تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤٠

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

الكثير من أهل مرسية وأسكن الفرنج دورهم. فالتقى هو والموحّدون على فرسخ من مرسية ، فانكسر وانهزم جيشه ، وقتل منهم جملة. ودخل مرسية مستعدّا للحصار ، فضايقه الموحدون ، وما زالوا محاصرين له إلى أن مات ، فسترت وفاته إلى أن ورد أخوه يوسف بن سعد من بلنسية ، فاتّفق رأيه ورأي القوّاد على أن يسلّموا إلى أبي يعقوب البلاد. ففعلوا ذلك.

وقد قيل إنّ محمد بن سعد لمّا احتضر أشار على بنيه بتسليم البلاد.

وسار أبو يعقوب من إشبيلية قاصدا بلاد الأدفنش (١) لعنه الله تعالى. فنازل مدينة وبزي ، وهي مدينة عظيمة ، فحاصرها أشهرا إلى أن اشتدّ الأمر وأرادوا تسليمها.

قال : فأخبرني جماعة أن أهل هذه المدينة لمّا برّح بهم العطش أرسلوا إلى أبي يعقوب يطلبون الأمان ، فأبى ، وأطمعه ما نقل إليه من شدّة عطشهم وكثرة من يموت منهم فلمّا يئسوا (٢) من عنده سمع لهم في اللّيل لغط وضجيج ، وذلك أنّهم اجتمعوا يدعون الله ويستسقون ، فجاء مطر عظيم كأفواه القرب ملأ صهاريجهم وتقوّوا ، فرحل عنهم أبو يعقوب بعد أن هادن الأدفنش (٣) سبع سنين.

وأقام بإشبيليّة سنتين ونصف ، ورجع إلى مرّاكش في آخر سنة تسع وستّين وقد ملك الجزيرة بأسرها.

وفي سنة إحدى وسبعين خرج إلى السّوس لتسكين خلاف وقع بين القبائل فسكّنهم.

وفي سنة خمس وسبعين خرج إلى بلاد إفريقية حتّى أتى مدينة قفصة. وقد قام بها ابن الرّند ، وتلقّب بالنّاصر لدين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحاصره وأسره ،

__________________

(١) في الأصل : «الادنش».

(٢) في الأصل : «يأسوا».

(٣) في الأصل : «الفنش».

٣٢١

وصالح ملك صقلّيّة وهادنه على أن يحمل إليه كلّ سنة مالا ، فأرسل إليه فيما بلغني ذخائر معدومة النّظير ، منها حجر ياقوت على قدر استدارة حافر الفرس ، فكلّلوا به المصحف ، مع أحجار نفيسة. وهذا المصحف من مصاحف عثمان رضي‌الله‌عنه ، من خزائن بني أميّة ، يحمله الموحّدون بين أيديهم أنّى توجّهوا على ناقة عليها من الحليّ والدّيباج ما يعدل أموالا طائلة. وتحته وطاء من الدّيباج الأخضر ، وعن يمينه وشماله لواءان أخضران مذهّبان لطيفان. وخلف النّاقة بغل محلّى عليه مصحف آخر. قيل إنّه بخط ابن تومرت. هذا كلّه بين يدي أمير المؤمنين.

قال : وبلغني من سخاء أبي يعقوب أنّه أعطى هلال بن محمد بن سعد المذكور أبوه في يوم اثني عشر ألف دينار وقرّبه ، وبالغ في رفع منزلته.

وقال الحافظ أبو بكر بن الجدّ : كنّا عند أمير المؤمنين أبي يعقوب ، فسألنا عن سحر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كم بقي مسحورا؟ فبقي كلّ إنسان منّا يتزمزم ، فقال : بقي به شهرا كاملا. صحّ ذلك.

وكان أمير المؤمنين إماما يتكلّم في مذاهب الفقهاء فيقول : قول فلان صواب ، ودليله من الكتاب والسّنّة كذا كذا ، فنتابعه على ذلك.

قال عبد الواحد : ولمّا تجهّز لحرب الروم أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى على الموحّدين ليدرسوا. ثمّ كان هو يملي بنفسه عليهم ، فكان كلّ كبير من الموحّدين يجيء بلوح ويكتب.

وكان يسهل عليه بذل الأموال سعة ما يتحصّل من الخراج. كان يرتفع إليه من إفريقية في كلّ سنة مائة وخمسون ، حمل بغل ، هذا سوى حمل بجّاية وأعمالها ، وتلمسان وأعمالها. وكانت أيّامه مواسم وخصبا وأمنا.

وفي سنة تسع وسبعين تجهّز للغزو واستنفر أهل السّهل والجبل والعرب ، فعبر بهم الأندلس فنزل إشبيلية ، ثمّ قصد مدينة شنترين أعادها إلى المسلمين ، وهي بغرب الأندلس. أخذها ابن الربق لعنه الله ، فنازلها أبو

٣٢٢

يعقوب وضايقها ، وقطّع أشجارها ، وحاصرها مدّة. ثمّ خاف المسلمون البرد وزيادة النّهر ، فأشاروا على أبي يعقوب بالرجوع فوافقهم.

