تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

زحمة ، وما في قلوبهم رحمة ، فقال أصحابنا : إن فشلنا عنهم سلونا البقاء ، وما في عادتهم العادية شيء من الإبقاء ، فهاجوا إلى الهيجا ، وكان المقدّم الأمير أبو الهيجا (١) ، واتّصلت الحرب بين القصرين ، ودام الشّرّ يومين ، وأخرجوا عن منازلهم العزيزة إلى الجيزة (٢) ، وكانت لهم محلّة تسمّى المنصورة (٣) ، فأخربت وحرثت.

ولمّا عرف نور الدّين النّصر ، واستقرار ملك مصر ، ارتاح سرّه ، وانشرح صدره ، وأمدّ الصّلاح بأخيه شمس الدّولة توران شاه (٤).

ملك إلدكز الريّ

قلت : وأمّا مملكة الرّيّ فكانت بيد إينانج يؤدّي حملا إلى إلدكز صاحب أذربيجان ، فمنعه سنتين ، وطالبه ، فاعتذر بكثرة الجند والحاشية ، فقصده إلدكز ، فالتقيا وعملا مصافّا ، فانهزم إينانج ، وتحصّن بقلعة ، فحصره إلدكز فيها. ثمّ كاتب إينانج وأطمعهم ، فقتلوه ، وسلّموا البلد إلى إلدكز ، فلم يف لهم بما وعد ، وطردهم ، فظفر خوارزم شاه بالّذي باشر قتل إينانج ، فأخذه وصلبه. وأمّا إلدكز فعاد إلى همذان ، وكان هذه المدّة قد سكنها (٥).

[تملّك شملة بلاد فارس وردّه]

وفيها تملّك الأمير شملة صاحب خوزستان بلاد فارس ، ثمّ حشد صاحبها وجمع ، وحارب شملة ونصر عليه ، فردّ شملة إلى بلاده (٦).

__________________

(١) في مفرّج الكروب ١ / ١٧٦ «أبو الهيجاء السمين» ، ومثله في سنا البرق الشامي ١ / ٨٤.

(٢) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥١ : «وأخرجوا إلى الجيزة ، وأذلّوا بالنفي عن منازلهم العزيزة».

(٣) محلّة المنصورة على باب زويلة. ذكرها المقريزي في (المواعظ والاعتبار) وقال إنها كانت كبيرة متّسعة ، وبها منازل عدّة للسودان ، أمر صلاح الدين بتخريبها بعد وقعة سنة ٥٦٤ التي نكّل فيها بالثائرين منهم. (الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥٢ بالمتن والحاشية).

(٤) سنا البرق الشامي ١ / ٨٤.

(٥) الكامل ١١ / ٣٤٨ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٨ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٧ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٢٥.

(٦) الكامل ١١ / ٣٤٧.

٢١

[قتل ابني شاور وعمّهما]

وفيها قتل العاضد بالقصر : الكامل وأخاه ابني شاور وعمّهما في جمادى الآخرة. وذلك أنّهم لاذوا بالقصر ، ولو أنّهم جاءوا إلى أسد الدّين سلموا ، فإنّه ساءه قتل شاور (١).

[الزلزلة بصقلّية]

وفيها كانت الزّلزلة العظمى بصقلّية ، وأهلك خلق كثير ، فلله الأمر من قبل ومن بعد (٢).

__________________

(١) الكامل ١١ / ٣٤٠ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥٥ ، مفرّج الكروب ١ / ١٧٨ ، سنا البرق الشامي ١ / ٨٥ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٧ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٥٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٧ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٣٠٤.

(٢) لم يذكر السيوطي هذه الزلزلة في كتابه «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة» ، انظر : ص ١٩٢.

٢٢

سنة خمس وستين وخمسمائة

[الزلازل في الشام]

وردت الأخبار بوقوع زلازل في الشام وقع فيها نصف حلب ، ويقال هلك من أهلها ثمانون ألفا. ذكره ابن الجوزيّ (١).

وقال العماد الكاتب (٢) : تواصلت الأخبار من جميع بلاد الشّام بما أحدثت الزلزلة بها من الانهداد والانهدام ، وأنّ زلّات زلازلها حلّت وجلّت ، ومعاقد معاقلها انحلّت واختلّت ، وانبتّ ما فيها وتخلّت ، وأنّ أسوارها علتها الأسواء وعرّتها ، وقرّت بها النّواكب فنكبتها وما أقرّتها ، وانهارت بالأرجاف أجراف أنهارها ، وأنّ سماءها انفطرت ، وشموسها كوّرت ، وعيونها غوّرت وعوّرت. وذكر فصلا طويلا في الزّلزلة وتهويلها (٣).

وقال أبو المظفّر بن الجوزيّ (٤) بعد أن أطنب في شأن هذه الزّلزلة وأسهب : لم ير النّاس زلزلة من أوّل الإسلام مثلها ، أفنت العالم ، وأخربت القلاع

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٣٠ (١٨ / ١٨٨).

(٢) في الروضتين ج ١ ق ١ / ٤٦٧.

(٣) وانظر عن الزلازل في :

الكامل ١١ / ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، والتاريخ الباهر ١٤٥ ، النوادر السلطانية ٤٣ ، وكتاب الروضتين ج ق ١ / ٤٦٧ ـ ٤٦٩ ، وزبدة الحلب ٢ / ٣٣٠ ، ٣٣١ ، وسنا البرق الشامي ١ / ٩١ ـ ٩٣ ، وتاريخ الزمان ١٨٣ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٩ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٨ ، والعبر ٤ / ١٨٩ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٨ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٨ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٦١ ، والكواكب الدرّية ١٨٩ ، وتاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ٩٤ ـ ٩٨ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٤٩ ، واتعاظ الحنفا ٣ / ٣١٨ ، وكشف الصلصلة ١٩٢ ، ١٩٣ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ١٢٧ ، وتاريخ الحروب الصليبية ٢ / ٦٣٨ ، وتاريخ طرابلس ١ / ٥١٦.

