تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

روى عنه : محمد بن عبد الرحمن المسعوديّ ، وأبو الجود المقرئ ، ومحمد بن يحيى بن الرّذّاذ (١) ، ويحيى بن عقيل بن شريف بن رفاعة ، والقاضي عبد الله بن محمد بن مجلّي. والحسن بن عقيل بن شريف ، وعبد القويّ بن الجبّاب ، وصنيعة الملك هبة الله بن حيدرة ، ومحمد بن عماد ، وابن صبّاح ، وآخرون.

وتوفّي في ذي القعدة.

وأخبرنا يحيى بن أحمد ، ومحمد بن الحسين قالا : أنا محمد بن عماد ، أنا ابن رفاعة ، أنا أبو الحسن الخلعيّ ، أنا أبو سعد المالينيّ ، أنبا عبد الله بن عديّ ، ثنا الحسن بن الفرج الغزّي : حدّثني يحيى بن بكير ، ثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [لا عن بين رجل وامرأته] (٢) وانتقى من ولدها ، [ففرّق بينهما] (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وألحق الولد با [لمرأة] (٤).

١٩ ـ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عليّ (٥).

__________________

(١) في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٣٦ «الرداد» بدالين مهملتين.

(٢) في الأصل بياض ، والمستدرك بين الحاصرتين من : صحيح البخاري.

(٣) في الأصل : «فقرن» ، والمثبت بين الحاصرتين من البخاري.

(٤) في الأصل بياض. والمثبت من : صحيح البخاري ـ كتاب الطلاق ٦ / ١٨١ باب : يلحق الولد بالملاعنة ، وفيه من طرق أخرى في : الفرائض ، ومسلم في اللعان ، وأبو داود في الطلاق ، والترمذي في الطلاق ، والنسائي في الطلاق ، وابن ماجة في الطلاق. وقال الترمذي : حسن صحيح.

(٥) انظر عن (عبد الله بن محمد بن عبد الله) في : تاريخ دمشق (المطبوع) ٣٨ / ١٣٧ ، ١٣٨ ، ومعجم البلدان ١ / ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ومعجم الأدباء ١ / ٢٠٢ ، واللباب ١ / ٧٦٨ والإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب : الأشيري والأشتري ، وإنباه الرواة ٢ / ٢١٣٧ ـ ١٤١ رقم ٣٥٥ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٧٦ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٥٠ و ٤٦٦ ، ٤٦٧ رقم ٢٩٤ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٥ ، والعبر ٤ / ١٧٤ ، ١٧٥ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣١ ، والمشتبه في الرجال ١ / ٢٨ ، وتلخيص ابن مكتوم (مخطوط) ٩٨ ، ٩٩ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٤٧ ، والوافي بالوفيات ١٧ / ٥٣٦ ، ٥٣٦ رقم ٤٥٥ ، وطبقات ابن قاضي شبهة ٢ / ٤٨ ، ٤٩ ، وتوضيح المشتبه ١ / ٢٣٧ ، وتبصير المنتبه ١ / ٤٦ ، ٤٧ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٧٢ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٩٨ ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق ٢ ج ٢ / ٢٧٤ رقم ٦١٧.

٨١

أبو محمد الأشيريّ (١) ، المغربيّ ، الفقيه ، الحافظ.

رحل في كبره إلى العراق ، وإلى الشّام ، وحدّث عن : أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن موهب الجذاميّ ، والقاضي عياض.

سمع منه : عمر بن عليّ القرشيّ ، ومحمد بن المبارك بن مشّق ، وأحمد بن أحمد ، وأبو الفتوح نصر بن الحصريّ ، وأبو محمد الأستاذ الحلبيّ ، وآخرون.

وكان عالما بالحديث ، والإسناد ، واللّغة ، والنّسب ، والنّحو ، مجموع الفضائل.

حضر أجله باللّبوة (٢) بين حمص وبعلبكّ قادما من حلب ، ودفن بظاهر بعلبكّ. وزار قبره السّلطان نور الدّين ، وبرّ عياله ، وأجرى عليهم رزقا (٣).

وقال جمال الدّين عليّ القفطيّ في «أخبار النّحاة» (٤) : إنّ الأشيريّ كان يخدم في بعض الأمور بدولة عبد المؤمن ، ولمّا حصل مع القوم بالأندلس جرى له أمر ، فخشي عاقبته ، فانهزم بأهله وكتبه ، وقصد الشّام ، فخرج من البحر إلى اللّاذقيّة ، وبها الفرنج ، فسلّمه الله تعالى حتّى قدم حلب ، فنزل على العلاء الغزنويّ مدرّس الهلاويّة ، وأقام عنده مدّة ، وروى لهم عن : أبي بكر ابن العربيّ ، والقاضي عياض. وأقام إلى سنة تسع وخمسين. واتّفق أنّ الوزير يحيى بن هبيرة صنّف كتاب «الإفصاح» وجمع له علماء المذاهب ، فطلب

__________________

(١) الأشيري : بكسر ثانيه ، وياء ساكنة ، وراء. نسبة إلى أشير : مدينة في جبال البربر بالمغرب في طرف إفريقية الغربي مقابل بجاية في البرّ. (معجم البلدان ١ / ٢٠٢).

وقال المؤلّف الذهبي ـ رحمه‌الله ـ في (المشتبه ١ / ٢٨) : نسبة إلى أشيرة من عمل سرقسطة. وتابعه ابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه ١ / ٢٣٦) بوجود الهاء في آخرها.

أما ابن تغري بردي فأبعد كثيرا حين قال : أشير بين حمص وبعلبكّ! (النجوم الزاهرة ٥ / ٣٧٢).

(٢) اللّبوة : قرية في الشمال من بعلبكّ قريبة منها.

(٣) تاريخ دمشق ٣٨ / ١٣٨.

(٤) إنباه الرواة ٢ / ١٤٨.

٨٢

فقيها مالكيّا ، فذكروا له الأشيريّ ، فطلبه من نور الدّين ، فسيّره إليه ، فأكرمه. ثمّ حجّ من بغداد بعياله سنة ستّين ، فضاق بهم الحال ، فأقام بالمدينة ، ثمّ جاء بمفرده في وسط السّنة إلى الشّام ، فاجتمع بنور الدّين بظاهر حمص ، فوعده بخير ، فاتّفق أنّه مرض ومات في رمضان باللّبوة.

وله كتاب «تهذيب الاشتقاق» الّذي للمبرّد.

ثمّ إنّ نور الدّين أحضر عائلته مع متولّي السّبيل ، وقرّر لهم كفايتهم بحلب ، وصار ابنه جنديّا.

