تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

الكنى

٢٣٩ ـ ابن الخلّال الكاتب (١).

ويعرف بالقاضي ، صاحب ديوان الإنشاء بالدّيار المصريّة ، واسمه أبو الحجّاج يوسف بن محمد بن حسين ، الأديب موفّق الدّين.

وكان قد شاخ وكبر ، فلمّا مات أقام صلاح الدّين مكانه القاضي الفاضل.

مات في جمادى الآخرة.

قال العماد (٢) : هو ناظر مصر ، وإنسان ناظره ، وجامع مفاخره. وكان إليه الإنشاء. عطل في آخر أيّام ، وعمّر وأضرّ.

ثمّ قال : أنشدني مرهف بن أسامة : أنشدني الموفّق بن الخلّال لنفسه :

عدت ليال بالعذيب خوالي

وخلت مواقف الوصال خوالي

ومضت لذاذات تقضّى ذكرها

تصبي الخليّ وتستهيم السّالي

فوجلت مورّدة الخدود فأوثقت

في الصّبوة الخالي بحسن الخال

 __________________

= ومن يتّق الله يجعل له

كما قال ـ من أمره مخرجا

 (تاريخ إربل ١ / ٢٤٣).

(١) انظر عن (ابن الخلّال) في : النكت العصرية ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، وخريدة القصر (قسم شعراء مصر) ١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٧ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١١٠ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٣٦٦ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٨٧ ، ووفيات الأعيان ٦ / ٢١٩ ـ ٢٢٤ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ ، والعبر ٤ / ١٩٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٠٥ رقم ٣٢١ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٢١ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٦٤ ، وعيون التواريخ (مخطوط) ١٧ / ١٣٣ ب ـ ١٣٥ أ ، وعقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ١٦٥ أ ، ب ، وتاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٣٣ ، وحسن المحاضرة ٢ / ٢٣٣ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢١٩.

(٢) في الخريدة ١ / ٢٣٥.

٢٦١

وله :

أمّا اللّسان فقد أخفى وقد كتما

لو أمكن الجفن كفّ الدّمع حين هما

أصبتم بسهام اللّحظ مهجته

فهل يلام إذا أجرى الدّموع دما

قد صار بالسّقم من تعذيبكم علما

ولم يبح بالّذي من جوركم علما

وله :

وله طرف لواحظه

بصرت شوقي على جلدي

قذفت عيني سوالفه

فتدارت منه بالزّردي

٢٦٢

سنة سبع وستين وخمسمائة

ـ حرف الألف ـ

٢٤٠ ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن الرّحبيّ (١).

أبو عليّ الحريميّ ، العطّار ، البوّاب.

سمع : أبا عبد الله النّعاليّ ، وأبا الحسن بن الخلّ ، وأبا سعد بن خشيش.

روى عنه : ابن الأخضر ، والحافظ عبد الغنيّ ، والشّيخ الموفّق ، وأبو القاسم بن محمد بن القر ، وسعيد بن عليّ بن بكري ، وأحمد بن يعقوب المارستانيّ ، وعبد اللّطيف بن القبّيطيّ ، وواثلة بن كراز الملّاح.

توفّي في صفر ، وله ٨٥ سنة.

٢٤١ ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد (٢).

أبو عبد الله الأصبهانيّ ، يعرف بعلاء المعدّل.

سمع : غانما البرجيّ ، وأبا منصور بن مندويه ، وأبا عليّ الحدّاد.

وحدّث ببغداد ، وكان حيّا في هذا العام.

ـ حرف الجيم ـ

٢٤٢ ـ جعفر بن أحمد بن خلف بن حميد بن مأمون (٣).

__________________

(١) انظر عن (أحمد بن محمد الرحبيّ) في : العبر ٤ / ١٩٦ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣٤ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٧١ رقم ١٨٣٧ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥١١ رقم ٣٢٦ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٦٦ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٢٠.

(٢) انظر عن (أحمد بن محمد الأصبهاني) في : المختصر المحتاج إليه ج ١.

(٣) انظر عن (جعفر بن أحمد) في : تكملة الصلة لابن الأبّار.

٢٦٣

أبو أحمد البلنسيّ.

روى عن : أبي محمد البطليوسيّ ، وأبي القاسم الأبرش.

قال الأبّار : وكان ثقة خيارا ، وهو والد القاضي أبي عبد الله بن حميد.

عاش نيّفا وسبعين سنة.

ـ حرف الحاء ـ

٢٤٣ ـ الحسن بن عليّ بن عبد الله بن السّمّاك (١).

الحريميّ.

سمع : أبا عليّ البردانيّ ، وأبا العزّ محمد بن المختار ، وشجاعا الذّهليّ.

وسافر عن بغداد سنين كثيرة.

وسمع منه : ابنه واثق ، وأبو بكر بن مشّق ، وأحمد بن محمد البندنيجيّ.

وتوفّي في جمادى الآخرة.

ـ حرف الخاء ـ

٢٤٤ ـ الخضر بن نصر بن عقيل (٢).

__________________

(١) انظر عن (الحسن بن علي) في : المختصر المحتاج إليه ج ١.

(٢) انظر عن (الخضر بن نصر) في : تاريخ دمشق (مخطوطة الظاهرية) ٥ / ورقة ٣٢٨ ، وتهذيبه ٥ / ١٦٥ ، ١٦٦ ، وتكملة إكمال الإكمال ٢٩ ، بالحاشية (٢) ، ووفيات الأعيان ٢ / ١٠ رقم ٢٠٣ ، وتاريخ إربل ١ / ٣٦٦ ، ٣٦٨ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ (في ترجمة : محمد بن علي بن جامع ، رقم ٢٧٣) ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٤ / ٢١٨ ، وطبقات الشافعية الوسطى ، له (مخطوط) ورقة ٢٨٢ ب ، وطبقات الشافعية للإسنويّ ١ / ١١٨ رقم ١٠٦ ، ومرآة الجنان ٤ / ٦٤ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٨٧ (في وفيات ٥٦٩ ه‍.) ، والوافي بالوفيات ١٣ / ٣٣٧ ، ٣٣٨ رقم ٤١٦ ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ١ / ٣٤١ ، ٣٤٢ رقم ٣٠٧ ، وطبقات المفسرين للسيوطي ١٣ ، وطبقات المفسرين للداوديّ ١ / ١٦٣ رقم ١٦٠ ، وشذرات الذهب ٥ / ٨٦ (في وفيات ٦١٩ ه‍.!) ، والأعلام ٢ / ٣٠٧ ، ومعجم المؤلفين ٤ / ١٠٢.

