معارج الفهم في شرح النظم

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

معارج الفهم في شرح النظم

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-218-3
الصفحات: ٦٤٤

قال :

ولأنّ البطء ليس لتخلل السكون وإلّا لخفيت (١) حركات السهم ، فالسريع إذا تحرّك جزء تحرّك البطيء أقلّ.

أقول :

الحركة قد توصف بالسرعة والبطء ، فعند الحكماء أنّهما كيفيّة واحدة قائمة بالحركة قابلة للشدّة والضعف ، و (٢) يعرض لها الإضافة (٣).

وعند المتكلّمين أنّ البطء والسرعة إنّما يحصل للحركة بسبب (٤) تخلّل السكون وعدمه ؛ فالحركة الخالصة (٥) من السكنات في غاية السرعة ، والمشوبة بها بطيئة ، ويختلف مراتبه بحسب اختلاف مراتب كثرة السكنات وقلّتها (٦).

واستدلّ الأوائل على مذهبهم بأنّ البطء لو كان بسبب تخلّل السكون لكان نسبة البطء إلى السرعة كنسبة كثرة السكون إلى قلّته (٧).

لكن ذلك باطل ، فإنّ حركات الشمس أكثر من حركات السهم السريع بأضعاف كثيرة ، فيجب أن يكون سكون السهم أكثر من حركته أضعافا كثيرة فكانت تخفى حركاته بسبب زيادة سكونه ، هذا خلف ، قالوا : فاذا كان كذلك

__________________

(١) في «أ» «ف» : (لخفت).

(٢) الواو لم ترد في «ب» «ر» ، وفي «ف» : (نفرض) بدل من : (يعرض).

(٣) انظر شرح الإشارات ٢ : ٢١٧ ، شرح حكمة العين : ٤٤٥ ، إيضاح المقاصد : ٢٨٧ ، شرح المواقف ٦ : ٢٥١ ، شرح المقاصد ٢ : ٤٤٥.

(٤) في «ج» «ر» «ف» : (بحسب).

(٥) في «ج» «ر» «ف» : (الخالية).

(٦) انظر شرح المواقف ٦ : ٢٥٢ ، نهاية المرام للمصنّف ٣ : ٤٣٧.

(٧) حكاه عن الأوائل في شرح المواقف ٦ : ٢٥٢ وردّ عليه باعتراضات.

٥٢١

وجب انقسام الجزء ، فإنّ السريع إذا تحرّك جزءا فالبطيء إن لم يتحرّك كان البطء بسبب السكون ، هذا خلف ، وإن تحرّك مثل السريع انتفت (١) السرعة والبطء ، هذا خلف ، وإن تحرّك أقلّ لزم الانقسام.

قال :

ولأنّ ضلع القائمة إذا كان ثلاثة والآخر اثنين كان الوتر أكثر من الثلاثة بشكل العروس وأقلّ من الأربعة (٢) بشكل الحمار.

أقول :

إذا فرضنا خطّا مركّبا من ثلاثة أجزاء ووضعنا على أحد طرفيه خطّا مركّبا من اثنين حتّى حصلت زاوية قائمة ، فالوتر أزيد من ثلاثة ببرهان (٣) شكل العروس الدالّ على أنّ مربّع وتر القائمة مساو لمربّعي ضلعيها وأقلّ من أربعة (٤) بشكل الحمار (٥) الدالّ على أنّ مجموع ضلعي المثلّث أكثر من الثالث ، فهو (٦) أكثر من الثلاثة (٧) وأقلّ من الأربعة (٨) فيلزم (٩) الانقسام ، فإنّ مربّع كلّ واحد من الضلعين

__________________

(١) في «ج» «ر» : (اتّفقت).

(٢) في «د» : (أربعة).

(٣) في «ف» : (برهان).

(٤) في «س» : (خمسة).

(٥) هو الشكل العشرون من الأشكال المسطّحة في أصول اقليدس كما في تحرير اقليدس : ١٢ للخواجة نصير الدين الطوسي.

(٦) (فهو) لم ترد في «د» «ر».

(٧) في «ج» «ر» «ف» : (ثلاثة).

(٨) في «ج» «ف» : (أربعة) ، وفي «س» : (الخمسة).

(٩) في «ب» : (فلزم) ، وفي «أ» : (فيلزمهم).

٥٢٢

أربعة ، فيجب أن يكون الوتر خطّا إذا ضرب في نفسه كان ثمانية ، لكن الثلاثة في نفسها تسعة فإن كان أربعة كان القطر مساويا للضلعين معا ، وهو محال لشكل الحمار فهو أكثر من الثلاثة وأقلّ من الأربعة فيلزم الانقسام (١).

قال :

ولأنّ الخطّ الملاصق لضلع (٢) القائمة إذا سحب جزءا من تحت انسحب من فوق أقلّ بشكل العروس.

