معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

أقول :

هذا جواب الوجه الثاني ، وهو أوّلا بمنع (١) وجود الكلّيّ في الذهن ، وتقريره من وجوه :

أحدها : الذهن إن طابق الخارج لزم وجود الكلّيّ في الخارج وهو محال ، ولأنّه يلزم إبطال الدليل ، وإن لم يطابق فهو جهل.

وثانيها : الكلّيّ إمّا مقوّم للجزئي ، وإمّا عارض له ، ومقوّم الشيء والعارض له يستحيل عروضه لغيره.

وثالثها : الذهن شخصيّ ، فالعرض الحالّ فيه شخصيّ ، فلا كلّي ، وبأنّها (٢) لو سلّم وجود الكلّيّ في الذهن لكنّه صورة شخصيّة حالّة في نفس جزئيّة ، وتؤخذ من حيث هي هي ، فتكون كلّيّة.

فنقول : لم لا يجوز أن يكون النفس جسما وتكون هذه الصورة (٣) حالّة فيه وتكون جزئيّة من حيث حلولها في هذا الجسم وكلّيّة من حيث هي هي؟

قال :

والثالث : بمنع المقدّمتين معا إذا الجسمانيّة تقدّر على سبيل الوساطة لا البدائيّة (٤) ، وعندكم النفس قابلة للمعقولات.

أقول :

هذا جواب الوجه الثالث وهو بمنع المقدّمتين معا ؛ أمّا الصغرى فلأنّ عندكم

__________________

(١) في «ب» : (إنّا أوّلا نمنع) ، وفي «د» : (أوّلا منع) بدل من : (أوّلا بمنع).

(٢) في «ب» «ج» «ر» : (ثانيا).

(٣) في «ر» : (الصور).

(٤) في «ب» «د» : (المبدئية).

٥٤١

القوّة الجسمانيّة تقوى على ما لا يتناهى لا بذاتها (١) بل بواسطة انفعالها عن المفارق ، والذي منعتم منه (٢) كونها مستقلّة بذاتها بالإيجاد ، وأمّا الكبرى فلأنّ النفس لا تعقل ما لا يتناهى ، نعم تقبل صورا عقليّة لا تتناهى ، والتعقّل عندكم قبول أثر لا أثر ، والقوى الجسمانيّة تقبل آثارا لا تتناهى بالاتّفاق ، فلم لا يجوز أن تكون النفس جسمانيّة ، وهي قابلة؟

قال :

والرابع : يجوز حصول شرط لها أو فقدان مانع ، على أنّ التعقّل ليس الحصول ، وأقوى المذاهب هذان وأثبتهما (٣) قوم ، وأمّا ما يقال غير هذا ففاسد أخذوا مكان الشيء شرطه أو شرط لازمه كمن يقول : هو الله تعالى أو الماء أو النفس ، إلى غير ذلك ، وبراهينهم عواقر.

أقول :

جواب الوجه الرابع أن نقول : لم لا يجوز أن يكون المنطبع في الآلة يختلف حاله في التعقّل بالنسبة إلى حصول شرط للتعقّل (٤) أو (٥) فقدان المانع فيعقل مع هذين ، ويفقد التعقّل مع فقد أحدهما ، فلا يجب دوام التعقّل ولا عدمه ، على أنّ هذا الدليل مبنيّ على أنّ التعقّل يستدعي حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم.

__________________

(١) في «ج» «ر» : (لذاتها).

(٢) في «د» : (من).

(٣) في «د» : (هذا وأثبتها) بدل من : (هذان وأثبتهما).

(٤) في «ج» «ر» : (التعقّل).

(٥) في «د» : (و).

٥٤٢

واعلم أنّ أقوى المذاهب هذان المذهبان ، وهاهنا مذاهب اخرى منها : قول من قال : إنّ النفس هو (١) الله تعالى.

ومنها : قول من قال : إنّ النفس هي (٢) المزاج (٣) ، ومنها : قول من قال : إنّ النفس هي (٤) الماء (٥) ، ومنها : قول من قال : إنّ النفس هي النفس (٦) ، ومنها : قول (٧) من قال : إنّ النفس هي النار (٨) ، وقيل : الهواء (٩) ، وغير ذلك من المذاهب السخيفة (١٠).

وسبب غلط هؤلاء أخذ شرط الشيء مكانه ، أو أخذ شرط (١١) لازم الشيء مكان الشيء فإنّ من قال : إنّ النفس هي المزاج أخذ شرط الشيء مكانه ، ومن قال : إنّه الهواء أو الماء أخذ شرط لازم الشيء (١٢) وهي الحياة مكانه ، وبراهينهم عقيمة.