وفي دار الكتب المصرية مخطوطة ناقصة من أولها فيها : أخبار خضر بن نصر بن عقيل ،=

٢٦٤

أبو العبّاس الإربليّ ، الفقيه الشّافعيّ ، أحد الأئمّة.

اشتغل ببغداد على الكيا الهرّاسيّ ، وأبي بكر الشّاشيّ.

قال ابن خلّكان (١) : وله تصانيف كثيرة في التّفسير والفقه ، وغير ذلك. وألّف كتابا فيه ستّ وعشرون خطبة نبويّة كلّها مسندة ، وانتفع عليه خلق.

وكان رجلا صالحا.

توفّي بإربل ، وولي التّدريس مكانه ابن أخيه عزّ الدّين أبو القاسم نصر بن عقيل بن نصر ، ثمّ سخط عليه مظفّر الدّين ، فأخرجه ، فقدم الموصل بعد السّتّمائة وبها توفّي سنة تسع عشرة (٢).

ـ حرف السين ـ

٢٤٥ ـ سليمان بن داود (٣).

التّويزيّ (٤) الأندلسيّ ، ويعرف بابن حوط (٥) الله.

أخذ القراءات عن ابن هذيل.

وسمع من : طارق بن يعيش ، وأبي الوليد بن الدّبّاغ.

وكان حسن التّلاوة.

أخذ عنه : ابناه أبو محمد وأبو سليمان.

وتوفّي في عاشر ذي الحجّة (٦).

__________________

= مجهولة المؤلف. انظر فهرس المخطوطات ١ / ٤٥.

(١) في وفيات الأعيان.

(٢) وقال الخضر بن نصر بن عقيل : أول من تفقّه بإربل محمد بن علي بن جامع ، فكنت أقرأ عليه شيئا من الفقه ، فأوقع الله عندي حبّ العلم ، وكان أبي فقيرا لا مال له ، فمضيت إلى بغداد وجئت باب النظامية وعليّ بزّة رثّة ، فمنعني البوّاب من الدخول لرثاثة حالي ، وكان المدرّس بها الكيا الهرّاسي. (تاريخ إربل).

(٣) انظر عن (سليمان بن داود) في : تكملة الصلة لابن الأبّار ، رقم ١٩٨٤ ، والذيل والتكملة (بقية السفر الرابع) ٦٨ ، ٦٩ رقم ١٦٣.

(٤) التّويزيّ : بضم التاء المعلوّ وفتح الواو وإسكان الياء المسفول وزاي منسوبا.

(٥) في الأصل : «حفظ». والمثبت عن المصدرين.

(٦) وقال ابن عبد الملك المراكشي : وكان كثير العناية بكتاب الله تعالى حسن التلاوة له ،

٢٦٥

٢٤٦ ـ سليمان بن عليّ بن عبد الرحمن.

أبو تميم الفراتيّ ، الرّحبيّ ، المقرئ ، الخبّاز.

سمع : عبد الرحمن بن الحسين بن محمد الحنّائيّ.

وروى عنه : ابنا صصريّ ، وعبد الرحمن بن عمر النّسّاخ ، وآخرون.

مات رحمه‌الله تعالى في ربيع الأوّل.

نقلت وفاته من خطّ أبي عبد الله البرزاليّ.

ـ حرف العين ـ

٢٤٧ ـ عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف (١).

أبو محمد الأنصاريّ ، الشّاطبيّ.

سمع من : أبي عليّ بن سكّرة ، وأبي جعفر بن جحدر ، وأبي عامر بن حبيب ، وأبي عمران بن أبي تليد ، وأبي بحر الأسديّ.

وتفقّه بأبي محمد بن أبي جعفر.

وأخذ القراءات بقرطبة عن أبي العبّاس بن ذرّوه.

وأخذ بعض الروايات عن أبي القاسم بن النّحّاس ، وتوفّي الشّيخ.

وسمع من : ابن عتّاب. وأجاز له أبو عبد الله الخولانيّ ، وجماعة.

وعني بالفقه ، وشهر بالحفظ. وولي خطّة الشّورى ببلنسية ، ثمّ قضاء مرسية ، فحمدت سيرته ، ونال دنيا وحشمة. ثمّ صرف عند زوال دولة الملثّمين.

وانتهت إليه رئاسة الفتوى.

__________________

= ملازما إقراءه وتعليمه ، فاضلا متواضعا ، والمسجد الّذي كان يؤمّ به في صلاة الفريضة ويقرأ فيه القرآن لم يزل يعرف بمسجد أبي الربيع إلى أن تغلّب الروم على أندة سنة أربعين وستمائة أو نحوها ، مولده سنة ثمان وخمسمائة.

(١) انظر عن (عاشر بن محمد) في : الأعلام ٤ / ١٠ ، ١١ ، ومعجم المؤلفين ٥ / ٥١.

٢٦٦

روى عنه : أبو الخطّاب بن واجب ، وأبو عبد الله بن سعادة ، وابن أخته أبو محمد بن غلبون ، وأبو عبد الله الأندرشيّ.

وله مصنّفات نافعة.

مات في نصف شعبان بعد أن كفّ بصره وله ثلاث وخمسون سنة.

٢٤٨ ـ عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر (١).

العلّامة أبو محمد بن الخشّاب ، النّحويّ.

