تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

فقال ابن أخيه تقي الدّين عمر : إذا جاء قاتلناه. ووافقه غيره من أهله ، فسبّهم نجم الدّين أيّوب واحتدّ ، وكان ذا رأي ومكر ، وقال لتقي الدّين : اسكت ، وزبره ، وقال لصلاح الدّين : أنا أبوك ، وهذا خالك ، أتظّن أنّ في هؤلاء من يريد لك الخير مثلنا؟ فقال : لا. فقال : والله لو رأيت أنا وهذا نور الدّين لم يمكننا إلّا أن ننزل ونقبّل الأرض ، ولو أمرنا بضرب عنقك لفعلنا ، فما ظنّك بغيرنا؟! فكلّ من تراه من الأمراء لو رأى نور الدّين لما وسعه إلّا التّرجّل له. وهذه البلاد له ، وإن أراد عزلك فأيّ حاجة له إلى المجيء؟ بل يطلبك بكتاب.

وتفرّقوا ، وكتب أكثر الأمراء إلى نور الدّين بما تم. ولمّا خلا بولده قال : أنت جاهل ، تجمع هذا الجمع وتطلعهم على سرّك ، ولو قصدك نور الدّين لم تر معك أحدا منهم.

ثمّ كتب إلى نور الدّين بإشارة والده نجم الدّين يتخضّع له ، ففتر عنه (١).

[اتخاذ الحمام للمراسلة]

قال العماد (٢) : وكان نور الدّين لا يقيم في البلاد (٣) أيّام الربيع والصّيف محافظة على الثّغر ، وصونا من الحيف ، ليحمي البلاد بالسّيف (٤). وهو متشوّق إلى أخبار مصر وأحوالها ، فرأى اتّخاذ الحمام المناسب ، وتدريجها

__________________

(١) الكامل ١١ / ٣٧١ ـ ٣٧٣ ، التاريخ الباهر ١٥٨ ، ١٥٩ ، تاريخ الزمان ١٨٧ ، ١٨٨ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥١٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٢ ، دول الإسلام ٢ / ٨٠ ، العبر ٤ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٨٠ البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٥٠ ، ٢٥١ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٤٨ ، ٤٩ ، شفاء القلوب ٨١ ، ٨٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٣١ ، ١٣٢ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٢١ ـ ٢٣ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٨٤ ـ ١٨٦.

(٢) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٢٠ ، ٥٢١ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١١٩.

(٣) في الروضتين : «المدينة».

(٤) في الروضتين : «ليحمي البلاد من العدوّ بالسيف».

٤١

على الطّيران ، لتحمل إليه الكتب بأخبار البلدان. وتقدّم إليّ بكتب منشور لأربابها ، وإعذار أصحابها ، ونودي بالتّهديد لمن اصطاد منها شيئا (١).

[تفويض العماد بالتدريس والنظارة]

قال (٢) : وفي رجب فوّض إليّ نور الدّين المدرسة الّتي عند حمّام القصير ، وهي الّتي أنا منذ قدمت دمشق فيها ساكن. وكان فيها الشّيخ الكبير ابن عبد (٣) وقد استفاد من علمه كلّ حرّ وعبد ، فتوفّي ، وخلّف ولدين ، استمرّا فيها على رسم الوالد ، ودرّسا بها ، فخدعهما مغربيّ بالكيميا ، فلزماه ، وافتقرا به وأغنياه ، وغاظ نور الدّين ذلك ، وأحضرهما ووبّخهما ، ورتّبني فيها مدرّسا وناظرا.

[عبور الخطا نهر جيحون إلى خوارزم]

وفيها عبرت الخطا (٤) نهر جيحون يريدون خوارزم ، فجمع خوارزم شاه ابن أرسلان بن أتسز بن محمد جيوشه وقصدهم ، فمرض ، فجهّز الجيش للمقتفي ، فالتقوا واشتدّ الحرب ، ثمّ انهزم الخوارزميّون ، وأسر مقدّمهم ، ورجعت الخطا (٥).

__________________

(١) الكامل ١١ / ٣٧٥ ، التاريخ الباهر ١٥٩ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٢١ ، سنا البرق الشامي ١ / ١١٩ ، عيون التواريخ (مخطوط) ١٧ / ١٣٧ أ ، ب ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٩ ، عقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ١٧٢ أ ، ب ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٢ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٤١.

(٢) العماد في : سنا البرق الشامي ١ / ١١٩ ، ١٢٠ ، وانظر : البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٣ وقال إن المدرسة داخل باب الفرج ، فنسبت إليه لسكناه بها ، فيقال لها العماديّة.

(٣) هو أبو البركات خضر بن شبل بن عبد الحارث الدمشقيّ الواعظ المتوفى سنة ٥٦٢ ه‍. وسيأتي في التراجم برقم (٥٤).

(٤) الخطا : اسم يطلق على سكان الصين عامّة.

(٥) الكامل ١١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٩ (حوادث سنة ٥٦٨ ه‍.) ، تاريخ مختصر الدول ٢١٥.

٤٢

سنة ثمان وستين وخمسمائة

[تدريس ابن الجوزي بجامع المنصور]

قال ابن الجوزيّ : جلست يوم عاشوراء بجامع المنصور ، فحضر من الجمع ما حزر بمائة ألف (١).

[التخوّف من عسكر همذان]

وفيها وقعت الأراجيف بمجيء العسكر من همذان ، فأخذ الخليفة في التّجنيد ، وعمارة السّور ، وجمع الغلّات ، وعرض العساكر (٢).

[حفل ختان إخوة الخليفة]

وعمل ختان إخوته ، إخوة الخليفة وأقاربه ، فتفرّقت الخلع ، وذبح ألف رأس غنم ، وثلاثة آلاف دجاجة ، وعشرون ألف خشكنانكة (٣) ، وغير ذلك.

[حضور الخليفة مجلس ابن الجوزي]

وفي رجب تقدّم إليّ بالجلوس بباب بدر ليسمع الخليفة ، فكنت أجلس أسبوعا ، وأبو الخير القزوينيّ إلى آخر رمضان ، وجمعي عظيم ، وجمعه يسير.