أقول :

إذا فرضنا قائمة أحد ضلعيها عشرة وفرضنا خطّا ملاصقا لذلك الضلع ثمّ سحبناه (٣) من تحت على الضلع الآخر جزءا حصل مثلّث أحد أضلاعه عشرة وهو القطر ، والضلع الآخر جزءا واحدا ، فالضلع الذي كان ملاصقا إن كان تسعة (٤) كان مجموع مربّعي الضلعين اثنين وثمانين ، ومربّع الوتر مائة ، هذا خلف ، وإن كان عشرة كان المربّعان مائة وواحدة (٥) ومربّع الوتر مائة ، هذا خلف ، فهو إذن أكثر من تسعة وأقلّ من عشرة فيلزم الانقسام ، ومتى كان أكثر من تسعة وأقلّ من عشرة لزم انسحاب الخطّ من فوق أقلّ من جزء ، فيلزم انقسام الجزء.

قال :

وحادّة اقليدس مختصّة بمستقيمة الخطّين.

__________________

(١) قوله : (فإنّ مربّع) إلى هنا من «أ» «د».

(٢) في «س» : (بضلع).

(٣) في «ج» «ر» «ف» : (سحبنا).

(٤) في «ج» : (يسعه) ، و (إن كان) لم يرد في «ف».

(٥) في «ب» «د» «ر» «ف» : (وواحدا).

٥٢٣

أقول :

هذا جواب عن سؤال أورده المتكلّمون ، وهو أنّهم قالوا : إنّ اقليدس برهن في المقالة الثالثة على وجود زاوية حادّة هي أصغر الزوايا (١) ، فنقول : تلك الزاوية لا تنقسم وإلّا لوجد ما هو أصغر منها فيلزم ثبوت الجزء.

وتقرير الجواب : أنّ اقليدس برهن على وجود زاوية حادّة مستقيمة الخطّين هي (٢) أصغر من كلّ زاوية حادّة مستقيمة الخطّين تفرض ، ولا يلزم من ثبوت أصغر زوايا المستقيمة (٣) الخطوط ثبوت أصغر زاوية مطلقا (٤).

[البحث في الخلأ]

قال :

مسألة : الخلأ (٥) حقّ وإلّا لكانت الحركة محالة إذ تستدعي مكانا ، فإمّا أن يلزم التداخل أو الدور.

__________________

(١) قد جاء في المباحثات لابن سينا : ٣٦٣ ، والمواقف : ١٨٧ ، وشرح المواقف ٧ : ١٦ أن اقليدس قال ذلك في الشكل الخامس عشر من المقالة الثالثة من كتاب الأصول.

(٢) في «د» : (على).

(٣) في «ب» «س» «د» : (المستقيم).

(٤) انظر المباحث المشرقيّة ٢ : ٤٢ ، نهاية المرام للمصنّف ٢ : ٤٣٦.

(٥) قال الجرجاني في كتاب التعريفات : ١٣٥ ، الخلأ هو البعد المفطور عند أفلاطون ، والفضاء الموهوم عند المتكلّمين ، أي الفضاء الذي يثبته الوهم ويدركه من الجسم المحيط بجسم آخر ، كالفضاء المشغول بالماء أو الهواء في داخل الكوز ، فهذا الفراغ الموهوم هو الذي من شأنه أن يحصل فيه الجسم ، وأن يكون ظرفا له عندهم ، وبهذا الاعتبار يجعلونه حيّزا للجسم ، وباعتبار فراغه عن شغل الجسم إيّاه يجعلونه خلأ ، فالخلاء عندهم هو هذا الفراغ مع قيد ألّا يشغله شاغل من الأجسام فيكون لا شيئا محضا لأنّ الفراغ الموهوم ليس بموجود في الخارج ، بل هو أمر موهوم عندهم ، إذ لو وجد لكان بعدا مفطورا ، وهم لا يقولون به ، والحكماء ذاهبون إلى امتناع الخلأ ، والمتكلّمون إلى إمكانه. (انظر شرح المصطلحات الكلامية : ١٤٢ / ٥١٢).

٥٢٤

أقول :

هذه مسألة يبتني عليها ثبوت المعاد ، فلذلك بحث المتكلّمون عنها ، والخلأ هو وجود بعد غير حالّ في المادّة ، وقوم فسّروه بلا شيء (١) ، واختلف الحكماء في ذلك والمتكلّمون ، فذهب أكثر المتكلّمين إلى ثبوته (٢) ، وذهب أكثر الحكماء إلى انتفائه (٣). احتجّ المتكلّمون بوجهين :

الأوّل : أنّ الخلأ لو لم يكن ثابتا لامتنعت الحركة ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ المتحرّك إذا انتقل من حيّزه إلى الحيّز الثاني فإمّا أن يكون الحيّز الثاني خاليا أو (٤) ممتليا ، والأوّل المطلوب ، والثاني يلزم منه التداخل (٥).

لا يقال : إنّه حال حركته إلى الحيّز الثاني ينتقل الجسم الذي في الحيّز الثاني إلى الحيّز الأوّل.

لأنّا نقول : فحينئذ تتوقّف حركة كلّ واحد منهما على حركة الآخر وذلك دور.

وأمّا بطلان التالي فظاهر.