(٤) في مرآة الزمان ٨ / ٢٨٠.

٢٣

والبلاد. وفرّق نور الدّين في القلاع العساكر خوفا عليها ، لأنّها بقيت بلا أسوار.

[نزول الفرنج على دمياط]

وفيها نزلت الفرنج على دمياط في صفر ، فحاصروها واحدا وخمسين يوما ، ثمّ رحلوا خائبين ، وذلك أنّ نور الدّين وصلاح الدّين أجلبا عليها برّا وبحرا ، وأغارا على بلادهم.

قال ابن الأثير (١) : بلغت غارات المسلمين إلى ما لم يكن تبلغه ، لخلوّ البلاد من المانع ، فلمّا بلغهم ذلك رجعوا ، وكان موضع المثل : خرجت النّعامة تطلب قرنين ، فعادت بلاد أذنين.

وأخرج صلاح الدّين في هذه المرّة أموالا لا تحصى. حكي لي عنه أنّه قال : ما رأيت أكرم من العاضد ، أرسل إليّ مدّة مقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار مصريّة ، سوى الثّياب وغيرها (٢).

[أخذ نور الدين سنجار]

وفيها توجّه نور الدّين إلى سنجار ، فحاصرها حصارا شديدا ، ثمّ أخذها بالأمان (٣) ، ثمّ توجّه إلى الموصل ورتّب أمورها ، وبنى بها جامعا ، ووقف عليه الوقوف الجليلة (٤).

__________________

(١) في الكامل ١١ / ٣٥٢ ، والتاريخ الباهر ١٤٤.

(٢) وانظر الخبر أيضا في : سنا البرق الشامي ١ / ٨٦ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥٦ ـ ٤٦٢ ، والنوادر السلطانية ٤١ ـ ٤٣ ، ومفرّج الكروب ١ / ١٧٩ ـ ١٨٤ ، وتاريخ الزمان ١٨١ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٨ ، ٤٩ ، ومرآة الزمان ج ٨ / ٢٧٩ ، والعبر ٤ / ١٨٩ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٨ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٧ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٦٠ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٨ ، والكواكب الدرّية ١٨٥ ـ ١٨٧ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٧ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ١٢٦ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣١ ، وذكر الحريري خبر دمياط في حوادث سنة ٥٦١ ، انظر : الإعلام والتبيين ٢٩ ، والصحيح في سنة ٥٦٥ ه‍. والدر المطلوب ٤١ ، واتعاظ الحنفا ٣ / ٣١٥ ، ٣١٦ ، وتاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ٨٢ ـ ٨٧.

(٣) الكامل ١١ / ٣٦٣ (حوادث سنة ٥٦٦ ه‍.) ، الدرّ المطلوب ٤٥ ، العبر ٤ / ١٩٠.

(٤) الكامل ١١ / ٣٦٤ (حوادث سنة ٥٦٦ ه‍.) ، دول الإسلام ٢ / ٧٨ ، العبر ٤ / ١٩٠ ، مرآة

٢٤

[دخول نجم الدين أيوب مصر]

وفيها دخل نجم الدّين أيّوب مصر ، فخرج العاضد إلى لقائه بنفسه (١) ، وكان يوما مشهودا ، وتأدّب ابنه صلاح الدّين معه ، وعرض عليه منصبه (٢).

[منازلة نور الدين الكرك]

وفيها سار نور الدّين ، فنازل الكرك ، ونصب عليها منجنيقين ، وقاتلهم أشدّ القتال ، فبلغه وصول الفرنج إلى ماء عين ، فعطف عليهم ، فانهزموا (٣).

[أسر أمير حصن عكار]

وفيها طرق الفرنج حصن عكّار من المسلمين ، وأسروا أميرها ، وهو خطلخ السّلحدار مملوك نور الدّين (٤).

__________________

= الجنان ٣ / ٣٧٨ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٠٤.

(١) الكامل ١١ / ٣٥٣.

(٢) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٦٦ ، سنا البرق الشامي ١ / ٨٩ ، مفرّج الكروب ١ / ١٨٥ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٢٩ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٦٢ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ٨٧ / ٩.

(٣) الكامل ١١ / ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، التاريخ الباهر ١٤٤ ، سنا البرق الشامي ١ / ٨٩ ، ٩٠ ، النوادر السلطانية ٤٥ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٢٩ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٦٤ ، ٤٦٥ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٩ ، العبر ٤ / ١٩٠ ، دول الإسلام ٢ / ٧٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٠ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٨ ، الكواكب الدريّة ١٨٨ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٤٩ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٢٧ ، وذكر الحريري خبر الكرك في حوادث سنة ٥٦١ ه‍. (الإعلام والتبيين ٣٠) والصحيح في هذه السنة ٥٦٥ ه‍. ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ٩٣.

(٤) النوادر السلطانية ٤٢ وفيه : «عكا» وهو غلط ، لأنّ عكّا في هذه السنة كانت بيد الفرنج ، ولا حاجة لأن يطرقوها ، والصواب «عكار» كما هو مثبت هنا ، فهي بيد المسلمين.

ولم يتنبّه محقّق النوادر إلى هذا الوهم ، فاقتضى التصحيح.

والخبر في : الكامل ١١ / ٣٢٧ و ٣٢٨ (حوادث ٥٦٤ ه‍.) ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٧٤ و ٣٧٥ ، وكتابنا : تاريخ طرابلس ١ / ٥١٥.

٢٥

سنة ست وستين وخمسمائة

[وفاة المستنجد بالله]

فيها وفاة المستنجد بالله ، وما زالت الحمرة الكثيرة تعرض في السّماء منذ مرض ، وكانت ترمي ضوءها على الحيطان (١).

[خلافة المستضيء بالله]

وبويع ابنه المستضيء أبو محمد الحسن ، وأمّه أرمينيّة ، بايعه النّاس ، وصلّى ليومه على المستنجد ، ونادى برفع المكوس ، وردّ مظالم كثيرة ، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره من الأعمار ، قاله ابن الجوزيّ (٢).

