كشف الحقائق

الشيخ علي آل محسن

كشف الحقائق

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الصفوة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

زهرة وابن إدريس والشيخ والصدوق الطعن في بعض أخبار الكافي ... وقد ذكرت عباراتهم في الوسائل (١).

وبهذا يتضح أن علماء الإمامية وقفوا من كتاب الكافي موقفاً معتدلاً ، لم يجنحوا فيه إلى طرف الإفراط بتصحيح كل أحاديثه ، فيساووه بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولم يميلوا إلى جانب التفريط بإسقاطه عن الحجية والاعتبار فيبخسوه حقه.

قال السيد هاشم معروف : ومع أنه نال إعجاب الجميع وتقديرهم لم يغالِ به أحد غلو محدِّثي السنة في البخاري ، ولم يدَّعِ أحد بأنه صحيح بجميع مروياته لا يَقبل المراجعة والمناقشة ، سوى جماعة من المتقدمين تعرضوا للنقد اللاذع من بعض من تأخر عنهم من الفقهاء والمحدثين ، ولم يقل أحد بأن من روى عنه الكليني فقد جاز القنطرة كما قال الكثيرون من محدّثي السنة في البخاري ، بل وقف منه بعضهم موقف الناقد لمروياته من ناحية ضعف رجالها ، وإرسال بعضها ، وتقطيعها ، وغير ذلك من الطعون التي تخفف من حدة الحماس له والتعصب لمروياته (٢).

فأحاديث الكافي إذن فيها الصحيح وفيها الضعيف ، بل إن

__________________

(١) مفاتيح الأصول ، ص ٣٣٤.

(٢) دراسات في الحديث والمحدثين ص ١٣٢.

٢١

الضعيف منها أكثر من الصحيح كما نص عليه كثير من الأعلام ، مثل فخر الدين الطريحي (ت ١٠٨٥ ه‍) (١) ، والشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦ ه‍) عن بعض مشايخه المتأخرين (٢) ، والسيد بحر العلوم (٣) ، والميرزا محمد بن سليمان التنكابني (ت ١٣١٠ ه‍) (٤) ، وآغا بزرك الطهراني (٥) ، وغيرهم.

قال الطريحي قدس‌سره : أما الكافي فجميع أحاديثه حُصرت في [١٦١٩٩] ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، الصحيح منها باصطلاح مَن تأخر [٥٠٧٢] خمسة آلاف واثنان وسبعون ، [والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً] ، والموثَّق [١١١٨] ألف ومائة وثمانية عشر حديثاً ، والقوي منها [٣٠٢] اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها [٩٤٨٥] أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً ، والله أعلم.

والحاصل أن الكليني رضوان الله عليه مع أنه حاول أن يجمع في كتابه الكافي الأحاديث الصحيحة التي يكون بنظره عليها المعوّل ، وبها يؤدَّى فرض الله عزوجل كما أوضح في مقدمة الكتاب ، إلا أن علماء

__________________

(١) جامع المقال ، ص ١٩٣.

(٢) لؤلؤة البحرين ، ص ٣٩٤.

(٣) رجال السيد بحر العلوم ٣/ ٣٣١.

(٤) قصص العلماء ، ص ٤٢٠.

(٥) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٧ / ٢٤٥.

٢٢

الإمامية لم يتابعوه في تصحيح كل الأحاديث التي رواها في كتابه ، وفي جواز العمل بها ، بل ضعَّفوا كثيراً من أحاديثه كما تقدم ، مع أنه من أجَل الكتب عندهم وأكثرها فائدة ، من حيث إنه حوى أكثر من ستة آلاف وسبعمائة حديث معتبر.

وبذلك يتضح الفارق بين نظر أهل السنة إلى صحيح البخاري ، ونظر الشيعة إلى كتاب الكافي ، فإن مكانة صحيح البخاري التي تبوَّأها عند أهل السنة إنما حصلت بسبب إجماع علماء أهل السنة على صحة أحاديثه كلها (١) ، بخلاف الكافي وغيره من كتب الحديث عند الشيعة الإمامية ، فإنها لم تنل هذه المنزلة عندهم.