قال : ولأنّ (٦) السطحين إذا رفع أحدهما عن الآخر ثبت الخلأ.

__________________

(١) حكاه الفخر الرازي في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٣٨ ، والمصنّف في الأسرار الخفيّة : ٢٥٢ ، والفاضل المقداد في إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٦٣.

(٢) قال الفخر الرازي في كتاب المحصّل : ٣٠٨ ، الخلأ جائز عندنا وعند كثير من قدماء الفلاسفة. خلافا لارسطاطاليس وأتباعه (وانظر تلخيص المحصّل : ٢١٤).

(٣) جاء في الموسوعة الفلسفيّة للدكتور عبد المنعم الحنفي ص ١٧٥ أنّ القول بانتفاء الخلأ مذهب أكثر الفلاسفة كأرسطو والفارابي وابن سينا والطوسي وكذا فلاسفة الغرب منهم ديكارت.

(٤) (أو) لم ترد في «ف».

(٥) انظر المعتبر لأبي البركات البغدادي ٢ : ٤٧ ، نهاية المرام للمصنّف ١ : ٤٠٢ (الوجه الأوّل).

(٦) في «د» زيادة : (شخص).

٥٢٥

أقول :

هذا هو الوجه الثاني وتقريره : أنّا نفرض سطحين مستويين انطبق أحدهما على الآخر ثمّ رفع أحدهما عن الآخر رفعا متساويا ، فإنّه حينئذ يخلو الوسط لأنّ الجسم لا ينتقل إلى الوسط إلّا بعد حصوله في الطرف ، وفي تلك الحال (١) يكون الوسط خاليا (٢).

قال :

والتخلخل (٣) والتكاثف الحقيقيّان مبنيان على المادّة وهو ممنوع ، ودليل الانفصال مدخول.

أقول :

هذا الكلام يشتمل على مباحث :

[البحث] الأوّل : اعلم أنّ الجسم قد يزيد مقداره وينتقص ، والمشهور عند المتكلّمين أنّ زيادته إنّما يكون بأحد أمرين : أحدهما انضياف جسم آخر إليه. والثاني : انتفاش أجزائه بعد اكتنازها ، وإنّ نقصانه إنّما يكون بانفصال بعض أجزائه عنه أو باندماجه بعد انتفاشه ، وهذا هو المسمّى عند الحكماء بالتخلخل والتكاثف المشهورين (٤).

__________________

(١) في «ف» : (في تلك الخلأ) بدل من : (وفي تلك الحال).

(٢) المحصّل : ٣٠٨ ، تلخيص المحصّل : ٢١٤.

(٣) في «أ» «ف» : (والتخلّل). والتخلخل هو الانتفاش أي تباعد أجزاء الجسم بحيث يدخلها جسم غريب كالهواء (شرح المقاصد ١ : ٢٦٢) وفي تقريب المرام في علم الكلام ١ : ٢٦١ هو ازدياد حجم الجسم من غير أن ينضمّ إليه جسم آخر ، وانظر شرح المصطلحات الكلاميّة : ٦٤. والتكاثف قد يراد به الاندماج أي تقارب الأجزاء بحيث يخرج ما بينهما من الجسم الغريب (جامع العلوم ١ : ٣٤٦ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ٨٠.

(٤) انظر شرح المقاصد ١ : ٢٦٢.

٥٢٦

وعند الفلاسفة أنّ مقدار الجسم عرض حالّ في الجسم ومادّة الجسم قابلة لما هو أزيد من ذلك المقدار أو أنقص ، فهي من حيث هي هي (١) غير متقدّرة وقابلة لكلّ المقادير ، ويمكن أن يخلع مقدارا أكبر ويلبس أصغر وبالعكس ، وهذا هو التخلخل والتكاثف الحقيقيّان ، وهو مبنيّ على وجود المادّة ، فإنّه لو لا وجود المادّة لكان المقدار هو الجسم ، ولا سبب للتخلخل والتكاثف إلّا ما ذكره المتكلّمون ، وعلى تقدير ثبوت المادّة يتمشّى هذا البحث (٢).

البحث الثاني : اعلم أنّ الجسم متّصل في الحيّز ، ولما أبطل الأوائل الجزء الذي لا يتجزّأ ثبت أنّه كذلك في الحقيقة ، ولا شكّ في أنّه قابل للانفصال ، والقابل للشيء يجب حصوله مع المقبول ، والاتصال لا يمكن حصوله مع الانفصال ، فهو غير قابل له ، فلا بدّ من شيء آخر (٣) يقبل الانفصال والاتصال وهو المادّة.

البحث الثالث : اعلم (٤) أنّ المتكلّمين نفوا وجود المادّة وجماعة من الأوائل أيضا ، وهو مذهب صاحب المعتبر (٥) ، وذلك لأنّ المادّة إمّا أن تكون متحيّزة أو

__________________

(١) (هي) لم ترد في «ب».

(٢) انظر تلخيص المحصّل للخواجة نصير الطوسي : ٢١٥ ، وإرشاد الطالبيين للفاضل المقداد : ٦٥ ، شرح المقاصد ١ : ٢٦٢.

