كشف الحقائق

الشيخ علي آل محسن

كشف الحقائق

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الصفوة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

وعليه ، فلا ينبغي الريب في أن أهل البيت عليهم‌السلام كانت عندهم بعض مقتنيات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كالثياب والسلاح وغيرها ، لأنهم أولى الناس به. وقد دلَّت بعض الأخبار على ذلك :

فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن شهاب : أن علي بن حسين حدَّثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية [بعد] مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة ، فقال له : هل لك إليَّ من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له : فهل أنت معطيَّ سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه ، وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يُخلص إليه أبداً حتى تبلغ نفسي ... (١).

وبهذا يتضح السر في إخفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيازته لمواريث الأنبياء عليهم‌السلام عن الناس ، إذ لم نجد في الأحاديث المروية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب أهل السنة مما يتعلق بذلك عيناً ولا أثراً ، وذلك حتى لا يُغلب عليها أهل البيت عليهم‌السلام من بعده كما غُلبوا على غيرها.

قال الجزائري : ٢ ـ الكذب عليه رضي الله عنه بنسبة هذا القول إليه.

__________________

(١) صحيح البخاري ٤/١٠١ ، صحيح مسلم ٤/١٩٠٣ كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة عليها‌السلام. سنن أبي داود ٢/٢٢٥ صحيح سنن أبي داود ٢/٢٩٠ مسند أحمد ٤/٥ ـ ٣٢٦ فضائل الصحابة ٢/ ٧٥٩.

١٠١

أقول :

لقد أوضحنا أن أحاديث هذا الباب من الكافي كلها ضعيفة. وعليه فنحن لا نعلم بصدور هذا القول من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولم نقل نحن ولا قال الكليني قدس‌سره بأنه عليه‌السلام قد قاله حتى تتجه نسبة الكذب إليه أو إلينا ، ولا سيما أنا لا نقطع بصدور هذا القول منه عليه‌السلام حتى لو صحَّ الخبر عنه ، فمع عدم صحّته لا يحصل عندنا ظن بالصدور كما هو واضح.

هذا مضافاً إلى أن الكليني رحمه‌الله روى هذه الأحاديث عن غيره ، ولم يقل : «إن علياً عليه‌السلام قاله» حتى ننسبه إلى الكذب على علي عليه‌السلام ، وإنما قال : «حدثني فلان عن فلان أن علياً عليه‌السلام قال كذا وكذا» ، والكليني صادق فيما قال من تحديث غيره له ، أما أن علياً عليه‌السلام قد قال ذلك أو لم يقله فهذا ما لا نعلمه ، ولا نُسأل عنه ، ولا نُحاسب عليه.

ولا أدري لِمَ جزم الجزائري بأن علياً عليه‌السلام لم يقل ذلك القول ، مع أنه لم يكن مناقضاً لنص القرآن الكريم ، أو مخالفاً للسنة المتواترة أو الإجماع القطعي أو حكم العقل.

وكونه خبراً ضعيفاً لا يدل على عدم وقوعه وإن كان بعض رواته معروفاً بالكذب ، لأن الكذوب قد يصدق ، ولهذا أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يتبيّنوا في أخبار الفاسقين ، حيث قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ

١٠٢

آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (١).

فأمر بالتبيُّن في أخبارهم ، ولم يأمر بردها. ومن البيِّن أن هذا الأمر إنما اتَّجه لأجل احتمال صحة خبر الفاسق ولو في بعض الأحيان.

والحاصل أن جزم الجزائري بأن هذا الخبر مكذوب على أمير المؤمنين عليه‌السلام في غير محله ، لعدم جريانه على القواعد العلمية. اللهم إلا إذا كان يدَّعي أن لديه ملكة قدسية نورانية ، يستطيع بها تمييز الحديث المكذوب من غيره ... وهذا ما يحتاج منه إلى إثبات (٢).