وقال الأبّار : عبد الله بن محمد الصّنهاجيّ الأشيريّ ، سمع : أبا جعفر بن غزيون ، وغيره. وكان شاعرا ، كتب لصاحب المغرب. فلمّا توفّي مخدومه استؤسر ونهبت كتبه ، فتوجّه إلى الشّام.

ذكره ابن عساكر وقال : سمع منّي وسمعت منه (١). وتوفّي في شوّال.

وقال ابن نقطة (٢) : سمع من شريح بن محمد ، وابن العربيّ. وكان ثقة ، صالحا ، حافظا ، توفّي في رمضان.

قلت : أشير قلعة بالمغرب لبني حمّاد.

قال ابن النّجّار : ثنا عنه ابن الحصريّ ، وقال : كان إماما في الحديث ، ذا معرفة بفقهه ومعانيه ، ورجاله ، ولغته.

__________________

(١) وزاد ابن عساكر : وكتب عنّي كتابا ألّفته لأجله سمّيته «كتاب بعض ما انتهى إلينا من الأخبار في ذكر من وافقت كنيته كنية زوجته من الصحابة الأخيار» ، وغيره. وعلّقت عنه شيئا من أخبار أبي الوليد الباجي ، ولم أسمع منه حديثا مسندا لنزول سنده.

وكان أديبا له شعر جيد. ثم توجّه إلى حلب. وذكره أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان التنوخي القاضي المنشئ للملك العادل ـ رحمه‌الله ـ الأمير أبو يعقوب يوسف بن علي الملثّم ، وهما في صحبته في الزيارة بالبقاع ، وأثنيا عليه خيرا كثيرا ، ورغّباه في تربته بحلب المحروسة لتقوية السّنّة بها لحاجة أهلها إلى مثله ، فنقله الملك العادل إلى ثغر حلب ، وقرّر له كفايته ، وأقام يروي حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنتي ثمان وتسع وخمسين وخمسمائة ، وسفّره إلى حجّ بيت الله الحرام ، فجاور.

(٢) في الإستدراك ، باب : الأشيري والأشتري.

٨٣

ثمّ حكى انزعاج ابن هبيرة بقوله له : ما قلت ليس صحيحا (١). فانقطع الأشيريّ ، وطلبه الوزير ولاطفه ، وما تركه حتّى قال له مثل قوله له ، ووصله بمال ، رحمهما‌الله تعالى (٢).

٢٠ ـ عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد (٣).

أبو طالب بن العجميّ ، الحلبيّ.

من بيت حشمة ، وتقدّم ، وفضيلة.

رحل إلى بغداد فتفقّه على : أبي بكر محمد بن أحمد الشّاشيّ ، وأسعد الميهنيّ ، وسمع من : أبي القاسم بن بيان. وعاد إلى بلده ، وتقدّم بها. وقدم رسولا من صاحب حلب إلى دمشق ، وتولّى عمارة المسجد الّذي ببعلبكّ في أيّام أتابك زنكيّ بن آق سنقر ، ثمّ حجّ وجاور ، وتولّى عمارة المسجد الحرام من قبل صاحب الموصل. وبنى بحلب مدرسة مليحة ، ووقف عليها. وكان فيه عصبيّة وهمّة ومحبّة للعلماء (٤).

ولد سنة ثمانين وأربعمائة.

روى عنه : أبو سعد السّمعانيّ ، وعمر بن عليّ القرشيّ ، وأبو محمد بن

__________________

(١) قيل جرى بينه وبين الوزير ابن هبيرة كلام في دعائه عليه‌السلام يوم بدر : «إن تهلك هذه العصابة» ، وكان الصواب معه ، وقد نازع الوزير بعنف ، فأحرجه حتى قال له الوزير : تهذي! ليس كلامك بصحيح. وانفضّ الناس ، ثم اعتذر إليه الوزير بكل طريق. (إنباه الرواة ٢ / ١٣٩).

(٢) وقال ابن ناصر الدين : وفي «ذكر من أجاز علما» جمع أبي جعفر محمد بن الحسين الكاتب : عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي الأشيري ، أبو محمد ، توفي سنة ثلاث وستين وخمسمائة. انتهى.

وهو الّذي ذكره المصنّف ، ولكن اختلفا في وفاته ، والأول هو الأكثر. (توضيح المشتبه ١ / ٢٣٧).

(٣) انظر عن (عبد الرحمن بن الحسن) في : تاريخ دمشق (المطبوع) ٢٠ / ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٦٣ ، ٢٦٤ وفيه : «عبد الرحمن بن الحسين» ، والعبر ٤ / ١٧٥ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٧٢ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٩٨ ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق ٢ ج ٢ / ١٧١ رقم ٤٩١ وفيها : «عبد الرحمن بن الحسين».

(٤) وهو عمّر جامعا ببعلبكّ. (مرآة الزمان).

٨٤

علوان الأستاذ ، وأبو القاسم بن صصريّ ، وآخرون (١).

وتوفّي رحمه‌الله تعالى في نصف شعبان.

٢١ ـ عبد الصّمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الصّمد بن محمد بن تميم (٢).

أبو المعالي التّميميّ ، الدّمشقيّ ، الخطيب ، الشّاهد.

قرأ بروايات ، وسمع كثيرا من : أبي القاسم النّسيب ، وأبي طاهر الحنّائيّ ، وكان صدوقا أمينا.

حدّث بشيء يسير ، وتوفّي في رمضان وله ثمان وستّون سنة.

٢٢ ـ عبد العزيز بن الحسين (٣).

القاضي الجليس ، أبو المعالي بن الجبّاب (٤) ، التّميميّ ، السّعديّ ، الأغلبيّ ، المصريّ.

كان جليسا لخليفة مصر ، من أجلّاء الأدباء ، وكبار الألبّاء (٥).

توفّي عن نيّف وسبعين سنة. وهو والد عبد القويّ راوي «السّيرة».

__________________

(١) وقال ابن عساكر : وكان متعصّبا لأهل السّنّة ، محبّا لأهل العلم ، متعاهدا لأحوال الفقهاء.

وحدّث بحلب .. وأجاز لنا جميع حديثه. (تاريخ دمشق).

(٢) انظر عن (عبد الصمد بن الحسين) في : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٥١ (دون ترجمة).