ثمّ شاع أنّ أمير المؤمنين لا يحضر إلّا مجلسي ، فكانت زيادة عظيمة ببغداد (٤).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٣٩ (١٨ / ١٩٩).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٤٠ (١٨ / ١٩٩).

(٣) في المنتظم ١٠ / ٢٤٠ (١٨ / ٢٠٠) : «وعملت إحدى وعشرون ألف خشكنانكة من ستين كارة سميذا». وهذا يوضح أن «الخوشكنانكة» قطعة حلوى ، مرآة الزمان ٨ / ٢٩٢ ، ٢٩٣.

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٤٠ (١٨ / ٢٠٠).

٤٣

[استيلاء قراقوش على طرابلس الغرب]

قال ابن الأثير (١) : وفيها سار طائفة من التّرك مع قراقوش مملوك تقي الدّين عمر ابن أخي السّلطان صلاح الدّين إلى جبال نفّوسه ، فاجتمع به بعض المقدّمين هناك ، فاتّفقا وكثر جمعهما ، ونزلا على طرابلس الغرب ، فحاصراها مدّة ، ثمّ فتحت ، فاستولى عليها قراقوش ، وسكنها ، وكثرت عساكره (٢).

[فتح برقة واليمن]

وفيها افتتح شمس الدّولة أخو صلاح الدّين برقة على يد غلام له تركيّ.

ثمّ سار وافتتح اليمن بعد ذلك. وقبض على ابن مهديّ الخارج باليمن. وكان شابّا أسود ، منحلّ الاعتقاد (٣).

[حصار صلاح الدين الكرك]

وفيها سار صلاح الدّين بعساكر مصر يريد الكرك ، وإنّما بدأ بها لقربها إليه ، وكانت تمنع من يقصد الدّيار المصريّة ، وتقطع القوافل ، فحاصرها ، وقاتل الفرنج ، ثمّ رجع ولم يفتحها (٤).

__________________

(١) في الكامل ١١ / ٣٨٩.

(٢) مرآة الزمان ٨ / ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٣ ، دول الإسلام ٢ / ٨١ ، العبر ٤ / ٢٠١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨١ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٨٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٧١ ، الكواكب الدرّية ٢٢٠ ، شفاء القلوب ٨٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٣٣.

(٣) الكامل ١١ / ٣٩٦ وما بعدها. (حوادث سنة ٥٦٩ ه‍.) ، الدرّ المطلوب ٤٢ و ٥٧ ، العبر ٤ / ٢٠١.

(٤) الكامل ١١ / ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، النوادر السلطانية ٤٥ ، ٤٦ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٢٦ ، ٥٢٧ و ٥٣٣ ـ ٥٤٢ ، سنا البرق الشامي ١ / ١١٧ ، ١١٨ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٣٤ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٢ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٣ ، العبر ٤ / ٢٠١ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٧٠ و ٢٧١ ، ٢٧٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨١ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٨٤ ، الكواكب الدرّية ٢٢٠ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٣٤ ، الدرّ المطلوب ٥٠ ، ٥١.

٤٤

[وفاة خوارزم شاه]

وفيها مات خوارزم شاه أرسلان ، وملك بعده ابنه الصّغير محمود (١).

[الحرب بين أبناء خوارزم شاه على الملك]

وكان ابنه الكبير علاء الدّين تكش غائبا نائبا لأبيه على الجند ، فاستنجد بالخطا ، وأقبل بهم ، فاستعان أخوه محمود بصاحب نيسابور المؤيّد ، وعملوا المصافّ ، فأسر المؤيّد وذبح صبرا ، وهرب محمود ، وأسرت أمّه فيما بعد ، وقتلت ، وثبت قدم تكش في الملك ، فجاءت رسل صاحب الخطا بأمور مشقّة ، واقتراحات صعبة ، فقتل كلّ من عنده من الخطا ، ونبذ إلى ملك الخطا ، فسار محمود إلى ملك الخطا ، فجهّز معه جيشا ، فنازل خوارزم وحصرها ، فأمر تكش بإجراء ماء جيحون ، فكانوا يغرقون ، فرحلوا وندموا ، فسار محمود بهم ، فأخذ مرو ، فعادت الخطا إلى بلادها ، وجعل محمود الغزّ من دأبه ، وحاربهم وأولاهم ذلّا ، ثمّ افتتح مدينة سرخس سنة ستّ وسبعين ، ثمّ أخذ طوس (٢).

وأمّا نيسابور مملكتها ، فتولّاها طغان شاه ، بعد والده المؤيّد ، وكان لعّابا ، مسرفا على نفسه ، ملك أربع عشرة سنة ومات (٣).

[انهزام الروم أمام مليح الأرمني]

وفيها ، في جمادى الأولى هزم مليح بن لاون (٤) الأرمنيّ النّصرانيّ صاحب بلاد الدّروب وسيس عسكر الرّوم ، لعنهم الله تعالى. وذلك أنّ نور

__________________

(١) انظر عن (وفاة خوارزم شاه) في : الكامل في التاريخ ١١ / ٣٣٧ ـ ٣٨٥ ، وتاريخ مختصر الدول ٢١٥ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٢ ، ٥٣ ، والعبر ٤ / ٢٠٢ ، ودول الإسلام ٢ / ٨١ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٨١ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٨٣ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ١٣٢ ونهاية الأرب ٢٧ / ٢٠٢ ، مآثر الإنافة ٢ / ٥٥.

(٢) دول الإسلام ٢ / ٨١.

(٣) الكامل ١١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٨٥٣

(٤) يرد في المصادر العربية : «لاون» و «ليو» و «ليون» و «لاو».