ولهذا نرى جمعاً من حفَّاظ الحديث من أهل السنة مع أنهم صنَّفوا

__________________

(١) قال الحافظ أبو نصر الوابلي السجزي : أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلاً لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي قد صح عنه ، ورسول الله (ص) قاله ، لا شك أنه لا يحنث ، والمرأة بحالها في حبالته (مقدمة ابن الصلاح ، ص ١٣). وقال أبو المعالي الجويني : لو حلف إنسان بطلاق امرأته ان ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي (ص) لما ألزمته الطلاق ولا حنثته ، لإجماع علماء المسلمين على صحتهما (صحيح مسلم بشرح النووي ١/٢٠ ، تدريب الراوي ١/١٣١). وقال ابن تيمية في كتابه علوم الحديث ، ص ٧٢ : ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول والتصديق أهل العلم بالحديث ، كجمهور أحاديث البخاري ومسلم ، فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين ، وسائر الناس تبع لهم في معرفة الحديث.

٢٣

كتباً التزموا فيها جمع الصحيح من الحديث بنظرهم (١) ، إلا أن كتبهم تلك لم تنل مكانة صحيح البخاري عند أهل السنة ، فإن العلماء لم يُجْمِعوا على صحَّة كل ما روي فيها من أحاديث ، كما كان الحال في أحاديث صحيح البخاري.

ومن ذلك يتضح أن حال كتاب الكافي عند الشيعة الإمامية حال المستدرك على الصحيحين أو صحيح ابن حبان وغيرهما من المصنفات التي حاول مؤلفوها جمع الصحيح فيها فقط ، ولم يتحقق إجماع على قبول كل ما فيها من أحاديث.

وحينئذ فلا مناص من عرض أحاديث هذه المجاميع على قواعد علم الدراية ، لتمييز الصحيح من غيره ، فيُحكم بصحة ما كان مستجمعاً لشرائط الصحة ، وبضعف ما لم يستجمع تلك الشرائط وإن حكم مؤلفٌ ما بصحة هذا الحديث أو ذاك ، لأن اجتهاد مجتهد لا يكون حجَّة على غيره من المجتهدين.

لا يُحتج بكتاب الكافي في إثبات المذهب

وهذه المسألة تتضح بأمور :

١ ـ أن كتاب الكافي كما أوضحنا فيه الأحاديث الصحيحة

__________________

(١) مثل كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، والمسند الصحيح على التقاسيم والأنواع ، المعروف بصحيح ابن حبان ، وكذلك صحيح ابن خزيمة.

٢٤

المعتبرة ، وفيه الأحاديث الضعيفة ، وعليه فلا يصح الاستناد في إثبات شيء من الأحكام الشرعية الفقهية ، فضلاً عن إثبات المذاهب الكلامية والأصول الاعتقادية على أي حديث مروي في كتاب الكافي ما لم يستجمع شرائط الاعتبار والحجية.

٢ ـ أن أصول الدين لا يصح إثباتها بأخبار الآحاد (١) وإن كانت تلك الأخبار صحيحة ، وذلك لأن المسائل الاعتقادية يشترط فيها أن تكون قطعية ، وأخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن الذي لا يجوز التعويل عليه في هذه المسائل.

قال السيد المرتضى أعلى الله مقامه (ت ٤٣٦ ه‍) في معرض الجواب عن جواز الرجوع في تعرُّف الأحكام إلى رسالة «المقنعة» للمفيد ، أو رسالة ابن بابويه ، أو كتاب «الكافي» للكليني ، أو غيرها : إن الرجوع في الأصول إلى هذه الكتب خطأ وجهل (٢).

وقال في النكير على من يعمل بأخبار الآحاد مطلقاً : ألا ترى أن هؤلاء بأعيانهم قد يحتجّون في أصول الدين من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة بأخبار الآحاد ، ومعلوم عند كل عاقل أنها ليست بحجة

__________________

(١) وهي الأحاديث غير المتواترة. وكون أكثر أحاديث الكافي من أخبار الآحاد مما لا نزاع فيه.

(٢) رسائل الشريف المرتضى ٢/٣٣٣.

٢٥

في ذلك (١).

وقال الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري أعلى الله مقامه (ت ١٢٨١ ه‍) : ظاهر الشيخ [الطوسي] في «العُدّة» أن عدم جواز التعويل في أصول الدين على أخبار الآحاد اتفاقي ، إلا عن بعض غَفَلة أصحاب الحديث. وظاهر المحكي في «السرائر» عن السيد المرتضى عدم الخلاف فيه أصلاً (٢).