__________________

(١) في «ب» : (هي).

(٢) في «د» : (هو) بدل من : (هي).

(٣) حكاه الفخر الرازي في الأربعين في أصول الدين : ٢٦٦.

(٤) في «د» : (هو) بدل من : (هي).

(٥) حكاه عن طاليس المالطي في الأربعين في أصول الدين : ٢٦٥.

(٦) حكاه عن ديوجانس في البراهين في علم الكلام ١ : ٢٧٣.

(٧) في «ب» : (ومنهم) بدل من : (ومنها : قول).

(٨) حكاه عن أفلوطرخس في البراهين في علم الكلام ١ : ٢٧٢.

(٩) حكاه عن ديوجينوس في الأربعين في أصول الدين : ٢٦٥.

(١٠) انظر شرح المصطلحات الكلاميّة : ٣٧١.

(١١) (شرط) لم ترد في «س».

(١٢) (شيء) لم ترد في «د».

٥٤٣

[في حدوث النفس]

قال :

وهي حادثة على مذهبنا وهو ظاهر ، واستدلّ أرسطو بأنّها لو كانت قديمة لزم التعطيل أو قدم الأبدان وهما محالان ، أو التناسخ (١) وهو محال لما يأتي (٢).

أقول :

اختلف الناس في حدوث النفس ، فمن قال : إنّ العالم حادث قال : النفس حادثة ، لأنّها من جملة العالم ، ومن أنكر ذلك اختلفوا فذهب أرسطو إلى حدوثها (٣) وأفلاطون إلى قدمها (٤).

واحتجّ (٥) أرسطو بأنّها لو كانت قديمة لكانت إمّا متعلّقة ببدن أو لا ، والثاني يلزم منه تعطيل النفس ، والأوّل إمّا أن يكون البدن واحدا ويلزم منه القدم أو أبدانا (٦) كثيرة متعاقبة لا نهاية لها ويلزم منه التناسخ ، والأقسام بأسرها باطلة.

وأيضا فالنفس في الأزل إمّا أن تكون واحدة أو كثيرة ؛ فإن كانت واحدة فبعد

__________________

(١) التناسخ عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر من غير تخلل زمان بين التعلقين للتعشق الذاتي بين الروح والجسد (التعريفات : ٣١ ، جامع العلوم ١ : ٣٥٤ ، اللوامع الإلهيّة : ٣٧٤).

(٢) (لما يأتي) ليست في «د».

(٣) حكاه في الشفاء (الطبيعيّات) ٢ : ١٩٧ ، المطالب العالية في العلم الإلهي ٧ : ١٨٩ ، المباحث المشرقيّة ٢ : ٣٩٩ ، المحصل : ٥٤٣ ، تلخيص المحصل : ٣٨٣ ، الأسرار الخفيّة للمصنّف : ٣٩٧.

(٤) انظر المعتبر في الحكمة ٢ : ٣٦٨ ، المطالب العالية ٧ : ١٩٠ ، شرح حكمة الإشراق لقطب الدين الشيرازي : ٤٧٧ ، شرح المقاصد ٣ : ٣٢٥ ، الأسرار الخفيّة للمصنّف : ٣٩٩.

(٥) في «ب» «د» «س» : (احتجّ).

(٦) في «ب» : (أبدان).

٥٤٤

تعلّقها بالبدن إن بقيت على وحدتها كانت نفس زيد هي نفس عمرو ، هذا خلف ، وإن تغايرت بالقسمة كانت ذات مقدار ، هذا خلف ، وإن كانت في الأزل متكثّرة فإمّا أن تكون كثرتها بالماهيّة أو بالعوارض ؛ والأوّل باطل لأنّ النفوس متّحدة بالنوع ، والثاني باطل لأنّ الامور العارضة إنّما تعرض بواسطة المادّة ، فقبل حصول البدن لا مادّة فلا تكثّر (١) ، وعندي في الحجّتين نظر.

قال :

وعلّة حدوثها استعداد المزاج.

أقول :

هذا تفريع على مذهب أرسطو القائل بالحدوث والإيجاب (٢) ، فإنّ النفس إذا كانت حادثة استحال استنادها إلى علّة قديمة وإلّا لزم قدمها ، لكنّ واجب الوجود قديم فلا تستند إليه لحدوثها ، والحادث لا يصحّ وجوده إلّا بعد سبق استعداد للمادّة (٣) والاستعداد هاهنا هو بحصول المزاج الملائم للنفس فيفيض النفس حينئذ.

وأمّا على مذهبنا فالفاعل لها هو الله تعالى بالاختيار.