٤٥

الدّين ، رحمه‌الله ، كان قد استخدم صاحب سيس هذا ، وأقطعه واستماله ، وظهر له منه نصحه ، وكان ملازما لخدمة نور الدّين ، معينا له على الفرنج ، ولمّا قيل لنور الدّين في معنى استخدامه وإعطائه بلاد سيس قال : أستعين به على قتال أهل ملّته ، وأريح طائفة من عسكري ، وأجعله سدّا بيننا وبين صاحب القسطنطينيّة. فجهّز إليه صاحب الروم جيشا كثيفا ، فالتقاهم ، ومعه طائفة من عسكر المسلمين ، فهزمهم ، وكثر القتل والأسر في الرّوم ، وقويت شوكة مليح (١).

[فتح نور الدين بهسنا ومرعش]

وفيها سار نور الدّين إلى بلاد الشّرق ، فصلّى في جامع الموصل الّذي بناه ، وتصدّق بمال عظيم ، ثمّ ردّ وقطع الفرات ، وقصد ناحية الروم ، فافتتح بهسنا (٢) ، ومرعش (٣).

[خضوع قلج أرسلان لشروط نور الدين]

وردّ إلى الشّام ، ومعه ابن الدّانشمند ، ووعده بخلاص بلاده ، فبعث قلج أرسلان إلى نور الدّين يخضع له ، وأن يردّ إلى ابن الدّانشمند قلاعه ، فشرط عليه نور الدّين :

__________________

(١) الكامل ١١ / ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، وانظر : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٤٧ ، وتاريخ الزمان ١٩٢ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١٣٦ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٣٧ ، دول الإسلام ٢ / ٨١ ، ٨٢ ، العبر ٤ / ٢٠١.

(٢) في الأصل : «بهنسا» ، وهو تحريف. قال أبو الفداء : بهسنا : بفتح الباء الموحّدة ، والهاء وسكون السين المهملة ثم نون وألف. من حصون الشام الشمالية. (تقويم البلدان ٢٦٤) ووصفه شيخ الربوة بأنه حصن مليح. (نخبة الدهر ٢٠٦) وتكتب أيضا «بهسنى» بالألف المقصورة. وورد في مرآة الجنان ٣ / ٣٨٤ «بهنسة».

(٣) الكامل ١١ / ٣٩١ ، التاريخ الباهر ١٦٠ ، ١٦١ ، النوادر السلطانية ٤٥ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، مفرّج الكروب ١ / ٢٣٣ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٣٣ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٤٢ ـ ٥٤٥ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٣ ، دول الإسلام ٢ / ٨٢ ، العبر ٤ / ٢٠٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨١ ، الكواكب الدريّة ٢١٧ ، ٢١٨ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٣٣ ، ١٣٤ ، الدرّ المنتخب ١٧١ ، الإعلام والتبيين ٣٠ ، عيون التواريخ (مخطوط) ١٧ / ١٤٧ ب ، ١٤٨ أ ، عقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ١٧٥ أ ، ب.

٤٦

تجديد إسلامه ، لأنّ قلج أرسلان اتّهمه بالزّندقة.

وأنّه متى طلب منه عسكره ينجد به.

وأن يزوّج بنت قلج أرسلان بابن أخيه سيف الدّين غازي صاحب الموصل.

ففعل. وبعث نور الدّين في خدمة ابن الدّانشمند عسكرا صحبة الأمير فخر الدّين عبد المسيح إلى ملطية وسيواس.

فلمّا مات نور الدّين عادت البلاد إلى قلج أرسلان (١).

[تدريس القطب النيسابورىّ بالغزالية]

وفيها قدم القطب النّسابوريّ من حلب إلى دمشق ، فدرّس بالغزاليّة (٢).

[بناء المدرسة العادلية]

وشرع نور الدّين في بناء مدرسة للشّافعيّة ، ووضع محرابها ، فمات ولم يتمّها (٣). وبقي أمرها على حاله ، إلى أن أزال الملك العادل ذلك البناء ، وعملها مدرسة عظيمة ، فهي العادليّة (٤).

__________________

(١) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٤٣ ـ ٥٤٥ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٣ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، مفرّج الكروب ١ / ٢٣٣ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٩٤.

(٢) هكذا هنا. وفي الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٤٥ نقلا عن العماد : «مدرّس بزاوية الجامع الغربية ، المعروفة بالشيخ نصر المقدسي رحمه‌الله ، ونزل بمدرسة الحاروق» ، وانظر : سنا البرق الشامي ١ / ١٣٤ ، ١٣٥ ، وعيون التواريخ (مخطوط) ١٧ / ١٤٨ أ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٧٠ ، وعقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ٢٢٥ ب ، ٢٢٦ أ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٩٤.

(٣) الكامل ١١ / ٣٩٥.

(٤) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٤٥ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٣٥ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٩٤.

٤٧

سنة تسع وستين وخمسمائة

[حريق الظفريّة]

في المحرّم وقع حريق بالظّفريّة ، فاحترقت مواضع كثيرة (١).

[تدريس ابن الجوزي بجامع المنصور]

قال ابن الجوزيّ (٢) : وجلست يوم عاشوراء في جامع المنصور ، فحزر الجميع بمائة ألف ، كذا قال.

[الازدحام على درس ابن الجوزي بالحربيّة]

قال (٣) : وسألني في ربيع الأوّل أهل الحربيّة أن أعمل عندهم مجلسا ، فوعدتهم ليلة ، فانقلبت بغداد ، وعبر أهلها ، وتلقّيت بشموع حزرت ألف شمعة ، وما رأيت البرّيّة إلّا مملوءة بالضّوء ، وكان أمرا مفرطا ، فلو قال قائل : إنّ الخلق كانوا ثلاثمائة ألف لما أبعد.

[وصول التقادم من نور الدين إلى الخليفة بمصر]

وفي رجب وصل ابن الشّهرزوريّ (٤) بتحف وتقادم للخليفة من نور الدّين ، وفيها حمار مخطّط [كثوب] (٥) عتابيّ ، وخرج الخلق للفرجة عليه.

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٤٢ (١٨ / ٢٠٢).

(٢) في المنتظم ١٠ / ٢٤٢ (١٨ / ٢٠٢).

(٣) في المنتظم ١٠ / ٢٤٣ (١٨ / ٢٠٣).