__________________

(١) انظر عن (وفاة المستنجد بالله) في : المنتظم ١٠ / ٢٣٢ (١٨ / ١٩٠) ، و ١٠ / ٢٣٦ رقم ٣٣٦ (١٨ / ١٩٥ رقم ٤٢٨٩) ، والإنباء في تاريخ الخلفاء ٢٢٦ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٣٦٠ ـ ٣٦٢ ، والتاريخ الباهر ١٥٠ ـ ١٥٢ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٣ ـ ٤٨٥ ، وتاريخ الزمان ١٨٥ ، وتاريخ مختصر الدول ٢١٤ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١٠٠ ، ومفرّج الكروب ١ / ١٩٣ ـ ١٩٦ ، ومختصر التاريخ ٢٣٣ ـ ٢٣٦ ، ومرآة الزمان ٨ / ١٧٧ ، وزبدة التواريخ ٢٨٢ ، وتاريخ إربل ١ / ١٩٦ و ٢٤٣ ، وخلاصة الذهب المسبوك ٢٧٦ ، والفخري ٣١٦ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٤٩ ، والعبر ٤ / ١٩٤ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٩ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤١٢ ـ ٤١٨ رقم ٢٧٤ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٨ ، وفوات الوفيات ٤ / ٣٥٨ ـ ٣٦٠ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٩ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٦٢ ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٥٢٥ ، والجوهر الثمين ٢١٠ ، ٢١١ ، ونهاية الأرب ٢٣ / ٢٩٤ ـ ٣٠٠ ، وتاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١١٨ ، وتاريخ الخميس ٢ / ٤٠٨ ، ٤٠٩ ، والكواكب الدرية ١٩٢ ـ ١٩٤ ، ومآثر الإنافة ٢ / ٤٤ ـ ٤٩ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٦ ، وحسن المحاضرة ٢ / ٩١ ، ٩٢ ، وتاريخ الخلفاء ٤٤٢ ـ ٤٤٤ ، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) ١ / ١٢٨ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢١٨ ، ٢١٩ ، وأخبار الدول ١٧٦ ، ١٧٧.

(٢) في المنتظم ١٠ / ٢٣٢ ، ٢٣٣ (١٨ / ١٩٠ ، ١٩١) ، العبر ٤ / ١٩٢.

٢٦

ثمّ قال : واحتجب المستضيء عن أكثر النّاس ، فلم يركب إلّا مع الخدم ، ولم يدخل عليه غير قيماز (١).

[كتاب التهنئة برحيل الفرنج عن دمياط]

وقال العماد الكاتب (٢) : أنشأت عن نور الدّين كتابا إلى العاضد ، يهنّئه برحيل الفرنج عن دمياط. وكان قد ورد كتاب العاضد بالاستقالة من الأتراك في مصر خوفا منهم ، والاقتصار منهم على صلاح الدّين ، فقلت : الخادم يهنّئ بما مضاه الله من الظّفر الّذي أضحك سنّ الإيمان. ثمّ ذكر أنّ الفرنج لا تؤمن غائلتهم ، والرأي إبقاء التّرك بديار مصر.

[وفاة قطب الدين]

ولمّا بلغ نور الدّين وفاة أخيه قطب الدّين بالموصل ، توجّه ليدبّر أحوالها (٣).

[دخول نور الدين الموصل]

وكان الخادم فخر الدين عبد المسيح قد تعرّض للحكم ، وأقام سيف الدّين غازي مقام أبيه ، فقال نور الدّين : أنا أولى بتدبير البلاد. فسار مارّا على قلعة جعبر ، واستصحب معه العسكر (٤).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٣٤ (١٨ / ١٩٢ ، ١٩٣) ، العبر ٤ / ١٩٢ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٢٣.

(٢) في : الروضتين.

(٣) انظر عن (وفاة قطب الدين) في : التاريخ الباهر ١٤٦ ـ ١٥٠ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٧٢ ـ ٤٧٥ ، وتاريخ الزمان ١٨٣ (سنة ٥٦٥ ه‍.) ، تاريخ مختصر الدول ٢١٣ (سنة ٥٦٥ ه‍.) ، سنا البرق الشامي ١ / ٩٣ ، مفرّج الكروب ١ / ١٨٨ ، نهاية الأرب ٢٧ / ١٦٣ و ١٧٩ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٨١ ، وتاريخ الخميس ٢ / ٤٠٨ وفيه وفاته سنة ٥٥٩ ه‍. ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٨ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٣.

(٤) التاريخ الباهر ١٥٢ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٧٥ ، تاريخ الزمان ١٨٣ ، ١٨٤ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٣ ، سنا البرق اشامي ١ / ٩٣ ، ٩٤ ، نهاية الأرب ٢٧ / ١٨٠ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٨٢ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٤ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١١١ ـ ١١٣.

٢٧

ثمّ سيّر من الرّقّة العماد الكاتب في الرّسليّة إلى الخليفة (١).

ثمّ حاصر نور الدّين سنجار ، وهدم سورها بالمجانيق ، ثمّ تسلّمها ، وسلّمها إلى ابن أخيه زنكي بن مودود (٢).

وقصد الموصل ، فنزل عليها ، خاض إليها دجلة من مخاضة دلّه عليها تركمانيّ. ثمّ أنعم نور الدّين على أولاد أخيه ، وأقرّ غازيا عليها ، وألبسه التّشريف الّذي وصل إليه من الإمام المستضيء. ثمّ دخل نور الدّين قلعة الموصل ، فأقام بها سبعة عشر يوما ، وجدّد مناشير ذوي المناصب ، فكتب منشورا لقاضيها حجّة الدّين ابن الشّهرزوريّ ، وتوقيعا لنقيب العلويّين ، وكتب منشورا بإسقاط المكوس (٣) والضّرائب ، فما أعيدت إلّا بعد وفاته (٤).

قال العماد (٥) : وكتبت له منشورا أيضا بإطلاق المكوس والضّرائب في جميع بلاده.