قال :

وهو كيفيّة متوسّطة بين متضادّات متفاعلة بعضها في بعض ، ومن ظنّ أنّ الصور (٤) تبطل أخطأ لأنّه يكون كونا وفسادا.

__________________

(١) انظر المباحث المشرقيّة ٢ : ٤٠٠ ، المطالب العالية ٧ : ١٨٩.

(٢) في «ر» : (والإيجاد).

(٣) في «ج» «ر» : (المادّة).

(٤) في «د» : (الصورة).

٥٤٥

أقول :

لمّا ذكر أنّ النفس تتوقّف على استعداد المزاج عرّف المزاج بأنّه كيفيّة متوسّطة بين كيفيّات متضادّة متفاعلة بعضها في بعض ، تكسّر كلّ واحد (١) منها سورة الآخر حتّى تستقرّ الكيفيّة المتوسّطة ، مثلا الحارّ عشرة أجزاء والبارد خمسة أجزاء ، فإنّ سورة كلّ واحد منهما تنكسر بالآخر ، ويحصل كيفيّة هي الفتورة نسبتها إلى الحرارة والبرودة كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء (٢).

واعلم أنّ عند امتزاج العناصر لا بدّ وأن تفعل كلّ واحد منها في الآخر ، فالفاعل إن كان هو الكيفيّة والمنفعل هو الكيفيّة كان المغلوب غالبا إن كان أحد الأمرين (٣) متقدّما وإلّا لزم حصول كلّ واحد من الممتزجين على صرافته حال انكساره ، هذا خلف ، فإذن (٤) الفاعل هو الصورة والمنفعل هو المادّة في الكيفيّة.

وقد ذهب قوم من القدماء إلى أنّ عند الامتزاج تفسد الصورة وتوجد صورة اخرى للممتزج ، وهو باطل وإلّا كان فسادا لتلك الصورة وكونا لهذه الصورة ، ولم يكن امتزاجا ، هذا خلف (٥).

قال :

سؤال : الفاعل الصورة بواسطتها. جواب : المنفعل المادّة فيها لا (٦) هي.

__________________

(١) في «ب» : (واحدة).

(٢) انظر الشفاء (الطبيعيّات) ٢ : ١٣٣ ، المعتبر في الحكمة ٢ : ١٧٢ ، الأسرار الخفيّة للمصنّف : ٣٤٢.

(٣) في «س» : (الأثرين).

(٤) في «س» : (فإنّ).

(٥) الشفاء (الطبيعيّات) ٢ : ١٣٣ ، المباحث المشرقيّة ٢ : ١٦٢ ، الأسرار الخفيّة للمصنّف : ٣٤٥.

(٦) في «د» : (ألا).

٥٤٦

أقول :

تقرير السؤال : أنّ الصور إذا كانت فاعلة والكيفيّات منفعلة لزم إبطال قاعدتين للحكماء إحداهما : أنّ الصور إنّما تفعل بواسطة الكيفيّات ، والثانية : أنّ الكيفيّات الفعليّة لا تكون منفعلة ، فإذن الصور (١) إنّما تفعل بواسطة الكيفيّات ، وحينئذ ، يعود ما ذكرنا من المحال ، وهو كون المغلوب غالبا و (٢) حصول الانكسار وعدمه دفعة.

والجواب أنّ الصور (٣) تفعل في موادّها بذاتها الكيفيّة التي تلائمها وتفعل في غير موادّها نقصان الكيفيّة التي تلائم صور (٤) تلك المواد ، وإنّما تفعل الكيفيّة التي تلائمها في غير موادّها بواسطة تلك الكيفيّة ، مثلا الصورة الناريّة تفعل في مادّة النار الحرارة بذاتها لا بواسطة حرارة اخرى وتفعل في مادّة الماء نقصان البرودة ، وإنّما (٥) تفعل فيها الحرارة بواسطة الحرارة التي لها ، وأمّا المنفعل فليس هو الكيفيّات بل هو المادّة في الكيفيّات.

[في انعدام النفس وعدمه]

قال :

ويجوز عدمها لإمكانها واجتماع القبول والحفظ في شيء ممكن.

__________________

(١) في «ج» «ر» : (الصورة).

(٢) في «ر» : (أو).

(٣) في «د» : (الصورة).

(٤) في «ر» : (الصور).

(٥) في «د» : (فإنّما).

٥٤٧

أقول :

مذهب الجمهور من الحكماء أنّ النفس لا تعدم ، وهو (١) مذهب جماعة من المسلمين (٢) ، وقيل بجواز ذلك وهو الحقّ ، والدليل عليه أنّها ممكنة الوجود والعدم فيصحّ عدمها.

