تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

سمع : الحسين (١) بن علي بن البسريّ ، وأبا القاسم بن بيان ، وابن نبهان.

وكان زاهدا ، ثقة.

سمع منه : أبو سعد بن السّمعانيّ ، وعليّ بن أحمد الزّيديّ ، وأبو محمد بن الأخضر ، وابن قدامة ، وأبو المنجّا بن اللّتّيّ ، ولبابة بنت الثّلاجيّ ، وآخرون.

وتوفّي في ثاني المحرّم (٢) ، وكان قد أضرّ.

ـ حرف السين ـ

٣٢١ ـ سعد الله بن مصعب بن محمد (٣).

أبو القاسم البغداديّ ، المقرئ ، المعروف بابن ساقي الماء.

قال الدّبيثيّ : بقي أكثر من سبعين سنة مقيما بمسجد بالجانب الغربيّ (٤).

قرأ القراءات على : أبي عبد الله البارع.

وسمع من : أبي القاسم بن بيان.

كتب عنه : عمر القرشيّ ، وتوفّي في المحرّم (٥).

٣٢٢ ـ سعيد بن المبارك بن عليّ (٦).

__________________

(١) في الأصل : «الحسن» ، والتصحيح من : المختصر المحتاج إليه.

(٢) وكان مولده سنة ٤٩٥ ه‍. (ابن رجب).

(٣) انظر عن (سعد الله بن مصعب) في : المختصر المحتاج إليه ٢ / ٧٨ رقم ٦٧٩ ، والوافي بالوفيات ١٥ / ١٨٥ رقم ٢٥٨.

(٤) في المختصر «بالجانب الشرقي».

(٥) ومولده سنة ٤٨٢ ه‍. تقريبا.

(٦) انظر عن (سعيد بن المبارك) في : معجم الأدباء ١١ / ٢١٩ ـ ٢٢٣ رقم ٦٨ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٤١١ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٦١٥ ، وإنباه الرواة ٢ / ٤٧ ـ ٥١ رقم ٢٧٤ ، ووفيات الأعيان ٢ / ٣٨٢ ٣٨٥ رقم ٢٦٥ ، وخريدة القصر ١ / ٨٢ ، ٨٣ ، وإشارة التعيين ٢٠ ، والمختصر المحتاج إليه ٢ / ٨٥ ، ٨٦ رقم ٦٨٩ ، والعبر ٤ / ٢٠٧ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣٥ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٨١ ـ ٥٨٢ رقم ٣٦٣ ، وتلخيص ابن مكتوم ٧٧ ،

٣٤١

أبو محمد بن الدّهّان البغداديّ (١) ، النّحويّ ، صاحب المصنّفات.

سمع : أبا القاسم بن الحصين ، وأبا غالب بن البنّاء ، وغيرهما.

كتب عنه أبو سعد السّمعانيّ وقال : قال لي : ولدت سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وهو شاب فاضل له معرفة بالنّحو ويد باسطة في الشّعر. شرح «الإيضاح» لأبي عليّ الفارسيّ في ثلاث وأربعين مجلّدا ، وشرح «اللّمع» لابن جنّي في ثلاث مجلّدات.

وقال ابن الدّبيثيّ (٢) : سكن في أواخر عمره بالموصل ، وأخذ عنه أهلها.

وقال جمال الدّين القفطيّ (٣) : رحل إلى أصبهان ، وسمع بها ، واستفاد من خزائن وقوفها ، وكتب الكثير من الأدب بخطّه. وأخذ النّاس عنه.

وخرج عن بغداد قاصدا إلى دمشق ، فاجتاز بالموصل وبها وزيرها جمال الدّين محمد الأصبهانيّ الجواد [الماضي ذكره] (٤) فأكرمه وصدره بالموصل للإفادة. وغرقت كتبه ببغداد في غيبته ، ثمّ حملت إليه ، فشرع في تبخيرها باللّاذن ليقطع الرائحة الرّديّة ، إلى أن بخّرها بنحو من ثلاثين رطلا لاذنا (٥) ، فطلع ذلك إلى رأسه وعينه ، فأحدث له العمى.

__________________

= ومسالك الأبصار (مخطوط) ج ٤ مجلّد ٢ / ٢٥٥ ، والوافي بالوفيات ١٥ / ٢٥٠ ـ ٢٥٤ رقم ٣٥٥ ، ونكت الهميان ١٥٨ ، ١٥٩ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٩٠ ، وطبقات النحويين واللغويّين لابن قاضي شهبة ١ / ٣٥٢ ـ ٣٥٤ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٧٢ ، وبغية الوعاة ١ / ٥٨٧ ، وطبقات المفسرين للداوديّ ١ / ١٨٣ ، ١٨٤ ، وكشف الظنون ٧٢ ، ١١٦ ، ٢١٢ ، ٤٣٨. ٧٥٢ ، ٨٧٢ ، ٩٦٠ ، ١١٥٦ ، ٢١٢ ، ١٢٦٥ ، ١٤٣٨ ، ١٥٦٣ ، ١٦٣٠ ، ١٩٧٧ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٢٣ ، والفلاكة والمفلوكين للدلجي ١٢٦ ، ١٢٧ ، وروضات الجنات ٣١٤ ، ٣١٥ ، وهدية العارفين ١ / ٣٩١ ، وتاريخ الأدب العربيّ ٥ / ١٦٩ ، ١٧٠ ، وفهرس المخطوطات المصوّرة بدار الكتب ١ / ٣٨٩ ، ومعجم المؤلفين ٤ / ٢٢٩ ، ٢٣٠.

(١) طوّل ابن خلّكان في نسبه في (وفيات الأعيان).

(٢) المختصر المحتاج إليه ٢ / ٨٦.

(٣) في إنباه الرواة ٢ / ٤٧ ، ٤٨.

(٤) في الأصل بياض. والوزير المذكور تقدّم في وفيات سنة ٥٣٦ ه‍.

(٥) في الأصل : «ثلاثين رطل لادن».

٣٤٢

ومن شعره :

بادر إلى العيش والأيّام راقدة

ولا تكن لصروف الدّهر منتظر (١)

فالعمر كالكأس (٢) يبدو في أوائله

صفو وآخره في قعره الكدر (٣)

وقال الحافظ ابن عساكر : سمعت سعيد بن الدّهّان ببغداد يقول : رأيت في النّوم منشدا ينشد محبوبه.

أيّها الماطل ديني

أمليّ وتماطل؟

علّل القلب فإنّي

قانع منك بباطل (٤)

وله : «سرقات المتنبّي» في مجلّد ، وكتاب «التّذكرة» سبع مجلّدات.