قال (٦) : وحضر مجاهد الدّين قايماز صاحب إربل في الخدمة النّوريّة ، وزخرت الموصل بأمواج هداياه. ثمّ ولّى نور الدّين سعد الدّين كمشتكين بقلعة الموصل عنه نائبا ، وأمر فخر الدّين عبد المسيح بأن يكون له في خدمته

__________________

(١) التاريخ الباهر ١٥٢ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٧٦ ، تاريخ الزمان ١٨٤ ، سنا البرق الشامي ١ / ٩٥ ، ٩٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠.

(٢) التاريخ الباهر ١٥٣ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٧٦ ، تاريخ الزمان ١٨٤ ، سنا البرق الشامي ١ / ٩٦ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١١٤.

(٣) المكوس : مفردها مكس ، الضريبة ، وهي كل ما يحصّل من الأموال لديوان السلطان ، أو لأصحاب الإقطاعات أو لموظفي الدولة خارجا عن الخراج الشرعي. (صبح الأعشى ٣ / ٤٦٨ ، المواعظ والاعتبار ١ / ١٠٣ و ٢ / ١٢١).

(٤) التاريخ الباهر ١٥٢ ـ ١٥٤ ، الكامل ١١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥ ، سنا البرق الشامي ٩٦ ، ٩٧ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٧٧ ـ ٤٨٠ ، زبدة الحلب ٢ / ٣٣٢ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٤ ، تاريخ الزمان ١٨٤ ، ١٨٥ ، النوادر السلطانية ٤٤ ، الأعلاق الخطيرة ج ٢ ق ١ / ٥٧ ، نهاية الأرب ٢٧ / ١٦٣ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ ، العبر ٤ / ١٩٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٣ ، الكواكب الدرّية ١٩٠ ، ١٩١ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٢٩.

(٥) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٧٩ ، سنا البرق الشامي ١ / ٩٧.

(٦) في الروضتين ج / ١ ق ٢ / ٤٨٠ ، وسنا البرق الشامي ١ / ٩٩.

٢٨

بالشّام مصاحبا. واقتطع عن صاحب الموصل : حرّان ، ونصيبين ، والخابور (١) ، وعاد إلى سنجار ، فأعاد إلى عمارة أسوارها ، ودخل حلب في رجب (٢).

[أسر جماعة من الفرنج]

وكان ثلاثمائة فارس من الفرنج قد أغاروا ، فصادفهم صاحب البيرة (٣) شهاب الدّين محمد بن إلياس بن إيلغازي بن أرتق وهو يتصيّد ، فقتل وأسر أكثرهم ، وقدم بالأسارى على نور الدّين ، وكان بينهم سبعة عشر فارسا ، فيهم مقدّم الإسبتار الأعور بحصن الأكراد (٤).

وللعماد الكاتب في شهاب الدّين قصيدة مطلعها :

يروق ملوك الأرض صيد القنائص

وصيد شهاب الدّين صيد القوامص

[بناء مدرسة للشافعية والمالكية بمصر]

وفيها عمل صلاح الدّين بمصر حبس المعونة (٥) مدرسة للشّافعيّة ، وبنى دار الغزل (٦) مدرسة للمالكيّة (٧).

__________________

(١) زاد في سنا البرق الشامي ٩٩ «والمجدل».

(٢) النوادر السلطانية ٤٤ وفيه : «فدخل حلب في شعبان من هذه السنة». ومثله في : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨١ ، سنا البرق الشامي ١ / ٩٩.

(٣) البيرة : قلعة في شرقي الفرات بين الرها وعين تاب. (معجم البلدان ١ / ٥٢٦).

(٤) سنا البرق الشامي ١ / ١٠٦ ، مفرّج الكروب ١ / ١٨٨ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٢٣ ، ١٢٤.

(٥) كان بمصر داران للمعونة ، كلّ منهما تعرف باسم حبس المعونة ، إحداهما بالفسطاط ، والأخرى بالقاهرة ، واسمها مأخوذ من ظروف إنشائها إذ أنها بنيت بمعونة المسلمين لينزلها ولاتهم ، ثم جعلت دارا للشرطة ، ثم حوّلت في عهد العزيز بالله الفاطمي إلى سجن عرف باسم حبس المعونة ، ثم حوّلها صلاح الدين إلى مدرسة للشافعية. (انظر : مفرّج الكروب ١ / ١٩٧ بالحاشية ٤).

(٦) في الكامل ١١ / ٣٦٦ ومرآة الزمان ٨ / ٢٨٣ : «دار العدل» ، وهو تحريف ، والمثبت يتفق مع : مفرّج الكروب ١ / ١٩٧ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٦ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١٠٧ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ ، ونهاية الأرب ٢٨ / ٣٦٣.

(٧) كانت دار الغزل قبل ذلك قيسارية يباع فيها الغزل ، وعرفت كذلك باسم المدرسة القمحية لأن القمح كان يوزّع على فقهائها من ضيعة بالفيّوم ، أوقفها صلاح الدين عليها. (انظر : =

٢٩

[تقليد قضاء مصر]

وقلّد القضاء بديار مصر صدر الدّين عبد الملك بن درباس (١).

[الغارة على الرملة ، وعسقلان وغيرهما]

وخرج بجيوشه فأغار على الرملة وعسقلان ، وأولي الكفر الخذلان ، وهجم ربض غزّة ، ورجع إلى مصر (٢).

[فتح قلعة أيلة]

وافتتح قلعة أيلة في السّنة ، غزاها جنده في المراكب واستباحها قتلا وسبيا (٣).

[سماع صلاح الدين من السّلفي]

وفيها سار إلى الإسكندريّة ليشاهدها ، ويرتّب قواعدها ، وسمع بها حينئذ من السّلفيّ (٤).

__________________

= مفرّج الكروب ١ / ٩٨ حاشية ١).