(٣) انظر عن (عبد العزيز بن الحسين) في : النكت العصريّة ١١٦ و ١٥٨ و ٢٥٢ ، وخريدة القصر (قسم شعراء مصر) ١ / ١٨٩ ـ ٢٠٠ ، وكتاب الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٦٠ ـ ٣٦٣ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٢٣ ، وأخبار مصر لابن ميسّر ١٥٢ ، والمغرب في حلى المغرب ٢٥٤ ـ ٢٥٩ ، والوافي بالوفيات ١٨ / ٤٧٣ ـ ٤٧٦ رقم ٥٠١ ، وفوات الوفيات ١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٦ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٥١ ، واتعاظ الحنفا ٣ / ٢٨١ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٧١ ، وحسن المحاضرة ١ / ٥٦٣ ، والكواكب السيارة لابن الزيات ١٧٨ ، وتوضيح المشتبه ٣ / ٤٣.

(٤) الجبّاب : بالجيم والباء الموحّدة ، عرف بذلك لجلوس جدّه في سوق الجباب. (توضيح المشتبه ٣ / ٤٢).

(٥) وتولّى ديوان الإنشاء للفائز مع الموفّق بن الخلّال. (الوافي بالوفيات ١٨ / ٤٧٤).

٨٥

ومن شعره :

ومن عجب (١) أنّ السّيوف لديهم

تحيض دماء (٢) والسّيوف ذكور (٣)

وأعجب من ذا أنّها في أكفّهم

تأجّج نارا ، والأكفّ بحور (٤)

٢٣ ـ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جبليّ دوست (٥).

__________________

(١) في الأصل : «عجبي» ، والمثبت عن المصادر.

(٢) في الأصل : «دما» ، والمثبت عن المصادر.

(٣) ورد البيت مختلفا في النجوم الزاهرة :

ومن عجب أن الصوارم في الوغى

تحيض بأيدي القوم وهي ذكور

وفي فوات الوفيات ٢ / ٣٣٣ :

ومن عجبي أن الصوارم والقنا

تحيض بأيدي القوم وهي ذكور

(٤) البيتان في : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٦٠ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٥١ ، والوافي بالوفيات ١٨ / ٤٧٤ ، وفوات الوفيات ٢ / ٣٣٣ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٧١.

ومن شعره :

حيّا بتفّاحة مخضّبة

من شفّني حبّه وتيّمني

فقلت ما إن رأيت مشبهها

فاحمرّ من خجلة فكذّبني

وكان الجليس ابن الجبّاب كبير الأنف ، وكان الخطيب أبو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصيّاد مولعا بأنفه وهجائه ، وذكر أنفه في أكثر من ألف مقطوعة ، فانتصر له أبو الفتح بن قادوس الشاعر فقال :

يا من يعيب أنوفنا

الشمّ التي ليست تعاب

الأنف خلقه ربّنا

وقرونك الشّمّ اكتساب

(٥) انظر عن (عبد القادر الجيلي) في : الأنساب ٣ / ٤١٥ ، والمنتظم ١٠ / ٢١٩ رقم ٣٠٨ (١٨ / ١٧٣ رقم ٤٢٥٩) ، والكامل في التاريخ ١١ / ٣٢٣ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٦٤ ـ ٢٦٦ ، وبهجة الأسرار في مناقب سيدي عبد القادر ، للشطنوفي ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٣ ، والعبر ٤ / ١٧٥ ، ١٧٦ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٦٩ رقم ١٨١٠ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٥ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣١ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٣٩ ـ ٤٥١ رقم ٢٨٦ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٠٧ ـ ١١١ ، وفوات الوفيات ٢ / ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٤٧ ـ ٣٦٦ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٥٢ ، والذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٠ ـ ٣١٠ ، وتاريخ الخميس للدياربكري ٢ / ٤٠٨ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٧١ ، والطبقات الكبرى للشعراني ١ / ١٠٨ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٩٨ ـ ٢٠٢ ، والأعلام ٤ / ٤٧ ، وديوان الإسلام ٣ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ رقم ١٤٣٨ ، وكشف الظنون ٦٦٢ ، وإيضاح المكنون ١ / ٢٥٧ ، وهدية العارفين ١ / ٥٩٦ ، ومعجم المؤلفين ٥ / ٣٠٧.

٨٦

وزاد بعض النّاس في نسبه إلى أن وصله بالحسن بن عليّ رضي‌الله‌عنه فقال : ابن أبي عبد الله بن عبد الله بن يحيى الزّاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله المحض بن حسن المثنّى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

الشّيخ أبو محمد الجيليّ (١) ، الحنبليّ ، الزّاهد ، صاحب الكرامات والمقامات ، وشيخ الحنابلة رحمة (٢) الله عليه. ولد بجيلان في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. وقدم بغداد شابّا ، فتفقّه على القاضي أبي سعد المخرّميّ (٣).

وسمع الحديث من : أبي بكر أحمد بن المظفّر بن سوسن التّمّار ، وأبي غالب الباقلّانيّ ، وأبي القاسم بن بيان الرّزّاز ، وأبي محمد جعفر السّرّاج ، وأبي سعد بن خشيش ، وأبي طالب بن يوسف ، وجماعة.

روى عنه : أبو سعد السّمعانيّ ، وعمر بن عليّ القرشيّ ، وولداه عبد الرّزّاق وموسى ابنا عبد القادر ، والحافظ عبد الغنيّ ، والشّيخ الموفّق ، ويحيى بن سعد الله التّكريتيّ ، والشّيخ عليّ بن إدريس اليعقوبيّ ، وأحمد بن مطيع الباجسرائيّ (٤) ، وأبو هريرة محمد بن ليث بن الوسطانيّ ، وأكمل بن مسعود الهاشميّ ، وطائفة آخرهم وفاة أبو طالب عبد اللّطيف بن محمد بن القبّيط (٥).

وآخر من روى عنه بالإجازة : الرّشيد بن أحمد بن مسلمة. وكان إمام زمانه ، وقطب عصره ، وشيخ شيوخ الوقت بلا مدافعة.

__________________

(١) تحرّفت في (مرآة الزمان ٨ / ٢٦٤) إلى : «الحلبي».

و «الجيلي» : نسبة إلى بلاد متفرّقة وراء طبرستان. ويقال لها : كيل وكيلان ، والنسبة إليها جيلي وجيلاني وكيلاني. (الأنساب ٣ / ٤١٤).

(٢) في الأصل : «رحمت».

(٣) تحرّفت هذه النسبة في (الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٠) إلى : «المخرامي» ، وفي (مرآة الجنان ٣ / ٣٥١) إلى : «المخزومي».

(٤) الباجسرائي : بكسر الجيم ، وسكون السين ، وراء ، نسبة إلى باجسرى. بليدة في شرقيّ بغداد ، بينها وبين حلوان على عشرة فراسخ من بغداد. (معجم البلدان ١ / ٣١٣).