(٣) في «د» زيادة : (لا).

(٤) (اعلم) ليست في «ف».

(٥) أي صاحب كتاب المعتبر في الحكمة ، وهو أبو البركات هبة الله بن عليّ بن ملكا البغدادي المولود سنة ٤٨٠ هجريّة والمتوفّى سنة ٥٦٠ هجريّة ، كان طبيبا سكن بغداد وعرف بفيلسوف العراقيين ، ولقب بأوحد الزمان ، كان يهوديّا فأسلم ، وكان في خدمة المستنجد بالله العبّاسي ، له كتاب «اختصار التشريح من كلام جالينوس» بالإضافة إلى كتاب المعتبر في الحكمة وغيره (ريحانة الأدب ٧ : ٣٠).

٥٢٧

غير متحيّزة ؛ والأوّل باطل ، وإلّا لكانت جسما ، فكان حلول الصورة الجسميّة فيها ملزوما للتداخل (١) واجتماع الأمثال ، وإن كانت غير متحيّزة استحال حلول (٢) المتحيّز فيها.

واعترضوا على دليل الإثبات بأن قالوا : لا نسلّم نفي الجزء ، وقد مضى الكلام فيه ، وإن سلّمنا لكن لا نسلّم أنّ القابل يجب حصوله مع المقبول (٣) ، ولئن سلّمنا لكن لم لا يجوز أن يكون الاتصال والانفصال عرضين قائمين بالجسم؟ وأيضا فالمادّة (٤) متصلة ومنفصلة (٥) ، فيلزم ثبوت مادّة اخرى للمادّة (٦) ، وقد يمكن تكلّف الجواب عن بعض هذه الأسئلة.

البحث الرابع : في فائدة هذا البحث هاهنا ، وذلك أنّ المتكلّمين استدلّوا على ثبوت الخلأ بلزوم التداخل أو الدور في الوجه الأوّل ، وبلزوم خلوّ الوسط في الثاني ، والحكماء أجابوا عن هذين بأن قالوا : لم لا يجوز أن يكون الجسم الذي يتحرّك إنّما يتحرّك إلى مكان مملوّ ، وذلك الجسم الذي في ذلك المكان يصغر مقداره من غير انفصال شيء عنه ، والجسم الذي يتحرّك عنه يزداد مقداره فلا يلزم الخلأ ، وكذلك الوسط يكون ممتليا يلبس الجسم الذي في الطرف مقدارا أكبر في آن واحد فلا يلزم خلوّ الوسط.

__________________

(١) في «ف» : (لتداخل).

(٢) في «س» زيادة : (غير).

(٣) في «د» : (القبول).

(٤) في «ر» : (المادّة).

(٥) في «ب» : (منفصل).

(٦) (للمادّة) لم ترد في «ب» «ر» ، وفي «ف» : (لمادّة).

٥٢٨

واعلم أنّ هذا مبنيّ على إثبات المادّة كما قلناه أوّلا ، وإثبات المادّة ممنوع بالدليل الذي ذكرناه ، ودليل الانفصال الذي استدلّوا به على إثبات المادّة مدخول بما ذكرناه.

[أدلّة الفلاسفة على نفي الخلأ]

قال :

احتجّوا بتقديره (١).

أقول :

احتجّ الفلاسفة على نفي الخلأ بوجوه :

أحدها : أنّ الخلأ متقدّر لذاته ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ البعد الذي بين جداري (٢) البيت أعظم من البعد الذي بين طرفي الطاس ، فالخلاء كمّ متّصل وإلّا لما طابق الجسم المتّصل وتقبّل الانفصال فلا بدّ له من مادّة ، فالخلاء ملأ ، وهذا خلف (٣).

قال :

ولأنّه يلزم أن تتساوى الحركتان المعوقة وغيرها لأنّ المعاوقة بإزاء الغلظ ، فإذا فرضنا عديم (٤) المعاوقة تحرّك مسافة في وقت وآخر (٥) معها في أزيد (٦) وآخر أرقّ بنسبة زمانيهما فتكون مساوية للخالية.

__________________

(١) (قال : احتجّوا بتقديره) سقط من «ف».

(٢) في «د» : (جدار).

(٣) انظر شرح الإشارات ٢ : ١٦٤ ، والفصل الثامن من المقالة الثانية من الفنّ الأوّل من طبيعيّات الشفاء ، المباحث المشرقيّة ١ : ٣٣٨ ، ونهاية المرام ١ : ٤١٢.

(٤) في «د» : (عدم).

(٥) في «د» : (واحد).

(٦) في «ف» : (آخر معها أزيد) بدل من : (وآخر معها في أزيد).