(٤) في المنتظم ، بطبعتيه القديمة والحديثة : «ابن الهروي» ، والمثبت يتفق مع : الكامل ١١ / ٣٩٥.

(٥) في الأصل بياض ، والمثبت من المصادر. انظر : المنتظم ١٠ / ٢٤٤ (١٨ / ٢٠٤) ،

٤٨

وكان فيهم رجل عتّابيّ كثير الدّعاوى ، وهو بليد ، ناقص الفضيلة فقال رجل : إن كان بعث إلينا حمار عتّابيّ ، فنحن عندنا عتّابيّ حمار (١).

[التدريس بالنظاميّة]

وفيها ولّي أبو الخير القزوينيّ تدريس النّظاميّة ببغداد (٢).

[خروج ابن أخي شملة وقتله]

وخرج ابن أخي شملة التّركمانيّ ، ويعرف ابن سنكة (٣) ، وأخذت قلعة في نواحي باذرايا ليتّخذها عونا له على الإغارة ، فسارت لقتاله العساكر ، فالتقوا ، فطحن الميمنة ، ثمّ حمي القتال ، وظفروا به ، وجيء برأسه إلى بغداد (٤).

[وقوع البرد]

وفيها وقع برد بالسّواد ، هدم الدّور ، وقتل جماعة وكثيرا من المواشي.

وقال ابن الجوزيّ (٥) : فحدّثني الثّقة أنّهم وزنوا بردة ، فكانت سبعة أرطال.

قال : وكان عامّته كالنّارنج (٦).

[زيادة دجلة]

وفي رمضان زادت دجلة زيادة عظيمة على كلّ زيادة تقدّمت منذ بنيت

__________________

= والروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٢٥ ، ٥٢٦ ، والدرّ المطلوب ٤٨ ، ويقصد بالحمار العتّابيّ حمار مخطّط من حمر الوحش التي تشبه في لونها القماش العتابي المخطط.tciD.ppuS ـ yzoD ((.rA.

(١) مرآة الزمان ٨ / ٢٩٣ وفيه : «يا قوم ليس بعجب أن يحمل الفتى حمار عتابي عندنا عتابي حمار» ، وانظر : تاريخ الخلفاء ٤٤٧.

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٤٤ (١٨ / ٢٠٤).

(٣) في المنتظم ١٠ / ٢٤٤ (١٨ / ٢٠٤) «ابن سنكا» ، وفي الكامل في التاريخ ١١ / : «شنكا».

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٤٤ (١٨ / ٢٠٤).

(٥) في المنتظم ١٠ / ٢٤٤ (١٨ / ٢٠٤).

(٦) الكامل ١١ / ٤١٠ ، تاريخ الخميس ٢ / ٤٠٩ ، دول الإسلام ٢ / ٨٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٧٣ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٧.

٤٩

بغداد بذراع وكسر ، وخرج النّاس إلى البحر ، وأيسوا من البلد ، وضجّوا إلى الله بالبكاء ، وانهدمت دور كثيرة بمرّة. وكان آية من الآيات. وهلكت قرى ومزارع لا تحصى. ونصب يوم الجمعة منبر خارج السّور ، وصلّى الخطيب بالنّاس هناك.

وفي الجمعة الأخرى اجتمعوا بمسجد التّوبة. ودام الغرق أيّاما ، وكثر الابتهال إلى الله. وبقي الخلق والأمراء كلّما سدّوا ثقبا وتعبوا عليه ، غلبهم الماء وخرّبه ، أو انفتح آخر عنده (١).

[الأمطار بالموصل]

وجاءت أمطار (٢) هائلة بالموصل ، ودامت أربعة أشهر ، حتّى تهدّم بها نحو ألفي دار ، وهلك خلق تحت الرّدم ، وزادت الفرات زيادة كبيرة ، وفاضت حتّى أهلكت قرى ومزارع.

ومن العجب أنّ هذا الماء على هذه الصّفة ، ودجيل قد هلكت مزارعة بالعطش (٣).

[تجدّد الخلاف بين السنّة والرافضة]

وتوفّي السّلطان نور الدّين فتجدد بحلب بعد موته اختلاف بين السّنّة والرّافضة ، فقتل من الطّائفتين خلق ، ونهب ظاهر البلد.

[البشارة بفتح اليمن وكسر الفرنج]

وكان ممّا قدم به ابن الشّهرزوريّ من البشارة : فتح اليمن ، وكسر الفرنج مرّة ثانية ، ومقدّمهم الدّوقش ، وكان أسيرا عند نور الدّين. أسره نوبة حارم ، ففداه بخمسة وخمسين ألف دينار ، وخمسمائة ثوب أطلس.

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٤٤ ـ ٢٤٦ (١٨ / ٢٠٤ ـ ٢٠٧) ، الكامل ١١ / ٣٩٤ ، دول الإسلام ٢ / ٨٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٧٣ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٧.

(٢) في المنتظم ١٠ / ٢٤٧ (١٨ / ٢٠٧) : «أكلاك».

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٤٧ (١٨ / ٢٠٧) ، الكامل ١١ / ٤٠٩ وفيه أن الأمطار دامت أربعين يوما ، دول الإسلام ٢ / ٨٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٧٣ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٧.

٥٠

وفي كتابه يقول : «ولم ينج من عشرة آلاف غير عشرة حمر مستنفرة ، فرّت من قسورة».

[وصول الفتوحات إلى النوبة]

وذكر ابن الأثير (١) أنّ صلاح الدّين لمّا استولى على مصر ، وأراد أن يستبدّ بالأمر ، خاف من نور الدّين ، وعرف أنّه ربّما يقصده ، ويأخذ منه مصر ، فشرع هو وأهل بيته في تحصيل مملكة تكون لهم ملجأ إن حصرهم. فجهّز أخاه توران شاه إلى النّوبة ، فافتتح منها.