واحتجّت الفلاسفة بأنّ النفس لو صحّ عدمها لكانت من حيث هي موجودة فيها حفظ البقاء ، ومن حيث يصحّ عدمها فيها قبول العدم ، وهما عرضان متغايران ، ولا يجوز أن يكون ما يحفظ البقاء يقبل العدم ، وإلّا لكان كلّ حافظ للبقاء كذلك ، فإذن القابل للعدم ليس هو الحافظ للوجود فيكون كلّ قابل للعدم مركّبا والنفس غير مركّبة.

وهذه الحجّة عندي باطلة فإنّه لا استبعاد في اجتماع القبول والحفظ لشيء واحد ، وإلّا لزم نفي الإمكان ، هذا خلف.

[في إدراك النفس للجزئيّات وعدمه]

قال :

ولا تعقل الجزئيّات لذاتها لإدراك مربّعين متساويين يتخلّلهما آخر ، ولا مائز إلّا المحلّ وليس خارجيّا (٣) فهو ذهنيّ.

أقول :

ذهبت الفلاسفة إلى أنّ النفس لا تدرك الجزئيّات بذاتها ، بل لا بدّ لها من آلات

__________________

(١) في «د» : (وهذا).

(٢) الإشارات والتنبيهات مع الشرح ٣ : ٢٩٠ ، وحكاه الفخر الرازي في المطالب العالية ٧ : ٢٣٥.

(٣) في «د» : (خارجا).

٥٤٨

تنطبع تلك الجزئيّات فيها فتدركها النفس (١) ، واحتجّوا على ذلك بأنّا ندرك مربّعين متساويين يتخلّلهما مربّع آخر وندرك التفرقة بينهما بالمائز (٢) بين المربّعين ليس أمرا خارجيّا ، لأنّا نفرض المربّعين في الذهن فلم يبق المائز (٣) إلّا بالمحلّ ، وهو أن يكون أحد المربّعين حالّا في محلّ ، والآخر حالّ (٤) في الآخر (٥) ، وما ليس بجسم لا ينقسم ، فمحلّ المربّعين جسم ، وهو آلة النفس (٦).

[في آلات النفس]

قال :

وآلاتها حسّ مشترك لإدراك النقطة خطّها (٧).

أقول :

لمّا فرغ من إثبات النفس وأحكامها شرع في آلاتها.

واعلم أنّ النفس لمّا لم تدرك الجزئيّات بذاتها ـ على ما مرّ ـ ولا تدرك الكلّيّات إلّا باقتناصها من الجزئيّات وجب في حكمة الله تعالى خلق آلات للنفس تدرك بها الامور الجزئيّة والآلات النفسانيّة ، إمّا آلات التأدية وإمّا آلات الإدراك ، والصنف الأوّل هي الحواس الظاهرة الخمس ، فإنّها تؤدّي المحسوسات إلى الآلات الباطنة التي هي آلات الإدراك.

__________________

(١) حكاه الخواجة نصير الدين الطوسي في تلخيص المحصّل : ٣٨٨ عن أرسطاطاليس وأبي علي.

(٢) في «د» «ر» : (فالمائز).

(٣) في «د» : (التمايز).

(٤) في «ج» «ر» : (حالّا).

(٥) في «ب» «د» «ر» «س» : (آخر).

(٦) تلخيص المحصّل : ٣٨٨.

(٧) في «ب» «د» «ر» «س» : (خطا).

٥٤٩

فأوّل الآلات الباطنة الحسّ المشترك ، وهو قوّة مرتبطة (١) في مبادي عصب الحسّ في مقدّم الدماغ ، وسمّيت حسّا مشتركا لاشتراك الحيوانات فيها ، ولتأدية الحواس بأسرها إليها ، وهي تدرك صور المحسوسات.

واستدلّوا على ثبوتها بأنّا نرى القطرة النازلة خطّا مستقيما ، والبصر إنّما يدرك ما يقابله ، والمقابل له نقطة ، والمرئي خطّ والسبب فيه أنّ البصر إذا أدرك النقطة في مكان ارتسم ذلك في الحسّ المشترك ، ثمّ إنّ النقطة تنتقل عن ذلك المكان إلى آخر فيدركها البصر في المكان الثاني (٢) ويتأدّى إلى الحسّ المشترك قبل زوال الحصول في المكان الأوّل عنه فيحصل نقطتان (٣) في سمت واحد فيحصل خطّ (٤).

