معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

ما يختلف بالطبع كالفوق أو (١) السفل ، ومنها : ما لا يختلف إلّا بالفرض كاليمين والشمال ، والأوّل (٢) لا بدّ له من مائز ، وهو إن كان جسما غير محيط تحدّد به القرب دون البعد ، وإن كان مجرّدا كانت (٣) نسبته إلى جميع ما يفرض جهة بالسويّة ، فلا بدّ وأن يكون محيطا كريا.

والجواب عن هذا (٤) المنع من مخالفة الجهات ومن احتياجها إلى جسم محدّد ، ولم لا يتحدّد بالمجرّد.

قولهم : إنّ نسبته إلى الجميع بالسويّة ممنوع لجواز اقتضاء ذاته المعيّنة التمييز بين هاتين الجهتين المتساويين. ولو سلّمنا أنّه لا بدّ من جسم فلم يجب أن تكون كريا.

والجواب عن التالي (٥) بالمنع من احتياج الجسم إلى طبيعة تقتضي حصوله في مكانه ، وإن سلّمنا ذلك لكن لم لا يجوز اختلاف الطبيعتين ، ولئن سلّمنا (٦) تساوي الطبيعتين لكن لم لا يجوز (٧) تخصيص بعض طبائع الأرض بأحد (٨) الأمكنة لا لمخصّص كاختصاص المدرة بأحد الأمكنة لا لمرجّح مع تساوي الأمكنة الجزئيّة للأرض.

__________________

(١) في «د» «ر» : (و).

(٢) في «د» : (الأولى).

(٣) في «ب» : (كان).

(٤) (عن هذا) من «ب».

(٥) في «ر» : (الثاني).

(٦) في «س» : (وإن سلمنا اختلاف) بدل من : (ولئن سلمنا).

(٧) قوله : (اختلاف الطبيعتين) إلى هنا ليس في «د».

(٨) في «ب» : (للأرض بأحد) بدل من : (بأحد) ، وفي «س» : (فأحد).

٥٦١

[إمكان خراب العالم]

قال :

مسألة : خراب العالم ممكن لأنّ العالم ممكن ، ولأنّه لو استحال لذاته فواجب واطّرد ولغيره فإن كان لازما اطّرد وتسلسل وإلّا جاز ، والأخيرة مدخولة لجواز استحالة الملزوم فلا اطّراد و (١) تسلسل.

أقول :

ذهب قوم من القدماء إلى أنّ العالم واجب الوجود لذاته يستحيل عدمه استحالة ذاتيّة (٢) ، وذهب جمهور الفلاسفة إلى أنّ العالم ممكن لذاته واجب (٣) لغيره ، وإنّ ذلك الغير (٤) يستحيل عدمه ، فالعالم يستحيل عدمه استحالة بالنظر إلى الغير.

وأمّا المسلمون وأرباب الملل فذهبوا إلى أنّ العالم يمكن عدمه بالنظر إلى الذات وإلى الغير واحتجّوا على ذلك (٥) بوجهين :

الأوّل : أنّ العالم ممكن لذاته ، والممكن يجوز عدمه وإلّا لكان واجبا لذاته ، هذا خلف ، وهذه الحجّة لا بدّ لها من تتمّة ، هي أنّ المؤثّر في العالم قادر مختار ، وقد مضى بيان ذلك.

الثاني : أنّ العالم لو استحال عدمه لكانت تلك الاستحالة إمّا أن تكون ذاتيّة أو عرضيّة ؛ والأوّل باطل وإلّا لكان واجب الوجود لذاته ، وأيضا يلزم الاطّراد في كلّ

__________________

(١) في «ر» : (ولا) بدل من : (و).

(٢) في «د» : (ذاته).

(٣) في «د» : (وجب).

(٤) في «د» : (للغير).

(٥) في «ب» : (عليه) بدل من : (على ذلك).

٥٦٢

أجزاء العالم بالنسبة إلى كلّ صفة صفة ، والثاني لا يخلو إمّا أن يكون لأمر لازم أو مفارق ، وعلى التقدير الأوّل يلزم الاطّراد المذكور ، وعلى التقدير الثاني يلزم المطلوب ، لأنّ عند زوال ذلك المفارق يزول استحالة (١) العدم (٢).

وهذه الحجّة الأخيرة فيها نظر لجواز أن يكون استحالة عدم العالم لأجل ملزومه ، فلا (٣) يلزم التسلسل ولا الاطّراد.

قال :

احتجّوا بأنّ الزمان يستحيل عدمه وإلّا فعدمه بعد وجوده بزمان ، هذا خلف ، ولأنّ كلّ قابل للعدم مركّب ، ولا شيء من البسيط بمركّب ولأنّ كلّ (٤) قابل للعدم ذو هيولى ، ولا شيء من الهيولى له هيولى.

