معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

٦١

٦٢

٦٣

٦٤

٦٥
٦٦

٦٧
٦٨

[مقدّمة المؤلّف]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أولانا من التوفيق ، وهدانا إلى سواء الطريق ، وميّزنا بالعقل عن سائر المخلوقات السفليّة ، وفضّلنا بالعلم لنصل به إلى مرتبة الجواهر العلويّة. والصلاة على أشرف (١) من حصل له أعلى هاتين المرتبتين ، وأعظم من اتّصف بهاتين الصفتين ، وهم الأنبياء والمرسلون ، والأئمّة الصالحون (٢) ، خصوصا على أشرفهم منزلة (٣) ، وأعلاهم مرتبة وفضلا ، محمّد المصطفى وعترته الأطهار ، السالكين نهج (٤) طريقته (٥) في حالتي الإيراد والإصدار.

أمّا بعد (٦) :

فإنّا لمّا (٧) وفّقنا الله تعالى فيما سلف من الأوقات بإملاء مقدّمة في علم الكلام ،

__________________

(١) في «ب» : (أفضل).

(٢) في «أ» «ر» «س» : (الأئمّة والصالحون).

(٣) في «ب» زيادة : (ومحلا).

(٤) (نهج) ليست في «د» «ر».

(٥) في «ب» : (طريقه).

(٦) في «د» : (وبعد).

(٧) في «ب» : (فلمّا) بدل من : (فإنّا لمّا).

٦٩

مشتملة على سائر النكات ، ووسمناها (١) بنظم البراهين في أصول الدين ، وكانت عظيمة الالتباس ، مشكلة على أكثر الناس ، لا يكاد يفهمها إلّا الأذكياء من أولي الألباب ، ولا يحصلها إلّا من أيّد من الله (٢) تعالى في فكره بالصواب ، رأيت أن أملي (٣) لها شرحا موجزا يكشف عن أسرارها ، ويظهر الكامن من أغوارها ، مع توفيق الله تعالى إيّانا في ذلك ، متقرّبين إلى الله تعالى ، وسمّيناه (٤) ب :

«معارج الفهم في شرح النظم»

واعتصمنا بالله وتوكّلنا عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

__________________

(١) في «ب» : (ورسمناها).

(٢) في «ر» «س» : (أيّده الله).

(٣) في «ب» : (رأينا أن نملي) بدل من : (رأيت أن أملي).

(٤) في «ب» : (ووسمناها) بدل من : (وسمّيناه).

٧٠

قال :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الواحد في ذاته ، المتفرّد في صفاته ، واهب العقل (١) لبريّته ، ومكلّفهم السلوك إلى محجّته (٢) ، وصلّى الله على أشرف خلقه (٣) محمّد النبيّ ، وعلى أكرم ذرّيّته وأطيب عترته.

وبعد : فهذه رسالة في علم الكلام ، تشتمل على جواهره ، وتحتوي على نوادره ، في غاية الإيجاز والاختصار ، مجنبة الإطالة (٤) والإكثار ، وقد احتوت على مسائل

__________________

(١) العقل عند الجمهور يطلق على معان ثلاثة ، فيطلقون العقل على صحّة الفطرة الأولى في الإنسان فيكون حدّه بأنّه قوّة بها يكون جودة التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة ، ويطلقون العقل على ما يكتسبه الإنسان بالتجارب من الأحكام الكليّة فيكون حدّه معان مجتمعة في الذهن تكون مقدّمات ليستنبط بها المصالح والأغراض ، ويطلقون العقل على معنى أخر ، وحدّه أنّه هيئة محمودة للإنسان في حركاته وسكناته وكلامه وأخباره ، فيحتمل أن يكون مراد شيخنا قدّس الله روحه الطاهرة كلّ واحد من هذه المعاني ، والعقل عند الحكماء يطلق على معان آخر لا نطول بذكرها.

(٢) قلت : المحجّة ليس السلوك إليها ، بل السلوك فيها ، فلو قال : سلوك محجته كان أولى ، ويمكن أن يقال : «إلى» بمعنى «في» قال الشاعر :

ولا تتركني بالوعيد كأنّني إلى

الناس مطلي به القار أجرب

(البيت للنابغة الذبياني كما في أدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري : ٥٩٤).