(٥) القبّيطي : بضم القاف ، تليها موحّدة مشدّدة مفتوحة ، ثم مثنّاة تحت ساكنة ، ثم الطاء المهملة المكسورة.

٨٧

أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السّلام (١) ببعلبكّ ، أنا ابو محمد بن قدامة سنة إحدى عشرة وستّمائة ، أخبرنا شيخ الإسلام محيي الدّين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيليّ ، أنا أبو بكر أحمد بن المظفّر التّمار ، أنا أبو عليّ بن شاذان ، أنا أبو بكر محمد بن العبّاس بن نجيح ، أنا يعقوب بن يوسف القزوينيّ ، ثنا محمد بن سعيد ، ثنا عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود قال : إنّ بني إسرائيل استخلفوا خليفة عليهم بعد موسى ، فقام يصلّي في القمر ، فوق بيت المقدس ، فذكر أمورا كان صنعها ، فخرج فتدلّى بسبب ، فأصبح السّبب معلقا في المسجد وقد ذهب ، فانطلق حتّى أتى قوما على شطّ البحر ، فوجدهم يصنعون لبنا فسألهم كيف يأخذون هذا اللّبن؟ قال : فأخبروه ، فلبّن معهم ، وكان يأكل من عمل يديه ، فإذا كان حين الصّلاة تطهّر فصلّى. فرفع ذلك العمّال إلى قهرمانهم ، إنّ فينا رجلا يفعل كذا وكذا. فأرسل إليه ، فأبى أن يأتيه ، ثلاث مرّات ، ثمّ إنّه جاءه بنفسه يسير على دابّته ، فلمّا رآه فرّ واتّبعه ، فسبقه وقال : انظرني أكلّمك.

قال : فقام حتّى كلّمه ، فأخبره خبره ، فلمّا أخبره خبره ، وأنّه كان ملكا ، وأنه فرّ من رهبة ربّه عزوجل ، قال : لأظنّ (٢) أنّي لاحق بك. قال : فلحقه فعبدا الله حتّى ماتا برملة مصر.

قال عبد الله : لو كنت ثمّ لاهتديت (٣) إلى قبريهما من صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّتي وصف (٤).

__________________

(١) توفي سنة ٦٩٦ ه‍. انظر : معجم شيوخ الذهبي ١ / ٢٨١ ، ٢٨٢ رقم ٣٩٠ ، والمعجم المختص بالمحدّثين ١٣٤ رقم ١٥٥ ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق ٢ ج ٢ / ١٥٩ ـ ١٦١ رقم ٤٧٣ وفيها مصادر ترجمته.

(٢) في الأصل : «لا أظنّ» وهو غلط.

(٣) في الأصل : «لاقتديت».

(٤) أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ١٠ / ٢١٦ ، ٢١٧ رقم ١٣٧٠) وفيه : عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه.

٨٨

قال ابن السّمعانيّ : أبو محمد عبد القادر فخر أهل جيلان ، إمام الحنابلة وشيخهم في عصره ، فقيه صالح ديّن ، كثير الذّكر دائم الفكر سريع الدّمعة. تفقّه على المخرّمي ، وصحب الشّيخ حمّاد الدّبّاس.

قال : وكان يسكن باب الأزج في المدرسة الّتي بنو له. مضيت يوما لأودّع رفيقا لي ، فلمّا انصرفنا قال لي بعض من كان معي : ترغب في زيارة عبد القادر والتّبرّك به؟ فمضينا ودخلت مدرسته ، وكانت بكرة ، فخرج وقعد بين أصحابه ، وختموا القرآن ، فلمّا فرغنا أردت أن أقوم ، فأجلسني وقال : حتّى نفرغ من الدّرس. فألقى درسا على أصحابه ، ما فهمت منه شيئا. وأعجب من هذا أنّ أصحابه قاموا وأعادوا ما درّس لهم ، فلعلّهم فهموا لإلفهم بكلامه وعبارته (١).

وقال أبو الفرج بن الجوزيّ (٢) : وكان أبو سعد المخرّميّ قد بنى (٣) مدرسة لطيفة بباب الأزج ، ففوّضت إلى عبد القادر ، فتكلّم على النّاس بلسان الوعظ ، وظهر له صيت بالزّهد. وكان له سمت وصمت ، وضاقت المدرسة بالنّاس.

وكان يجلس عند سور بغداد ، مستندا إلى الرباط ، ويتوب عنده في المجلس خلق كثير ، فعمّرت المدرسة ووسّعت. وتعصّب في ذلك العوامّ.

وأقام بها يدرّس ويعظ إلى أن توفّي.

قلت : لم تسع مرارة ابن الجوزيّ بأن يترجمه بأكثر من هذا ، لما في قلبه له من البغض ، نعوذ بالله من الهوى (٤).

__________________

= وفيه أيضا : «رميلة مصر».

ورواه أيضا في (المعجم الأوسط برقم ٤٩٤).

وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد ١٠ / ٢١٨ ، ٢١٩) ونسبه إلى البزّار أيضا ١ / ٣٠٣ وقال : إسناده حسن.

(١) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩١.

(٢) في المنتظم ١٠ / ٢١٩ (١٨ / ١٧٣).

(٣) في الأصل : «بنا».

(٤) ولقد انتقد اليافعيّ بدوره المؤلّف الذهبيّ ـ رحمه‌الله ـ فقال : «وقوله انتهى إليه التقدّم في

٨٩

أنبأنا أبو بكر بن طرخان أنّ الشّيخ الموفّق أخبرهم ، وقد سئل عن الشّيخ عبد القادر رضي‌الله‌عنه : أدركناه في آخر عمره ، فأسكننا في مدرسته ، وكان يعنى بنا ، وربّما أرسل إلينا ابنه يحيى ، فيسرج لنا السّراج ، وربّما يرسل إلينا طعاما من منزله. وكان يصلّي الفريضة بنا إماما ، وكنت أقرأ عليه من حفظي من كتاب الخرقيّ غدوة ، ويقرأ عليه الحافظ عبد الغنيّ من كتاب «الهداية». وما كان أحد يقرأ عليه ذلك الوقت سوانا ، فأقمنا عنده شهرا وتسعة أيّام ، ثمّ مات ، وصلّينا عليه ليلا في مدرسته. ولم يسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه ، ولا رأيت أحدا يعظّمه النّاس من أجل الدّين أكثر منه. وسمعنا عليه أجزاء يسيرة (١).