أقول :

احتجّت الفلاسفة على استحالة عدم العالم بوجوه :

الأوّل : أنّ الزمان يستحيل عدمه فالحركة يستحيل عدمها فالجسم يستحيل عدمه ، أمّا استحالة عدم الزمان فلأنّه لو صحّ عدمه لكان عدمه بعد وجوده بعدية بالزمان ، فيكون الزمان موجودا حال ما فرض معدوما ، وأمّا استحالة عدم الحركة والجسم فلما مرّ من أنّ الزمان مقدار الحركة ، والحركة عرض حالّ في الجسم ، فيستحيل عدمها لاستحالة عدمه.

__________________

(١) في «د» : (استحالته).

(٢) انظر كشف المراد (تحقيق الآملي) : ٥٤٣ ، وفي الطبعة بتحقيق الزنجاني : ٤٣٦ ، وفي الطبعة بتحقيق السبحاني : ٢٤٩.

(٣) في «د» : (ولا).

(٤) في «د» : (فلأنّ كلّ) بدل من : (لأنّ كلّ).

٥٦٣

الثاني : البسيط المستغني (١) عن المحلّ يستحيل (٢) عدمه ، لأنّ كلّ ما يصحّ عليه العدم فله إمكان العدم ، وذلك الإمكان يستحيل أن يحلّ في البسيط وإلّا لصحّ وجوده حين عدمه ، هذا خلف ، ولا بدّ (٣) وأن يحلّ في المادّة ، وكلّ قابل للعدم مركّب من المادّة والصورة أو يكون عرضا أو صورة ، فالجواهر المجرّدة والمادّة يستحيل عليهما (٤) العدم.

الثالث : أنّ (٥) كلّ قابل للعدم له مادّة على ما مرّ ، ولا شيء من المادّة له مادّة فلا شيء من المادّة بقابلة للعدم.

قال :

جواب الأوّل : لا نسلّم أنّ التقدّم (٦) يفتقر إلى زمان ، إذ الأجزاء الزمانيّة كذلك ونمنع تركيب (٧) قابل العدم لجواز قبول الشيء عدمه كالممكن ، ونمنع اقتضاء الإمكان للهيولى وإلّا تسلسل.

أقول :

الجواب عن الوجه الأوّل أن نقول : لا نسلّم أنّ التقدم الذي لا يجامع المتقدّم فيه المتأخّر يجب أن يكون بالزمان ، فإنّ أجزاء الزمان تتقدّم بعضها على بعض من غير حاجة إلى الزمان.

__________________

(١) في «ر» «س» : (يستغني).

(٢) في «ر» : (فيستحيل).

(٣) في «د» «ر» : (فلا بدّ).

(٤) في «د» «ر» : (عليها).

(٥) (أن) لم ترد في «ر» «س».

(٦) في «د» : (العدم).

(٧) في «ب» «د» «س» : (تركّب).

٥٦٤

وعن الثاني : أنّا نمنع تركّب (١) قابل العدم ، فإنّ الممكن البسيط يجوز عدمه مع أنّه غير مركّب.

وعن الثالث : أنّا نمنع اقتضاء الإمكان للهيولى وإلّا لزم التسلسل لأنّها ممكنة فيكون لها (٢) هيولى ، هذا خلف.

وهذه الأجوبة قد سبق تقريرها في الحدوث.

قال :

وهو واقع للسمع ، وتوقّف البعض وإلّا لاستحال إعادته وإلّا لأعيد مع الوقت فيكون مبتدأ معادا ، ولأنّه لا يتميّز (٣) عن مثله ، وهذا هو الحقّ عندي ، وأقرّ (٤) الإعادة بالجمع (٥) ، إن قلت بالأجزاء أو بإعادة (٦) بدن إن قلت بالنفس.

أقول :

اختلف المتّفقون على جواز عدم العالم في أنّه هل يعدم أم لا؟

فذهب الجمهور إلى أنّه يعدم ، وذهب أبو الحسين البصري وجماعة إلى أنّه (٧) لا (٨) يعدم وإنّما تتفرّق أجزاؤه.

واحتجّ القائلون بالعدم بآيات :

__________________

(١) في «د» «ر» : (تركيب).

(٢) في «ر» : (في).

(٣) في «ر» : (تميّز).

(٤) في «ب» : (أفسّر).

(٥) في «د» : (بالجميع).

(٦) في «ب» : (إعادة).

(٧) قوله : (يعدم وذهب) إلى هنا سقط من «س».

(٨) قوله : (يعدم وذهب) إلى هنا سقط من «د».