شيخ بغداد ونحويّ البلاد ، يقال إنّه بلغ في النّحو درجة أبي عليّ الفارسيّ. وكانت له معرفة تامّة بالحديث ، واللّغة ، والهندسة ، والفلسفة ، وغير ذلك.

أخذ عن : أبي منصور بن الجواليقيّ ، وأبي بكر بن جوامرد القطّان النّحويّ ، وعليّ بن أبي زيد الفصيحيّ ، وأبي السّعادات هبة الله بن الشّجريّ ، والحسن بن عليّ المحوّليّ اللّغويّ ، حتّى أحكم العربيّة.

__________________

(١) انظر عن (عبد الله بن أحمد بن أحمد) في : المنتظم ١٠ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ رقم ٣٣٧ (١٨ / ١٩٨ رقم ٤٢٩١) ، ومعجم الأدباء ١٢ / ٤٧ ـ ٥٣ رقم ٢٠ ، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) ١ / ٩٨ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٣٧٥ ، ٣٧٦ ، وإنباه الرواة ٢ / ٩٩ ـ ١٠٣ ، رقم ٣١٤ ، ومرآة الزمان ٨ / ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٠٢ ـ ١٠٤ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٢ ، والمختصر المحتاج إليه ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٩ رقم ٧٥٥ ، والعبر ٤ / ١٩٦ ، ١٩٧ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٧١ رقم ١٨٣٨ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٢٣ ـ ٥٢٨ رقم ٣٣٧ ، وتلخيص ابن مكتوم ٨٨ ، ٨٩ ، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد ١٣٤ ـ ١٣٦ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٢٤ ، ومسالك الأبصار ج ٤ مجلّد ٢ / ٣١١ ـ ٣١٦ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، وفوات الوفيات ٢ / ١٥٦ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٦٩ ، والوافي بالوفيات ١٧ / ١٤ ـ ١٦ رقم ١١ ، والذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٣١٦ ـ ٣٢٣ رقم ١٤٥ ، وتاريخ ابن الفرات ٤ / ١٨٩ ـ ٢٠٦ ، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة ٢ / ١٧ ـ ٢٠ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٦٥ ، وتاريخ الخلفاء ٤٤٨ ، وبغية الوعاة ٢ / ٢٩ ـ ٣١ رقم ١٣٥٣ ، وكشف الظنون ١٠٨ ، ٦٠٢ ، ٦٠٤ ، ٧٤١ ، ١٥٣٦ ، ١٥٦٣ ، ١٧٩١ ، ١٧٩٥ ، ١٨٠٤ ، ١٨٩٤ ، ١٩٧٣ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ، والفلاكة والمفلوكون ٧٨ ، ٧٩ ، وهدية العارفين ١ / ٤٥٦ ، وروضات الجنات ٤٥١ ، ٤٥٢ ، ومعجم المطبوعات ٩٣ ، وتاريخ الأدب العربيّ ٥ / ١٦٧ ـ ١٦٩ ، وفهرست الخديوية ٤ / ٢٥٥ ، وفهرس المخطوطات المصورة ١ / ٤٢٤ ، ومعجم المؤلفين ٦ / ٢٠.

٢٦٧

وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

وسمع من : أبي القاسم الرّبعيّ ، وأبي الغنائم النّرسيّ ، وأبي زكريّا بن مندة ، وغيرهم.

ثمّ طلب بنفسه ، وقرأ الكثير.

وسمع من : أبي عبد الله البارع ، وابن الحصين ، وابن كادش ، وأبي غالب بن البنّاء.

وقرأ العالي والنّازل إلى أن قرأ على أقرانه. وكان له كتب كثيرة إلى الغاية (١). وروى الكثير ، وتخرّج به خلق في النّحو.

وحدّث عنه : أبو سعد السّمعانيّ ، وذكره في تاريخه فقال : شابّ كامل ، فاضل ، له معرفة تامّة بالأدب ، واللّغة ، والنّحو ، والحديث ، يقرأ الحديث قراءة حسنة ، صحيحة ، سريعة ، مفهومة.

سمع الكثير بنفسه ، وجمع الأصول الحسان من أيّ وجه ، وكان يضنّ بها.

سمعت بقراءته من أبي بكر محمد بن عبد الباقي ، وابن السّمرقنديّ ، وسمعت لقراءته مجلّدات من «طبقات» ابن سعد. وكان يديم القراءة طول النّهار من غير فتور.

قلت : كان عمره إذ ذاك أربعين سنة.

قال : وسمعت أبا شجاع عمر البسطاميّ يقول : لمّا دخلت بغداد قرأ عليّ ابن الخشّاب «غريب الحديث» لأبي محمد القتيبيّ قراءة ما سمعت قبلها مثلها في الصّحة والسّرعة. وحضر جماعة من الفضلاء ، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسان فما قدروا.

__________________

(١) قال سبط ابن الجوزي : وكان مغرى بشراء الكتب ، وحضر يوما سوق الكتبيين فنودي على كتاب بخمسمائة دينار ولم يكن عنده شيء فاشتراه وقال : أخّروني ثلاثة أيام ، ومضى ، فنادى ، فبلغت خمسمائة دينار ، فقبض صاحبها وباعه بخمسمائة دينار ، فوفاه من ثمن الكتب وبقيت الدار له بعشرين دينار وقيل بغير شيء.

٢٦٨

قال ابن السّمعانيّ : كتبت عنه جزءا رواه عن الرّبعيّ ، وسألته عن مولده فقال : أظنّ أنّه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

وقال ابن النّجّار إنّه أخذ الحساب والهندسة عن : أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاريّ. وأخذ الفرائض عن أبي بكر المزرفيّ (١). وكان ثقة.

ولم يكن في دينه بذاك.

قلت : روى عنه أيضا : أبو اليمن الكنديّ ، والحافظ عبد الغنيّ ، وعبد العزيز بن الأخضر ، وأبو أحمد بن سكينة ، وأبو محمد بن قدامة ، ومحمد بن عماد الحرّانيّ ، وأبو البقاء العكبريّ ، وأبو الحسن عليّ بن نصر الحلّيّ ، وهو شيخهما في النّحو وشيخ الفخر أبي عبد الله بن تيمية الخطيب.

