كشف الحقائق

الشيخ علي آل محسن

كشف الحقائق

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الصفوة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

(هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ)

صدق الله العلي العظيم

٣
٤

المقدمَة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل خلقه ، وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين ، وبعد :

فقد صدر منذ مدة في البلاد السعودية كُتَيّب صغير ، أسماه مؤلِّفه :

«هذه نصيحتي إلى كل شيعي»

ولقي هذا الكتيب قبولاً عظيماً في أوساط أهل السنة في هذه البلاد ، إذ رأى فيه كثير منهم أنه قد حقَّق نصراً عظيماً وفتحاً كبيراً لمذهب أهل السنة على مذهب شيعة أهل البيت عليهم‌السلام. كما لقي رواجاً كبيراً ، فطُبع عدة طبعات ، ووُزِع مجاناً على نطاقٍ

٥

واسع ، وضويق به كثير من الشيعة في في أماكن كثيرة من هذه البلاد.

والسبب في كل هذه العناية يرجع إلى أمرين :

الأمر الأول : أن المؤلف زعم أنه قد اعتمد فيما وصل إليه من نتائج على كتاب «الكافي» ، الذي يعتبر من أهم مصادر استنباط الأحكام الفرعية عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

والأمر الثاني : أن المؤلف ظهر في زي الناصح المشفق على الشيعة ، الذي يريد لهم الهداية والخير والسعادة في الدين والدنيا.

إلا أني لما تأملت هذا الكتيب وجدته ركيك الأُسلوب ، واهي المعاني ، متداعي المباني ، مملوءاً بالحجج الضعيفة ، والمغالطات المكشوفة ، والتُهم المفضوحة ، والأكاذيب الملفقة. قد سمَّى المؤلف الفرية حقيقة ، والخديعة نصيحة ، والضلال هداية ، وتلبَّس بالنصيحة وهو بعيد عنها ، وتظاهر بالمحبة وهو بمنأى منها.

ووجدتُه قد بادر إلى تكفير الشيعة بلا حجَّة صحيحة ، وسارع إلى تضليلهم بلا بيِّنة معتمدة ، فوقع في خطأ فاحش ، وأقدم على ظلم عظيم بتكفير طائفة كبيرة من طوائف المسلمين ، مخالفاً بذلك ما نصَّ عليه المنصفون من علماء أهل السنة من حرمة تكفير أحد من أهل القبلة بذنب.

هذا مع أن هذا الكتيب لا يعدو أن يكون واحداً من كثيرٍ من الكتب والكراسات والنشرات التي ظهرت في السنين الأخيرة ضد

٦

الشيعة ، بسبب الأوضاع السياسية المعاصرة في المنطقة.

ومع كل هذا فقد رأيت أن أكتب في ردّه ما يرفع الشبهة ، ويدفع الفرية ، ويكشف الباطل من الحق ، والكذب من الصدق ، نظرا للاهتمام الكبير الذي حظي به هذا الكتيب عند كثيرٍ من الناس. سائلا المولى جل شأنه أن ينفع به إخواني المؤمنين ، وينفعني به يوم فقري وفاقتي ، إنه سميع قريب مجيب ، وهو الهادي إلى الحق والصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الأطياب.

السبت ١ / ٩ / ١٤١٤ ه

علي آل محسن

٧
٨

رَدّ ما جاء في المقدِّمة

٩
١٠

مخالفة المؤلف لمنهج البحث العلمي

اعتمد المؤلف في كل ما أورده في هذا الكتيب على أحاديث وردت في كتاب «الكافي» ، الذي يُعتبر من مصادر استنباط الأحكام الفرعية عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، لمؤلفه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ، المتوفى سنة ٣٢٩ ه‍.

ووصف المؤلف كتاب «الكافي» بأنه عمدة القوم يعني الشيعة في إثبات مذهبهم (١) ، وأنه أهم كتاب يعتمد عليه الشيعة في إثبات مذهبهم (٢) ، وأنه عمدة مذهب الشيعة ومصدر تشيعهم (٣).