قال أبو العماد الكاتب (٥) : هو سيبويه عصره ، ووحيد دهره. لقيته ببغداد ، وكان يقال حينئذ : النّحويّون في بغداد أربعة : ابن الجواليقيّ ، وابن الشّجريّ ، وابن الخشّاب ، وابن الدّهّان (٦).

وقال ابن خلّكان (٧) : لقبه : ناصح الدّين ، رحمه‌الله تعالى.

٣٢٣ ـ سلمان بن عليّ بن عبد الرحمن (٨).

أبو تميم الرّحبيّ ، الدمشقيّ ، الخبّاز.

سمع جزءا من عبد الرحمن بن الحسن الحنّائيّ ، وهو آخر من حدّث عنه.

روى عنه : الحافظان أبو المواهب ، وعبد الغنيّ ، والشّيخ الموفّق ، وأبو

__________________

(١) في وفيات الأعيان : «تنتظر».

(٢) في الأصل : «بالكاس».

(٣) وفيات الأعيان ٢ / ٣٨٤.

(٤) وفيات الأعيان ٢ / ٣٨٤ ، ٣٨٥.

(٥) في الخريدة ١ / ٨٢.

(٦) المختصر المحتاج إليه ٢ / ٨٦.

(٧) قوله غير موجود في ترجمته لابن الدّهان.

(٨) انظر عن (سليمان بن علي) في : سير أعلام النبلاء ٢١ / ٤٦ دون ترجمة.

٣٤٣

القاسم بن صصريّ ، وعبد الرحمن بن عمر النّسّاج ، والقاضي عمر بن المنجّا.

قال أبو المواهب : توفّي في ربيع الآخر ، وكان مقرئا صالحا. ما حدّثنا عن ابن الحنّائيّ سواه.

ـ حرف العين ـ

٣٢٤ ـ عبد الله بن أحمد بن الحسين (١).

أبو محمد بن النّقّار الطّرابلسيّ ، الشّاميّ ، الحميريّ ، الكاتب ، المعدّل (٢).

ولد بأطرابلس سنة تسع وسبعين وأربعمائة ، وعاش تسعين سنة (٣). قدم دمشق شابّا عند استيلاء العدوّ على أطرابلس ، وتقدّم في كتابة الإنشاء ، وكتب لصاحب الشّام.

__________________

(١) انظر عن (عبد الله بن أحمد) في : تاريخ دمشق (مخطوط) ١٩ / ٦٠٣ و ٣٩ / ٣٣٣ ، والمطبوع بتحقيق د. صلاح الدين المنجد ج ٢ ق ١ / ١٧٧ ، وتهذيبه ١ / ٢٥٧ و ٤ / ٣٥٧ و ٧ / ٢٧٩ ، وخريدة القصر (قسم الشام) ٢ / ١١١ ـ ١١٨ و (١ / ٣١٤) ، ومعجم السفر للسلفي (المصوّر) ١ / ١٣٨ ، وتكملة إكمال الإكمال للصابوني ٣٤٨ رقم ٣٥٢ ، وبغية الطلب (مصوّرة معهد المخطوطات) ٢ / ٧٥ ، ومرآة الزمان ج ٨ ق ١ / ٢٨٩ ، والروض المعطار للحميري ٢٤١ ، ٢٤٢ ، وإنباه الرواة ١ / ٣٥ ، والوافي بالوفيات ١٧ / ٤٩ ، ٥٠ رقم ٤٤ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٦٥ ، ٦٦ ، والحياة الثقافية في طرابلس الشام (تأليفنا) ٢٥٩ ـ ٢٦٢.

(٢) التقى به الحافظ السلفي فقال : أنشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين .. قال : أنشدني أبي لنفسه بطرابلس :

قد زارني طيف من أهوى على حذر

من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا ..

أبو محمد هذا من أعيان أهل الشام وأدبائهم ، وذكر لي أنه ولد بطرابلس وبها تأدّب على أبيه وغيره ، وقد علّقت عنه من شعر أبيه مقطّعات ، وكذلك من شعره هو. وقد كاتبته نظما وكاتبني. وأصلهم من الكوفة. (معجم السفر ١ / ١٣٨).

وقال العماد : أدركت حياته بدمشق. وكان شيخا قد أناف على التسعين ، وقيل على المائة ، وكان مليح الخطّ ، حلوه ، فصيح الكلام صفوه. وقبل قوله القاضي أبو سعد الهروي وعدّله ، ثم اختاره والي دمشق لكتابة الإنشاء في الديوان بعد الشاعر ابن الخياط ، وكان جيّد الإنشاء له يد في النظم والنثر. وقد تولّى كتابة الإنشاء لملوك دمشق إلى أن تملّكها نور الدين محمود بن زنكي رحمه‌الله. وكتب له أيضا مدّة يسيرة. وله نظم مقبول ، وشعر معسول. (الخريدة ١ / ٣١٤).

(٣) اختلف في وفاته فقيل في سنة ٥٦٧ وقيل ٥٦٨ وقيل ٥٦٩ ه‍.

٣٤٤

وكان جيّد النّظم والنّثر ، كبير القدر.

روى عنه ابن عساكر في «تاريخه» قصيدتين (١).

٣٢٥ ـ عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون (٢).

أبو محمد بن أبي نصر بن أبي طاهر بن أبي الحسين النّرسيّ ، البغداديّ.

من بيت العدالة والرّواية.

سمع : أبا الفضل محمد بن عبد السّلام ، وأبا غالب الباقلّانيّ ، وأبا بكر الطّريثيثيّ ، وأبا الحسين بن الطّيوريّ ، وابن العلّاف.

سمع منه : عليّ بن أحمد الزّيديّ ، وأبو بكر الباقداريّ.

وحدّث عنه جماعة وأثنوا عليه منهم : الحافظ عبد الغنيّ ، وأبو محمد بن قدامة ، وعبد العزيز بن الأخضر ، وحفيداه أحمد وإسماعيل ابنا إسماعيل بن النّرسيّ.

__________________

(١) له قصيدة في وصف متنزّهات دمشق ، أولها :

سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها

فما أطيب اللّذّات فيها وأهناها

نزلنا بها فاستوقفتنا محاسن

يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها ..

ومن شعره قصيدة أولها :

بادر إلى اللّذّات في أزمانها

واركض خيول اللهو في ميدانها

واستقبل الدنيا بصدر واسع

ما أوسعت لك في رحيب مكانها ..