والظاهر أن الجزائري جزم بكذب أحاديث هذا الباب من الكافي لأنه استعظم أن يكون عند علي عليه‌السلام قميص آدم عليه‌السلام ، وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى عليهما‌السلام ، مع أنهم روَوا أن دابة الأرض التي تظهر في آخر الزمان ، تخرج وفي يدها خاتم سليمان وعصا موسى.

فقد أخرج الترمذي وحسَّنه وابن ماجة وأحمد والطيالسي

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٦.

(٢) قال ابن حجر العسقلاني في «نزهة النظر» ص ٤٤ : والحكم عليه أي على الحديث بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب لا بالقطع ، إذ قد يصدق ، لكن لا لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك ، وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تاما ، وذهنه ثاقبا ، وفهمه قويا ، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة.

١٠٣

والحاكم وغيرهم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسى ، فتجلو وجه المؤمن ، وتختم أنف الكافر بالخاتم ، حتى إن أهل الخِوان ليجتمعون فيقول : ها ها يا مؤمن. ويقال : ها ها يا كافر. ويقول هذا : يا مؤمن. وهذا : يا كافر (١).

وروَوا أن دابة الجنة هي علي بن أبي طالب عليه‌السلام فيما أخرجه الهيثمي والمتقي الهندي وغيرهما عن عمرو بن الحمق ، قال : هاجرت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبينما أنا عنده ذات يوم قال لي : هل أُريك دابة الجنة تأكل الطعام ، وتشرب الشراب ، وتمشي في الأسواق؟ قال : قلت بلى بأبي أنت. قال : «هذا دابة الجنة». وأشار إلى علي بن أبي طالب (٢).

وروَوا عن علي عليه‌السلام أنه سُئل عن دابة الأرض فقال : أمَا والله ما لها ذنَب ، وإن لها لَلِحية. (٣)

قال الماوردي : وفي هذا القول منه إشارة إلى أنها من الإنس وإن

__________________

(١) سنن الترمذي ٥/٣٤٠. سنن ابن ماجة ٢/١٣٥١. مسند أحمد ٢/٢٩٥ ، ٤٩١. مسند أبي داود الطيالسي ، ص ٣٣٤. الجامع الصغير ١/٥٠٢. المستدرك ٤/٤٨٥. الدر المنثور ٦/٣٨١. تفسير الطبري ٢٠/١١. تفسير القرآن العظيم ٣/٣٧٥ ، ٣٧٦.

كنز العمال ١٤/٣٤١.

(٢) مجمع الزوائد ٩/١١٨. كنز العمال ١١/٦٢٦.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٣/٢٣٦.

١٠٤

لم يصرّح به (١).

قال القرطبي : ولهذا والله أعلم قال بعض المتأخرين من المفسرين : إن الأقرب أن تكون هذه الدابة إنساناً متكلماً يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا ، فيهلك من هلك عن بيِّنة ، ويحيى من حيَّ عن بينة (٢).

أقول : ويدل على أنها من الإنس أنها تكلِّم الناس كما في قوله تعالى (تُكَلِّمُهُمْ) ، وأنها تميّز المؤمن من الكافر ، وأنها تسِمُ المؤمن بالعصا ، وتختم الكافر بالخاتم ... وذلك كله من الصفات المعهودة في البشر لا في غيرهم.

وعلى كل حال ، فإن قلنا إن دابة الأرض هي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فليس من الإنصاف أن ننكر أن عنده عصا موسى وخاتم سليمان ، وإن قلنا إن دابة الأرض غيره ، فليس من الإنصاف أن نستعظم حيازته عليه‌السلام للعصا والخاتم ، ولا نستعظم حيازة الدابة لهما.

قال الجزائري : ٣ الازدراء من نفس صاحب هذا المعتقد والدلالة

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

١٠٥

القاطعة على تفاهة فهمه ، ونقصان عقله ، وعدم احترامه لنفسه ، إذ لو قيل له : أين الخاتم؟ أو أين العصا؟ أو أين الألواح مثلاً؟ لما حار جواباً ، ولما استطاع أن يأتي بشيء من ذلك ، وبه يتبيَّن كذب القصة من أولها إلى آخرها.