(١) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٦ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٠٧ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٦٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٣ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٣١٩ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٥ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣٣٠ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٢٥ ،

(٢) الكامل ١١ / ٣٦٥ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٦ ، مفرّج الكروب ١ / ١٩٧ ، ١٩٨ ، سنا البرق الشامي ١٠٨ ، الدرّ المطلوب ٤٧ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٣٢٠ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٥ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ / ١ / ١٢٥ ، ١٢٦.

(٣) الكامل ١١ / ٣٦٥ ، سناء البرق الشامي ١ / ١٠٨ ، ١٠٩ ، مفرّج الكروب ١ / ١٩٨ ، ١٩٩ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٦ و ٤٩٠ ، ٤٩١ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ ، تاريخ ابن الوردي ٧٨٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٣ ، الكواكب الدرّية ١٩٤ ، ١٩٥ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٣٢٠ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٣٠ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٥ ، ٣٨٦ ، شفاء القلوب ٧٤ ، الدرّ المطلوب ٤٧ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٢٦ ، ١٢٧.

(٤) النوادر السلطانية ٩ وفيه : «تردّد إلى الحافظ الأصفهاني بالإسكندرية ـ حرسها الله تعالى ـ وروى عنه أحاديث كثيرة» ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٦ دون خبر سماعه على السّلفي ، وسنا البرق الشامي ١ / ١٠٩ ، ومفرّج الكروب ١ / ١٩٩ ، وتاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٢٧.

٣٠

[تحويل منازل العزّ إلى مدرسة للشافعية]

وفيها اشترى تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيّوب منازل [العزّ] (١) بمصر ، وصيّرها مدرسة للشّافعيّة.

[وفاة ابن الخلّال]

وفي جمادى الآخرة توفّي بمصر القاضي ابن الخلّال صاحب ديوان الإنشاء بمصر (٢) ، ولمّا كبر جلس في بيته. وكان القاضي الفاضل يوصل إليه كلّ ماله (٣).

[استيلاء الخزر على دوين]

وفيها ظهر ملك الخزر وفتح دوين ، وهي بلدة قرب أذربيجان ، وقتلوا من المسلمين بها ثلاثين ألفا (٤).

[ظهور مغربيّ دعيّ وقتله]

وفيها ظهر بدمشق مغربيّ فربط طائفة من الأغنياء ، وأظهر التخاييل ، ثم ادّعى الرّبوبيّة ، فقتل ، ولله الحمد (٥).

__________________

(١) في الأصل بياض. والمثبت من : الكامل ١١ / ٣٦٦ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٧. وسنا البرق الشامي ١ / ١١٠ ، والمواعظ والاعتبار ٢ / ٣٧٦ و ٤ / ١٩٤ ، ١٩٥ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ وفيه «الغز» وهو تحريف ، ونهاية الأرب ٢٨ / ٣٦٣ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٨٣ وفيه تحرّفت إلى : «مبارك المعز» ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٣ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٣٢٠ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٨٦ ، وتاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٢٨.

(٢) الكامل ١١ / ٣٦٦.

(٣) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٧ ، خريدة القصر (قسم شعراء مصر) ١ / ٢٣٥ ، سنا البرق الشامي ١ / ١١٠ ، وفيات الأعيان ٦ / ٢١٩ ـ ٢٢٤ ، وعيون التواريخ (مخطوط) ١٧ / ١٣٣ ب ـ ١٣٥ ـ أ ، عقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ١٦٥ أ ، ب ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٧٩ وفيه تحرّف إلى «ابن الجلال» ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٦٤ ، اتعاظ الحنفا ٣ / ٣٢٢.

(٤) دول الإسلام ٢ / ٧٨ ، العبر ٤ / ١٩٢ و «دوين» : مدينة في أرّان من آخر حدود أذربيجان بغرب تفليس.

(٥) الخبر ذكره أبو شامة نقلا عن ابن أبي طيِّئ ، وهو بتفصيل أكثر مما هنا : «وظهر في =

٣١

__________________

= مشغرى ، قرية من قرى دمشق ، رجل ادّعى النّبوّة ، وكان من أهل المغرب ، وأظهر من التخاييل والتمويهات ما فتن به الناس ، واتّبعه عالم عظيم من الفلّاحين وأهل السواد ، وعصى على أهل دمشق ، ثم هرب من مشغرى في الليل وصار إلى بلد حلب ، وعاد إلى إفساد عقول الفلّاحين بما يريدهم من الشعبذة والتخاييل ، وهوى امرأة وعلّمها ذلك ، وادّعت أيضا النّبوّة». (الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٤٣) وهو باختصار في : الدرّ المطلوب ٥٦ ، ودول الإسلام ٢ / ٧٩ وفيه اسمه : «معزّ الدين المغربي» ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩١ (حوادث سنة ٢٧٠ ه‍.).

٣٢

سنة سبع وستين وخمسمائة

[عزل ابن رئيس الرؤساء]

في هذه السّنة دخل نجاح الخادم على الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خطّ الخليفة بعزله ، وأمر بطبق (١) دواته ، وحلّ أزراره ، وإقامته من مسندة ، وقبض على ولده أستاذ الدّار ، ثمّ نهبت داره ودار ولده ، واستنيب ابن جعفر ناظر المخزن في الوزارة (٢).

[الحريق ببغداد]

وفيها وقع حريق عظيم ببغداد (٣).

[هديّة صاحب البحرين]

ووصلت رسل صاحب البحرين إلى الخليفة بهدايا (٤).

[تدريس ابن الجوزي «بالحلبة»]

قال ابن الجوزيّ (٥) : وتكلّمت في رمضان بالحلبة ، فتاب نحو مائتي رجل ، وقطعت شعور مائة وعشرين منهم.

__________________

(١) في الأصل : «بطرق».

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٣٧ ، ٢٣٨ (١٨ / ١٩٧) ، دول الإسلام ٢ / ٧٩ ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٨٧.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٣٨ (١٨ / ١٩٧) ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٨٧.

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٣٨ (١٨ / ١٩٧) ، تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٨٧.

(٥) في المنتظم ١٠ / ٢٣٧ (١٨ / ١٩٧) ، ونقل عنه ابن الفرات في تاريخه م ٤ ج ١ / ١٨٧.