٥٦٥

منها : قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (١) ، وإنّما هو أوّل من حيث إنّه (٢) موجود ، ولا موجود سواه ، فكذلك (٣) إنّما يكون آخرا بهذا الاعتبار.

ومنها : قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٤) والفناء هو العدم.

ومنها : قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٥).

ومنها : قوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٦) ، ولمّا كان الابتداء عن العدم المحض وجب أن تكون الإعادة عن العدم أيضا.

قال المانعون :

الجواب عن الآية الاولى : أنّه ليس فيه عموم ، فيجوز أن يكون المراد هو أوّل الأحياء وآخرهم ، و (٧) إن سلّمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون المراد هو الأوّل والآخر بحسب الاستحقاق لا بحسب الزمان.

وعن الثانية : أنّ الفناء قد يطلق على الموت ، فلا دلالة فيه حينئذ.

وعن الثالثة : أنّ الهلاك هو الخروج عن الانتفاع ، والميّت غير منتفع به ، وأيضا فإنّ ما عدا واجب الوجود هالك بالنظر إلى ذاته من حيث إمكانه ، وهو لا ينافي دوامه بحسب الغير.

__________________

(١) الحديد : ٣.

(٢) في «د» : (هو).

(٣) في «ب» : (وكذلك).

(٤) الرحمن : ٢٦.

(٥) القصص : ٨٨.

(٦) الأنبياء : ١٠٤.

(٧) الواو لم ترد في «س».

٥٦٦

وعن الرابعة : أنّ التشبيه أعمّ من التشبيه من كلّ وجه أو من بعض الوجوه ، ولا دلالة للعام على الخاصّ.

ثمّ قالوا : لو عدم العالم لاستحال إعادته ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة من وجهين :

الأوّل : لو جاز إعادة المعدوم لاعيد مع الوقت لأنّه من جملة مشخّصاته فيكون مبتدأ من حيث وجوده في أوّل زمان وجوده ومعادا من حيث إنّه وجد بعد عدم عقيب وجوده ، ويستحيل أن يكون الشيء مبتدأ ومعادا.

الثاني : أنّه لو صحّ إعادته لما تميّز عن مثله بتقدير خلقه ، إذ لا مائز في العدم الصرف ، وأمّا بطلان التالي فبالاتفاق ، والتزم المصنّف بهذا المذهب ، ولمّا أطبق الأنبياء على الإعادة ، وهي تطلق بالحقيقة على إيجاد ما خرج عن صفة الوجود (١) وبالمجاز على غير ذلك (٢) وجب صرف هذا اللفظ إلى المجاز ، وذلك إمّا (٣) بجمع الأجزاء بعد تفريقها إن قلنا : إنّ الإنسان عبارة عن الأجزاء الأصليّة في هذا البدن ، وإمّا بإعادة النفس إلى بدن آخر بعد فناء البدن الأوّل إن قلنا بالنفس الناطقة.

[في التناسخ]

قال :

ويلزمني صحّة التناسخ وأفسده (٤) بأنّه يلزم (٥) اجتماع نفسين وأمنع الملازمة.

__________________

(١) في «د» : (الموجود).

(٢) أنوار الملكوت : ١٩١ ، الاقتصاد في الاعتقاد : ٢١٤.

(٣) في «د» «س» : (إنّما).

(٤) في «ب» «د» : (أفسدوه).

(٥) في «د» : (يمتنع).

٥٦٧

أقول :

هذا الإلزام على التفسير الثاني ، وهو حمل الإعادة على إعادة النفس إلى بدن آخر ، واختلف الناس في صحّة التناسخ فأثبته قوم ونفاه آخرون.

واحتجّ النفاة بأنّه لو صحّ التناسخ لزم اجتماع نفسين على بدن واحد ، وهذه الملازمة إنّما تظهر بعد مقدّمات :

إحداها : أنّ النفس حادثة.

الثانية : أنّ أصل العلّة في حدوثها مجرّد قديم.

الثالثة : أنّ ذلك الأصل موجب عامّ الفيض.

الرابعة : أنّ المحدث لا بدّ له من استعداد وحامل ذلك (١) الاستعداد هو المادّة.

وهذه (٢) المقدّمات قد مضى بيانها.

الخامسة : أنّ مادّة النفس (٣) البدن ، وذلك إنّما هو ببيان أنّ النفس بسيطة.

السادسة : أنّ عند حصول العلّة التامّة يجب حصول المعلول ، وقد مضى أيضا بيان هذه المقدّمة.

إذا عرفت هذا فنقول : لو صحّ انتقال النفس من بدن إلى بدن حادث لزم اجتماع نفسين على ذلك البدن الحادث ، لأنّ النفس حادثة ، فعلّة حدوثها إن كانت بتمامها قديمة لزم قدمها ، فلا بدّ وأن تكون حادثة والأصل قديم ، والحادث هو القابل أعني المادّة ، ومادّة النفس البدن ، فعلّة حدوث النفس هو العقل الفعّال مع حدوث

__________________

(١) في النسخ : (لذلك).