[الفتوحات في اليمن]

فلمّا عاد تجهّز إلى اليمن بقصد عبد النّبيّ صاحب [زبيد] (٢) ، وطرده عن اليمن. وحسّن لهم ذلك عمارة اليمنيّ. فسار في أكمل الهيبة والأهبة ، فلم يثبت له أهل زبيد ، وتفرّقوا ، فعمد العسكر إلى سور زبيد ، ونصبوا السّلالم ، وطلعوا ، فأسروا عبد النّبيّ وزوجته الحرّة ، وكانت صالحة ، كثيرة الصّدقة ، فعذّبوا عبد النّبيّ ، واستخرجوا منه أموالا كثيرة ، ثمّ سار توران شاه إلى عدن ، وهي لياسر ، فهزموه وأسروه. ثمّ سار فافتتح حصون اليمن ، وهي قلعة تعز (٣) ، وقلعة الجند (٤). واستناب بعدن عزّ الدّين عثمان بن الزّنجبيليّ ، وبزبيد سيف الدّولة مبارك بن منقذ (٥).

__________________

(١) في الكامل ١١ / ٣٨٦ ، ٣٨٧ و ٣٩٦.

(٢) إضافة على الأصل من : الكامل ١١ / ٣٩٦.

(٣) في الكامل ١١ / ٣٩٨ «قلعة التعكر».

(٤) الجند : بتحريك الجيم والنون بالفتح.

(٥) الكامل ١١ / ٣٩٦ ـ ٣٩٨ ، النوادر السلطانية ٤٦ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٥١ ـ ٥٥٥ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، النكت العصرية ٣٥٢ ـ ٣٥٥ ، مفرّج الكروب ١ / ٢٣٨ ـ ٢٤٠ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٤٠ ، تاريخ الزمان ١٨٩ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٢ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٤ ، العبر ٤ / ٢٠١ و ٢٠٧ ، دول الإسلام ٢ / ٨٣ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٢ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٨٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، مآثر الإنافة =

٥١

وزاد أبو المظفّر السّبط فقال (١) : يقال إنّه افتتح [ثمانين] (٢) حصنا ومدينة ، وقتل عبد النّبيّ بن مهديّ.

[إخراج المحفوظ في خزائن مصر]

وذكر ابن أبي طيِّئ قال (٣) : في هذه السّنة وصل الموفّق بن القيسرانيّ إلى مصر رسولا من نور الدّين ، فاجتمع بصلاح الدّين ، وأنهى إليه رسالة ، وطالبه بحساب جميع ما حصّله من ارتفاع البلاد ، فصعب ذلك عليه ، وأراد شقّ العصا ، ثمّ ثاب ، وأمر النّوّاب بالحساب ، ثمّ عرضه على ابن القيسرانيّ ، وأراه جرائد (٤) الأجناد بالإقطاع. ثمّ أرسل معه هديّة على يد الفقيه عيسى ، وهي ختمة بخطّ ابن البوّاب ، وختمة بخطّ مهلهل ، وختمة بخطّ الحاكم البغداديّ ، وربعة مكتوبة بالذّهب بخطّ يأنس (٥) ، وربعة عشرة أجزاء بخطّ

__________________

(٢) / ٥٤ ، الكواكب الدرّية ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٥٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٣٤ ، الدرّة المطلوب ٤٢ و ٥٧.

(١) في مرآة الزمان ٨ / ٢٩٩.

(٢) في الأصل بياض ، والمستدرك من : مرآة الزمان.

(٣) قوله نقله أبو شامة في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٥٨ ، ٥٥٩.

(٤) في الأصل : «جوائز».

(٥) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٦٨ : «ختمة ثلاثون جزءا مغشّاة بأطلس أزرق ، مضبّبة بصفائح ذهب ، وعليها أقفال ذهب ، مكتوبة بذهب ، بخط يأنس».

ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :

إنّ يأنس المذكور كان من الخطّاطين بدار العلم بطرابلس الشام في عهد أمرائها من بني عمّار ، وعند ما سقطت طرابلس بيد الصليبيين سنة ٥٠٢ ه‍. / ١١٠٩ م ، انتقل إلى شيزر وأقام عند أمرائها من بني منقذ عدّة سنوات ، ونسخ لوالد أسامة بن منقذ ختمتين من المصحف الشريف ، ووصفه أسامة بيانس الناسخ وقال إنه قريب الطبقة في الخط من طريقة ابن البوّاب. وقال إنه انتقل بعد ذلك إلى مصر في سنة ٥٠٦ ه‍. / ١١١٣ م. فاستخدم في خزانة الكتب الأفضلية فكان الأفضل ابن بدر الجمالي يؤدّي إليه عشرة دنانير في الشهر ، وثلاث رزم كسوة في السنة ، بالإضافة إلى الهبات والرسوم. (انظر : الاعتبار لأسامة بن منقذ ٢٠٨ ، والوافي بالوفيات ١٧ / ٦٨٧ ـ في ترجمة العاضد صاحب مصر ـ ، واتعاظ الحنفا ٣ / ٥١ ، وكتابنا : الحياة الثقافية في طرابلس الشام ـ ص ٤٩ ، وكتابنا : دار العلم بطرابلس في القرن الخامس الهجريّ ـ ص ٤١ ، وكتابنا : «لبنان» في العصر

٥٢

راشد ، وثلاثة أحجار بلخش (١) ، وستّ قصبات زمرّد ، وقطعة ياقوت وزن بسبعة مثاقيل ، وحجر أزرق ستّة مثاقيل (٢) ، ومائة عقد جوهر ، وزنها ثمانمائة وسبعة وخمسون مثقالا ، وخمسون قارورة دهن بلسان ، وعشرون قطعة بلّور ، وأربع عشرة (٣) قطعة جزع ، وإبريق يشم (٤) وطشت (٥) يشم ، وصحون صينيّ ، وزبادي أربعون ، وكرتان عود قماريّ (٦) ، وزن إحداهما (٧) ثلاثون رطلا بالمصريّ ، والأخرى أحد وعشرون ، ومائة ثوب أطلس ، وأربعة وعشرون بقيارا (٨) مذهّبة ، وخمسون ثوبا حرير (٩) ، وحلّة فلغلي (١٠) مذهّب ، وحلّة مرايش صفراء (١١) وغير ذلك من القماش ، وقيمتها مائتان وخمسة (١٢) وعشرون ألف دينار ، وعدّة من الخيل ، والغلمان ، والجواري (١٣) ، والسّلاح ، ولم تصل إلى نور الدّين ، لأنّه مات. فمنها ما أعيد ، ومنها ما استهلك ، لأنّ

__________________

= الفاطمي ـ القسم الحضاريّ ـ ص ٢٤٠).