وأقول :

لا أدري كيف يُلزَم كل شيعي بالازدراء منه؟! وهل يُعد الازدراء من الشيعة من الأمور التي يُلزَمون بها إذا اعتقدوا أن آل البيت عليه‌السلام عندهم مواريث الأنبياء؟!

ولا أدري لِمَ يزدري الجزائري ممن يعتقد أن آيات الأنبياء كخاتم سليمان وعصا موسى وقميص آدم ، قد صانها الله سبحانه وحفظها عند أشرف خلقه وهم أنبياؤه ورسله ، إلى أن صارت عند أئمة العترة النبوية الطاهرة ، ولا يزدري ممن يعتقد أن خاتم سليمان وعصا موسى يكونان في آخر الزمان عند دابة الأرض التي وصفوها بأنها دابة ذات قوائم أربع لها زغَب (١) وريش ، ورُغاء كرغاء الإبل؟! (٢).

__________________

(١) الزغب هو صغار الشر والريش.

(٢) قال القرطبي في بيان أقوال علماء أهل السنة في دابة الأرض : فأول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح ، وهو أصحها ... إلى أن قال : وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب ، فانفتح له حجر فدخل في جوفه ، ثمّ انطبق عليه ، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عزوجل. وروي أنها دابة مزغبة شعراء ذات قوائم أربع ، طولها ستون ذراعاً ، ويقال إنها الجساسة ، وهو قول عبد الله بن عمر ... وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان ،

١٠٦

هذا مع أنَّا قد قلنا فيما تقدم أن هذا وأمثاله مما لا يجب معرفته ولا يضر بالشيعي جهله ، ولعل أكثر عوام الشيعة لا يعرفون شيئاً من ذلك.

ومن الغريب أن هذا الرجل قد استدل على تفاهة فهم ونقصان عقل من يعتقد بأن آيات الأنبياء عليهم‌السلام عند أهل البيت بأنه لو قيل له : أين الخاتم؟ أو أين العصا؟ أو أين الألواح مثلاً؟ لما حار جواباً ، ولما استطاع أن يأتي بشيء من ذلك.

ومن الواضح أنا لا نقول : «إن هذه الآيات عندنا» حتى نُطالَب بأن نأتي بها ، بل هي عند أهل البيت عليهم‌السلام يتوارثونها.

وقال : وأوضح من ذلك فإنه قد يُقال : لو كان ما قد قيل حقاً لِمَ لا يستخدم آل البيت هذه الآيات كالعصا والخاتم في تدمير أعدائهم والقضاء عليهم ، وهم قد تعرضوا لكثير من الأذى والشر من قِبلهم؟!

__________________

وذكر الماوردي والثعلبي : وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان ، وذكر الماوردي والثعلبي : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وإذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعاً الزمخشري : بذراع آدم عليه‌السلام ويخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان ... الخ. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/٢٣٥.

١٠٧

والجواب :

١ أن أهل البيت عليهم‌السلام عباد لله مكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. والله قادر على نصرهم بغير العصا ، ولكن اقتضت حكمته جل شأنه أن يمهل أعداء الدين من أئمة الجور ، ويملي لهم ليزدادوا اثماً ، ثمّ يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. قال تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١).

٢ ـ لقد كان أعداء أهل البيت يُظهِرون الإسلام أو يتظاهرون به ، ولم يكن حالهم في إعلان الحرب لله كحال فرعون الذي عتا عتواً كبيراً. قال تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً ، يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٢).

ثمّ تمادى في غيِّه فادّعى الربوبية لنفسه ، وكذب بموسى عليه‌السلام لما جاءه بالدلائل الواضحة الدالة على صدقه. قال سبحانه (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى * فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى * فَكَذَّبَ وَعَصى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى * فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٣).