٣٣

[الخطبة للعباسيّين بمصر]

ووصل ابن عصرون (١) رسولا ، بأنّ أمير المؤمنين خطب له بمصر (٢) ، وضربت السّكّة باسمه ، فغلّقت أسواق بغداد ، وعملت القباب. وكانت قد قطعت من مصر خطبة بني العبّاس من أكثر من مائتي سنة (٣).

قال العماد (٤) رحمه‌الله : استفتح السّلطان سنة سبع بجامع مصر كلّ طاعة وسمع ، وهو إقامة الخطب في الجمعة الأولى بمصر لبني العبّاس ، وعفت البدعة ، وصفت الشّرعة ، وأقيمت الخطبة العبّاسيّة في الجمعة الثّانية بالقاهرة. وأعقب ذلك موت العاضد في يوم عاشوراء بالقصر ، وجلس السّلطان صلاح الدّين للعزاء ، وأغرب في الحزن والبكاء ، وتسلّم القصر ، بما فيه من خزائنه ودفائنه (٥).

[تعيين قراقوش زماما لقصر الخلفاء]

ولمّا قتل مؤتمن الخلافة صرف من هو زمام القصر ، وصيّر زمامه بهاء

__________________

(١) هو شهاب الدين أبو المعالي المطهّر بن أبي عصرون ، وسيأتي في المتن قريبا.

(٢) ذكر العماد في أخبار سنة ٥٧٢ ه‍. أنّ الّذي خطب بمصر لبني العباس أولا هو : أبو عبد الله محمد بن المحسن بن الحسين بن أبي المضاء البعلبكي. وذكر ذلك أيضا ابن الدبيثي في تاريخه. (الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٢) وانظر الاختلاف في : نهاية الأرب ٢٨ (حوادث ٥٦٧ ه‍.) واتعاظ الحنفا ٣ / ٣٢٦ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٥٥ ، ٣٥٦ والخطبة ٣٤٣.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٣٧ (١٨ / ١٩٦) ، وانظر : الكامل في التاريخ ١١ / ٣٧١ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٣ و ٥٠٢ ، تاريخ الزمان ١٨٧ ، المغرب في حلى المغرب ٩٨ ، ودول الإسلام ٢ / ٨٠ وفيه : وكانت دولتهم من قبيل الثلاثمائة ... وكانت قد قطعت دعوة بني العباس من مصر من مائتين وعشر سنين ، العبر ٤ / ١٩٥ وفيه : «وكانت خطبة بني العباس قد قطعت من مصر من مائتي سنة وتسع سنين» ، ومثله في : مرآة الجنان ٣ / ٣٧٩ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣٦ وفيه : «وقد أقامت دولتهم بمصر نحو مائتين وست سنين».

(٤) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٤ جزء يسير من قول العماد ، وهو في : سنا البرق الشامي ١ / ١١١.

(٥) المغرب في حلى المغرب ٩٧ ، دول الإسلام ٢ / ٨٠.

٣٤

الدّين قراقوش (١) ، فما دخل القصر شيء ولا خرج إلّا بمرأى منه ومسمع ، ولا حصل أهل القصر بعد ذلك على صفو مشرع. فلمّا توفّي العاضد أحيط على آل القصر في موضع جعل برسمهم على الانفراد ، وقرّرت لهم الكسوات والأزواد ، فدامت زمانا ، فجمعت رجالهم ، واحترز عليهم ، ومنعوا من النّساء لئلّا يتناسلوا ، وهم إلى الآن محصورون محسورون لم يظهروا. وقد نقص عددهم ، وقلّص مددهم. وفرّق ما في القصر من الحرائر والإماء ، وأخذ ما يصلح له ولأمرائه من أخاير الذّخائر ، وزواهر الجواهر ، ونفائس الملابس ، ومحاسن العرائس ، وقلائد الفرائد ، والدّرّة اليتيمة ، والياقوتة الغالية (٢) القيمة. ووصف العماد أشياء ، عديدة (٣).

قال (٤) : واستمرّ البيع فيما بقي عشر سنين ، ومن جملتها الكتب ، وكانت خزانة الكتب مشتملة على نحو مائة وعشرين ألف مجلّدة (٥).

وانتقل إلى القصر الملك العادل سيف الدّين أبو بكر لمّا ناب عن أخيه ، واستمرّت سكناه فيه (٦).

وكان صلاح الدّين لا يخرج عن أمر نور الدّين ، ويعمل له عمل القويّ الأمين ، ويرجع إلى رأيه المتين (٧).

__________________

(١) هو بهاء الدين قراقوش بن عبد الله الأسدي المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍. (وفيات الأعيان ٣ / ٣٦٤ ـ ٣٧١).

(٢) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٥ «والياقوتة العالية الغالية».

(٣) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٤ ، ٤٩٥ و ٥٠٦ ، سنا البرق الشامي ١ / ١١٢.

(٤) قوله في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٥ و ٥٠٧ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١١٢ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٣٥.

(٥) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٨ ، سنا البرق الشامي ١ / ١١١ ـ ١١٣ ، دول الإسلام ٢ / ٨٠ فيه : «وكانت أزيد من مائة ألف مجلّد».

(٦) سنا البرق الشامي ١ / ١١٣ ،

(٧) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٣.

٣٥

[كتاب البشارة بالخطبة لأمير المؤمنين]

وسيّر نور الدّين إلى الدّيوان العزيز بهذه البشارة شهاب الدّين المطهّر بن العلّامة شرف الدّين بن أبي عصرون ، وأمرني بإنشاء بشارة عامّة تقرأ في سائر بلاد الإسلام (١) :

«الحمد لله معلي الحقّ ومعلنة ، وموهي الباطل وموهنه». منها : «ولم يبق بتلك البلاد منبر إلّا وقد أقيمت عليه الخطبة لمولانا الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، وتمهّدت جوامع الجمع ، وتهدّمت صوامع البدع».