وقال شيخنا الشهيد الثاني أعلى الله مقامه (ت ٩٦٦ ه‍) في «المقاصد العلية» بعد أن ذكر أن المعرفة بتفاصيل البرزخ والمعاد غير لازمة : وأم ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك من طريق الآحاد فلا يجب التصديق به مطلقاً وإن كان طريقه صحيحاً ، لأن الخبر الواحد ظني ، وقد اختُلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعية الظنية ، فكيف بالأحكام الاعتقادية العلمية؟! (٣).

وعليه ، فالذي يجب اعتقاده هو ما دلَّ عليه ظاهر كتاب الله المجيد ، وما عُلم بالتواتر من أقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومين من أهل بيته عليهم‌السلام وأفعالهم وتقريرهم ، وما عُلم بالضرورة أنه من دين الإسلام.

__________________

(١) المصدر السابق ١/٢١١.

(٢) فرائد الاصول ١/٣٧٢.

(٣) المصدر السابق ١/٣٧١.

٢٦

وأما ما عدا ذلك فهو موضوع عن الناس ، لا يجب عليهم الاعتقاد به إلا إذا حصل لهم العلم به.

قال الشيخ الأنصاري قدس‌سره : المستفاد من الأخبار المصرّحة بعدم اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها وهو الظاهر من جماعة من علمائنا الأخيار ، كالشهيدين في الألفية وشرحها ، والمحقق الثاني في الجعفرية وشارحها وغيرهم هو أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجوداً ، وواجب الوجود لذاته ، والتصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم والقدرة ، ونفي الصفات الراجعة إلى الحاجة والحدوث ، وأنه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً ...

ويكفي في معرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به ، والتصديق بنبوته وصدقه ، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته أعني كونه معصوماً بالملكة من أول عمره إلى آخره ...

إلى أن قال : ويكفي في معرفة الأئمة صلوات الله عليهم معرفتهم بنسبهم المعروف ، والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق ، ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم ، وفي وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان ... ويكفي في التصديق بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التصديق بما عُلم مجيئه به متواتراً من أحوال المبدأ والمعاد ، كالتكليف بالعبادات ، والسؤال في القبر وعذابه ، والمعاد الجسماني ،

٢٧

والحساب والصراط والميزان والجنة والنار إجمالاً ...

ثمّ قال : وما استقربناه فيما يعتبر في الإيمان وجَدْتُه بعد ذلك في كلام محكي عن المحقق الورع الأردبيلي في شرح إرشاد الأذهان (١).

الخلاصة

أن أبا بكر الجزائري لم يتَّبع في «نصيحته» إلى كل شيعي المنهج الصحيح للبحث العلمي ، إذ وصف كتاب الكافي بأنه عمدة الشيعة في إثبات مذهبهم ، وأنه أهم كتاب يعتمدون عليه في إثبات المذهب ، وأنه عمدة مذهب الشيعة ، ومصدر تشيعهم.

وهذا كله لم يثبت ، بل الثابت خلافه ، فإن كتاب الكافي وإن كان من أجَل الكتب المعتمدة عند الشيعة الإمامية في استنباط الأحكام الشرعية ، إلا أن فيه أحاديث ضعيفة لا يجوز الاستناد إليها في فروع الدين فضلاً عن أصوله ، كما لا يصح الاستناد إلى أحاديث الكافي وغيره وإن كانت صحيحة في إثبات المذهب ، أو إثبات شيء من أصوله وعقائده التي لا بد أن تكون معلومة بالقطع واليقين ، اللهم إلا ما كان منها متواتراً قد عُلم صدوره من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم‌السلام.

كما إن علماء المذهب قدس الله أسرارهم قد أثبتوا صحة مذهب

__________________

(١) فرائد الاصول ١/٣٧٧ ـ ٣٨٠.

٢٨

الإمامية وسلامة عقائده بالأدلة القطعية ، العقلية منها والنقلية ، واحتجوا على خصومهم بما صحَّ من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مما رواه الخصوم في كتبهم المعتمدة ، ولم يُلزِموا مخالفيهم بما رووه هم في كتبهم من الأحاديث التي لا يسلِّم بها غيرهم.