وله أيضا :

الله يعلم أنّني ما خلته

يصبو إلى الهجرات حين وصلته

من منصفي من ظالم متعنّت

يزداد ظلما كلّما حكّمته

ملّكته روحي ليحفظ ملكه

فأضاعني وأضاع ما ملّكته ..

هذا. وقد جمعت شعره في كتابي المخطوط (معجم الأدباء والشعراء في تاريخ لبنان الإسلامي).

(٢) انظر عن (عبد الله بن أحمد بن هبة الله) في : المختصر المحتاج إليه ٢ / ١٢٩ ، ١٣٠ رقم ٧٥٦ ، والمشتبه في الرجال ٢ / ٥٢٣ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٧٢ رقم ١٨٤٩ ، وتذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٢٧ وفيه «عبد الله بن محمد بن هبة الله» ، وسير أعلام النبلاء ٢١ / ٤٦ (دون ترجمة).

٣٤٥

وكان يلقّب بالحمامة.

توفّي رحمه‌الله في رمضان وله ثلاث وثمانون سنة.

٣٢٦ ـ عبد الواحد بن عبد الماجد بن عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيريّ (١).

أبو محمد النّيسابوريّ ، الصّوفيّ.

حدّث بدمشق وبغداد (٢) عن أبيه ، وعبد الغفّار الشّيروييّ (٣) ، ومحمد بن أحمد بن صاعد.

روى عنه : الحافظ ابن عساكر ، وأبو القاسم بن صصريّ ، والجماعة.

وتوفّي رحمه‌الله في المحرّم بأصبهان (٤).

٣٢٧ ـ [عبد الواحد] (٥) بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد (٦).

أبو نصر الفضلوسيّ (٧) الكرجيّ ، الصّوفيّ ، الزّاهد.

له عبادة ومجاهدات ، وسافر الكثير ولقي المشايخ. وحجّ مرات.

وربّما حجّ منفردا متوكّلا. وسمع بأصبهان ، وبغداد ، ومصر.

وسمع من : أبي عبد الله محمد بن أحمد الرّازيّ ، وأبي القاسم بن الحصين.

وكان أبو الفرج بن النّقّور قد كتب عنه عجائب ، وأنّه قد رأى الخضر ورأى الجنّ.

__________________

(١) انظر عن (عبد الواحد بن عبد الواحد) في : المختصر المحتاج إليه ٣ / ٧٤ رقم ٨٨١ ، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار ١ / ٢٥٢ ، ٢٥٣ رقم ١٣٩.

(٢) كان تحديثه ببغداد سنة ٥٥٥ ه‍.

(٣) في الأصل : «الشيروي» ، والتصحيح من : المختصر.

(٤) وكان مولده سنة ٥٠١ ه‍.

(٥) في الأصل بياض.

(٦) انظر عن (عبد الواحد بن عبد الملك) في : المختصر المحتاج إليه ٣ / ٧٣ ، ٧٤ رقم ٨٧٩ ، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٦ رقم ١٤٠.

(٧) في الأصل : «البطليوسي» والتصحيح من : المختصر ، والذيل.

٣٤٦

ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.

وروى عنه جماعة منهم أبو سعد السّمعانيّ (١).

وقال ابن الدّبيثيّ (٢) إنّه توفّي بالكرخ في سنة تسع هذه (٣).

٣٢٨ ـ عبد النّبيّ بن المهديّ (٤).

اليمنيّ الخارجيّ ، الملقّب بالمهديّ.

كان أبوه المهديّ قد استولى على اليمن ، وظلم وعسف ، وشقّ بطن الحبالى ، وذبح الأطفال ، وتمرّد على الله. وكان يرى رأي القرامطة.

وولي الأمر بعده عبد النّبيّ هذا ، ففعل أنحس من فعل الوالد ، وسبى النّساء ، وبنى على قبر أبيه قبّة عظيمة لم يعمل في الإسلام مثلها ، فإنّه صفّح حيطانها بالذّهب والجواهر ، ظاهرا وباطنا ، وعمل لها ستور الحرير ، والقناديل الذّهب ، فيقال إنّه أمر النّاس بالحجّ إلى قبر أبيه ، كما لحجّ الكعبة ، وأن يحمل كلّ واحد إليها مالا ، ومن لم يحمل مالا قتله ، ومنعهم من الحج ، فكانوا يقصدونها من السّحر ، واجتمع فيها أموال لا تحصى ، وانهمك في اللّذّات والفواحش إلى أن قصمه الله واستأصله على يد شمس الدّولة ابن

__________________

(١) وهو قال : كتبت عنه جزءا انتخبته ، وسمع بقراءتي ببغداد ، وكنت آنس به كثيرا ، قطع البراري على التجريد بلا زاد ولا رفيق ولا راحلة ، وكان يطوي الأيام والليالي لا يأكل فيها ويديم السير.

(٢) في المختصر المحتاج إليه.

(٣) وقال ابن النجار : كان من أعيان الصوفية ومن عباد الله الصالحين ، طوّف البلاد في السياحة وحجّ مرارا على التجريد ، وركب المشاقّ ، وكانت له آيات وكرامات.

أنشده أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري لبعضهم :

فلقد سئمت مآربي

فوجدت أكثرها خبيث

إلّا الحديث فإنه

مثل اسمه أبدا حديث

(٤) انظر عن (عبد النبي بن المهدي) في : الكامل في التاريخ ١١ / ٣٩٦ ، ومفرّج الكروب ١ / ٢٣٨ ـ ٢٤٣ ، ومرآة الزمان ٨ / ٣٠٠ ، ٣٠١ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ٥٤ ، والعبر ٤ / ٢٠٧ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٨٢ ، ٥٨٣ ، رقم ٣٦٤ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٢٦ ومرآة الجنان ٣ / ٣٩٠ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، والكواكب الدرّية ٢٢٢ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٦٩ و ٧٢ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٣٤ ، وبلوغ المرام ١٨ وذكره المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ في : سير أعلام النبلاء ٢١ / ٤٦ دون ترجمة.

٣٤٧

أيّوب ، واستولى على جميع خزائنه وعذّبه ، ثمّ قتله ، وهدم القبّة ، وأحرق ما فيها.

هذا معنى ما قاله صاحب «مرآة الزّمان» (١).

٣٢٩ ـ عليّ بن أحمد بن أبي بكر (٢).

أبو الحسن الكنانيّ (٣) أبي الحسين القرطبيّ ، نزيل مدينة فاس. مع «الموطّأ» بقراءة أبيه من : أبي عبد الله محمد بن الفرج مولى الطّلّاع. وسمع من : أبي الحسن القيسيّ ، وأخذ عنه القراءات ، وخازم بن محمد ، وأبي القاسم بن مدير ، وأبي الوليد بن خشرم.