فلما آمن بموسى من آمن توعَّدهم فرعون بالتنكيل والقتل (قالَ

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٧٨.

(٢) سورة القصص ، الآية ٤.

(٣) سورة النازعات ، الآيات ١٧ ـ ٢٤.

١٠٨

آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ، إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (١). وقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ* فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (٢).

ثمّ سعى لقتل موسى عليه‌السلام ومن آمن معه. قال تعالى (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ، أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) (٣).

فأوحى الله إلى موسى عليه‌السلام أن يخرج ليلاً هو ومن آمن معه. قال سبحانه (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (٤) (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) (٥) (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ* فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ* وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ* وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٦).

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية ٤٩.

(٢) سورة غافر ، الآيات ٢٣ ـ ٢٥.

(٣) سورة غافر ، الآية ٢٦.

(٤) سورة الشعراء ، الآية ٥٢.

(٥) سورة طه ، الآية ٧٨.

(٦) سورة الشعراء الايات ٦١ ـ ٦٦.

١٠٩

والحاصل أن الله سبحانه قد استنفد مع فرعون كل السبل ، إلا أنه أبى واستكبر وأسرف وعلا علواً كبيراً ، (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) (١) ، فهل كان حال أعداء أهل البيت كحال فرعون؟!

٣ إن إنزال العذاب معلق على مشيئة الله سبحانه ، كما أخبر في كتابه العزيز إذ قال (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢) ، (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٣).

وقد شاء الله سبحانه أن يمهل أعداء الدين ويملي لهم ليزدادوا اثماً كما تقدم.

٤ ـ إن أهل البيت عليهم‌السلام رحمة مهداة إلى هذه الأمة وأمان لها ، بهم يرفع الله العذاب عن الناس ، فإذا ذهبوا أتى الأمَّة ما يوعدون ، كما أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أخرجه الحاكم وصحَّحه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : النجوم أمان لأهل السماء ، فإن طُمست أتى السماء ما يُوعَدون ، وأنا أمان لأصحابي ، فإذا قُبِضت أتى أصحابي ما يُوعدون ، وأهل بيتي أمان لأمتي ، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما

__________________

(١) سورة النازعات ، الآية ٢٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٤٠.

(٣) سورة الأعراف ، الآية ١٥٦.

١١٠

يوعدون (١).

قال المناوي : شبَّههم بنجوم السماء ، وهي التي يقع بها الاهتداء ، وهي الطوالع والغوارب والسيارات والثابتات ، فكذلك بهم الاقتداء وبهم الأمان من الهلاك (٢).

قال الجزائري : ٤ إن الهدف من هذا الكذب المرذول هو إثبات هداية الشيعة وضلال مَن عداهم من المسلمين.

وأقول :

إن هداية الشيعة لا تثبت بمثل هذه الأحاديث الضعيفة ، بل حتى لو صحَّت هذه الأحاديث وسلَّم بها الخصم ، فإنها مع ذلك لا تدل على هداية فئة ولا ضلال فئة أخرى ، وهو واضح.

قال : والقصد من وراء ذلك الإبقاء على المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية ، ليتحقق لرؤساء الطائفة ولمن وراءهم من ذوي النيات الفاسدة والأطماع الخبيثة ما يريدونه من العيش على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين.

__________________

(١) المستدرك ٣/٤٥٧. وراجع مجمع الزوائد ٩/١٧٤ ، الجامع الصغير ٢/٦٨٠ ، والمطالب العالية ٤/٧٤ ، وإحياء الميت ، ص ٣٧ ، ٤٥ ، والخصائص الكبرى ٢/٢٦٦ ، وفضائل الصحابة ٢/٦٧١.

(٢) فيض القدير ٦/٢٩٧.

١١١

أقول :

هذا القول من التُّهَم الكثيرة الباطلة التي سَوَّد بها كتيّبه ، وحسبك أنه لم يقم دليلاً واحداً يُثبت به ما قاله.