إلى أن قال : «وطالما سرت (٢) عليها الحقب الخوالي (٣) ، وبقيت مائتين وثمان سنين (٤) ممنوّة بدعوة المبطلين ، مملوءة بحزب الشّياطين (٥). فملّكنا الله تلك البلاد ، ومكّن لنا في الأرض ، وأقدرنا على ما كنّا نؤمّله من (٦) إزالة الإلحاد والرّفض.

وتقدّمنا إلى كلّ من استنبنا أن يقيم الدّعوة العبّاسيّة هنالك ، ويورد الأدعياء ودعاة الإلحاد بها المهالك».

وقال من إنشائه في البشارة إلى الدّيوان العزيز.

«وصارت مصر سوق الفسوق ، ودوحة شعب الإلحاد ، وموطن دعوة الدّعيّ ، ومحلّ المحال والمحل ، وقحط الضّلال والجهل ، وقد استولت بها

__________________

(١) إلى هنا في : سنا البرق الشامي ١ / ١١٥ ولم يذكر شيئا من نصّ البشارة.

(٢) هكذا في الأصل. وفي الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٢ «مرّت».

(٣) بعدها زيادة : «وآبت دونها الأيام والليالي».

(٤) في الروضتين : «مائتين وثمانين سنة». والمثبت أعلاه هو الصحيح إذ انقطعت الخطبة للعباسيين بمصر منذ دخلها الفاطميّون العبيديّون سنة ٣٥٨ حتى أعيدت سنة ٥٦٦ ه‍. وانظر : مرآة الزمان ٨ / ٢٨٥.

(٥) انظر بعدها زيادة في : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٢.

(٦) في الروضتين : «في».

٣٦

جنود الشّياطين ، واستعلت بها دعوة المعطّلين ، وغلبت بها نجوى المبطلين ، وتبطّلت الجماعات والجمع ، واستفحلت الشّناعات والبدع ، وأفرخ الشّيطان بها وباض ، واشتهر الجور واستفاض ، واستبدلت للعمائم السّواد بالبياض».

وللعماد قصيدة منها :

قد خطبنا للمستضيء بمصر

نائب المصطفى إمام العصر

وخذلنا نصرة العضد (١) العاضد

والقاصر الّذي بالقصر

وتركنا الدّعيّ يدعو ثبورا

وهو بالذّلّ تحت حجر وحصر (٢)

[وصول الخلع من الخليفة إلى دمشق]

ووصل الأستاذ عماد الدّين صندل (٣) الطّواشيّ المقتفويّ إلى دمشق رسولا من دار الخلافة في جواب البشارة بالخلع والتّشريفات لنور الدّين وصلاح الدّين في السّنة ، ومعه رسولان من الوزير ، ومن الأمير قطب الدّين قايماز.

وكان صندل قد ولّي أستاذيّةالدار المستضيئة بعد الكمال ابن رئيس

__________________

(١) قال أبو شامة : أراد بالعضد وزير عضد الدين بن رئيس الرؤساء. (الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٣).

وهو : أبو الفرج عضد الدين محمد بن أبي الفتوح عبد الله بن رئيس الرؤساء الّذي كان من قبل أستاذ الدار أيام المستنجد. وبعد وفاة المستنجد استولى عضد الدين على الوزارة وأخرج المستضيء من حبسه وأخذ البيعة له ، وقد عزله المستضيء وسجنه ، ثم أعاده إلى الوزارة. وفي أواخر أيامه كان في طريق الحج ، فتقدّم منه شخص ، وصاح : مظلوم. ثم مدّ يده بشيء ، فظنّ عضد الدين أنه يتقدّم بمظلمة ، ولكنه لم يلبث أن تلقّى طعنة بسكّين كانت بيد هذا المتظلّم ، وعاونه في هجومه آخران ، وقيل : إنهم جميعا كانوا من الباطنية. (انظر : الفخري ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٨١ ، ٨٢).

(٢) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٣ من جملة أبيات كثيرة.

(٣) في النجوم الزاهرة ٦ / ٦٤ و ٧٦ «الحسن صندل». وهو : عماد الدين صندل بن عبد الله الخادم.

٣٧

الرؤساء. ولبس نور الدّين الخلع ، وهي فرجيّة (١) ، وجبّة ، وقباء ، وطوق ذهب ألف دينار ، وحصان بسرج خاصّ ، وسيفان ، ولواء ، وحصان آخر بحليته يجنّب بين يديه. وقلّد السّيفين إشارة إلى الجمع له بين مصر والشّام. وخرج في دست السّلطنة ، واللّواء منشور ، والذّهب (٢) منثور إلى ظاهر دمشق ، وانتهى إلى آخر الميدان ، ثمّ عاد.

وسيّر إلى صلاح الدّين تشريف فائق ، لكنّه دون ما ذكرناه لنور الدّين بقليل ، فكان أوّل ، هبة (٣) عبّاسيّة دخلت الدّيار المصريّة ، وقضى أهلها منها العجب ، وكان معها أعلام وبنود وأهب عبّاسيّة للخطباء بمصر (٤).

وسيّر إلى العماد الكاتب خلعة ومائة دينار من الدّيوان (٥).

قال : فسيّرت إلى الوزير هذه المدحة ، واستزدت المنحة ، وهي :

عسى أن تعود ليالي زرود (٦)

وهي طويلة منها :

نحولي من ناحلات الخصور

وميلي إلى مائلات القدود

وتطميني طاميات الوشاح

وتعلّقني علقات العقود

 __________________

(١) الفرجية : نوع من القباء المسترسل ، ويصنع اليوم غالبا من الجوخ وله أكمام واسعة طويلة. (دوزي ٣٢٧ ـ ٣٣٤) وهو اسم الثوب «الفوقاني» الخاص بطبقة العلماء ، وكان النوع الّذي يمنحه السلطان أكثرها أناقة ، فهو مبطّن ، فراء السنجاب. (الملابس المملوكية ٩٥).