٥٢٩

أقول :

هذا هو الوجه الثاني ، وتقريره أن نقول : لو كان الخلأ حقّا لكانت الحركة مع العائق كهي لا مع العائق ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّا إذا فرضنا متحرّكا تحرّك مسافة خالية عن العائق فإنّه يقطعها في زمان ، فإذا فرضنا المسافة ممتلية بملء مفروض بحيث يتحرّك المتحرّك تلك المسافة في ضعف الزمان الذي تحرّك فيه مع عدم المعاوقة ، ثمّ إذا فرضناها ممتلئة بملء آخر أرقّ من الملأ (١) الأوّل بنسبة الضعف كان المتحرّك يقطع تلك المسافة في مثل نصف زمان حركة المعاوقة الاولى ، لأنّ المعاوقة بإزاء الغلظ فكان يجب تساوي زماني حركة عديم (٢) الملأ وحركة الممتلئ ، هذا خلف (٣).

قال :

وهذا يدلّ على إثبات الميل (٤) ، لأنّ المعاوق الذي نسبته إلى المعاوق الآخر كنسبة الحركة معه (٥) إلى عدمها يجب (٦) أن يتحرّك معه كما يتحرّك مع عدمه.

__________________

(١) (الملأ) لم ترد في «ب».

(٢) في «ف» : (عدم).

(٣) نقد المحصّل : ٢١٥ ، وفي نهاية المرام ١ : ٤١٥ جعله الوجه الرابع من وجوه الفلاسفة.

(٤) الميل هو الذي يسميه المتكلّمون اعتمادا ، وهو كيفيّة بها يكون الجسم مدافعا لما يمانعه ، وهو ينقسم إلى ذاتي وعرضي ، وهو العلّة القريبة للحركة ، باعتبار تحقّقه يصدر عن الثابت شيء متغيّر (تفضيل الكلام في الميل وأنواعه في نهاية المرام للمصنّف ١ : ٥٠٥ ، شرح المواقف ٥ : ١٩١ ، شرح المصطلحات الكلاميّة : ٣٥٩).

(٥) في «س» : (معها).

(٦) في «ج» : (بحيث).

٥٣٠

أقول :

الفلاسفة استدلّوا بهذا الدليل على وجوب وجود معاوق للحركة ؛ أمّا للطبيعيّة (١) فالملأ ، وأمّا للقسريّة (٢) فالميل الطبيعي الذي يعاوق القاسر ، وقد مرّ تقرير الأوّل ، وأمّا تقرير الثاني فبيانه أنّ المتحرّك إذا كان متحرّكا بالقسر حركة ما مع عدم المعاوقة (٣) في زمان ثمّ فرضناه متحرّكا مع المعاوقة في زمان هو ضعف ذلك الزمان ثمّ فرضناه متحرّكا مع نصف المعاوقة الاولى فإنّه يجب أن يتحرّك المسافة في مثل زمان عديم المعاوقة (٤) فتكون الحركة مع العائق وعدمه متساوية ، هذا خلف.

قال :

ولأنّه غير متناه محال لما بيّنّاه ومتناه مشكل (٥) ولا تنفعل الصورة إلّا للمادّة.

أقول :

هذا هو الوجه الثالث وتقريره : أنّ الخلأ إمّا أن يكون متناهيا أو غير متناه ، والثاني باطل لما بيّنّاه أوّلا من أنّ كلّ بعد فلا بدّ وأن يكون متناهيا ، وإن كان الأوّل كان له شكل بالضرورة ، وذلك الشكل لا يحصل لذات البعد ، وإلّا لكان كلّ (٦) بعد كذلك ، هذا خلف ولا للفاعل المجرّد لأنّ نسبته إلى الكلّ على السواء (٧) فلا بدّ وأن

__________________

(١) في «د» : (إلى الطبيعيّة).

(٢) في «ب» «د» «س» : (القسريّة).

(٣) في «ف» : (المعاوق).

(٤) في «ج» : (المعاوق).

(٥) في «د» «س» : (بشكل).

(٦) في «د» «س» : (كان) بدل من : (لكان كل).

(٧) في «ب» «د» «ر» «ف» : (السوية).

٥٣١

يكون بسبب الفاعل بواسطة (١) الحامل فيكون الخلأ (٢) ذا مادّة ، هذا خلف (٣).

قال :

جواب الأوّل : أنّ التقدير لما يحصل ، والثاني : أنّ الحركة لها قدر من الزمان وبسبب (٤) المعاوقة آخر ، والثالث : يبتني (٥) على إثبات الشكل وعلى ثبوت المادّة وكلاهما (٦) ضعيفان.

أقول :

الجواب عن الوجه الأوّل : أنّ التقدير ليس للبعد الخالي بل للجسم الذي يقدّر حصوله في هذا البعد ، وعن الثاني : أنّ هذا المحال إنّما لزم من حيث جعل الزمان بإزاء المعاوقة ، أمّا إذا جعلنا بعضه مستحقّا للحركة لذاتها والباقي بسبب المعاوقة (٧) كان الأوّل محفوظا في عديم (٨) المعاوقة وواجدها ، والثاني مختصّ بالواجد للمعاوقة ، ويتفاوتان بحسب تفاوت المعاوقة ، وعن الثالث : أنّه يبتني على وجود الشكل وعلى ثبوت المادّة ؛ وهما ضعيفان (٩).