وقال : غدا فرحل. فكان أوّل من قوّض خباءه أبو الحسن عليّ بن القاضي عبد الله المالقيّ ، وكان خطيبهم. فلمّا رآه النّاس قوّضوا أخبيتهم ثقة به لمكانه ، فعبر تلك العشيّة أكثر العسكر النّهر ، وتقدّموا خوف الزّحام ، وبات النّاس يعبرون اللّيل كلّه ، وأبو يعقوب لا علم له بذلك. فلمّا رأى الروم عبور العساكر ، وأخبرهم عيونهم بالأمر ، انتهزوا الفرصة وخرجوا وحملوا على النّاس ، فانهزموا أمامهم حتّى بلغوا إلى مخيّم أبي يعقوب ، فقتل على باب المخيّم خلق من أعيان الجند ، وخلص إلى أمير المؤمنين ، فطعن تحت سرّته طعنة مات منها بعد أيّام يسيرة. وتدارك النّاس ، فانهزم الروم إلى البلد ، وقد قضوا ما قضوا ، وعبر الموحّدون بأبي يعقوب جريحا في محفّة ، وتهدّد ابن المالقيّ فهرب بنفسه حتّى دخل مدينة شنترين ، فأكرمه ابن الربق. وبقي عنده إلى أن تهيّأ له أمر ، فكتب إلى الموحّدين يستعطفهم ويتقرّب إليهم بضعف البلد ، ويدلّهم على عورته. وقال لابن الربق : إنّي أريد أن أكتب إلى عيالي بإكرام الملك لي. فأذن له ، فعثر على كتابه فأحضره وقال : ما حملك على هذا مع إكرامي لك؟ فقال : إنّ ذلك لا يمنعني من النّصح لأهل ديني. فأحرقه.

ولم يسيروا بأبي يعقوب إلّا ليلتين أو ثلاثا حتّى مات.

وأخبرني من كان معهم أنّه سمع في العسكر النّداء الصّلاة على جنازة رجل ، فصلّى النّاس قاطبة لا يعرفون على من صلّوا. وصبّروه وبعثوا به في تابوت مع كافور الحاجب إلى تين ملّل ، فدفن هناك مع أبيه وابن تومرت.

مات في سابع رجب ، وأخذ البيعة لابنه يعقوب عند موته ، فبايعوه.

* * *

وفيها ولد :

٣٢٣

التّقيّ عبد الرحمن بن مرهف النّاشريّ ، المقرئ ،

وقاضي حماه أبو طاهر إبراهيم بن هبة الله بن البازريّ الجهنيّ في شعبان.

وفاطمة بنت محمود ابن الملثّم العادليّ ، سمعت من البوصيريّ.

وفيها ولد : عبد الحميد بن رضوان المصريّ.

وأبو القاسم محمد بن عبد المنعم ، روى عن ابن طبرزد.

وأبو بكر محمد بن زكريّا بن رحمة.

٣٢٤

المتوفون على التخمين

ـ حرف الألف ـ

٣٦٢ ـ إبراهيم بن محمد (١).

اللّخميّ السّبتيّ ، المعروف بابن المتقن.

روى عن : أبي محمد بن عتّاب ، وأبي بحر الأسديّ.

وحجّ ، وسمع من السّلفيّ.

قال الأبّار : توفّي بعد السّبعين وخمسمائة.

٣٦٣ ـ إسحاق بن هبة الله.

أبو طاهر الخراقيّ ، المقرئ.

قدم دمشق سنة اثنتين وسبعين ، وحدّث عن : عليّ بن الصّبّاغ.

روى عنه : أبو القاسم بن صصريّ ، وغيره.

٣٦٤ ـ إسماعيل بن غانم بن خالد (٢).

أبو رشيد الأصبهانيّ ، البيّع.

سمع : أبا الفتح أحمد بن عبد الله السّوذرجانيّ ، وأحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه ، وجماعة.

وعمّر دهرا.

__________________

(١) انظر عن (إبراهيم بن محمد) في : تكملة الصلة لابن الأبار ج ١ ـ.

(٢) انظر عن (إسماعيل بن غانم) في : المعين في طبقات المحدّثين ١٧٨ رقم ١٨٩٤ ـ.

٣٢٥

روى عنه : الحافظ عبد الغنيّ ، ومحمد بن سعيد بن أبي أحمد الأسواريّ ، ومحمد بن النّجيب أحمد بن نصر الأصبهانيّ ، وآخرون.

وبقي إلى سنة خمس وسبعين. وهو من كبار الشّيوخ الّذين لحقهم عبد الغنيّ بأصبهان.

٣٦٥ ـ إسماعيل بن يونس بن سلمان.

القرشيّ ، الدّمشقيّ المعروف بابن الأفطس.

سمع : هبة الله بن الأكفانيّ ، وعليّ بن أحمد بن قبيس.

وأجاز للضّياء محمد.

ـ حرف الحاء ـ

٣٦٦ ـ حبيب بن إبراهيم بن عبد الله.

أبو رشيد الأصبهانيّ ، المقرئ.

سمع : محمود بن إسماعيل الصّيرفيّ ، وغيره.

وعنه : الحافظ عبد الغنيّ ، وغيره.

وأجاز للحافظ الضّياء فيما أظنّ.