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون ذلك في البصر لا في آلة (٥) اخرى؟ وأيضا فلم لا يجوز أن يكون اتّصال الارتسامات في الهواء بسبب حصول النقطة في مكان ، فإنّ الهواء المحيط بها متشكّل بشكلها ثمّ تنتقل إلى مكان آخر قبل زوال التشكّل (٦) الأوّل فيحصل الخطّ في الهواء؟

لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ ذلك قول بأنّ البصر لا يدرك إلّا المقابل أو ما هو في حكم المقابل ، وعن الثاني أنّ (٧) ذلك يقتضي الخلأ لأنّ بقاء النهايات المحيطة

__________________

(١) في «ب» : (مرتّبة).

(٢) (الثاني) ليست في «س».

(٣) في «ج» : (نقطة).

(٤) شرح مائة كلمة لابن ميثم : ٨ ، شرح التجريد (تحقيق الزنجاني) : ٢١١ و ٢١٢ وفي طبعة الآملي :

٢٩٥ ، المواقف : ٢ : ٥٩١ ، قواعد المرام : ١٥٥.

(٥) (آلة) لم ترد في «د».

(٦) في «ب» «س» : (الشكل).

(٧) في «ر» : (بأنّ).

٥٥٠

بالنقطة بعد خروجها عنها يقتضي إحاطة الهواء على ذلك الشكل بالخلاء.

وفي الجواب الأوّل نظر.

وقد يستدلّون عليها بالصور التي يشاهدها المرضى والنائمون وغير ذلك من الأدلّة الضعيفة (١).

قال :

وحافظة له (٢) لتعدّد الفواعل بسبب الأفعال.

أقول :

هذه الآلة (٣) الثانية وهي الخيال (٤) تحفظ ما أدركه الحسّ المشترك بعد الغيبوبة عنه ، فإنّ الصورة إذا كانت مشاهدة كانت حاصلة في الحسّ المشترك ، وإذا كانت متخيّلة كانت حاصلة في الخيال ، واستدلّوا على ثبوتها بأنّها حافظة والحسّ المشترك قابل ، والحافظ يغاير القابل لوجهين :

الأوّل : أنّ القبول والفعل أثران مختلفان فلا بدّ من مؤثّرين متغايرين.

الثاني : أنّ الماء يقبل ولا يحفظ فدلّ على التغاير ، وهي مرتبة في التجويف الأوّل من الدماغ في الجانب الآخر (٥) يحفظ ما أدركه الحسّ المشترك (٦).

قال :

ووهم يدرك الجزئي الغير المحسوس.

__________________

(١) انظر تلخيص المحصل : ٣٨٨ و ٣٨٩.

(٢) (له) لم ترد في «ج» «ر».

(٣) في «س» : (الأدلّة).

(٤) في «س» : (للحال).

(٥) في «س» : (الأخير).

(٦) قواعد المرام في علم الكلام : ١٥٥ ، انظر شرح التجريد : ٢١٣ وفي الطبعة الأخرى ٢٩٧.

٥٥١

أقول :

هذه هي (١) القوّة الثالثة ، وهي القوّة الوهميّة المدركة للمعاني الجزئيّة المتعلّقة بالأشخاص كصداقة زيد وعداوة عمرو ، وهي مرتّبة في الدماغ بأسره لا سيّما التجويف الأوسط منه ، واستدلّوا على ثبوتها بكونها مدركة ، وعلى مغايرتها للحسّ بأنّها تدرك ما لا يكون محسوسا ، وعلى مغايرتها للنفس بأنّها تدرك الجزئيّات (٢).

قال :

وحافظة ومفكّرة.

أقول :

الحافظة للقوّة الوهميّة هي القوّة الذاكرة ، وهي مرتّبة في التجويف الأخير من الدماغ ، واستدلّوا على مغايرتها للوهم بمثل ما مضى في الخيال.

وأمّا المفكّرة فهي القوّة التي تركّب بعض الصور المأخوذة بالحسّ المشترك ببعض وتفصل بعضها عن بعض ، وتركّب (٣) وتفصّل بين المعاني (٤) وبين الصور والمعاني ، فإن استعملها العقل فهي مفكّرة وإن استعملها الوهم فهي مخيلة (٥) ،

__________________

(١) (هي) لم ترد في «د» «س».

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٢٤ ، شرح التجريد (تحقيق الزنجاني) : ٢١٣ ، وفي طبعة تحقيق الآملي : ٢٩٧.

(٣) في «ر» : (فتركّب).

(٤) في «د» زيادة : (والصور).

(٥) في «ج» «ر» : (متخيّلة).

٥٥٢

واستدلّوا على مغايرتها للأوّل (١) بأنّ أثرها مخالف لأثر أولئك (٢).

قال :

وهي واحدة لاتّحاد حدّها وتختلف بالشرف بسبب الخواصّ النفسانيّة كالنبوّة.