(٢) في «د» : (فهذه).

(٣) في «ر» زيادة : (هي).

٥٦٨

البدن ، فالبدن الحادث المفروض إذا حدث لا بدّ (١) وأن يحدث له نفس لعموم فيض العلّة وإيجابها ، فإذا انتقلت إليه نفس بدن آخر لزم المحذور.

والجواب عن هذا إنّما هو بالمنع من (٢) هذه المقدّمات وقد مضى الكلام فيه ، ومع التسليم نقول : إنّ البدن قبل تمام تكوّنه تتعلّق به النفس المستنسخة ويكون ذلك التعلّق (٣) مانعا للبدن من استعداده لحصول (٤) النفس الاخرى وتعلّقها به.

قال :

والمثبتون راموا بأن يتخلّصوا عن هذه (٥) بشيئية المعدوم ولم يتخلّصوا ، فإنّ عندهم الوجود غير حاصل في العدم مع أنّهم يحكمون بإعادته بعينه وإلّا لحصل وجود آخر فتتّصف الذات بهما في وقتين ويستدعي اتّصافها (٦) بهما في وقت فيتزايد الوجود وهو محال.

أقول :

معتزلة البصرة أرادوا أن يتخلّصوا عن الدليل الدالّ على استحالة إعادة المعدوم ، وهو أنّه لا يتميّز عن آخر مثله ، فالتجئوا إلى القول بأنّ المعدوم شيء ثابت في الأعيان ، فإذا أعدم الله بعض الجواهر تميّز عن البعض الآخر لثبوته في

__________________

(١) في «ر» : (حدث فلا بدّ) ، وفي «س» : (أحدث لا بدّ) بدل من : (حدث لا بدّ).

(٢) في «ب» «د» : (في).

(٣) في «د» : (المتعلّق).

(٤) في «ب» «د» «ر» : (لحدوث).

(٥) في «ب» «د» : (هذا).

(٦) في «د» : (اتّصافهما).

٥٦٩

الأعيان ، فإذا أراد (١) إعادته أعاده بعينه (٢) ، وتميّز عن المخلوق ابتداء ، لثبوتهما معا ، وهذا التخلّص عندهم باطل ، فإنّ مذهبهم أنّ الوجود ليس بثابت في العدم ، فإذا ارتفع ذلك الوجود عند الإعدام انتفى الوجود نفيا محضا ، فإذا أعاد الله تعالى المعدوم أعاده بذلك الوجود الذي كان أوّلا (٣).

فقد اعترفوا هاهنا أنّ المعدوم المعاد لا يجب أن (٤) يكون ثابتا ، قالوا : والدليل على أنّ المعاد هو الوجود الأوّل لا وجود آخر أنه يستحيل اتّصاف الماهيّة بوجودين في وقتين ، لأنّه لو صحّ ذلك لأمكن اتّصافها بهما في وقت واحد ، لأنّ الذات إذا قبلت الاتّصاف بالوجود (٥) الثاني في وقت كانت قابلة له في كلّ وقت ضرورة كون القبول من لوازم الماهيّة ، لكن يستحيل اتّصاف الماهيّة بالوجودين في وقت واحد لاستحالة التزايد في الوجود.

[في كيفيّة إعدام العالم]

قال :

واختلفوا في كيفيّة الإعدام ، فعندنا التفرّق على ما مرّ ، وبشر (٦) يقول : لا يفعل البقاء ، وهو قول الكعبي ، غير أنّ الكعبي يقول : البقاء محلّه الباقي ، وبشر يقول :

__________________

(١) في «د» زيادة : (الله).

(٢) في «د» : (أعاد نفسه).

(٣) أوائل المقالات : ٢٠٧ ، المواقف ٣ : ٤٦٦ ، شرح المواقف ٨ : ٢٨٩ ، قواعد المرام لابن ميثم : ١٤٧.

(٤) (يجب أن) لم ترد في «د» «س».

(٥) (بالوجود) لم ترد في «س».

(٦) هو بشر بن المعتمر الهلالي رأس معتزلة بغداد ، وكان من شعرائهم توفّي سنة ٢١٠ هجريّة ، تنسب إليه الفرقة البشرية وكان يعيش في عصر هارون الرشيد. تاريخ المعتزلة فكرهم وعقائدهم : ٩٠.

٥٧٠

لا في محلّ ، والجبّائيان يفعل معنى لا في محلّ هو الفناء ضدّ لها ، والنظام لا يفعل الأحداث.