وقرأت بخطّ أبي محمد بن قدامة : كان ابن الخشّاب إمام أهل عصره في علم العربيّة ، وحضرت كثيرا من مجالسه ، لكن لم أتمكّن من الإكثار عنه لكثرة الزّحام عليه ، وكان حسن الكلام في السّنّة وشرحها.

قلت : وكان ظريفا مزّاحا على عادة الأدباء.

قال ابن الأخضر : كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة ، فسأله مكّيّ القرّاد (٢) فقال : عندك كتاب الجبال (٣)؟ فقال : يا أبله ما تراهم حولي (٤)؟

وقال ابن النّجّار : سمعت بعضهم يقول : سأل ابن الخشّاب واحد من

__________________

(١) المزرفي : بفتح الميم وسكون الزاي وفتح الراء وفي آخرها فاء ، نسبة إلى المزرفة ، وهي قرية كبيرة بالقرب من بغداد على خمسة فراسخ منها. (الأنساب ١١ / ٢٧٥ ، اللباب ٣ / ٢٠٣ ، الإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب المزرفي والمزرفن ، المشتبه ٢ / ٥٨٧ ، توضيح المشتبه ٨ / ١٤٠ ، تبصير المنتبه ٤ / ١٣٦١).

وقد تصحّفت في (بغية الوعاة) إلى «المزرقي» ، وتحرّفت في (معجم الأدباء ١٢ / ٤٩) إلى «المرزوقي».

(٢) هكذا في الأصل ، والذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٣٢١ ، وقد ضبطه المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ في (المشتبه ٢ / ٤٥٠) بالغين المعجمة والراء المشدّدة وبعد الألف دال.

(٣) في طبقات الحنابلة : «الخيال».

(٤) معجم الأدباء ١٢ / ٥٠ ، بغية الوعاة ٢ / ٣٠.

٢٦٩

تلامذته : القفا يمدّ أو يقصر؟ فقال : يمدّ ثمّ يقصر (١).

قال : وبلغني أنّ اثنين (٢) [أتياه] (٣) ليعرضا عليه شعرا قالاه ، فسمع من أحدهما ، فقال للآخر : هو أردأ (٤) شعرا منك. فقال : وكيف ولم تسمع شعري؟ قال : لأنّ شعره لا يمكن أن يكون أردأ منه.

وسأل بعض تلامذته : ما بك؟

فقال : فؤادي.

فقال : لو لم تهمزه لم يوجعك.

قال : وبلغني أنّ بعض المعلّمين قرأ عليه قول العجّاج :

أطربا وأنت قنّسريّ (٥)

وإنّما يأتي الصّبّا (٦) الصّبيّ

فجعل الصّبا بالياء ، فقال له : هذا عندك في المكتب. فاستحى.

وله في الشّمعة :

صفراء لا من سقم مسّها

كيف وكانت أمّها الشّافيه

عريانة باطنها مكتس

فأعجب لها كاسية عاريه (٧)

قال ابن النّجّار : وسمعت حمزة القبّيطيّ يقول : كان ابن الخشّاب يتعمم بالعمامة ، وتبقى على حالها مدّة حتّى يسودّ ما يلي رأسه منها ، وتتقطّع من الوسخ ، وترمي عليها العصافير ذرقها ، فيتركه على حاله.

قال : وسمعت أبا محمد بن الأخضر أنّ ابن الخشّاب ما تزوّج قطّ ولا تسرّى ، وكان قذرا يستقي بجرّة مكسورا. ولمّا مرض أتيناه نعوده ، فوجدناه

__________________

(١) معجم الأدباء ١٢ / ٥١ ، طبقات الحنابلة ١ / ٣٢٠ ، بغية الوعاة ٢ / ٣٠.

(٢) في الأصل : «اثنان».

(٣) إضافة على الأصل.

(٤) في الأصل : «أردى».

(٥) في الأصل : «تتسرّى» ، والتصحيح من (معجم الأدباء). و «فنّسرى : كبير طاعن في السّنّ».

(٦) في الأصل : «الصبى».

(٧) معجم الأدباء ١٣٢ / ٥٣.

٢٧٠

في أسوأ حال من وسخ الثّياب وقذر مكانه وعدم الغداء. فأشرنا على القاضي أبي القاسم بن الفرّاء بأن ينقله إلى داره ، فنقله وأسكنه في بيت نظيف ، وألبسه ثوبا نظيفا ، وأحضر الأشربة والماء ورد ، فوجد راحة وخفّة ، فأشهدنا بوقف كتبه ، فاستولى عليها بيت العطّار ، وباعوا أكثرها ، وتفرّقت حتّى بقي عشرها. فترك برباط المأمونيّة.

قال ابن النّجّار : كان رحمه‌الله بخيلا ، متبذّلا في ملبسه ومطعمه ، ويلبس قذرا ، ويلعب بالشّطرنج على الطّريق ، ويقف على المشعبذ وأصحاب القرود ، يكثر المزاح.

وقد صنّف الرّدّ على الحريريّ في موضع من «المقامات» ، وشرح «اللّمع» لابن جنّيّ ولم يتمّه ، وشرح «مقدّمة» الوزير ابن هبيرة في النّحو ، وصنّف الرّدّ على أبي زكريّا التّبريزيّ في تهذيبه لإصلاح المنطق (١).

وقال جمال الدّين القفطيّ (٢) : كان مطّرحا للتّكلّف ، وفيه بذاءة ، ويقف على الحلق ، ويقعد للشّطرنج أين وجده ، وكلامه أجود من قلمه. وكان ضيّق العطن ، ما صنّف تصنيفا فكمّله. شرح «الجمل» للجرجانيّ ، وترك أبوابا في وسط الكتاب وأقرّ هذا التّصنيف وهو على هذه الصّورة ، ولم يعتذر عنه.