أقول :

المشهور عند الأوائل أنّ النفوس البشريّة متّحدة بالنوع (٣) ، ونقل عن جالينوس (٤) أنّها مختلفة ، والأقرب الأوّل ، واحتجّوا على ذلك بأنّها يشملها حدّ واحد ، فلو كانت مختلفة في الحقيقة لاستحال جمعها في حدّ واحد ، وهذه الحجّة لا تخلو عن دور ، واختلاف النفوس بسبب الشرف و (٥) بحسب الخواصّ النفسانيّة كالنبوّة لا (٦) يؤثر في التماثل الذاتي.

[الكلام في نفوس البهائم]

قال :

واختلفوا في نفوس البهائم وتوقّف الشيخ فيها.

__________________

(١) في «د» : (الأولى).

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٢٤.

(٣) في «د» «ر» : (في النوع).

(٤) قال في طبقات الأطباء ١ : ١٠٨ جالينوس خاتم الأطباء الكبار المعلمين ، وهو الثامن منهم ، وهو عند ما ظهر وجد صناعة الطب قد كثرت فيها أقوال الأطباء السوفسطائيين فأبطل آراء أولئك وشيّد كلام أبقراط وآراءه ، وصنف في ذلك كتبا كثيرة ، ومدّة حياته سبع وثمانون سنة.

(٥) الواو من «ر».

(٦) في «د» : (ولا).

٥٥٣

أقول :

اختلف الناس في إثبات نفوس (١) البهائم فأثبتها قوم ونفاها آخرون.

احتجّ المثبتون بأنّ البهائم تدرك الامور الجزئيّة فهي مدركة للأمور الكلّيّة لأنّ مدرك المركّب مدرك لأجزائه ، ومدرك الامور الكلّيّة جوهر مجرّد ، والأولى نفيها.

وهذه الحجّة ضعيفة فإنّ كون الكلّي جزءا من الأمر (٢) الجزئي أمر يعتبره العقل ، والبهائم إذ ليس لها عقل فلا تدرك الكلّيّ ، وإن كان جزءا من الجزئي عند العقل.

[الكلام في الجنّ]

قال :

والجنّ أنكرها قوم وعلى قواعدنا ممكنة.

أقول :

اختلف الناس في الجنّ فأثبتها جماعة ونفاها آخرون ، والمثبتون (٣) قالوا : إنّها أجسام (٤) لطيفة قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة (٥) ، ومنع (٦) النفاة هذا وقالوا : إنّها إن كانت لطيفة وجب تشويشها (٧) وفساد تراكيبها (٨) ، وإن كانت كثيفة وجب

__________________

(١) في «ب» : (النفوس).

(٢) في «د» : (وأمر الأمر) بدل من : (من الأمر).

(٣) في «س» : (فالمثبتون).

(٤) في «س» : (الأجسام).

(٥) حكاه الرازي في تفسيره ١ : ٧٦ وج ٢ : ١٦٠ ، تفسير البيضاوي ١ : ٢٧٩.

(٦) في «ب» «ج» «س» : (منعهم) ، وفي «د» : (منعوهم).

(٧) في «س» وهامش نسخة «د» : (تشوشها).

(٨) في «ب» «د» : (تراكبها).

٥٥٤

أن يشاهدها كلّ من له حسّ سليم (١).

واعلم أنّ وجود جسم لطيف بمعنى الشفافيّة لا بمعنى الرقّة (٢) أمر ممكن ، وهو المعني بإمكان الجنّ ، ونقل عن بعض المعتزلة أنّ الملائكة والجنّ والشياطين من نوع واحد ، ويختلفون باختلاف الآثار ؛ فالذين لا يفعلون إلّا الخير هم الملائكة ، والذين لا يفعلون إلّا الشرّ هم الشياطين ، والذين يتوسّط أفعالهم بين الخير والشرّ هم الجنّ.

والأخبار التي وردت بمشاهدة الجنّ لبعض الناس تلقّته الفلاسفة بالقبول ، وأسندوه إلى الخيال ثمّ ارتسامه في الحسّ المشترك (٣).

[في نفوس السماء]

قال :

وأثبتوا نفوس السماء بتحرّكها اختيارا إذ الطبع لا يطلب متروكه فلا قسر ، وأقوى قولهم فيها : إنّها مفارقة وإرادتها بالحركة التشبّه بالعقل في استخراج كمالاتها إلى الفعل وإلّا لوقفت.

أقول :

قد بيّنّا أنّ الحركة لا تصدر عن ذات (٤) الجسم ، وإنّما تصدر عن قوّة اخرى ، وهي إمّا طبيعيّة أو قسريّة أو إراديّة ، والحركة الدوريّة لا يمكن أن تكون طبيعيّة

__________________

(١) حكاه الرازي في تفسيره ١ : ٧٦ وج ٢ : ١٦٠ ، تفسير البيضاوي ١ : ٢٧٩.