ـ حرف الزاي ـ

٣٦٧ ـ زاهر بن إسماعيل بن أبي القاسم.

الهمذانيّ.

أجاز للضّياء في سنة أربع وسبعين. وأدركه الحافظ عبد الغنيّ.

ـ حرف السين ـ

٣٦٨ ـ سالم بن عبد السّلام بن علوان (١).

__________________

(١) انظر عن (سالم بن عبد السلام) في : المختصر المحتاج إليه ٢ / ٩٩ رقم ٧١١ ، وتلخيص مجمع الآداب (في الملقبين ب «قوام الدين») ، والوافي بالوفيات ١٥ / ٨٣ رقم ١٠٩ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٤ / ٢٢٠ ـ.

٣٢٦

أبو المرجّى البوازيجيّ (١) ، الصّوفيّ.

صحب أبا النّجيب السّهرورديّ ولازمه.

وسمع معه من : زاهر الشّحّاميّ ، وغيره.

وعنه : يوسف بن محمد الواعظ ، وعمر بن محمد المقرئ ، وشهاب الدّين السّهرورديّ ، وغيرهم.

وتوفّي قبل الثّمانين وخمسمائة. قاله ابن الدّبيثيّ.

٣٦٩ ـ سلامة الصّيّاد (٢).

المنبجيّ ، الزّاهد ، رفيق الشّيخ عديّ.

قال الحافظ عبد القادر الرّهاويّ ، وكانا جميعا من تلاميذ الشّيخ عقيل : المنبجيّ الزّاهد ، ساح ولقي المشايخ ، ورأى منهم الكرامات ، وأقام بالموصل مدّة في زمن بني الشّهرزوريّ حين كان لا يقدر أحد أن يتظاهر بالحنبليّة ولا السّنّة. فأقام يظهر السّنّة ويحاجّ عنها. ثمّ رجع إلى منبج ، فأقام بها إلى أن مات.

وكان يتعيّش في المقاثي وعمل الحصر ، وينفق من ذلك. دخلت عليه بمنبج في داره وهو جالس على حصير يعمله ، فترك العمل ، وأقبل عليّ يحادثني ، فرأيت منه وقارا وعدلا وحفظ لسان ، وتعرّيا من الدّعاوى.

__________________

(١) لقبه عند ابن الفوطي «قوام الدين» ، وسمّاه : «سالم بن عبد السلام بن عبدان بن عبدون البوازيجي». وقال : أنشد :

أهلا وسهلا بطيف مرتحل

أنسني بالعناق والقبل

وصار يهدي فمي إلى فمه

أحلى من السلسبيل والعسل

ما لي أنيس سوى مطوّقة

فارقها إلفها فلم يصل

تؤنسني في الدّجى ويؤنسها

كل كئيب الفؤاد مختبل

تنشدني سجعها وأنشدها

مدح علي بن جعفر بن علي

ما قال لا قط في محاورة

كأنه عدّ لا من الخطل

(٢) انظر عن (سلامة الصياد) في : الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٣١ رقم ٤٦٩ ـ.

٣٢٧

وكان قد لزم بيته ، وترك الخروج إلى الجماعة لأنّ أهل منبج كانوا قد صاروا ينتحلون مذهب الأشعريّ ، ويبغضون الحنابلة بسبب واعظ قدم يسمّى الدّماغ ، فأقام بها مدّة ، وحسّن لهم ذلك. وكان البلد خاليا من أهل العلم ، فشربت قلوبهم ذلك.

قال : وسمعت رجلا يقول للشّيخ عسكر النّصيبيّ : أهل منبج قد صاروا يبغضون أهل حرّان. فقال : لا يبغض أهل حرّان من فيه خير.

وسمعت الشّيخ سلامة يقول ، لمّا مضى الدّماغ إلى دمشق ومات ، جاءنا الخبر فقاموا يصلّون عليه ، ولم أقم أنا ، فقالوا لي : ما تصلّي عليه؟ فقلت : لا ، قعودي أفضل. وقالوا لي : لم لا تخرج إلى الجماعة؟ فقلت : جماعتكم صارت فرقة.

وقال لي : عبر الشّيخ الزّاهد أبو بكر بن إسماعيل الحرّانيّ على منبج ، ولم يدخل إليّ ، وبعث يقول : إنّه لم يدخل إليّ لأجل أهل منبج. وأنا أيش ذنبي.

وكان الشّيخ أبو بكر يذكره كثيرا ، وينوّه باسمه ، ويحثّ على زيارته ، وهو الّذي عرّفنا به.

سمعت الشّيخ سلامة يقول : كنت بالموصل في زمن بني الشّهرزوريّ أذكر السّنّة ، وأنكر السّماع.

سمعت رجلا من أهل الموصل يقول : جئت إلى الجزيرة ، فأخبرت أنّ الشّيخ هناك ، فسألت عنه فوجدته في بعض المساجد ، فجئت إليه ، ثمّ خرجنا من هناك ، فمشى بين يديّ ، فنظرت فإذا هو سبقني ، فقلت في نفسي من غير أن يسمع ، كذا وكذا من أخت كذا.