__________________

(١) في «د» : (لواسطة).

(٢) في «س» : (الملأ).

(٣) ذكره المصنّف في نهاية المرام ١ : ٤١٣ بعنوان الوجه الثاني.

(٤) في «ب» «د» : (ولسبب).

(٥) في «د» : (مبنيّ).

(٦) في «د» : (وهما).

(٧) في «ج» «ر» : (المعاوق).

(٨) في «د» : (عدم).

(٩) انظر المباحث المشرقيّة ١ : ٣٤٥ ، نقد المحصّل : ٢١٥ ، نهاية المرام للمصنّف ١ : ٤٢٠.

٥٣٢

[الكلام في النفس]

قال :

مسألة : في النفس.

قال قوم : جوهر مجرّد ، وهو مذهب شيخنا المفيد وبني نوبخت من أصحابنا وجمهور الفلاسفة ، وآخرون قالوا : هو الهيكل (١) ، وعليه أكثر المعتزلة وهو فاسد لأنّ مقطوع اليد باق ، ولأنّ الأجزاء تتخلل ولها ثواب وعليها عقاب. وقال آخرون : هو أجزاء أصليّة في البدن لأنّ إعادة المعدوم محال ، و (٢) ندرك الألم بأجسامنا ، ولأنّا نعلم الإنسان ونشكّ في المجرّد.

أقول :

اختلف الناس في حقيقة النفس ما هي؟ وتحرير الأقوال الممكنة فيها (٣) أنّ النفس إمّا أن تكون جوهرا أو عرضا أو مركّبا منهما (٤) ، فإن كانت جوهرا فإمّا أن تكون متحيّزة أو غير متحيّزة ، فإن كانت متحيّزة فإمّا أن تكون منقسمة أو لا تكون (٥) ، وقد صار إلى كلّ قسم (٦) من هذه الأقسام قائل.

والمشهور مذهبان :

أحدهما : أنّ النفس جوهر مجرّد ليس بجسم ولا حالّ في الجسم ، وهو مدبّر لهذا

__________________

(١) في «ب» زيادة : (المحسوس).

(٢) في «ب» : (ولأنّا).

(٣) في «س» : (منها).

(٤) في «ف» : (فيهما).

(٥) في «ج» «ر» «ف» زيادة : (منقسمة).

(٦) (قسم) لم ترد في «ب» «س» «ر» «ف».

٥٣٣

البدن ، وهو قول جمهور الحكماء (١) ومأثور عن شيخنا المفيد وبني نوبخت (٢) من أصحابنا (٣).

الثاني : أنّ النفس جواهر أصليّة في هذا البدن حالّة فيه من أوّل العمر إلى آخره ، لا يتطرّق إليها التغيّر ولا الزيادة ولا (٤) النقصان.

وعند المعتزلة أنّ النفس عبارة عن الهيكل المشاهد المحسوس (٥).

وأطبق العقلاء على بطلانه بوجهين :

أحدهما : أنّ مقطوع اليد باق ، ويستحيل بقاء الماهيّة عند عدم أحد أجزائها.

الثاني : أنّ البدن دائما في التحليل ، والقوّة الغاذية دائمة الإيراد ، فالأجزاء الفانية لها ثواب وعليها عقاب ، فإن حشرت الأجزاء بأسرها لزم المحال وإلّا كان ظلما (٦).

واحتجّ القائلون بالأجزاء الأصليّة بأنّ النفس لو كانت هي البدن مع أنّه يعدم لزم إعادة المعدوم وهو محال ، فلا بدّ وأن يكون شيئا آخر يبقى إلى يوم القيامة ويعاد بمعنى جمع (٧) الأجزاء بعد تفريقها.

__________________

(١) الشفاء (الطبيعيّات) ٢ : ١٤.

(٢) بنو نوبخت أسرة معروفة اشتهرت بالكلام ، منهم أبو سهل إسماعيل بن عليّ ، وأبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق ، وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق ، وأبو محمّد حسن بن حسين النوبختي وغيرهم (انظر ريحانة الأدب ٦ : ٢٤٨ ، الكنى والألقاب ٣ : ٢٦٩).

(٣) حكاه المصنّف في مناهج اليقين : ٢٢٧ ، وفي طبعة الأنصاري القمي : ١٣٨.

(٤) (لا) من «أ».

(٥) انظر المباحث المشرقيّة للرازي ٢ : ٣٥٠ وما بعدها ، أنوار الملكوت : ٦.

(٦) في «ب» «د» : (ظالما).

(٧) في «د» : (جميع).

٥٣٤

وأيضا فإنّا ندرك الألم بأجسامنا بالضرورة ، وكذلك ندرك الطعوم والروائح بأجسامنا لا بالمجرّد.

وأيضا فإنّا نعلم الإنسان قطعا ونشكّ في المجرّد ؛ فدلّ على التغاير.