ويبطل الأوّل بأنّ البقاء ليس بزائد على ما مرّ ، والمعنى غير معقول تجرّده مع عرضيّته ، وثبت أنّ الأجسام باقية فبطل قول النظام.

أقول :

لمّا بيّن إعدام العالم ذكر الخلاف في كيفيّته ، فقال قوم (١) : إنّ الله تعالى يفرّق أجزاء العالم ويزيل الهيئة التركيبيّة ، وقد مضى الكلام فيه.

وقال آخرون : إنّ الأجسام باقية بالبقاء ، فإذا أراد الله تعالى فناءها لم يفعل البقاء ، وهو قول أبي القاسم الكعبي وبشر ، واختلفا ؛ فقال الكعبي : البقاء قائم بالباقي ، وبشر يقول : لا في محلّ.

وقال أبو علي وأبو هاشم وأتباعهما : إنّ الله تعالى يفعل معنى هو الفناء لا في محلّ يفني به جميع الجواهر ، وهو ضدّ لها.

وقال النظّام : إنّ الأجسام غير باقية بل يحدثها الله تعالى حالا فحالا ، فإذا أراد الله فناءها لم يحدثها.

وهذه المذاهب عندنا فاسدة :

أمّا قول الكعبي وبشر فلما مضى من الكلام في أنّ البقاء ليس بزائد (٢) على ذلك (٣) الباقي وإلّا لزم التسلسل أو الدور أو (٤) كون الذات صفة والصفة ذاتا.

__________________

(١) (قوم) لم ترد في «س».

(٢) في «س» : (زائدا).

(٣) (ذلك) لم ترد في «ر» ، وفي «ب» «د» : (ذات).

(٤) في «ر» «س» : (و).

٥٧١

ويبطل (١) قول بشر خاصّة بأنّ البقاء عرض ، والعرض مفتقر إلى المحلّ.

وبهذا أيضا يبطل قول الجبّائيين. وأيضا فالفناء إن فني لذاته لم يوجد وإن كان بفناء آخر تسلسل.

وأمّا قول النظّام فباطل لما مرّ من أنّ الأجسام باقية.

وهؤلاء القوم إنّما التجئوا إلى هذه المذاهب لاعتقادهم أنّ الإعدام لا يستند إلى الفاعل.

[عذاب القبر]

قال :

مسألة : عذاب القبر واقع لقوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) (٢) وغير ذلك ، وعندنا الله تعالى (٣) عالم بكلّ معلوم و (٤) قادر عليه ، فلو ذهب جزء في المشرق وآخر في المغرب جمعهما ، واختلفوا : فقالت الأشاعرة والجبّائيّون وأبو الحسين : الجنّة والنار مخلوقتان الآن (٥) ؛ وهو الحقّ (٦) ، ومنعه أبو هاشم وعبد الجبّار (٧).

__________________

(١) في «د» : (بطل).

(٢) غافر : ٤٦.

(٣) في «س» : (أنّه) بدل من : (الله تعالى).

(٤) الواو لم ترد في «ر» «س».

(٥) حكى ذلك الإيجي في المواقف : ٣٧٤ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ٤٩٥ ، وفي الطبعة الأخرى : ٣٤٠.

(٦) قد جمع الحرّ العاملي في الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ١ : ٣٦١ باب ٨٠ روايات تدلّ على المطلب تحت عنوان : إنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن وأنّ من كذب بذلك كفر.

(٧) حكي ذلك التفتازاني في شرح المقاصد ٥ : ١٠٧ ، والمصنّف في مناهج اليقين : ٤٩٥ ، وفي الطبعة الأخرى : ٣٤٠.

٥٧٢

لنا : اعدّت للمتقين ، اعدّت للكافرين ، والإعداد صريح في الثبوت ، ولقوله (١) : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) (٢) ولقصّة آدم (٣).

حجّتهما : أنّها لو (٤) كانت لهلكت (٥) لقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٦) وأيضا (٧) لقوله (أُكُلُها دائِمٌ) (٨) أي مأكولها ، ولقوله : (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٩) إنّما (١٠) تكون لو كانت في حيّزهما وإلّا قد أخلت ، ولأنّه لا فائدة في وجودها ولا انتفاع للمكلّفين (١١) بها.

والجواب أنّ المراد من الهلاك كونه مستفادا من غيره فهو بذاته هالك ، سلّمنا لكنّ الدوام محال ، لأنّ المأكول يفني (١٢) عند تناوله ، فالمراد كلّما فنيت أحدث مثلها.

وعن الثاني أنّ المراد بقدر عرض السماوات والأرض ، وجاز أن تكون خارجة.

وعن الثالث أنّه قد يكون فيه مصلحة خفيّة.