فالتفت إليّ وقال : أيّ أخواتي فإنّهن جماعة؟

قلت : أيهنّ شئت.

٣٢٨

٣٧٠ ـ سليمان بن محمد بن سليمان (١).

أبو الربيع الحضرميّ ، الإشبيليّ ، المعروف بالمفوّقيّ.

روى عن : أبي محمد بن عتّاب ، وأبي بحر الأسديّ.

وكان يعقد الشّروط.

وكان أبو بكر بن الجدّ يغضّ منه ويغص به.

روى عنه : ابن أخته محمد بن عليّ التّجيبيّ.

قال الأبّار (٢) : توفّي في حدود الثّمانين.

٣٧١ ـ السّموأل بن يحيى بن عيّاش (٣).

المغربيّ ، ثمّ البغداديّ.

كان يهوديا فأسلم ، وبرع في العلوم الرّياضيّة.

وكان يتوقّد ذكاء ، وسكن بلاد العجم مدّة بأذربيجان ونواحيها.

ومات قبل أن يكتهل بمراغة في هذا القرب.

قال الموفّق عبد اللّطيف : أبلغ في العدديّات مبلغا لم يصله أحد في زمانه ، وكان حادّ الذّهن جدّا ، بلغ في العدديّات وصناعة الجبر الغاية القصوى. وله كتاب «المفيد الأوسط في الطّبّ» ، وكتاب «إعجاز المهندسين» صنّفه في سنة سبعين وخمسمائة ، وكتاب «الرّدّ على اليهود» ، وكتاب «القوانين في الحساب».

__________________

(١) انظر عن (سليمان بن محمد) في : تكملة الصلة لابن الأبّار ، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ٤ / ٧٨ رقم ١٩٤ ـ.

(٢) في تكملة الصلة.

(٣) انظر عن (السموأل بن يحيى) في : تاريخ الحكماء لقفطي ٢٠٩ ، والوافي بالوفيات ١٥ / ٤٥٣ ، ٤٥٤ رقم ٦١٠ ، وعيون الأنباء ٢ / ٣٠ ، ٣١ ، وتاريخ مختصر الدول ٣٣٧ ، وكشف الظنون ١٣٧٧ ، ١٤١٢ ، ١٩٤٠ ، وإيضاح المكنون ١ / ٩٩ ، ٥٥٦ ، ٥٦٢ و ٢ / ٣٢٣ ، ٣٢٨ ، ٣٣٥ ، ٣٤٠ ، وتراث العرب العلمي لطوقان ٣٣٣ ، ومعجم المؤلفين ٤ / ٢٨١ ـ.

٣٢٩

ـ حرف الصاد ـ

٣٧٢ ـ صالح بن وجيه بن طاهر بن محمد.

الشّحّاميّ.

أجاز للشّيخ الضّياء مروياته.

ـ حرف العين ـ

٣٧٣ ـ عبّاس بن أبي الرجاء بن بدر.

أبو الفضل الرّارانيّ (١).

أجاز للضّياء من أصبهان. وهو أخو خليل.

سمع من : الحدّاد.

٣٧٤ ـ عبد الله بن عبد الواحد بن الحسن بن المفرّج.

أبو محمد الكنانيّ ، الدّمشقيّ ، المؤدّب.

إمام مسجد ابن لبيد بالفسقار.

سمع : أبا الحسن بن الموازينيّ ، ومحمد بن عليّ بن محمد بن أبي العلاء المصّيصيّ.

قال أبو المواهب بن صصريّ : وكانت له حلقة بالجامع يقرئ بها الصّبيان ، وكان شيخا صالحا.

وقال ابن خليل : ولد في رجب سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

قلت : روى عنه : أبو القاسم بن صصريّ ، والبهاء عبد الرحمن ، وجماعة.

وأجاز لجماعة.

وتوفّي سنة نيّف وسبعين ، وقد جاوز الثّمانين رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) الراراني : راران بالراءين المفتوحتين المنقوطتين من تحتهما بنقطة واحدة قرية من قرى أصبهان. (الأنساب ٦ / ٣٨).

٣٣٠

٣٧٥ ـ عبد الجبّار بن محمد بن عليّ بن أبي ذرّ الصّالحانيّ (١).

أبو سعيد الأصبهانيّ.

من كبار مسندي بلده.

سمع من : القاسم بن الفضل الأصبهانيّ ، الثّقفيّ.

وحدّث سنة سبعين. وتوفّي بعد ذلك بسنة أو نحوها.

روى عنه : محمد بن خليل الرّارانيّ ، وعمر بن أبي بكر بن مسعود الأصبهانيّ. وبالإجازة كريمة.

٣٧٦ ـ عبد الرّزّاق بن إسماعيل بن محمد بن عثمان (٢).

أبو المحاسن الهمذانيّ القومسانيّ.

سمع : عبد الرحمن بن حمد الدّونيّ ، وناصر بن مهديّ الهمذانيّ ، وغيرهما.

روى عنه : الحافظ عبد الغنيّ.

وأجاز للحافظ الضّياء في سنة أربع وسبعين.

٣٧٧ ـ عبد الملك بن محمد بن عبد الملك (٣).

أبو مروان الأنصاريّ ، الإشبيليّ ، الحماميّ.

