ، تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة دار الكتب الوطنية بباريس ، رقم ٥٩٢٢) ورقة ٢٢ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٥٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٢ ، مضمار الحقائق ٤ ، العبر ٤ / ٢٢٣ ، سير أعلام النبلاء ٢١ / ٦٨ ـ ٧٢ رقم ٢٤ ، دول الإسلام ٢ / ٨٨ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٤ ، مرآة الجنان =

٣٥

[خلافة الناصر لدين الله]

وبويع ابنه أحمد ، ولقّبوه النّاصر لدين الله ، فجلس للمبايعة في القبّة ، فبدأ أخوه وبنو عمّه وأقاربه ، ثمّ دخل الأعيان ، فبايعه الأستاذ دار مجد الدّين هبة الله ابن الصّاحب ، ثمّ شيخ الشّيوخ ، ثمّ فخر الدّولة أبو المظفّر بن المطّلب ، ثمّ قاضي القضاة عليّ ابن الدّامغانيّ ، وصاحب ديوان الإنشاء أبو الفرج محمد ابن الأنباريّ ، والحاجب أبو طالب يحيى بن زيادة.

ثمّ طلب الوزير ظهير الدّين بن العطّار ، وكان مريضا ، فأركب على فرس ، ثمّ تعضده جماعة ، وأدخل فصعد وبايع ، ووقف عن يمين الشّبّاك الّذي فيه الخليفة ، فعجز عن القيام ، فأدخل إلى التّاج ، ثمّ راح إلى داره.

وبايع من الغد من بقي من العلماء والأكابر.

وقدّم بعزل النّقيب أبي الهيجا ، وبإعادة ابن الزّوال ـ وتوجّهت الرّسل إلى النّواحي بإقامة الدّعوة النّاصريّة (١).

[القبض على ابن العطار]

وفي اليوم الخامس من البيعة تقدّم إلى عماد الدّين صندل المقتفويّ ، وسعد الدّولة نظر المستنجديّ الحبشيّ بالمضيّ إلى دار ابن العطّار في عدّة من المماليك للقبض عليه ، فجاءوا ودخلوا عليه من غير إذن ، وقبضوا عليه بين الحريم ، وترسّم بداره أستاذ دار ، فنهبت العامّة فيها ، وعجز الأستاذ دار (٢).

__________________

=٣ / ٤٠١ ، العسجد المسبوك ٢ / ١٧٣ ، مآثر الإنافة ٢ / ٥٠ ـ ٥٥ ، تاريخ الخميس ٢ / ٤٠٩ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٥٢٨ ، الجوهر الثمين ١ / ٢١٢ ، ٢١٣ ، فوات الوفيات ٢٦٩ ـ ٢٧١ رقم ١٩ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٣٠٠ ـ ٣٠٨ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٧٠ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٣ ، ١٥٤ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٥٠ ، ٢٥١ ، أخبار الدول ١٧٧ ، تحفة الناظرين للشرقاوي (على هام ٥ فتوح الشام للواقدي) ١ / ١٣٣ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٨٥ ، وانظر كتاب : المصباح المضيء في خلافة المستضيء لابن الجوزي.

(١) انظر المصادر السابقة.

(٢) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٩ ، ٤٦٠ ، تاريخ الزمان ١٩٥ ، ١٩٦ ، تاريخ مختصر الدول

٣٦

[الخلعة بإمرة الحاجّ]

وفي سادس ذي القعدة خلع على طاشتكين خلعة إمرة الحاجّ ، وتوجّه إلى الحجّ وتقدّمه خروج الرّكب.

[هتك ابن العطار بعد وفاته]

وقيّد ابن العطّار ، وسحب وسجن في مطبّق ، فهلك بعد ثلاث ، وحمل إلى دار أخته ، فغسّل وكفّن ، وأخرج بسحر في تابوت ، ومعه عدّة يحفظونه ، فعرفت العامّة به عند سوق الثّلاثاء ، فسبّوه وهمّوا برجمه ، فدافعهم الأعوان ، فكثرت الغوغاء ، وأجمعوا على رجمه ، وشرعوا ، فخاف الحمّالون من الرجم ، فوضعوه عن رءوسهم وهربوا ، فأخرج من التّابوت وسحب ، فتعرّى من أكفانه ، وبدت عورته ، وجعلوا يصيحون بين يديه : بسم الله ، كما يفعل الحجّاب ، وطافوا به المحالّ والأسواق مسلوبا مهتوكا ، نسأل الله السّتر والعافية.