(٢) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٥ : «والنضار».

(٣) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٦ : «أهبة».

(٤) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٦ ، سنا البرق الشامي ١ / ١١٧ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٨٥ ، دول الإسلام ٢ / ٨٠ ، العبر ٤ / ١٩٥.

(٥) سنا البرق الشامي ١ / ١١٨.

(٦) بقيّة البيت في : سنا البرق ١ / ١١٨ :

وتقضى المنى بنجاز الوعود

٣٨

وما العيش إلّا مبيت المحبّ

فوق التّرائب بين النّهود

وما كنت أعلم أنّ الظّبا يوجره

قانصه للأسود

وخيل بنت النّجوم الصّعاد

بين العجّاج بأرض الصّعيد

سوابق قد ضمّرن للطّراد

بكلّ عتاق من الجرد قود

تخفق منها قلوب العداة

كما خفقت عذبات البنود

أذاعت ، بمصر لداعي الهداة

وانتقمت من دعيّ اليهود

يعني بدعيّ اليهود العاضد ، لأنّ جدّهم عبيد الله قد جاء أنّه يهوديّ الأصل.

[رواية ابن الأثير في انقراض الدولة العبيدية]

وقال ابن الأثير (١) :

فصل في انقراض الدّولة المصريّة وإقامة الدّولة العبّاسيّة بمصر

وذلك في المحرّم سنة سبع ، فقطعت خطبة العاضد ، وخطب فيها للمستضيء بأمر الله أمير المؤمنين. وسبب ذلك أنّ صلاح الدّين لما ثبّت قدمه ، وضعف أمر العاضد ، ولم يبق من العساكر المصريّة أحد ، كتب إليه نور الدّين يأمره بذلك ، فاعتذر بالخوف من وثوب المصريّين وامتناعهم ، فلم يصغ إلى قوله ، وأرسل إليه يلزمه بذلك. واتّفق أنّ العاضد مرض ، وكان صلاح الدّين قد عزم على قطع الخطبة ، فاستشار أمراءه كيف الابتداء؟ فمنهم من أقدم على المساعدة ، ومنهم من خاف. وكان قد دخل مصر أعجميّ يعرف بالأمير العالم ، قد رأيته بالموصل ، فلمّا رأى ما هم فيه من الإحجام قال : أنا أبتدئ بها.

فلمّا كان أوّل جمعة من المحرّم صعد المنبر قبل الخطيب ، ودعا

__________________

(١) في الكامل ١١ / ٣٦٨ : «ذكر إقامة الخطبة العباسية بمصر وانقراض الدولة العلوية» ، والمثبت قريب من العنوان في : التاريخ الباهر ١٥٦ «ذكر انقراض الدولة العلوية بمصر وإقامة الخطبة العباسية بها».

٣٩

للمستضيء بأمر الله ، فلم ينكر ذلك أحد. فلمّا كانت الجمعة التّالية أمر صلاح الدّين الخطباء بقطع خطبة العاضد ، ففعل ذلك ، ولم ينتطح فيها عنزان (١). والعاضد شديد المرض ، فتوفّي يوم عاشوراء ، واستولى صلاح الدّين على القصر وما حوى ، وكان فيه من الجواهر والأعلاق النّفيسة ما لم يكن عند ملك من الملوك ، فمنه القضيب الزّمرّد ، طوله نحو قبضة ونصف ، والجبل الياقوت ، ومن الكتب الّتي بالخطوط المنسوبة نحو [مائة] ألف مجلّد (٢).

[بداية المنافرة بين صلاح الدين ونور الدين]

وذكر أشياء ، ثمّ قال (٣) : وفي هذه السّنة حدث ما أوجب نفرة نور الدّين عن صلاح الدّين. أرسل نور الدّين إليه يأمره بجمع الجيش ، والمسير لمنازلة الكرك ، ليجيء هو بجيشه ويحاصرانها. فكتب إلى نور الدّين يعرّفه أنّه قادم. فرحل على قصد الكرك وأتاها ، وانتظر وصوله ، فأتاه كتاب يعتذر باختلاف البلاد ، فلم يقبل عذره. وكان خواصّ صلاح الدّين خوّفوه من الاجتماع ، وهمّ نور الدّين بالدّخول إلى مصر ، وإخراج صلاح الدّين منها. فبلغ صلاح الدّين ذلك ، فجمع أهله ، وأباه ، وخاله الأمير شهاب الدّين الحارميّ ، وسائر الأمراء ، وأطلعهم على نيّة نور الدّين ، واستشارهم فسكتوا ،

__________________

(١) تاريخ ابن سباط ١ / ١٣٠ ، ١٣١.

(٢) الكامل ١١ / ٣٦٩ ، ٣٧٠ وليس فيه عبارة : «نحو ألف مجلّد» ، والمستدرك من : التاريخ الباهر ١٥٧ ، وانظر الخبر في سنا البرق الشامي ١ / ١١١ ، وزبدة الحلب ٢ / ٣٣٣ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٢ ، ٤٩٤ ، وتاريخ الزمان ١٨٧ ، ومفرّج الكروب ١ / ٢٠٠ ـ ٢١٦ ، والنوادر السلطانية ٣٥ ، والمغرب في حلى المغرب ١٤١ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ ـ ٥١ ، والعبر ٢ / ١٩٤ ، ١٩٥ ، ودول الإسلام ٢ / ٨٠ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٩ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٦٤ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٩ ، ومآثر الإنافة ٢ / ٥١ ، والسلوك ج ١ ق ١ / ٤٤ ، واتعاظ الحنفا ٣ / ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٥٥ ـ ٣٥٧ ، وشفاء القلوب ٧٥ ، ٧٦ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ١٣٠ ، ١٣١ ، وبدائع الزهور ج ١ / ق ١ / ٢٣٤ ، ٢٣٥.

(٣) في الكامل ١١ / ٣٧١ ـ ٣٧٣ ، والتاريخ الباهر ١٥٨ ، ١٥٩.

٤٠