سمع «تاريخ ابن أبي خيثمة» من : أبي الحسن بن مغيث.

وعنه : أبو القاسم الملّاحيّ ، وأبو سليمان حوط الله.

مات قبل الثّمانين وخمسمائة.

٣٧٨ ـ عبيد الله بن محمد التّميميّ.

أبو الحسين ابن اللّحيانيّ ، الإشبيليّ ، المقرئ.

أخذ القراءات عن : شريح ، وأحمد بن عيشون.

__________________

(١) انظر عن (عبد الجبار بن محمد) في : المعين في طبقات المحدّثين ١٧٨ رقم ١٨٩٥ ـ.

(٢) انظر عن (عبد الرزاق بن إسماعيل) في : المعين في طبقات المحدّثين ١٧٨ رقم ١٨٩٦ ـ.

(٣) انظر عن (عبد الملك بن محمد) في : تكملة الصلة لابن الأبّار ، رقم ١٧٢٣ ، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج ٥ ق ١ / ٣٥ رقم ٨٦ ـ.

٣٣١

وتصدّر للإقراء.

قرأ عليه : أبو القاسم بن أبي هارون.

وحدّث عنه : مفرّج بن حسين الضّرير.

توفّي في حدود الثّمانين.

٣٧٩ ـ عليّ بن بركات.

أبو الحسن المشغرانيّ ، ثمّ الدّمشقيّ ، المقرئ.

توفّي بعد السّبعين.

روى عن : نصر الله بن محمد المصّيصيّ.

روى عنه : أبو القاسم بن صصريّ.

٣٨٠ ـ عليّ بن الحسين اللّوّاتيّ.

مرّ في سنة ثلاث وسبعين (١).

٣٨١ ـ عليّ بن خلف بن غالب (٢).

أبو الحسن الأنصاريّ ، الأندلسيّ. نزيل [قصر كتامة] (٣).

سمع من : أبي القاسم بن رضا ، وأبي عبد الله بن معمّر ، وأبي الحسن بن وليد بن مفوّز.

وتعلّم الفرائض والحساب وتصوّف. وصنّف كتاب «اليقين».

رواه عنه : عبد الجليل بن موسى.

وقال أيّوب بن عبد الله السّبتيّ : رحلت إليه مرّات إلى قصر عبد الكريم وكان قد سكنه. وكان محدّثا شاعرا (٤).

__________________

(١) تقدم برقم (٨٠).

(٢) انظر عن (علي بن خلف) في : صلة الصلة لابن الزبير ٩٩ ، وتكملة الصلة لابن الأبّار ، رقم ١٨٧٠ ، والتشوّف ٢١١ قم ٨١ ، وسلوة الأنفاس ٢ / ٢٤ ، وجذوة الاقتباس ٢٩٧ ، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ٥ ١ / ٢٠٨ ـ ٢١٢ رقم ٤١٥ ـ.

(٣) إضافة من مصادر ترجمته.

(٤) وقال المراكشي : وكان عالما أديبا شاعرا ، ديّنا زاهدا متواضعا ، إذا رأيته وعظك بحاله وهو صامت مما غلب عليه من الحضور والمراقبة لله تعالى ، قد جمع الله له محاسن جمّة ـ

٣٣٢

٣٨٢ ـ عليّ بن محمد بن ناصر.

أبو الحسن الأنصاريّ ، القرطبيّ.

أخذ القراءات عن : أبي عبد الله بن صائن ، وعبد الجليل بن عبد العزيز.

وروى عن : أبي القاسم بن بقيّ ، وأبي جعفر البطروحيّ ، وأبي القاسم بن رضا ، وجماعة.

وكان مقرئا ، نحويا.

روى عنه : أبو بكر محمد بن عليّ الشّريشيّ.

٣٨٣ ـ عليّ بن هبة الله.

الكامليّ ، المصريّ.

سمع من : أبي صادق مرشد المدينيّ ، وغيره.

روى عنه : الحافظ عبد الغنيّ ، وعبد القادر ، وابن رواحة ، وعليّ بن رحّال ، وعبد الرحيم بن الطّفيل ، ومحمد بن الملثّم ، وآخرون.

٣٨٤ ـ عليّ بن أبي القاسم بن أبي حنّون (١).

أبو الحسن التّلمسانيّ ، قاضي مرّاكش.

روى عن : أبي عبد الله الخولانيّ ، وأبي عليّ بن سكّرة.

وعنه : أبو عبد الله بن عبد الحقّ التّلمسانيّ ، وعقيل بن طلحة ، وأبو الخطّاب ابن دحية.

قال الأبّار : كان حيّا في حدود الثّمانين.

__________________

= من العلوم والمعارف والآداب ، وخصوصا علم الحقائق والرياضات وعلوم المعاملات والمقامات والأحوال السنية والآداب السّنّيّة ، وكان من المحدّثين قيّد في الحديث روايات كثيرة ، ولقي من المشايخ الجلّة جملة ، غير أنه كان يغلب عليه المراقبة لله والتأهّب للقائه وحسن الرعاية والإقبال على الدار الآخرة ، وكان قد بلغ الثمانين سنة وهو في اجتهاده كما كان في بدايته ، وكان شيخ وقته علما وحالا وورعا ، أشفق خلق الله على الناس ، وأحسنهم ظنا بهم.