__________________

(١) في «ر» : (وقوله) ، وفي «س» : (لقوله) بدل من : (ولقوله).

(٢) النجم : ١٣.

(٣) راجع قصّة هبوط آدم من الجنّة في أوائل قصص الأنبياء للقطب الراوندي.

(٤) (لو) لم ترد في «ب».

(٥) في «ب» «د» : (تهلك).

(٦) القصص : ٨٨.

(٧) في «ب» «ر» : (وليس).

(٨) الرعد : ٣٥.

(٩) آل عمران : ١٣٣.

(١٠) في «ب» «س» : (وإنّما).

(١١) (للمكلّفين) لم ترد في «د» «ر» «س».

(١٢) في «س» زيادة : (به).

٥٧٣

والسمع دلّ على ثبوت الصراط والميزان والحساب وتطائر الكتب ، وهو ممكن فواقع (١).

[في عذاب الكافر]

قال :

مسألة : اتّفق الناس على أنّ الكافر إذا مات يعذّب دائما (٢) ، والمعتزلة على أنّ صاحب الكبيرة كذلك ، وآخرون بسقوط العقاب جزما ، وآخرون بالتوقّف ؛ وهو الحقّ.

لنا : أنّه حقّه فيجوز الأمران ، ولأنّ العفو إحسان وهو حسن ، ولقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٣) والغفران إنّما يكون للمستحقّ ، ولقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (٤) وعلى حاليّة ، ولأنّ الشفاعة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله متّفق عليها ، وليست في زيادة المنافع (٥) ، وإلّا لكنّا إذا سألنا زيادة كرامته أن يشفع فيه ؛ فبقيت في الإسقاط ، وهو العفو.

أقول :

اتّفق الجمهور على أنّ الكافر إذا مات (٦) يعذّب دائما في النار ، اختلفوا في

__________________

(١) أوائل المقالات : ٩٢ ، تصحيح الاعتقاد : ٩٢ ، شرح الأصول الخمسة : ٧٢٧ ، قواعد العقائد للغزالي : ٦٦ ، أنوار الملكوت : ١٨٠ ، المعتمد في أصول الدين : ١٧٦.

(٢) حكاه الايجي في المواقف ٣ : ٤٩٧.

(٣) النساء : ٤٨ و ١١٦.

(٤) الرعد : ٦.

(٥) في «د» : (وإنّ في زمان الماضي) بدل من : (وليست في زيادة المنافع).

(٦) (إذا مات) لم ترد في «د».

٥٧٤

صاحب الكبيرة والمراد من الكبيرة ما يزيد عقابها في كلّ وقت على ثواب فاعلها ، وإنّما اعتبرنا كلّ وقت لأنّه إذا اختلف فيه الحال فكان يزيد عقابه على ثوابه أو يساويه في وقت وينقص عنه في وقت لم يجز إطلاق الوصف بأنّه كبيرة (١) ، والمراد من الصغيرة هي ما ينقص عقابه عن ثواب فاعله في كلّ وقت ، وكلّ واحد من الصغيرة والكبيرة (٢) يذكر في مقابله (٣) طاعة ومعصية فيقال : ذنب صغير في مقابل (٤) هذه الطاعة أي ينقص عقابه عن ثوابها في كلّ وقت وفي مقابله المعصية أي (٥) ينقص عقابه عن عقاب المعصية ، وكذلك الكبيرة (٦).

إذا عرفت هذا فنقول : مذهب الأشعريّة أنّ صاحب الكبيرة يجوز العفو عنه ، وإنّ عقابه منقطع ، وهو الحقّ عندي.

وذهبت المعتزلة إلى أنّه مخلّد (٧).

وقال قوم : إنّه يسقط العقاب عنهم (٨) جزما (٩) (١٠).

والدليل على جواز العفو وجوه :

__________________

(١) في «ب» : (كبير).

(٢) في «ب» : (الصغير والكبير).

(٣) في «س» : (مسائله).

(٤) في «ب» «د» «ر» : (مقابله).

(٥) في «س» : (أن).

(٦) في «ب» : (الكبير).

(٧) شرح الأصول الخمسة : ٦٣٢.

(٨) في «ر» : (عنه).

(٩) (جزما) لم ترد في «س».

(١٠) حكى ذلك الخواجة نصير في تلخيص المحصّل : ٤٠٣.

٥٧٥

الأوّل : أنّ العقاب حقّ الله (١) تعالى فيجوز تركه.

الثاني : أنّ العفو إحسان ، والإحسان حسن ، فيجوز من الله تعالى فعله.

الثالث : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ). فنقول : أثبت الغفران ، وهو إسقاط العقاب (٢) ، وهو إمّا أن يكون إسقاطا عمّن يستحقّ عليه العقاب أو لا يكون ، والتالي (٣) باطل قطعا ، فالأوّل حقّ.