[النفس جوهر مجرّد عند الحكماء]

قال :

واحتجّ الأوّلون بأنّ المعلوم غير منقسم كالوحدة والله تعالى فالعلم به (١) كذلك فمحلّه (٢) غير منقسم ، وإلّا إن حلّ في الكلّ فهو علوم ، أو (٣) انقسم فليس بواحد ، أو لم يحلّ في الأفراد فلا (٤) يحلّ في المجموع ، وكلّ جسم وجسمانيّ منقسم.

أقول :

احتجّ الحكماء على أنّ النفس جوهر مجرّد بوجوه :

أحدها : أنّ هاهنا معلومات غير منقسمة لوجهين :

أحدهما : أنّ واجب الوجود غير منقسم ، والوحدة غير منقسمة (٥).

الثاني : أنّ المركّب إنّما يتركّب من البسائط ، فلو كانت منقسمة لزم عدم التناهي ، فالعلم بهذه الامور غير منقسم ، لأنّه لو انقسم لكان كلّ واحد من جزئه إمّا علما (٦)

__________________

(١) (به) لم ترد في «ج» «ر» «د» «ف».

(٢) في «ف» : (لمحله).

(٣) في «د» : (إلى).

(٤) في «د» : (فلم).

(٥) قوله : (لوجهين) إلى هنا لم يرد في «ف».

(٦) في «ج» «ر» «ف» : (علم).

٥٣٥

بذلك المعلوم أو ببعضه أو لا يكون علما ، والأوّل باطل وإلّا لزم تساوي الجزء والكلّ ، والثاني يقتضي انقسام المعلوم البسيط ، والثالث باطل لأنّه عند اجتماع الأجزاء إن لم يحصل أمر لم يكن هناك علم ، وإن حصل فإن انقسم عاد المحال وإلّا ثبت المطلوب.

فمحلّ العلم غير منقسم وإلّا إن حلّ العلم في كلّ جزء لزم حصول علوم كثيرة أو وجود (١) العرض الواحد (٢) في المحال المتعدّدة أو كان العلم منقسما ، هذا خلف ، وإن لم يحل في شيء من الأفراد لم يحل في المجموع ، وكلّ جسم وكلّ (٣) جسمانيّ فهو منقسم ، فمحلّ العلم الذي هو النفس ليس بجسم ولا جسمانيّ.

قال :

ولأنّ الكلّيّ وجوده ذهنا فلو كان جسما لم يكن كلّيّا بل مقارنا للمادّة.

أقول :

هذا وجه ثان وتقريره : أنّا نعقل الكلّيّ (٤) من حيث هو كلّي (٥) صادق على كثيرين ، وليس (٦) هو في الخارج لأنّ كلّ ما في الخارج فهو شخص ، فهو إذن في النفس ، فلو كانت النفس جسما استحال أن يكون كلّيّا لكونه مقارنا للمادّة ولهيئات خاصّة لا يصدق على غيرها ، هذا خلف.

__________________

(١) في «د» : (وجد).

(٢) إلى هنا انقطعت نسخة «ف» عن مواصلة الطريق.

(٣) (كلّ) لم ترد في «د» «ر» «س».

(٤) في «د» : (الكلّ).

(٥) (كلّي) لم ترد في «س».

(٦) في «د» : (فليس).

٥٣٦

قال :

ولأنّ القوّة الجسمانيّة لا تقدر على غير المتناهي بخلاف العقليّة.

أقول :

تقرير هذا الثالث أن نقول : القوّة الجسمانيّة لا تقوى على ما لا يتناهى والقوّة العقليّة تقوى على ما لا يتناهى ، فهي غير جسمانيّة : أمّا الاولى فلأنّ الجسمانيّة إمّا قسريّة أو طبيعيّة ؛ أمّا الاولى فإذا فرضنا قوّة حركت من مبدأ مفروض جسما وحركت جسما أصغر من ذلك فإن تساوت الحركتان في المدّة أو العدّة كانت القوّة المؤثرة مع العائق الكثير كالقوّة المؤثّرة مع العائق القليل ، هذا خلف ، وإن نقصت إحداهما تناهت ، ونسبة التأثير كنسبة الجسمين ، وهما متناهيان فالتأثير (١) كذلك.

وأمّا الثانية فلأنّ الأكبر والأصغر متساويان في القبول عن (٢) طبيعته وإلّا لكان العائق عن الطبيعيّ طبيعيّا ، هذا خلف.

أو قسريا وقد فرض زواله ، نعم إن اختلفت الحركتان بسبب (٣) اختلاف (٤) المؤثّر ، فإنّ قوّة الأكبر أعظم ، فإذا فرضنا الصغير يتحرّك بقوّة مسافة لا تتناهى فالكبير إن تحرّك كذلك تساوى المؤثّران ، هذا خلف.

وإن تحرّك أزيد كان التفاوت في الجهة التي لا يتناهيان فيها ، هذا خلف.

وإن تحرّك الصغير (٥) بقوّة حركات متناهية ونسبة الأثر إلى الأثر كنسبة الفاعل

__________________

(١) في «ب» : (فالتأثيران).

(٢) في «ب» زيادة : (غير).

(٣) في «ب» «ج» «د» : (فبسبب).