وأخذ عنه الكبار.

وأخذ أيضا عن : الحسن بن شفيع ، وأبي عمر الإلبيريّ.

وقرأ بجيّان على : أبي عامر محمد بن حبيب.

ثمّ حجّ سنة خمسمائة ، ولقي أبا حامد الغزاليّ وصحبه.

كذا قال أبو عبد الله الأبّار (٤) : وفي هذا نظر ، إلّا أن يكون دخل خراسان ، وهو محتمل على بعد.

قال : وأقام ببيت المقدس يعلّم القرآن تسعة أشهر ، ثمّ انصرف واستوطن مدينة فاس سنة ثلاث وخمسمائة ، وتصدّر للإقراء ، وطال عمره.

وروى عنه من شيوخنا : أبو القاسم بن بقيّ ، وأبو زكريّا النّادليّ.

__________________

(١) سبط ابن الجوزي ٨ / ٣٠٠ ، ٣٠١.

(٢) انظر عن (علي بن أحمد) في : التكملة لكتاب الصلة لابن الأبّار (مخطوط) م / ورقة ٦٦ ، والمطبوع ، رقم ١٨٨٥ ، وصلة الصلة لابن الزبير ١٠٢ ، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ٥ / ق ١ / ١٥٠ ـ ١٥٣ رقم ٣١٠ ، وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٧ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٧٣ رقم ١٨٥٠ ، والعبر ٤ / ٢٠٨ ، ومعرفة القراء الكبار ٢ / ٥٤٥ ، ٥٤٦ رقم ٤٩١ ، ودول الإسلام ٢ / ٨٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢١ / ٤٦ (دون ترجمة) ، وغاية النهاية ١ / ٥١٨ رقم ٢١٤٣ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٣٤.

(٣) تصحّفت في (غاية النهاية) و (شذرات الذهب) إلى : «الكتّاني» ، وكذا في (دول الإسلام).

(٤) في تكملة الصلة ، رقم ١٨٨٥.

٣٤٨

وقرأت على النّادليّ كتاب «الشّهاب» للقضاعيّ ، بسماعه منه ، عن القيسيّ ، عن مؤلّفه.

وكان مولده سنة ستّ وسبعين وأربعمائة.

قلت : عاش ثلاثا وتسعين سنة. وكان من أسند أهل وقته.

وقد روى عنه بالإجازة أبو الحسن بن المفضّل ، وبالسّماع عبد العزيز بن عليّ بن زيدان النّحويّ السّمنانيّ ، نزيل فاس (١).

٣٣٠ ـ عليّ بن إبراهيم بن المسلّم.

أبو الحسن الأنصاريّ ، الزّاهد ، المعروف بابن بنت أبي سعد.

توفّي بمصر في رجب.

وقد حدّث قبل موته بيسير. وكان محدّثا ، عارفا بشيوخ المصريّين.

أخذ عنه الحافظ عبد الغنيّ ، والمصريّون.

__________________

(١) وقال ابن عبد الملك المراكشي : روى عن أبي منصور منتان بن خرّزاد الهمذاني مصنّف «قصة يوسف» قال : وكنت أكتب إليه وقت تأليفه إياه بإملائه أو أمسك عليه المسودّة ويكتب ، وصحب بها الإمام أبا حامد الغزالي ، وسمع منه أكثر «الموطأ» رواية ابن بكير ، وجملة من فوائده ، ودعا له أن يمتّعه الله فأجيبت دعوته ، وجال في بلاد العراق والحجاز والشام ومصر ، وشاهد غرائب كثيرة ، ولقي في تجواله أعلاما كبراء لم يعن بالأخذ عنهم إذ لم يكن له كبير اهتبال بشأن الرواية. وأقام يسير فاذ شريعة بيت المقدس تسعة أشهر يعلّم فيها القرآن ، ثم قفل إلى المغرب فلقي بتلمسان أبا بحر الأسدي وروى عنه ، ثم ورد مدينة فاس في غرّة رمضان ثلاث وخمسمائة ابن ثمان وعشرين سنة ، ولقي بها أبا القاسم خلف بن يوسف بن الأبرش ، واشترى فيها دارا وبنى مسجدا وتزوّج ، وذلك كله عام قدومه فاس.

وكان مقرئا للقرآن العظيم ، كثير الاعتناء برواياته ، مجوّدا متقنا ، فاضلا صالحا ، مشهورا بإجابة الدعوة ، كريم المجالسة ، وأسنّ فكان من آخر الرواة عن بعض هؤلاء الشيوخ ، والتزم الإمامة بمسجده والإقراء فيه ستا وستين سنة إلى أن توفي.

وأنشد أبو الحسن بن حنين في كتب الإمام أبي حامد الغزالي :

حبّر العلم إمام

أحسن الله خلاصه

ببسيط ووسيط

ووجيز وخلاصه

٣٤٩

٣٣١ ـ عليّ بن الحسن بن عليّ بن أبي الأسود (١).

أبو الحسين بن البلّى (٢) البغداديّ ، عمّ هبة الله بن البلّ.

روى عن : أبي القاسم الرّبعيّ ، وابن بيان الرّزّاز.

سمع منه : عليّ بن أحمد الزّيديّ ، وغير واحد.

وروى عنه : عليّ بن محمد العلويّ ، وابن الأخضر ، وموفّق الدّين المقدسيّ ، وآخرون.

توفّي في ذي الحجّة (٣).

٣٣٢ ـ عليّ بن الحسن بن عليّ (٤).

أبو الحسن بن الرّميليّ (٥) ، الفقيه الشّافعيّ.

كان من أئمّة الشّافعيّة ، ورشّح ببغداد لتدريس النّظاميّة.

وروى القليل عن : الأرمويّ ، وأبي الوقت.

وله تعليقة في الخلاف.

وكتب على طريقة ابن البوّاب ، وأعاد بالنّظاميّة (٦).

__________________

(١) انظر عن (علي بن الحسن بن علي) في : المختصر المحتاج إليه ٣ / ١٢١ رقم ٩٩٥ ، والمشتبه في الرجال ١ / ١١٥ ، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار ٣ / ٣٠٨ ، ٣٠٩ رقم ٧٦٦ ، وتوضيح المشتبه ٢ / ٥٥.

(٢) البلّ : بفتح الباء الموحّدة. وقد تحرّفت إلى : «النيل» في : ذيل تاريخ بغداد.