الرابع : قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) أثبت المغفرة حالة الظلم ، لأنّ «على» تدلّ على الحال.

الخامس : أنّ الشفاعة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله متّفق عليها ، فهي إمّا أن تكون في زيادة الثواب أو في إسقاط العقاب ؛ والأوّل باطل وإلّا لكنّا ـ إذا سألنا الله تعالى في زيادة ثواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ـ شافعين فيه وهو باطل ، فلم يبق إلّا أن يكون في إسقاط العقاب المستحقّ (٥) ، والشفاعة مقبولة ؛ فثبت المطلوب (٦).

[الفاسق غير مخلّد في النار]

قال :

والبلخيّ منع العفو عقلا ، والبصريّون جوّزوه عقلا لا سمعا. احتجّ البلخيّ بأنّه

__________________

(١) في «د» : (لله).

(٢) (العقاب) سقطت من «د».

(٣) في «ر» : (الثاني).

(٤) في «ب» : (ثوابها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) بدل من : (ثواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله).

(٥) في «ر» : (للمستحق).

(٦) انظر تلخيص المحصّل : ٣٩٩ ، رسائل الشريف المرتضى ١ : ١٥٠ ، الحدود والحقائق للمرتضى : ١٦٣.

٥٧٦

يكون إغراء بالقبيح لتجويز العفو. جوابه : لعلّ فيه مفسدة فلا يكون لطفا ، ولأنّه منقوض بالتوبة. فإن خلصت (١) عن الأوّل بأنّ المفسدة منتفية (٢) لأنّ العقاب أخبر الله عن ثبوته ، وعن الثاني بأنّ التردّد في حياته إلى حين التوبة زاجر (٣). قلنا : الأوّل رجوع إلى السمع ، والثاني إلى (٤) أنّ التردّد في العفو زاجر.

أقول :

ذهب أبو القاسم الكعبي إلى أنّ العفو عن الفاسق (٥) من أهل الصلاة محال عقلا ، والبصريّون جوّزوه عقلا ومنعوه سمعا.

حجّة البلخي أنّه لو جاز العفو عن الفاسق لكان ذلك إغراء له بالقبيح وباعثا له على فعله ، والإغراء بالقبيح قبيح ، فالعفو قبيح (٦) ، فلا يصحّ من الله تعالى فعله.

والجواب من وجهين :

الأوّل : أنّ العقاب وإن كان لطفا عندنا لكنّه يجوز اشتماله على نوع من المفسدة حتّى علينا فلا يكون لطفا فيمنع (٧) من الله تعالى فعله (٨) حينئذ.

الثاني : أنّ ما ذكره منقوض بالتوبة ، فإنّ الاتّفاق واقع على أنّ عند حصول

__________________

(١) في «د» : (حصلت).

(٢) في «ر» : (منفيّة).

(٣) في «د» : (زواجر).

(٤) (إلى) لم ترد في «ر».

(٥) في «د» «ر» : (الفسّاق).

(٦) قوله (فالعفو قبيح) لم يرد في «د».

(٧) في «ر» : (فيمتنع).

(٨) قوله : (والجواب) إلى هنا سقط من «د» «س».

٥٧٧

التوبة يسقط العقاب ، فيلزم أن يكون سقوط العقاب عند التوبة إغراء بالقبيح ، ولمّا كان ذلك باطلا قطعا فكذا هاهنا.

لا يقال : الجواب عن الأوّل أنّ العقاب يستحيل اشتماله على شيء من المفاسد ، لأنّ الله تعالى أخبر عن ثبوته ، وما أخبر الله عن ثبوته يكون ثابتا ، وعن الثاني أنّ الفاسق لا يقطع بتوبته (١) بعد الذنب ، بل يجوز البقاء وعدمه ، وهذا التجويز زاجر له عن فعل الذنب.

لأنّا نقول : أمّا الجواب عن الأوّل فهو اعتراف بأنّ استحقاق العقاب سمعيّ لا عقليّ ، وأمّا الثاني فلأنّا نقول : التردد في العفو وعدمه زاجر له عن فعل الذنب ، فإن كفى الأوّل كفى الثاني.

قال :

وما يذكر في القرآن من الخلود والأبديّة متأوّل ، لأنّ العبد يستحقّ الثواب (٢) قبل فسقه وبعده (٣) إن لم يستحقّ العقاب فهو مطلوبنا ، وإن استحقّ فلا يزيل الثواب ، لأنّه إمّا أن يزيل الثواب السابق من الطاري شيئا ، وهو مذهب أبي هاشم وهو الموازنة (٤) له ، أو لا يزيل وهو الإحباط مذهب أبي علي.