قال ابن النّجّار : سمعت أبا بكر المبارك بن المبارك النّحويّ يقول : كان أبو محمد بن الخشّاب يحضر دائما سوق الكتب ، فإذا نودي على الكتاب يريد أن يشتريه أخذه وطالعة ، واستغفل الحاضرين ، وقطع ورقة ، ثمّ يقول إنّه مقطوع ليشتريه برخص ، فإذا اشتراه أعاد الورقة في بيته.

قال : وكان له إيوان كبير ملآن من الكتب والأجزاء ، فكان إذا استعار شيئا وطلب منه يقول : قد حصل بين الكتب فلا أقدر عليه.

قلت : إن صحّ هذا فلعلّه تاب والله يغفر له.

__________________

(١) معجم الأدباء ١٢ / ٥١ ، ٥٢.

(٢) إنباه الرواة ٢ / ١٠٠.

٢٧١

قال ابن الجوزيّ : دخلت عليه في مرضه وقد يئس من نفسه ، فقال لي : عند الله أحتسب نفسي.

وتوفّي يوم الجمعة ثالث رمضان. ودفن يوم السّبت.

وحدّثني عبد الله بن أبي الفرج الحنّائيّ الرجل الصّالح قال : رأيته في النّوم بعد موته بأيّام ، ووجهه مضيء ، فقلت له : ما فعل الله بك؟ قال : غفر لي وأدخلني الجنّة ، إلّا أنّه أعرض عنّي.

فقلت له : أعرض عنك؟ فقال : نعم ، وعن جماعة من العلماء تركوا العمل (١).

٢٤٩ ـ عبد الله بن طاهر بن حيدرة بن مفوّز (٢).

أبو محمد المعافريّ ، الشّاطبيّ.

أخذ القراءات عن أبي الحسن بن أبي العيش.

وسمع من : أبيه ، وأبي إسحاق بن جماعة.

وتفقّه بأبي عبد الله بن مغاور ، وأجاز له آخرون.

قال الأبّار : كان فقيها ، إماما ، خبيرا بالشّروط ، وقورا. ولي قضاء شاطبة ، فجرى على طريقة السّلف الصّالح ، عدلا ، وزكاة ، وحلما ، وأناة.

وتوفّي كهلا.

٢٥٠ ـ عبد الله بن منصور بن هبة الله بن أحمد (٣).

أبو محمد بن أبي الفوارس بن الموصليّ ، البغداديّ ، المعدّل.

سمع من أبي البركات محمد بن عبد الله الوكيل «ديوان المتنبّي» وتفرّد به.

__________________

(١) المنتظم.

(٢) انظر عن (عبد الله بن طاهر) في : تكملة الصلة لابن الأبّار.

(٣) انظر عن (عبد الله بن منصور) في : المختصر المحتاج إليه ٢ / ١٧٠ ، ١٧١ رقم ٨١١ ، والمعين في طبقات المحدّثين ١٧١ رقم ١٨٣٩ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٦٦ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٢٢ ، وذيل التقييد لقاضي مكة ٢ / ٦٩ رقم ١١٦٧ وذكر في : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٢٩ (دون ترجمة).

٢٧٢

وسمع من : أبي عبد الله النّعاليّ ، وأبي الحسن بن الطّيوريّ ، وأبي الحسن بن العلّاف ، وشجاع الذّهليّ ، وغيرهم.

سمع منه : أبو محمد بن الخشّاب ، وأبو سعد بن السّمعانيّ ، وغير واحد.

وحدّث عنه : أبو محمد بن الأخضر ، وابن قدامة ، ومنصور بن الزّكيّ ، والغزّال ، ومحمد بن عماد الحرّانيّ ، وأبو حفص السّهرورديّ في مشيخته ، وآخرون.

وروى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة ، وغيره.

قال الدّبيثيّ (١) : فقد أياما ثمّ فقد في بيته ميّتا في ربيع الآخر ، وله ثمانون سنة.

٢٥١ ـ عبد الله العاضد لدين الله (٢).

__________________

(١) المختصر المحتاج إليه.

(٢) انظر عن (العاضد لدين الله) في : النوادر السلطانية ٣٥ ، وسنا البرق الشامي ١ / ١١١ ، والتاريخ الباهر ١٥٦ ، ١٥٧ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٣٦٨ ـ ٣٧١ ، والمنتظم ١٠ / ٢٣٧ ، وتاريخ الزمان ١٨٧ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٢ ، ٤٩٤ ، وزبدة الحلب ٢ / ٣٣٣ ، ومفرّج الكروب ١ / ٢٠٠ ـ ٢١٦ ، والمغرب في حلى المغرب ١٤١ ، وأخبار الدول المنقطعة ١١١ ـ ١١٧ ، والنكت العصرية ٥٣ ، ١٩٠ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ١٩٨ ، ٢٠١ ، ٢١٤ ، ٢٢٢ ، ٢٣٢ ، ٢٣٥ ، ٢٨١ ، ٣٠٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٦ ، ٣٦٢ ، ونزهة المقلتين ١١٢ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٠ ، ٥١ ، والدرّ المطلوب ٤٨ ، والعبر ٤ / ١٩٤ ، ١٩٥ ، ودول الإسلام ٢ / ٨٠ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣٤ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٩ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٧٩ و ٣٨٢ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٧ ، والوافي بالوفيات ١٧ / ٦٨٥ ـ ٦٩٤ رقم ٥٨٤ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٠٩ ـ ١١٢ ، وتاريخ ابن الفرات ، مجلّد ٤ ج ١ / ١٦٤ ، والجوهر الثمين ١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٩ ، والمؤنس ٧٢ ، ٧٣ ، والكواكب الدريّة ١٩٥ ـ ١٩٧ ، والسلوك ج ١ ق ١ / ٤٤ ، واتعاظ الحنفا ٣ / ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، والمواعظ والاعتبار ١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٥٥ ـ ٣٥٧ ، وحسن المحاضرة ١ / ٦٠٩ ، وتاريخ الخلفاء ٤٤٣ ، ٤٤٦ ، ٤٤٧ وتاريخ ابن خلدون ٤ / ٧٦ ـ ٨٢ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ١٣١ ، ومآثر الإنافة ٢ / ٥١ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، وشفاء القلوب ٧٥ ، ٧٦ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، وأخبار الدول (الطبعة الجديدة) ٢ / ٢٤٩ ـ ٢٥١.