(٣) ومولده في أحد الربيعين من سنة ٤٨٨ ه‍.

(٤) انظر عن (علي بن الحسن الرميلي) في : المختصر المحتاج إليه ٣ / ١٢١ رقم ٩٩٤ ، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار ٣ / ٣٠٧ ، ٣٠٨ رقم ٧٦٥ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٤ / ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، وتوضيح المشتبه ٤ / ٢٢٦ ، ومعجم المؤلّفين ٧ / ٦٤.

(٥) في : ذيل تاريخ بغداد ، ومعجم المؤلفين : «الزميلي» بالزاي المنقوطة بدل الراء. والمثبت عن الأصل يتفق مع : المختصر ، وطبقات السبكي ، وتوضيح المشتبه.

(٦) وقال ابن النجار : من ساكني رحبة جامع القصر ، كان فقيها فاضلا ، حافظا لمذهب الشافعيّ ، حسن المعرفة ، ويعرف الأصول معرفة تامة ، وله تعليقة في الخلاف ، ويعرف الأصول ويحفظ اللغة والنحو ، ويكتب خطا مليحا على طريقة ابن البوّاب ، وكان حسن الأخلاق متواضعا سخيّا محبوبا إلى الناس .. ورتّب معيدا بالمدرسة النظامية ومتولّيا لأوقافها ، وكان مرشحا للتدريس بها ولقضاء القضاة إلّا أنّ أجله حال بينه وبين ذلك ،

٣٥٠

٣٣٣ ـ عمارة بن عليّ بن زيدان (١).

الفقيه أبو محمد الحكميّ ، المذحجيّ ، اليمنيّ ، نجم الدّين الشّافعيّ ، الفرضيّ.

الشّاعر المشهور.

تفقّه بزبيد مدّة أربع سنين في المدرسة. وحجّ سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ومولده سنة خمس عشرة.

__________________

= وكانت فيه بلاغة ، وله نظم ونثر حسن ، حدّث باليسير :

ومن شعره :

وليس عجيبا أن تدانت منيّة

لحيّ ولكنّ العجيب بقاءه

ومن جمع أضداد نظام وجوده

فأوجب شيء في الزمان فناءه

فسبحان من لا يعتريه تغيّر

ومن بيديه نقضه وبناءه

وكتب إلى الأمير سليمان بن جاووش لما مرض وارتعشت يداه وتغيّر خطّه ، وكان يكتب خطّا مليحا :

طول سقمي والّذي يعتادني

صيّرا الرائق من حظّي كذا

كلّ شيء هان ما سلمت من

ك لي نفس ووقيت الأذى

(١) انظر عن (عمارة بن علي) في النكت العصرية ، له ، ففيه أخباره ، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) ٣ / ١٠١ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٣٩٦ ، ٣٩٧ و ٤٠٠ ، ٤٠١ ، ومرآة الزمان ٨ / ٣٠٢ ـ ٣٠٥ ، والروضتين ج ٢ وق ٢ / ٥٦٠ ـ ٥٧٧ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٤٣١ ـ ٤٣٦ ، ومفرّج الكروب ١ / ٢١٢ ـ ٢١٦ و ٢٤٣ ـ ٢٤٦ و ٢٥١ ـ ٢٥٧ ، والتذكرة الفخرية للإربلي ٧٦ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٤ ، ٥٥ ، والعبر ٤ / ٢٠٨ ، ودول الإسلام ٢ / ٨٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٩٢ ـ ٥٩٦ رقم ٣٧٣ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣٥ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٨٢ وطبقات الشافعية للإسنويّ ٢ / ٥٦٥ ـ ٥٦٨ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٩٠ ـ ٣٩٢ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٧٤ ، والوافي بالوفيات ٢٢ / ٣٨٤ ـ ٣٩٦ رقم ٢٧٣ ، وتاريخ ابن خلدون ٤ / ١٦٩ ، والكواكب الدريّة لابن قاضي شهبة ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ، وصبح الأعشى ٣ / ٥٦٦ ، والسلوك للمقريزي ١ / ق ١ / ٥٣ ، وثمرات الأوراق لابن حجّة ٢٦ ، واتعاظ الحنفا (انظر فهرس الأعلام ٢ ج ٣) ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٧٠ ، ٧١ و ٧٣ ، وبغية الوعاة ٢ / ٢١٤ ، وحسن المحاضرة ١ / ٤٠٦ ، وتاريخ ثغر عدن لبامخرمة ١ / ١٦٥ ، وكشف الظنون ٣١٠ ، ١١٠٣ ، ١٧٧٧ ، ١٩٧٧ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ومعجم المطبوعات العربية والمعرّبة لسركيس ١٣٧٧ ـ ١٣٧٩ ، وتاريخ الأدب العربيّ ٦ / ٨٠ ـ ٨٢ ، وإيضاح المكنون ٢ / ٥٣ ، والحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية ١٦٣ ـ ١٧٠ ، ومعجم المؤلفين ٧ / ٢٦٨ ، ٢٦٩.

وانظر كتاب «عمارة اليمني» للدكتور ذي النون المصري ، طبعة مصر ١٩٦٦.

٣٥١

وسيّره صاحب مكّة قاسم بن هاشم بن فليتة رسولا إلى الفائز خليفة مصر ، فامتدحه بقصيدته الميميّة (١) ، وهي :

الحمد للعيس (٢) بعد العزم والهمم

حمدا يقوم بما أولت (٣) من النّعم

لا أجحد الحقّ (٤) ، عندي للركاب يد

تمنّت اللّجم فيها رقبة (٥) الخطم

قرّبن بعد مزار العزّ من نظريّ (٦)

حتى رأيت إمام العصر من أمم

ورحن (٧) من كعبة البطحاء والحرم

وفدا إلى (٨) كعبة المعروف والكرم

فهل دري البيت أنّي بعد فرقته (٩)

ما سرت من حرم إلّا إلى حرم

حيث الخلافة مضروب سرادقها

بين النّقيضين من عفو ومن نقم

وللإمامة أنوار مقدّسة

تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم

وللنّبوّة آيات تنصّ (١٠) لنا

على الخفيّين من حكم ومن حكم

وللمكارم أعلام تعلّمنا

مدح الجزيلين من بأس ومن كرم

وللعلا ألسن تثني محاورها

على الحميدين من فعل ومن شيم

أقسمت بالفائز المعصوم معتقدا

فوز النّجاة وأجر البرّ في القسم

لقد حمى الدّين والدّنيا وأهلهما (١١)

وزيره الصّالح الفرّاج للغم

 __________________

(١) وذلك في سنة ٥٥٠ ه‍.