وهذا معلوم من حالهم ، يعرفه كل من اطّلع على ما حرروه في كتبهم الكلامية ، وما كتبوه في إثبات المذهب وإبطال مذاهب أهل الخلاف ، فراجع إن شئت كتاب «الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد» للشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، وكتاب «كشف المراد» و «نهج المسترشدين» و «الباب الحادي عشر» و «نهج الحق وكشف الصدق» و «كشف اليقين» كلها للعلامة الحلّي ، وكتاب «الغدير» للشيخ عبد الحسين الأميني ، وكتاب «المراجعات» للسيد عبد الحسين شرف الدين ... وغيرها من الكتب التي لا تحصى كثرة.

ولهذا كله لم يحاول الجزائري أن يُثْبت شيئاً مما ادّعاه ، بالنقل عن جهابذة علماء الشيعة وأساطين المذهب الذين حرّروا هذه المسألة في مصنفاتهم المعروفة.

كما أنه لم يحاول أن يُثبت لقارئه أيضاً أن «حقائقه» التي ذكرها في كُتيّبه قد استخلصها من أحاديث صحيحة ، وأن الشيعة يعتقدون بمفادها ، ويعدُّونها من أُسس تشيّعهم وأصول مذهبهم.

وهذا كله لو حاول إثباته فلن يتأتى له ، لأن علماءنا الأبرار قد

٢٩

أثبتوا في مصنفاتهم أن كتاب الكافي كما تقدم فيه جملة وافرة من الأحاديث الضعيفة التي لا يجوز العمل بها ، ولا يصح الاحتجاج بها في فروع الدين وأصوله ، وصرَّحوا أنه لا يلزم الشيعي حتى يكون شيعياً أن يعتقد بتفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة وغيرها ، بل يجب عليه أن يعتقد بالأُسس العامة للمذهب كما أوضحناه مفصلاً.

ومن الغريب أن هذا الرجل قد اختار أحاديث ضعيفة زعم أن الشيعة تعتقد بمفادها ، وزعم أنه توصَّل بها إلى حقائق ثابتة هي أصل مذهب التشيع ، مع أن تلك الأحاديث مضافاً إلى ضعف سندها لا تدل على ما ادّعى أنها تدل عليه ، فإنه حمَّلها ما لا تحتمل من الوجوه الضعيفة والمعاني الباطلة.

هذا مضافاً إلى أنه جاء ببعض الأحاديث التي حرَّفها بأبشع تحريف ، ونسبها إلى الكافي كما سيتضح في كشف الحقيقة السابعة إن شاء الله تعالى. وهذا مما يؤسف له ، ويدل على أن الرجل لم يكن مخلصاً في نصيحته ، ولا صادقاً في دعوته ، ولا أميناً في نقله ، ولا ثقة في قوله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)

٣٠

كشف الحقيقة الأولى

٣١
٣٢

قال الجزائري :

الحقيقة الأولى

استغناء آل البيت وشيعتهم عن القرآن الكريم بما عند آل البيت

من الكتب الإلهية الأولى التي هي التوراة والزبور والفرقان

إن الذي يثبت هذه الحقيقة ويؤكدها ، ويلزمك أيها الشيعي بها : هو ما جاء في كتاب الكافي من قول المؤلف : «باب أن الأئمة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عزوجل ، وأنهم يعرفونها كلها على اختلاف ألسنتها» مستدلاً على ذلك بحديثين يرفعهما إلى أبي عبد الله ، وأنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية.

وأقول :

الحديث الأول : أخرجه الكليني رحمه‌الله بسنده عن هشام بن الحكم في حديث بُرَيه ، أنه لما جاء معه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، فحكى له هشام الحكاية ، فلما فرغ قال أبو الحسن عليه‌السلام لبريه : يا بريه ، كيف علمك

٣٣

بكتابك؟ قال : أنا به عالم. ثمّ قال : كيف ثقتك بتأويله؟ قال : ما أوثقني بعلمي فيه. قال : فابتدأ أبو الحسن عليه‌السلام يقرأ الإنجيل ، فقال بريه : إيَّاك كنتُ أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك. قال : فآمن بريه ، وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة التي كانت معه.

فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه‌السلام وبين بريه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فقال بريه : أنّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرأها كما قرءوها ، ونقولها كما قالوا ، إن الله لا يجعل حجَّة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول : لا أدري (١).

سند الحديث

هذا الحديث ضعيف السند ، لجهالة أحد رواته ، وهو الحسن بن إبراهيم.