(١) بلخش : بفتح الباء واللام ، وسكون الخاء المعجمة ، وفي الآخر شين معجمة. معدن من الأحجار الكريمة ، يؤخذ من نواحي بلخشان. والعجم تقول : بذخشان ، بذال معجمة ، وهي متاخمة لبلاد الترك.

(٢) زاد في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٥٨ «وسدس».

(٣) في الأصل : «وأربعة عشر».

(٤) اليشم أو اليشب : حجر ثمين قريب من الزبرجد منه الأبيض والأصفر والزيتي. (انظر : مفرّج الكروب ١ / ٢٢٤ حاشية ٣).

(٥) في الأصل : «سشت».

(٦) «قماري» ليست في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٥٩

(٧) في الأصل : «أحديهما».

(٨) في الأصل : «بقيار» والمثبت عن الروضتين. وهي السّجادة السوداء من وبر الجمل ، وهي أيضا نوع من العمائم الكبار للوزراء ورجال العلم. (انظر : السلوك ج ١ ق ١ / ٥٥ الحاشية ٤).

(٩) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٥٩ : «أربعة وعشرون ثوبا حريري ، أربعة وعشرون ثوبا من الوشي حريرية بيض».

(١٠) في الأصل : «قلقلى».

(١١) زاد في الروضتين : «مذهّبه».

(١٢) في الأصل : «وخمس».

(١٣) في الأصل : «الجوار».

٥٣

الفقيه عيسى وابن القيسرانيّ وضعا عليها من نهبها واستبدّا (١) بأكثرها.

وقيل ردّت كلّها إلى صلاح الدّين. وكان معها خمسة أحمال مال (٢).

[مهادنة الصالح إسماعيل للفرنج]

وتحرّكت الفرنج بالسّواحل ، وكان بدمشق الملك الصّالح إسماعيل ابن السّلطان نور الدّين ، صبيّ عمره عشر سنين أو أكثر ، فاستنجد بصلاح الدّين صاحب مصر. وبلغ صلاح الدّين نزول الملاعين على بانياس ، فصالحهم الأمراء وأهل دمشق ، وهادنوهم على مال وأسارى يطلقون. فكتب إلى جماعة يوبّخهم ، فكتب إلى الشّيخ شرف الدّين بن أبي عصرون يخبره أنّه لمّا أتاه كتاب الملك الصّالح تجهّز للجهاد وخرج ، وسار أربع مراحل ، فجاءه الخبر بالهدنة المؤذنة بذلّ الإسلام ، من رفع القطيعة ، وإطلاق الأسارى ، وسيّدنا المسيح أوّل من جرّد لسانه الّذي تغمد له السّيوف وتجرّد. وكتب في ذي الحجّة من السّنة (٣).

مصرع الّذين سعوا في إعادة دولة بني عبيد

كانت دولة العاضد وذرّيّته لذيذة لأناس ، وهم يتقلّبون في نعيمها ، فأخّروا وأبعدوا. فذكر جمال الدّين بن واصل (٤) ، وغيره ، أنّ في سنة تسع وستّين ، أراد جماعة من شيعة العبيديّين ومحبّيهم إقامة الدّعوة ، وردّها إلى العاضد ، فكان منهم عمارة اليمنيّ ، وعبد الصّمد الكاتب ، والقاضي هبة الله ابن كامل ، وداعي الدّعاة ابن عبد القويّ ، وغيرهم من الجند والأعيان والحاشية ، ووافقهم على ذلك جماعة من أمراء صلاح الدّين ، وعيّنوا الخليفة والوزير ، وتقاسموا الدّور ، واتّفق رأيهم على استدعاء الفرنج من صقلّيّة والشّام يقصدون مصر ، ليشغلوا صلاح الدّين بهم ، ويحلو لهم الوقت ، ليتمّ أمرهم ومكرهم.

__________________

(١) في الأصل : «وضعوا عليهم من نهبهم واستبدّوا».

(٢) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٥٩ : «كان معها عشرة صناديق مالا لم يعلم مقداره» ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٧٤.

(٣) الكامل ١١ / ٤٠٨.

(٤) في مفرّج الكروب ١ / ٢٢٩ و ٢ / ١٦ ، ١٧.

٥٤

وقال لهم عمارة اليمنيّ : أنا قد أبعدت أخاه توران شاه إلى اليمن خوفا من أن يسدّ مسدّه ، وقرّروا الأمور ، وكاد أمرهم أن يتمّ ، وأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، فأدخلوا في الشّورى الواعظ زين الدّين عليّ بن نجا ، فأظهر لهم أنّه معهم ، ثمّ جاء إلى صلاح الدّين ، فأخبره ، وطلب من صلاح الدّين ما لابن كامل من الحواصل والعقار ، فبذل له ، وأمره بمخالطتهم ، وتعريف شأنهم ، فصار يعلمه بكلّ متجدّد. فجاء رسول ملك الفرنج بالسّاحل إلى صلاح الدّين بهديّة ، ورسالة ، وفي الباطن إليهم. وأتى الخبر إلى صلاح الدّين من أرض الفرنج بجليّة الحال ، فوضع صلاح الدّين على الرسول بعض من يثق إليه من النّصارى ، فداخل الرسول ، فأخبره بحقيقة الأمر.