كما وصف ما ذكره في كتيبه بأنها حقائق علمية ، وكرَّر ذلك كثيراً ، وزعم أنه استخلصها من كتاب «الكافي» (٤) ، وأن هذه

__________________

(١) ص ٤.

(٢) ص ٥.

(٣) ص ٦.

(٤) ص ٤ ، ٥.

١١

«الحقائق» هي أصل مذهب كل شيعي ، وهي قواعد نِحلته (١) التي تأسس عليها مذهبه ، وتوطد بها.

ووصل المؤلف في خاتمة بحثه إلى نتائج كثيرة ، منها :

أن المذهب الشيعي دين مستقل عن دين المسلمين ، له أصوله ومبادئه وكتابه وسنّته وعلومه ومعارفه (٢).

وأن مذهب الشيعة مذهب هدَّام مظلم ، وأن عقيدتهم عقيدة باطلة (٣).

وأن الشيعة يكفِّرون المسلمين ويلعنونهم ويعادونهم (٤) ، وأنهم يحيكون المؤامرات ببدعة الإمامة ضد خلافة المسلمين ، ويثيرون الحروب الطاحنة بين المسلمين (٥) ، وأن غرضهم هو هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين (٦) ، والقضاء على الإسلام خصم اليهودية والمجوسية ، وإعادة دولة المجوس الكسروية التي هدم الإسلام أركانها وقوَّض عروشها (٧).

إلى غير ذلك من الأمور العظيمة التي أودعها في ثنايا كلامه.

__________________

(١) ص ٦.

(٢) ص ٣٥.

(٣) ص ٣٦.

(٤) ص ٣٥.

(٥) ص ٣٤.

(٦) ص ٣٦.

(٧) ص ٣٣.

١٢

إلا أن المؤلف لم يثبت لقارئه أن كتاب «الكافي» هو من كتب الشيعة المعتمدة في إثبات المذهب ، فضلاً عن كونه أهم كتاب يعتمدون عليه في ذلك.

كما أنه لم يثبت أن الشيعة يصحّحون كل أحاديث الكافي أو أكثرها أو على الأقل يصححون الأحاديث التي احتج بها في حقائقه السبع ، أو يعتقدون بمضمون ما دلّت عليه تلك الأحاديث.

فالمؤلف لم يثبت ذلك ولم يبينه ولم يحم حوله مع أنه أمر مهم ينبغي إثباته وإيضاحه ، لأن كل نتائجه التي استخلصها من حقائقه السبع كانت معتمدة على هذا الإثبات.

ومن الواضح أن كل تلك النتائج تسقط عن الاعتبار لو ثبت أن الشيعة لا يرون كتاب «الكافي» بهذه المنزلة ، ولا يعتمدون عليه في إثبات مذهبهم ، ولا يعوّلون على كل حديث فيه ، ولا سيما ما يرتبط منها بالأصول الاعتقادية ، بل يُضعِّفون كثيراً من رواياته ويُسقطونها عن الحجيَّة والاعتبار كما سيأتي بيانه.

وعليه ، فاللازم على المؤلف قبل كل شيء أن يبرهن على ما اعتمد عليه في إثبات حقائقه ، بنقل ما قاله علماء الشيعة في كتاب «الكافي» وما اشتمل عليه من أحاديث ، ولا سيما الأحاديث التي احتج بها في حقائقه السبع.

ونحن إن شاء الله تعالى سنذكر فيما يأتي من الكلام منزلة

١٣

كتاب «الكافي» عند الشيعة الإمامية ، وما قاله أعلام الطائفة في هذا الشأن ، ليتضح أن المؤلف لم يتبع الأسلوب الصحيح للبحث العلمي ، وأنه أسَّس بنيانه على شفا جرف هارٍ ، فأخطأ المرمى ، وابتعد عن القصد.

١٤

كتاب الكافي

منزلته عند الشيعة ومزاياه

كتاب الكافي لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي من أجّل كتب الحديث المعتمدة التي دارت عليها رحى استنباط الأحكام الفقهية عند الشيعة الإمامية ، يحتوي على ما لا يحويه غيره ، جليل القدر عظيم المنزلة ، جامع لكثير من الأحاديث المنقولة عن آل الرسول عليهم‌السلام في الفروع والأصول ، حسن التبويب والترتيب ، ألَّفه الكليني في عشرين سنة في زمن السفارة في الغيبة الصغرى.