(١) انظر عن (علي بن أبي القاسم) في : تكملة الصلة لابن الأبار.

٣٣٣

ـ حرف القاف ـ

٣٨٥ ـ القاسم بن عليّ بن صالح (١).

أبو محمد الأنصاري نزيل دانية.

أخذ القراءات عن : أبي العبّاس القصيبيّ ، وأبي العبّاس بن العريف ، وابن غلام الفرس فسمع منه «التّيسير» سنة سبع وعشرين وخمسمائة.

وتصدّر للإقراء بدانية.

أخذ عنه : أسامة بن سليمان ، وغيره.

بقي إلى قريب الثّمانين وخمسمائة. نسيته وقت ترتيب الأسماء.

ـ حرف الميم ـ

٣٨٦ ـ محمد بن التّابلان (٢).

المنبجيّ الزّاهد.

قال الحافظ عبد القادر : كان رفيق الشّيخ عديّ والشّيخ سلامة ، من تلاميذ الشيخ عقيل. حدّثني بعض الصّوفيّة أنّ الشّيخ عقيل أوصى له بعد موته بالجلوس في موضعه. دخلت عليه بمنبج غير مرّة فرأيت شيخا وقورا مهيبا.

عاش عمرا طويلا في طريقة حسنة ومحمود ذكر. وكان له جماعة تلاميذ.

وكان حافظا للقرآن يؤمّ بالنّاس. وكان له ملك يتعيّش منه رحمه‌الله.

قلت : كأنّ هذا بقي إلى قرب السّتّمائة ، فإنّ ابنه الفقيه أحمد بن محمد بن إبراهيم بن التّابلان المنبجيّ سمع منه شيخنا الشّهاب الدّشتيّ بمنبج ، وهو يروي عن التّاج الكنديّ.

__________________

(١) ذكره المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ في آخر المتوفين ظنّا ، وقد نسي ترتيبه ونوّه بذلك في آخر الترجمة.

(٢) انظر عن (محمد بن التابلان) في : الوافي بالوفيات ٢ / ٢٧٤ رقم ٦٩٨ ـ.

٣٣٤

٣٨٧ ـ محمد بن عبد الله بن محمد.

الغرناطيّ أبو عبد الله بن الغاسل.

سمع : أبا عبد الله النّميريّ وصحبه زمانا.

ورحل معه فلقي أبا الحسن بن الباذش.

وقرأ بالروايات على شريح.

وسمع أيضا : أبا الحسن بن مغيث.

وأجاز له ابن عتّاب.

وكان مقرئا ، محدّثا ، ضابطا. توفّي سنة نيّف وسبعين.

٣٨٨ ـ محمد بن عبد العزيز (١).

الفقيه أبو عبد الله الإربليّ ، الشّافعيّ.

قدم بغداد ، وتفقّه بالنّظاميّة ، وبرع في المذهب. وولي إعادة النّظاميّة.

ومن شعره ، وكتبه عنه عبد السّلام بن يوسف الدّمشقيّ :

رويدك فالدّنيا الدّنيّة كم دنت

بمكروهها من أهلها وصحابها

لقد فاق في الآفاق كلّ موفّق

أفاق بها من سكره وصحابها

فسل جامع الأموال فيها بحرصه

أخلّفها من بعده أم سرى بها؟

هي الآل فاحذرها وذرها لأهلها

فما الآل إلّا لمعة من سرابها

وكم أسد ساد البرايا ببرّه

ولو نابها خطب إذا ما دنا بها

فأصبح فيها عبرة لأولي النّهى

بمخلبها قد مزّقته ونابها

قال ابن النّجّار : وبلغني أنّ أبا عبد الله الإربليّ سافر إلى الشّام ومات هناك في حدود سنة ثمانين وخمسمائة.

٣٨٩ ـ محمد بن عليّ بن عبد الله بن عليّ (٢).

__________________

(١) انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في : الوافي بالوفيات ٣ / ٢٥٩ ، ٢٦٠ رقم ١٢٨٩ ـ.

(٢) انظر عن (محمد بن علي) في : ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي ٢ / ١٢٧ رقم ٣٥٥ ، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (مخطوطة أحمد الثالث ٢٩١٧ / ١٤) الورقة ٨٧ ، ـ

٣٣٥

أبو بكر البتمّاريّ (١) ، النّهروانيّ ، المعروف بابن العجيل.

سمع : أحمد بن المظفّر بن سوسن ، وأبا سعيد بن خشيش.

سمع منه : عمر القرشيّ ، وغيره.

وأصابه صمم.

وتوفّي بعد السّبعين. ذكره ابن النّجّار.

٣٩٠ ـ محمد بن كشيلة.

الحرّانيّ ، الزّاهد.

قال الرّهاويّ : كان أحد مشايخ أهل حرّان ، زهدا ، وورعا واجتهادا في أبواب الخير.

وكان متواضعا ، كريما ، حيّيا ، لا يكاد يرفع رأسه من الحياء ، صبورا على الفقر موثرا.