(٢) قال أبو شامة تعليقا على هذا الاستهلال : «وعندي من قوله «الحمد للعيس» ، وإن كانت القصيدة فائقة ، فقرة عظيمة ، فإنه أقام ذلك مقام قولنا «الحمد لله» ، ولا ينبغي أن يفعل ذلك مع غير الله تعالى عزوجل ، فله الحمد وله الشكر ، فهذا اللفظ كالمتعيّن لجهة الربوبية المقدّسة ، وعلى ذلك اطّرد استعمال السلف والخلف رضي‌الله‌عنهم». (الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٧٧).

(٣) في مرآة الزمان : «أولته». وفي مرآة الجنان : «أوليت».

(٤) في الأصل : «الخلف» ، والمثبت عن (النكت العصرية) وغيره.

(٥) في مرآة الجنان : «تمنيت اللحم فيها رتية».

(٦) في مرآة الجنان : «قرير بعد مرار العي ٥ من نظري».

(٧) في مرآة الجنان : «وأجر».

(٨) في مرآة الجان «السامي إلى».

(٩) في الروضتين : «زورته».

(١٠) في الروضتين : «تضيء».

(١١) في مرآة الجنان : «وأهلهم».

٣٥٢

اللّابس الفخر لم تنسج غلائله

إلّا يد الصّنعتين (١) السّيف والقلم

ليت الكواكب تدنو لي فانظمها

عقود مدح فما أرضى لكم كلمي (٢)

فوصلوه. ثمّ ردّ إلى مكّة ، وعاد إلى زبيد. ثمّ حجّ ، فأعاده صاحب مكّة في الرسليّة ، فاستوطن مصر.

قال ابن خلّكان (٣) : وكان شافعيّا شديد التّعصّب للسّنّة ، أديبا ، ماهرا ، ولم يزل ماشى الحال في دولة المصريّين إلى أن ملك صلاح الدّين ، فمدحه ومدح جماعة.

ثمّ إنّه شرع في أمور ، وأخذ في اتّفاق مع رؤساء البلد في التّعصّب للعبيديّين وإعادة أمرهم ، فنقل أمرهم ، وكانوا ثمانية من الأعيان ، فأمر صلاح الدّين بشنقهم في رمضان بالقاهرة ، وكفى الله شرّهم.

ولعمارة كتاب «أخبار اليمن» ، وله شيء في أخبار خلفاء مصر ووزرائها.

وكان هؤلاء المخذولون قد همّوا بإقامة ولد العاضد. وقيل إنّهم كاتبوا الفرنج لينجدوهم ، فنمّ عليهم رجل جنديّ.

وقد نسب إلى عمارة بيت شعر ، وهو :

قد كان مبدأ هذا الأمر من رجل (٤)

سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم

فأفتى الفقهاء بقتله.

__________________

(١) في الأصل والنكت العصرية : «الصنعين». والمثبت عن (الروضتين).

(٢) النكت العصرية ٣٢ ، ٣٣ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٧٤ ، ٥٧٥ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩١ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٤٣٢ ، ٤٣٣ ، وبعضها في : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٩٣ ، ٥٩٤ ، وطبقات الشافعية للإسنويّ ٢ / ٥٦٦ ، ٥٦٧.

(٣) وفيات الأعيان ٣ / ٤٣٣.

(٤) في الروضتين : «قد كان أول هذا الدين من رجل». (ج ١ ق ٢ / ٥٦٢).

وفي مرآة الزمان : «وكان أول هذا الدين من رجل». (٨ / ٣٠٣).

وفي البداية والنهاية : «قد كان أول هذا الدين من رجل». (١٢ / ٢٧٦).

٣٥٣

وله ديوان مشهور. وللفقيه عمارة مجلّد فيه «النّكت العصريّة في الدّولة المصريّة» (١) ترجم نفسه في أوّله فقال (٢) : والحديث كما قيل شجون ، والجدّ قد يخلط بالمجون ، وعسى أن يقول من وقع في يده هذا المجموع : خبّرتنا عن غيرك ، فمن تكون؟ وإلى أيّ عشّ ترجع من الوكون؟ وأنا أقتصر وأختصر :

فأمّا جرثومة النّسب فقحطان ، ثمّ الحكم بعد سعد (٣) العشيرة المذحجيّ.

وأمّا الوطن فمن تهامة باليمن مدينة يقال لها مرطان من وادي وسارع (٤) ، بعدها من مكّة (٥) أحد عشر يوما ، وبها المولد والمربى ، وأهلها بقيّة العرب في تهامة ، لأنّهم لا يساكنهم حضريّ ولا يناكحونه ، ولا يجيزون شهادته ، ولا يرضون بقتله قودا بأحد منهم. ولذلك سلمت لغتهم من الفساد.

وكانت رياستهم (٦) تنتمي (٧) إلى المثيب بن سليمان ، وهو جدّي من جهة الأمّ ، وإلى زيدان ، وهو جدّي لأبي ، وهما أبناء عمّ. وكان زيدان يقول : أنا أعدّ من أسلافي أحد عشر جدّا ، ما منهم إلّا عالم مصنّف في عدّة علوم.

ولقد أدركت عمّي عليّ بن زيدان وخالي محمد بن المثيب ، ورياسة حكم بن سعد (٨) تقف عليهما (٩). وما أعرق فيمن رأيته أحدا يشبه عمّي

__________________

(١) نشره «هرتويغ درنبرغ» بعنوان : «النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية» ، وطبع في مدينة شالون سنة ١٨٩٧.

(٢) في النكت العصرية ص ٦ ، ٧.

(٣) في النكت ٧ «الحكم بن سعد».

(٤) في الأصل : «وسارع».

(٥) في النكت بعدها : «في مهبّ الجنوب».

(٦) زاد في النكت : «وسياستهم».

(٧) في النكت : «تنتهي».

(٨) في النكت : «حكم بن سعد العشيرة».

(٩) زاد في النكت : «وتنتهي إليهما».

٣٥٤

عليّا (١) في السّؤدد (٢).

وحدّثني أخي يحيى بن أبي الحسن ، وكان عالما بأيّام النّاس (٣) ، قال :

لو كان عمّك عليّ بن زيدان في زمن نبيّ لكان حواريّا [له] (٤) أو صدّيقا لفرط سؤدده.

وحدّثني الفقيه محمد بن حسين الأوقص ، وكان صالحا ، قال : والله لو كان عليّ بن زيدان قرشيّا ودعانا إلى بيعته لمتنا تحت رايته لاجتماع شروط الخلافة فيه (٥).