يشتمل على أربعة وثلاثين كتاباً ، وثلاثمائة وستة وعشرين باباً ، وأحاديثه حُصرت في ١٦١٩٩ حديثاً ، فتكون أحاديثه أكثر من أحاديث الصحاح الستة عند أهل السنة.

ومن خصائصه أن مؤلفه كان حيّاً في زمن سفراء المهدي عليه‌السلام

١٥

، وأنه حاوٍ لكثير من العلوم الإلهية التي لم يحوها غيره في الأصول والفروع.

وقد طُبع طبعات كثيرة ، وكثرت عليه الشروح والحواشي ، وتعاهده الشيعة على ممر العصور بالعناية والضبط.

من أجَل شروحه وأشهرها كتاب «مرآة العقول في شرح أخبار الرسول» في ستة وعشرين مجلداً ، لصاحب موسوعة «بحار الأنوار» المولى محمد باقر المجلسي أعلى الله مقامه ، المتوفى سنة ١١١٠ ه‍ ، وشرح المولى محمد صالح المازندراني المتوفى سنة ١٠٨٠ ه‍ وغيرهما.

ثناء العلماء عليه

١ ـ قال الشيخ المفيد (ت ٤١٣ ه‍) : كتاب الكافي وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة (١).

٢ ـ وقال الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (ت ٧٨٦ ه‍) في إجازته لابن الخازن : كتاب الكافي في الحديث الذي لم يُعمل للإمامية مثله ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (٢).

٣ ـ وقال المحقق الشيخ علي الكركي (ت ٩٤٠ ه‍) في إجازته للقاضي صفي الدين عيسى : ومنها جميع مصنفات ومرويات الشيخ

__________________

(١) تصحيح الاعتقاد ، ص ٥٥.

(٢) بحار الأنوار ١٠٧/١٩٠.

١٦

الإمام السعيد الحافظ المحدِّث الثقة جامع أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكتاب الكبير في الحديث المسمَّى بالكافي الذي لم يُعمل مثله ... وقد جمع هذا الكتاب من الأحاديث الشرعية والأسرار الدينية ما لا يوجد في غيره (١).

٤ ـ وقال الشيخ إبراهيم القطيفي (ت ٩٥٠ ه‍) في إجازته للشيخ شمس الدين الأسترابادي : وكتاب محمد بن يعقوب الكليني ، فإنه كاسمه كافٍ شافٍ واف (٢).

٥ ـ وقال الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ ه‍) : أما الكافي فهو ... أشرفها يعني الكتب الأربعة وأوثقها وأتمها وأجمعها ، لاشتماله على الأصول من بينها ، وخلوِّه من الفضول وشينها (٣).

٦ ـ وقال المولى محمد باقر المجلسي : كتاب الكافي للشيخ الصدوق ثقة الإسلام ، مقبول طوائف الأنام ، ممدوح الخاص والعام ، محمد بن يعقوب الكليني ... كان أضبط الأصول وأجمعها ، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها (٤).

٧ ـ وقال السيد بحر العلوم (ت ١٢١٢ ه‍) : كتاب الكافي الذي

__________________

(١) المصدر السابق ١٠٨/٧٥.

(٢) المصدر السابق ١٠٨/١١٤.

(٢) الوافي ١/٦.

(٤) مرآة العقول ١/٣.

١٧

صنَّفه هذا الإمام طاب ثراه أكتاب جليل عظيم النفع ، عديم النظير ، فائق على جميع كتب الحديث بحسن الترتيب ، وزيادة الضبط والتهذيب ، وجمعه للأصول والفروع ، واشتماله على أكثر الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام (١).

أسباب شهرة الكافي وسموّ مكانته

لقد نصَّ غير واحد من الأعلام على أن من الأسباب التي جعلت هذا الكتاب يتبوأ هذه المكانة بين كتب الحديث المعروفة عند الشيعة الإمامية هي أن الكافي حوى ما لم يحوه غيره من أحاديث الأصول والفروع والأخلاق والمواعظ وغيرها من فنون الدين.