(٣) في «ر» : (خليفته) ، وفي «س» : (خليقه).

(٤) في «س» : (عن الإطالة).

٧١

جليلة شريفة ، ومباحث دقيقة لطيفة ، خلت عنها أكثر المبسوطات (١) ، ولم يوجد مثلها في أكثر (٢) المطوّلات ، هديّة منّي إلى كلّ ذي طبع سليم ، ونظر مستقيم ، وسمّيتها ب :

«نظم البراهين في أصول الدين»

ورتّبتها على سبعة أبواب ، واعتمدت على ربّ الأرباب.

__________________

(١) في «ر» : (جميع المختصرات).

(٢) في «أ» «د» «س» «ف» : (كثير من).

٧٢

الباب الأول :

في النظر

٧٣
٧٤

[تعريف النظر]

وهو ترتيب أمور ذهنيّة يتوصّل (١) بها إلى أخر.

أقول :

الترتيب كما يقع في الأمور الذهنيّة فقد يقع في الأمور الخارجيّة. فالتقييد بالذهنيّة ليخرج عنه ترتيب الأمور الخارجية ، ثمّ إنّ ترتيب الأمور الذهنيّة قد يكون ليتوصّل بها إلى أمر آخر (٢) ، وقد لا يكون. والثاني لا يسمّى نظرا. والأمور الذهنيّة تشمل المفردات كالأجناس والفصول والخواصّ المتوصّل منها (٣) إلى معرفة المحدود والمرسوم ، وتشمل المركّبات كالمقدّمات ؛ سواء كانت علميّة أو ظنّيّة أو تقليديّة (٤) أو اعتقاديّة اعتقاد الجهّال (٥) (٦).

وهذا الحدّ أولى من قول من قال : النظر ترتيب تصديقات (٧) لأنّه يخرج منه النظر المفيد للتصوّرات.

__________________

(١) في «أ» «ر» «ف» : (ليتوصّل).

(٢) في «ج» «ر» «س» «ف» : (منها إلى آخر) بدل من : (بها إلى أمر آخر).

(٣) في «ف» : (بها).

(٤) أي اعتقاد المقلّد للحق.

(٥) في «د» «ف» : (الجهل).

(٦) وهو شامل للجهل المركّب والجهل البسيط.

(٧) كتاب المحصّل للرازي : ١٢١.

٧٥

وأولى من قول من قال : النظر ترتيب علوم (١) لأنّه يخرج منه ترتيب باقي الاعتقادات ، إلّا أن يؤخذ (٢) العلم على الوجه الأعمّ ، فيكون قد استعمل المشترك أو المجاز (٣) ، وكلاهما اغلوطة في الحدّ.

واعلم أنّ التعريف قد يكون بالعلّة الماديّة كما يعرف الكوز بأنّه وعاء صفريّ أو خزفيّ كذا وكذا ، وقد (٤) يكون بالعلّة الغائيّة كقولنا في حدّه : إنّه آلة يشرب بها (٥) الماء ، وقد يكون بالصورة (٦) كما نقول : إنّه آلة شكله كذا (٧) ، وقد يكون بالفاعل كما نقول : إنّه شيء يصنعه الخزّاف.

وأكمل الحدود ما اشتمل على الأربع. وهذا الحدّ قد اشتمل على العلل الأربع ؛ أمّا الصورة فهي الترتيب ، وأمّا المادّة فهي المقدّمات ، وأمّا الغاية فهي التوصّل.

وفي قولنا «ليتوصّل» إشارة إلى الفاعل وهو الناظر ، فيكون هذا الحد أكمل الحدود.

قال :

فإن صحّت المادّة والصورة فصحيح وإلّا ففاسد.

أقول :

كلّ مركّب فإنّه يشتمل على أجزاء يتركّب منها وعلى صوره حصلت بالتركيب ،

__________________

(١) شرح المقاصد للتفتازاني ١ : ٢٢٩.

(٢) في «أ» «ف» : (نأخذ).

(٣) في «س» زيادة : (في الحدّ).

(٤) في «أ» : (أو) بدل من : (وقد).

(٥) في «ف» : (به).

(٦) في «ف» : (بالصوريّة).

(٧) في «ف» زيادة : (وكذا).