قال ابن البزوريّ : وحكى التّميميّ قال : كنت بحضرته وقد ورد عليه شيخ يلوح عليه الخير ، فجعل يعظه بكلام لطيف ، ونهاه عن محرّمات ، فقال : أخرجوه الكلب سحبا. وكرّر القول مرارا.

وقال الموفّق عبد اللّطيف : صحّ عندي بعد سنين كثيرة أنّ ابن العطّار هو الّذي دسّ الحشيشيّة على الوزير عضد الدّين حتّى قتلوه.

ولّي المخزن وسكن في دار قطب الدّين تيمار الّذي هلك بنواحي الرّحبة ، وأخذ يبكّت على الوزير ، وانتصب لعداوته.

__________________

=٢١٧ ، ٢١٨ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٢ ، الفخري ٢٥٩ ـ ٢٦١ ، مضمار الحقائق ٤ ، ٥ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٥٥ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٩ ، ٩٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٥ ، العسجد المسبوك ١٧٤ ، ١٧٥ ، مآثر الإنافة ٢ / ٥٧ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٨٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٤ ، ١٥٥ ـ.

٣٧

قال ابن البزوريّ : ثمّ في آخر النّهار خلّص مماليك الحاجب ابن العطّار من باب الأزج بعد تغيّر حاله وتجرّد لحمه عن عظمه ، فحمل على نعش مكشوف ، فوارته امرأة بإزار خليع. ثمّ دفن (١).

[الوباء والغلاء ببغداد]

وكان الوباء والغلاء والمرض شديدا ببغداد ، وكرّ القمح بمائة وعشرين دينارا (٢).

[إرسال الخلع إلى ملوك الأطراف]

وفي سلخ الشّهر خلع على جميع الدّولة ، وأرسلت الخلع إلى ملوك الأطراف ، وركبوا بالخلع في مستهلّ ذي الحجّة ، وجلس النّاصر لدين الله للهنا ، فدخل إلى بين يدي سدّته أستاذ الدّار مجد الدّين ابن الصّاحب ، وتلاه نائب الوزارة شرف الدّين سليمان شادوست ، فقبّلا الأرض. ثمّ خرج نائب الوزارة فركب ، وخلع على ابن الصّاحب قميص أطلس أسود ، وفرجيّة نسيج ، وعمامة كحلية بعراقيّ ، وقلّد سيفا محلّى بالذّهب ، وركب فرسا بمركب ذهب ، وكنبوش إبريسم ، وسيف ركاب ، وضربت الطّبول على بابه.

[الزلزلة ببلاد الجبل]

وجاءت ببلاد الجبل زلزلة عظيمة سقطت قلاع كثيرة ، وهلك خلق (٣).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥٩ ، ٤٦٠ ، تاريخ الزمان ١٩٥ ، ١٩٦ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٧ ، ٢١٨ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٢ ، الفخري ٣٢٣ ، مضمار الحقائق ١١ ، ١٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٩ ، ٩٠ ، العسجد المسبوك ١٧٤ ، ١٧٥ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٥ ، مآثر الإنافة ٢ / ٥٧ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٨٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٤ ، ١٥٥ ـ.

(٢) انظر : الكامل في التاريخ ١١ / ٤٥١ ٤٥٢ (٥٧٤ ه‍.) ، والتاريخ الباهر ١٧٨ ، ١٧٩ (٥٧٤ ه‍.) ، ومضمار الحقائق ٣ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٣٠٤ ـ.

(٣) شذرات الذهب ٤ / ٢٤٩ ، كشف الصلصلة ١٩٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٤ ـ.