قرأت بخطّ السّيف ابن المجد الحافظ : سمعت أبا عبد الله محمد بن محمود المراتبيّ يقول : سمعت الشّيخ أبا بكر العماد رحمه‌الله قال : كنت قد قرأت في أصول الدّين ، فأوقع عندي شكّا ، فقلت حتّى أمضي إلى مجلس الشّيخ عبد القادر ، فقد ذكر أنّه يتكلّم على الخواطر. فمضيت إلى مجلسه وهو يتكلّم فقال : اعتقادنا اعتقاد السّلف الصّالح والصّحابة. فقلت في نفسي : هذا قاله اتّفاقا. فتكلّم ثمّ التفت إلى النّاحية الّتي أنا فيها ، فأعاد القول ، فقلت : الواعظ يلتفت مرّة هكذا ، ومرّة هكذا. فالتفت إليّ وقال : يا أبا بكر ، وأعاد القول ، قم فقد جاء أبوك ، وكان غائبا. فقمت مبادرا إلى بيتنا ، وإذا أبي فقد جاء (٢).

__________________

= الوعظ والكلام على الخواطر فغضّ من منصبه العالي وقدح لا مدح فيما له من المفاخر والمعالي.

فمن مدح السادات أهل نهاية

وسامي مقامات بأوصاف مبتدي

فقد ذمّهم فيما به ظنّ مدحهم

وكم معتد فيها بزعمه مهتدي

(انظر : مرآة الجنان ٣ / ٣٤٩).

وذكر اليافعيّ أيضا أخبار الجيلاني في كتابين له : «خلاصة المفاخر في أخبار مناقب الشيخ عبد القادر» و «نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ أولي المقامات العالية». (مرآة الجنان ٣ / ٣٥٥).

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٢.

٩٠

قلت : ونظير هذه الحكاية ما حدّثنا الفقيه أبو القاسم بن محمد بن خالد قال :

حدّثني شيخنا جمال الدّين يحيى بن الصّيرفيّ : سمعت أبا البقاء النّحويّ قال : حضرت مجلس الشّيخ عبد القادر ، فقرءوا بين يديه بالألحان ، فقلت في نفسي : ترى لأيّ شيء لا ينكر الشّيخ هذا. فقال الشّيخ : يجيء واحد قد قرأ أبوابا من الفقه ينكر. فقلت في نفسي : لعلّ أنّه قصد غيري. فقال : إيّاك نعني بالقول. فتبت في نفسي من اعتراضي على الشّيخ. فقال : قد قبل الله توبتك (١).

وسمعت شيخنا ابن تيمية يقول : سمعت الشّيخ عزّ الدّين أحمد الفاروثيّ (٢) : سمعت شيخنا شهاب الدّين السّهرورديّ يقول : عزمت على الاشتغال بالكلام وأصول الدّين ، فقلت في نفسي : أستشير الشّيخ عبد القادر. فأتيته فقال قبل أن أنطق : يا عمر ، ما هو من عدّة القبر ، يا عمر ما هو من عدّة القبر.

قال : فتركته (٣).

وقال أبو عبد الله محمد بن محمود المراتبيّ : قلت للشّيخ الموفّق : هل لسماع الحديث عند ابن شافع ، فكلّ ما سمعناه لم ننتفع به.

قال السّيف : يعني لنزول ذلك (٤). وذلك أنّهم سمعوا منه «المسند» و «البخاريّ».

وقال شيخنا أبو الحسين اليونينيّ (٥) : سمعت الشّيخ عزّ الدّين بن عبد

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٢ ، ٤٤٣.

(٢) الفاروثيّ : نسبة إلى فاروث من قرى واسط. وهي براء مضمومة بعد الألف ، ثم واو ساكنة ، ثم مثلّثة. (توضيح المشتبه ٧ / ١٢).

وقد تحرّفت في (الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٦) إلى «الفاروقي» بالقاف بدل الثاء.

(٣) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٣ ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٦ ، ٢٩٧.

(٤) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٣.

(٥) هو علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني البعلي ، ولد ببعلبكّ سنة ٦٢١

٩١

السّلام يقول : ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتّواتر إلّا الشّيخ عبد القادر ، فقيل له هذا مع اعتقاده ، فكيف هذا؟ قال : لازم المذهب ليس بمذهب (١).

وقال ابن النّجّار في ترجمة الشّيخ عبد القادر : دخل بغداد سنة ثمان وثمانين ، وله ثمان عشرة سنة ، فقرأ الفقه على : أبي الوفاء بن عقيل ، وأبي الخطّاب ، وأبي سعد المبارك المخرّميّ ، وأبي الحسين بن الفرّاء ، حتّى أحكم الأصول ، والفروع ، والخلاف.

وسمع الحديث ، فذكر شيوخه.

قال : وقرأ الأدب على أبي زكريّا التّبريزيّ ، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه. ثمّ لازم الخلوة ، والرّياضة ، والسّياحة ، والمجاهدة ، والسّهر ، والمقام في الخراب والصّحراء. وصحب الشّيخ حمّاد الدّبّاس ، وأخذ عنه علم الطّريق. ثمّ إنّ الله تعالى أظهره للخلق ، وأوقع له القبول العظيم ، فعقد مجلس الوعظ في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. وأظهر الله الحكمة على لسانه.

ثمّ جلس في مدرسة شيخه أبي سعد للتّدريس والفتوى في سنة ثمان وعشرين ، وصار يقصد بالزّيارة والنّذور. وصنّف في الأصول والفروع ، وله كلام على لسان أهل الطّريقة عال.

روى لنا عنه ولده عبد الرّزّاق ، وأحمد بن البندنيجيّ (٢) ، وابن القبّيطيّ ، وغيرهم.

كتب إليّ عبد الله بن أبي الحسن الجبّائيّ (٣) بخطّه قال : قال لي الشّيخ

__________________

= وتوفي فيها سنة ٧٠١ ه‍. (انظر ترجمته ومصادرها في كتابنا : موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق ٢ ج ٣ / ٦٣ ـ ٦٦ رقم ٧٦١).

و «اليونيني» نسبة إلى يونين ، بلدة شمال بعلبكّ.

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٣.

(٢) البندنيجي : بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر النون وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الجيم. هذه النسبة إلى بندنيجين وهي بلدة قريبة من بغداد بينهما دون عشرين فرسخا. (الأنساب ٢ / ٣١٣).

(٣) تحرّفت «الجبّائي» إلى «الجبالي» في (الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٧).

