كشف الحقائق

الشيخ علي آل محسن

كشف الحقائق

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الصفوة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

الإيمان الصحيح والعمل الصالح؟!

إن الأدلة الصحيحة الثابتة وهي الكتاب والسنة المتواترة التي يلزمنا الرجوع إليها لمعرفة الطريق الذي نسلكه والمذهب الذي نتَّبعه ،

__________________

ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٨/ ٤٤٩.

وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب ٤٠٣/٣ في ترجمة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن ابن معين قال : كان مالك يتكلم في سعد سيد من سادات قريش. وقال : إنما ترك مالك الرواية عنه لأنه تكلم في نسَب مالك ، فكان مالك لا يروي عنه ، وهو ثَبْتٌ لا شك فيه. قال ابن حجر : يقال إن سعداً وعظ مالكاً ، فوجد عليه فلم يروِ عنه. وقال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ١٧٥/٢ قال سلمة بن سليمان لابن المبارك : وضعتَ من رأي أبي حنيفة ، ولم تضع من رأي مالك؟ قال : لم أره علماً. وقال ١٦٠/٢ : وقد تكلم ابن أبي ذؤيب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره ، وهو مشهور عنه ... وكان إبراهيم بن سعد يتكلم فيه ويدعو عليه ، وتكلم في مالك أيضاً فيما ذكره الساحي في كتاب العلل عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن إسحاق وابن أبي يحيى وابن أبي الزناد ، وعابوا عليه أشياء من مذهبه ، وتكلم فيه غيرهم ... وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسَداً لموضع إمامته ، وعابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر ، وفي كلامه في علي وعثمان ، ونسبوه في ذلك إلى ما لا يحسن ذكره.

وقال أيضاً في نفس المصدر : ومما نقم على ابن معين وعيب به قوله في الشافعي : إنه ليس بثقة. وقال : قد صح عن ابن معين أنه كان يتكلم في الشافعي.

إلى غير ذلك مما يطول ذكره ، فراجع إن شئت كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر١٥٠/٢ ـ ١٦٣ ، فإنه ذكر شيئاً كثيراً من هذه النظائر.

٢٦١

كلها ترشد إلى اتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام دون غيرهم.

وأما مذاهب أهل السنة فما أمر الله ولا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباعها والأخذ منها ، وما أحسن قول الشاعر :

قال الشريفُ الفاطمي أحمدُ

أَبدأُ باسم الله ثمّ أَحمَدُ

مصلِّياً على النبي المرسَلِ

مدينةِ العلمِ وبابِها علي

وأهلِ بيتِ الوحيِ والتنزيلِ

ومعدَنِ الحكمةِ والتأويلِ

بعدُ : فهاك ما عن المختارِ

مضمونَ ما شاع من الأخبارِ

تفترقُ الأمَّةُ بعد ما ضحى

ظِل النبيِّ فِرَقاً لن تبرحا

واحدةٌ ناجيةٌ والباقيهْ

هالكةٌ وفي الجحيمِ هاويهْ

فاصغِ لما أقول يا عمرُو فما

تقول في آلِ النبيِّ الكُرما؟

هل هلكوا؟! أَستغفرُ الله وقدْ

قام لفسطاط الهدى بهم عَمَدْ

لا بل نجوا ومَن عداهم هلكوا

ونحن ممن بهمُ تمسَّكوا

وقد أخذنا قولَهم ففزنا

وعن سوى آل النبي جزنا

متَّخذين مذهب الأطائبِ

من آلِه لا سائرَ المذاهبِ

فمَذهب الصادق (١) خيرُ مذهبِ

وهو وبيتِ اللهِ أولى بالنبي

وما أخذتم منهمُ وعنهمُ

بل اتَّبعتم مَن همُ دونَهمُ

حتى انتهى الأمرُ إلى التقليد في

شرائع الدين القويم الحنفي

__________________

(١) هو مذهب الامام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، وهو مذهب الشيعة الامامية الجعفرية الاثني عشرية.

٢٦٢

قلَّدتمُ النعمان أو محمدا

أو مالك بنَ أنسٍ أو أحمدا (١)

فهل أتى الذِّكْرُ به أو وصَّى

به النبيُّ أو وجدتم نصّا؟! (٢)

وأما زعمه أنا نجد عند أهل السنة كتاب الله خالياً من شوائب التأويل الباطل فغير صحيح ، لأن كل متأمل فيما كتبه علماء أهل السنة في تفسير القرآن الكريم يجد أنهم يصرِفون أكثر الآيات النازلة في أهل البيت عامة وفي علي عليه‌السلام خاصة إلى غيرهم ، أو يؤوِّلونها بما يخرجها عن أن تكون فضيلة خاصة بهم.