قال المولى محمد باقر المجلسي قدس‌سره : [في سنده] مجهول (٢).

__________________

(١) أصول الكافي ١/٢٢٧. والحديث بطوله مذكور في مرآة العقول ٣/٢٥ ، وكتاب التوحيد ، ص ٢٧٠.

(٢) مرآة العقول ٣/٢٤.

٣٤

وقال المامقاني قدس‌سره في ترجمة الراوي المذكور : الحسن بن إبراهيم الكوفي ، عدَّه الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا عليهم‌السلام ... وظاهره كونه إمامياً إلا أن حاله مجهول (١).

والحديث الثاني : رواه الكليني أيضاً عن مفضل بن عمر ، قال : أتينا باب أبي عبد الله ونحن نريد الإذن عليه ، فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية ، فتوهمنا أنه بالسريانية ، ثمّ بكى فبكينا لبكائه ، ثمّ خرج إلينا الغلام ، فأذن لنا فدخلنا عليه ، فقلت : أصلحك الله ، أتيناك نريد الإذن عليك ، فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية ، فتوهمنا أنه بالسريانية ، ثمّ بكيت فبكينا لبكائك. فقال : نعم ، ذكرتُ إلياس النبي ، وكان من عبَّاد أنبياء بني إسرائيل ، فقلت كما كان يقول في سجوده. ثمّ اندفع فيه بالسريانية ، فلا والله ما رأينا قسّاً ولا جاثليقاً أفصح لهجة منه به ، ثمّ فسره لنا بالعربية ، فقال : كان يقول في سجوده : أتراك معذِّبي وقد أظمأتُ لك هواجري؟ أتراك معذّبي وقد عفّرت لك في التراب وجهي؟ أتراك معذّبي وقد اجتنبتُ لك المعاصي؟ أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي؟. قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك ، فإني غير معذبك ، قال : فقال : إن قلتَ : «لا أعذِّبك» ثمّ عذَّبتَني ما ذا؟ ألستُ عبدك ، وأنت ربّي؟! قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك ، فإني غير معذّبك ، إني إذا وعدتُ وعداً

__________________

(١) تنقيح المقال ١/ ٢٦٥.

٣٥

وفيتُ به (١).

سند الحديث

هذا الحديث أيضاً ضعيف السند.

قال المولى المجلسي قدس‌سره : الحديث الثاني ضعيف (٢).

وحسبك أن من جملة رواته سهل بن زياد ، وبكر بن صالح ، ومحمد بن سنان.

أما سهل بن زياد فذهب المشهور إلى أنه ضعيف.

قال المامقاني قدس‌سره : إن علماء الرجال قد اختلفوا في الرجل على قولين : أحدهما : أنه ضعيف ، وهو خيرة النجاشي وابن الغضائري والشيخ في الفهرست ، والعلَّامة في الخلاصة وجملة من كتبه الفقهية كالمنتهى والمختلف وغيرهما ، وابن داود في رجاله ، والمحقق في الشرائع ومواضع من نكت النهاية والمعتبر ، والآبي في محكي كشف الرموز ، والسيوري في التنقيح ، والشهيد الثاني والشيخ البهائي وصاحب المدارك والمولى الصالح المازندراني والمحقق الأردبيلي والسبزواري وغيرهم ، بل هو المشهور بين الفقهاء وأصحاب الحديث وعلماء الرجال (٣).

__________________

(١) أصول الكافي ١/٢٢٧.

(٢) مرأة العقول ٣/ ٢٨.

(٣) تنقيح المقال ٢/٧٥.

٣٦

وقال المحقق الخوئي قدس‌سره : وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً ، أو لم تثبت وثاقته (١).

وأما بكر بن صالح فقد ضعَّفه النجاشي (٢).

وقال ابن الغضائري : بكر بن صالح الرازي ضعيف جداً ، كثير التفرد بالغرائب (٣).

وضعَّفه العلَّامة في الخلاصة بنحو ما قاله ابن الغضائري (٤).

وذكره ابن داود في القسم الثاني وضعَّفه ، ونقل كلام ابن الغضائري ، كما ضعَّفه الشيخ البهائي في الوجيزة (٥).

قال المامقاني قدس‌سره : ضعْف بكر بن صالح الضبي الرازي الراوي عن الكاظم عليه‌السلام مما لا ينبغي الريب فيه ، واشتراك غيره معه من دون تمييز صحيح يُسقِط كل رواية لبكر بن صالح أيّ بكر كان عن الاعتبار (٦).