٩٢

عبد القادر : طالبتني نفسي يوما بشهوة ، فكنت أضاجرها ، وأدخل في درب وأخرج إلى درب أطلب الصّحراء ، فبينما أنا أمشي ، إذ رأيت رقعة ملقاة ، فإذا فيها : ما للأقوياء والشّهوات ، إنّما خلقت الشّهوات للضّعفاء ليتقوّوا بها على طاعتي. فلمّا قرأتها خرجت تلك الشّهوة من قلبي.

قال : وقال لي : كنت أقتات بخرنوب الشّوك ، وورق الخسّ من جانب النّهر (١).

قرأت بخطّ أبي بكر عبد الله بن نصر بن حمزة التّيميّ : سمعت عبد القادر الجيليّ قال : بلغت بي الضّائقة في غلاء نزل ببغداد ، إلى أن بقيت أيّاما لا آكل فيها طعاما بل أتتبّع المنبوذات ، فخرجت يوما إلى الشّطّ لعلّي أجد ورق الخسّ والبقل ، فما ذهبت إلى موضع إلّا وجدت غيري قد سبقني إليه ، فرجعت أمشي في البلد ، فلا أدرك موضعا قد كان فيه شيء منبوذ إلّا وقد سبقت إليه ، فأجهدني الضّعف ، وعجزت عن التّماسك ، فدخلت مسجدا ، وقعدت ، وكدت أصافح الموت ، إذ دخل شاب أعجميّ ومعه خبز وشواء ، وجلس يأكل ، فكنت أكاد كلّما رفع يده باللّقمة أن أفتح فمي من شدّة الجوع ، حتّى أنكرت ذلك على نفسي ، إذ التفت فرآني ، فقال : بسم الله ، فأبيت ، فأقسم عليّ ، فبادرت نفسي إلى إجابته ، فأبيت مخالفا لها ولهواها ، فأقسم عليّ ، فأجبته ، وأكلت مقصّرا ، وأخذ يسألني : ما شغلك ، ومن أين أنت؟ فقلت : أمّا شغلي فمتفقّه ، وأمّا من أين ، فمن جيلان. فقال : وأنا والله من جيلان ، فهل تعرف لي شابّا جيلانيّا اسمه عبد القادر ، يعرف بسبط أبي عبد الله الصّومعيّ الزّاهد؟ قلت : أنا هو. فاضطرب لذلك ، وتغيّر وجهه ، وقال : والله يا أخي ، لقد وصلت إلى بغداد ، ومعي بقيّة نفقة لي ، فسألت عنك ، فلم يرشدني أحد ، إلى أن نفدت نفقتي ، وبقيت بعدها ثلاثة أيّام لا أجد ثمن قوتي إلّا من مالك معي ، فلمّا كان هذا اليوم الرابع قلت : قد تجاوزتني ثلاثة أيّام لم آكل فيها طعاما ، وقد أحلّت لي الميتة ، فأخذت من

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٣ ، ٤٤٤ ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٨ ، فوات الوفيات ٢ / ٣٧٣ ، ٣٧٤.

٩٣

وديعتك ثمن هذا الخبز والشّواء ، فكل طيّبا ، فإنّما هو لك ، وأنا ضيفك الآن.

فقلت : وما ذاك؟

قال : أمّك وجّهت معي ثمانية دنانير ، والله ما خنتك فيها إلى اليوم. فسكّنته وطيّبت نفسه ، ودفعت إليه شيئا منها (١).

كتب إليّ عبد الله بن أبي الحسن الجبّائيّ قال : قال لي الشّيخ عبد القادر : كنت في الصّحراء أكرّر الفقه وأنا في مشقّة من الفقر ، فقال لي قائل لم أر شخصه : اقترض ما تستعين به على طلب الفقه. فقلت : كيف أقترض وأنا فقير ، ولا وفاء لي؟

قال : اقترض وعلينا الوفاء.

قال : فجئت إلى بقّال فقلت له : تعاملني بشرط إذا سهّل الله لي شيئا أعطيك ، وإن متّ تجعلني في حلّ ، تعطيني كلّ يوم رغيفا ورشادا.

قال : فبكى وقال : يا سيّدي أنا بحكمك.

فأخذت منه مدّة ، فضاق صدري. فأظنّ أنّه قال : فقيل لي : امض إلى موضع كذا ، فأيّ شيء رأيت على الدّكّة فخذه وادفعه إلى البقليّ. فلمّا جئت رأيت على دكّة هناك قطعة ذهب كبيرة ، فأخذتها وأعطيتها للبقليّ (٢).

قال : ولحقني الجنون مرّة ، وحملت إلى المارستان ، وطرقتني الأحوال حتّى متّ ، وجاءوا بالكفن ، وجعلوني على المغسل ، ثمّ سرّي عنّي وقمت. ثمّ وقع في نفسي أن أخرج من بغداد لكثرة الفتن الّتي بها ، فخرجت إلى باب الحلبة ، فقال لي قائل : إلى أين تمشي؟ ودفعني دفعة حتّى خررت منها ، وقال : ارجع ، فإنّ للنّاس فيك منفعة. قلت : أريد سلامة ديني. قال : لك ذلك. ولم أر شخصه.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٤ ، ٤٤٥ ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٨ ، ٢٩٩.

(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٥.

٩٤

ثمّ بعد ذلك طرقتني الأحوال ، فكنت أتمنى من يكشفها لي ، فاخترت بالظّفريّة ، ففتح رجل داره ، وقال لي : يا عبد القادر ، أيش طلبت البارحة؟ فنسيت وسكتّ ، فاغتاظ منّي ، ودفع الباب في وجهي دفعة عظيمة ، فلمّا مشيت ذكرت الّذي سألت الله ، فرجعت أطلب الباب ، فلم أعرفه. وكان حمّادا الدّبّاس. ثمّ عرفته بعد ذلك ، وكتب لي جميع ذلك ممّا كنت يشكل عليّ. وكنت إذا غبت عنه لطلب العلم ورجعت إليه يقول : أيش جاء بك إلينا؟ أنت فقيه ، مرّ إلى الفقهاء. وأنا أسكت.

فلمّا كان يوم جمعة ، خرجت مع الجماعة معه إلى الصّلاة في شدّة البرد ، فلمّا وصلنا إلى قنطرة النّهر ، دفعني النّاس في الماء. فقلت : غسل الجمعة ، بسم الله.

وكان عليّ جبّة صوف ، وفي كمّي أجزاء ، فرفعت كمّي لئلّا تهلك الأجزاء ، وخلّوني ومشوا ، فعصرت الجبّة ، وتبعتهم ، وتأذّيت من البرد كثيرا.