ولا أدري كيف يتحقق الإبقاء على المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية ، وكيف يعيش علماء الشيعة على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين بإثبات أن أهل البيت عليهم‌السلام قد ورثوا بعض آيات الأنبياء السابقين صلى‌الله‌عليه‌وآله من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! أين هذا من ذاك؟!

ثمّ ما هو مراده بالأمة الإسلامية؟

إن كان مراده بالأمّة باقي المسلمين ، فما قاله يُلزم أهل السنة كما يلزم الشيعة ، لأن كل فرقة لها كيان عقائدي مستقل عن غيرها من باقي فرق المسلمين.

وإن عنى بالأمّة أهل السنة ، فمخالفتهم لا تضر ولا تشين ، لأنَّا لم نجد دليلاً واحداً في كتاب الله أو في سُنة نبيِّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يحذِّر من مخالفة مَن يُعرفون بهذا الاسم ، بل إن الأدلة الصحيحة تحث على لزوم اتِّباع أئمة أهل البيت صلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيرهم (١).

__________________

(١) من الآيات الدالة على لزوم اتباع أهل البيت عليهم‌السلام قوله سبحانه ((إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) الأحزاب : ٣٣. راجع ما كتبه السيد عبد الحسين شرف الدين أعلى الله مقامه في كتابه الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء ، ص ١١ ـ ٥٢ حول هذه الآية. ومن الاحاديث قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

١١٢

وقوله : ليتحقق لرؤساء هذه الطائفة ولمن وراءهم من ذوي النيات الفاسدة والأطماع الخبيثة ما يريدونه من العيش على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين.

جوابه : أن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مع أنهم كانوا هم أولى الناس بالأمر إلا أنهم لم يدّخروا وسعاً في إرشاد الناس عامة ونصح الخلفاء خاصة بما يضمن للمسلمين عزّهم ووحدتهم.

قال الشيخ محمد رضا المظفر قدس‌سره في طي كلامه الذي عقده لبيان عقيدة الشيعة في الوحدة الإسلامية : عُرف آل البيت عليهم‌السلام بحرصهم على بقاء مظاهر الإسلام والدعوة إلى عزّته ووحدة كلمة أهله ، وحفظ التآخي بينهم ، ورفع السخيمة من القلوب والأحقاد من النفوس.

ثمّ ذكر جملة من مواقف أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام الدالَّة على ذلك ، ثمّ قال : وكذلك باقي الأئمة عليهم‌السلام في مواقفهم مع ملوك عصرهم وإن لاقوا منهم أنواع الضغط والتنكيل ، فإنهم لما علموا أن دولة الحق لا تعود إليهم انصرفوا إلى تعليم الناس

__________________

(اني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لي يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). راجع ما كتبناه حول هذا الحديث في كتابنا دليل المتحيرين ، ص ١٨٩ ـ ٢٠٠.

١١٣

معالم دينهم ، وتوجيه أَتْباعهم التوجيه الديني العالي. وكل الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويين لم تكن عن إشارتهم ورغبتهم ، بل كانت كلها مخالفة صريحة لأوامرهم وتشديداتهم ، فإنهم كانوا أحرص على كيان الدولة الإسلامية من كل أحد حتى من خلفاء بني العباس أنفسهم. وكفى أن نقرأ وصية الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام لشيعته : لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم ، فإن كان عادلاً فاسألوا الله بقاءه ، وإن كان جائراً فاسألوا الله إصلاحه ، فإن صلاحكم في صلاح سلطانكم ، وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم ، فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم ، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم (١).

قال : وهذا غاية ما يُوصف في محافظة الرعية على سلامة السلطان أن يحبُّوا له ما يحبون لأنفسهم ، ويكرهوا له ما يكرهون لها (٢).

وأما علماء الشيعة الإمامية فهم تبع لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك ، ومواقفهم وكلماتهم وفتاواهم في هذا الشأن أدل دليل على ذلك ، إذ تدل بوضوح على أنهم أكثر علماء هذه الأمة سعياً في رأب الصدع ولمّ الشمل وتوحيد الكلمة.