فصرفوا آية التطهير وهي قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) عن أصحاب الكساء ، وزعموا نزولها في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة ، أو فيهن وفي علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، مع أن الأحاديث الدالة على أن المراد بأهل البيت في الآية هم علي وفاطمة وابناهما عليهم‌السلام كثيرة جداً (٣).

منها : ما أخرجه الترمذي وصحَّحه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في سُننه من طُرُق (٤) ، عن أم

__________________

(١) يعني بالنعمان أبا حنيفة ، ومحمد هو الشافعي ، وأحمد هو ابن حنبل.

(٢) منظومة الشهاب الثاقب ، ص ١٢٠/١١٩.

(٣) راجع ما كتبناه حول هذه الآية في كتابنا دليل متحيرين ، ص ٢١٥/٢٠٦.

(٤) عن فتح القدير ٤/٢٧٩.

٢٦٣

سلمة قالت : في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين ، فجلَّلهم رسول الله بكساء كان عليه ، ثمّ قال : هؤلاء أهل بيتي ، فأذهِبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً.

والتجلُّل بالكساء يدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يبيِّن أن الذين أذهب الله عنهم الرجس هم هؤلاء الخمسة دون نسائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنهن أم سلمة التي وقعت الحادثة أو نزلت هذه الآية في بيتها ، ولهذا جذب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكساء من يدها لما أرادت أن تدخل معهم ، ومنعها من ذلك ، وقال لها : أنت على خير ، أنت على خير (١).

ولو لا دلالة التجلُّل بالكساء على ذلك لكان هذا الفعل عبثاً لا يليق بأدنى الناس فضلاً عن سيد الأنبياء والمرسلين.

وكذلك صرفوا قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فزعموا أن المراد ب(الَّذِينَ آمَنُوا) هم المؤمنون عامة ، مع

__________________

(١) راجع فتح القدير ٤/٢٧٩. سنن الترمذي ٥/٣٥١. مسند أحمد ٦/٢٩٢ ، ٣٠٤. المستدرك ٢/٤١٦ وصححه ووافقه الذهبي. تفسير القرآن العظيم ٣/٤٨٤ ، ٤٨٥. الدر المنثور ٦/٦٠٣ ، ٦٠٤. الجامع لأحكام القرآن ١٤/١٨٣.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٥.

٢٦٤

أنهم رووا الأحاديث الكثيرة الدالة على نزول هذه الآية في علي عليه‌السلام لما تصدَّق بخاتمه في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

والولي هنا لا يصح أن يكون بمعنى الناصر والمحب ، بل هو بمعنى الأولى بالتصرّف ، لأن الولاية لو كانت بمعنى النصرة والمحبة لكانت عامة للمؤمنين ، لقوله تعالى (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٢) مع أن الآية نزلت في علي عليه‌السلام كما دلَّت عليه الأحاديث الكثيرة.

مضافاً إلى أن الآية حصرت الأولياء في ثلاثة ، وهم : الله ، ورسوله ، والمؤمنون المتصفون بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم راكعون. وعموم المؤمنين لم يتصفوا بهذه الصفات ، وهذا يدلّ بوضوح على أن المراد بالذين آمنوا في الآية بعض المؤمنين لا كلهم.

ومن هذا البيان يتضح أن معنى هذه الآية هو معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيَّن المراد بالمولى بقوله قبل ذلك : أيها الناس ، ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ وقد تقدَّم بيان ذلك مكرراً.

__________________

(١) راجع تفسير القرآن العظيم ٢/ ٧١ الدر المنثور ٣ /١٠٤ ـ ١٠٦ جامع البيان في تفسير القرآن ١٨٦/٦. الجامع لأحكام القرآن ٦ /٢٢١ ـ ٢٢٢. فتح القدير ٢/ ٥٣. الكشاف ١/ ٣٤٧. التفسير الكبير ٢٦/١٢.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٧١.