وكان الشّيخ يؤذيني ويضربني ، وإذا غبت وجئت يقول : قد جاءنا اليوم الخبز الكثير والفالوذج ، وأكلنا وما خبّأنا لك وحشة عليك ، فطمع فيّ أصحابه وقالوا : أنت فقيه ، أيش تعمل معنا؟ فلمّا رآهم الشّيخ يؤذوني غار لي ، وقال لهم : يا كلاب ، لم تؤذونه؟ والله ما فيكم مثله ، وإنّما أوذيه لأمتحنه ، فأراه جبلا لا يتحرّك.

ثمّ بعد مدّة قدم رجل من همذان يقال له يوسف الهمذانيّ ، وكان يقال له القطب ، ونزل في رباط ، فلمّا سمعت به مشيت إلى الرّباط ، فلم أره ، فسألت عنه ، فقيل : هو في السّرداب ، فنزلت إليه ، فلمّا آني قام وأجلسني وفرشني ، وذكر لي جميع أحوالي ، وحلّ لي المشكل عليّ ، ثمّ قال لي : تتكلّم على النّاس. فقلت : يا سيّدي أنا رجل أعجميّ قحّ ، أخرس ، أيش أتكلّم على فصحاء بغداد؟

فقال لي : أنت حفظت الفقه وأصوله ، والخلاف ، والنّحو ، واللّغة ،

٩٥

وتفسير القرآن ، لا يصلح لك أن تتكلّم؟ اصعد على الكرسيّ ، وتكلّم على النّاس ، فإنّي أرى فيك عذقا سيصير نخلة (١).

قال : وقال لي الشّيخ عبد القادر : كنت أؤمر وأنهى في النّوم واليقظة ، وكان يغلب عليّ الكلام ، ويزدحم على قلبي إن لم أتكلّم حتّى أكاد أختنق ، ولا أقدر أن أسكت. وكان يجلس عندي رجلان وثلاثة يسمعون كلامي ، ثمّ تسامع النّاس بي ، وازدحم عليّ الخلق ، حتّى صار يحضر المجلس نحو من سبعين ألفا.

وقال لي : فتّشت الأعمال كلّها ، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطّعام ، أودّ لو أنّ الدّنيا بيدي فأطعمها الجياع.

وقال لي : كفّي مثقوبة لا تضبط شيئا ، لو جاءني ألف دينار لم أبيّتها.

وكان إذا جاءه أحد بذهب يقول له : ضعها تحت السّجّادة.

وقال لي : أتمنّى أن أكون في الصّحارى والبراري ، لما كنت في أوّل الأمر ، لا أرى الخلق ولا يروني.

ثمّ قال : أراد الله منّي منفعة الخلق ، فإنّه قد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة ، وتاب على يدي من العيّارين والمشّالحة أكثر من مائة ألف ، وهذا خير كثير.

وقال لي : ترد عليّ الأثقال الكثيرة ، ولو وضعت على الجبال تفسّخت ، فأضع جنبي على الأرض ، وأقرأ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٢) ثمّ أرفع رأسي وقد انفرجت عنّي.

وقال لي : إذا ولد لي ولد أخذته على يدي ، وأقول هذا ميّت. فأخرجه من قلبي ، فإذا مات لم يؤثّر عندي موته شيئا (٣).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٥ ـ ٤٤٧.

(٢) سورة الإنشراح ، الآيتان ٥ و ٦.

(٣) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٧.

٩٦

وقال ابن النّجّار : سمعت عبد الرّزّاق بن عبد القادر يقول : ولد لوالدي تسع وأربعون ولدا ، سبعة وعشرون ذكرا ، والباقي إناث (١).

وقال : كتب إليّ عبد الله بن أبي الحسن الجبّائيّ قال : كنت أسمع كتاب «الحلية» على ابن ناصر ، فرقّ قلبي ، وقلت في نفسي : اشتهيت أن أنقطع عن الخلق وأشتغل بالعبادة. ومضيت فصلّيت خلف الشّيخ عبد القادر ، فلمّا صلّى جلسنا ، فنظر إليّ وقال إذا أردت الانقطاع ، فلا تنقطع حتّى تتفقّه ، وتجالس الشّيوخ ، وتتأدّب ، وإلّا تنقطع وأنت فريخ ما ريّشت (٢).

قال ابن النّجّار : أخبرني أبو عبد الله محمد بن سعيد الشّاهد ، عن عبد الوهّاب ابن الشّيخ عبد القادر قال : سمعت أبا الثّناء بن أبي البركات النّهر ملكيّ يقول : قال لي صديق لي : قد سمعت أنّ الشّيخ عبد القادر لا يقع على ثيابه الذّباب. فقلت : ما لي علم بهذا. ثمّ بكّرنا يوم الجمعة ، وحضرنا مجلسه ، فالتفت إليّ وإليه وقال : أيش يعمل الذّباب عندي ، لا دبس الدّنيا ، ولا عسل الآخرة (٣).

قال : وأنبأنا أبو البقاء عبد الله بن الحسين الحنبليّ : سمعت يحيى بن نجاح الأديب يقول : قلت في نفسي : أريد أحصي كم يقصّ الشّيخ عبد القادر شعرا من التّوّاب. فحضرت المجلس ومعي خيط ، فكلّما قصّ شعرا عقدت عقدة تحت ثيابي ، من الخيط ، وأنا في آخر النّاس ، وإذا به يقول : أنا أحلّ ، وأنت تعقد؟! (٤).

قال : وسمعت شيخ الصّوفيّة عمر بن محمد السّهرورديّ يقول : كنت

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٧ ، فوات الوفيات ٢ / ٣٧٤.

(٢) زاد ابن النجّار : «فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك؟ ما يحسن صاحب الزاوية أن يخرج من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه! ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره».

(٣) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٨.

(٤) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٨.

٩٧

أتفقّه في صباي ، فخطر لي أن أقرأ شيئا من علم الكلام ، عزمت على ذلك من غير أن أتكلّم به ، فاتّفق أنّي صلّيت مع عمّي الشّيخ أبي النّجيب ، فحضر عنده الشّيخ عبد القادر مسلّما ، فسأله عمّي الدّعاء لي ، وذكر له أنّي مشتغل بالفقه. وقمت فقبّلت يده ، فأخذ يدي وقال لي : تب ممّا عزمت على الاشتغال به ، فإنّك تفلح. ثمّ سكت وترك يدي ، ولم يتغيّر عزمي عن الاشتغال بالكلام ، حتّى شوّشت عليّ جميع أحوالي ، وتكدّر وقتي عليّ ، فعلمت أنّ ذلك بمخالفة الشّيخ (١).