٣٨

سنة ست وسبعين وخمسمائة

[عزل وتولية في نيابة الوزارة]

في أوّلها عزل شرف الدّين بن شادوش عن نيابة الوزارة لأجل علوّ سنّه وثقل سمعه ، ووليها جلال الدّين هبة الله بن عليّ بن البخاريّ.

[صلاة الناصر بجامع الرصافة]

وفي المحرّم ركب النّاصر لدين الله إلى الكشك ، وصلّى الجمعة بجامع الرّصافة.

[قدوم رسول الملك طغرل]

وفيه قدم رسول الملك طغرل السّلجوقيّ.

[القبض على ابن الوزير]

وفيه تقدّم إلى أستاذ الدّار بالقبض على كمال الدّين عبيد الله ابن الوزير عضد الدّين محمد ابن رئيس الرؤساء ، فنفّذ للقبض عليه عزّ الدّولة مسعود الشّرابيّ في جماعة من المماليك ، فحمل مسحوبا إلى بين يديه ، فأمرهم أن يرفقوا به ، وقيّد وسجن.

[وصول أمير الحاجّ]

وفي صفر وصل أمير الحاجّ وفي صحبته صاحب المدينة عزّ الدّين أبو سالم القاسم بن مهنّى للمبايعة.

[خروج صلاح الدين لمحاربة الأرمن]

وفيها توجّه السّلطان صلاح الدّين قاصدا بلاد الأرمن وبلاد الروم

٣٩

ليحارب قليج رسلان بن مسعود بن قليج رسلان. والموجب لذلك أنّ قليج زوّج بنته لمحمد بن قرا رسلان بن داود صاحب حصن كيفا ، ومكثت عنده حينا ، وأنّه أحبّ مغنّية وشغف بها ، فتزوّجها ، وصارت تحكم في بلاده ، فلمّا سمع بذلك حموّه قصد بلاده عازما على أخذ ابنته منه ، فأرسل محمد إلى صلاح الدّين يستنجد به ، وكرّر إليه الرّسل. ثمّ استقرّ الحال أن يصبروا عليه سنة ، ويفارق المغنّية.

ونزل صلاح الدّين على حصن من بلاد الأرمن فأخذه وهدمه (١).

[وصول الخلع إلى صلاح الدين]

ثم رجع إلى حمص فأتاه التّقليد والخلع من الخليفة النّاصر ، فركب بها بحمص ، وكان يوما مشهودا (٢).

[من كتاب صلاح الدين إلى الخليفة الناصر]

ومن كتاب السّلطان صلاح الدّين إلى الخليفة : «والخادم ـ ولله الحمد ـ جدّد (٣) سوابق في الإسلام والدّولة العبّاسيّة لا تعدها (٤) أوليّة أبي مسلم ، لأنّه والى ثمّ داري (٥) ، ولا آخريّة طغرلبك لأنّه نصر ثمّ حجر. والخادم خلع من كان ينازع الخلافة رواءها ، وأساغ الغصّة الّتي [أذخر] (٦) الله للإساغة في سيفه

__________________

(١) النوادر السلطانية ٥٤ ، سنا البرق الشامي ١ / ٣٤٤ ، الروضتين ٢ / ١٦ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٦٤ ـ ٤٦٧ ، تاريخ الزمان ١٩٦ ، مفرّج الكروب ٢ / ٩٨ ، ٩٩ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٩٦ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٦٠ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٢ ، مضمار الحقائق ١٨ ، ١٩ ، العبر ٤ / ٢٢٧ ، دول الإسلام ٢ / ٨٩ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٠ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٠٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٥ ، شفاء القلوب ٩٧ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٧٠ ، ٧١ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٥٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٥٤ ، عقد الجمان ١٢ / ٢١٧ ب ، ٢١٨ أ.

(٢) مرآة الزمان ٨ / ٣٦٠ ـ.

(٣) في تاريخ الخلفاء : «يعدّد».

(٤) في تاريخ الخلفاء : «لا يعمرها».

(٥) في تاريخ الخلفاء : «وارى».

(٦) في الأصل بياض ، والمثبت من تاريخ الخلفاء.

٤٠