٢٦٥

وكذلك صرفوا قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١) عن آل البيت عليهم‌السلام ، وزعموا أن النبي سأل قريشاً أن يودُّوه لأجل القربى التي بينه وبينهم ، أو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل الناس عامة أن يودُّوا قراباتهم ، مع أن الأحاديث المؤكَّدة على لزوم مودّة أهل البيت عليهم‌السلام أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تُذكر.

منها : ما أخرجه مسلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال يوم غدير خم : أُذكِّركم الله في أهل بيتي (٢).

وأخرج الترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم والهيثمي وغيرهم ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبّكم لله ولقرابتي (٣).

وأخرج الترمذي عن ابن عباس ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٢٣.

(٢) صحيح مسلم ٤/١٨٧٣ كتاب الفضائل ، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الجامع الصغير ١/٢٤٤ ورمز له بالصحة. وصححه الالباني في صحيح الجامع الصغير ١/٢٨٧ وتخريج شرح العقيدة الطحاوية ، ص ٤٩٠. كتاب السنة ، ص ٦٢٩.

(٣) سنن الترمذي ٥/٦٢٥ وقال : هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة ١/٥٠. مسند أحمد ١/٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٤/١٦٥. المستدرك ٤/٧٥. مجمع الزوائد ١/٨٨ ، ٩/١٧٠. الفردوس بمأثور الخطاب ٤/٣٦١.

٢٦٦

أحِبُّوا الله لما يغذُوكم بنِعَمه ، وأحبّوني بحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي (١).

هذه نماذج من تأويل علماء أهل السنة لآيات الكتاب العزيز التي صرفوها عن المراد بها إلى ما يوافق عقيدتهم وإن خالفوا الأحاديث الصحيحة التي يروونها في كتبهم المعتمدة.

ولعل الجزائري أراد بالتأويل الباطل الذي تبرَّأ منه هو تأويل بعض الآيات القرآنية التي اشتملت على نسبة اليد أو الوجه أو الأعين أو الساق أو ما شاكل ذلك إلى الله جل شأنه ، فإن الشيعة الإمامية أوَّلوا هذه الآيات بالمعاني المناسبة لها الدالة على تنزيه الله سبحانه عن أن يكون له أجزاء أو أعضاء كأعضاء الآدميين.

أما أهل السنة وبالأخص الحنابلة منهم فإنهم نظروا في الآيات التي ورد فيها ذكر ذلك فحملوها على معانيها الحقيقية ، فأثبتوا لله يداً ووجهاً وساقاً وعيناً تليق بجلاله.

قال السفاريني : وجب أن يُحمَل الوجه في حق الباري على وجه يليق به ، وهو أن يكون صفة زائدة على تسمية قولنا ذات (٢).

وقال أبو الحسن الأشعري : مَن سأَلَنا فقال : أتقولون إن لله سبحانه وجهاً؟ قيل له : نقول ذلك خلافاً لما قاله المبتدعون ، وقد دل

__________________

(١) سنن الترمذي ٥/٦٦٤ وقال : حديث حسن.

(٢) لوامع الأنوار البهية ١/٢٢٧.

٢٦٧

على ذلك قوله عزوجل (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ... فإن سُئلنا :  أتقولون إن لله يدَيْن؟ قيل : نقول ذلك ، وقد دلَّ عليه قوله عزوجل (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وقوله عزوجل (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (١).

وقال : إن معنى قوله (بِيَدَيَّ) إثبات يدين ليستا جارحتين ولا قُدرتين ولا نعمتين ، ولا يوصفان إلا بأنهما يدان ليستا كالأيدي ، خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة (٢).

وقال السفاريني : مذهب السلف والأئمة الأربعة وبه قال الحنفية والحنابلة وكثير من الشافعية وغيرهم هو إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها (٣).

قلت: إن إثبات اليد والوجه والساق وغيرها لله تعالى هو عين التشبيه والتكييف ، فإن اليد وإن اختلفت صُوَرها إلا أن حقيقتها واحدة ، ولو لا ذلك لما سُمّيتْ يداً ، وكذلك الوجه والساق والعين وغيرها ، فأهل السنة شبهوا الله بخلقه ، وجعلوه جسماً وإن نفوا عنه الجسمية ، فإنهم ينفون التسمية ، ويثبتون الماهية.

وقد وجدتُ كلاماً يناسب المقام لتاج الدين السبكي في الرد على أستاذه الحافظ شمس الدين الذهبي الذي حاول الغضَّ من أبي الحسن

__________________

(١) الإبانة عن اصول الديانة ، ص ٧٨.