٢٧٣

أبو محمد بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظّاهر بن الحاكم العبيديّ ، المصريّ ، الرّافضيّ ، الّذي يزعم هو وبيته أنّهم فاطميّون وهو آخر خلفاء مصر.

ولد سنة ستّ وأربعين وخمسمائة في أوّلها. ولمّا هلك الفائز ابن عمّه واستولى الملك طلائع بن رزّيك على الدّيار المصريّة بايع العاضد وأقامه صورة ، وكان كالمحجور عليه لا يتصرّف في كلّ ما يريد. ومع هذا كان رافضيّا ، سبّابا ، خبيثا.

قال ابن خلّكان : كان إذا رأى سنّيّا استحلّ دمه. وسار وزيره الملك الصّالح سيرة مذمومة ، واحتكر الغلّات ، فغلت الأسعار ، وقتل أمراء الدّولة خيفة منهم ، وأضعف أحوال دولتهم بقتل ذوي الرأي والبأس ، وصادر ذوي الثّروة.

وفي أيّام العاضد ورد حسن بن نزار بن المستنصر العبيديّ من الغرب ، وقد جمع وحشد ، فلمّا قارب مصر غدر به أصحابه ، وقبضوا عليه ، وأتوا به إلى العاضد ، فذبح صبرا في سنة سبع وخمسين.

قلت : ثمّ قتل ابن رزّيك ، ووزر له شاور ، فكان سبب خراب دياره ، ودخل أسد الدّين إلى ديار مصر كما ذكرنا ، وقتل شاور ، ومات بعده أسد الدّين ، وقام في الأمر ابن أخيه صلاح الدّين وتمكّن في المملكة.

قال القاضي جمال الدّين ابن واصل (١) : حكى لي الأمير حسام الدّين ، فحكى أنّه لمّا وقعت هذه الوقعة ، يعني وقعة السّودان ، بالقاهرة الّتي زالت دولتهم فيها ، ودولة آل عبيد ، قال : شرع صلاح الدّين يطلب من العاضد أشياء من الخيل والرقيق والأموال ليتقوّى بذلك.

قال : فسيّرني يوما إلى العاضد أطلب منه فرسا ، ولم يبق عنده إلّا فرس واحد ، فأتيته وهو راكب في بستانه المعروف بالكافوريّ الّذي يلي القصر ،

__________________

(١) في مفرّج الكروب ١ / ٢٠٠.

٢٧٤

فقلت : صلاح الدّين يسلّم عليك ، ويطلب منك فرسا. فقال : ما عندي إلّا الفرس الّذي أنا راكبه ، ونزل عنه وشقّ خفّيه ورمى بهما ، وسلّم إليّ الفرس ، فأتيت به صلاح الدّين. ولزم العاضد بيته.

قلت : واستقلّ صلاح الدّين بالأمر ، وبقي العاضد معه صورة إلى أن خلعه ، وخطب في حياته لأمير المؤمنين المستضيء بأمر الله العبّاسيّ ، وأزال الله تلك الدّولة المخذولة. وكانوا أربعة عشر متخلّفا لا مستخلفا.

قال الإمام شهاب الدّين أبو شامة (١) : اجتمعت بالأمير أبي الفتوح ابن العاضد وهو مسجون مقيّد في سنة ثمان وعشرين وستّمائة ، فحكى لي أنّ أباه في مرضه استدعى صلاح الدّين فحضر ، قال : فأحضرونا ، يعني أولاده ، ونحن صغار ، فأوصاه بنا ، فالتزم إكرامنا واحترامنا.

قال أبو شامة (٢) : كان منهم ثلاثة بإفريقية وهم الملقّبون بالمهديّ ، والقائم ، والمنصور ، وأحد عشر بمصر ، وهم : المعزّ ، والعزيز ، والحاكم ، والظّاهر ، والمستنصر ، والمستعلي ، والآمر ، والحافظ ، والظّافر ، والفائز ، والعاضد ، يدّعون الشّرف ، ونسبتهم إلى مجوسيّ أو يهوديّ ، حتّى اشتهر لهم ذلك بين العوامّ ، فصاروا يقولون الدّولة الفاطميّة والدّولة العلويّة. إنّما هي الدّولة اليهوديّة ، أو المجوسيّة الملحدة الباطنيّة.

قال : وقد ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر أنّهم لم يكونوا لذلك أهلا ، ولا نسبهم صحيح ، بل المعروف أنّهم بنو (٣) عبيد. وكان والد عبيد هذا من نسل القدّاح الملحد المجوسيّ.

قال : وقيل كان والد عبيد هذا يهوديّا من أهل سلميّة ، وكان حدّادا. وعبيد كان اسمه سعيد ، فلمّا دخل المغرب تسمّى بعبيد الله ، وادّعى نسبا ليس

__________________

(١) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٢.

(٢) في الروضتين ج ٢ / ٥١٠ ، ٥١١.

(٣) في الأصل : «بنوا».

٢٧٥

بصحيح. وذكر ذلك جماعة من علماء الأنساب ، ثمّ ترقّت به الحال إلى أن ملك المغرب ، وبنى المهديّة ، وتلقّب بالمهديّ. وكان زنديقا خبيثا ، عدوّا للإسلام. قتل من الفقهاء ، والمحدّثين ، والصّالحين جماعة كبيرة ، ونشأت ذرّيته على ذلك. وبقي هذا البلاء على الإسلام من أوّل دولتهم إلى آخرها ، وذلك في ذي الحجّة سنة تسع وتسعين ومائتين إلى سنة سبع وستّين وخمسمائة.