وقيل إنّ عبد الصّمد الكاتب كان يلقى القاضي الفاضل (١) بخضوع زائد ، فلقيه يوما ، فلم يلتفت إليه ، فقال القاضي الفاضل : ما هذا إلّا لسبب ، فأحضر ابن نجا الواعظ ، فأخبره الحال ، وطلب منه كشف الأمر ، فأخبره بأمرهم ، فبعثه إلى صلاح الدّين ، فأوضح له الأمر ، فطلب صلاح الدّين الجماعة ، وقرّرهم فأقرّوا ، وكان بين عمارة وبين الفاضل عداوة ، فلمّا أراد صلاح الدّين صلبه ، تقدّم الفاضل وشفع فيه ، فظنّ عمارة أنّه يحثّه على هلاكه ، فنادى : يا مولانا لا تسمع منه في حقّي. فغضب القاضي الفاضل وخرج. فقال صلاح الدّين : إنّما كان يشفع فيك. فندم ، وأخرج ليصلب ، فطلب أن يمرّوا به على مجلس القاضي الفاضل ، فاجتازوا به عليه ، فأغلق بابه ، فقال عمارة :

عبد الرّحيم قد احتجب

إنّ الخلاص من (٢) العجب

ثمّ صلب هو والجماعة بين القصرين ، وذلك في ثاني رمضان ، وأفنى بعد ذلك من بقي منهم (٣).

__________________

(١) هو القاضي محيي الدين عبد الرحيم بن علي بن حسن الفاضل البيساني ثم المصري.

(٢) في الكامل ١١ / ٤٠٠ ، «هو» ، ومثله في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٦٩.

(٣) الكامل ١١ / ٣٩٨ ـ ٤٠٠ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٦٠ ـ ٥٦٥ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٤٧ ـ ١٤٩ ، مسالك الأبصار (مخطوط) ٢٧ / ٣١ أ ، ب ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٤ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، البداية والنهاية =

٥٥

قال العماد الكاتب (١) : وكان منهم داعي الدّعاة ابن عبد القويّ (٢) ، وكان عارفا بخبايا القصر وكنوزه ، فباد ولم يسمح بإبدائها.

وأمّا الّذين نافقوا على صلاح الدّين من جنده فلم يعرض لهم ، ولا أعلمهم بأنّه علم بهم.

وكان ممّن صلب القاضي العوريس ، فحكى القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعزّ أنّ قاضي القضاة العوريس (٣) [قال] : الصّلب حقّ ، فقال له ابن مريم :

نعم. فعبّرها العابر وقال : صاحب هذه الرّواية يصل لأنّ المسيح معصوم ، ولا يمكن أن يكون ذلك راجعا إليه ، لأنّ الله تعالى نصّ لنا أنّه لم يصلب ، فبقي أن يكون راجعا إلى الرّأي.

وجاء الكتاب إلى دمشق بقصة هؤلاء يوم موت نور الدّين رحمه‌الله ، وكانوا أيضا قد كاتبوا إنسانا وأهل الحصون يستعينون بهم.

[منازلة الفرنج الإسكندرية]

فلمّا كان السّادس والعشرون من ذي الحجّة وصل أصطول الفرنج من صقلّيّة ، فنازلوا الإسكندريّة بغتة ، فجاءوا على بناء مراسلة الّذين صلبوا. وكان معهم ألف وخمسمائة فرس ، وعدّتهم ثلاثون ألف مقاتل ، من بين فارس وراجل ، وكان معهم مائتا شينيّ (٤) ، وستّ سفن كبار ، وأربعون مركبا. وبرز لحربهم أهل الثّغر ، فحملوا على المسلمين حملة أوصلتهم إلى السّور ، ففقد

__________________

(١٢) / ٢٧٥ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٤٠ وفيه : «فشنقوا في عاشر رمضان».

(١) قوله في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٦١ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١٤٩.

(٢) هو : إسماعيل بن عبد القوي. (النجوم الزاهرة ٦ / ٧٠).

(٣) في سنا البرق ، والروضتين ، ومفرّج الكروب : «العويرس» ، والمثبت يتفق مع الدرّ المطلوب ٥٥.

(٤) الشيني : جمعها شواني. وهي سفينة حربية كانت تعتبر عند المسلمين أكبر سفن الأسطول ، وتقام عليها الأبراج والقلاع للدفاع ، وكانت تنزلق على الماء بمساعدة مائة وأربعين مجدافا. (السلوك ج ١ ق ١ / ٥٦ حاشية ٧).

٥٦

من المسلمين فوق المائتين ، فلمّا أصبحوا زحفوا على الإسكندريّة ، ونصبوا ثلاث دبّابات (١) بكباشها (٢) ، وهي كالأبراج ، وثلاثة مجانيق تضرب بحجارة سود ، استصحبوها من صقلّيّة ، فزحفوا إلى أن قاربوا السّور ، فرأى الفرنج من شجاعة أهل الإسكندريّة ما راعهم. وبعثت بطاقة إلى الملك صلاح الدّين وهو نازل على فاقوس ، فاستنهض الجيش وبادروا. واستمرّ القتال.

وفي اليوم الثّالث فتح المسلمون باب البلد ، وكبسوا الفرنج على غفلة ، وحرّقوا الدّبّابات ، وصدقوا اللّقاء ، ودام القتال إلى العصر ، ونزل من الله النّصر ، واستحرّ بالفرنج القتل. وردّ المسلمون إلى البلد لأجل الصّلاة. ثمّ كبّروا عند المغرب ، وهاجموا الفرنج في خيامهم ، فتسلّموها بما حوت ، وقتلوا من الرّجّالة ما لا يوصف. واقتحم المسلمون البحر ، فغرّقوا المراكب وحرّقوها ، وهربت باقي المراكب ، وصار العدوّ بين أسير ، وقتيل ، وغريق. واحتمى ثلاثمائة فارس في تلّ ، فأخذوا أسرى ، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة ، فلله الحمد كثيرا (٣).

[هلاك مرّي ملك الفرنج]

وفي آخر السّنة هلك مرّي (٤) ملك الفرنج ، لا رحمه‌الله. وهو الّذي حاصر القاهرة ، وأشرف على أخذها (٥).