٧٦

والأولى هي الأجزاء الماديّة ، والثانية هي الجزء الصوريّ. ولمّا كان النظر مركّبا من مقدّمات كانت له أجزاء ماديّة وأجزاء صوريّة ، ثمّ لمّا كان بعض المركّبات قد يتركّب من أجزاء ماديّة ، و (١) تلك الأجزاء الماديّة مركّبة أيضا من أجزاء أخر كان للأجزاء القريبة لتلك المركّبات موادّ وصور ، والنظر من هذا القبيل فإنّه مركّب (٢) من مقدّمات ، والمقدّمات تتركّب من طرفين فيكون للمقدّمات أجزاء ماديّة وصوريّة أيضا.

إذا تقرّر هذا فنقول : صحّة النظر إنّما تكون بصحّة المقدّمات ، أي بكونها مطابقة للأمر نفسه وبصحّة الترتيب على معنى كونه من أحد الأشكال المنتجة ، ومتى فسد أحد هذين الجزءين كان النظر فاسدا ، وجاز نسبة الصحّة والفساد إلى الموادّ لكونها مركّبة ، فإنّ الموادّ البسيطة لا توصف بالصحّة ولا بالفساد.

[النظر يستلزم العلم أم لا؟!]

قال :

يستلزم (٣) الجهل إن فسد من المادّة وإلّا فلا.

أقول :

ذهب الجمهور من المتكلّمين إلى أنّ النظر الفاسد لا يستلزم الجهل (٤) ،

__________________

(١) الواو سقطت من «أ» «ب» «ج» «د».

(٢) في «ف» : (يتركب).

(٣) في «س» «ف» : (ويستلزم).

(٤) قال الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ١٣٧ النظر الفاسد لا يولد الجهل ولا يستلزمه عند الجمهور منّا ومن المعتزلة ، وانظر شرح المقاصد للتفتازاني ١ : ٢٥٢.

٧٧

واحتجّوا عليه بأنّه لو استلزم الجهل لكان المحقّ إذا نظر في شبهة المبطل لأدّاه ذلك النظر (١) إلى الجهل والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

وعورضوا بأنّه إنّما لم يولد الجهل للمحقّ لأنّه لم يعتقد صحّة المقدّمات ، كما أنّ المبطل إذا نظر في دليل المحقّ لا يؤدّيه (٢) نظره إلى العلم لما لم يعتقد صحّة المقدّمات (٣) ، ومع هذا فإنّا نقطع بأنّ النظر الصحيح يستلزم العلم.

وقال آخرون : إنّ النظر الفاسد يستلزم الجهل (٤).

والحقّ أن نقول : إن كان فساد النظر من جهة المادّة استلزم الجهل ، كمن يعتقد أنّ العالم قديم ، وأنّ كلّ قديم مستغن عن المؤثّر فإنّه يستلزم (٥) اعتقاد أنّ العالم مستغن عن المؤثّر ، وإن كان الفساد من جهة الصورة فإنّه لا يستلزم الجهل ، وهو ظاهر.

قال :

والصحيح يفيد العلم ضرورة و (٦) قد يختلف فيه.

أقول :

ذهب جمهور العقلاء إلى أنّ النظر الصحيح يفيد العلم (٧) ، ونقل عن

__________________

(١) (النظر) ليس في «س».

(٢) في «ب» «ف» : (قد لا يؤدّيه).

(٣) كتاب المحصّل للرازي : ١٣٨ ، وانظر تلخيص المحصل للخواجة نصير الطوسي : ٦٢.

(٤) قال الرازي في كتاب المحصّل : ١٣٧ ، وقيل : إنّه قد يستلزمه ، وهو الحق عندي.

(٥) في «ف» زيادة : (منه).

(٦) الواو ليست في «أ» «ب» «س» «ف».

(٧) المغني في أبواب التوحيد والعدل (النظر والمعارف) : ٧٧ ، تلخيص المحصل : ٦٢ ، شرح المقاصد للتفتازاني ١ : ٢٣٥.

٧٨

السمنيّة (١) أنّه لا يفيد العلم مطلقا (٢). والعقلاء قد يدّعون في هذا المقام الضرورة ، لأنّ من علم أنّ العالم متغيّر ، وأنّ كلّ متغيّر محدث يعلم قطعا أنّ العالم محدث.