(٢) في «ج» «ر» : (رقّة القوام) بدل من : (الرقّة).

(٣) انظر شرح المقاصد ٢ : ٥٤.

(٤) في «س» : (الذات).

٥٥٥

لأنّ الطبيعي لا يكون طلبه فهو (١) بعينه تركه ، والحركة الدوريّة (٢) كذلك فهي ليست طبيعيّة ، وإذا لم تكن طبيعيّة لم تكن قسريّة لأنّ القسر (٣) على خلاف الطبع (٤) ، وحيث لا طبع فلا قسر ، فهي إذن إراديّة ، والإرادة لا تكون إلّا لنفس مريدة ، فالحركة السماويّة تستند (٥) إلى النفس.

ثمّ اختلفوا فيها فتارة يقولون : إنّها منطبعة في جسم الفلك لمباشرتها الحركات الجزئيّة ، وتارة يقولون : إنّها (٦) مفارقة له ، وهو المشهور عند المتأخّرين ، واحتجّوا عليه بأنّ الحركة السماويّة لا بدّ لها من غاية وإلّا لما دام الطلب ، وتلك الغاية إمّا أن تكون حاصلة وهو محال أو لا تكون حاصلة بأن (٧) لم يمكن حصولها البتّة لزم المحال أيضا ، فلا بدّ وأن يكون ممّا يمكن تحصيلها (٨) ، فإن كان دفعة لزم وقوف الحركة عند الانتهاء إلى الغاية فينقطع الزمان ، هذا خلف. وإن كان على التدريج فهو المطلوب.

ثمّ ذلك الكمال الحاصل بالحركة لا يجوز أن يكون هو الحركة (٩) لأنّها ليست من الكمالات الحسيّة والعقليّة ، ولا يجوز أن يكون ذاتا أو صفة ذات يمكن حصولها ،

__________________

(١) في «ج» «د» : (هو).

(٢) قوله : (لا يمكن أن) إلى هنا سقط من «س».

(٣) في «س» : (الطبع).

(٤) إلى هنا توقفت نسخة «ج» عن مواصلة الطريق.

(٥) في «س» : (السماوة تستدل) بدل من : (السماويّة تستند).

(٦) قوله : (منطبعة) إلى هنا سقط من «س».

(٧) في «س» «د» : (فإن) ، وفي «ر» : (كأن).

(٨) في «د» : (حصولها).

(٩) في «س» : (للحركة).

٥٥٦

فلا بدّ وأن يكون ذلك الكمال هو التشبيه (١) بالعقل الفعّال (٢) في استخراج الكمالات من القوّة إلى الفعل ، فهذا هو غاية الحركة الفلكيّة.

ثمّ لمّا كان الفلك كاملا في ذاته وصفاته كأينه وكمّه وكيفه لم يكن له كمال مفقود في هذه الأشياء يطلب بالحركة التشبّه بالعقل في الخروج منه إلى الفعل فلم يبق له سوى الوضع ، وأثبتوا عقولا مختلفة بحسب اختلاف الحركات وإلّا لكان التشبّه واحدا ، وهذا (٣) التكثّر في العقول بسبب تكثّر الحركة الفلكيّة أو بسبب تكثّر الحركة الفلكيّة والكوكبيّة.

المشهور هو الثاني وهو الأولى على اصولهم.

[إمكان خلق عالم آخر]

قال :

مسألة : يمكن خلق آخر لقوله (٤) (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (٥) ولأنّ الاستحالة إن كانت ذاتيّة استحال الأوّل فتكون عارضة يمكن زوالها.

__________________

(١) في «ر» : (التشبّه).

(٢) ذكر الخواجة في تلخيص المحصّل : ٥٠٠ أنّ العقل الفعّال هو الذي يكون فيه جميع المعقولات مرسّما ، ويخرج العقول الإنسانيّة من القوّة إلى الفعل ، وفي شرح المقاصد ١ : ٩٥ إنّ جميع صور الكائنات وأحكام الموجودات والمعدومات مرتسمة في جوهر مجرّد أزلي يسمّى بالعقل الفعّال.

(٣) في «د» : (هو).

(٤) في «س» : (بقوله).

(٥) يس : ٨١.

٥٥٧

أقول : اختلف الناس في أنّه هل يمكن أن يخلق الله تعالى عالما آخر غير عالم الأفلاك والعناصر؟ فأثبته المسلمون ونفاه الفلاسفة.

احتجّ المسلمون بقوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) وثبوت السمع لا يتوقّف على هذه المسألة فجاز إثباتها به (١).