وكان الشّيخ أبو بكر بن إسماعيل يذكره ويمدحه بكونه يعيش من كسبه.

ولمّا مرض أبو بكر خرج محمد إلى عيادته ، فوصّى له بثلث رحاه ، واستخلفه في موضعه بالمشهد.

وسمعت بعض أصحابنا يقول : قال أصحاب أبي بكر لأبي بكر : من تأمرنا نجالس بعدك؟ فقال : عليكم بسيّد السّادات محمد.

ذكر الرّهاويّ هؤلاء وغيرهم. وما أراه ذكر الشّيخ حياء ، وسأذكره في سنة إحدى وثمانين إن شاء الله تعالى.

٣٩١ ـ محمود بن محمد.

أبو الثّناء البغداديّ.

__________________

= والمختصر المحتاج إليه ١ / ٩٢ ـ.

(١) البتمّاري : بفتح الباء وكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها ، وتشديد الميم المفتوحة ، وفي آخرها الراء ، هذه النسبة إلى بتمّار وهي قرية من قرى النهروان ببغداد. (الأنساب ٢ / ٧٦).

٣٣٦

حدّث بالإسكندريّة عن : هبة الله بن الحصين ، وأبي منصور القزّاز.

روى عنه : عليّ بن المفضّل ، وغيره.

٣٩٢ ـ المطهّر بن عبد الكريم بن محمد بن عثمان.

الهمذانيّ القومسانيّ.

روى عن : عبد الرحمن بن الدّونيّ ، وناصر بن مهديّ.

وعنه : الحافظ أبو محمد المقدسيّ ، وغيره.

وناصر المذكور هو ابن مهديّ بن نصر بن عليّ بن نصر بن عبدان أبو عليّ المشطّب الهمذانيّ. بكّر به أبوه أبو الحسن المشطّب فأسمعه «سنن الحلوانيّ» من عليّ بن شعيب بن عبد الوهّاب الهمذانيّ.

وكان عليّ بن شعيب مسند همذان في زمانه. روى عن أوس الخطيب ، وجبريل العدل ، وأبي أحمد الغطريفيّ ، وإسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان ، وطائفة.

روى عنه : عليّ بن الحسين ، وابن ممان. وناصر هذا ، وأحمد بن عمر البيّع.

وكان ثقة ، صدوقا ، صالحا.

قال الحافظ شيرويه : سمعت أبا بكر الأنصاريّ يقول : لمّا رجع الشيخ محمد بن عيسى ، شيخ الصّوفيّة ، إلى همذان استقبله الخاصّ والعامّ ، وكان عليّ بن شعيب مع من استقبله ، وكان راجلا ، رثّ الهيئة ، فكان أبو منصور محمد بن عيسى لا ينزل لأحد ، لا للأشراف ولا للوجوه ، وإنّما يصافحهم راكبا. فلمّا رأى عليّ بن شعيب نزل عن دابّته وعانقه ، ومشى معه ساعة حتّى سأله أن يركب فركب.

قلت : كان ابن شعيب باقيا بعد الثّلاثين وأربعمائة.

٣٣٧

الكنى

٣٩٣ ـ أبو بكر بن إسماعيل الحرّانيّ. الزّاهد.

ذكره الحافظ فقال : كان من مفاريد الزّمان. اجتمعت فيه من خلال الخير أشياء لو سطرت كانت سيرة. كان زاهدا ، ورعا ، مجاهدا ، مجتهدا ، متواضعا ، ذا عزائم خالصة ، بصيرا بآفات أعمال الآخرة وعيوب الدّنيا ، ذا تجارب.

ساح وخالط ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، منقادا للحقّ ، محبّا للخمول ، عاريا من زيّ أهل الدّين. ظاهرا لا يستوطن المواضع. كان تارة يكون معمّما ، وتارة بغير عمامة ، وتارة محلوقا وتارة بشعر. إذا وقف بين جماعة لا يعرفه الغريب ، ولم يكن له في المسجد موضع يعرف به.

وكان إذا قال له أحد : أريد أن أتوب على يدك. يقول : أيش تعمل بيدي ، تب إلى الله.

وكان شجاعا. وهو الّذي جرّى المسلمين على محاصرة الرّها في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، واشتهر بين النّاس أنّهم يوم وقعة الثّلمة الّتي بالرّها دخل منها المسلمون رأوا رجلا قد صعد فيها ، فهزم من كان بها من الإفرنج ، وصعد النّاس بعده ، فحكى لي بعض النّاس أنّه الشّيخ أبو بكر رضي‌الله‌عنه.

وبلغني أنّ ناسا اختلفوا فيه ، فحلف بعضهم أنّه الشّيخ عديّ بن صخر ، فاختلفوا إليه في ذلك ، فقال : ذاك الحرّانيّ. سمعته يقول : كان أبي قد أسره الفرنج إلى الرّها ، فقادوه ، وأخذوني وأخي رهينة ، يعني وهما صغيران ، فكان صاحب البلد يأخذني ويجيء بي عند الصّليب ، ويجعل يحني رأسي نحوه ، فأمتنع عليه مع هيبته ، ويقع في نفسي أنّي إن فعلت صرت نصرانيّا.