(٢) المصدر السابق ، ص ٨٢.

(٣) لوامع الانوار البهية ١/٢٢٥.

٢٦٨

الأشعري في ترجمته له في كتابه تاريخ الإسلام ، فقال مخاطباً له :

وأما إشارتك بقولك «ونبغض أعداءك» إلى أن الشيخ من أعداء الله ، وأنك تبغضه ، فسوف تقف معه بين يدي الله تعالى ، يوم يأتي وبين يديه طوائف العلماء من المذاهب الأربعة ، والصالحين من الصوفية ، والجهابذة الحفَّاظ المحدّثين ، وتأتي أنت تتسكَّع في ظُلَم التجسيم الذي تدَّعي أنك بريء منه ، وأنت من أعظم الدعاة إليه ، وتزعم أنك تعرف هذا الفن (١) وأنت لا تفهم فيه نقيراً ولا قطميراً ، وليت شعري مَن الذي يصف الله بما وصف به نفسه؟ مَن شبَّهه بخَلْقه ، أم من قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)؟! (٢)

قال الجزائري : وتجد السنة النبوية خالية من الكذب والتشيُّع ، وبذلك يمكنك أن تفوز بالإيمان الصحيح والعقيدة الإسلامية السليمة ، وبالعمل الصالح الذي شرعه الله تعالى لعباده يزكّي به أنفسهم ، ويعدهم به للفوز والفلاح.

والجواب :

أن صحاح أهل السنة وكتبهم الحديثية والكلامية مملوءة بالأحاديث الكثيرة المكذوبة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الدالة على ما يخالف

__________________

(١) يشير بذلك إلى علم الكلام.

(٢) طبقات الشافعية ٣ / ٣٥٣.

٢٦٩

آيات الكتاب العزيز ، وما لا يصح شيء منه في دين الإسلام.

وهي أحاديث كثيرة لا يسعنا استقصاؤها في هذا الكتاب ، إلا أنا نذكر منها ما يدل على بطلان قوله وفساد زعمه ، ونكتفي بذكر طائفتين من تلكم الأحاديث.

الطائفة الأولى : ما نسَبَتْ إلى الله جل شأنه ما لا يليق به.

منها : ما دل على أن لله صورة كصورة آدم عليه‌السلام : فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، قال : خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعاً ... (١)

وأخرج مسلم في الموضع نفسه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته (٢).

قال السيد عبد الحسين شرف الدين أعلى الله مقامه : وهذا مما لا يجوز على رسول الله (ص) ولا على غيره من الأنبياء ولا على أوصيائهم عليهم‌السلام. ولعل أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الإصحاح الأول من إصحاحات التكوين من كتاب اليهود العهد القديم ، وإليك نصها بعين لفظه ، قال :

__________________

(١) صحيح البخاري ٨/٦٢ كتاب الاستئذان ، الباب الاول. صحيح مسلم ٤/٢١٨٣ كتاب الجنة ، باب رقم ١١.

(٢) المصدر السابق.

٢٧٠

فخلق الله الإنسان على صورته ، على صورة الله خلَقه ذكراً وأنثى خلَقهم (١).

ومنها : ما دل على أن لله أصابع : فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله رضي الله عنه ، قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، إنّا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع ، فيقول : أنا الملك. فضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدَت نواجذه تصديقاً لقول الحَبر ، ثمّ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢).

ومنها : ما دل على أن لله قدماً : فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول : هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدَمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قَط قَط ، بعزّتك وبكرمك (٣).

__________________

(١) أبو هريرة ، ص ٦٠

(٢) صحيح البخاري ٦/١٥٧ كتاب التفسير ، سورة الزمر.

(٣) صحيح البخاري ٨/١٦٨ كتاب الايمان والنذور ، باب الحلف بعزة الله وصفاته.

٩/١٤٣ كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى (هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). صحيح مسلم ٤/٢١٨٨ كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب رقم ١٣.

٢٧١

وفي رواية أخرى : فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رِجله ، فتقول : قَط قَط قَط. فهنالك تمتلئ ويُزوى بعضها إلى بعض (١).