وقد بيّن نسبهم جماعة مثل القاضي أبي بكر الباقلّانيّ ، فإنّه كشف في أوّل كتابه المسمّى «كشف أسرار الباطنيّة» عن بطلان نسب هؤلاء إلى عليّ رضي‌الله‌عنه ، وكذلك القاضي عبد الجبّار بن أحمد استقصى الكلام في أصولها ، وبيّنها في أواخر كتاب «تثبيت النّبوّة» ، وبيّن ما فعلوه من الكفريات والمنكرات.

قرأت في تاريخ صنّف على السّنين في مجلّد صنّفه بعض الفضلاء سنة بضع وثلاثين وستمائة ، وقدّمه لصاحب مصر الملك الصّالح : في سنة سبع وستّين : وفي (١) العاضد في يوم عاشوراء بعد إقامة الخطبة بمصر بيويمات في أوّل جمعة من المحرّم لأمير المؤمنين المستضيء بالله ، والعاضد آخر خلفاء مصر. فلمّا كانت الجمعة الثّانية خطب بالقاهرة أيضا للمستضيء ، ورجعت الدّعوة العبّاسيّة بعد أن كانت قد قطعت بها أكثر من مائتي سنة. وتسلّم الملك صلاح الدّين قصر الخلافة ، واستولى على ما كان به من الأموال والذّخائر ، وكانت عظيمة الوصف. وقبض على أولاد العاضد وأهل بيته ، وحبسهم في مكان واحد بالقصر ، وأجرى عليهم ما يمولهم ، وعفّى آثارهم ، وقمع مواليهم وسائر أنسبائهم.

قال : وكانت هذه الفعلة من أشرف أفعاله ، فلنعم ما فعل ، فإنّ هؤلاء كانوا باطنيّة زنادقة ، دعوا إلى مذهب التّناسخ ، واعتقاد حلول الجزء الإلهيّ في أشباحهم.

وقد ذكرنا أنّ الحاكم قال لداعيه : كم في جريدتك؟

__________________

(١) في الأصل : «وفا».

٢٧٦

قال : ستّة عشر ألفا يعتقدون أنّك الإله.

قال شاعرهم ... (١) في الحاكم :

ما شئت لا (٢) ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهّار (٣)

فلعن الله المادح والممدوح ، فليس هذا في القبح إلّا كقول فرعون (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٤).

قال بعض شعرائهم (٥) في المهديّ برقّادة :

حلّ برقّادة المسيح

حلّ بها آدم ونوح

حلّ بها الله في علاه

فما سوى الله فهو ريح (٦)

قال : وهذا أعظم كفرا من النّصارى ، لأنّ النّصارى يزعمون أنّ الجزء الإلهيّ حلّ بناسوت عيسى فقط ، وهؤلاء يعتقدون حلوله في جسد آدم ونوح والأنبياء وجميع الأئمّة.

هذا اعتقادهم لعنهم الله. فأمّا نسبهم فأئمّة النّسب مجمعون على أنّهم ليسوا من ولد عليّ رضوان الله عليه ، بل ولا من قريش أصلا.

قلت : قد ذكرنا فيما مضى أنّ القادر بالله كتب محضرا يتضمّن القدح في نسبهم ومذهبهم ، وأنّه شهد في ذلك المحضر خلق ، منهم : الشّريفان الرّضيّ ، والمرتضى ، والشّيخ أبو حامد الأسفرائينيّ ، وأبو جعفر القدوريّ ، وفي

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) في الأصل : «إلا».

(٣) تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٥٤.

(٤) سورة النازعات ، الآية ٢٤.

(٥) هو محمد البديل كاتب أبي قضاعة. (البيان المغرب ١ / ١٦٠).

(٦) ورد هذا البيت في (البيان المغرب) على هذا النحو :

حلّ بها الله ذو المعالي

وكلّ شيء سواه ريح

وقبله بيت :

حلّ بها أحمد المصفّى

حلّ بها الكبش والذّبيح

وقد تحرّفت كلمة «برقّادة» إلى «ترقادة» في : تاريخ ابن الفرات م ٤ ج ١ / ١٥٥.

٢٧٧

المحضر أنّ أصلهم من الدّيصانيّة ، وأنّهم خوارج أدعياء. وذلك في سنة اثنتين وأربعمائة (١).

وقال العماد الكاتب (٢) ، يصف ما جرى على ما خلّفه العاضد من ولد وخدم وأمتعة ، إلى أن قال : وهم الآن محصورون محسورون ، ولم يظهروا ، وقد نقص عددهم ، وقلص مددهم.

ثم عرض من بالقصر من الجواري والعبيد فوجد أكثرهنّ حرائر ، فأطلقهنّ ، وفرّق من بقي. وأخذ ـ يعني صلاح الدّين ـ كلّما صلح له ولأهله وأمرائه من أخاير الذّخائر ، وزواهر الجواهر ، ونفائس الملابس ، ومحاسن العرائس ، والدّرّة اليتيمة ، والياقوتة الغالية القيمة ، والمصوغات التّبريّة ، والمصنوعات العنبريّة ، والأواني الفضّيّة ، والصّواني الصّينيّة ، والمنسوجات المغربيّة ، والممزوجات الذّهبيّة ، والعقود والنّقود ، والمنظوم والمنضود ، وما لا يعدّ الإحصاء.

وأطلق البيع بعد ذلك في كلّ جديد وعتيق ، وبال وأسمال ، واستمرّ البيع فيها مدّة عشر سنين ، وانتقلت إلى البلاد بأيدي المسافرين.

وكتب السّلطان صلاح الدّين إلى وزير بغداد على يد شمس الدّين محمد بن المحسّن بن الحسين بن أبي المضاء البعلبكّيّ الّذي خطب أوّل شيء بمصر لبني العبّاس في أوّل السّنة بإنشاء الفاضل كتابا ، فممّا فيه :

«قد توالت الفتوح غربا وشرقا (٣) ، ويمنا وشآما ، وصارت البلاد (٤) والشّهر بل الدّهر حرما حراما ، وأضحى الدّين واحدا (٥) بعد ما كان أديانا.