__________________

(١) الدّبابات : جمع دبّابة ، وهي برج متحرّك ذو أدوار قد تصل إلى أربعة ، أولها من خشب ، وثانيها من رصاص ، وثالثها من حديد ، ورابعها من النحاس الأصفر ، وتتحرّك على عجلات وتستخدم في مهاجمة الحصون والأسوار بمساعدة الكباش.

(٢) الأكباش : جمع كب ٥ ، وهي آلة تتّصل بالدبّابة ، لها رأس ضخم وقرنان ، تدفع نحو الأسوار لهدمها. (السلوك ج ١ ق ١ / ٥٦ حاشية ٨).

(٣) الكامل ١١ / ٤١٢ ـ ٤١٤ (حوادث سنة ٥٧٠ ه‍.) ، النوادر السلطانية ٤٨ ، ٤٩ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٩٨ ـ ٦٠٠ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٢ ـ ١٤ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٦٩ ـ ١٧٥ ، عقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ١٩٤ ب ، ١٩٥ أ ، الدرّ المطلوب ٤٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٨٧.

(٤) وهو «cirlamA­.

(٥) الكامل ١١ / ٤١٩ (حوادث سنة ٥٧٠ ه‍.) ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦١٢ ، تاريخ الزمان ١٩٠.

٥٧

[رسالة ابن المقدّم إلى صلاح الدين وردّه عليها]

ولمّا بلغ صلاح الدّين سوء تدبير الأمراء في دولة ابن نور الدّين ، كتب إليهم ، ونهاهم عن ذلك. فكتب إليه ابن المقدّم يردعه عن هذه العزيمة ، ويقول له :

«لا يقال عنك إنّك طمعت في بيت من غرسك ، وربّاك وأنبتك (١) ، وصفّى (٢) مشربك ، وأصفى (٣) ملبسك ، وفي دست ملك مصر أجلسك ، فما يليق بحالك غير فضلك وإفضالك» (٤).

فكتب إليه صلاح الدّين : إنّه لا يؤثر للإسلام وأهله ، إلّا ما جمع شملهم ، وألّف كلمتهم ، وللبيت الأتابكيّ ، أعلاه الله تعالى ، إلّا ما حفظ أصله وفرعه (٥). فالوفاء إنّما يكون بعد الوفاة (٦) ، ونحن في دار ، والظّانّون بنا ظنّ السّوء في واد (٧).

[وعظ الطوسي بالتاجية وثورة الشيعة عليه]

وفيها وعظ الطّوسيّ بالتّاجيّة من بغداد ، فقال : ابن ملجم لم يكفر بقتله عليّا رضي‌الله‌عنه ، فجاءه الآجرّ من كلّ ناحية ، وثارت عليه الشّيعة ، ولو لا الغلمان الّذين حوله لقتل. ولمّا همّ الميعاد الآخر بالجلوس ، تجمّعوا ومعهم

__________________

(١) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٩٧ «وربّاك وأسّسك».

(٢) في الروضتين : «وأصفى».

(٣) هكذا في الأصل بالصاد المهملة. وفي الروضتين : «أضفى» بالضاد المعجمة.

(٤) في الروضتين : «وأجلى سكونك لملك مصر وفي دسته أجلسك ، فما يليق بمالك ، ومحاسن أخلاقك وخلالك ، غير فضلك وإفضالك» ، ومثله في : سنا البرق الشامي ١ / ٦١٨ ، مفرّج الكروب ٢ / ٨.

(٥) في الروضتين زيادة : «ورفع ضرّه وجلب نفعه».

(٦) في الروضتين زيادة : «والمحبّة إنما تظهر آثارها عند تكاثر أطماع العداة ، وبالجملة إنّا في واد ..».

(٧) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٩٧ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٦٩ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٨.

٥٨

قوارير النّفط ليحرّقوه ، فلم يحضر. فأحرقوا منبره. وأحضره نقيب النّقباء وسبّه ، فقال : أنت نائب الدّيوان ، وأنا نائب الرحمن.

فقال : بل أنت نائب الشّيطان. وأمر به فسحب ونفي ، فذهب إلى مصر ، وعظم بها. ولقبه : الشّهاب الطّوسيّ (١).

__________________

(١) مرآة الزمان ٨ / ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، العبر ٤ / ٢٠٥.

٥٩

سنة سبعين وخمسمائة

[إعادة ابن الدامغانيّ إلى قضاء القضاة]

فيها أعيد أبو الحسن بن الدّامغانيّ إلى قضاء القضاة ببغداد ، بعد أن بقي معزولا خمسة عشر عاما (١).

[موقف قايماز من توزير ابن المظفّر]

وفيها أراد المستضيء بالله إعادة ابن المظفّر إلى الوزارة ، فغضب من ذلك قايماز ، وأغلق باب النّوبيّ ، وبات العامّة وهم بأمر سوء ، وقال : لا أقيم ببغداد حتّى يخرج منها ابن المظفّر هو وأولاده ، فإنّه عدوّي ، ومتى عاد إلى الوزارة قتلني. فقيل لابن المظفّر : تخرج من البلد؟ فقال : لا أفعل.

فلمّا شدّد عليه قال : إن خرجت قتلت ، فاقتلوني في بيتي.

فتلطّفوا به ، فجاء فخر الدّولة بن المطّلب ، وشيخ الشّيوخ ، وحلف له قايماز أن لا يؤذيه ولا يتبعه. وأصبح العسكر في السّلاح ، والدّروب تحفظ. ثمّ خرج باللّيل الوزير ابن رئيس الرؤساء وأولاده ، وسكن البلد.

ثمّ دخل قايماز إلى الخليفة فاعتذر ، ثمّ خرج طيّب النّفس. ثمّ بقيت الرّسل تتردّد ، واستقرّ الأمر أنّ ابن رئيس الرؤساء يعبر إلى الجانب الغربيّ (٢).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٥٠ (١٨ / ٢١٢).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٥٠ ، ٢٥١ (١٨ / ٢١٢ ، ٢١٣).

٦٠