وكان يأخذ أخي فيجيء به إلى الصّليب ، فيسجد له ، فأتعلّق به وأمنعه.

ثمّ إنّه خلّص من أيدي الفرنج ، فسمعته يقول : كنت أمرّ إلى الرّها في اللّيل فأصعد إلى السّور ، وأنزل إلى البلد ، فإذا عرفوا بي صعدت إلى السّور ، فإذا صرت على السّور ومعي سيفي وترسي لم أبال بأحد. وصعدت مرّة إلى السّور ، فلقيت اثنين ، قتلت الواحد ودخل الآخر إلى البرج ، فدخلت خلفه فقتلته.

٣٣٨

سمعته غير مرّة يقول : رأيت قائلا يقول لي : كن تبعا إلّا في ثلاثة : في الزّهد ، والورع ، والجهاد.

وحجّ نحوا من ثلاثين حجّة ماشيا. وبلغني عنه أنّه حجّ في بعضها ، ولم ينم في تلك المدّة حتّى خرج من الحجّ. ثمّ إنّه ترك الحجّ ، وسكن مشهدا قريبا من حرّان ، واشتغل بعمارة رحى هناك. ورتّب الضّيافة لكلّ وارد خبزا ولحما وشهوات.

وكان سبب ذلك كما حكى لي قال : كنت أنا وآخر في الشّام ، فجعنا جوعا شديدا ، ثمّ جئنا إلى قرية ، فصنع لنا إنسان طعاما وقدّمه إلينا ، فجعلنا نأكل وهو حارّ ، فلمّا رأى شرهنا في الأكل مع حرارته قال : أرفقوا فهو لكم. فأعتقد أنّه لو كان لذلك الرجل ذنوب مثل الجبال لغفرت لما صادف من إشباع جوعنا. فرأيت أنّ حجّي ليس فيه منفعة لغيري ، وأنّي لو عملت موضعا يستظل به إنسان كان أفضل من حجّي.

وكان مع ذلك يكره كثرة العلائق ويقول : لو قيل لي في المنام أنّك تصير إلى هذا المال ما صدّقت.

وبنى عند المشهد خانا للسّبيل ، وكان يعمل عامّة نهاره في الحرّ والغبار ، ويقول : لو أن لي من يعمل معي في اللّيل لعملت.

وعمل لنفسه رحى ، وكان يتقوّت منه باليسير ، ويخرج الباقي في البرّ.

دخلت عليه في بيته مرارا وهو يتعشّى ، فما رأيته جالسا في سراج قطّ ، ولا كان تحته حصير جيّد قطّ ولا فراش ، بل حصير عتيق ، تحته قش الرّزّ.

وحضرت يوما معه في مكان ، فلمّا حضر وقت الغداء جلسنا نتغدّى ، وأخرج رغيفا كان معه ، فأكل نصفه ، وناولني باقيه ، وقال : ما بقي يصلح لي ، آكل شيئا ولا أعمل شيئا.

وقال لي : وددت أنّي لآتي مكانا لا أخرج منه حتّى أموت.

٣٣٩

وقد سمعته يقول ، وذكر لي إنسان أنّ بعض الرؤساء عرض عليه ملكا يقفه عليه ، فقال له أبو بكر : وأيش تعمل به لو لم يكن في مالهم شبهة إلّا الجاه لكفى.

سمعت فتيان بن نيّاح الحرّانيّ ، وكان عالم أهل حرّان وقد جرى بيننا ذكر الكرامات فقال : أنا لا أحكي عن الأموات ولكن عن الأحياء. هذا أبو بكر بن إسماعيل حجّ في بعض السّنين ، فلمّا قرب مجيء الحاجّ جاء الخبر أنّ أبا بكر قد مات. فجلست محزونا فجاءتني والدته وأنا في مكاني هذا ، فسلّمت ، فرددت عليها متحزّنا.

فقالت (١) : أيش هو؟

فقلت : هو الّذي يحكى.

فقالت : ما هو صحيح.

قلت : من أين لك؟

قالت هو قال لي قبل أن يخرج إنّه سيبلغك أنّي قد متّ ، فلا تصدّقي ، فإنّي لا بدّ أجيء وأتزوّج ، وأرزق ابنا وأموت.

قال : فأوّل من جاء هو ، وتزوّج ورزق ابنا ، ومات.

هذا مع كراهيته إظهار الكرامات والدّعاوى.

وكان عاقلا فطنا ، يتكلّم بالحكمة في أمر الدّين.

حدّثني من حضر موته قال : كنّا أنا وفلان وفلان ، فتوضّأ ثمّ صار يسأل عن وقت الظّهر ، فقال بعضنا : جرت عادة النّاس يأخذون من آثار مشايخهم للتّبرّك. فقال : إن قبلتم منّي لا تريدون شيئا من الدّنيا.

قال : فبينما أنا جالس أغفيت ، فرأيت كأنّ البيت الّذي نحن فيه يخرج منه مثل ألسن الشّمع ، يعني النّور. ورأيت كأنّ شيخا جاء إلى عند الشّيخ أبي بكر ، فقلت : من هذا؟ فقيل : هذا الشّيخ حمد.

__________________

(١) في الأصل : «فقال».

٣٤٠