احتجّ (٣) المنكرون بأنّ قولكم : «النظر يفيد العلم» إمّا أن يكون ضروريّا ، وإمّا أن يكون نظريّا ؛ والأوّل باطل وإلّا لزم اشتراك العقلاء فيه ، والثاني باطل وإلّا لزم التسلسل وإثبات الشيء بنفسه (٤) (٥).

والجواب : أنّه يفيد العلم ضرورة ، والاشتراك غير لازم ، لأنّ الضروريّات قد يختلف فيها عند خفاء تصوّر أحد الطرفين ، فقوله (٦) : «قد يختلف فيه» إشارة إلى جواب هذه الشبهة المقدّرة.

[كيفيّة إفادة النظر للعلم]

قال :

تولّدا. وقيل : عادة لأنّه ممكن وهو ضعيف. وقيل : واجب غير متولّد وهو قريب.

__________________

(١) السمنيّة بضمّ السين وفتح الميم مخفّفة فرقة تعبد الأصنام وتقول بالتناسخ ، وتنكر حصول العلم بالأخبار ، قيل : نسبة إلى سومنات بلدة من الهند على غير قياس (القاموس المحيط ٤ :

٢٣٨ ، قوانين الاصول : ٤٢١) ، وفي فهرست ابن النديم : ٤٠٨ بني السمنيّة بوداسف ، وعلى هذا المذهب كان أكثر أهل ما وراء النهر قبل الإسلام.

(٢) انظر الذريعة للسيّد المرتضى ٢ : ٤٨١ ، معارج الأصول للمحقّق الحلّي : ١٣٨.

(٣) في «ب» : (واحتجّ).

(٤) قوله : (وإثبات الشيء بنفسه) من «ب».

(٥) انظر تلخيص المحصّل : ٦٢ ، شرح المقاصد للتفتازاني ١ : ٢٤١.

(٦) في «أ» «ج» «د» : (وقوله).

٧٩

أقول : اختلف المتكلّمون في كيفيّة إفادة النظر للعلم (١) ، فقالت المعتزلة : إنّه يولّد العلم لأنّ كلّ فعل يصدر من الحيوان لا بتوسّط يسمّونه مباشرة كالاعتماد ، وكلّ ما يصدر عنه بتوسّط يسمّونه تولّدا كالحركة عنه بتوسّط الاعتماد ، فالناظر (٢) يحصل منه العلم بتوسّط النظر ، فهو متولّد ، وهو واجب وجوب المعلول عند (٣) العلّة التامّة (٤) (٥).

وقالت الأشاعرة : إنّه بالعادة ، لأنّ مذهبهم أن لا مؤثّر في الممكنات إلّا الله تعالى ، فإذا قارن الشيء (٦) دائما لا يكون أحدهما مؤثّرا في الآخر ، بل الله تعالى أجرى عادته بخلق (٧) ذلك الشيء عقيب الآخر على سبيل الإمكان. ويمكن أن لا يخلق (٨) العلم عقيب النظر الصحيح (٩).

وقوله : «لأنّه ممكن» إشارة إلى استدلالهم على أنّ العلم من الله تعالى (١٠) ، وإنّما

__________________

(١) في «أ» «ر» «س» «ف» : (العلم).

(٢) في «أ» «س» : (والناظر) ، وفي «ب» : (فالنظر) ، وفي حاشيتها : (أي الناظر).

(٣) في «س» زيادة : (وجود).

(٤) المغني في أبواب التوحيد والعدل (النظر والمعارف) : ٧٧.

(٥) الناظر علّة مرتبة في النظر ، والنظر علّة مرتبة في النتيجة ، وعلّة العلّة علّة ، والناظر علّة في النتيجة لكن علّة معدة لأنّه بتوسطه.

(٦) في «ب» «ج» : (للشيء).

(٧) في «ب» : (على).

(٨) في «ف» : (يختلف).

(٩) شرح المقاصد للتفتازاني ١ : ٢٣٦.

(١٠) فإنّهم يقولون : هذا ممكن ، وكلّ ممكن فإنّه صادر من الله تعالى على سبيل الاختيار ، فهذا صادر من الله تعالى على سبيل الاختيار.

٨٠