وأما محمد بن سنان فالمشهور أيضاً أنه ضعيف.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٨/٣٤٠.

(٢) رجال النجاشي ١/٢٧٠.

(٣) تنقيح المقال ١/١٧٨.

(٤) رجال العلامة الحلي ، ص ٢٠٧.

(٥) تنقيح المقال ١/١٧٨.

(٦) المصدر السابق ١/١٧٩.

٣٧

قال المامقاني بعد أن ذكر أنه اختلف فيه على قولين : أحدهما : أنه ضعيف ، وهو المشهور بين الفقهاء وعلماء الرجال.

ثمّ نقل تضعيفه عن الشيخ الطوسي في رجاله وفهرسته ، والنجاشي وابن عقدة أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد وابن الغضائري والمفيد الذي قال فيه : محمد بن سنان وهو مطعون فيه ، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه ، ومن كان هذا سبيله لا يُعتمد عليه في الدين (١).

قال المامقاني : وممن ضعَّفه المحقق رحمه‌الله في مواضع من المعتبر ، والعلّامة في موضع من المختلف ، وكاشف الرموز والشهيد الثاني في باب المهور من المسالك ، وصاحب المدارك ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ، وصاحب الذخيرة ، وهو المحكي عن المعتصم والمنتقى ومشرق الشمسين والحبل المتين وحاشية المولى صالح والتنقيح والفخري في مرتب مشيخة الصدوق والذكرى والروضة وغيرها (٢).

قال السيد الخوئي قدس‌سره : تضعيف هؤلاء الأعلام يصدّنا عن الاعتماد عليه والعمل برواياته (٣).

__________________

(١) المصدر السابق ٣/١٢٤.

(٢) المصدر السابق ٣/١٢٥.

(٣) معجم رجال الحديث ١٦/١٦٠.

٣٨

مناقشة الجزائري في دلالة الحديثين :

قال الجزائري : وقصد المؤلف من وراء هذا معروف ، وهو أن آل البيت وشيعتهم تبع لهم يمكنهم الاستغناء عن القرآن الكريم بما يعلمون من كتب الأوّلين.

وهذه خطوة عظيمة في فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين ، إذ ما من شك في أن من اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم بأي وجه من الوجوه فقد خرج من الإسلام ، وانسلخ من جماعة المسلمين.

ثمّ قال : إن اعتقاد امرئ الاستغناء عنه أو عن بعضه بأي حال من الأحوال ، هو ردَّة عن الإسلام ومروق منه ، لا يبقيان لصاحبها نسبة إلى الإسلام ولا إلى المسلمين.

أقول :

لو سلمنا بصحَّة الحديثين جدلاً فهما مع ذلك لا يدلان على شيء مما قاله.

أما الحديث الأول : فهو لا يدل على أن أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم قد استغنوا بكتب الأوَّلِين عن القرآن الكريم ، وإنما يدل بوضوح على أن أهل البيت عليهم‌السلام عندهم تلك الكتب غير محرَّفة ولا مبدَّلة ، ورثوها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها كما عنْوَنَ الكليني رحمه‌الله الباب بذلك.

٣٩

وظاهر الحديث أن أبا الحسن موسى عليه‌السلام قرأ على بُريه من الإنجيل ما يُلزمه ويأخذ بعنقه للدخول في الإسلام ، بدليل أنه أسلم في الحال ، ولعلَّه قرأ عليه من الإنجيل ما يدل على نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن ذلك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل كما أخبر سبحانه وتعالى في محكم كتابه إذ قال : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ ...) (١).

قال ابن كثير : هذه يعني قوله تعالى (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ...) الآية صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب الأنبياء ، بشَّروا أُممهم ببعثه ، وأمروهم بمتابعته ، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم ، يعرفها علماؤهم وأحبارهم (٢).

وقال : إن الأنبياء عليهم‌السلام لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها على أممها ، وتأمرهم باتّباعه ونصره ومؤازرته إذا بعث (٣).

وقال البيهقي : إن الله تعالى أمَر عيسى عليه‌السلام فبشَّر به

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآتيان ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) تفسير القرآن العظيم ٢/٢٥١.

(٣) المصدر السابق ٤/٣٦٠.

٤٠