قال الميرزا حسين النوري قدس‌سره (ت ١٣٣٠ ه‍) بعد أن أورد كلمة الشيخ المفيد المتقدمة : إنما كان أكثر فائدة من غيره من حيث إنه جامع للأصول والأخلاق والفروع والمواعظ والآداب وغير ذلك من المواضيع (٢).

وقال السيد هاشم معروف : ويؤيد ذلك ما جاء في أسباب تأليف الكافي من أنه ألَّفه إجابة لمن طلب منه كتاباً يجمع من جميع فنون الدين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم

__________________

(١) رجال بحر العلوم ٣/٣٣٠.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٣.

١٨

الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقِين عليهم‌السلام ، والسنن القائمة التي عليها العمل ، وبها يؤدَّى فرض الله عزوجل وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١). فاستجاب لطلبهم وألَّفه في تلك المدة الطويلة التي حدَّدها كل من ترجمه وتعرض لتاريخه بعشرين عاماً ، فجاء جامعاً لما يحتاج إليه المحدِّث والفقيه والمتكلم والواعظ والمجادل والمتعلم. والكتاب الذي يحتوي على هذه المواضيع لا بد وأن يُلفت الأنظار ، ويصادف تقدير الباحثين من العلماء ، لأنه يوفِّر عليهم عناء البحث عن الروايات ، ويسد حاجة الفقيه والمحدِّث والمتكلم وغيرهم في آن واحد.

هذا بالإضافة إلى ما كان يتمتع به مؤلفه من ثقة عالية ، وشهرة واسعة ، ومكانة في العلم والدين تؤهله لأن يحتل المكانة التي تليق به في النفوس (٢).

ومن أسباب شهرة هذا الكتاب أيضاً وسمو مكانته أنه امتاز بحسن الترتيب ، وزيادة الضبط والإتقان كما مر ، وذلك لأن الكليني رحمه‌الله قد تأنَّى في تأليفه ، فصرف في جمعه من عمره الشريف عشرين سنة ، بذل فيها جهده ، وسافر فيها إلى البلدان الكثيرة لمصاحبة شيوخ الإجازات ، وملاقاة المهرة في معرفة الأحاديث.

هذا مع أنه عاش في زمن سفراء الإمام المهدي عليه‌السلام حيث

__________________

(١) الكافي ١/٨.

(٢) دراسات في الحديث والمحدثين ص ١٣١.

١٩

كانت الأصول الأربعمائة التي حوت آثار الصادقين عليهم‌السلام متداولة ومتوافرة ، وهذان الأمران ربما يسَّرا له السبيل للتحقق من صحة رواياته.

كتاب الكافي فيه الصحيح والضعيف

إن علماء الشيعة الإمامية لم يعطوا كتاب الكافي ولا غيره من كتب الحديث تلك المنزلة التي أعطاها علماء أهل السنة إلى صحيحي البخاري ومسلم ، الذين أجمعوا على صحة كل ما فيهما من أحاديث ، وحكموا بأنها صادرة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قطعاً.

وإنما حكم علماء الإمامية بأن ما في الكافي من الأحاديث ، منه الصحيح المعتبر ، ومنه الضعيف الذي لا يُحتج به ولا يعوَّل عليه.

قال المحقق السيد الخوئي أعلى الله مقامه : لم تثبت صحة جميع روايات الكافي ، بل لا شك في أن بعضها ضعيفة ، بل إن بعضها يُطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه‌السلام (١).

وقال السيد محمد المجاهد قدس‌سره (ت ١٢٤٢ ه‍) : الذي عليه محققو أصحابنا عدم حجية ما ذكره الكليني ، ولهذا لم يعتمدوا على كل رواية مروية في الكافي ، بل شاع بين المتأخرين تضعيف كثير من الأخبار المروية فيه سنداً ... وقد اتفق لجماعة من القدماء كالمفيد وابن

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١/٩٢.

٢٠