وأيضا فإنّا نقول : لو استحال وجود عالم آخر مساو لهذا العالم لكانت تلك الاستحالة إمّا أن تكون ذاتيّة أو عارضيّة ؛ فإن كان الأوّل لزم استحالة وجود هذا العالم المساوي له ، لأنّ حكم المتساويين في الصحّة والامتناع واحد ، وإن كان الثاني لزم المطلوب ، لأنّه على تقدير زوال ذلك العارض تزول الاستحالة فيمكن حينئذ خلق آخر.

قال :

احتجّت الفلاسفة بأنّ العالم كرة ، فلو خلق آخر تلاقت (٢) ، فحصل الخلأ ، ولأنّ الأرض الثانية (٣) حاصلة في وسط عالمها بالطبع وخارجة عن وسط العالم الآخر بالطبع.

أقول :

احتجّت الفلاسفة بوجهين :

__________________

(١) في «س» : (بها).

(٢) في «د» : (تلاصقت).

(٣) في «د» : (الفانية).

٥٥٨

أحدهما : عام وهو أنّ العالم كرة ومتى كان كذلك لم يمكن خلق آخر ، أمّا الصغرى فيدلّ عليها أنّ الشكل الذي تقتضيه الطبائع البسيطة هو الكرة لأنّ فعل القوّة الواحدة في (١) المادّة الواحدة (٢) فعل متساو.

وأيضا فإنّا (٣) إذا شاهدنا كسوفا قمريّا ببلاد المشرق في أوّل الليل فإنّا نشاهده في تلك الحالة ببلاد (٤) المغرب في آخره.

ولأنّ السائر إذا أمعن في جانب الشمال خفيت عنه الكواكب الجنوبيّة وظهر (٥) له من الكواكب الشماليّة ما لم يكن ظاهرا ، وكذلك الحال في العكس.

وأمّا الكبرى فلأنّه لو وجد عالم آخر لزم تلاقي الكرتين فيحصل الخلأ وهو محال.

وأمّا الوجه الخاص فهو أنّا لو فرضنا أرضا اخرى في وسط العالم الآخر لزم أن تكون تلك (٦) الأرض خارجة عن وسط هذا العالم بالطبع (٧) وطالبة لذلك الوسط بالطبع ، فالمكانان (٨) طبيعيّان ، هذا خلف (٩).

__________________

(١) (في) لم ترد في «د».

(٢) (الواحدة) لم ترد في «س».

(٣) في «د» : (فلأنّا).

(٤) في «د» : (الحال بلاد).

(٥) في «س» : (ظهرت).

(٦) (تلك) لم ترد في «ر».

(٧) (بالطبع) لم ترد في «ر».

(٨) في «د» «س» : (والمكانان).

(٩) المواقف للايجي ٢ : ٦٦٠.

٥٥٩

قال :

جواب الأوّل منع الكريّة (١) واستدلالهم بتخالف الجهات على محدّد كري ممنوع لتخالفها (٢) واحتياجها لمثل (٣) جسم (٤).

قولهم : المجرّد نسبته بالسويّة ممنوع لجواز اقتضائه لذاته وكريّته ممنوعة ونمنع الاحتياج إلى طبعه (٥) ومعه جاز تخالفهما أعني العالمين ، ومعه تجوز تخصيصها كالمدرة (٦).

أقول :

أجاب عن الحجّة الأولى للفلاسفة بأنّ منع كرية العالم وما ذكروه من أنّ الطبيعة لا تفعل أفعالا مختلفة ضعيف لجواز أن يفعل المختلف عند تكثّر الآلات والشروط وغير ذلك ممّا يختلف بسببه أثر العلّة (٧).

وأمّا رصد الكسوف وإظهار ما كان خفيّا عند السابر فلا يدلّان على الكرية بل على ظنّ القرب منها.

ثمّ إنّهم استدلّوا على كرية العالم بوجه آخر ، وهو أنّهم قالوا : الجهات منها :

__________________

(١) في «ر» «س» : (الكرويّة).

(٢) في «س» : (لمخالفها) ، وفي «ر» : (تخالفها) ، وفي «د» : (لتخالفهما).

(٣) في «ب» : (إلى).

(٤) في «ر» : (إلى جسم) بدل من : (إلى جسم) ، و (لمثل جسم) لم ترد في «ر».

(٥) في «ر» : (طبيعه) ، وفي «د» : (طبيعته).

(٦) وهي التراب المتلبد ، قال الأزهريّ : المدر قطع الطين ، وبعضهم يقول : الطين العلك الذي لا يخالطه رمل (المصباح المنير : ٥٦٦).

(٧) (أثر العلّة) لم يرد في «د».

٥٦٠