__________________

(١) انظر حوادث سنة ٤٠٢ ه‍. من هذا الكتاب في الجزء المتضمّن ل (حوادث ووفيات ٤٠١ ـ ٤٢٠ ه‍.) ص ١١ بعنوان «محضر الطعن في صحّة نسب الخلفاء بمصر».

(٢) انظر : سنا البرق الشامي ١ / ١١٢ ، والروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٤ ، ٤٩٥ وقد تقدّم مثل هذا في الحوادث لسنة ٤٥٦٧ ه‍.

(٣) كلمة «شرقا» ليست في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٦.

(٤) في الروضتين : «وصارت البلاد بل الدنيا».

(٥) في الأصل : «واحد».

٢٧٨

والخلافة إذا ذكّر بها أهل الخلاف لم يخرّوا عليها [إلّا] (١) صمّا وعميانا. والبدعة خاشعة ، والجمعة جامعة ، والمذلّة في شيع الضّلال شائعة. ذلك أنّهم اتّخذوا عباد الله من دون أولياء ، وسمّوا أعداء الله أصفياء. وتقطّعوا في أمرهم شيعا ، وفرّقوا أمر الأمّة وكان مجتمعا. وكذّبوا بالنّار ، فعجّلت لهم نار الحتوف ، ونثرت أقلام الظّباء حروف رءوسهم نثر الأقلام للحروف. ومزّقوا كلّ ممزّق ، وأخذ منهم كلّ مخنق. وقطع دابرهم ، ووعظ آتيهم (٢) غابرهم. ورغمت أنوفهم ومنابرهم ، وحقّت عليهم الكلمة تشريدا وقتلا ، وتمّت كلمة (٣) ربّك صدقا وعدلا ، وليس السّيف عمّن سواهم من الفرنج (٤) بصائم ، ولا اللّيل عن السّير إليهم بنائم. ولا خفاء عن المجلس الصّاحبيّ أنّ من شدّ عقد خلافة ، وحلّ عقد خلاف ، وقام بدولة وقعد بأخرى قد عجز عنها الأخلاف والأسلاف ، فإنّه يفتقر (٥) إلى أن يشكر ما نصح ، ويقلّد ما فتح ، ويبلّغ ما اقترح ، ويقام (٦) حقّه ولا يطّرح ، ويقرّب مكانه وإن نزح ، وتأتيه التّشريفات الشّريفة».

إلى أن قال : «وقد أنهض لإيصال ملطّفاته ، وتنجز (٧) تشريفاته ، خطيب الخطباء بمصر ، وهو الّذي اختاره لصعود المنبر (٨) ، وقام بالأمر قيام من برّ ، واستفتح بلبس (٩) السّواد الأعظم ، الّذي جمع الله عليه السّواد الأعظم» (١٠).

__________________

(١) إضافة إلى الأصل.

(٢) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٧ «آيبهم».

(٣) في الروضتين «كلمات» ، والمثبت يتفق مع الآية الكريمة رقم ١١٥ من سورة الأنعام.

(٤) في الروضتين : «من كفار الفرنج».

(٥) في الروضتين : «مفتقر».

(٦) في الروضتين «يقدّم».

(٧) في الروضتين : «تنجيز».

(٨) في الروضتين : «لصعود درجة المنبر».

(٩) في الروضتين : «بلباس».

(١٠) انظر : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٩٦ ، ٤٩٧.

٢٧٩

وقال ابن أبي طيِّئ (١) : لمّا فرغ السّلطان من أمر الخطبة أمر بالقبض على القصور بما فيها ، فلم يوجد فيها من المال كبير أمر ، لأنّ شاور كان قد ضيّعه في إعطائه الفرنج ، بل وجد فيها ذخائر جليلة.

ومن عجيب ما وجد فيه قضيب زمرّد شبر وشيء في غلظ الإبهام ، فأخذه السّلطان ، وأحضر صائغا ليقطعه ، فأبى الصّائغ واستعفى ، فرماه السّلطان ، فانقطع ثلاث قطع ، وفرّقه على نسائه. ووجد طبل القولنج (٢) الّذي صنع للظّافر ، وكان من ضربه خرج منه الرّيح واستراح من القولنج ، فوقع إلى بعض الأكراد ، فلم يدر ما هو ، فكسره ، لأنّه ضرب به فحبق (٣). ووجد في الذّخائر إبريق عظيم من الحجر المائع ، فكان من جملة ما أرسل من التّحف إلى بغداد.

ثمّ وصل موفّق الدّين بن القيسرانيّ ، واجتمع من مصر بصلاح الدّين ، وأبلغه رسالة نور الدّين ، وطالبه بحساب جميع ما حصّله ، فصعب ذلك عليه ، وهمّ بشقّ العصا ، ثمّ سكن ، وأمر النّوّاب بعمل الحساب ، وعرضه على ابن القيسرانيّ ، وأراه جرائد الأجناد بأخبارهم ، وقد ذكر في الحوادث جميع ذلك (٤).

وكان عمارة اليمنيّ الشّاعر من العبيديّين ممّن يتولّاهم ، فرثى العاضد بهذه :

رميت يا دهر كفّ المجد بالشّلل

وجيدة بعد حسن الحلي بالعطل (٥)

سعيت في منهج الرّأي العثور فإن

قدرت من عثرات الدّهر فاستقل

خدعت مازنك الأعلى فأنفك لا

ينفكّ ما بين أمر الشّين والخجل

 __________________

(١) قوله في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٠٦.

(٢) القولنج : مرض معوي يعسر معه خروج الثقل والريح. (القاموس المحيط).

(٣) الحبق والحباق : الضراط ، والفعل : حبق يحبق حبقا وحبقا وحباقا. (القاموس المحيط).

(٤) انظر حوادث سنة ٥٦٧ ه‍. من هذا الكتاب.

(٥) البيت في خريدة القصر ، والأبيات ليست في كتابه «النكت العصرية».

٢٨٠