قال : وسمعت أبا محمد بن الأخضر يقول : كنت أدخل على الشّيخ عبد القادر في وسط الشّتاء وقوّة برده ، وعليه قميص واحد ، وعلى رأسه طاقيّة ، وحوله من يروّحه بالمروحة ، والعرق يخرج من جسده كما يكون في شدة الحرّ (٢).

قال : وسمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشّيبانيّ : سمعت الحافظ عبد الغنيّ : سمعت أبا محمد بن الخشّاب النّحويّ يقول : كنت وأنا شابّ أقرأ النّحو ، وأسمع النّاس يصفون حسن كلام الشّيخ عبد القادر ، فكنت أريد أن أسمعه ، ولا يتّسع وقتي لذلك ، فاتّفق أن حضرت يوما مجلسه ، فلمّا تكلّم لم أستحسن كلامه ، ولم أفهمه ، فقلت في نفسي : ضاع اليوم منّي. فالتفت إلى الجهة الّتي كنت فيها وقال : ويلك تفضّل النّحو على مجالس الذّكر ، وتختار [ذلك] (٣)؟! اصحبنا نصيّرك سيبويه.

وقال : حكى شيخنا أحمد بن ظفر بن الوزير ابن هبيرة قال : سألت جدّي أن يأذن لي إلى الشّيخ عبد القادر ، فأذن لي ، وأعطاني مبلغا من الذّهب ، وأمرني أن أدفعه إليه ، وتقدم إليّ بالسّلام عليه. فحضرت ، فلمّا انقضى المجلس ونزل عن المنبر ، سلّمت عليه ، وتحرّجت من دفع الذّهب

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٨ ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٩ ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٩.

(٣) في الأصل بياض ، والمضاف من : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٩.

٩٨

إليه في ذلك الجمع ، فبادرني الشّيخ سابقا لفكرتي وقال : هات ما معك ، ولا عليك من النّاس ، وسلّم على الوزير.

قال : ففعلت وانصرفت مدهوشا (١).

وقال أبو بكر عبد الله بن نصر الهاشميّ : حدّثني أبو العبّاس أحمد بن المبارك المرقعاتيّ قال : صحبت الشّيخ عبد القادر (٢).

وقال صاحب «مرآة الزّمان» (٣) : كان سكوت الشّيخ عبد القادر أكثر من كلامه ، وكان يتكلّم على الخواطر ، فظهر له صيت عظيم ، وقبول تامّ. وما كان يخرج من مدرسته إلّا يوم الجمعة ، أو إلى الرباط. وتاب على يده معظم أهل بغداد ، وأسلم معظم اليهود والنّصارى. وما كان أحد يراه إلّا في أوقات الصّلاة. وكان يصدع بالحقّ على المنبر ، وينكر على من يولّي الظّلمة على النّاس.

ولمّا ولّي المقتفي القاضي ابن المرخّم الظّالم ، قال على المنبر : ولّيت على المسلمين ظلم الظّالمين ، ما جوابك غدا عند ربّ العالمين؟

وكان له كرامات ظاهرة. لقد أدركت جماعة من مشايخنا يحكون منها جملة. حكى لي خالي لأمّي خاصّبك قال : كان الشّيخ عبد القادر يجلس يوم الأحد ، فبتّ مهتّما بحضور مجلسه ، فاتّفق أنّني احتلمت ، وكانت ليلة باردة ، فقلت ما أفوّت مجلسه ، وإذا انقضى المجلس اغتسلت. وجئت إلى المدرسة والشّيخ على المنبر ، فساعة وقعت عينه عليّ قال : يا زبير ، تحضر مجلسنا وأنت جنب وتحتجّ بالبرد!

وحكى لي مظفّر الحربيّ ، رجل صالح ، قال : كنت أنام في مدرسة الشّيخ عبد

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٩.

(٢) في الأصل ترك بياض مقدار نيّف وأربعة أسطر ، وكتب بجانبه على الهامش «ث. بيّض المؤلّف هذا المقدار ويمكن أن يكتب من مناقبه».

(٣) ج ٨ / ٢٦٤ ، ٢٦٥.

٩٩

القادر لأجل المجلس ، فمضيت ليلة وصعدت على سطوح المدرسة ، وكان الحرّ شديدا ، فاشتهيت الرّطب وقلت : يا إلهي وسيّدي ، ولو أنّها خمس رطبات.

وقال : كان للشّيخ باب صغير في السّطح ، ففتح الباب وخرج ، وبيده خمس رطبات ، وصاح : يا مظفّر ، وما يعرفني ، تعال خذ ما طلبت.

قال : ومن هذا شيء كثير.

قال : وكان ابن يونس وزير الإمام النّاصر قد قصد أولاد الشّيخ عبد القادر ، وبدّد شملهم ، وفعل في حقّهم كلّ قبيح ، ونفاهم إلى واسط ، فبدّد الله شمل ابن يونس ومزّقه ، ومات أقبح موتة.

قلت : كان الشّيخ رضي‌الله‌عنه عديم النّظير ، بعيد الصّيت ، رأسا في العلم والعمل. جمع الشّيخ نور الدّين الشّطنوفيّ المقرئ كتابا حافلا في سيرته وأخباره في ثلاث مجلّدات ، أتى فيه بالبرّة وأذن الجرّة ، وبالصّحيح والواهي والمكذوب ، فإنّه كتب فيه حكايات عن قوم لا صدق لهم ، كما حكوا أنّ الشّيخ مشى في الهواء من منبره ثلاث عشرة خطوة في المجلس ، ومنها أنّ الشّيخ وعظ ، فلم يتحرّك أحد فقال : أنتم لا تتحرّكون ولا تطربون ، يا قناديل اطربي.

قال : فتحرّكت القناديل ، ورقصت الأطباق.

وفي الجملة فكراماته متواترة ، ولم يخلف بعده مثله.

توفّي في عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستّين وله تسعون سنة ، وشيّعه خلق لا يحصون.

قال الجبّائيّ : كان الشّيخ عبد القادر يقول : الخلق حجابك عن نفسك ، ونفسك حجابك عن ربّك (١).

٢٤ ـ عبد العزيز بن عليّ بن محمد بن سلمة (٢).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٥٠.

(٢) انظر عن (عبد العزيز بن علي) في : تكملة الصلة لابن الأبّار ٦٢٨ ، معرفة القراء الكبار

١٠٠