وحسبك دليلاً على ذلك ما أفتى به مَن وقفنا على فتواه منهم من

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١/٤٧٢.

(٢) عقائد الامامية ، ص ١٤٤.

١١٤

استحباب الصلاة في جماعة أهل السنة ، وحرمة أو كراهة التظاهر بمخالفة أهل السنة في المسائل الخلافية بين السنة والشيعة ، وحرمة مخالفة أهل السنة في وقوف الحج في عرفات وغير ذلك مما يعرفه المتتبّع.

ثمّ ما الذي يستفيده علماء الشيعة الإمامية من العيش على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين وهم الذين صرفوا زهرة أعمارهم في الذب عن الإسلام والمسلمين؟! هذا مع أنهم لو ساروا في ركاب الحكَّام والأُمراء والسلاطين وأكلوا من فتات موائدهم كما يصنع غيرهم ، لكان ذلك أرغد لدنياهم وأرخى لبالهم.

هذا في الوقت الذي كان كثير من علماء أهل السنّة قد دأبوا منذ مئات السنين إلى يومنا هذا على تصنيف المصنفات الكثيرة التي نقدوا فيها عقائد الشيعة الإمامية ، وحكموا فيها بضلالهم وكفرهم ، وأفتوا فيها بإباحة دمائهم وأموالهم.

ومن العجب أن هذا الرجل الذي يكتب مثل هذا الكتيّب الذي يؤجّج به نائرة الفتنة ، ويزيد به الفُرقة بتكفير طائفة كبيرة من طوائف المسلمين ، يرمي علماء الشيعة بهدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين ، وهل هذا إلا مصداق قوله سبحانه (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (١).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١١٢.

١١٥
١١٦

كشف الحقيقة الرابعة

١١٧
١١٨

قال الجزائري :

الحقيقة الرابعة

اعتقاد اختصاص أهل البيت وشيعتهم بعلوم

ومعارف نبوية وإلهية دون سائر المسلمين

ومستند هذه الحقيقة ما أورده صاحب الكافي بقوله : عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : جُعلت فداك ، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علَّم علياً عليه‌السلام ألف باب من العلم يفتح منه ألف باب. قال : فقال : يا أبا محمد ، علَّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً عليه‌السلام ألف باب ، يفتح له من كل باب ألف باب. قال : قلت : هذا بذاك. قال : ثمّ قال : يا أبا محمد ، وإن عندنا الجامعة ، وما يدريهم ما الجامعة؟ قال : قلت : جعلت فداك ، وما الجامعة؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأملاه من فلق فيه ، وخط علي بيمينه كل حلال وحرام ، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش والخدش. قال : قلت : هذا والله العلم! قال : إنه لعلم وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة ثمّ قال : عندنا الجفر ، ما يدريهم ما الجفر؟ قال : وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل. قال : قلت : إن هذا العلم! قال : إنه العلم ، وليس

١١٩

بذاك. ثمّ سكت ساعة ، ثمّ قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها‌السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد! قال : قلت : هذا والله العلم. قال : إنه العلم ، وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة ، ثمّ قال : وإن عندنا علم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. انتهى بالحرف الواحد.

ثمّ إن الجزائري بنى على هذا الحديث أموراً غريبة ونتائج عجيبة ، فقال :

وبعد : إن النتيجة الحقيقية لهذا الاعتقاد الباطل لا يمكن أن تكون إلا كما يلي :

١ ـ الاستغناء عن كتاب الله تعالى ، وهو كفر صراح.

والجواب

إن هذا الحديث لا يدل على هذه النتيجة ولا على غيرها من النتائج التي ذكرها كما سيتضح قريباً إن شاء الله تعالى.

وهذا الحديث المروي في الكافي صحيح الإسناد ، فيه بيان ما خُصَّ به أهل البيت عليهم‌السلام من الصحائف والكتب وما عندهم من

١٢٠