ومنها : ما دلَّ على أن الله على صورة الآدميين وأن صورته تتبدَّل وتتغير : فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة حديثاً طويلاً رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال فيه : يجمع الله الناس فيقول : مَن كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت ، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربّكم. فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم. فيقولون : أنت ربّنا. فيتبعونه (٢).

الطائفة الثانية : ما نسبت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لا يليق به.

منها : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدَّم لغيره طعاماً ذُبح على الأنصاب : فقد أخرج البخاري عن سالم أنه سمع عبد الله يحدّث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بَلْدَح ، وذاك قبل

__________________

(١) صحيح البخاري ٦/١٧٣ كتاب التفسير ، سورة ق. صحيح مسلم ٤/٢١٨٧ ـ ٢١٨٨.

(٢) صحيح البخاري ٨/١٤٧ كتاب الرقاق ، باب الصراط جسر جهنم. ٩/١٥٦ كتاب التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء. صحيح مسلم ١/١٦٣ ، ١٦٧ كتاب الايمان ، باب معرفة طريق الرؤية.

٢٧٢

أن يُنَزَّل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي ، فقدَّم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ، وقال : إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه (١).

ومنها : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم همَّ بالصلاة جُنُباً : فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، أنه قال : أُقيمت الصلاة وعُدّلت الصفوف قياماً ، فخرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنُب ، فقال لنا : مكانكم. ثمّ رجع فاغتسل ، ثمّ خرج إلينا ورأسه يقطر ، فكبَّر فصلّينا معه (٢).

ومنها : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغضب ويسب ويلعن بغير حق : فقد أخرج مسلم عن عائشة ، قالت : دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلان فكلّماه بشيء لا أدري ما هو ، فأغضباه فلعنهما وسبَّهما ، فلما خرجا قلت : يا رسول الله مَن أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان. قال : وما ذاك؟ قالت : قلت : لعنتهما وسببتهما. قال : أو ما علمتِ ما شارطتُ عليه ربي؟ قلت : اللهم إنما أنا بشَر ، فأي المسلمين لعنتُه أو سببتُه فاجعله له زكاة

__________________

(١) صحيح البخاري ٧/١١٨ كتاب الذبائح والصيد ، باب ما ذبح على النصب والاصنام.

(٢) صحيح البخاري ١/٧٤ كتاب الغسل ، باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب ، ١/١٥٥ كتاب بدء الأذان ، باب هل يخرج من المسجد لعلة ، وباب إذا قال الامام مكانكم حتى رجع. صحيح مسلم ١/٤٢٢ ـ ٤٢٣ كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

٢٧٣

وأجراً.

وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إنما أنا بشَر ، فأيما رجل من المسلمين سببتُه أو لعنتُه أو جلدتُه فاجعلها له زكاة ورحمة (١).

ومنها : أن النبي يبول قائماً : فقد أخرج البخاري ومسلم عن حذيفة ، قال : أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سباطة قوم فبال قائماً ، ثمّ دعا بماء فجئته بماء فتوضأ (٢).

ومنها : أن النبي أبدى عورته أمام الناس : فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ له عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره ، فقال له العباس عمُّه : يا ابن أخي ، لو حللتَ إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة. قال : فحلَّه فجعله على منكبه ، فسقط مغشياً عليه ، قال : فما رؤي بعد ذلك اليوم عرياناً (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم ٤/٢٠٠٧ كتاب البر والصلة ، باب من لعنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة. وراجع صحيح البخاري ٨/٩٦ كتاب الدعوات ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة.

(٢) صحيح البخاري ١/٦٤ كتاب الوضوء ، باب البول قائما وقاعدا. وراجع الباب الذي يليه ، وهو باب البول عند سباطة قوم ، وباب البول عند صاحبه والتستر بالحائط. صحيح مسلم ١/٢٢٨ كتاب الطهارة ، باب رقم ٢٢.

(٣) صحيح مسلم ١/٢٦٨ كتاب الحيض ، باب الاعتناء بحفظ العورة. صحيح البخاري

٢٧٤

ومنها : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع الغناء : فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة : أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان في أيام منى ، تدفِّفان وتضربان والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُتَغَشٍّ بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن وجهه فقال : دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد. وتلك الأيام أيام منى (١).