والأوّل باطل للزوم الدور ، ولأنّهما إن كانا متضادّين لم يمكن زوال الطاري وإلّا اجتمع النقيضان ، فإذا زال السابق لم يزل شيء ، ولأنّهما إذا تعاونا لم يكن إزالة

__________________

(١) في «ب» «د» «ر» : (ببقائه).

(٢) في «ب» «د» «ر» : (مستحق للثواب) بدل من : (يستحقّ الثواب).

(٣) في «ب» «د» «ر» : (ومعه).

(٤) الموازنة مقابلة الثواب والعقاب ويسقط استحقاق الأقل منهما بالأكثر ، ويسقط من الكثير ما يقابل الأوّل منها (الحدود والحقائق للمرتضى : ١٧٥).

٥٧٨

القليل بمساويه (١) أولى من مساويه الآخر ، والثاني باطل لأنّ من عبد الله تعالى ألف سنة ثمّ عزم على شرب الخمر لزم أن يحبط الله كلّ ذلك ، وهو قبيح عقلا (٢) لقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٣) وإذا ثبت استحقاق الثواب فلا بدّ من إيصاله إليه ، ولنفيه (٤) قبل التعذيب اتفاقا فهو بعد التعذيب ، فالخلود باطل (٥).

أقول :

لمّا ذكر الحقّ من أنّ الفاسق غير مخلّد ، أجاب عن الآيات التي يستدلّون بها من قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (٦) وغيرها من الآيات بوجه إجماليّ ، وهو التأويل بأنّ (٧) الخلود يطلق على اللبث المتطاول جمعا بين الأدلّة.

واستدلّ على وجوب انقطاع العقاب عنه بأنّه قبل فسقه مستحقّ للثواب وبعد الفسق إن لم يستحقّ العقاب فهو المطلوب ، وإن استحقّ العقاب فلا بدّ من إيصال الثواب إليه لأنّ العقاب المتأخّر لا يسقط الثواب المتقدّم ، وذلك إنّما تبيّن (٨) بعد إبطال مذهبي أبي علي وأبي هاشم من الإحباط والموازنة. أمّا أبو هاشم فإنّه قال :

__________________

(١) في «ب» «د» : (لمساويه).

(٢) في «ب» «س» زيادة : (و).

(٣) الزلزلة : ٧.

(٤) في «ب» «د» «ر» «س» : (وليس).

(٥) تلخيص المحصّل : ٣٩٧.

(٦) النساء : ٩٣.

(٧) في «ر» : (فإنّ).

(٨) في «ر» : (يتبيّن).

٥٧٩

(١) العقاب الطارئ يزيل من الثواب السابق ما يساويه ثمّ يغني ، وهو الموازنة. وأمّا أبو علي فإنّه قال : إنّ (٢) العقاب الطاري يزيل الثواب السابق بأسره ولا يغني (٣).

أمّا إبطال الموازنة فمن وجوه :

الأوّل : أنّ إعدام كلّ واحد من الشيئين بصاحبه (٤) يقتضي الدور.

الثاني : أنّ الثواب والعقاب إمّا أن يكونا متضادّين أو لا يكونا ضدّين ؛ فإن كان الأوّل لم يمكن زوال الطارئ ، لأنّه لو زال الطارئ لأجل وجود السابق والسابق موجود في أوّل زمان حدوث الطارئ فيلزم عدمه في تلك الحال ، وذلك اجتماع النقيضين ، وإن كان الثاني أمكن اجتماعهما ، وهو يبطل (٥) الموازنة.

الثالث : أنّ العبد إذا فعل ذنبا استحقّ به خمسة أجزاء من العقاب بعد استحقاقه عشرة أجزاء من الثواب بسبب طاعة سابقة لم يكن إزالة إحدى الخمستين دون الأخرى بأولى (٦) من العكس.

وأمّا إبطال الإحباط فلأنّ من عبد الله تعالى ألف سنة ثمّ عزم على معصية لزم أن يحبط الله كلّ ذلك ، وهو قبيح عقلا ، ولقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وكلمة «من» إذا كانت شرطا للعموم ، وإذا ثبت أنّ الفاسق يستحقّ الثواب فإن لم يصل إليه كان ظلما ، وإن وصل إليه قبل العقاب كان

__________________

(١) في «ب» زيادة : (إنّ).

(٢) (إنّ) لم ترد في «ر».

(٣) قواعد العقائد : ٤٦٧ المطبوع ذيل تلخيص المحصّل وحكاه عنهما البريدي في الحدود والحقائق : ٢٣١.

(٤) في «د» : (لصاحبه).

(٥) (يبطل) لم ترد في «د».

(٦) في «ب» «د» : (أولى).

٥٨٠