قال لي أخي يحيى (٦) : كان عليّ لا يغضب ، ولا يقذع في القول ، ولا يجبن ، ولا يبخل ، ولا يضرب مملوكا أبدا ، ولا يردّ سائلا ، ولا عصى الله تعالى بقول ولا فعل ، وهذه همّة الملوك ، وأخلاق الصّدّيقين. وحسبك أنّه حجّ أربعين حجّة ، وزار النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر مرّات (٧) ، ورآه في النّوم خمس مرّات ، وأخبره بأمور لم يخرم منها شيء.

فقلت لأخي : من القائل؟ (٨) :

إذا طرقتك أحداق اللّيالي

ولم يوجد لعلّتها طبيب

وأعوز من مجيرك (٩) من سطاها

فزيدان هجيرك (٩) والمثيب

هما ردّا عليّ شتيت ملكي

ووجه الدّهر من رغم قطوب

 __________________

(١) في النكت : «يشبه عليّ بن زيدان».

(٢) في النكت زيادة : «وهذه اللفظة وهي السؤدد يدخل تحتها كل ما يوصف به سادات أشراف العرب من كل فضيلة».

(٣) في النكت زيادة جملة.

(٤) إضافة من النكت ٨.

(٥) في النكت زيادة جملة.

(٦) قوله في النكت ـ ص ٩.

(٧) في النكت : «زيارات».

(٨) في النكت زيادة : «في جدّيك المثيب بن سليمان وزيدان بن أحمد».

(٩) في النكت : «يجيرك».

٣٥٥

وقاما عند خذلاني بنصري

قياما تستكين له الخطوب

فقال : هو السّلطان عليّ بن حبابة (١). وكان قومه قد أخرجوه من ملكه ، وأحقروه (٢) من ملكه وولّوا عليهم أخاه سلامة ، فنزل بهما ، فسارا معه في جموع من قومهما حتّى عزلا سلامة وردّوا (٣) عليّا وأصلحا له قومه. وكان الّذي وصل إليه من برّهما وأنفقاه على الجيش في نصرته ما ينيف على خمسين ألفا (٤).

حدّثني أبي قال : مرض عليّ بن زيدان مرضا أشرف منه (٥) على الموت ثمّ أبلّ منه ، فأنشدته لرجل من بني الحارث يدعى سالم (٦) بن شافع ، وكان وفد عليه يستعينه في دية قتيل لزمته ، فلمّا اشتغلنا بمرضه رجع (٧) الحارثيّ إلى قومه (٨) :

إذا أودى ابن زيدان عليّ

فلا طلعت نجومك يا سماء

ولا اشتمل النّساء على حنين

ولا روّى الثّرى للسحب ماء

على الدّنيا وساكنها جميعا

إذا أودى أبو الحسن العفاء

قال : فبكى عمّي وأمرني بإحضار الحارثيّ ، ودفع إليه ألف دينار. وبعد ستة أشهر ساق عنه الدّية.

وحدّثني خالي محمد بن المثيب قال : أجدب النّاس سنة ، ففرّق عليّ بن زيدان على المقلّين أربعمائة بقرة لبون ، ومائتي ناقة لبون (٩).

__________________

(١) زاد في النكت ١٠ «الفروديّ».

(٢) في النكت : «وأفقروه».

(٣) في النكت : «وولّيا».

(٤) في النكت ١٠ : «وأنفقاه على الجيش في نصرته وحملا إليه من خيل ومن إبل ما ينيف على خمسين ألفا من الذهب».

(٥) في النكت : «فيه».

(٦) في النكت ١١ «سلم».

(٧) في النكت : «فلما شغلنا بمرض صاحبنا ارتحل».

(٨) زاد في النكت : «وأرسل إليّ بقصيدة منها».

(٩) انظر النكت ١١ ، ١٢.

٣٥٦

وأذكر وأنا طفل (١) أنّ معلّمي عطيّة بن محمد (٢) بعثني إلى عمّي بكتابة كتبها في لوحي. فضمّني إليه وأجلسني في حجره وقال : كم يعطى الأديب؟

قلت : بقرة لبونا (٣). فضحك ، ثمّ أمر له بمائة بقرة لبون معها أولادها ، ووهب له غلّة أرض حصل له منها ألفا إردبّ من السّمسم خاصّة.

وأمّا سعة أمواله ، فلم تكن تدخل [تحت] (٤) حصر ، بل كان الفارس يمشي من صلاة الصّبح إلى آخر السّاعة (٥) في فرقانات من الإبل (٦) والبقر والغنم كلّها له.

وكان يسكن في مدينة منفردة عن البلد الكبير.

وأمّا حماسته وشدّة بأسه فيضرب بها المثل ، وهو شيء يزيد على العادة بنوع من التّأييد ، فلم يكن أحد يقدر أن يجرّ قوسه. وكان سهمه ينفذ من الدّرقة ومن الإنسان الّذي تحتها (٧).

وكان النّاس يسرّحون أموالهم إلى واد معشب مخصب فسيح (٨) بعيد من البلد (٩) ، وفيه عبيد متغلّبة (١٠) نحو من ثلاثة آلاف راجل ، قد حموا ذلك الوادي بالسّيف ، يقطعون الطّريق ، ويعتصمون بشعفات الجبال وصياصيها.

وكان العدد الّذي يسرح مع المال (١١) في كلّ يوم خمسمائة قوس ومائة فارس. فشكى النّاس إلى عليّ بن زيدان أنّ فيهم من قد طال شعره ، وانقطع

__________________

(١) زاد في النكت : «عمري ثماني سنين».

(٢) زاد في النكت : «بن حرام».

(٣) في الأصل : «لبون».

(٤) إضافة من النكت ١٢.

(٥) في النكت : «الساعة الثانية».

(٦) في النكت : «في فرقانات من الأنعام الثلاثة الإبل ..».

(٧) انظر : النكت العصرية ١٣.

(٨) في النكت ١٦ «مسبع».

(٩) في النكت : «يقال له : صبياء».

(١٠) في النكت : «وفيه من عبيد الحكميّين طوائف متغلّبة».

(١١) في النكت : «الّذي يحرس المال ويسرّح معه».

٣٥٧

حذاؤه ووتره ، وسألوه أن ينظر لهم [في] (١) من ينوب عنهم يوما ليصلحوا أحوالهم.

فنادى مناديه (٢) باللّيل : من أراد أن يقعد فليقعد ، فقد كفي.