(٤) في «د» : (اختلالي).

(٥) في «ج» : (أصغر).

٥٣٧

إلى الفاعل والثانية (١) نسبة متناه إلى متناه ، فالأولى كذلك. وأمّا الثانية فلأنّ أحد ما تعقله النفس الأعداد ، وهي غير متناهية.

قال :

ولأنّها (٢) كانت دائمة التعقّل (٣) للمحلّ أو لا تعقله البتّة.

أقول :

هذا أحد الوجوه وهو أنّ النفس لو كانت منطبعة في آلة كالقلب أو الدماغ لزم أحد الأمرين ، وهو إمّا (٤) تعقّل النفس لذلك المحلّ دائما أو عدم تعقّله البتّة في وقت من الأوقات ، والتالي بقسميه باطل (٥) ، فالمقدّم مثله.

وبيان الشرطيّة : أنّ التعقّل هو حصول صورة المعقول للعاقل ، والنفس إذا كانت منطبعة في الآلة استحال أن يكون تعقّلها لتلك الآلة لأجل حصول صورة لتلك الآلة مساوية لها في النفس لاستحالة اجتماع الأمثال ، بل إنّما كانت تعقل تلك الآلة بنفسها ، فإن كانت تلك الآلة معقولة للنفس كانت كذلك دائما لحصول المعقول دائما للعاقل ، وإن لم تكن معقولة لم يكن كذلك دائما.

وأمّا بطلان التالي فلأنّا نعقل الآلة التي تدّعونها في وقت دون وقت.

__________________

(١) في «ب» : (الثاني).

(٢) في «د» : (ولأنّه).

(٣) في «س» : (العقل).

(٤) (إمّا) لم ترد في «د».

(٥) في «ج» «ر» : (باطل بقسميه) بتقديم وتأخير.

٥٣٨

[جواب الأدلّة]

قال :

جواب الأوّل نمنع انقسام الجسم إلى ما لا تتناهى ، ومعه نمنع أنّ الحال في المنقسم منقسم ، سنده الإضافات والنقطة والوحدة.

فإن قلت : ليست سارية. قلت : ما يدريك بسريان العلم (١) ولم حصرت.

أقول :

هذا جواب الوجه الأوّل ، وهو أن نقول : لا نسلّم أنّ الجسم ينقسم إلى ما لا يتناهى ، فإنّا قد بيّنّا ثبوت الجزء الذي لا يتجزّأ ، وإن سلّمنا ذلك لكن لا نسلّم أنّ الحال في المنقسم (٢) منقسم. ثمّ إنّا نبطل ذلك بوجوه :

أحدها : الأعراض الإضافيّة عندكم موجودة في الخارج مفتقرة إلى المحلّ المنقسم مع أنّها لا تنقسم ، فإنّه لا يعقل قيام نصف الأبوّة بنصف الأب.

وثانيها : النقطة عندكم عرض (٣) قائم في الجسم ، ولا ينقسم بانقسامه.

وثالثها : الوحدة القائمة بالعشرة لا تنقسم بانقسامها.

ورابعها : القوّة الوهميّة قد تعقل ما لا ينقسم كالصداقة وهي جسمانيّة.

لا يقال : هذه الأعراض غير سارية فلا يلزم من حلولها في المحلّ (٤) المنقسم انقسامها بانقسام ذلك المحلّ.

__________________

(١) في «د» : (العالم).

(٢) في «ج» : (القسم).

(٣) في «د» : (عرض عندكم) بتقديم وتأخير.

(٤) (المحل) لم ترد في «ج» «ر».

٥٣٩

لأنّا نقول : لم قلت : إنّ العلم من الأعراض السارية حتّى إنّه إذا حلّ في الجسم كان منقسما؟

وأيضا فلم قلتم (١) : إنّ كلّ ما (٢) لا ينقسم فإنّه (٣) عرض غير سار؟

ولم لا يجوز وجود عرض غير منقسم؟

وإن كان ذلك العرض من شأنه أن يكون من الأعراض السارية لا بدّ لهذا الحصر من دليل؟

وأيضا فلم لا يجوز انقسام العلم ويكون كلّ واحد من الجزءين علما ، ولا يلزم من مساواة الجزء الكلّ في هذا مساواته من كلّ وجه؟

وأيضا فلم لا يجوز انقسامه إلى ما ليس بعلم وعند اجتماع (٤) الأجزاء يحصل العلم؟

وما ذكروه ينفي الماهيّات المركّبة وهو باطل بالضرورة.

قال :

والثاني : أنّه (٥) لا صورة كلّيّة ذهنا وإن كانت ولكن (٦) باعتبار شخصيّة محلّها تكون شخصيّة فكذا هنا.

__________________

(١) في «ب» «د» : (قلت).

(٢) في «د» : (إنّما) بدل من : (إنّ كلّ ما).

(٣) في «ر» : (فهو).

(٤) إلى هنا انقطعت نسخة «أ» عن مواصلة الطريق.

(٥) في «ب» : (أنّ).

(٦) في «ج» «ر» : (لكن).

٥٤٠