ومنها : أن النبي في رأسه قمل ، وتفليه (٢) امرأة أجنبية : فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل على أم حَرَام بنت مِلحان فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه ... (٣)

ومنها : أن النبي لا يغسل ثيابه من المني : فقد أخرج مسلم عن عائشة في المني قالت : كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

__________________

٥/٥١ كتاب فضائل أصحاب النبي ، باب بنيان الكعبة.

(١) صحيح البخاري ٢/٢٠ كتاب العيدين ، باب الحراب والدرق يوم العيد ، وباب سنة العيدين لأهل الإسلام ، وباب إذا فاته العيد يصلي ركعتين. ٤/٢٢٥ كتاب المناقب باب قصة الحبش. صحيح مسلم ٢/٦٠٧ ـ ٦٠٩ كتاب صلاة العيدين ، باب رقم ٤.

(٢) أي تنزع الفعل من رأسه.

(٣) صحيح البخاري ٤/١٩ كتاب الجهاد ، باب الدعاء بالجهاد والشهادة. صحيح مسلم ٣/١٥١٨ كتاب الإمارة ، باب رقم ٤٩.

(٤) صحيح مسلم ١/٢٣٨ كتاب الطهارة ، باب حكم المني.

٢٧٥

وفي رواية أخرى ، قالت : لقد رأيتني وإني لأحكُّه من ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يابساً بظفري (١).

وفي رواية ثالثة ، قالت : إن كنت لأفرك المني من ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ يصلي فيه (٢).

ومنها : أن النبي كلما أبطأ عنه الوحي أراد أن يقتل نفسه : فقد أخرج البخاري وأحمد وغيرهما ، عن عائشة في حديث طويل قالت : وفَتَر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما بلَغَنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردَّى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذِروة جبل لكي يلقي نفسه تبدَّى له جبريل ، فقال : يا محمد ، إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه ، وتقر عينه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال مثل ذلك (٣).

هذا غيض من فيض ، ولو أردنا أن نستقصي ما روي في كتب أهل السنة من أمثال هذه الأحاديث الباطلة لطال بنا المقام ، ولخرجنا بذلك عن موضوع الكتاب ، إلا أن فيما ذكرناه غنىً وكفاية (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم ١/٢٤٠.

(٢) السنن الكبرى ٢/٤١٧.

(٣) صحيح البخاري ٩/٣٨ كتاب تعبير الرؤيا ، الباب الأول. مسند أحمد ٦/٢٣٣.

(٤) للاطلاع على المزيد من أمثال هذه الاحاديث راجع كتاب (أبو هريرة) للسيد عبد الحسين

٢٧٦

ثمّ كيف نجد السنة النبوية الصحيحة عند أهل السنة وهم يروون بأنهم ضيَّعوا كل شيء كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى الصلاة. فقد أخرج البخاري وغيره عن الزهري أنه قال : دخلتُ على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضُيِّعتْ.

وفي رواية أخرى قال : ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قيل : الصلاة؟ قال : أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها؟! (١)

وكيف نجد هذه السنَّة النبوية الصحيحة خالية من الكذب مع أن أبا حنيفة كما قيل لم يصح عنده إلا سبعة عشر حديثاً أو نحوها ، ولم يصح عند الإمام مالك بن أنس إلا ما في الموطَّأ فقط ، وغايتها ثلاثمائة حديث أو نحوها (٢).

هذا مضافاً إلى أن أهل السنة قد تفرَّقوا إلى مذاهب كثيرة ، واختلفوا في أكثر المسائل إلى أقوال عديدة ، فأين كانت هذه السنة

__________________

شرف الدين رضوان الله عليه ، وكتاب (تأملات في الصحيحين) لمحمد صادق نجمي ، وكتاب (فاسألوا أهل الذكر) للدكتور محمد التيجاني السماوي.

(١) صحيح البخاري ١/١٣٣ كتاب مواقيت الصلاة وفضلها ، باب تضييع الصلاة عن وقتها.

(٢) مقدمة ابن خلدون ، ص ٤٤٤. وأحاديث الموطأ المطبوع تنيف على الف وثمانمائة حديث أكثرها مراسيل ، ولعل المسند منها ثلاثمائة حديث أو نحوها.

٢٧٧

الصحيحة الخالية من الكذب التي يلزمهم الرجوع إليها لرفع ذلك الخلاف الحاصل بينهم؟!