ثمّ أمر الرّعاء فرحلوا (٣) ، وركب وحده فرسا له نجديّا من أكرم (٤) الخيل سبقا وأدبا وجنّب حجرة. فما هو إلّا أن وردت الأنعام ذلك الوادي حتّى خرجت عليها العبيد ، فاستاقوها وقتلوا من الرّعاء تسعة. فركب ابن زيدان فأدرك العبيد ، وهم سبعمائة رجل (٥) أبطال (٦) ، فقال لهم : ردّوا المال ، وإلّا فأنا عليّ بن زيدان. فتسرّعوا إليه فكان لا يضع سهما إلّا بقتيل (٧) ، حتّى إذا ضايقوه اندفع عنهم غير بعيد ، فإذا ولّوا كرّ عليهم (٨) ، ولم يزل ذلك دأبه ودأبهم حتّى قتل منهم خمسة وتسعين رجلا ، فطلب الباقون أمانه ففعل ، وأمرهم أن يدير بعضهم بكتاف بعض ، ففعلوا ، وأخذ جميع أسلحتهم (٩) فحمّلها بعمائمهم على ظهور الإبل ، وعاد والعبيد بين يديه أسارى.

وقد كان بعض الرّعاء هرب فنعاه إلى النّاس ، فخرج النّاس أرسالا حتّى لقوة العصر خارجا من الوادي ، والمواشي سالمة ، والعبيد أسارى (١٠).

قال لي أبي : أذكر أنّا لم نصل تلك اللّيلة صحبته (١١) إلى المدينة حتّى

__________________

(١) إضافة من النكت.

(٢) في الأصل : «من ناديه».

(٣) في النكت ١٧ «فسرّحوا على عادتهم».

(٤) في النكت : «من كرام».

(٥) في النكت : «راجل».

(٦) في الأصل : «أبطالا».

(٧) زاد في النكت : «منهم».

(٨) زاد في النكت : «فنال منهم ما يريد».

(٩) في النكت : «جميع أسلحة الأحياء والقتلاء».

(١٠) النكت العصرية ١٧ ، ١٨.

(١١) في النكت ١٨ «صحبة عمّك».

٣٥٨

كسرت العرب على باب داري ألف سيف ، حتّى قيل إنّ عليّا قتل وامتدّ الخبر إلى بني الحارث ، وكانوا خلفا (١) ، فأصبح في منازلهم سبعون فرسا معقورة مكسورة حزنا عليه.

ثمّ اصطنع العبيد وأعتقهم ، وردّ عليهم أسلحتهم ، فتكفّلوا له أمان البلاد من عشائرهم.

وكان السّفهاء والشّباب منّا (٢) لا يزال يجني بعضهم على بعض ، ويكثر الجراح والقتل ، فأذكر عشيّة أنّ القوم هزمونا حتّى أدخلونا البيوت ، فقيل لهم : هذا عليّ أقبل. فانهزموا حتّى مات تحت أرجل القوم ثلاثة رجال. ثمّ أصلح بين النّاس (٣).

توفّي عليّ بن زيدان سنة ستّ وعشرين وخمسمائة ، وتبعه خالي محمد بن المثيب سنة ثمان ، فكان أبي يتمثّل بعدهما بقول الشّاعر :

ومن الشّقاء تفرّدي بالسّؤدد (٤)

وتماسكت أحوال النّاس لوالدي سنة تسع وعشرين ، وفيها أدركت الحلم.

ثمّ منعنا الغيث سنة وبعض أخرى ، حتّى هلك الحرث (٥) ، ومات النّاس في بيوتهم ، فلم يجدوا من يدفنهم.

وفي سنة إحدى وثلاثين دفعت لي والدتي مصوغا لها بألف مثقال (٦) ، ودفع لي أبي أربعمائة دينار وسبعين ، وقالا لي : تمضي إلى زبيد إلى الوزير مسلم بن سخت ، وتنفق هذا المال عليك وتنفقه ، ولا ترجع حتّى تفلح ، وزبيد عنّا تسعة أيام.

__________________

(١) في الأصل : «حلفاء».

(٢) زاد في النكت ١٨ «ومن أخوالي».

(٣) انظر النكت ١٨ ، ١٩.

(٤) النكت العصرية ٢٠.

(٥) زاد في النكت ٢١ «والنسل».

(٦) في النكت : «بألف دينار».

٣٥٩

فأنزلني الوزير في داره مع أولاده ، ولازمت الطّلب ، فأقمت أربع سنين لا أخرج من المدرسة إلّا لصلاة الجمعة. ثمّ زرت أبويّ في السّنة الخامسة ورددت ذلك المصاغ ، ولم أحتج إليه (١).

وتفقّهت ، وقرأ عليّ جماعة في مذهب الشّافعيّ والفرائض. ولي فيها مصنّف يقرأ باليمن (٢).

وقد زارني والدي بزبيد سنة تسع وثلاثين ، فأنشدته من شعري ، فاستحسنه واستحلفني أن لا أهجو مسلما. فحلفت له ، ولطف الله بي ، فلم أهج أحدا ، سوى إنسان هجاني ببيتين بحضرة الملك الصّالح ، يعني ابن رزّيك ، فأقسم عليّ أن أجيبه (٣).

وحججت مع الحرّة أمّ فاتك ملك (٤) زبيد ، وربّما حجّ معها أهل اليمن في أربعة آلاف بعير. ويسافر الرحل منهم بحريمه وأولاده (٥).

إلى أن قال : فأذكر ليلة ، وقد سئمت ركوب المحمل ، أنّي ركبت نجيبا (٦) ، وحين تهوّر اللّيل آنست حسّا ، فوجدت هودجا مفردا ، والبعير يرتعي (٧) ، فناديت مرارا : يا أهل الجمل (٨). فلم يكلّمني أحد ، فدنوت فإذا امرأتان نائمتان في الهودج ، أرجلهما خارجة (٩) ولكلّ واحدة زوج خلخال من الذّهب. فسلبت الزّوجين من أرجلهما وهما لا تعقلان (١٠) ، وأخذت بخطام

__________________

(١) في الأصل : «أحتج إليها» ، والمثبت عن : النكت العصرية ٢٢.

(٢) النكت العصرية ٢٣.

(٣) النكت العصرية ٢٣.

(٤) في الأصل : «أم».

(٥) النكت العصرية ٢٤.

(٦) في النكت ٢٥ : «ركبت جملا نجيبا».

(٧) في الأصل : «ترتعي».

(٨) في الأصل : «الحمل».

(٩) في النكت : «خارجة منه».

(١٠) في النكت : «يعقلان».

٣٦٠