ثمّ إنك لا تجد إماماً من أئمتهم إلا وله فتاوى غريبة وأقوال عجيبة مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما أحسن قول الزمخشري :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبحْ به

وأكتمُهُ كتمانُهُ لي أسلَمُ

فإن حنفيّاً قلتُ قالوا بأنني

أبيح الطلا وهو الشرابُ المحرَّمُ

وإن مالكيّاً قلتُ قالوا بأنني

أبيحُ لهم أكلَ الكلابِ وهمْ همُ

وإن شافعيّا قلتُ قالوا بأنني

أبيحُ نكاح البنتِ والبنتُ تحرمُ

وإن حنبليّاً قلتُ قالوا بأنني

ثقيلٌ حلولي بغيضٌ مجسِّمُ

وإن قلتُ من أهلِ الحديثِ وحزبِهِ

يقولون تَيْسٌ ليس يدري ويفهمُ (١)

وقال ابن الحجاج :

الشافعيُّ من الأئمةِ قائلٌ

اللعْبُ بالشطرنجِ غيرُ حرامِ

وأبو حنيفة قالَ وهو مصدَّق

فيما يبلِّغُه من الأحكامِ

شُرْبُ المثلّثِ والمنصَّفِ جائز

فاشرب على طرَبٍ من الأيامِ

وأباحَ مالك الفُقاعَ تطرّقاً

وبه قوامُ الدينِ والإسلامِ (٢)

والحَبْرُ أحمدُ حلَّ جَلْدَ عميرة

وبذاك يُستغنى عن الأرحامِ

__________________

(١) تفسير الكشاف ٤/٣١٠.

(٢) رواه بعضهم هكذا : وأباح مالك اللواط تكرما في ظهر جارية وظهر غلام.

٢٧٨

فاشرب ولُط وازنِ وقامرْ واحتجِجْ

في كل مسألةٍ بقول إمامِ

قال الجزائري : واعلم أخيراً أني لم أتقدم إليك بهذه النصيحة طمعاً فيما عندك ، أو عند غيرك من بني الناس ، أو خوفاً منك أو من غيرك من البشر ، كلا والله ، وإنما هو الإخاء الإسلامي وواجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، هذا الذي حملني على أن أقدم إليك هذه النصيحة ، راجياً من الله تعالى أن يشرح صدرك لها ، وأن يهديك بها إلى ما فيه سعادتك في دنياك وآخرتك ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين.

وأقول :

لقد اتضح للقارئ العزيز أن كل ما أورده الجزائري في هذا الكتيِّب مما أطلق عليه حقائق لا يعدو أن يكون اتهامات باطلة وادعاءات فاسدة.

والظاهر أن هذا الكتيِّب قد أبرز رغبة في نفس الجزائري لتكفير الشيعة الإمامية ، فأظهر هذا التكفير في صورة نصيحة منمَّقة ، وتظاهر بأنه مشفق على الشيعة حريص على هدايتهم ، إلا أن فلتات لسانه قد فضحته ، فبدا لكل ذي عينين بادي العورة ، منكشف السريرة ، قد باء بالخيبة والخذلان ، ورجع بالحسرة والخسران.

ومن الغريب أنه في الوقت الذي يُكفِّر فيه الشيعة ويخرجهم من دائرة المسلمين ، يذْكر أن الذي حداه لهذه النصيحة هو الإخاء

٢٧٩

الإسلامي وواجب النصيحة للمسلمين ، فما أبعد ما بين حكمه على الشيعة بأنهم كفَّار ، وبين اعتبارهم إخوة مسلمين تجب عليه نصيحتهم.

وعلى كل حال ، فإن الشيعة لا يردُّون النصيحة الصادقة ، ولا يأبون سماع وأخذ الحقيقة ، ولا يرفضون الأخوة الإسلامية ، ولكن يردُّون الاتهامات الباطلة ، والافتراءات الكاذبة ، ويمقتون إلباس الحق بالباطل والصدق بالكذب ، وتسمية الفرية حقيقة ، والغش نصيحة ، والباطل هداية.

هذا تمام ما تيسَّر لي كتابته في الرد على ما كتبه أبو بكر الجزائري في كتيّبه الذي أسماه «هذه نصيحتي إلى كل شيعي» ، ولو لا خشية الإطالة لأشبعت الجواب عن كل مسألة ذكَرها بأكثر مما صنعت ، إلا أن فيما ذكرته من الردود غنىً وكفاية لكل طالب للحق راغب فيه.

٢٨٠